المحتوى
مقدمة
أعزائي المشاهدين والمشاهدات، أهلًا بكم في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات "أسس التربية"، ومع سعادة الدكتور: خالد بن أحمد السعدي، الضيف الدائم على حلقاتنا.
أهلًا وسهلًا سعادة الدكتور.
الضيف: حيَّاك الله يا أستاذ أنور.
المحاور: يا مرحبًا.
الضيف: مرحبًا بك وبالمشاهدين والمشاهدات.
المحاور: نحن وعدنا أعزاءنا المشاهدين والمشاهدات بأن أسئلتهم محفوظةٌ، واليوم -إن شاء الله- سنُواصل تلك الأسئلة التي وصلتنا، وأيضًا الجديد لمَن أراد المُشاركة عبر (الواتساب) أو عبر (الزووم) أو القنوات المُتاحة للتواصل.
أعزائي المشاهدين والمشاهدات، كان الحديث في الحلقة الماضية عبارةً عن تساؤلاتٍ وصلتنا حول المُراهقين والمُراهقات، ومحكات التعامل، وكذلك بعض التجارب الإيجابية الجميلة التي أثبتت لنا أن المُراهقين والمُراهقات قادرون على التغلب على هذه المرحلة، وتجاوز محطات الانكسار والخطأ والفشل إذا حصل التوجيه والرعاية الصحيحة.
اليوم سنُواصل الأسئلة التي وصلتنا، ولأهمية هذه المرحلة العمرية، وأيضًا أهمية هذه الأسئلة ما زلنا مُستمرين معكم في طرحها وتناولها.
وهذا السؤال وصلنا عبر (الفيس بوك) من الأستاذ طارق شلبي يسأل: كيف للشاب أن يُوازن بين الدراسة والعمل الدنيوي، وكسب الرزق والعلم الديني؟
الضيف:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وأُصلي وأُسلم على رسول الله.
أولًا: أشكر الجميع على تفاعلهم، وأسأل الله أن يُبارك، وخاصةً أننا في الحلقة الأخيرة -ربما- فيما يتعلق بالمراهقين، نسأل الله أن يُبارك في هذا الوقت.
وهذه إجاباتٌ سريعةٌ أرجو أن ينفع الله بها أستاذي أنور والإخوة المشاهدين والمشاهدات.
البيئة الأُسرية الآمنة هي خير ما يُعين على قضية التوازن الذي أُشير إليه.
يعني: كلما كانت البيئة آمنةً ...، تذكر في المحك الأمني كلما كان المحك الأمني حاضرًا والبيئة آمنةً؛ كلما كان هذا الجانب مساعدًا.
ولذلك أنا أقول: من المهم جدًّا للآباء والأمهات أن يُراجعوا قضية الأمن النفسي في بيئتهم.
الجانب الآخر: المشاركة معه والتعاون، وهذا مما يُساعد في قضية إكسابه جانب التوازن؛ لأن خبرته بسيطةٌ، وهو يحتاج إلى أصحاب الخبرات؛ ولذلك نحن نحتاج إلى أن نربطه بأصحاب التجارب والخبرات؛ لأن هذا سيُساعده.
في بعض الأحيان ترى المُراهق عنده قضية الرغبة في المُثل، وعنده قضية الاندفاع، عرفت كيف؟
هاتان قضيتان أساسيتان، إذا لم يكن أصحاب الخبرة قريبين منه فإنه -في الغالب- سيتجه اتجاهًا معينًا، وتجد أنه ينسى الاتجاهات الأخرى.
المحاور: وقد يُصاب بالإحباط بسبب اندفاعه.
الضيف: بسبب اندفاعه ربما قد لا يكون هذا الأمر هو الذي يُجيده من جهةٍ، أو ليست عنده الآليات أو المهارات في التعامل مع الجوانب الأخرى، غير أنه سأل عنها في جوانب التوازن، فنحتاج أن نُنبه إلى مثل هذا الأمر.
أيضًا عدم تحميله فوق طاقته، ولا نتصور أننا حين نُحمله فوق الطاقة أنه سيتوازن بحالٍ من الأحوال.
يعني: يطلب العلم ويدرس، ويطلب الرزق، وكذلك نُربيه تربيةً من خلال برامج نافعةٍ ومفيدةٍ.
ونحن جالسون نُكلفه بمسؤولياتٍ فوق طاقته! فهذه ستكون إشكاليةً.
أيضًا -أخي الكريم- الثقة به، والصبر عليه، وهذا مهمٌّ جدًّا، فلا بد أن نُشعره بأنه قادرٌ، كما أشرتَ قبل قليلٍ بلفظك الجميل يا أستاذي أنور فيما يتعلق بقضية التجارب، وأنها أثبتت قُدرة المُراهقين والمُراهقات.
طيب، دعه يغلط، لا إشكال كما اتَّفقنا.
المحاور: صحيحٌ.
الضيف: لا إشكال في ذلك أبدًا.
تحقيق الواجب في الحدِّ الأدنى؛ لأن المسارات كثيرةٌ، يعني: أنا عندي المسار العقلي، ومسار الاتجاهات، والمسار الاجتماعي، ومساراتٌ عديدةٌ جدًّا في الشخصية، وهناك واجبٌ في كل مسارٍ، وحدٌّ أدنى لهذا الواجب، وينبغي التأكد من توفر الحد الأدنى في هذه المسارات، وألا تطغى المثالية علينا بحيث إننا نريد أن نصل للمثالية في وقتٍ قصيرٍ، وغالبًا مثاليتنا في بعض الأحيان في نظرتنا ستكون غير واقعيةٍ، فنحتاج للمثالية الواقعية.
هذا باختصارٍ، حفظك الله.
المحاور: طيب، يا دكتور، إذا سمحتَ لي فقط من أجل وقت البرنامج، لكنك أثرتَ عندي تساؤلًا أثناء طرحك، يعني: الآن بعض الآباء قد يندفع إلى جانب أني أريد من ولدي أن يكون طالب علمٍ، وأن يكون مُميزًا في الدراسة النظامية المنهجية -المدارس-، وأريد -مثلًا- أن تكون عنده جوانب كثيرةٌ مُتعددةٌ.
يعني: في مرحلة المُراهقة يا دكتور هل يمكن أن نتعرف على الميول؟
الضيف: يمكن أن نتعرف على الميول، ونظرية (هولاند) كمثالٍ، وبعض التطبيقات الموجودة لها، والعينات التي طُبقتْ عليها: المراحل المتوسطة، والمراحل الثانوية فما فوق، حتى يمكن أن نُطبقها ما قبل الثانوية، وأنا أتكلم عنها كمقياسٍ.
المحاور: من عمر خمسة عشر فما فوق.
الضيف: وما قاله الدكتور صالح الغامدي -كمثالٍ-، فغيري عاد بالنسخ الأخرى، وهذا سيُساعدني على أن يكون أكثر إشباعًا له، مع أهمية أن هذا لا يلغي السؤال الذي سأله الأستاذ، ألا وهو التوازن.
التوازن سمةٌ في الشخصية
التوازن سمةٌ وخاصيةٌ مهمةٌ جدًّا في الشخصية، فمن المهم جدًّا أن أُربي الطفل على التوازن، والمُراهق على التوازن، والكبير على التوازن، وهي خاصيةٌ في المنهج الإسلامي: أنه منهجٌ متوازنٌ.
يعني: ليس من الصواب أن أعتني بالجانب العقلي على حساب الجانب الروحي، وأعتني بالجانب الروحي على حساب الجانب الجسدي.
المحاور: تسمح لي: كلمة "توازن" هل معناها أني ...؟
الضيف: 50 = 50؟
المحاور: نعم.
الضيف: لا، التوازن هو عبارةٌ عن المستوى الذي يُناسب الحال، ويُناسب الشخص الموجود.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: ولذلك فإن توازني غير توازنك، والنقطة التي ذكرتها أخي الكريم فيما يتعلق بالميول، عندئذٍ لما يكون ميولي المُتميز غير ميولك أنت في التَّميز فأنا سأتشبع في ميولي الذي أتميز فيه، وأنت ستتشبع في ميولك الذي تتميز فيه، لكن الميل الذي عندك من المفترض أن يكون عندي مستوى أدنى فيه، وعلى الأقل أُحافظ عليه، وهكذا العكس، وبذلك يحصل التوازن.
طيب، جاءت الدراسة، وجاءت الاختبارات، ما المنسوب الذي سيرتفع وقت الدراسة؟
المحاور: لا، وقت الاختبارات ظرفٌ طارئٌ لمدة شهرٍ أو أسبوعين للدراسة.
الضيف: سيكون للدراسة، جانب الدراسة.
المحاور: نعم.
الضيف: لكن هل سأترك الصلاة؟
المحاور: لا.
الضيف: إلى آخر هذه الأمثلة، وخُذْ على ذلك؛ فلذلك الجانب التوازني فيه مرونةٌ، ولكن أيضًا فيه حكمةٌ وتعقلٌ، ويحتاجون إلى التدريب، وإلى أصحاب الخبرة في هذا الجانب، وليس هو عبارةً عن مسطرةٍ، أو كما قلتَ أنت: 50 = 50، أو 30 = 30.
المحاور: يعني: مُحاصصة.
الضيف: لا، لا.
المحاور: بنسبةٍ متساويةٍ، لا.
الضيف: لذلك التربية -سبحان الله!- جاءت بإنشاء الشيء حالًا فحالًا إلى مستوى كماله.
طيب، مستوى كمالي غير مستوى كمالك.
في أي شيءٍ؟
هنا جاءت قضية المجالات التي هي الشمولية: الجانب العقلي، والنفسي، والروحي ... إلى آخره.
طيب، والتوازن هو: فَأَعْطِ كل ذي حقٍّ حقَّه[1]أخرجه البخاري (1968)..
المحاور: إذن يأخذ لك.
الضيف: ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأَعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه[2]أخرجه البخاري (1968).، ولزَوْرِك –أي: لضيفك- عليك حقًّا[3]أخرجه البخاري (1975)، ومسلم (1159).، أو كما قال النبي .
هذا معنى التوازن الحقيقي.
المحاور: أحسنتَ يا فضيلة الدكتور، نفع الله بعلمكم.
ظاهرة ترك الدراسة
هذه سائلةٌ أيضًا في (الفيس بوك) أم ياسر، تسأل: في بلدنا المُراهقون أول شيءٍ يفعلونه ترك الدراسة، أو التهاون فيها أشدّ تهاونٍ، ويريدون اللجوء للعمل، أو التَّسكع في الطرقات!
فكيف نحمي أبناءنا من هذه الظاهرة: ظاهرة الترك، ظاهرة التَّسكع، ظاهرة الانصراف للعمل وترك التحصيل العلمي؟
الإقناع العقلي
الضيف: جميلٌ، جميلٌ.
أنا أقول: الله يُعين الآباء والأمهات على تحمل ما يرتبط بحاجات المراهقين التي أشرنا إليها في المحكات، وأيضًا الله يُعينهم على التعامل مع المشكلات، فالمشكلات في هذه المرحلة تحتاج إلى وعيٍ، وإلى حكمةٍ، وإلى علمٍ، وإلى ثقافةٍ تربويةٍ، وما شابه ذلك.
وما يرتبط بهذا السؤال: أن ترى الشابَّ المُراهق -أخي الكريم والإخوة والأخوات المشاهدين والمشاهدات- يشذّ عن الوضع العام، فالتعليم أصبح قضيةً أساسيةً في المجتمعات؛ ولذلك لا بد من الإقناع العقلي أخي الكريم.
وأنا أقول لهذه الأخت وللجميع: إن الدراسة والشهادة مهمتان جدًّا.
يعني: لا بد من قضية الإقناع العقلي.
وبمعنى آخر: لا بد أن يُدرك هو لماذا يدرس؟
طيب، هذه قضيةٌ.
المحاور: يا دكتور، لا تُؤاخذني، أنا الآن في بلدٍ أحتاج للوظيفة، للعمل، أصرف على أمي، وعلى إخواني.
الضيف: نأتي إليها.
المحاور: أنا أقول: الدراسة إلى حدٍّ معينٍ؛ أعرف القراءة والكتابة، الحمد لله أعرف أن أقرأ المصحف.
الضيف: ما في إشكال.
المحاور: حفظتُ جزء "عم" وخلَّصتُ.
الضيف: أستاذي الكريم، إذا كانت القضية مُخططًا لها في الأسرة فأنا ما عندي إشكاليةٌ.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: ما عندي إشكاليةٌ.
لما تأتي مفاجآت ويستغرب الأب والأم، ثم يقولوا: تسكع في الشوارع! هذه إشكاليةٌ.
المحاور: صحيحٌ.
الضيف: لذلك أن يعمل عندي خيرٌ من أن يتسكع، لكن أيضًا إذا أمكن -وهذه قضيةٌ مرتبطةٌ بالتوازن- أن يعمل ويدرس، فلا شكَّ أخي أنا أعرف طلابًا في الجامعة كانوا يدرسون معنا في تخصصاتٍ تربويةٍ، وبعد الساعة الثانية ظهرًا ينتهون من دوامهم فيذهبون إلى أعمالهم لطلب الرزق.
المحاور: نعم، صحيحٌ، وهم طلبةٌ متميزون ومتفوقون.
الضيف: وأنا أعرف واحدًا منهم كلمني قريبًا، وهو الآن يُرتب أموره في الزواج ... إلى آخره، وهو الذي كوَّن نفسه بنفسه، وحمل الشهادة، لماذا؟
انظر، إشكاليتنا -أخي الكريم- أننا في بعض الأحيان نشعر أن أمر الجمع صعبٌ.
وهناك قاعدةٌ جميلةٌ عند شيخ الإسلام ابن تيمية: الإعمال لا الإهمال.
الأصل أن نعمل الأشياء الإيجابية بعضها مع بعضٍ، فهذه هي الشمولية والتوازن، لا الإهمال بأن نقول: والله عندك الدراسة، أو عندك العمل!
فنحن الذين نُوجد التَّصادم بين الاتجاهين، والمُفترض أن يكون هذا بالإقناع يا شيخي الكريم، المفترض أن نُساعدهم على أنه يمكن الجمع، ونُعينهم، ونحاول أن نفتح لهم آفاقًا، خاصةً -أستاذي الكريم- إذا كانت الحاجة تستدعي ذلك.
المشكلة -يا أستاذي الكريم- إذا كانت الحاجة لا تستدعي ذلك، وهو: ترك الدراسة والذهاب للعمل، لكن المشكلة عندي في الثالثة: أنه ذهب للتَّسكع، وهذه هي القضية الخطيرة التي نحتاج إلى أن نتنبه لها.
ولا بد من القُرب منه، وإشغاله بما يُناسبه جدًّا، مع مراعاة الجوانب المتعلقة بالمحكات، فنُساعده بشكلٍ كبيرٍ جدًّا.
الاستقرار النفسي
يا أستاذي -وأنا أقول هذا الكلام للجميع- لنُدرك تلبية المحكات، وتلبية الحاجات.
صدِّقْني أن مآل هذا الشيء هو مزيدٌ من الاستقرار، ومزيدٌ من الإنتاجية.
هناك ثلاثة أمورٍ أنا أريد أن أقولها في هذا السؤال وفي غيره من الأسئلة، وللمحكات تأكيدٌ عليها، وذكرها أهل الاختصاص: الآن هل الواحد منا يرغب في الاستقرار النفسي لنفسه ولأبنائه؟
المحاور: لا شكَّ أن هذا مطلوبٌ.
الضيف: طيب، الاستقرار النفسي منه الاستقرار الذاتي، حيث يشعر أنه مُستقرٌّ وليس مُضطربًا، ومُتوافقٌ مع نفسه.
ثانيًا: الاستقرار المجتمعي -الذي هو التوافق مع الآخرين- إيجابيٌّ أو ما هو إيجابيًّا؟
المحاور: إيجابيٌّ.
الضيف: إيجابيٌّ بلا شكٍّ.
ثالثًا: الزيادة في الإنتاجية، فهذه المنتجات الثلاثة لا يمكن أن تتأتى إلا من خلال العناية بالمحكات وإشباع الحاجات.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: في هذا الموضوع وغيره من الموضوعات سيكون المنتج أكثر استقرارًا نفسيًّا وذاتيًّا، وأكثر استقرارًا مجتمعيًّا، وأكثر إنتاجيةً.
المحاور: الله!
الضيف: ولذلك مَن زرع حصد.
فأنا أقول: أولًا: هذا أمرٌ من الله ، وواجبٌ علينا نحن، وليس لنا الخيار في ذلك، لكن أيضًا الإنسان طبيعته أنه يُحب النواتج، والنواتج موجودةٌ أمامك.
فأنت لما تأتيك هذه المشكلات، صحيحٌ أنه ليس كل الناس عندهم هذه الصورة، لكن أنا أقول: لا بد أن تهتم أيها الإنسان ببناء الأسرة قبل الزواج، وأن يُعتنى كثيرًا بموضوع بناء الأُسَر بطريقةٍ سليمةٍ، وألا تُنسى الحاجة إلى هذه الثقافة في الحاجات، وفي الخصائص، وفي المحكات.
المحاور: جميلٌ، بارك الله فيك يا دكتور، ونفع بعلمكم.
ما شاء الله! إجاباتٌ ثريةٌ ونافعةٌ، أسأل الله أن ينفع بها المُستمعين والمُستمعات، والمشاهدين والمشاهدات.
الضيف: آمين.
كيف نُجنب المُراهقين أخطار هذا الزمان؟
المحاور: معنا سؤالٌ أيضًا وصلنا عبر (الفيس بوك) من الأخ محمد الشهري، يسأل: كيف نُجنب المُراهقين أخطار هذا الزمان: أصدقاء السُّوء، وأخطار (الإنترنت) الذي أصبح الشاغل الأكبر للشباب؟
ونستضيف للإجابة عن هذا السؤال الأخ الأستاذ: محمد بن صليم القحطاني، المعلم والخبير التربوي.
أستاذ محمد، هل أنت معنا؟
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الضيف: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلًا بك يا أستاذ محمد.
المتصل: مَسَّاك الله بالخير يا أستاذ أنور، وحيَّا الله ضيفك الكريم الدكتور خالد.
الضيف: مَسَّاك الله بالنور والسرور.
المحاور: مَسَّاك الله بالنور، أهلًا وسهلًا أستاذ محمد، هل سمعتَ سؤال الأخ محمد؟
المتصل: نعم، نعم.
المحاور: تفضل -طال عمرك- أَدْلِ بدَلْوك في الإجابة، نفع الله بعلمكم.
ليكن المُراهق من دُعاة الفضيلة
المتصل: طيب، نحن حينما كنا صغارًا نلعب الكرة كنا نتكلم عن قاعدةٍ في المباراة: أن أفضل وسيلةٍ للدفاع هي الهجوم.
فلماذا دائمًا نحاول أن نُدافع عن المُراهق ضد الأشياء الخطرة والسيئة؟! لماذا لا نُحول الممارسات مع المُراهق إلى هجومٍ ضد هذه القيم الفاسدة، وأن يكون هو من دُعاة الفضيلة ومُحاربي تلك الرذيلة؛ ليكون له دورٌ فاعلٌ؟
يعني: لا نتصور أننا يمكن أن نحمي المراهقين على طول الوقت، وطول الأزمنة، وطول الأمكنة، وطول الفراغات التي تكون طيلة الأيام والإجازات، وغير ذلك، فلا بد أن نعمل خطةً هجوميةً، ونُغير خطتنا في اللعب من أجل أن نفوز يا جماعة، فإلى متى نرجع وننهزم؟!
المحاور: كلامٌ جميلٌ.
المتصل: كما أنك تقول: نحصل على الفوز دائمًا.
الضيف: هذه مباراةٌ حماسيةٌ يا أستاذ محمد.
المتصل: أخطر مباراةٍ، مباراة التَّحدي.
المحاور: تحدٍّ كبيرٌ.
المتصل: ويمكن أن ندخله ليس بصفةٍ متوترةٍ، إنما بصفةٍ ثابتةٍ راسخةٍ؛ لأن هذا هو الأصل عندنا في تاريخنا، وفي أجدادنا القريبين، فقد كانوا وهم في سنٍّ صغيرةٍ -في سنِّ المُراهقة- مسؤولين مسؤولياتٍ كبيرةً جدًّا في الحياة، فلا بد أن نعود إلى ذلك المربع الأول، ونبدأ من جديدٍ مع أبنائنا المُراهقين.
من الأشياء المهمة جدًّا: أن يشبع الشابُّ المُراهق، فالمراهق يحتاج إلى إشباعٍ جسمانيٍّ، ويحتاج إلى إشباعٍ روحيٍّ وعقليٍّ ونفسيٍّ واجتماعيٍّ.
ولغة الإشباع غير موجودةٍ دائمًا، ففي أمورٍ معينةٍ نقول: دَعْهُ يُصارع الحياة، وفي أمورٍ أخرى نقول: لا، لا، المُفترض أنه ما يحصل كذا، وهو ما يعرف، وهو ما يفهم!
هذا غير صحيحٍ، فإما أن تقول: دَعْه يُواجه الحياة بجميع أضرابها، أو أنك تتنحَّى قليلًا عن مساره وسيره.
فالأب ينبغي أن يكون قريبًا، والمُربي ينبغي أن يكون قريبًا، لكن لا يكون حجر عثرةٍ أمام هذا الشاب الذي عنده طاقاتٌ أوجدها الله لعمران هذه الأرض.
ترى الإنسان الذي لا شهوةَ له، والإنسان الذي لا ميولَ عنده، هذا إنسانٌ عادةً يكون مُنْزَويًا في أطراف الحياة، لا فعلَ له فيها، لكن عندما يكون عنده هذا الشعور الحيوي من الطاقة الشهوانية فالإسلام لا يدعوه إلى قطعها، وإنما يدعوه إلى تهذيبها وتوجيهها التوجيه السليم، فهو عنده جوعةٌ جسمانيةٌ وجوعةٌ روحيةٌ في نفس الوقت، فعنده جوعةٌ نحو الروحانيات، وجوعةٌ نحو الشهوانيات، سبحان الله! وتكون أحيانًا بدرجاتٍ متساويةٍ.
الأمر الثالث: المراهق لا بد أن نغمسه في بيئةٍ رافعةٍ ودافعةٍ، بيئةٍ تدفعه نحو الأمور الإيجابية، وترفعه عن الرزايا والدَّنايا.
هذه البيئة تكون عادةً في المسجد، وتكون عادةً في المدرسة، وتكون عادةً في بعض الأقارب، وتكون أحيانًا في بيئة المنزل، فلا بد أن نحرص على هذه الرُّفقة الرافعة، الرُّفقة الدافعة عن الشرور، وهذا شيءٌ أساسيٌّ ومهمٌّ.
صفة التَّسامي
أخيرًا أنا أدعو المُراهق بدلًا من أن نتكلم عنه، والأبوان يقلقان عليه، والمُربون يدقون ناقوس الخطر، نُطالب المراهق بصفةٍ عظيمةٍ جدًّا، إذا كانت عنده فإنه سيُحْمَى -بإذن الله - من كل شرٍّ، وهي صفة التَّسامي.
المحاور: التسامي؟
المتصل: أن يكون مُتساميًا عن الرَّزايا، ساميًا في أهدافه، مُتساميًا مُترفعًا عن كل ما يشين تاريخه؛ لأنه من الآن يبدأ في كتابة تاريخه في أذهان الناس وأذهان المجتمع، فإذا رأوه مُستقيمًا في ألفاظه، مُستقيمًا في سلوكه، وفي سيره إلى المساجد، وفي جديته، وفي طلب العلم، وترقيه إلى معالي الأمور؛ فعندئذٍ ستكون سمعته رائعةً إذا جاء يتزوج، وسمعته رائعةً إذا جاء يتوظف، وسمعته رائعةً في مجتمعه، وبإذن الله سيحصل على أعلى الرُّتَب في نفوس الناس، وفي الدنيا، وفي الآخرة.
المحاور: بارك الله فيك أستاذ محمد.
المتصل: والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحاور: شكرًا، سعدنا بك، طال عمرك، وشكرًا على الإجابة الجميلة والرائعة التي أثرتنا وأثرت اللقاء بهذه المعلومات الجميلة.
سعادة الدكتور، هل من تعليقٍ؟
التعليق على المُداخلة
الضيف: ما شاء الله! وفتح الله عليه، وبارك فيه، فقد أكَّد على قضية البيئة، وقضية الأصدقاء، وأكَّد على قضية الجانب الاستثماري الإيجابي في هذه المجالات، وهذه قضيةٌ أنا أُؤكد عليها جدًّا، فلا بد أن نفتح هذه الآفاق، وكذلك نحمل المسؤولية، ونُساعدهم في هذا الجانب، والتقنية وهذه القضايا تحتاج إلى أن نُساعدهم: كيف يستطيعون استثماره دينيًّا ودنيويًّا؟ دنيويًّا وأُخرويًّا.
أيضًا -يا أستاذي- إضافةً لكلام محمدٍ الجميل: مزيدٌ من التربية الإيمانية ومُراقبة الله .
ثم -أخي الكريم- أدعو الأُسر من وقت إنشائها أن يأخذوا على أنفسهم الضبط في التعامل مع التقنية من وقت الطفولة، وهذا الضبط من وقت الطفولة سيُساعد في وقت المُراهقة.
المحاور: التعويد.
الضيف: التعويد حقيقةً؛ لذلك فإن مقالة الدكتور خالد المنيف "في بيتنا قانون" رائعةٌ جدًّا في هذا المجال، وقراءة ما يترتب على هذه الجوانب الثقافية مهمٌّ جدًّا.
فالطفل عنده قابليةٌ، وعندئذٍ سيُقبل على مرحلة المراهقة وقد تعود على أوقاتٍ محددةٍ يدخل فيها على (الإنترنت) ليستفيد من جوانب معينةٍ، وليست القضية متروكةً بلا ضوابط.
المحاور: جزاك الله خيرًا يا دكتور.
غضب الأم في مواجهة ابنتها
هذه سائلةٌ عبر (الواتساب) تقول: أريد من ابنتي أن تُصارحني بما تُواجهه من مشكلاتٍ، لكنني أفقد أعصابي عندما تذكر لي الأخطاء التي وقعتْ فيها وأُوبخها، فأصبحتْ تخفي عني أخطاءها ومُشكلاتها، ماذا أفعل؟
الضيف: للأسف! نحن سألنا الإخوة في إدارة البرنامج عن العمر ومجموعة من الأسئلة، وكان هذا العمر في المرحلة الثانوية.
وأنا أقول: أين المشكلة هنا؟ المشكلة عند مَن؟
المحاور: عند الأم.
الضيف: عند الأم بشكلٍ واضحٍ، وأي واحدٍ سيُدرك هذا.
المحاور: الاستماع.
الضيف: هي لها هدفٌ شريفٌ جدًّا ألا وهو: إعطاء الأمان للبنت بأن تتكلم بما عندها من قضايا ومشكلاتٍ.
طيب، البنت عندها استعدادٌ أو ما عندها استعدادٌ؟
كان عندها استعدادٌ.
المحاور: كان عندها استعدادٌ.
الضيف: لكنها لم تتحمل هذه القضية، وعندها مشكلة ثوران الغضب وفَقْد أعصابها بسبب أنها تسمع أشياء غير مُترقبةٍ لها.
طيب، ماذا تتوقعين أنتِ؟
لا بد أن تتوقع الأم سماع شيءٍ من الانحرافات الفكرية والقضايا الأخرى، وهذا مهمٌّ جدًّا يا أخي.
لذلك لا بد من توطين النفس، وهناك فرقٌ بين القبول والتَّقبل أيها الإخوة والأخوات، فأنتِ لا تقبلين ما لديها، أنت تتقبلين حالتها، كما تقبل النبي حالة الشابِّ، لكن هل أقرَّه النبي ؟
لم يُقره، لكنه أخذ وحاور وناقش؛ لذلك الإشكالية هنا تحتاج من الأخت إلى عملية ضبط الانفعال (self-control)، فهذه مهمةٌ جدًّا.
ضبط الانفعال في عدة وسائل، لكن من إجراءاتها: ضبط المُثير، ومشكلة ضبط المُثير الذي هو سماع المشكلات.
طيب، إذا كان هذا الأمر لا تستطيعينه، ومشاكله وسلبياته أكثر، فلتُسمع البنت مشكلاتها إلى طرفٍ آخر غيرك حتى تطمئني، لكن المُفترض أن تُوطني نفسك بمثل هذا الجانب: إعطاء معايير، أنكِ إذا غضبتِ تقولين: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، فضرب المثال أنني أُفكر بالمآلات ... إلى آخره.
إعطاء رسائل إيجابية: أنا قادرةٌ على ضبط نفسي، ثم أُقيم نفسي.
هذه بعض الإجراءات البسيطة جدًّا، وإلا فهذه القضية تحتاج إلى وقتٍ وزمنٍ.
فأنا أقول: أنتِ تحتاجين إلى أن تستفيدي من مُستشاراتٍ نفسياتٍ في عملية ضبط الانفعال.
النبي لما أتى إليه شخصٌ وقال له: أوصني. قال له: لا تغضب[4]أخرجه البخاري (6116)..
طيب، الغضب الآن موجودٌ أو غير موجودٍ؟
المحاور: الغضب موجودٌ.
الضيف: الأصل أنه موجودٌ، لا يوجد أحدٌ لا يغضب.
المحاور: هذا سلوكٌ إنسانيٌّ.
الضيف: والرسول غضب، عرفتَ كيف؟
فهو سلوكٌ إنسانيٌّ وجدانيٌّ.
المحاور: نعم.
الضيف: لكن الرسول يتكلم عن إدارة الغضب، وضبط الغضب، وهذا ما نحتاجه.
المحاور: هو لا يمكن أن ينفك عن الغضب، لكنه ...
الضيف: فتحتاج الأخت إلى هذا الجانب باختصارٍ.
المحاور: ولذلك يجب أن تُفرق بين السلوك وصاحب السلوك.
الضيف: يا سلام!
المحاور: موقفنا من السلوك، وليس من صاحب السلوك.
الضيف: يمكن أن تقول له: أنا بالنسبة لي موقفي هذا بسبب السلوك، وليس صاحبة السلوك، نعم، هذه صاحبة السلوك أمامها، وأنت التي تريدين أن تكسبي، وأن تفيض بما عندها، فحاولي أن تضبطي نفسكِ، وتضبطي انفعالاتك، وإذا كان هذا الأمر صعبًا عليكِ فأجلي هذا الموضوع، أو أحيليها إلى مَن يستقبل، إلى أن تتدربي على قضية ضبط الانفعال.
المحاور: جميلٌ، جميلٌ.
نماذج مُشرقةٌ
عندنا في الأسبوع الماضي كان من جوانب الإثراء في اللقاء: جانب التجارب الجميلة التي ذكرتَها يا دكتور.
واليوم أيضًا معنا الأستاذة نورة بنت عياد المطيري، وهي مديرةٌ في المشاريع، ومُهتمةٌ بالتربية في مركز "رواد الإبداع"، ومركز "مرافئ" للفتيات بالخفجي.
الأستاذة نورة -جزاها الله خيرًا- عندها بعض التجارب، فلعلها تكون الآن معنا على الخط.
أستاذة نورة.
المتصلة: نعم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، الأستاذة نورة، حيَّاكِ الله.
المتصلة: حيَّاكم الله جميعًا، وأهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم إخواني الفضلاء، وأتشرف بالمشاركة معك أستاذ أنور.
المحاور: الله يُحييكِ، يا مرحبًا، أهلًا وسهلًا.
المتصلة: وأُحيي ضيفك الكريم الدكتور خالد، حيَّاك الله يا دكتور خالد.
الضيف: حيَّاكم الله.
المتصلة: الدكتور خالد لا زلنا ننهل من معين علمه، بارك الله فيه.
المحاور: الله ينفع بكم جميعًا، وأستاذنا الدكتور -جزاه الله خيرًا- دائمًا نستفيد من علمه، ومن معلوماته، نفع الله به.
أستاذة نورة، اليوم عندنا تجارب مع الأسئلة التي وردت، ونريد تجارب جيدةً وإيجابيةً تُعطينا بريق نورٍ حول مستقبل المُراهقين والمُراهقات، فلتتفضلي مشكورةً.
المتصلة: أكيدٌ، أكيدٌ.
طبعًا في باب ذكر النماذج المُشرقة لفتياتٍ من عصرنا وزماننا نجحن في تجاوز هذه المرحلة بنجاحٍ، دعنا في البداية نُشرك مسيرة تابعيةٍ جليلةٍ أحببتُ أن أبدأ بها على عجلٍ، وهي حفصة بنت سيرين.
توقفتُ عند مقولةٍ في "سير أعلام النبلاء" أن الفقيه محمد بن سيرين كان إذا استشكل عليه أمرٌ في القرآن قال: "اذهبوا إلى حفصة واسألوها كيف تقرأ؟"[5]"مشاهير النساء المسلمات" للشحود (ص198)..
المحاور: لا إله إلا الله.
المتصلة: وهي من حفظت القرآن في عمر اثني عشر عامًا.
المحاور: ما شاء الله! ما شاء الله!
نماذج معاصرة في الهمة والإلهام والإبداع
المتصلة: إذا أردتَ نموذجًا معاصرًا في الهمة والإلهام والإبداع سأذكر نموذجًا جماعيًّا: خُذْ أكاديمية "رونق" للفتيات من عمر ستة عشر عامًا، وهذا نموذجٌ عجيبٌ.
ما أعرف إذا كنتم تعرفون عن هذه الأكاديمية أو لا.
وهي أكاديميةٌ موجودةٌ في أرض الواقع الآن، تدرس عن بُعْدٍ، وقد قدمتُ لهن دورةً تطويريةً قبل شهرين تقريبًا، وحضرتْ معي اثنتان وثمانون فتاةً تقريبًا، ستةٌ وستون منهن أو ثمانيةٌ وستون كُن ينتظرنني قبل البدء بعشر دقائق.
الغريب ليس هنا، ولكن الغريب: متى كان البرنامج؟
كان يوم السبت الساعة الثامنة صباحًا!
المحاور: الساعة الثامنة صباحًا!
المتصلة: الساعة الثامنة صباحًا!
ما أدري: هل أعجب من أعمارهن، أم من تقيدهن بالموعد، أم من الشَّغف بالعلم والتطوير والتعلم الذي دفعهن لذلك بلا إلزامٍ من أحدٍ؟!
الضيف: البرنامج ما اسمه يا أستاذة نورة؟
المحاور: أكاديمية "رونق".
المتصلة: أكاديمية "رونق" للفتيات، وطبعًا هي أكاديميةٌ على مستوى واسعٍ، وليست خاصةً بالمملكة العربية السعودية.
وإذا أردتَ نموذجًا آخر: في فترة (كورونا) العام الماضي في شهر شوال وذي القعدة مَنَّ الله عليَّ بأن أكون مُشرفةً لحلقات التحفيظ عن بُعْدٍ لأطفالٍ صغارٍ، ومعلمةً لإحدى الحلقات.
إحدى الأُسر الكريمة من الخارج كنتُ أُسمّع لطفلين في الابتدائي والروضة، والجميل في قصتهما أن مَن كان يُحفظهما القرآن أختهما التي هي في ثالث متوسط.
المحاور: في أي صفٍّ؟ أو في أي عمرٍ؟
المتصلة: في ثالث متوسط.
المحاور: ما شاء الله! خمسة عشر عامًا، ما شاء الله!
المتصلة: الأجمل من ذلك أنها بعد أيامٍ طلبت مني أن أُسمّع لها أيضًا، وأين هي عن المُلهيات والمشغلات والمُؤثرات؟ وأي همَّةٍ لديها؟
وإذا أردتَ أن أتكلم في مجالٍ آخر، فدعني أختم بتجربةٍ: مخبز (F.W.DESERT)، وهو مخبزٌ موجودٌ في جدة، وهو من أميز وأجمل مخابز (الكيك) والحلويات، وله حساباتٌ في وسائل التواصل الاجتماعي.
المُلهم في قصة هذا المخبز: أن شغف الخبز بدأ عند طفلةٍ عمرها أحد عشر عامًا، فطورت مهاراتها خلال ثلاث سنوات، وفي عمر خمسة عشر عامًا أو ستة عشر أطلقتْ مشروعها الرسمي، وسجلته لدى معروف مع شريكٍ قويٍّ جدًّا في عالم المخبوزات في جدة.
المحاور: ما شاء الله! ما شاء الله!
المتصلة: نعم، بارك الله فيكم.
المحاور: هذا في الاستثمار، نعم، تفضلي أستاذة نورة.
المتصلة: استثمارٌ صحيحٌ، وفي عمرٍ مبكرٍ، وبتوجيهٍ صحيحٍ من الوالدين لمسارات أبنائهم بشكلٍ مبكرٍ، استثمارٌ لأبنائهم في عمرٍ مبكرٍ.
طبعًا أحببتُ أن أُلهمكم بعض القصص التي وقفتُ عليها شخصيًّا، ولو بحثنا لوجدنا الكثير والأكثر إلهامًا من ذلك.
وأُحب أن أختصر مراعاةً لوقت البرنامج، وفَّقنا الله وإياكم لما يُحب ويرضى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الضيف: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: شكرًا أستاذة نورة بنت عياد المطيري، تربويةٌ ومديرة مشاريع في مركز "رواد الإبداع"، ومركز "مرافئ" للفتيات بالخفجي، شكرًا على المشاركة وهذه القصص الجميلة المُلهمة التي تُعطينا بريق نورٍ حول فتياتنا ومُراهقينا ومُستقبلهم الإيجابي الرائع.
الضيف: صحيحٌ، وهذا فَأْلٌ للأُسَر، وفَأْلٌ للأُمة، وكما تفضلتَ في البداية أستاذ أنور وذكرتَ قضية القدرة، وهذه مرحلةٌ فيها الرغبة في العمل، والحرص على البذل، والحرص على الاجتهاد والطاقة في هذه القضية.
فالمُفترض أن نستثمر ذلك بصورةٍ إيجابيةٍ لما تخرج لنا مثل هذه النماذج التي أشارتْ إليها الأستاذة نورة، فنحن سنكون على خيرٍ كبيرٍ جدًّا.
يعني: الفراغ الذي يقتل الفتيات، ويجعل أوقاتهن تذهب سُدًى ... إلى آخره، وتأتي الفتيات في هذا السنِّ في الساعة الثامنة صباحًا في يوم الإجازة: يوم السبت، وينتظرن قبل الموعد، كذا تنمو الهمة، ويكون الحرص، وتتحمل المسؤولية بإذن الله .
المحاور: نواصل الإجابة على الأسئلة والاستفسارات التي وردتنا.
ابني يتعرض للتَّنمر من زملائه وسُخريتهم.. فكيف أتصرف؟
هذه أمٌّ تسأل وتقول أن ابنها بدأ يتعامل ويتحدث بطريقةٍ غير لائقةٍ مع زملائه، وعندما وجَّهتْه أخبرها بأنه يتعرض للتَّنمر من زملائه وسُخريتهم منه، وفي حال عدم مُجاراته لهم يُهددونه باستمرار السخرية والتَّنمر إذا ما سمع كلامهم وتوجيههم والتعامل ببعض السلوكيات مثل: تغشيشهم في الاختبارات، ويسخرون من أسلوبه المُهذب واللَّبِق، وتسأل الأم: كيف أتصرف؟
الضيف: الله يُعيننا وإياها.
على أية حالٍ أنا أقول: واضحٌ عندي أن هذا ضعفٌ في شخصية الابن، وهذا يمكن أن نُسميه نحن في الجانب النفسي أو عند أهل الاختصاص: ضعف السلوك التوكيدي، وهذه قضيةٌ خطيرةٌ تصل أحيانًا إلى مستوى انتهاك الأعراض، ولا يستطيع أن يردَّ طلبًا أو شيئًا من هذا القبيل.
المحاور: ضعف السلوك التوكيدي؟
الضيف: يعني: هو يريد أن يقول: لا، لكن ما يقدر على قول: لا، ويريد أن يقول: نعم، وما يقدر أن يقول: نعم.
يعني: بعضهم يُعطي السيارة لصاحبه، ويقول له صاحبه: سنُعطيك إياها بعد ساعتين. وما أعطاه، وينتظر لمدة يومٍ ويومين وثلاثة أيامٍ! وما يقدر أن يتصل به ويقول له: أعطني السيارة.
هذا يُسمونه: ضعف السلوك التوكيدي، تأكيد الذات؛ ولذلك لا بد من التعود على مهارات تأكيد الذات، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا؛ ولذلك أنا أنصحهم: إذا كانوا يستطيعون أن يُغيروا عتبة بابه فليُغيروا عتبة بابه.
ما العتبة هنا؟
المحاور: المدرسة؟
الضيف: الأصدقاء أنفسهم، فليحرصوا على مجال تغيير الأصدقاء، وهذه هي قضية القضايا عند هذا الابن، لكن لا شك أن التَّعود على قضية تأكيد الذات قضيةٌ مهمةٌ.
ثم لا بد أن يتعود على أن يردَّ، فمن الممتاز أنه يردّ، ما هي بمشكلةٍ، لكن لا يكون هذا الرد دائمًا، بمعنى: أن هناك شيئًا آخر اسمه: الصَّفط، أو يُسمونه: الإهمال أو الإغفال، وهذا يحرق أصحاب التَّنمر، عرفتَ كيف؟
المحاور: لا يُلقي لهم بالًا.
الضيف: نعم، وأنا تشاورتُ مع أحد المُختصين فكان هذا رأيه في هذه القضية وما يتعلق بها، فلا يُلقي لهم بالًا، لكنهم يعرفون أن شخصيته ليست قويةً، فتجد أنهم يحترقون.
طيب، كيف تُطفئ السلوك؟ كيف تُطفئ حماسة الطرف الآخر مع تنمره ... إلى آخره؟
أنك لا تلتفت إليه، مثلما نفعل في بعض الأحيان لما يبكي الطفل، هو يريد أن يَلْفِت النظر، ونحن لا نلتفت إليه؛ فينطفئ السلوك، فيستخدم هذا الأسلوب أيضًا، والله أعلم.
المحاور: هذا من الأمثال الشعبية -الله يُكرمك- على سالفة: الصَّفْط والترك وعدم الاهتمام، يقولون عندنا في المثل الشعبي: الحقران يقطع المصران.
الضيف: لا إله إلا الله.
المحاور: هذه مصداقية أن هذا منهجٌ تربويٌّ أيضًا في معالجة بعض المشاكل.
اكتشفتْ أن ابنها يسرق مالًا من درج والده!
طيب، أعزائي المشاهدين والمشاهدات، عندنا أيضًا سؤالٌ آخر مع الدكتور: يظهر لي أن هذه أمٌّ اكتشفتْ أن ابنها يسرق مالًا من درج والده، وتكلمتْ معه، واتَّفقت معه على أن تُعطيه ما يحتاج من المال مقابل أن يتوقف عن هذا السلوك -وهو السرقة-، لكن طلبه للمال مُستمرٌّ بشكلٍ يصعب على الأم تلبية هذا الطلب: وفي حال لم أُلَبِّي الطلب يقول: إنه سيسرق. وبالفعل يقوم بذلك، فماذا أفعل؟
الضيف: صارت هذه قضية ابتزازٍ.
المحاور: غريبةٌ.
الضيف: صار الابن يَبْتَزُّ أمه، انتقلت القضية من سرقةٍ إلى استخدام الابتزاز في موضوع السرقة! الآن النتيجة أسوأ من بدايتها؟
المحاور: أسوأ.
الضيف: طيب، لماذا؟
المحاور: أصبح عنده سلوكان.
الضيف: تصرف الأم لم يكن تصرفًا مُوفقًا أبدًا.
المحاور: الخطأ؟
الضيف: ماذا قالت الأم؟
قالت: الذي تريده أنا أُعطيك إياه، وحتى لم تعرف سبب المشكلة أصلًا!
لا بد أولًا أن نعرف سبب المشكلة: لماذا يأخذ المال؟
فإذا كان هناك تقصيرٌ من الأسرة فلنُرتِّب موضوع المال المُتعلق بحقِّه.
طيب، إذا لم يكن هناك تقصيرٌ، والمال ما ندري أين سيذهب؟ فليس صوابًا أن نفتح جيوبنا له، فهو استخدم هذا الابتزاز؛ ولذلك فإن الحوار معه مهمٌّ جدًّا، فالأمر يستدعي استخدام الحزم مع الودِّ، ولا بد من موضوع الحوار معه حتى نعرف ماذا؟
المحاور: ولا بد من تدخل الأب يا دكتور؟
الضيف: السرقة لأجل المال غالبًا، فالمال لما يُذكر والصرف على الأبناء يكون عند مَن؟
المحاور: عند الأب.
الضيف: عند الأب، وهذا في المنهج الإسلامي واضحٌ جدًّا، وأي عاقلٍ سيقول هذا الكلام، فالمُفترض أن نُدخل الأب، وهذه جزئيةٌ أخرى: أن الأم بعاطفتها ورغبتها تمنَّتْ أن الابن ينفك من هذا السلوك، فتصرفتْ هذا التصرف، فاجتهدتْ وأخطأتْ، وإن شاء الله يُعوضها خيرًا، لكن لا بد من إدخال الأب كما تفضلتَ؛ لأن الأب هو الضابط.
البعض منهم يقول: أنا ما أريد أن أُدخل الأب؛ لأني أعرف ما سيكون من ويلاتٍ جِسامٍ.
إذا ترجَّحت الويلات الجِسام ما كانت أوهامًا.
المحاور: حقيقةً قد يكون تصرف الأب سلبيًّا.
الضيف: يمكن أن يفعل شيئًا، فقد تحصل منه ردَّة فعلٍ سلبيةٌ كبيرةٌ إن كان هذا ليس وهمًا.
المحاور: وإنما معروفٌ.
الضيف: وإنما هو فعلًا رجلٌ غضوبٌ جدًّا، ورجلٌ مُؤْذٍ جدًّا ... إلى آخره، فهنا نُقدر هذا الاعتبار، لكن القضية الأساسية هي: أننا نريد أن نعرف سبب المشكلة، فلا بد أن تعرف هي، ولن تعرف إلا بالحوار مع الابن، لكن ليس بهذا الاستسلام، وعندئذٍ هو استخدم الابتزاز يا شيخ.
المحاور: أنا أعتقد أن الأم لن تستطيع هذا يا دكتور من خلال السؤال، فالولد تجرأ على أمه وتَنَمَّر عليها، وكذا.
الضيف: ويَبْتَزُّها.
المحاور: نعم.
الضيف: لا، الكلام على قضية معرفة السبب، هذا أولًا، سواءٌ بها أو بغيرها، ولا شكَّ أن إدخال الأب مهمٌّ جدًّا إذا كان عاقلًا.
المحاور: إذا كان عاقلًا يتعامل معه.
الضيف: لكن لا بد من حوارٍ معه، لماذا نمنع أنفسنا من الحوار مع أبنائنا؟! ولماذا نتصور أنهم لن يُصدقونا؟
إذن هذه هي المشكلة التي نريد أن نهرب منها، وقد وقعنا في مشكلةٍ أسوأ منها، فلا بد من قضية الحوار حتى يشعروا بالأمن النفسي الذي ذكرناه في محكِّ الأمن النفسي، والحوار جزءٌ من الأمن النفسي كما ذكرنا في المحكات، والله أعلم.
المحاور: جميلٌ، شكرًا يا دكتور، الله يُسعدك، نفع الله بكم يا دكتور.
كيف أُحبب الصلاة لابنتي؟
هنا امرأةٌ تسأل في (الفيس بوك): كيف أُحبب لابنتي الصلاة؛ لأنها في سنِّ المُراهقة، ويُؤذن الأذان، فإذا لم أقل لها: صلِّ، لا تُصلِّ، مع أنها تُشاهدني أُصلي الصلاة في وقتها، وأقرأ القرآن، ولا أنقطع عن الأذكار؟
سؤالٌ كبيرٌ ومهمٌّ جدًّا، وهو حول مسألة الصلاة مع الأبناء.
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: تُشاركنا الأستاذة أريج الطباع، مستشارةٌ نفسيةٌ.
لعل الأستاذة أريج تسمعنا.
معنا أستاذة أريج؟
المتصلة: السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله، أهلًا يا أستاذة أريج، ومرحبًا بك في برنامج "أسس التربية".
معنا سعادة الدكتور خالد بن أحمد السعدي، ولعلك سمعتِ السؤال، وفَّقك الله.
المتصلة: صحيحٌ، سمعتُه، يُعطيكم العافية يا رب.
المحاور: يا رب يُسعدكم، يا مرحبًا، تفضلي يا أستاذة.
المتصلة: بالنسبة لسؤال الأم هو ليس سؤالها فقط، بل سؤال جميع الأمهات غالبًا، فأكبر همّهن هو: كيف يُقربن أبناءهن من الله ؟
ودائمًا أُكرر وأقول: إن عمر المُراهقة عمر نتيجةٍ، وليس عمر تربيةٍ، فمرحلة التربية تبدأ بمراحل مُبكرةٍ أكثر، خاصةً الصلاة، والرسول لما أمر بتعويد الأبناء على الصلاة أمر من سبع سنواتٍ: واضربوهم عليها لعشر سنين[6]أخرجه أحمد (6756)، وأبو داود (495)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (298).، فالحسم يبدأ من عشر سنواتٍ.
طيب، معنى هذا: أن المحبة وتعويد الطفل على الصلاة هي الأساس، فلو نشأ الطفل على محبة الصلاة سيكون أسهل بوقت مُراهقته أن يكون مُحبًّا للصلاة.
فقط من سؤال الأم لاحظتُ أنه من زيادة حرصها: أنها تريد أن تأتي المُبادرة من البنت نفسها.
إن عمر المُراهقة يتفاوت، فأحيانًا يبدأ عمر المُراهقة بمرحلةٍ مبكرةٍ، وعمر المُراهقة يتفاوت في مرحلتين:
المرحلة الأولى: يمكن أن يجد الطفل صعوبةً، فيمكن أن يكون مُلتزمًا بالصلاة بالطفولة، وهي مُحببةٌ له، وحين تأتي مرحلة المُراهقة يصير أكثر تكاسُلًا، ويصير أكثر حاجةً إلى أن يفهم معناها، فهو الآن ليس مجرد مُقلدٍ، وإنما صار بحاجةٍ إلى أن يستوعب المعاني التي خلف الصلاة.
بالمُراهقة المُبكرة سيكون الاستعداد الديني عند الطفل عاليًا جدًّا، فمن الرائع أن تقعد الأم مع ابنتها وتُحاورها في أهمية الصلاة، فالصلاة في الأخير عبادةٌ سلوكيةٌ، والعبادة السلوكية ناجمةٌ عن عبادةٍ قلبيةٍ: أن تستشعر أولًا أن الصلاة هي صِلةٌ مع الله ، وهذا الأمر لا يأتي بالإجبار، ولا يأتي بالأوامر، ولكن يأتي بالمحبة والحوار.
طبعًا هذا الحوار يمكن ألا يكون من الأم نفسها، فيمكن أن يكون من معلمة التَّحفيظ -إذا كانت ابنتها تذهب إلى التَّحفيظ-، ويمكن أن يكون من الأصدقاء.
وتحاول إذا لم تستطع أن تكون في بيئةٍ تُساعد على هذا الأمر:
أولًا: الحوار وتحبيبها بهذا الأمر.
المحاور: طيب، إذا سمحتي لي: أولًا: أنتِ ذكرتِ في البداية أن سنَّ المُراهقة هو سِنّ النتيجة لما زرعناه في مرحلة الطفولة.
المتصلة: تمام، هو سِنّ النتيجة.
المحاور: هذه مسألةٌ مهمةٌ جدًّا، فنقول لهذه الأم ولغيرها من الأمهات: حتى لا نقع في هذا الإشكال نبدأ من الآن في إعداد العُدَّة لهذا الأمر.
واستدللتِ بهذا الحديث: مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين.
الخطوة الثانية: مسألة الحوار.
المتصلة: صحيحٌ، وفي الحوار دعنا نقول: المُراهق قد يستثقل الطلب، وقد يجدها صعبةً، والصلاة ليست أمرًا سهلًا، فالصلاة فيها جهدٌ، وفيها جهادٌ، وقد جاء بالآية: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132]، ليس صبرًا عاديًّا، بل عاليًا: وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].
فبناء التقوى الذي هو العبادة القلبية الأساسية سيدفع ابنتي لأن تُحب الصلاة، وهذا هو الأساس، فهي لا تُركز على النتيجة التي هي الصلاة، ولكن تُركز -قبل تركيزها على الصلاة- على موضوع التقوى، وهذا مُهمٌّ جدًّا، وهي تُربي ابنتها على أن تُنمي عندها الثقة، وتُنمي عندها مُراقبة الله، وما تُنمي عندها أنها تعمل الأمر خوفًا مني، أو حرصًا على رضائي، فالأمر لله.
المحاور: فالعقل موجودٌ، والإدراك موجودٌ؛ ولذلك نحن نحتاج إلى تنشيط جانب الحوار، وغرس مفهوم مُراقبة الله .
هل عندكِ شيءٌ آخر أستاذة أريج؟
المتصلة: هناك نقطةٌ مهمةٌ تتعلق بالأمر بالصلاة: لاحظتُ من السؤال أنها تقول: إنها تُشاهدني أُصلي.
طيب، لماذا تُشاهدكِ تُصلين وما تُنادينها كي تُصلي معكِ؟!
ابنتك إذا كانت مُراهقةً وبلغتْ يمكن أن تُشجعيها بأن تَأُمَّكِ في الصلاة في بعض الأحيان، ولا تكفي المشاهدة.
طبعًا القدوة مهمةٌ جدًّا، وقيمة الصلاة بالنسبة للأم ستنعكس على أبنائها، وكذلك المُشاركة في الصلاة، وصلاة الجماعة بالبيت سيكون لها دورٌ كبيرٌ جدًّا، وسيكون أمرًا غير مُباشرٍ، وفيه تشجيعٌ لأهل البيت على الصلاة.
والأمر الذي نُركز عليه في الأخير: نحن علينا البلاغ، والله هو الذي بيده الهداية، ونحن علينا الاصطبار كأهلٍ، وعلينا بذل الجهد، وعلينا الاستعانة بالله، ومعرفة أننا نُحب لهم الهداية، ونُحب لهم الخير، فقط هذا سببٌ من الله .
فالدعاء الذي هو: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ [إبراهيم:40] هو أمرٌ أساسيٌّ جدًّا.
ولما تلوم الأم نفسها تحسّ هي بالتقصير، أو تلوم نفسها بزيادةٍ، بالعكس يكون هذا دافعًا لها بأن تلجأ إلى الله أكثر بالدعاء، ولا تعتمد على نفسها.
المحاور: شكرًا أستاذة أريج الطباع على هذه الإجابة والمشاركة التي أَثْرَتْ لقاءنا، ونشكر لكِ المشاركة، وبارك الله فيكم، ونفع الله بعلمكم.
كانت معنا الأستاذة أريج الطباع حول قضية تعويد الأبناء على الصلاة، أو مُعالجة تقصير أبنائنا المُراهقين في أداء الصلاة.
التعليق على المُداخلة
إن كان لك تعليقٌ يا دكتور.
الضيف: شكرًا للأستاذة على ما ذكرتْ، وتأكيدًا على أن مرحلة الطفولة التي تسبق مرحلة المراهقة أكَّدت عليها.
أُضيف فيما يتعلق بجانب الأساليب غير المباشرة: القصة المتعلقة بالأمور التي تُحيي هذا الجانب المتعلقة بالله .
أهمية الحوافز
أيضًا نحن بشرٌ، ولا شكَّ أن الحوافز تُشجعنا، فالحوافز بيان الأجور، وبيان القضايا المُرتبطة بأسلوب الترغيب، وأيضًا نحن بشرٌ، وفي مثل هذه المرحلة نخاف مما قد يُصيبنا لو توفانا الله ، فنستخدم أيضًا أسلوبًا يمكن أن نُسميه بأسلوب الترهيب.
نرجع إلى قضية التربية وتحسين العلاقة، فأنا أقول: قد تكون البنت تُصلي، والأستاذة أشارتْ إلى قضية أنها تُصلي معها بحكم أنها تقول: الآن أُصلي.
طيب، المرأة تُصلي في بيتها، ووقت الصلاة فيه سعةٌ، فهي قد لا تُصلي الآن في الوقت الذي تُصلي فيه الأم، فلا نجعل هذه القضية عبارةً عن الحكم على البنت أنها لا تُصلي أبدًا.
وأيضًا أُوصي باستخدام التقنية في موضوع الفلاشات وبعض المقاطع القصيرة التي تُؤكد على قضية الصلاة وأهميتها وما يتعلق بها.
الأب يُربي أولاده بالضرب
المحاور: أم أحمد من فرنسا تسأل عبر (الزووم) وتقول: الأب يُربي أولاده بالضرب كما ربَّاه أبوه، إلى درجة أن أبنائي اثنا عشر عامًا وثلاثة عشر عامًا أصبحوا لا يُحبونه، ويتمردون عليه، ويقولون لي: يا أمي، تطلقي منه؛ إنه يخنقنا بالأوامر!
فأنا مُحبطةٌ، ولجأتُ إلى ربي بالدعاء، فانصحوني، بارك الله فيكم.
الضيف: الله المستعان، أسأل الله أن يُعين هؤلاء الأبناء، وأن يُعين هذه الأم، وكذلك يهدي والدهم، اللهم آمين.
وعلى الأم أن تستمر في الدعاء: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62].
هذه الصورة -يا أخي الكريم والإخوة والأخوات- تُؤكد القضية التي بيَّنها الله في حقِّ رسوله: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ ماذا؟ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]، مَن هم؟
المحاور: الرسول .
الضيف: الصحابة ينفضُّون عن النبي ، وحاشا النبي ذلك.
فالله بيَّن هذه القضية، وهذا محل الاقتداء لنا، فينبغي أن نتنبه.
إذا كان هذا الأمر الذي بيَّنه الله هو نتيجةٌ طبيعيةٌ: التَّمرد وعدم الاستجابة بسبب القسوة والشدة والغلظة؛ لذلك نقول لهذا الأب: لا بد أن يُنصح، ولا بد أن يُراجع نفسه، ولا بد أن نجد مَن يُؤثر فيه، ولا يستصغر الأبناء أنفسهم، بل على الأقل يكتب الابن له رسالةً ... إلى آخره.
هذه الصورة صعبةٌ جدًّا ومُخيفةٌ: أن يتمنى الأبناء هذا الأمر.
هل تتوقع يا أخي الكريم أن الأب سيفرح حين يراه جثةً هامدةً أمامه؟!
أنا أقول: لو مات الابن وهو كارهٌ لهذا الأمر، لو مات الابن على حالٍ متعلقةٍ بانحرافات مُخدراتٍ ... إلى آخره؛ هروبًا من هذه القسوة، ومن هذا الواقع الشديد الذي يُمارسه هذا الأب وأمثاله؛ لذلك لا بد من تدخل شخصٍ مُؤثرٍ -أخي الكريم- على هذا الأب حتى لا يندم مُستقبلًا.
الأمر الآخر: هذه القضايا تُؤثر في شخصيات الأبناء يا أستاذنا، فتجعلهم ضعفاء الشخصية؛ فيكذبون، ويكون عندهم جانب التَّمرد والنُّفور وعدم التَّقبل، ونحن السبب، لذلك:
نعيب زماننا والعيب فينا | وما لزماننا عيبٌ سِوانا[7]البيت للإمام الشافعي، ينظر: "مناقب الشافعي" للبيهقي (2/ 84). |
فهذا الأب تنبغي محاولة التأثير فيه.
أما الاستعجال في طلب الأبناء فلا يلزم أن نستجيب له، ولا يصلح للأسرة أن تتفكك بهذه البساطة وبهذه السهولة، إنما الجدارة هي رعاية الأبناء، ومحاولة التأثير في الأب بهذه الجرعة من التحذير والتخويف، وليس على الله بعزيزٍ، بإذن الله .
المحاور: قضية دور الأم أيضًا في تصبير الأبناء، وأن هذا ابتلاءٌ في الأخير، وهذا الضرب قد يأتي من الأب بثقافته، فهو يريد أن يُحافظ على أولاده، ويريد أن يُنشئهم تنشئةً جيدةً -مثلًا-، ويمكن أنه يضربهم من أجل الدراسة، ويمكن أنه يضربهم من أجل أن مصاريفهم زائدةٌ، وما يعرفون كيف يتصرفون؟
الضيف: لا، فقط واضحٌ هنا في السؤال، وليست القضية مُرتبطةً بجانبٍ معينٍ، بغضِّ النَّظر، حتى في هذه أنا لا أرى اتجاه الضرب، لكن واضحٌ أنه سلوكٌ، وهم يُسمونه: سلوكًا مُعتادًا.
المحاور: يضرب بسببٍ أو بغير سببٍ؟
الضيف: يغضب؛ ولذلك يعيشون هذا القلق، وهذا التوتر، وهذا التَّمرد بصورةٍ تراها قضيةً.
لاحظ أن هؤلاء الآن في مرحلة مُراهقةٍ، فكيف كانت أوضاعهم في الطفولة؟
بالتأكيد حصلوا على ما أذاقهم من الويل.
ولذلك أنا أقول: على هذا الأب أن يتقي الله ، ولتعمل الأم على هذه النقاط كلها التي ذكرناها: من إيجاد شخصٍ يُؤثر فيه، ويُشعره بنهاية المآلات في الدنيا قبل الآخرة، وكذلك أثر ذلك على أبنائه؛ عسى أن يفتح الله عليه.
المحاور: لنا في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ.
الضيف: بلا شكٍّ.
المحاور: جزاك الله خيرًا سعادة الدكتور على هذه الإجابة.
القيام بالواجبات نيابةً عن الأولاد
هذا أيضًا تساؤلٌ عبر (الواتساب): هذه أمٌّ تسأل، وتطلب كلمةً توجيهيةً للأمهات اللاتي يَقُمْنَ بحلِّ الواجبات والامتحانات نيابةً عن بناتهن وأبنائهن، ومُساعدتهن في ذلك؛ ليحصلوا على درجاتٍ كاملةٍ، مما يُوقع الأبناء في الغشِّ والاتِّكال على الأخذ.
والله هذه جريمةٌ في حقِّ الأسرة، وفي حقِّ الأولاد أنفسهم.
ما تعليقك يا دكتور؟ جزاك الله خيرًا.
الضيف: والله أنا أقول: لعل الذي يُجيب عن هذا السؤال هن الأمهات أنفسهن.
المحاور: هذه الرحمة التي في غير موضعها.
الضيف: والله -يا أخي- أنا أستغرب جدًّا من أن نصل إلى هذا المستوى وهذه الصورة، لكن أرجو ألا تكون ظاهرةً يا أخي أنور والإخوة المشاهدين والمشاهدات، فهذه القضية مُخالفةٌ للقيم الفاضلة بشكلٍ كبيرٍ جدًّا؛ لأن الهدف الجميل هو هدف التَّميز في الدراسة، وهو يُنال بطريقةٍ ...
المحاور: غير شرعيةٍ.
الضيف: غير شرعيةٍ، وليست حقيقيةً: المُتَشَبِّع بما لم يُعْطَ كلابِس ثوبي زورٍ[8]أخرجه البخاري (5219)، ومسلم (2130). يعني: هي ليست درجته كاملةً؛ ولذلك سيتعود على قضية أنه أفضل شيءٍ في دراسته ووظيفته، لكن بطريق الغشِّ، ربَّته أمُّه على ذلك.
اتركوه، اتركوه، دعوه يخوض الحياة بتجاربها، يخوض الحياة بحلوها ومُرها، وهذا جزءٌ من محكِّ تحمل المسؤولية، وذكرناه.
يعني: السؤال بهذه الصورة كأننا نقول له: نحن معك تمامًا، وأنت دائمًا صورتك بيضاء، فقط مُشوهةٌ من الداخل، لكنها بيضاء في ظاهرها، لكن في باطنها ليست كذلك.
ونُذكر هؤلاء بقول النبي : مَن غَشَّنا فليس منا[9]أخرجه مسلم (101)..
هذه قيمنا يا جماعة، ونحن يمكن أن نسمع أن شخصًا ليس من المسلمين، لكن عنده هذا المبدأ، فلا يمكن أن يتحصل على شيءٍ لأبنائه بالكذب، ولا بالاحتيال، ولا بالسرقة، ولا بالغشِّ.
فنحن من باب أولى يا أستاذي؛ ولذلك نقول: اتَّقوا الله، وهذا لا يزيد أبناءنا إلا نُكُوصًا في هذه الحياة في استخدام هذه الأساليب المُعوجة، والقيم غير السليمة في الحصول على ما يريدون.
المحاور: الله يكتب أجرك يا دكتور، ونفع الله بكم وبعلمكم.
وأسأل الله أن يُبارك في هذه الحلقات، وفي هذه الإجابات عن هذه التَّساؤلات، ولنا -إن شاء الله- معكم لقاءاتٌ قادمةٌ، بإذن الله .
نشكر سعادة الدكتور خالد بن أحمد السعدي، ونشكر الذين داخلونا اليوم من الأساتذة والأستاذات والمُربيات، ونشكركم على تفاعلكم معنا وأسئلتكم واستفساراتكم.
ولنا -إن شاء الله- لقاءٌ قادمٌ في حلقةٍ مُتجددةٍ من "أسس التربية"، ومع ضيفكم الدائم الأستاذ خالد بن أحمد السعدي.
شكرًا لكم، وشكرًا لفريق العمل، وشكرًا يا دكتور على هذا البرنامج.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الضيف: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
↑1 | أخرجه البخاري (1968). |
---|---|
↑2 | أخرجه البخاري (1968). |
↑3 | أخرجه البخاري (1975)، ومسلم (1159). |
↑4 | أخرجه البخاري (6116). |
↑5 | "مشاهير النساء المسلمات" للشحود (ص198). |
↑6 | أخرجه أحمد (6756)، وأبو داود (495)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (298). |
↑7 | البيت للإمام الشافعي، ينظر: "مناقب الشافعي" للبيهقي (2/ 84). |
↑8 | أخرجه البخاري (5219)، ومسلم (2130). |
↑9 | أخرجه مسلم (101). |