المحتوى
مقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومَن والاه.
أعزائي المُشاهدين والمُشاهدات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نسعد بكم في لقاءٍ جديدٍ مع برنامجكم "أسس التربية"، ومع سعادة الدكتور: خالد بن أحمد السعدي.
أهلًا وسهلًا سعادة الدكتور.
الضيف: حيَّاكم الله أستاذ أنور، يا مرحبًا.
المحاور: ما زال الحديث حول محكّات في التعامل مع المُراهقين، وقد أخذنا في الأسبوع الماضي المحكَّ العبادي، والمحكَّ الأمني، ونريد المُواصلة مع المُراهقين، ولعل حديثنا اليوم يكون حول محكّ الرُّفقة والصُّحبة.
الضيف: طيب.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وأُصلي وأُسلم على رسول الله.
حيَّاك الله أستاذ أنور، وحيَّا الله الإخوة والأخوات المُشاهدين والمُشاهدات.
وأنا أتمنى من الإخوة في (الكنترول) أن يُخرجوا لنا المحكَّ الأول والثاني، حتى الذين كانوا معنا في السابق ولم يكونوا في الصورة إذا كان بالإمكان.
أهمية الرُّفقة في حياة المُراهق
كنا تحدثنا عن المحكِّ العبادي ومجموعةٍ من التطبيقات التربوية، وكذلك المحكّ الأمني، وكذلك مجموعة من التطبيقات التربوية.
وهذه -كما قلنا- نؤكد عليها أنها محكّات، وهي عبارةٌ عن قضايا نستدلّ من خلالها على خصائص هذه المرحلة التي نتحدث عنها وعن حاجاتها، وكيف نستطيع أن نتعامل معها من خلال بعض التطبيقات التي أشرنا إليها في المحكّين السابقين؟
والآن ربما نُشير إلى المحكّ الثالث والخطير، وهو ما يتعلق بمحكّ الرُّفقة.
المحاور: الآن معنا المحكّات: العبادي، والأمني.
الضيف: جيدٌ، لو كان بالإمكان -لأنه مهمٌّ جدًّا- أن يكون معنا الإخوة السابقون.
المحاور: هذه عناصر الحلقة الماضية.
الضيف: إي نعم، وهذه التطبيقات التربوية كذلك لها المحكّ العبادي الذي بعده.
المحاور: إي نعم.
الضيف: المحكّ الأمني، وهذه التطبيقات أيضًا وهي ما يرتبط بإيجاد البيئة الآمنة للمُراهق.
قضية الرُّفقة الآمنة -أستاذي أنور- في حاجةٍ مهمةٍ جدًّا في هذه المرحلة، وهي تُسمى: الحاجة للانتماء، فهو الآن أين كان مُنتميًا؟
المحاور: للأسرة.
الضيف: للأسرة، وهنا يوجد انتماءٌ جديدٌ، فما هو هذا الانتماء؟
الانتماء للرُّفقة، وهذه الحاجة التي تكون في هذه المرحلة تتأكد كثيرًا إلى درجة أن بداية مرحلة المُراهقة تُسمى: المُراهقة المُبكرة، يعني: قبيل البلوغ، ومع البلوغ، وبعد البلوغ، يعني: تقريبًا سنّ ثلاث عشرة سنة وحولها، وتتأكد في أنه يبدأ في تقليل أخذ التوجيهات من الأسرة، ويأخذ التوجيهات من الأصدقاء.
والدراسات أثبتت ذلك كما أشار أستاذنا الدكتور: عبدالعزيز النغيمشي -وفَّقه الله-، ثم تبدأ تقلّ شيئًا فشيئًا، فيعود بعد ذلك إلى الأخذ من الأسرة مع النُّضج الذي يحصل لديه.
فقضية الرُّفقة لا بد أن نضعها في بالنا، ولا تتصوروا أيها الإخوة -الآباء والأمهات- أنكم قادرون على أن تمنعوا أبناءكم من قضية الرفقة.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: وهذه حاجةٌ نفسيةٌ موجودةٌ، وهذا محكٌّ خطيرٌ.
لماذا أقول: محكٌّ خطيرٌ، مع أن الذي قبله كذلك خطيرٌ ومهمٌّ جدًّا، وما سيأتي أيضًا؟ لكن هذا خاصةً؛ نظرًا لأنه يرتبط بأناسٍ آخرين يتلقى منهم، ويستقي منهم، إن القرين بالمُقارن ...
المحاور: يقتدي.
الضيف: يقتدي؛ فلذلك دلَّت الدراسات على أن أهم عاملٍ من عوامل التأثير في انحراف الأحداث هو الأصدقاء في العديد من الدراسات.
المحاور: إن لم تكن كلها.
الضيف: فقضية الأصدقاء قضيةٌ خطيرةٌ جدًّا.
ولاحظ أننا نتكلم عن الأصدقاء المُباشرين.
المحاور: نعم.
الضيف: لكن صار لدينا اليوم أصدقاء افتراضيون.
هل تأثير الصديق في الجانب السلبي فقط؟
المحاور: هذه نقطةٌ -والنقطة السابقة-: هل تأثير الصديق فقط في الجانب السلبي؟
الضيف: لا -جزاك الله خيرًا- ليس المقصود هنا هذا فقط، لا، لا، هو فقط من باب بيان قضية الخطورة، لكن الفرص نعم، وتأتي القضية الأهم ولا شكَّ -ولا بد أن نُبرز ذلك- وهي: أنه يتأثر حينما يُوفق إلى اختيار الرفقة والصُّحبة السليمة، ونُعينه على ذلك، ونكون بذلك قد اختصرنا عليه طريقًا كبيرًا جدًّا.
لذلك لو استعرضنا -يا شيخ- مجموعةً من التطبيقات التربوية ...
المحاور: جميلٌ.
معرفة المُربي شروط الرفقة
الضيف: أولًا: ما يتعلق بقضية -ويمكن أن يكون الإخوان معنا من حينٍ لآخر في العرض- معرفة شروطها من المُربي: مَن هو المُربي؟
بالدرجة الأولى الآن: الأب والأم، وغيرهما كالمعلم ... إلى آخره، لكن دعنا نتكلم عن الأسرة.
يعني: أنا دائمًا أقول في هذا الجانب: لا ننسى كلمةً رائعةً جدًّا تحدث عنها الشافعي: "صديقك مَن صدَقك، لا مَن صدَّقك"[1]"المدهش" لابن الجوزي (ص225).، هذا معيارٌ رائعٌ جدًّا، لماذا؟
لأن مشكلة الأصدقاء أن الصاحب ساحب، فمشكلته هي القضية الثانية: "صديقك مَن صدَقك، لا مَن صدَّقك"، فالمشكلة أنه يُصدِّقك، فهو يقول لك: افعل، وكل ما تفعله صحيحٌ.
المحاور: يُؤيد.
الضيف: يُؤيدك، وهذه قضيةٌ خطيرةٌ جدًّا؛ ولذلك هو سيقع في الفخِّ؛ لأن الصاحب عندئذٍ سيكون ساحبًا في الخير وفي الشر، وعندئذٍ يكون المُراهق إمَّعةً.
إذن لا بد أن يتعرف المُربي على الشروط، وهل الشروط مُتوفرةٌ في أصدقاء أبنائي؟ وقبل ذلك: هل أنا غَذَّيتها في أبنائي؟ وهل سعيتُ إلى انتقاء الأصدقاء لأبنائي؟ ومثل هذه القضايا وما يتعلق بها؛ حتى أجد الصديق الناصح الذي يمكن أن يستفيد منه -كما تفضلتَ أستاذ أنور- في الجوانب الإيجابية بشكلٍ كبيرٍ جدًّا.
فالصديق يتأثر بصديقه جدًّا، والأصدقاء الكبار -يا شيخ- لا شكَّ أنهم يتأثرون ببعضهم البعض، فكيف بالمُراهق؟!
المُراهق عندما يرى هذا الصديق جادًّا -مثلًا- في وقته يتمنى أن يكون مثله، وهذا يُعزز ويُكرم يتمنى أن يكون مثله.
المحاور: نعم.
الضيف: وهذا -ما شاء الله، تبارك الله- حريصٌ على قضية حقوق الله يتمنى أن يكون مثله؛ ولذلك من المهم أن يُعان على مثل هذه الرفقة.
الانتباه المُبكر والتهيئة المُسبقة من المُربي
المحاور: الانتباه المُبكر لمسألة الصداقة؟
الضيف: الصداقة، حتى ما قبل المُراهقة، فنحتاج إلى أن نُهيئه إلى هذه المعاني في الأصدقاء، وإلى معاني الجليس الصالح وجليس السوء، وإلى معاني أن الناس لا ينفعونك كلهم، وأن من الناس مَن ينفعك فعلًا ... إلخ، فيحتاج إلى التهيئة المبكرة.
المحاور: التوعية؟
الضيف: التوعية، والشيء الثاني: المحاضن.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: خُذْ من أقوى المحاضن عند الأُسر من جهة أنهم من أجود ما يكون، ومن جهة أنهم من أشكل ما يكون، وهم الأقارب.
المحاور: صحيحٌ.
الضيف: فإذا وفِّق إلى الأقارب الإيجابيين، فهذا يختلف عن كون الأقارب سلبيين.
المحاور: نعم.
الضيف: من وقت الطفولة، ثم بعد ذلك عند المُراهقة؛ لذلك إذا نجحنا في وقتٍ مبكرٍ -قبل المُراهقة وبداية المُراهقة- فنحن سننجح بشكلٍ كبيرٍ -بإذن الله- في هذا الأمر المُتعلق باختيار الرُّفقة، والذي يُمثل هذا المحكّ الكبير جدًّا.
المحاور: جميلٌ.
التهيئة لوجود الرفقة الصالحة
الضيف: أيضًا من التطبيقات المتعلقة بإشباع هذا الجانب -أستاذي أنور-: التهيئة لوجود الرفقة الصالحة.
المحاور: دعنا نُفرق أولًا: هناك تهيئةٌ، لكنها تهيئةٌ للطفل نفسه؛ بحيث نبني عنده بعض المعايير؟
الضيف: لا، أنا هنا سأبدأ بالجوانب العملية، أبدأ بأن أبحث، يعني: تأتيني استشاراتٌ فيقول الأخ: ابني ما يريد كذا. وتقول الأخت المُستشيرة: بنتي ما تريد كذا، ما تريد كذا، ما تريد كذا، وأنا ما أستطيع، وهناك إشكالٌ وأريد أن أجد لهم حلًّا.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: فهنا تأتي قضية ضرب المثال، فمثلًا: أُعطيك برامج المجتمع المدني، والأنشطة المتعلقة بمثل ما تُشرفون أنتم عليه في برامج أنشطة الأحياء، ومراكز الأحياء، وما شابه ذلك.
وأنا أُناشد القائمين في كل بلدٍ على أهمية إيجاد مثل هذه المحاضن، وتفريغ طاقات المُراهقين بطريقةٍ إيجابيةٍ، وإشرافٍ رائعٍ عليهم؛ ستكون القضية إيجابيةً ومُؤثرةً بشكلٍ كبيرٍ جدًّا.
المحاور: إذن أخذنا أول شيءٍ: تهيئة الطفل نفسه: كيف يختار الصديق؟
الضيف: أخذنا قبل ذلك مفهوم الصداقة.
المحاور: مفهوم الصداقة؟
الضيف: نعم.
المحاور: تهيئة الطفل، وبناء بعض المعايير أو بعض المعلومات عنده؛ بحيث يستطيع أن يُميز بين الصديق النافع وغيره، ثم نأخذ الخطوة التي بعدها فنختار له المحاضن الجيدة.
الضيف: نعم، البيئة.
المحاور: ونُتابعه أيضًا فيها.
الضيف: أنا أُعطيك مثالًا أستاذي حتى تتضح الصورة التي وقفتَ أنت عندها.
المحاور: نعم.
الضيف: هناك فرقٌ بين أبٍ يسأل عن المدرسة التي ينتمي إليها ابنه.
المحاور: نعم.
الضيف: والمدرسة الأخرى، ويكون معياره -إضافةً للجودة الأكاديمية- الرُّفقة ونوعية الطلاب، وهل يوجد محضنٌ أو ما يوجد؟
المحاور: مهمٌّ.
الضيف: هذه مسؤولية الآباء، ولو سعوا فيها لوجدوا إمكانيةً.
طيب، ما المشكلة أن يكون اختيار ...؟
وأنا أعرف أعدادًا كبيرةً من الآباء يختارون مدرسةً بعيدةً، ويُلزمون أنفسهم بتوصيل أبنائهم إلى تلك المدرسة البعيدة؛ لأن فيها مثل هذه المحاضن والبيئات الإيجابية.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: هل وضحت الفكرة؟
المحاور: وهذا سيُسهل كثيرًا على الآباء في المشاكل المُستقبلية.
الضيف: بلا شكٍّ، فمشكلتنا -يا شيخ- في الأُسر: أن الآباء يُدركون أنهم لا يستطيعون أن يقوموا بكل شيءٍ.
يعني: لو كانت المشكلة في الوعي، أو الثقافة التربوية، أو الانشغال ... إلى آخره.
ولذلك لسنا بمعزلٍ عن حاجتنا لغيرنا، وهذه تأتي في نقطة: الاستعانة بذوي العلم والخبرة، فهذه القضية نحتاجها جدًّا.
ولذلك أين الأم التي تتصل على المعلمة، أو تتصل على واحدةٍ إيجابيةٍ -أستاذة هناك أو المُرشدة الطلابية- وتسأل: مَن أفضل معلمةٍ قريبةٍ جدًّا من الطالبات؟ فيُقال لها: والله فلانة. فتتصل بها وتقول: أتمنى أن تكون ابنتي بين مجموعةٍ من الطالبات الجيدات.
انظر، هذا حرصٌ، وهي مجرد محاولةٍ للتواصل والبحث؛ ولذلك أنا أقول: لا نستسخر ونستصغر هذه الإجراءات والمحاولات؛ لأنها حقٌّ من حقوق أبنائنا، ونحن المُستفيدون في الأخير.
الولد يصرخ على أمه ويضرب إخوانه
المحاور: أذكر في هذا -إذا سمحتَ يا دكتور- أحد الزملاء ولده آنذاك كان في المرحلة المتوسطة، فكان الأب يشتكي ويقول لي: إن الولد يدخل ويصرخ على أمه، وعلى إخوانه، ويضرب إخوانه الذين هم أصغر منه، فذهب إلى أستاذه في المرحلة المتوسطة -وكان هذا الطالب مُعجبًا بهذا الأستاذ ومُتعلقًا به- وجلس معه وقال: أنا أُعاني مع ولدي في النقاط الآتية. فقال له: لا تقلق. ومن خلال جلسةٍ أو جلستين من التوجيه العام.
الضيف: يا سلام!
المحاور: لم يخصّ هذا الطالب؛ لأن هذه مشكلةٌ متعلقةٌ بجميع المرحلة، وهي: رفع الصوت، وإثبات الذات، وإشعار الناس أنه موجودٌ ... إلى آخره، فكان لها أثرٌ إيجابيٌّ، وتوجيهٌ جميلٌ للابن، وإصلاحٌ -بفضل الله - في مسيرة هذا الشاب.
الضيف: لعلي أُعطيك قصةً.
المحاور: نعم.
الضيف: هذا حلاقٌ، وكان هذا الحلاق بجوار محضنٍ من المحاضن التربوية، ويبدو أنه حلقة تحفيظ قرآنٍ لمرحلة المُراهقة -متوسطة وثانوية-، فدخل أحد المُشرفين على هذه الحلقة، وكان هناك ثلاثةٌ من طلاب المرحلة المتوسطة في مكان الحلاق.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: وخرج الطلاب، وبقي المشرف، فقال له: هؤلاء يدرسون معكم؟ قال: نعم. قال: تعرف أن هؤلاء في الحي كنا نتأذَّى منهم جدًّا، والآن أصبحوا بني آدميين. هكذا قال.
المحاور: تغير السلوك.
الضيف: تغير تمامًا، فهذا الجانب المُتعلق بالبيئة قضيةٌ مهمةٌ أستاذي الكريم؛ ولذلك من التطبيقات التربوية التي لا بد أن نضعها في أذهاننا: ربطهم بالأنشطة الهادفة.
المحاور: الهادفة.
الضيف: ولما أربطهم بالأنشطة الهادفة ابتداءً بالمضامين، أُضمنها؛ لأنها هادفةٌ.
الشيء الثاني: الذين سيكونون معهم أصلًا من أقرانهم، وستُحقق قضية الحاجة للانتماء ومحكّ الرُّفقة وإشباع هذا الجانب المُتعلق بالأصدقاء.
المحاور: هذا يا دكتور -لو تسمح لي- نحن نتكلم الآن عن جانب العلاقات مع المحيط الواقعي، أو المحيط الملموس الذي يراه أمامه، ويَحْتَكُّ به في المدرسة، وفي البيت، وفي الشارع، لكن المشكلة عندي الآن في قضية الأصدقاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فإذا كان بالإمكان أن تُفيدنا في هذه المسألة: كيف أُتابعهم؟ وكيف أنتقيهم له؟ لأن الباب مفتوحٌ.
استحضار الخوف من الله
الضيف: على أية حالٍ هنا التربية الشمولية، وزراعة وتعزيز القيم من وقتٍ مُبكرٍ، وإدراك طريقة التعامل مع التقنية بأساليب عديدةٍ جدًّا.
قضية هذا الموضوع كبيرةٌ؛ لأنه موضوعٌ أصعب بكثيرٍ من الذي نتكلم عنه في التواصل المُباشر، وإن كان التواصل المباشر رقم واحدٍ، لكن هذه القضية تتبعها أشياء عديدةٌ جدًّا، يعني: المحكّ العبادي ألا يُؤثر في هذه القضية؟
المحاور: لا شكَّ.
الضيف: كيف يُؤثر؟
المحاور: استحضار الخوف من الله .
الضيف: من الله ، وعندئذٍ -والله- جاء له واحدٌ وقال له: تعالَ ألعب معك، أو كذا ... إلى آخره، فرأى أن الوضع كذا، فانتهى.
طيب، هو رُبِّي على أنه لا يستجيب لأي شيءٍ!
طيب، هو أصلًا عنده جانبٌ من الضبط في قضية وقته، وفي قضية المكان، والأسرة قائمةٌ على الضبط، وهذا غير الأسرة التي لا تقوم على الضبط؛ لأنه سيدخل في إشكالياتٍ، وستتحمل الأسرة مسؤوليتها، لكن لا نستسلم، ونحاول أن نُعوض، ولا نَقُل: إنه لا مجال!
لا، هناك مجالٌ حتى لو تأخرنا؛ فلأن تصل مُتأخرًا خيرٌ من ألا تصل.
طيب، لما نرجع إلى القضية الأولى في التطبيق التربوي التي هي: إدراك أهمية معنى المُراهقة، ومعنى الأصدقاء، فمَن هو الصديق؟ وما شروط الصديق؟
المحاور: نعم.
أهمية الوضوح لدى المُربين
الضيف: نحن مشكلتنا كمُربين ...، يعني: وأنا أُراسل بعض الآباء -مثلًا- أقول له: كيف أصدقاء أولادك؟ قال: والله طيبون. فقلتُ له: هل يمكن أن تُخبرني كيف عرفتَ أنهم طيبون؟ قال: والله كنتُ أطلع في بعض الأحيان فأجدهم يبتسمون. قلتُ له: طيب، هل هناك شيءٌ آخر؟ قال: لا. قلتُ: هل تعرف أين يدرسون؟ وماذا يدرسون؟ قال: لا. فقلتُ له: حتى صاحب المُخدرات يبتسم يا حبيبنا.
يعني: هذه القضية ليست مُشْبَعَةً، ولو أُشبعتْ لدي من أستاذي المُربي: الأب والأم، ورُوعيت من وقتٍ مبكرٍ في الطفولة، وكنا قريبين من أبنائنا؛ ألا تتوقع أن يتأثر الابن ويستطيع أن يُميز الصواب من الخطأ؟ خاصةً أننا ربَّيناه على قضية القيم والتعامل مع التقنية بصورةٍ إيجابيةٍ.
وكما قلتُ: هذه تربيةٌ شموليةٌ، ونحن نتكلم عن قضيةٍ متعلقةٍ بالإنسان نفسه، وهذه القضية أظنها تحتاج إلى تأكيد هذه المعاني وأكثر فيما يرتبط بالتعامل مع التقنية: مضمونًا، وزمانًا، ومكانًا، وضبطًا، وقُربًا ... إلى آخره.
المحاور: قضية تواصل الوالدين مع الأبناء دائمًا بالتذكير والوعظ؛ لأن ابن آدم -سبحان الله!- يضعف.
الضيف: وأشدّ من ذلك أستاذي: أن يكون الأب والأم أصدقاء لأبنائهما.
وأنا أعرف نماذج، وهذه تُشبع المحكّ الأمني، وتدخل المحكّ الأمني الثاني، وتُشبع بشكلٍ كبيرٍ جدًّا.
المحاور: إي، نعم، جميلٌ.
نُكمل يا شيخ إذا كان هناك شيءٌ يتعلق بالرفقة.
الضيف: أيضًا المُتابعة غير المُباشرة مهمةٌ جدًّا؛ لأن هذا اللفظ مقصودٌ أستاذي الكريم: غير المباشرة، فالمُراهق يتعب من قضية التَّدقيق والمُتابعة ... إلى آخره، ويقول: ما تثق فيَّ! وما تثق في أصدقائي! طيب، أنا ما أحتاج إلى أن أقعد مع ...
المحاور: يدخل مرحلة العناد.
الضيف: مرحلة العناد، فهل أُحقق معه؟
لا، أنا أحتاج إلى أن أُتابعه بطريقةٍ غير مباشرةٍ.
طيب، هاتِ أبناءك وأصدقاءك واعزمهم عندك كمثالٍ، والأم تُحضر أصدقاءها -مثلًا- بمُناسبة نجاح الابن.
طيب، ادعُ أصدقاءك، والبنت تدعو صديقاتها ... إلى آخره.
لا بد أن يكون هناك وضوحٌ لدى المُربين: مَن هم أصدقاء الابن؟ وليس فقط كشف واقع الأصدقاء الحاليين، بل -كما قلنا- مسؤولية اختيار الصديق، ودورنا في اختيار الصديق، فهذه مسؤوليةٌ كبيرةٌ.
والبعض لا يفتح إلا مُتأخرًا ويقول: أنا نجحتُ، أنا عرفتُ أصدقائي. وقد يكونون جيدين والحمد لله.
طيب، وغير ذلك مشكلة.
طيب، أين دوركم قبل ذلك؟! فالدور يكون مُبكرًا.
ذات مرةٍ كنتُ في أحد اللقاءات، وقدمتُ شيئًا مُتعلقًا بتربية الأبناء، فأتاني أحد الآباء وقال لي: أستاذي الكريم، ولدي مُراهقٌ وضاع.
المحاور: دعني أقف عند كلمة "ضاع الولد"، ومعنا مُداخلةٌ بسيطةٌ يا دكتور، والقصة بدايتها مُشوقة، فنريد أن نُكملها بعد الاتصال.
الضيف: جيدٌ.
المُراهقة مرحلةٌ كونيةٌ
المحاور: معنا الأستاذ إبراهيم بن عبدالله الخميس، (ماجستير) علم نفس، ومُهتمٌّ بالاتجاهات التربوية لدى الشباب.
السلام عليكم ورحمة الله أستاذ إبراهيم.
المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: أهلًا وسهلًا بك، طال عمرك، وساعة مُباركة، تكون معنا اليوم في الحلقة مع الدكتور خالد بن أحمد السعدي في برنامج "محكَّات في تربية المُراهقين" أو "التعامل مع المُراهقين".
لعلك يا أستاذ إبراهيم تُعطينا لمحةً عن جوانب مرحلة المُراهقة، والجوانب الإيجابية في هذه المرحلة العمرية التي يمرُّ بها كل إنسانٍ.
المتصل: أولًا: مسَّاكم الله بالخير جميعًا.
المحاور: مسَّاك الله بالنور، أهلًا وسهلًا.
المتصل: أشكر قناة "زاد" على الاستضافة، وكذلك أشكر الأستاذ الأخ أنور عسيري مدير اللقاء.
المحاور: جزاك الله خيرًا.
المتصل: وأشكر أخانا وحبيبنا الدكتور خالد السعدي على ما تمَّ طرحه في محكَّات التعامل مع المُراهقين في الحلقة الماضية وهذه الحلقة، وهذا شيءٌ جيدٌ ومهمٌّ، فنحن بأَمَسِّ الحاجة إلى توعية أبنائنا المُراهقين في هذا الجانب.
أولًا: لفت نظري أثناء حديثكم قبل قليلٍ، وكان هناك سؤالٌ من الأستاذ أنور لك لما قال: تأثير الأصدقاء في وسائل التواصل الاجتماعي.
الضيف: جميلٌ.
المتصل: أنا أولًا أُحبّ أن أُؤكد على نقطةٍ: أنا أقول: يا إخوان، في هذا الزمان المُراهقة -كما يُقال- هي مرحلةٌ كونيةٌ، وكأن العولمة في الوقت الحاضر أنشأتْ إطارًا كونيًّا في العالم للمُراهق في ظلِّ وجود وسائل التقنية الحديثة ووسائل الإعلام، فكأن المُراهقين الآن في كل أنحاء العالم يُشبهون بعضهم البعض.
الضيف: نعم.
المتصل: وكأنهم نشؤوا في قبيلةٍ واحدةٍ، مع اختلاف الطقوس والعادات وبعض القيم واللباس وغيرها، وفعلًا كان هناك اختلافٌ؛ ولهذا قال بعضهم: إن المُراهقة وليدة المدنية الحديثة؛ لسُوء تعاملها معها.
أنا طبعًا كانت لي دراسةٌ سابقةٌ، قبل أن أتكلم عن الجوانب الإيجابية فقط؛ حتى أُوضح أن هناك تغيُّرًا في وضع المُراهقين في هذا الوقت عما كان عليه في السابق.
كان عندي بحثٌ -دراسة (الماجستير)- عام ألفٍ وتسعمئةٍ وسبعةٍ وتسعين عن توجيهات الآباء كما يُدركها الأبناء، وعلاقة ذلك بأوقات الفراغ.
وكنتُ ركَّزتُ في التوجيهات الأبوية على ما يتعلق بالتوجيهات الدينية والثقافية والاجتماعية والرياضية، وفي ستةٍ وستين سؤالًا تقريبًا، بالإضافة إلى أنشطة الفراغ، يعني: تكلمتُ عن السلبية والحركية والثقافية والاجتماعية، لكن الأسئلة التي قدمتُها للطلاب في ذلك الوقت -يمكن أن المُراهقة المتوسطة حوالي ستةٍ وستين سؤالًا- لم أتطرق بشكلٍ مباشرٍ إلى أثر التقنية على الأبناء، وأيضًا أنشطة الفراغ ذاك الوقت، ويمكن أنني تكلمتُ عن ألعاب (الأتاري)، ولم تكن هناك وسائل تواصل مثل الموجودة الآن، والتي هي مع الابن في ليله ونهاره، وفي مدرسته، وفي بيته، وفي كل مكانٍ.
المحاور: صحيحٌ.
المتصل: اختلف الوضع تمامًا.
المحاور: كثيرًا، نعم.
المتصل: ولذلك نجد المُراهقة اختلفت بشكلٍ عامٍّ في هذا الوقت.
الجوانب الإيجابية في مرحلة المُراهقة
أما بالنسبة للجوانب الإيجابية فأنا أقول: هناك جوانب إيجابيةٌ مُشتركةٌ، ومن الجوانب الإيجابية التي أخبر عنها الرسول : نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ[2]أخرجه البخاري (6412).، الصحة بحدِّ ذاتها والفراغ جوانب إيجابيةٌ للمُراهق، وعليه أن يستثمرها.
ولذلك من ضمن أوقات الفراغ ما يتعلق بمرحلة البلوغ، يعني: هي تُعتبر جزءًا كمرحلةٍ مُتقدمةٍ، يجد المُراهق فيها -مثلًا- الأمانة تكمن في أداء الصيام، أو الحج؛ لقوته الجسدية، والصلاة، وغيرها من الأمور العبادية تجد أنها تَنْصَبُّ فيما يتعلق بهذه الجوانب الصحية، والدليل أنه تحمل الآن المسؤولية، ويكون أسرة، وعنده إمكانيةٌ لتحمل المسؤولية.
هذا أسامة بن زيد رضوان الله عليه، قائدٌ، وهو شابٌّ، ومع ذلك كان معه في المعركة التي خاضها كبار الصحابة.
فإذا وُجِّهَ هذا المُراهق التوجيه السليم تجده يستثمر استثمارًا رائعًا جدًّا.
من الجوانب الإيجابية: تحمل المسؤولية، وكذلك القدرة على التحليل لمسألة العقل.
الضيف: القدرة على التحليل؟
المتصل: مسألة تحليل عقل كامل لا يختلف عن الكبير، معناها: أن عنده قُدرةً على أن يُحلل، على أنه يُدرك جميع المُدركات، صحيحٌ التأثير الفسيولوجي فيما يتعلق ببعض الانفعالات النفسية وغيرها، ولكنها لا تُعادل شيئًا فيما يتعلق بالأشياء الكاملة لدى المُراهق.
أيضًا في هذا الزمان تُلاحظ -حتى في شبابنا في هذا الوقت- أن المُراهقين عندهم جوانب إيجابيةٌ طيبةٌ، لو تستثمر عنده -مثلًا- النمو المعرفي، يعني: نموه في الذكاء، فتجده دائمًا على اطلاعٍ ومعرفةٍ، وعنده تسامح، ويتقبل الآخرين، وعلاقاته الإيجابية مع الآخرين الآن أفضل مما كانت في السابق بشكلٍ عامٍّ.
المحاور: أستاذ إبراهيم.
المتصل: نظرته الجمالية الآن، فتجد أنك لو نظرتَ إلى القنوات الفضائية الحالية عن القنوات في السابق: كيف اختلف شكله وهيئته واهتمامه بنفسه عما كان عليه من قبل؟ مما يدل على أن هذه الجوانب التي نعتبرها جوانب إيجابيةً ...
أنا فقط أُؤكد على عملية العولمة وتأثيرها الآن، يعني: في ظلِّ التقنية عندنا غياب القدوات -للأسف الشديد-، فنجد -مثلًا- العلماء والدعاة والمعلمين من السابق الآن وجدوهم في (السوشيال ميديا).
ونجد الجانب الروحي: مخافة الله جلَّ وعلا التي فسَّرها الأخ خالد، تعزيز القيم انتهى في ظلِّ وجود الإلحاد -نسأل الله السلامة- والشذوذ وضعف الشخصية.
الجوع العاطفي الموجود لدى الأبناء -للأسف- ما كان موجودًا، بالعكس بعضهم الآن يُسميه: (اللايف الكوتش)، أو خبير العلاقات، أو يروحون للطبيب النفسي في الوقت الذي كان فيه رجوعٌ إلى الله جلَّ وعلا.
حبّهم للتغيير الآن دائمًا في ظلِّ التَّجدد في (السوشيال ميديا)، فتجدهم دائمًا يبحثون عن المُستجد في كل يومٍ، بل في كل ساعةٍ، حتى أفقدهم ذلك التركيز، فلم تَعُد هناك قُدرةٌ على التركيز والتأمل، حتى إن بعض الناس الذين كانوا بارزين مُتميزين ودرجاتهم عالية ...، الآن مَن الذي أصبح مُتميزًا؟
للأسف الشديد الذين في (السوشيال ميديا) وغيرها من الأشياء التي نعتبرها مُؤثرةً سلبًا.
وأيضًا ما يتعلق بالشَّغف وحبِّه للشَّغف، وعدم تحمله للمسؤولية، فكل هذه الجوانب مُؤثرةٌ سلبًا.
ولذلك أنا أرى من وجهة نظري -مثلما تفضل الأخ خالد- فيما يتعلق بوسائل التواصل: أهمية التركيز في الأسرة، وهذه التي أُركز عليها، يعني: تعزيز النُّضج العاطفي لدى الأبناء من خلال آبائهم، وهذه نقطةٌ مهمةٌ.
فاختيار جماعة الرفاق -مثلما تفضل الدكتور خالد وأكَّد عليها- مهمٌّ جدًّا من أجل تعزيز القيم، وأيضًا مُشاركة جميع المؤسسات، سواء الأحياء، أو وزارة الرياضة، أو المدارس، وغيرها بالتأثير والمُشاركة المُشتركة لهذه المؤسسات؛ ليخرج لنا فعلًا شبابٌ صالحون مُؤثرون في المجتمع، وشكرًا لكم.
المحاور: شكرًا أستاذ إبراهيم، الله يُعطيك الصحة والعافية.
ما شاء الله! مُداخلةٌ ثريةٌ، بارك الله فيك، ونسمع تعليق الدكتور.
التعليق على المُداخلة
الضيف: الله يجزيك الخير زميلنا الأستاذ إبراهيم، وشكرًا جزيلًا لك، وقد حلَّق في الجوانب الإيجابية المهمة التي ستأتينا حتى في بعض المحكَّات، مثل: تحمل المسؤولية، فهذا محكٌّ كاملٌ سنتحدث عنه بإذن الله .
يعني: قضية التحليل، وقضية النمو المعرفي ... إلى آخر هذه النقاط التي ذكرها، وكيف يمكن أن تُوظَّف؟ ونحن نعتبرها فرصًا تُستثمر، مُقابل ذكره: وبضدها تتميز الأشياء.
فشكر الله له، وهذه النقاط أُوافقه عليها تمامًا.
نُكمل فقط حتى نُغلق ملف محكّ الرُّفقة.
المحاور: عندنا قصة الشاب الذي ضاع.
الضيف: إي، نعم، أحسنتَ، ما شاء الله عليك! تبارك الله.
أتاني الأب وكان مُحبطًا، والابن كان بجواري، وهو في مرحلة المُراهقة، وشبه اليأس، فقلتُ: لا تيأس، وسألته سؤالًا: عندك طفلٌ؟ قال: نعم. قلتُ له: أجل، الحق عليه، فحتى لا يكون مثل هذا الابن اهتمَّ به كذلك.
فأمسكني بعد ذلك الذي بجواري وقال: المشكلة في الأب، فالذي ضيَّع الابن الكبير هو الأب.
المحاور: نعم.
الضيف: وهذه قضيةٌ خطيرةٌ جدًّا: لما يرى الأب أنه يُحْسِن صُنْعًا، وهو مُقَصِّرٌ في هذا الجانب.
فنحن نتعب في أمور الحياة تعبًا شديدًا جدًّا أستاذ أنور، نتعب باختيارنا، ونتعب بشكلٍ مفروضٍ علينا.
يعني: أنا أقصد شيئًا قد لا نُحبه، لكن نُجبر عليه.
مثلًا: افرض أن واحدًا في وظيفةٍ ليس مرتاحًا فيها، لكن لا بد منها، أو نحن باختيارنا.
طيب، عندنا شيءٌ هو رأس المال، وهو قضية الأبناء؛ فلذلك لا بد من المُتابعة غير المُباشرة بالصورة التي ذكرناها.
وجود نظامٍ أُسريٍّ فيما يتعلق بالرُّفقة
النقطة قبل الأخيرة حتى نُغلق هذا الملف: وجود نظامٍ أُسريٍّ يُتفق عليه فيما يتعلق بالرُّفقة، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
وهذا يدخل ضمن النظام الذي يمكن أن يتم الاتفاق عليه بأدبيات الأُسر فيما بينها: كنظامٍ مُتعلقٍ بالتقنية واستخداماتها، والإشارة التي أشارها الجميل في إشباع الجانب العاطفي في قضايا التقنية.
والنظام المُتعلق بقضية الوقت والزمان، والنظام المُتعلق بقضية: متى يعود إلى البيت؟ والنظام المُتعلق بقضية الأصدقاء، يعني: في مقابل الدراسة، وفي مقابل الأهل، وفي مقابل الأسرة من أخطر ما يكون.
وأُنبه المُراهقين والشباب: يتَّصل زميله عليه أمام أبيه أو أمه، وإذا به يطلب منه طلبًا، فيقول له: أبشر، الآن. وكم طلبت الأم من طلباتٍ وإذا به يتردد ولا يفعل!
فهذه قضيةٌ خطيرةٌ جدًّا على نفسية الأم.
طيب، المشكلة هنا صحيحٌ أنها تُفسر ولا تُبرر: أن عنده انتماء للأصدقاء، هذا صحيحٌ، لكن أيضًا ليس معنى هذا الكلام أنني أُبرر ذلك؛ لأن المُراهق يُبرر.
وكذلك نحتاج إلى أن نهتمَّ برعايتهم وتربيتهم منذ نعومة أظفارهم على مثل هذه المعاني والقيم.
المحاور: الله المستعان.
إكرام الصُّحبة الصالحة وتقبلها
الضيف: طيب، وُفِّقَ ابني إلى الصُّحبة الطيبة، وأحد أصحابه حفظ كتاب الله، وأحد أصحابه أنجز ابتكارًا رائعًا، وهو خلوقٌ، ومن الصُّحبة الإيجابية، فماذا أفعل؟
هنا الدور العظيم: إكرام الصُّحبة الصالحة وتقبلها يا شيخ.
يعني: لا تكن قضيتنا الشكوك، أو إذا كان الأمر يحتاج إلى بيانٍ؛ نأتي عند مشكلة صديقٍ -مثلًا- أنه مُدخنٌ ... إلى آخره.
صحيحٌ أن مشكلة التدخين بوابةٌ.
لا يا أخي، لا يفهم أبناؤنا فقط عند الأخطاء، وعند المشكلات، بالعكس لا بد أن يرى من الأب ومن الأم في البيت العناية والاهتمام بقضية ماذا؟
والله تزوجتْ صديقتها، وصديقتها نِعْمَت الصديقة، فراحت الأم واتَّفقت مع ابنتها ومع الأُسر على أن يأتوا لها بهديةٍ؛ إكرامًا لها؛ لأنها صُحبةٌ طيبةٌ.
المحاور: جميلٌ، جميلٌ.
الضيف: وهذه من القضايا التي تُعزز، ونحن بأَمَسِّ الحاجة إلى أن يتشبَّث أبناؤنا بالصُّحبة الصالحة التي وُفِّقوا إليها، نعم.
المحاور: جميلٌ، إذن نحن في محكِّ الرُّفقة، وتحدثنا عن عددٍ من المسائل المهمة.
الضيف: والله نتمنى أن تُعرض.
المحاور: الإخوان يعرضونها الآن:
1. معرفة الصُّحبة، وأهدافها، وشروطها، ومواصفاتها.
2. الانتباه المُبكر، والتوعية المُبكرة.
3. التهيئة لوجود الرُّفقة الصالحة، والبحث عنهم.
4. توفير الأنشطة.
5. المحاضن التربوية المناسبة التي نضمن من خلالها أن ابننا ينشأ فيها نشأةً جيدةً وصالحةً.
أنا أعتقد -يا دكتور- حتى لو كانت هذه المحاضن في الجانب الرياضي، وفي الجانب الثقافي، لكن تكون قائمةً على أُسسٍ جيدةٍ، وعندهم معايير تربوية رائعة.
6. المُتابعة غير المُباشرة.
7. الاستعانة بذوي العلم.
8. وجود النظام الأُسري.
9. إكرام الصُّحبة الصالحة.
هذه نقاطٌ كثيرةٌ، وملف الصُّحبة ملفٌّ كبيرٌ جدًّا.
الضيف: بلا شكٍّ.
المحاور: مهما تكلمنا عنه يحتاج إلى المزيد والمزيد، خاصةً مع التطور الحادث.
هل المُراهق عنده افتقارٌ عاطفيٌّ؟
أستاذ إبراهيم الخميس -حفظه الله- كانت دراسته قبل ثلاثٍ وعشرين سنةً، يعني: ربع قرنٍ تقريبًا.
فهناك تغيراتٌ كثيرةٌ حتى في معايير الصُّحبة، وطريقة اختيار الصُّحبة، وتأثير الأسرة يضعف! مع أنه من الأشياء التي ذكرها.
وأنا أتعجب من هذا، ولعلك يا دكتور تُصحح أو تُؤيد أو تُعارض مسألة أن المُراهق عنده اليوم افتقارٌ عاطفيٌّ، مع أنه يرى العلاقة اليوم بين الأب والأم والأبناء مبنيةً على -إن صحَّ التعبير- ما نُسميه: رحمةً وحنانًا أكثر من السابق؛ ففي السابق كان الآباء يضربون أولادهم، ويُعنِّفونهم، ويرفع الأب صوته على الابن: يا ولد! والولد يهاب أو يخاف أكثر من اليوم، واليوم الأولاد صاروا يتجرؤون على آبائهم!
الضيف: والله -يعني- أنا لا أُوافق على هذا التَّشخيص تمامًا، ولكن أيضًا أُؤكد على قضية: أن كلا طرفي قصد الأمور ذميم؛ لا الشدة والقسوة، ولا الدلال والدلع.
والدراسات دلَّت على المُنتج الواحد في التَّمرد في كلا هذين الأمرين، كما جاء في الإرشاد الأُسري وغيره.
هذا من جانبٍ آخر، ونحن نحتاج بشكلٍ كبيرٍ جدًّا ...، حينما ترى هذه الانشغالات في الحياة أضعفتْ قضية الجلوس مع الأبناء، ومن قبل كان الجلوس مع الأبناء، وكان الأبناء يشتغلون مع آبائهم.
وانظر إلى أهل البادية؛ ستجد في أهل البادية مَن إذا انتهى من الدراسة يذهب إلى أبيه.
المحاور: صحيحٌ.
الضيف: فتجد أن هؤلاء عندما تنظر إليهم تجد أن بينهم علاقاتٍ قويةً.
المحاور: جدًّا، جدًّا.
الضيف: ولذلك هذا جزءٌ من الإشكال، يعني: قضية انشغال الأب بالحياة المدنية، ووسائل التواصل التي أصبحتْ عازلةً عن التواصل المُباشر، مع أنها قد تُستثمر -كما أشرنا سابقًا- في هذا الموضوع.
المقصود أن الأمر يحتاج إلى عنايةٍ واهتمامٍ بشكلٍ أكبر من ذي قبل بلا شكٍّ.
السؤال التفاعلي
المحاور: يا دكتور، وردت إلينا عدة تفاعلاتٍ، مع أن السؤال التفاعلي نزل عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول أبرز الجوانب الإيجابية في مرحلة المُراهقة، واختلف كلام الناس من شخصٍ إلى آخر.
فهذا -مثلًا- يقول: إنها مرحلةٌ يحاول الشيطان فيها أن يلعب بعقول الفتيات والفتيان لارتكاب الذنوب، ويجعلون المُراهقة سببًا لتبرير أفعالهم السيئة.
وأختُ تقول: مرحلةٌ يتعب فيها الفرد لتكوين الشخصية، ويتحير المرء فيها إلى أن تستقر، فهي مرحلةٌ مُحيرةٌ حتى تتبين المراحل، أو تنضج عنده الشخصية.
وتقول أيضًا: عند البعض معنى المُراهقة: أنها مُراهقة معصيةٍ، ولا يُشترط أن تكون المُراهقة مرحلة معصيةٍ، لكنها مجرد مرحلةٍ للبناء.
وآخر يقول: اضبط الأساس يثبت البناء، فعندما يكون هناك دينٌ والتزامٌ وأخلاقٌ لا توجد مُراهقةٌ.
يقصد بمفهوم المُراهقة الذي هو الانحراف والسلوك غير المسؤول.
أيضًا مرحلةٌ انتقاليةٌ فقط في المسؤولية والالتزام أكثر تجاه تصرفات الإنسان وعمله.
وآخر يقول: هي بداية النضوج العقلي، وأهم مرحلةٍ في تحديد شخصية الإنسان، وأصعب مرحلةٍ؛ نظرًا للتغيرات النفسية والجسدية.
الضيف: أعد مرةً أخرى أستاذ أنور.
المحاور: يقول: هذه المرحلة هي بداية النضوج العقلي، وأهم مرحلةٍ في تحديد شخصية الإنسان، وفيها صعوبةٌ؛ نظرًا للتغيرات النفسية والجسدية.
أيضًا يقول: المُراهقة توجد في الغرب، أما نحن فعندنا سنّ التكليف، وهناك اعتراضٌ على لفظة "المُراهقة".
وهذا يقول: يُفضل استعمال لفظ "اليافع" بدلًا من "مُراهق"؛ نظرًا لأصل معنى الكلمة، وجزاكم الله الفردوس الأعلى.
آمين، وجزاكم كذلك.
وهذا يقول: التجربة والحوار الدائم مع النفس.
يعني: يعنون أن مرحلة المُراهقة تتميز بالتجربة والحوار الدائم مع النفس.
يقول: أن يكون في هذه المرحلة رقيق القلب، ولم تُؤثر على المُراهقة تصرفاتٌ طائشةٌ، وغير ذلك مما يخصّ المُراهقة، وكانت فترةً هادئةً ورزينةً. وصار يذكر تجربته.
الضيف: إي، نعم، أنا لي تعليقٌ.
المحاور: نقف عند هذا الحدِّ.
الضيف: الذي استغربتُ منه: انصراف كثيرٍ من الإجابات إلى غير السؤال نفسه.
المحاور: صحيحٌ.
الضيف: فمن الواضح أن هناك سيطرةً على اسم المُراهقة من الناحية السلبية.
المحاور: إي، نعم.
الضيف: هذا من جهةٍ، مع أنه كان سؤالًا واضحًا، وهو: ما أبرز الأشياء الإيجابية؟
المحاور: الجوانب الإيجابية.
الضيف: ذكر البناء، وذكر التجربة، وذكر الحوار أجاب عن هذا السؤال.
المحاور: نعم.
الضيف: وهذا مثالٌ، وبعض الأشياء الأخرى؛ ولذلك أتمنى أن نعقد صُلحًا مع مصطلح "المُراهقة"، ولا يُتعبنا هذا المصطلح، وذكرنا هذا الكلام في اللقاء السابق، ولا نحتاج إلى أن نُعيده.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: فالقضية تحمل في بعض ألفاظ العربية معاني سلبيةً، لكن تحمل معاني إيجابيةً.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: "رَهَقَ" أي: قارب على البلوغ، وأصبح رجلًا، وهذه أهم قضيةٍ بالنسبة لنا؛ ولذلك هذا تعليقٌ سريعٌ جدًّا على هذا، وشكرًا لهم على إجاباتهم.
المحاور: نعم، نشكرهم، وندعو الجميع إلى التواصل معنا دائمًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو الاتصال، أو (الواتساب).
المُراهقون يحتاجون إلى المكانة والتمكين
مداخلة من الأستاذة أسماء بنت محمد الجراد، كاتبة وباحثة تربوية.
الأستاذة أسماء، السلام عليكم ورحمة الله.
المتصلة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: حيَّاكم الله في لقاءٍ مع سعادة الدكتور: خالد بن أحمد السعدي بعنوان: "محكَّات في التعامل مع المُراهقين".
أستاذة أسماء، سؤالنا لكِ -وفَّقكِ الله-: ما أهم الحاجات لدى المُراهقات؟
المتصلة: السلام عليكم ورحمة الله، وحيَّاكم الله جميعًا.
أشكر قناة "زاد" على الاستضافة، وأشكر الدكتور الفاضل: خالد السعدي، وأشكرك أستاذ أنور على هذا اللقاء.
وأُحبّ أن أذكر أن حاجات المُراهقين والمُراهقات -غالبًا- مُتشابهةٌ، وليس في هذا الفرق الكبير الشاسع، إنما تختصّ بعض الفتيات -طبعًا- بأمورٍ أكثر خصوصيةٍ من الشابِّ بحكم البيئة والواقع الاجتماعي وغيرها.
عمومًا المُراهقون يحتاجون إلى أمرين مهمين، هما: المكانة والتمكين.
المكانة تكون بإعطاء الفتيات أو الشباب -حتى المُراهقين- الأدوات، والتعاملات معهم تكون مختلفةً عما كنا نُعاملهم به في مرحلة الطفولة؛ فيكون هناك احترامٌ أكثر للطفل، وعدم تجميع الأخطاء، وعدم الحطِّ من قيمة هذا الابن أو الابنة، ومُشاورة الفتاة في قضايا الأسرة، وكذلك مُشاورة الشابّ، وتوصيف الابن أحيانًا أو الابنة ببعض الألقاب، أو توصيف الابن ببعض الصفات يجعل الشابَّ عُرضةً أكثر للأخطاء، وعُرضةً أكثر لارتكاب المعاصي والذنوب، لا قدر الله.
الأمر الثاني: وضع الابن في مكانه الصحيح، أو إعطاؤه المكانة الصحيحة هو توفير الأمان للطفل، أو توفير الأمان للفتاة أيضًا.
والشابّ في هذه المرحلة يتجنب الصراعات الأسرية الداخلية، وتجنب الصراع أمام الأبناء، حيث إن هذه الصراعات تُؤثر تأثيرًا مُباشرًا في نفسية الابن، وأيضًا تُؤثر في مستقبله في بناء الصورة الفكرية عن العائلة، والزواج، وطريقة تعامل الرجل مع المرأة، وطريقة تعامل المرأة مع زوجها.
كثيرٌ من الفتيات تقتبس هذا الأسلوب من والدتها، أو من طريقة تربيتها.
أيضًا توفير الأمان الداخلي؛ بحيث تستطيع الفتاة أن تتكلم بحريةٍ، وأن تُعبر عن رأيها؛ بحيث يُسمع قولها ويُؤخذ بعين الاعتبار.
ومن الأمان المطلوب في هذه المرحلة: حماية الأبناء من الخارج من الأشخاص الغادرين، المُؤذين، المُزعجين، المُعَنِّفين، المُتحرشين، فهذه الأشياء نجدها كثيرًا في الواقع، ولا تُوفر العائلات الحماية الكافية لأبنائهم؛ فيلجأ الشابُّ أو الفتاة في هذه المرحلة إلى البحث عن حمايةٍ خارجيةٍ، سواءٌ كانت حمايةً من الأصدقاء، أو حمايةً من أشخاصٍ يظن أنهم ذوو نفوذٍ وسلطةٍ.
ومن توفير المكانة: التَّقبل، وصفات المُراهقين يغلب عليها التَّسخط وعدم الاستقرار في مشاعره في هذه المرحلة.
نُفرق طبعًا بين القبول والتَّقبل: قبول هذه الأخطاء، وارتكاب الأخطاء التي يمكن أن تحصل عند الأبناء، وبين تقبل هذا الشيء، فأستطيع أن أفصل بين هذا الابن المحبوب وسلوكه وأخطائه، فأنت لستَ أفعالك، أنت كيانٌ كاملٌ، ولستَ فقط موقفًا أو موقفين، أو أخطاء تعرضتَ لها في حياتك.
المُراهق يُحبّ جدًّا الانتماء إلى الجماعة، والشعور بوجود عائلةٍ مُتكاتفةٍ، وحاضنةٍ تربويةٍ جيدةٍ يستطيع أن يفتخر بها، ويخرج للناس وهو سعيدٌ بانتمائه لهذه الجماعة، فتوفير العلاقات الاجتماعية الجيدة وتوفير العائلة الكبيرة يمنح الابن أو الابنة شعورًا كبيرًا بالانتماء للعائلة، ويجعله مُرتاحًا في هذه المرحلة.
التمكين يكون بالاستقلالية
الأمر الآخر: بعد أن قلنا: إعطاء الابن المكانة، أيضًا نُعطيه التَّمكين.
الضيف: نعم.
المتصلة: التمكين يكون بالاستقلالية، فالابن يحتاج إلى الاستقلالية تدريجيًّا لكي ينمو ويُصبح شابًّا بالغًا، أو تصبح فتاةً كاملةً مُكتملة النمو تحتاج إلى أن تأخذ بعض القرارات بنفسها، مثلًا: قصةٌ للشعر، والملابس، وطريقة قضاء وقت الفراغ، ومستقبله، ودراسته، وهذه الأشياء كلها يحتاجها الابن والبنت في هذه المرحلة: أن يشعر بنوعٍ من الاستقلالية.
أيضًا يُعطى مساحةً للحرية بممارسة الهوايات التي يُحبها: بتدريب بعض المهارات المختلفة، مثلًا: تعليمه أساسيات الحياة، وطريقة تعليم الطبخ، وتعليم النظافة الشخصية، وتعليم قيادة السيارة، وتعليم أشياء كثيرة تندرج في هذه المرحلة.
وقد تكون أحيانًا بعض الأُسر مُتأخرةً جدًّا في تعليم كثيرٍ من مهارات الحياة للابن في هذه المرحلة؛ فينشأ الابن ويحاول أن يبحث عن أي شخصٍ يُعلمه هذه الأشياء، ولو كان بالبحث عن مصدرٍ خارجيٍّ.
المحاور: صحيحٌ.
المتصلة: إعطاء الابن مساحةً للحرية بمعنى: حرية الفكر، وحرية التعبير؛ بأن يشعر بأن صوته مسموعٌ، ويُعبر عن أفكاره، ويُناقشها الآخرون، ويأخذونها بعين الاعتبار، وأيضًا يُقنعونه بالحكمة والموعظة الحسنة.
تعليمهم أساسيات الحياة يجب أن ننتبه له، وألا يكون تحميلهم فوق طاقتهم بأن نُجبر الابن -مثلًا- على العمل في الشمس وفي الحرِّ، أو نُجبر الفتاة على أن تتولى مسؤولية أخواتها الصغار كاملةً، فالفتاة ليست أمًّا بديلةً، إنما هي ما زالت تتعلم، وما زالت في طورٍ من أطوار النمو، ولا تحلّ بدور المُربي.
أخيرًا من التمكين: أن يُعطى الابن إثبات الذات، وتحقيق بعض الإنجازات، فمن الأشياء المهمة في تكوين شخصية الابن: أن نُلحقه بالدورات التدريبية -مثلًا- الخاصة بإدارة الغضب، وكيفية التعامل مع الآخرين، وكيفية إدارة الحوار، وغيرها.
هذه أشياء تُعزز كثيرًا من الأمور الإيجابية في نفس الطفل والطفلة، وأيضًا تُعطيهم الأدوات اللازمة لمُواجهة الحياة، فلا نتركهم عُرضةً للأخطاء.
المحاور: شكرًا، وجزاكم الله خيرًا.
المتصلة: وإياكم.
المحاور: شكرًا أستاذة: أسماء بنت محمد الجراد، كاتبة وباحثة تربوية، تحدثت حول حاجات المُراهقات والمُراهقين.
تعليقك يا أستاذنا.
الضيف: جزاك الله خيرًا، حتى نأخذ راحتنا كم بقي معنا؟
المحاور: بقيت معنا تقريبًا ثماني دقائق.
الضيف: نُؤجل المحكّ الآخر -إن شاء الله- إلى اللقاء القادم؛ حتى نستطيع أن نختم هذه الحلقة بشيءٍ من التعليقات المهمة.
المحاور: طيبٌ.
الضيف: التقسيم مُوفَّقٌ.
المحاور: في الكلام عن التمكين؟
الضيف: إي، نعم، مُوفَّقٌ جدًّا، جزاهم الله خيرًا، واجتهادٌ في محلِّه استوعب مجموعةً كبيرةً مما يرتبط بحاجات هذه المرحلة، وأشرنا إلى بعضها، وسنُشير إلى بعضها، والقضية المُرتبطة بالدعائم المهمة جدًّا لهذه المرحلة، ثم ما يرتبط بقضية التمكين، فلا شكَّ -والله- أن هذه القضايا لو أمكن للأسرة أن تُراعيها سيكون للقضية أثرها.
المحاور: نعم.
الضيف: وأنا أقول كلمةً يا أستاذي الكريم للإخوان والأخوات الذين يُقدمون برامج، ومنهم الأستاذة، فهي تُقدم برامج فيما يتعلق بالفتيات وغير ذلك.
هذا النزول إلى مثل هذه المرحلة ومحاولة التأثير فيها قضيةٌ لها أثرها الكبير جدًّا، ففي إحدى التجارب القريبة استغربتُ أو تعجبتُ فرحًا أن هناك برنامجًا مُتعلقًا بقضية التقنية، والمجموعة التي تُشارك في هذا البرنامج من الفتيات هي مجموعةٌ تُعاني من قضية كثرة التعامل مع التقنية وإدمان التقنية من حيث الوقت ... إلى آخره.
وكان البرنامج لمدة شهرٍ، وقد اطلعتُ على عددٍ من هذه النتائج وتعليقات المُشاركات وأمهاتهن، فوجدتُ شيئًا يُثلج الصدر -الحمد لله، والفضل لله -؛ ولذلك ما في عندنا شيءٌ اسمه: مستحيل.
ونرجع إلى ما علَّق به بعض الإخوان على السؤال فيما يرتبط بقضية البناء وقضية النُّضج، وما أشار إليه الأستاذ إبراهيم في قضية النمو والنُّضج.
فهذه قضيةٌ استثماريةٌ مهمةٌ جدًّا؛ ولذلك نحن نتعامل مع مرحلةٍ جديدةٍ رغم الأمواج المُتلاطمة في هذا، وهذه الأمواج إذا وجدتْ فيها البيئة الآمنة ستهدأ، ومصيرها -كما يُقال- أن المكانة في طريقة التعامل، ومكانة هذا الشخص وكونه رجلًا، وتلك كونها امرأةً، أو هذا شابٌّ، وهذه فتاةٌ، وهذا يملك خصائص، وتلك تملك خصائص -كما قالت- مُتقاربة ستجد الراحة.
المعاناة موجودةٌ، وكل مرحلةٍ لها مُعاناةٌ، والطفل الآن له مُعاناةٌ، فالمُراهقة لها مُعاناةٌ، ونحن لا نتصور أبدًا، وهكذا الكبير، يعني: هناك عجزٌ، وهناك كسلٌ، وهناك الإمكانية أو القُدرة التي هي العجز، وهناك شيءٌ من التَّخلي عن الذي ينبغي أن نقوم به، والكسل، إذن هذا الأمر واردٌ.
لكن تأتي البيئة الحاضنة، وتأتي التوجيهات والتأثيرات فتصنع لي فعلًا مُراهقًا ومُراهقةً، وشابًّا وشابَّةً، ويافعًا ويافعةً، وهذه ليست مشكلةً، بالعكس هي ألفاظٌ جميلةٌ يجب أن نستخدمها بطريقةٍ إيجابيةٍ، سليمةٍ، نافعةٍ، فنحن بأَمَسِّ الحاجة إليها.
ولا شكَّ أستاذي الكريم أن الشخصية في هذه المرحلة يكفي فيها عنصر التكليف.
المحاور: نعم، يعني: هذه المسألة -التكليف- يا دكتور تحتاج إلى تركيزٍ من الآباء والأمهات في ترسيخ هذا المفهوم: أنت بلغتَ خمسة عشر عامًا، أو بلغتَ بعلامات البلوغ المعروفة، فأنت ستُحاسَب على قولك، وستُحاسَب على عملك. ويُنمي عنده المسؤولية عن نفسه.
الضيف: وهذا سيأتي معنا في المحكِّ الرابع الذي هو محكّ العِفَّة، وكلامنا السابق يا شيخ فيما يتعلق بالمحكِّ المُتعلق بالعبادة، لماذا هذا الكلام؟
لأنه كُلِّفَ، ولما ننظر إلى أنه كُلِّفَ بشيءٍ ما فهذا ليس سهلًا، لكن هناك تهيئةٌ مُسبقةٌ، وانظر إلى الأسرة التي ساعدتْ أبناءها في الصلاة، فهي غير الأسرة التي لم تُساعد.
المحاور: صحيحٌ.
التقصير في مرحلة الطفولة ولَّد مشكلةً في أداء الصلاة
الضيف: اسأل ستجد أن المشكلة عند بعض المُراهقين الذين عانوا في الصلاة تمثَّلتْ في أن هناك تقصيرًا في مرحلة الطفولة في الغالب.
المحاور: من الأسرة.
الضيف: سيأتينا محكّ تحمل المسؤولية الذي أشارت إليه الأخت، وكذلك الأخ الكريم.
تحمل المسؤولية لماذا؟
نحن نقول: ليس بعد. يعني: لا يتحمل مسؤوليةً!
طيب، الله حمَّله مسؤوليةً بالتكليف، فهل هناك أكبر من تحميل الله له المسؤولية؟! وسيُحاسَب عليها.
إذن نحن في الأخير نحتاج إلى الثقافة التربوية الخاصة بمعرفة خصائص وحاجات مرحلة المُراهقة، وكيف نستطيع أن نُنزلها بمثل هذه التطبيقات والمكانة والتمكين بغَضِّ النظر عن الألفاظ؟
سنجد أنفسنا -إن شاء الله تعالى- نستطيع بشكلٍ جيدٍ أن نصل معهم إلى بَرِّ الأمان.
المحاور: لفتت انتباهي يا دكتور كلمةٌ جميلةٌ ذكرتَها في أثناء حديثك، وأثارتْ عندي تساؤلًا، يعني: أنا أُوجه هذا السؤال لكل أبٍ، ولكل أمٍّ، ولكل ربِّ أسرةٍ: لماذا نهتم ونقرأ ونُشاهد مقاطع (اليوتيوب) والأفلام التوعوية الثقافية حول قضية كيف أعتني بالطفل قبل ولادته؟ وكيف أعتني بالطفل بعد ولادته؟ ثم بعد أن يتجاوز مرحلة الطفولة ويَشِبَّ نرمي هذا الابن، ولا نقرأ، ولا نطلع، ولا نبحث عن مرحلة المُراهقة التي يمر بها؟! وماذا يحتاج منا من الدعم والمُساندة؟ ثم يعقون أبناءهم اليوم، وأبناؤهم يعقونهم إذا كبروا!
الضيف: ضعفٌ في الوعي، وضعفٌ في اكتساب المهارات، مثل: بعض المعلمين أو المعلمات حينما ينزلون من مرحلةٍ متوسطةٍ أو ثانويةٍ إلى المرحلة الابتدائية ليس من أجل أن يبنوا مرحلةً ابتدائيةً؛ لأن هذا أسهل وأريح ... إلى آخره، ولا يفهمون مرحلة الطفولة، ولا يستطيعون أن يتعاملوا مع المرحلة المتوسطة أو الثانوية.
المحاور: صحيحٌ.
الضيف: هذه القضية التي يمكن أن أُجيب عنها باختصارٍ شديدٍ جدًّا.
المحاور: لذلك نحن نُوجه رسالةً في هذه اللحظات الأخيرة من لقاء اليوم: أن هذا الموضوع لم يَنْتَهِ بعد.
الضيف: جميلٌ.
المحاور: بقي معنا -إن شاء الله- اللقاء القادم.
نتمنى من الإخوان المُشاركة معنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ونُذكركم بأن أعظم مكاسبنا في هذه الحياة الدنيا -كآباء وأمهات- هم فلذات أكبادنا، فالله الله في هذه الأمانة: كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته[3]أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829)..
الضيف: أحسنتَ.
المحاور: في آخر لحظةٍ توجيه الدكتور خالد ثم نختم.
الضيف: الله يحفظك، وأنا يكفيني ما ذكرته في هذه التوصية والتوجيه النبوي: كلكم راعٍ.
أسأل الله أن يُعيننا وإياكم على المسؤولية، وهناك مسؤوليةٌ ثمينةٌ ينبغي أن نُراجع أنفسنا فيها ونستعين بالله عليها.
المحاور: يا ربّ، يا كريم، أسأل الله أن يُوفقنا وإياكم لما يُحب ويرضى، وأن يُبارك لنا ولكم في الذريات والأموال والصحة، وأن يُوفقنا وإياكم لما يُحب ويرضى، وأن يتقبل منا ومنكم صالح العمل.
أشكر سعادة الدكتور: خالد بن أحمد السعدي، أستاذ التربية والعلوم النفسية المساعد على هذه المعلومات القيمة، وهذه الحلقات الرائعة التي هي لَبِناتٌ في بناء الأمة وبناء المجتمع المسلم الصالح بإذن الله .
شكرًا لكم أعزائي المشاهدين والمشاهدات على المُتابعة، وعلى التواصل الدائم، وأسأل الله أن نلتقي بكم في الحلقات القادمة وأنتم في خيرٍ وصحةٍ وعافيةٍ وأمنٍ وإيمانٍ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الضيف: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.