المحتوى
مقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أعزائي المشاهدين والمشاهدات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نسعد بكم في حلقةٍ جديدةٍ من "أسس التربية"، ومع ضيفها الدائم سعادة الدكتور: خالد بن أحمد السعدي.
فأهلًا وسهلًا سعادة الدكتور.
الضيف: حيَّاكم الله يا أستاذ أنور، ويا مرحبًا بكم والإخوة المشاهدين والمشاهدات.
المحاور: يا مرحبًا.
أعزائي المشاهدين والمشاهدات، كان حديثنا على مدار أربع حلقاتٍ سابقةٍ حول محكات التعامل مع المراهقين، وقد أخذنا عددًا من المحكات المهمة التي تطرقنا لها خلال تلك الأيام، أو تلك الحلقات، فقد تكلمنا عن المحك العبادي، والمحك الأمني، ثم تكلمنا عن محكٍّ مهمٍّ، وهو محك الزواج، ثم بعد ذلك تكلمنا عن محك الرُّفقة.
واليوم سنتكلم عن محكٍّ جديدٍ من محكات التعامل مع المراهقين، سنتحدث عن محك الهوية، ومحك الاستطلاع والثقافة.
نتيجة الاستفتاء حول ثقافة المراهقين!
دكتور، بين أيدينا استفتاء نُشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكان هناك تفاعلٌ رائعٌ جدًّا من مُتابعي البرنامج، وكان السؤال: كيف ترى مستوى ثقافة المراهقين؟
وكانت الإجابات: مرتفعة 5%.
ونوعًا ما 20%.
ومُنخفضة بقية النسبة.
الضيف: خمسةٌ وسبعون؟
المحاور: خمسةٌ وسبعون تقريبًا.
طبعًا يا دكتور الناس لها ... قد لا يكون هذا بناءً على استقصاءٍ علميٍّ، وإنما بحسب ما يرونه في المجتمعات المُحيطة بهم.
وأيضًا لعل هناك أسبابًا يتحدثون عنها حول قضية التنشئة، وحول قضية المستوى التعليمي المُقدم للطلاب اليوم في مدارسنا، فقد يكون أقلَّ كمًّا في المعلومات مُقارنةً بأجيالنا السابقة، ومُقارنةً بأجيالكم سعادة الدكتور.
فهذا الأخ -مثلًا- الذي شارك معنا يقول: الأسرة والتنشئة الأساسية تُؤثر في مستوى الطالب أو مستوى الأبناء من 40 إلى 60% من مستوى الثقافة.
وهذا يقول: لا تجد اليوم في أجيالنا مَن يسعى إلى طلب العلم كما كان يسعى الأولون في التِّرحال من بلدٍ إلى بلدٍ، ومن دولةٍ إلى دولةٍ، التعامل.
الضيف: إذا كانت هناك دولٌ يا أستاذنا أنور، إن كانت هناك أسماء.
المحاور: لا يوجد.
هذا يقول: التعامل غير الصحيح مع (التكنولوجيا) دمَّر المراهقين، فلم يتربوا على تحمل المسؤولية، وعلى الحرص على تنمية الثقافة وطلب العلم، ويحرص الواحد على اللهو واللعب.
وهذا يقول: نجد أن عندنا تميزًا في أبنائنا المُلتحقين في حلقات تحفيظ القرآن الكريم؛ لما للقرآن من أثرٍ في بناء الشخصية ونمو المعرفة والثقافة لدى الأبناء.
المشاركات كثيرةٌ، وقد اخترنا منها بعض المشاركات، فما تعليقكم فضيلة الدكتور في بداية هذه الحلقة حول مستوى ثقافة أبنائنا المراهقين؟
الضيف: قبل التعليق، كم عدد المشاركين؟
المحاور: المشاركون في هذه الحلقات وهذه التصويتات بلغ أكثر من ألف ومئتي مشاركٍ.
الضيف: جميلٌ، طيب.
شبابنا جماجم فارغةٌ..!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وأُصلي وأُسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
حيَّاك الله أستاذي الكريم، وحيَّا الله الإخوة المشاهدين والمشاهدات.
الموضوع الذي بين أيدينا موضوعٌ ذو شجونٍ؛ لأنه مُرتبطٌ بقضيةٍ رئيسةٍ مما يتعلق بقضية الشخصية.
أظن أن الإخوة المشاهدين والمشاهدات يُدركون أن قضية الجانب العقلي وما يرتبط بالبناء العقلي والمعرفي ركيزةٌ أساسيةٌ، والنُّضج العقلي يحصل في هذه المرحلة بصورةٍ أكثر بمراحل عما يكون عليه الحال في مرحلة الطفولة.
لما تأتي أخي الكريم هذه النتائج المُذهلة، يعني: لو قيل لي: كم كنت تتوقع من هذه النتائج؟
العدد أيضًا في الاستبيان ليس سهلًا: 5% مُرتفع، 20% متوسط، 75% منخفض.
لاحظ أستاذي الكريم، فهذه ذكرتني بالاستبانة عبر وسائل التواصل الاجتماعي -يعني- من دولٍ مختلفةٍ يضمُّها جانب اللغة العربية والدين الإسلامي؛ فلذلك في ظني أن الوقوع في التبريرات أو المُدافعة فيما يرتبط بهذا الجانب ليس من الصواب، فالصواب أن نُواجه هذا الذي عندنا كما أشارت إحدى الدراسات، وهي قديمةٌ، ولكن فيها التقاء ومُقاربةٌ من هذه الأرقام، وقد عَنْوَنَتِ النتائج بـ: شبابنا جماجم فارغةٌ.
أظن الوصف مُثيرٌ.
المحاور: يعني: أنت يا دكتور تُؤيد؟
الضيف: الوصف مُثيرٌ؟
المحاور: مُثيرٌ جدًّا.
الضيف: أنا بالنسبة لي أقول: ما كنتُ أتمنى هذا، لكن أيضًا في نفس الوقت نتوقعه، وإن كانت مجالات المصادر الثقافية زادت، فالمُفترض أن يكون هناك وعيٌ أكثر من ذي قبل.
وليس لدينا الآن -كما قلت- دراسةٌ علميةٌ مسحيةٌ تُعتبر استطلاعًا مسحيًّا سريعًا، لكن ليست هناك دراسةٌ للمتغيرات المتعلقة بهذا الموضوع، وهذا يعرفه أهل الاختصاص.
المحاور: اسمح لي يا دكتور، عندي تعليقٌ: قياس مستوى الثقافة أعتقد أننا اليوم يجب أن نُغير طريقتنا في النظر إلى مستوى الثقافة.
قديمًا كنا نقول: العلم ما حواه الرأس، لا ما حواه القرطاس.
واليوم نحن نقول: الثقافة تنبني على قدرة الشابِّ وقدرة الفتاة على التعامل مع وسائل التقنية والوصول إلى المعلومة بشكلٍ سريعٍ وصحيحٍ، فهل يمكن أن يكون هذا التعبير صحيحًا؟
الضيف: يمكن أن أقول لك يا أستاذي الكريم: أنا لا أستطيع حقيقةً أن أدخل في قياسٍ دقيقٍ في هذه اللحظة، لكن الدراسة القديمة عملتها مجلة "الأسرة" وعنونتْ لها -كما قلتُ- بمُنتج: شبابنا جماجم فارغةٌ.
وكما قلتُ: لا نستطيع أن نحكم على الوضع الحالي بالوضع السابق، لكن يمكن أن نقول: هذا أسلوبٌ من أساليب القياس الذي تُشير إليه أستاذي الكريم، لكن لو أتوا بأسئلةٍ متعلقةٍ بالجانب الدراسي الذي هو المعلومات المتعلقة بالمقررات الدراسية، وأتوا بأسئلةٍ أخرى ليست لها علاقةٌ بالدراسة بالنسبة للمُقررات المتعلقة بالوضع المحلي، فدخلت القضايا المُرتبطة بالفن، ودخلت القضايا المُرتبطة بالرياضة؛ احتلَّ الفن والرياضة المركزين الرئيسين الأعلى مستوًى في الجانب الثقافي لدى جيل الشباب وجيل المراهقين، ذكورًا وإناثًا.
المحاور: لماذا؟
الضيف: الأمر واضحٌ جدًّا، يعني: أنا لا أريد أن أدخل في التفاصيل.
المحاور: لا أريد التفاصيل، لكن رؤيةٌ عامَّةٌ، فالرؤية العامَّة أن المُحبَّ لمَن يُحب مُطيع.
الضيف: والجاذبية الحاصلة، والاهتمام، واستثمار أوقات الفراغ في القضايا المُرتبطة بالفن، بكل ما تتوقع من قضايا الفن، وارتباط هذا اللفظ به في مقابل الرياضة.
بينما الجوانب الأخرى المتعلقة بالأمور الاجتماعية، والأمور الدينية، والأمور السياسية، والأمور الاقتصادية كانت أقلَّ من ذلك، مع أنها أسئلةٌ أُخذت من المُقررات، وقد درسوها من قبل! فهذه إشكاليةٌ.
على أية حالٍ أنا أريد أن أقول: بغَضِّ النظر الآن ...؛ لأنه قد يحتج البعض بأننا الآن بصدد إعطاء توجيهات متعلقة بإشباع هذه الحاجة، وإشباع هذه الخاصية، وإشباع هذا المحك، ألا وهو حبّ الاستطلاع.
المحاور: إذن هذا هو موضوعنا.
الضيف: هذا هو موضوعنا، لكننا نقول: ندرس المجتمع ونحكم عليه الآن؟
لا، لا نستطيع أن نقول هذا، وما ذكر ...
المحاور: اليوم نحن مجتمعون حتى نُقدم للآباء والمُربين ما يُعينهم على تنمية هذا المعيار أو هذا المحك المهم جدًّا لدى أبنائنا، وهو الثقافة وما أُسميه: وَعْيًا بقدر ما يكون ثقافةً وتحصيلًا علميًّا.
الضيف: الثقافة والوعي والمعرفة كلها قائمةٌ على ما يمكن أن نُعنونه -ويمكن أن يُخرجه الإخوان- بحب الاستطلاع، كما يُسميه بعض أهل الاختصاص، يعني: حب الاكتشاف.
وحب الاستطلاع هو هذه المرحلة يا أستاذي الكريم، يعني: عنده جانبٌ من محاولة الاكتشاف، ومحاولة الاستطلاع، ومحاولة التَّعرف على الشيء الجديد.
طيب، لو أخذنا هذا التصور ووضعناه على أنه ركيزةٌ أساسيةٌ وحاجةٌ مُلحةٌ لدى المراهقين؛ نأتي عندئذٍ بما يلزمنا أن نفعله حتى تتغير هذه النسبة.
أنا في ظني أننا لو أشبعنا المراهقين والمراهقات من خلال بعض هذه التوصيات التي سنأتي إليها، وإشباع هذا الجانب المتعلق بقضية حب الاستطلاع ورفع المستوى الثقافي؛ لا شكَّ أنه ستتغير المعادلة بصورةٍ كبيرةٍ جدًّا؛ لأن المُدخلات المُؤثرة الإيجابية ستتغير، وستكون بعدها نواتج ومُخرجاتٌ إيجابيةٌ، وهذا طبيعيٌّ جدًّا.
يعني: كل واحدٍ منا ينظر لنفسه، فإذا حصَّل فرصةً في قضيةٍ، يعني: قرأ كتابًا، أو حضر دورةً، أو استمع لمعلومةٍ، هل سيحصل نموٌّ أم لا؟
المحاور: يحصل.
الضيف: يحصل نموٌّ.
ما يلزمنا تجاه حب الاستطلاع
طيب، دعنا نأتي لقضية المُعطيات المتعلقة بما يلزمنا في قضية حب الاستطلاع والمستوى الثقافي.
مكتبةٌ بيتيةٌ
الآن لو أن كل واحدٍ من المشاهدين والمشاهدات سأل نفسه حول هذه النقطة أستاذي الكريم: هل في الأسرة مكتبةٌ بيتيةٌ أم لا؟
المحاور: مكتبةٌ مقروءةٌ، كتابٌ ورقيٌّ موجودٌ.
الضيف: كتابٌ ورقيٌّ موجودٌ، أليس هناك مجلسٌ في البيت؟
المحاور: طبيعي.
الضيف: أليست هناك غرفة نومٍ؟ أليس هناك مطبخٌ؟
المحاور: طبيعي.
الضيف: نريد مكتبةً، أنت في ظنك اعتباطًا لو سُئلتَ: نريد النسبة التي تقولها نسبةً توقعيةً لا علاقةَ لها بالدراسة الواقعية العلمية، كم تتوقع؟
المحاور: المكتبات في البيوت؟
الضيف: نعم.
المحاور: أعتقد قليلةً، يمكن أن تكون القراءة محل اهتمام النُّخبة من المجتمع.
الضيف: إذن انظر، لاحظت أنك ربطتها بالقارئ الذي هو الأب أو الأم، ونظرًا لضعف هذا الجانب في تصورك سيكون قليلًا عند هذا الجانب.
المحاور: صحيحٌ.
الضيف: إذن نحن الآباء لا بد ابتداءً أستاذي الكريم أن نكون قدوةً في هذا الجانب، ونساعد غيرنا، ولا يلزم أن يكون الأب نَهِمًا في القراءة، كما يمكن أن نتصور أن بعض الأبناء يخرجون كذلك.
نحن لو أتحنا لهم الفرصة، وهيَّأنا لهم الظروف، وجعلناهم يُنشؤون المكتبة بأنفسهم؛ لكان أمرًا عظيمًا جدًّا.
وسبق أن ذكرنا قصةً لأحد الأشخاص في إحدى الحلقات، لقيتُه وكان يتكلم عن أبنائه الحاضرين، وكانوا مراهقين، فكان يتكلم عن فترة الحظر.
يقول أحد الأبناء: أبي عنده مكتبةٌ، وعنده كتبٌ، فقال: كل واحدٍ منكم -ذكورًا وإناثًا- يختار كتابًا، ويكون هذا الكتاب صديقه في هذه الفترة، ويُعطينا تصورًا عن هذا الكتاب، وفوائد منه بعد صلاة المغرب في رمضان.
فكانت الأسرة تعيش يوميًّا من خلال هذه المسابقة ...
طيب، مَن الذي أَثْرَى هذه المسابقة؟
المحاور: المكتبة التي في البيت.
الضيف: المكتبة التي في البيت.
طيب، عندنا الآن مكتباتٌ في الجوال.
المحاور: هذا ما أقوله: المكتبات الإلكترونية كثيرةٌ.
الضيف: لكن وجود كتبٍ أمامهم أكثر تأثيرًا من أن يكون في الجوال.
المحاور: لا شكَّ.
الضيف: هذا واحدٌ.
الأمر الثاني: وجود كتبٍ أمامهم يرونها تُفتح مِن قِبَل الآباء والأمهات، وكذلك الإخوة الكبار، سيُؤثر هذا الجانب، يعني: إذا نزلنا للطفولة.
حدَّثني أحد الزملاء -وكان نَهِمًا في القراءة، ما شاء الله! تبارك الله!- أن ابنته كانت تقرأ في كتاب "الرحيق المختوم" وهي في عمر عشر سنوات!
المحاور: ذكرتَ هذا في حلقةٍ سابقةٍ يا دكتور.
الضيف: كمثالٍ، فكيف بالمراهقين؟!
الطفل عنده التقليد، وعنده الاستعداد، والمراهق عنده النُّضج، وهو فقط يحتاج إلى التهيئة لمثل هذه القضية.
فوجود مكتبةٍ بيتيةٍ عملٌ إجرائيٌّ بسيطٌ، لكنه نافعٌ ومفيدٌ في هذا الجانب، خاصةً إذا رُتِّبت ترتيبًا جيدًا.
مثلًا: الروايات النافعة والمفيدة، فهناك رواياتٌ نافعةٌ ومفيدةٌ، ورواياتٌ ضارَّةٌ، فلو قُمنا بقضية الروايات، واستطعنا أن نقوم بقضية اختيار الأشياء المناسبة للأبناء؛ ستكون رائعةً وجيدةً، بإذن الله .
المحاور: كأن الجوَّ عندنا صار باردًا.
الضيف: نُكمل -إن شاء الله- هذه المكتبة البيتية: الألعاب الذهنية أمرٌ من الأمور التي تُساعد.
المحاور: أنا عندي فقط طلبٌ: إذا قدرنا أن نُقدم للمشاهدين نُخبةً من الكتب الأساسية التي يمكن أن تُكوَّن منها مكتبةٌ بيتيةٌ في اللقاء القادم، أو الأسبوع القادم، أو يساعدنا الإخوان في إعداد البرنامج بقائمةٍ من الكتب، بحيث نُعلنها للمشاهدين والمشاهدات، بحيث يستفيدون منها.
يعني: يمكن أن تكون عند بعضهم الآن فكرة إنشاء مشروع مكتبة في البيت، فمن الجيد أن تكون هناك مُقترحاتٌ مفيدةٌ فعلًا للمُربين وللأسرة في هذا الباب.
الألعاب التربوية مرتبطةٌ بالجانب الذهني
الضيف: جميلٌ، جميلٌ.
الجانب الآخر: الألعاب الذهنية، ونحن الآن ما زلنا نتحدث عن قضية العقل، فالعقل يحتاج إلى إثارةٍ، والألعاب الذهنية مما يُنَمِّي الجانب العقلي، والجانب الذهني، وجانب التفكير، وجانب حلِّ المشكلات، والعُقَد، وما شابه ذلك.
وهذا فرقٌ بين الألعاب المجردة من القيم، والألعاب المجردة من التفكير، فنحتاج إلى ضرب المثال، ويستطيع الإنسان أن يفكَّ هذا اللغز، ويربط هذه اللُّعَب بعضها مع بعضٍ، كيف يستطيع أن يجمع مُتناثراتٍ ويُعين مجموعاتٍ على حسب ما يمكن؟
نقول: بينها تشابهٌ، وما شابه ذلك، ... إلى آخره.
هذه من الأشياء المهمة جدًّا، فنُعطي مجالًا للألعاب، لكن ذات الطابع الذهني، الألعاب الذكية المُرتبطة بقضية التفكير، والمرتبطة بقضية حلِّ العُقَد، والمرتبطة بقضية كيف يستطيع أن ينتقل من مرحلةٍ إلى مرحلةٍ؟ ويعمل فيها ذهنه بحيث لا يكون مجرد مُتلقٍّ فقط.
المحاور: نعم، وهذا يرجع أيضًا إلى بعض كتب الألغاز، مثل: الألعاب الحركية التي تُباع الآن في الأسواق، وتُكتب عليها طرق الاستفادة منها، والأعمار التي تستفيد منها.
الضيف: صحيحٌ، فهذا جانبٌ مهمٌّ جدًّا، وأتوقع أنه حتى في الألعاب التربوية فإنها مرتبطةٌ بالجانب الذهني، وقائمةٌ على قضية كيف يستطيع ضرب المثال؟ أنه يُدير مجموعةً من خلال حلِّ مشكلةٍ معينةٍ كمثالٍ.
قضية ضرب المثال، لعب الأدوار بحيث يستطيع ضرب المثال: كيف تستطيع أن تنقل هؤلاء الأشخاص الثلاثة من جهةٍ إلى جهةٍ -مثلًا-، فضرب المثال لا يمكن أن يكون الانتقال أكثر من اثنين في المرة الواحدة، أو وجود الأشياء المعينة.
وهذا اللُّغز حتى في الجانب الشرعي -في الفقه كمثالٍ- استخدم بعض العلماء هذا الجانب.
المحاور: نعم، يُلغزون في المسائل من باب تنشيط العقل.
الضيف: أنا مرةً من المرات دخلتُ على طلابي في الجامعة وقلتُ لهم: كيف تستطيع أن ترمي بيضةً مسافة خمسة أمتارٍ دون أن تنكسر؟
كان هذا في بداية اللقاء، والطلاب شرَّقوا وغرَّبوا، لكن لاحظ أنك استطعتَ أن تُصنف الطلاب عدة أصنافٍ: هناك طلابٌ لا يكادون أن يُعملوا أذهانهم من خلال كلامهم، أو في الظاهر.
وهناك أناسٌ يقولون: هاتِ الجواب الآن بسرعةٍ، نريد أن نعرف.
وأناسٌ يقولون: لا يا أستاذ، هاتِ الجواب.
هل هذا يدل على تشابهٍ بينهم أو تفاوتٍ؟
المحاور: تفاوتٌ كبيرٌ.
الضيف: ولهذا كان الذي أجاب هم النُّدرة، وأخَّرنا الكلام عن هذه القضية.
وبعضهم قال: نحن سمعناها، نجاوب؟
لا، هذا بالنسبة له صارت عبارةً عن معلومةٍ يُمارس فيها قضية التَّذكر والنسيان، وأنا ما أريد معلومة التذكر والنسيان، أنا أريد معلومة الاكتشاف، أريد منه أن يكتشف فعلًا كيف يستطيع أن يرمي بيضةً مسافة خمسة أمتارٍ ولا تنكسر؟
نختبرك يا أستاذ أنور.
المحاور: والله أنت ما أعطيتنا السطح، يمكن أن نرميها في البركة.
الضيف: لا، بحيث لا تحصل أي اعتباراتٍ أخرى مما ذكرتَه أبدًا، إنما بيضةٌ ونَيِّئَةٌ وبدون تدخلاتٍ معينةٍ، ومن أسفل إلى أعلى، ودون أن تنكسر.
المحاور: المخرج مُتفاعلٌ مع السؤال، يقول: نسلقها ونرميها.
الضيف: لا، لا، من أعلى إلى أسفل، إلى السراميك، سيظهر الآن ...
انظر: الآن أنت والمخرج تُفكران، ونحن نحتاج إلى أن يعيش المُراهقون هذا الجو.
المحاور: أنا أتخيل هذا الجو.
الضيف: طيب، ما رأيك لو جعلتُ السؤال: كيف تستطيع أن ترمي بيضةً من مسافة خمسة أمتارٍ دون أن تنكسر؟
انظر: أضفتُ "مِن"، وهذه الإضافة ستجعل السؤال الثاني مستحيلًا، ستنكسر.
أما السؤال الأول فيمكن ألا تنكسر، وبعض الطلاب أجاب من المرة الأولى، وكانوا نُدرةً، لماذا؟
ارمها فوق الخمسة أمتار، ستة أمتار، وأنت تمشي خمسة أمتارٍ، ولا تنكسر في الهواء، فقط، انتهت القضية، لكن "مِن" صار ابتداءً، واضحٌ الآن؟
المحاور: نعم، نعم.
الضيف: لكن تُعطيك مُؤشرًا قويًّا جدًّا على أن هذا يُعمل ذهنه يا شيخ.
المحاور: هذا التحليل.
الضيف: يا سلام عليك! أتيت التي يُسمونها: مستويات التفكير العُليا، ومنها: التحليل، والتركيب، والنقد، والاستقراء، والاستنتاج، والاستنباط..
هذه المستويات التي يُسمونها: مستويات التفكير العليا -يا أستاذي أنور- تحتاجها أجيال المُراهقين بشكلٍ كبيرٍ.
وعندئذٍ أستاذي الكريم لا نخشى على المراهق -وقد رُبِّي تربيةً سليمةً- من أن تدخل عليه الشبهات ويتشبعها؛ لأنه يصير عنده حِسٌّ نقديٌّ، فلا يقبلها، وفي نفس الوقت يكون عنده حِسٌّ للاستنباط، ويعيش هذه القضية حتى مع مخلوقات الله ، ويربطها بما درسه في العقيدة ... إلى آخره، فتُهيئه وتجعل ركيزته الحياتية قويةً بسبب ركيزته العلمية المرتبطة بهذا الجانب والتدريب عليه.
واضحٌ أستاذي الكريم؟
المحاور: نعم.
المراهق والتقنية
الضيف: أيضًا من القضايا المهمة جدًّا ما يتعلق بالتقنية كمجالٍ مفتوحٍ جدًّا.
طيب، قضيتنا الآن حب الاستطلاع والاكتشاف، فهل يمكن اكتشاف أشياء في التقنية؟
المحاور: جدًّا، فهي بحرٌ لا ساحل له.
الضيف: دعنا نساعده فنقول: استنبطوا يا شباب مقطعًا رائعًا جدًّا يتحدث عن قضية الأمانة في الاختبارات مثلًا.
دعنا نتكلم الآن عن الاختبارات التي بدأتْ، ويأتي المقطع بحيث لا يتجاوز دقيقةً أو دقيقتين أو شيئًا من هذا القبيل.
طيب، هو ذهب واكتشف وبحث وفعل وأتى بشيءٍ مفيدٍ، فدعه يُمارس هذا الجانب.
هذا غير قضية إعمال الذهن، فإذا كان شخصًا تقنيًّا في قضيةٍ كيف يستطيع أن يستثمر التقنية؟ وكيف يستطيع أن يُطور التقنية؟ وكيف يستطيع أن يُصبح مُبَرْمِجًا؟ ... إلى آخره.
هذه كلها من الأمور المهمة لمثل مرحلة الشباب ومرحلة المراهقة.
استكشاف رأيهم
فأقول: ما رأيكم في التعليم عن بُعْدٍ؟ وما رأيكم في الاختبارات عن بُعْدٍ؟ تفضلوا، هاتوا رأيكم.
ستجد البعض يُجيد المقارنة بين السابق والحاضر، وبعضهم يقول لك: ما أدري. وبعضهم يقول لك: لا، ما اسمه؟ عن بُعْدٍ أحسن. تقول له: لماذا؟ يقول لك عن ميزةٍ واحدةٍ فقط.
طيب، ما في ميزات في السابق، أو العكس؟
هناك ميزاتٌ.
فطريقة إعمال الذهن للشخص الأخير هذا لم يُفرغ جهده فيه، لكن ما تعوده.
المحاور: فتتكون مهارةٌ وتُنميها.
الضيف: أعطني ميزات التعليم وجهًا لوجهٍ.
طيب، أعطني ميزات التعليم عن بُعْدٍ.
المحاور: هذه نأخذها مع أبنائنا الطلاب، خصوصًا في قضية اعتبار جميع العوامل، في قضية التفكير: العوامل الإيجابية والعوامل السلبية، وماذا سيحدث؟ ونناقش.
أذكر أن أحد الزملاء -وفقه الله - قدَّم دورةً تدريبيةً رائعةً لأبنائنا الطلاب في المرحلة الجامعية حول مسألةٍ -وأنت تعرف أن طلابنا يأخذون مكافآتٍ- فقال لهم: لو جاء قرارٌ بزيادة المكافآت الضعف، أو إبقاء المكافأة على وضعها الحالي. فبدايةً أغلب الطلاب قالوا: مؤيدون، وتزيد المكافأة ... إلى آخره.
الآن نريد أن نُفكر بطريقة اعتبار جميع العوامل، دعنا نرى لو زادت المكافأة وصارت الضعف ماذا سيكون؟ وإذا بقيت على وضعها الحالي ماذا سيكون؟
الضيف: هذا الأسلوب هو الذي نحتاجه في بيئاتنا التعليمية والتوجيهية في البيت، وفي غيره.
كيف يستطيع الإنسان أن يُنَمِّي مجاله المالي في ظل الظروف الحاصلة؟
المحاور: جميلٌ، ويستطيع الأب أن يُمارس ويُطوع أبناءه بكل بساطةٍ.
الضيف: قضية (كورونا)، قضية ضرب المثال: كيف يستطيع الإنسان أن يُنَمِّي مجاله المالي في ظل الظروف الحاصلة؟
دعهم يطرحون ويُشاركون في هذه القضية.
قضية العفة عند المرأة ... إلى آخره، دعهم يُشاركون، وكلما استكشفتَ آراءهم كلما كانت هذه القضية مهمةً.
أنا مرةً دخلتُ على طلابي وطرحتُ قضيةً من القضايا، وكنتُ أتصور أن الذي سأسمعه هو ...
المحاور: عكس ما كنت تُريد؟
الضيف: الذي رأيتُه عكس الذي كنتُ أتوقعه، فكنت أتوقع من شخصٍ أنه سيوافق، والله هو الذي رفض، والذي كنت أتوقع أنه سيرفض هو الذي وافق، وصار بينهم بعد ذلك أخذٌ وعطاء.
المحاور: أخذٌ وعطاء ونقاشٌ.
الضيف: وبعد ذلك اكتشافٌ، فتبين أن توقعي كان خاطئًا.
الشيء الثاني: أن القضية ليست مُعتبرةً فقط بمُعطياتٍ من بُعْدٍ، وإنما القضية في حقائق ثقافيةٍ معينةٍ، هذه القضايا لن تخرج إلا من خلال طرح هذه القضايا، وإتاحة الفرصة للحوار والنقاش.
الشيء الثالث: صار هناك فريقان، وكنت أقول لهم: هيا، كل واحدٍ يرد على الثاني.
فأنت ما هي الأدلة والأشياء والدلائل والبراهين التي يمكن أن تُعضد بها رأيك؟ وما رأيك يا أستاذي الكريم في كلامه؟ والعكس.
فأصبح نقاشًا علميًّا وراقيًا، وفي نفس الوقت فيه هدف الوصول للحق، وهذه من القضايا المهمة جدًّا.
الجِدَة والحيوية وعدم التكرار
أستاذي، هذه لا بد أن نضعها في اعتبارنا، كيف؟
المراهق مَلُولٌ لما تكون الوسيلة واحدةً؛ ولذلك أنا أُحذر الآباء: يا أيها الآباء والأمهات، إن طريقة توجيهنا وطريقة تعاملنا مع المراهق على وتيرةٍ واحدةٍ، إذا أردنا شيئًا استخدمنا أسلوب التوجيه المباشر، الأوامر مثلًا.
المحاور: نحن الآن -ما شاء الله- في قضية الثقافة ما ركزنا على جانب القراءة فقط، فتحنا مواضيع كثيرةً، يعني: المقصد نمو الفكر عند الشابِّ المراهق والمراهقة، وليست القضية أنه يُمسك كتابًا ويقرأ فقط، إنما نريد أن نستخدم كل الوسائل الممكنة لرفع المستوى الفكري لدى العقل.
الضيف: العقل هو الوعاء الفكري يا أستاذي، هو الفكر؛ فلذلك كيف نستطيع أن نُنميه؟
ولذلك المعلم عندما تكون طريقته في التعليم على وتيرةٍ واحدةٍ يَمَلُّ الطلاب، لكن لما يُنوع ويُجيد في التنويع ويُغير نجد الطلاب أنفسهم ينشطون، وهذا مُلاحظٌ بشكلٍ كبيرٍ جدًّا.
ولذلك نحن نقول هنا: حاول أن تُجدد، ونقول للأسرة: غيروا الأساليب، ولا تكن رحلتكم دائمًا في نفس المكان، جددوا المكان، وجددوا الوقت، وجددوا البرنامج، وجددوا الطبخ، وجددوا المسؤوليات ودوِّروها.
وهكذا بالنسبة لطرائق التعليم وطرائق التدريس، فالمراهق مَلُولٌ ويحتاج إلى ما يجذبه، والذي يجذبه هو إيجاد هذه الحيوية المتعلقة بالتغيير؛ ولذلك هو عنده انجذابٌ لمثل هذا الأمر الذي يستهويه، وحتى لا يذهب إلى غيرك ويَمَلّ منك اجذبه ما أمكنك إلى ذلك سبيلًا.
المحاور: تعرف أن الآباء ينتبهون للقضية، فهي قضيةٌ مهمةٌ جدًّا: دور الآباء والأمهات في قضية تنمية الفكر لدى الأبناء، وتنمية هذا العقل مهمٌّ، وكثيرٌ من الآباء يحرص على التنمية البدنية، والتنمية الصحية، والتنمية الاجتماعية، وينسى التنمية العقلية.
لعلنا بعد الجِدَة ندخل في علاقة أبنائنا مع التقنية المُتجددة بالصناعة، بالابتكار.
أذكر أحد الطلاب -ولعلك تعرفه يا دكتور- اكتشف حذاءً مُعينًا لجده، وكان أعمى رحمه الله، وساعد في الاكتشاف.
فالحاجة تدعو إلى التفكير والبحث حتى يصل إلى مستوى يُلبي فيه احتياجاته، ودور أبنائنا ودور أُسرنا في هذا الباب مهمٌّ.
الضيف: على أية حالٍ موضوع الابتكار من الموضوعات الركيزة، المُلاصقة.
الأب يشرب الخمر
المحاور: المخرج يقول: معنا مشاركةٌ عبر (الزووم).
تفضلي يا أم محمد.
المتصلة: السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أهلًا يا أم محمد، تفضلي.
المتصلة: يا دكتور، الله يرضى عليك، عندي سؤالٌ بخصوص ولدي المراهق، وعمره ثلاث عشرة سنةً.
المحاور: نعم، تفضلي يا أختي.
المتصلة: السؤال: أنا منفصلةٌ عن أبيه، وولدي يعيش عندي، وطبعًا منذ فترةٍ طويلةٍ لم يسأل عنه أبوه، وفي هذه الفترة الأخيرة صار يسأل عنه ويأخذه بعد ستِّ سنوات، وللأسف أبوه يشرب الخمر!
وأنا كنت طوال هذه الفترة أُزين أباه في عينه، وما أُوصل له أي شيءٍ سيئٍ عن أبيه، وكنت أُبرر غياب أبيه بانشغاله.
وتقريبًا هذا الموضوع من ثلاثة أسابيع، وذهب الولد عند أبيه، ورأى أباه بهذا الوضع، وجلس الولد يومين ساكتًا ومُتضايقًا، وبعدها كلمني في الموضوع.
المحاور: الولد اشتكى لكِ من أبيه؟
المتصلة: نعم، فقد رأى أباه وهو سكران! وأول شيءٍ سألني.
المحاور: سؤالكِ يا أختي الآن كيف؟
المتصلة: أول شيءٍ سألني: ماما، أنتِ لماذا ما قلتِ لي: كيف أتعامل؟
هو كيف فتح معي الموضوع؟
أنتِ تقولين: أنتِ صديقتي.
الحمد لله، أنا أُعامله كصديقٍ، وما في أي حواجز بيني وبين ولدي، يعني: كأني صديقةٌ، ولستُ أُمًّا فقط؛ لأنه وحيدي، ما عندي إلا هذا الولد.
جاء وقال لي: أنتِ إلى الآن لم تُخبريني عن سبب انفصالك عن أبي.
وبعد ذلك فتح الموضوع، وأنا عرفتُ السبب؛ لأني فعلًا ما كنت أذكر الموضوع.
المحاور: واضحٌ، تابعينا -إن شاء الله- وستسمعين من الدكتور بعض التوجيهات، بارك الله فيكِ يا أخت أم محمد.
وما زلنا نتكلم عن محك الاستطلاع وحاجة المراهقين إلى البناء العقلي والفكري، وتوقفنا عند الابتكار، وجاءنا سؤالٌ من الأخت أم محمد، فهل من تعليقٍ يا دكتور؟
الضيف: الله يحفظك، إذا تأذن لي فقط؛ لأن حلقتنا في المحكات ستكون الأخيرة كما تعلم أستاذي أنور، وبقيت عندنا الهوية، والوقت ضيقٌ، فلعله -إن شاء الله تعالى- يمكن أن يُنظر للسؤال في الحلقة القادمة المتعلقة بتساؤلات المراهقين.
ويمكن أن يكون هناك تواصلٌ فيما يتعلق بسؤال الأخت الكريمة، وإن كنت أنا أُبشرها بأنها نموذجٌ من النماذج الرائعة فيما يتعلق بقوة العلاقة مع الابن ومع المراهق، لكن ربما تكون هناك أشياء معينة أُخِّرَتْ عن هذا الابن كانت سببًا في هذا الإشكال.
هذا باختصارٍ شديدٍ.
المحاور: جميلٌ، نجعل موضوع أم محمد -إن شاء الله- باستفاضةٍ في الحلقة القادمة.
الضيف: بإذن الله .
المراهق والابتكار
بالنسبة للابتكار فهذه قضيةٌ أساسيةٌ؛ لأنه عبارةٌ عن شيءٍ ليس موجودًا يوجد، وهذا الذي اكتشفه الابن الذي ذكرتَ، الذي نظر إلى حاجة جده فاكتشف، وأخذ عليه جائزةً عالميةً -ما شاء الله! تبارك الله!- فيما يرتبط بهذا الجانب؛ هذا لا شكَّ أنه مهمٌّ جدًّا أن نزرع فيه هذه القضية.
ومن أساليب ذلك: ربط الجيل وربط المراهق بالمبتكرين، فأنا يمكن أن آخذ ابني لواحدٍ مُبتكرٍ، آخذه لواحدٍ مُبْدِعٍ، وأعرض عليه بعض المبتكرين وما يتعلق بابتكاراتهم وإبداعاتهم.
والرحلات والزيارات -هذه أيضًا من الأساليب- لما يذهب ذات اليمين وذات الشمال في البلد، مثلًا: مصانع، أو يكتشف أشياء جديدةً، فهذه تُنمي له جانب الثقافة.
وهنا تبرز أهمية أن تُضيف زياراتنا ورحلاتنا نموًّا معرفيًّا وعقليًّا، ونموًّا في حب الاستطلاع، حتى يرصد بعضهم أين ذهبوا؟ وما مروا عليه، ... إلى آخره، فيكون هناك رصدٌ معرفيٌّ في هذا الجانب، ويمكن أن تُوكل هذه المهمة لأحد الأبناء.
المحاور: يا دكتور، بما أننا تكلمنا عن قضية الرحلات والزيارات أيضًا قضية البحث عن المقاطع الجيدة الإثرائية في جانب التَّصنيع وجانب الابتكار في (اليوتيوب) و(الإنترنت).
ربَّيتُ أبنائي على الدين لكنهم تغيروا..!
عمومًا يا دكتور، معنا مُداخلةٌ من الأخت أم عبدالله من السعودية.
الأخت أم عبدالله عبر (الزووم).
السلام عليكم.
المتصلة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: تفضلي يا أم عبدالله، معك الدكتور.
المتصلة: ما أدري، يمكن أن أطرح سؤالًا.
المحاور: تفضلي، طال عمرك.
المتصلة: طيب، الآن إذا ربيتُ أبنائي وبناتي على الدين والستر من صغرهم، فلما وصلوا إلى مرحلة المراهقة تغيروا، وصار عندهم مثل النفور من الدين، ومن الأمور المتعلقة بالدين، فما الحل معهم؟ كيف أُرجعهم إلى حب الدين وحب الستر؟
وجزاكم الله خيرًا.
المحاور: أحسنتِ، بارك الله فيكِ، وشكرًا لكِ يا أم عبدالله، ونُأجل الإجابة إلى الأسبوع القادم.
الضيف: والله أنا أقول: هذه الأسئلة مهمةٌ، ونظرًا لضيق الوقت من المُفترض أن تجمع ما بقي مما يرد عبر وسائل التواصل، والحلقة القادمة ستكون عبارةً عن تساؤلاتٍ حول المراهقة؛ لأن المحكات سننتهي منها اليوم بإذن الله.
المحاور: إذن نعدهم -بإذن الله- بأننا في بداية الحلقة القادمة سنُجيب عن سؤال أم محمد، وسؤال أم عبدالله، وباستفاضةٍ.
الضيف: بل بأكثر من ذلك -إن شاء الله- وربما تكون معنا مُشاركاتٌ عبر الهاتف من مُختصين أكفاء يُشاركوننا عبر الهاتف في بعض الأسئلة.
المحاور: جزاك الله خيرًا يا دكتور، وبارك الله فيك، ونُواصل حديثنا.
الضيف: طيب، بقيت عندنا النقطة قبل الأخيرة حتى نستطيع أن نستثمر الوقت، وننتهي من هذه المحكات المهمة.
التعرف على الذات
مَن الذي سيتعرف على الذات؟
المحاور: الابن سيتعرف على ذاته.
الضيف: على ذاته، وهذه قضيةٌ مهمةٌ؛ لأن الله يقول: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21]، يعني: الواحد لما ينظر في نفسه، وينظر في تركيبه، وينظر في عقله، وينظر في طبيعته، وينظر في أنماط شخصيته، ويتعرف على نفسه، فإذا اكتشف الواحد نفسه فهذا بحدِّ ذاته شيءٌ عظيمٌ جدًّا؛ لأنه به يستطيع أن يسلك في الحياة مسالك في التَّخصص والمهنة ... إلى آخره.
لماذا أنت في هذه المهنة مَلُولٌ؟ ولماذا أنت في هذا التَّخصص لست مُنتجًا؟
بسبب أن التخصص ما يُناسبه، ولا يُناسب شخصيته.
وأيضًا نساعده في التعرف على ذاته، وهذا مجال حب الاستطلاع، ولا بد أن ندرك أن هذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا للمراهقين، ونحتاج إلى أن نساعدهم في ذلك بطريقةٍ سليمةٍ؛ لأن الواحد منهم قد يصل إلى التعرف بطريقةٍ غير سليمةٍ، وتُصبح المشكلة سلبيةً وعكسيةً.
حل المشكلات ووضع الخُطط
أخيرًا: حل المشكلات ووضع الخُطط، يعني: هناك مشكلةٌ معينةٌ، وهذه المشكلة قد تكون حقيقيةً في الأسرة، وقد تكون حقيقيةً في المجتمع، وقد تكون افتراضيةً أستاذي الكريم.
المحاور: نحن نريد أن نُربي أبناءنا على هذه المهارة.
الضيف: بالضبط.
طيب، نحن الآن عندنا ضرب المثال: حالة زواجٍ في الأسرة، وعندنا مشكلة (كورونا)، وستكون عندنا مناسبةٌ فيها اجتماعٌ، فكيف نستطيع أن نُلبي هذه الحالات؟ وهناك أناسٌ يمكن أن يقولوا: لماذا ما دعوتُمونا؟ ... إلى آخره.
أو أننا ما نُقيم الحفل، وتُصبح هناك انتقاداتٌ؟
دع الأبناء يُشاركون في الرأي، ودعهم يحلون هذه المشكلة، ودعهم يأخذون ويُعطون فيها كمثالٍ، وتُوضع خُططٌ ... إلى آخره.
والله سيُبْدِعون -يا أستاذي أنور- أكثر.
والله يا أيها الإخوة والأخوات -وأظنكم تُشاركوني هذه القضية- أن ما عند هؤلاء من النُّضج والتَّفَتُّق -حتى لو كان بقلة خبرةٍ- فيه مجالٌ كبيرٌ جدًّا، وأفكارٌ جميلةٌ.
المحاور: وحلولٌ أحيانًا لا يصل إليها الإنسان بذاته وبأفكاره وبعقله.
الضيف: هذا باختصارٍ شديدٍ جدًّا حول المحك قبل الأخير.
وأنا أتمنى أستاذي أن ندخل في المحك الأخير المهم، والوقت أَزِفَ.
المحاور: المحك الأخير! وما أدراك ما المحك الأخير في التعامل مع المراهقين؟!
هذا -يعني- أثار عندنا شجونًا، وهو: هل أبناؤنا المراهقون اليوم مظاهرهم وحياتهم تُعبر عن انتمائهم للهوية الإسلامية؟
هذا السؤال طُرح عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وجاوب عليه عددٌ كبيرٌ من الناس، وتباينت آراء الناس حول هذا السؤال، كما تباينوا حول الثقافة.
فلدينا 16% يرى أن انتماء المراهقين للهوية الإسلامية، أو المظهر اليوم للمراهقين ينتمي إلى الهوية الإسلامية، 16% يؤيدون انتماء أبنائنا إلى الهوية الوطنية.
و54% نوعًا ما، وتعدلت النسبة إلى 22% نوعًا ما.
الضيف: وكم؟
المحاور: طيب، أول شيءٍ كم يا أستاذي؟
الذين صوتوا بنعم 16%، مضبوطٌ، إذن 16%، ثم "نوعًا ما" 22%.
الضيف: هذه صارت أربعين، وستين في الأخير.
المحاور: وفي الأخير كم؟ 57% وكسورٌ.
الضيف: ما في مشكلة.
المحاور: 57%.
الضيف: واضحٌ.
تعزيز الهوية الجنسية المتعلقة بالأنثى
المحاور: إذن، نعم، نتكلم عن سؤال: هل المراهقون ثقافتهم، وميولهم، وهيئتهم تُعبر عن انتمائهم للهوية الإسلامية؟
الضيف: واضحةٌ جدًّا أستاذي، وما قلناه أستاذي أنور في النتيجة المتعلقة بالثقافة نقوله هنا أيضًا، يعني: على قدرٍ.
المحاور: هذه أظهر.
الضيف: يعني: على قدر ما نقول: إنها أعدادٌ كبيرةٌ، وجاءت من بلدانٍ مختلفةٍ، وفيها هويةٌ إسلاميةٌ، ويرون أنه يتمثل 16% نعم، ونوعًا ما 22%، وهذه قُلْ: أربعون، وقُرابة الستين لا تُمثل الهوية الإسلامية.
نحن في خطرٍ يا شيخ! الأمة في خطرٍ!
هذه عبارةٌ لوَّحتْ بها أمريكا -أظن- في الستينيات أو السبعينيات، وبعد أن حققوا مراكز منخفضةٍ في اختبار الرياضيات والعلوم، ثم قاموا بإجراءاتٍ ضخمةٍ جدًّا، وأصبحوا في الأوائل.
المحاور: عن دولتهم.
الضيف: عن دولتهم.
أنا أقول: الآن الأمة في خطرٍ في قضية الهوية، وفي قضية الثقافة؛ لأن الثقافة التي كنا نتكلم عنها قبل قليلٍ لم تكن تُمثل هويتنا بهذه الصورة، أو هذه نتيجة الهوية، فهي قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
وهذه تُعطينا حاجتنا لهذا المحك الأخير، ألا وهو -أيها الإخوة والأخوات، وأيها الآباء والأمهات- محك الهوية عند المراهق.
المراهق يحتاج يا أستاذي الكريم إلى أن نُشبع عنده مَن هو؟ وتُشبع عند المراهقة مَن هي؟
فهو ذكرٌ، وهي أنثى، هو ذكرٌ وليس أنثى، وهي أنثى وليست ذكرًا، هو مسلمٌ، وهي مسلمةٌ، وليس غير ذلك.
هذه الهوية التي تُسمى لما أقول لك: أخرج لي هويتك، أو اقرأ بطاقة الهوية الوطنية، أو انظر اسمك، وانظر رقمك، ... إلى آخره، هذا يُعطي دلالةً عما يتعلق بك، مَن أنت؟
هذا أنور محمد الراشد، هذه الهوية.
هل هذه الهوية واضحةٌ وبينةٌ حينما أقول: قريبٌ من 60% ثقافتهم لا تُعطي دلالةً على هويتهم الإسلامية؟
هذه مشكلةٌ يا شيخ، وتذكرت قبل قليلٍ لما ذكرنا قضية الفن والرياضة، وانتبهت لهذه القضية؛ لذلك نحن نحتاج للعناية بإرجاع المراهقين والمراهقات والشباب والفتيات إلى هويتهم.
إحدى المرافق النسائية في إحدى الجامعات أقامت برنامجًا اسمه: "أنا فتاة".
أتعرف لماذا فعلوا هذا البرنامج الرائع؟ وأنا اطلعتُ عليه.
المحاور: تعزيز الهوية؟
الضيف: تعزيز الهوية الجنسية المتعلقة بالأنثى، لماذا؟
لأنه قد ظهرت المظاهر المتعلقة بالمُسترجلات، فاحتاجت هذا البرنامج حتى تُدرك الفتاة أنها أنثى، وليست مُسترجلةً.
المُعايشة التربوية
لما نُعايش أبناءنا المراهقين مباشرةً سنكون نحن لهم الهوية؛ ولذلك لا يمكن أن تكون الصلة بين الآباء والأبناء صلةً من أبراجٍ عاجيةٍ، إنما تحتاج إلى مُعايشةٍ، فندخل معهم، ونسافر معهم، ونُعايشهم، ونُلاطفهم، ونعمل معهم، ونفعل معهم، ونأتي معهم، يعني: عندنا قربٌ، وعندنا حضورٌ، وهذه المعايشة التربوية مهمةٌ جدًّا من أجل قضية إبراز جانب الهوية واكتسابها بالمُعايشة.
المحاور: يعني: أنت تذكر آباءنا لما كانوا يأتون ويُوزعون الأعمال، وهم لا يقرؤون، ولا يكتبون، أُميون، لكن يُميزون: هذه أعمالٌ تليق بالرجل، وهذه أعمالٌ تليق بالمرأة، فهذا فيه تعزيزٌ للهوية.
الضيف: بلا شكٍّ.
المحاور: صحيحٌ أننا ما كنا نعي هذا.
الضيف: ليس الذكر كالأنثى بطبيعة الحال.
المحاور: نعم.
الضيف: طبيعة الرجل غير طبيعة المرأة، لكن أيضًا نقول هنا: نحن لما نُعايشهم ويُعايشونا يرون هويتنا من قربٍ، ويرون هوية الأمة من قُربٍ، وتحصل قضية الأفعال، والأفعال أبلغ تأثيرًا من الأقوال، واضحٌ أستاذي الكريم؟
هذه النقطة الأولى.
النقطة الثانية:
النظر والتأمل
أنا مرةً رأيتُ طالبًا في الجامعة شكله من حيث الشعر واللباس غير لائقٍ.
طيب، ماذا استخدمتُ أنا؟
استخدمتُ الهوية المتعلقة بجانب القبيلة، فقلتُ له: ما اسمك الكريم؟ قال: فلان الفلاني. قلتُ له: من قبيلة فلان؟ قال: نعم. قلت: سأسألك: هل قبيلتك تقبل هذا الشكل؟ فأنزل رأسه وطأطأه وقال: لا والله!
عرفت كيف؟
النظر والتأمل في قضية: لماذا خلقنا الله ؟ ولماذا أوجدنا الله ؟ وماذا يريد الله منا؟ وما الهوية التي يجب أن ننتمي لها؟
النظر والتأمل إلى هذا العالم الخضم، عرفت؟ وماذا يوجد؟ وإلى أين يذهب؟ ذات اليمين، وذات الشمال.
جئتُ لا أدري من أين، ولكني أتيتُ
ولقد أبصرتُ قدامي طريقًا فمشيتُ
من أين جئتُ؟
من أين أتيتُ؟
لستُ أدري
ولماذا لستُ أدري؟
لستُ أدري!
هذا إيليا أبو ماضي، شاعرٌ وصاحب كتاباتٍ، ومع ذلك هو مُلخبطٌ في الهوية، لا يدري أين يتجه بسبب أن بوصلته ...
المحاور: عالمٌ بالثقافة والاطلاع والتجارب، ومع ذلك ...
الضيف: الهوية ضائعةٌ، البوصلة ضائعةٌ.
فلا بد من التوجيه المباشر بالكلام المباشر مع المراهق والمراهقة بحيث نُرجعهم إلى هويتهم.
اللغة
نحن الآن في هذه الفترة عن اللغة العربية.
أعجبني واحدٌ يتحدث ويقول: في بعض البلدان أصبح الشباب والفتيات يتحدثون بغير لغتهم.
يقول: فهذه ضيعت اللغة العربية.
فنحتاج إلى أن نقول لهم: يا أخي، نعتز بلغتنا.
الفرنسيون يتكلمون اللغة الفرنسية، وبرامجهم المتعلقة بقضية المناهج بالفرنسية، وكذلك دول أخرى بلغتهم، وعندهم اعتزازٌ بهويتهم، بغضِّ النظر عن أشياء أخرى، فهناك اهتمامٌ بالجانب اللغوي.
أنت جِدِ اللغة الأخرى التي تحتاجها وتحتاجها منك الأمة، لكنك لا تنسى لغتك أبدًا، يعني: مما يصعب أننا نحن العرب نتكلم بلغةٍ غير لغتنا، وهذه من الأشياء المشكلة هنا.
المحاور: الحمد لله، هنا يعني ...
الضيف: عرض النماذج.
هل عندك شيءٌ أستاذي.
المحاور: أقول: كانت عندك الهوية خاصةً في اللغة بدأت في خلال هذه السنوات القريبة نهضةٌ جيدةٌ حول توعية الناس بأهمية التمسك باللغة العربية، لكن نحن ندعو لأكثر من ذلك؛ لأن اللغة العربية هي ...
الضيف: هي لغة القرآن.
المحاور: هي لغة القرآن، لكن نريد أعمق من ذلك باعتبار الهوية الإسلامية.
الضيف: وهذا السؤال الذي أتى: أنا ماذا يعنيني أستاذي أن يأتي طالبٌ في المرحلة المتوسطة أو الثانوية أو الجامعية ويُجيب عن قضيةٍ في العقيدة، وفي الثقافة الإسلامية، أو في الصلاة إجابةً رائعةً، ويأخذ عشرةً من عشرةٍ، أو مئةً من مئةٍ ويتفوق، ويكون من أذكى الناس، ولكنه مُقصرٌ في الصلاة، وربما لا يُصلي، وقضية أنه لو خلا بمحارم الله انتهكها، وربما أنه يُواجه عظمة الله بإلحاده، وإلا بهذه الشبهات التي هي ذات اليمين أو ذات الشمال، ماذا سأستفيد؟!
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أُوتوا ذكاءً، وما أُوتوا زكاءً"[1]"مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (5/ 119)..
فالتزكية مطلوبةٌ، فلما يكون الإنسان ذكيًّا، لكنه مُزَكِّي نفسه، فهذا الذي نريده، وهذا هو العقل الذي تكلمنا عنه منذ قليلٍ في قضية حب الاستطلاع، هذا العقل الذي نريده، فالثقافة تُكوِّن الهوية، لكن إنسانٌ ذكيٌّ جدًّا ومُخترعٌ ومُبتكرٌ، ثم بعد ذلك لا يُمثل هويته، بل يُمثل هوية غيره! هذه هي المشكلة والطامَّة الكبرى.
عرض النماذج
المحاور: النماذج مهمةٌ في هذا الباب.
الضيف: بلا شكٍّ، ترى أمامي الأب أول نموذجٍ، وهذا يُسمونه: النموذج الحي.
المحاور: ولذلك يجب على الآباء ألا يستقلوا نظر أبنائهم إليهم.
الضيف: عرض النماذج الواقعية الحالية.
لما ترى الفتاة امرأةً بريطانيةً أسلمت، وهي أكثر التزامًا بالحجاب، فهذا عرض نموذجٍ.
عرض النماذج السابقة بالتاريخ والسيرة والقصص والمواقف السابقة، فكل هذه من الأشياء المهمة جدًّا التي يحتاجها أبناؤنا، وتساعد المراهقين في قضية تحقيق الهوية.
أنشطة وقت الفراغ
أخيرًا: من أعظم مُؤشرات وإجراءات تحقيق وإشباع المحك -محك الهوية لدى المراهقين- ما يمكن أن نُسميه بأنشطة وقت الفراغ.
المحاور: أنشطة وقت الفراغ.
الضيف: نعم، إذا نجحنا في أسرنا بأن ملأنا فراغهم بأنشطةٍ رائعةٍ فهذه الأنشطة الرائعة هي التي تُكون ثقافتهم الإسلامية، وثقافتهم اللغوية، وثقافتهم الجنسية، كلٌّ على حسب ما يتعلق بذلك.
لكن لو تركنا هذه الأنشطة، ولم تكن هناك أنشطةٌ، بل جاءت أنشطةٌ مخالفةٌ لثقافتنا الإسلامية، ومخالفةٌ لمنهجنا الإسلامي، ومخالفةٌ للغتنا العربية.
المحاور: الولد في تنشئته أنثوية.
الضيف: إلى آخره، ستكون الهوية هنا مُنتكسةً، وستكون البوصلة بوصلةً ضائعةً؛ لذلك علينا بالعناية بتقديم وتقريب ومساعدة وتشجيع المراهقين والمراهقات في أنشطة وقت الفراغ.
ثم هذا كله سيُساعدنا في محاربة الفراغ القاتل بالنسبة للمراهقين والمراهقات، هذا الذي -في الغالب- سيؤول إلى الضياع، والضياع هو مُؤشرٌ قويٌّ جدًّا على قضية فقد الهوية.
المحاور: ولذلك نجد يا دكتور هناك ترابطًا كبيرًا جدًّا بين المحكات، وكلها مبنيٌّ بعضه على بعضٍ، فكلما وُجدت عندنا الثقافة وُجد عندنا البناء الفكري السليم، ونتج عن ذلك التمسك بالهوية، ونتج عن ذلك مستوى عباديٌّ راقٍ، ونتج عن هذا كله -وجود هذه الثلاثة- استقرارٌ أمنيٌّ ونفسيٌّ للمجتمع، ونتج عن ذلك بناء أسرةٍ واعيةٍ تتحمل مسؤولياتها، واختيار الزوجة الصالحة، ونتج عن ذلك -بإذن الله - البحث أيضًا عن الصحبة التي تُعينه على الحق: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف:28].
في ختام هذه الحلقة يا دكتور رسالةٌ تُوجهها نختم بها.
الضيف: الله يحفظكم ويجزيكم خيرًا، وعمومًا هذه خمس حلقاتٍ، وليست ...
المحاور: هذه الحلقة الخامسة.
الضيف: سهلةٌ، لكن المراهقة تحتاج منا إلى مثل هذا الأمر: محكاتٌ سبعٌ، وإجراءاتٌ عمليةٌ؛ كي لا يقول أحدٌ من الآباء والأمهات والأُسر أو المُربين والمُربيات: أين الجانب العملي؟
كل ما ذُكر في الحلقات الخمس هي إجراءاتٌ عمليةٌ، بقي مَن يُطبقها، وأبناؤنا بين أيدينا، وأجيالنا -طلابنا وطالباتنا- بين أيدينا، فقط نحتاج إلى أن نُراعي هذه الحاجات، وهذه المحكات، وهذه الخصائص، ونُشبعها من خلال هذه الإجراءات، وهذه الوسائل العملية، وهذه التطبيقات التربوية.
المحاور: جزاك الله خيرًا يا دكتور، ونفع الله بعلمكم.
الضيف: وبكم.
المحاور: شكرًا لكم أعزائي المشاهدين والمشاهدات على المتابعة، ونُذكركم أننا بعد هذه الجولة في خمس حلقاتٍ مع محكاتٍ في التعامل مع المراهقين والمراهقات سيكون عندنا تتويجٌ لهذه الحلقات في الأسبوع القادم -إن شاء الله- في مناقشةٍ حيةٍ وحيويةٍ معكم أنتم من خلال تجاربكم، ومن خلال أسئلتكم كآباء وأمهات، وكأساتذةٍ ومُربين، وأيضًا كشبابٍ وفتياتٍ مُراهقاتٍ.
أي سؤالٍ، وأي تجربةٍ، وأي مُلاحظةٍ تريدون أن تدلوا بدلوكم فيها، فالحلقة الأسبوع القادم متاحةٌ لكم، وهذا البرنامج "أسس التربية" منكم وإليكم وبكم.
ستكون جميع القنوات متاحةً عبر (الزووم)، وعبر (الواتساب)، وستكون أيضًا على الشاشة، وأتمنى أن تخرج وسائل التواصل، وأيضًا (الفيس بوك)، و(تويتر)، وأي وسيلةٍ لقناة "زاد" موجودةٌ ستجدون برنامج "أسس التربية" موجودًا فيها.
نشكركم ونشكر سعادة الدكتور: خالد بن أحمد السعدي على هذا الموضوع الرائع الجميل.
ونشكر كل مَن شاركنا، وكل مَن ساهم معنا، وكل مَن أعدَّ هذا البرنامج من طاقم العمل.
شكرًا لكم، وشكرًا لهم، والشكر لله من قبل ومن بعد.
وفي الختام نستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (5/ 119). |
---|