المحتوى
مقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
حيَّاكم الله أيها الإخوة المشاهدون والمشاهدات في برنامجكم الأسبوعي المباشر "أُسس التربية" من خلال قناة "زاد العلمية".
نُحلِّق في هذا اللقاء -بإذن الواحد الأحد- مع هدي النبي فيما يتعلق بقضية الأخطاء، فنحن بشرٌ، وكلنا مُعرَّضون للخطأ: كل ابن آدم خَطَّاء[1]أخرجه أحمد (13049)، والترمذي (2499)، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3139).، فنريد إذن أن نتعرف على هذا الهدي العظيم، وعلى صاحب هذا الهدي عليه أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم.
معنا في هذا اللقاء الأستاذ: عبدالله بن صالح العجيري، المشرف العام على مركز "تكوين" للدراسات والأبحاث.
مرحبًا بك أستاذ عبدالله، ونحن سُعداء بك، حفظك الله.
الضيف: وأنا أسعد.
المحاور: شاكرين لك تلبية الدعوة، حفظك الله وبارك فيك.
عنوانٌ حقيقةً يحتفي به الكل؛ لكونه منسوبًا إلى هدي النبي .
الضيف: اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمدٍ.
المحاور: حينما يكون هذا الانتقاء والاحتفاء، لماذا الأستاذ عبدالله اختار لنا هذا الموضوع خاصةً؟
سبب اختيار العنوان
الضيف: طبعًا السبب الأساسي لاختيار الموضوع: أن طبيعة هذا البرنامج هي البُعد التربوي بشكلٍ خاصٍّ، وأنت تعلم أني مُهتمٌّ أكثر بالظواهر الفكرية.
المحاور: جزاك الله خيرًا.
الضيف: لكن أحد جوانب الجاذبية في شخصية النبي أنها مَلْأَى من كل ما يتطلَّع المسلم للاقتباس من هديه ؛ إن كنت تريد شيئًا يتعلق بالمجال الاجتماعي، أو السياسي، أو الثقافي، أو الفكري، أو التربوي، أو الدعوي؛ ستجد في سيرة النبي ما يُغطي هذه المساحة.
المحاور: صحيحٌ.
الضيف: وأظن أن هدي النبي ، والهدي النبوي في التفاعل مع أخطاء الناس؛ أظن أنها تُعبّر عن أحد جوانب العظمة، والعبقرية، والجلال، والجمال في شخصية النبي .
المحاور: والقُدوة.
الضيف: فعندما يُطرح السؤال: لماذا نحتفي بهدي النبي ؟ فأظن أن الجواب بدهيٌّ إلى حدٍّ ما، فكل مسلمٍ عنده نوعٌ من أنواع الولاء والمحبة الفطرية والطبيعية للنبي ، وبالتالي اقتباس ما يتعلق بهدي النبي في هذا المجال سيكون محل حفاوةٍ.
ودعنا نستعرض بعض الامتيازات الموجودة في خصوص شخصية النبي ، وخصوص ما يتعلق بتصحيح الأخطاء.
المحاور: قبل هذا أستاذي الكريم، من الواضح أنك ترى أن هناك قصورًا -مثلًا- في الواقع العملي في هذا الجانب.
الضيف: والله نعم، أنا أدَّعي أن هناك قصورًا حقيقيًّا في دراسة شخصية النبي في مختلف المجالات المعرفية، وأن أحد الإشكاليات الموجودة في الاقتباس من الهدي النبوي هي: عملية الإسقاط على سُنة النبي دون استلهام العظات والعِبَر والدروس من سيرة النبي ابتداءً، فيأتي الإنسان مُحمَّلًا بحمولةٍ ثقافيةٍ معينةٍ في المجال المعرفي، والذي هو مُختصٌّ فيه، مثلًا: في المجال الإداري، أو التربوي -الذي هو في خصوص حديثنا-، أو المجال الدعوي، أو غير ذلك، وتكون لديه حُزَمٌ من المفاهيم المُسبقة، وبالتالي فهو يقتبس ما يُعضِّد ويُؤكد الانطباعات المُسبقة الموجودة لديه، والتي أعتقد ضرورةً أنه يجب أن يُعاد دراسة سيرة النبي باعتبارها منطقةً من استلهام العِظات والعِبَر والدروس التي تكون ناقضةً أحيانًا لبعض المفاهيم المُسبقة.
المحاور: يا سلام! يعني: أن تكون هي الابتداء.
الضيف: هي الابتداء.
المحاور: والمُنطلق.
الضيف: هي المُنطلق، وأنا أذكر إحدى الكتابات اللطيفة والجميلة في المجال التربوي، وهو كتابٌ جميلٌ اسمه "تربية العُظماء"، فمثلًا: أحد السياقات الموجودة بكثرةٍ في مجالات التدريب بشكلٍ عامٍّ: ما يتعلق بقضية القادة.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: أنه في تأسيس القادة وغير ذلك، وقد تجد من النفقات والتدريب في هذا المجال، بل إن بعضهم قد يستلهم من سيرة النبي ما يتعلق بخصوص هذا المسار.
هذا الرجل عندما اطَّلع على سيرة النبي لاحظ مُلاحظةً: أنه على خلاف الاعتناء والاهتمام وتقصير الجهد فيما يتعلق بتأسيس القادة؛ فسيرة النبي حقيقةً كانت دعوةً لتأسيس العظماء وتربيتهم، وأنَّ معنى العظماء يُعطيك جانبًا أكثر شموليةً في المجالات، بحيث يكون الإنسان عظيمًا في المجال الذي ...
المحاور: يتميز به.
الضيف: يتميز به، فأبو هريرة كان النبي قد ربَّاه ليكون عظيمًا في رواية سُنته .
المحاور: يا سلام!
الضيف: وخالد بن الوليد كان عظيمًا في مجال الجهاد والقتال مثلًا.
المحاور: كحديث النبي : أَرْحَمُ أُمَّتي بأُمَّتي أبو بكرٍ، وأشدُّهم في أمر الله عمر[2]أخرجه أحمد (13990)، والترمذي (3790)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1224). ... إلى آخره.
الضيف: جميلٌ، فقصدي أنها أحد الجوانب التي أظن أن الإنسان يستطيع أن يُفجّر فيما يتعلق بسيرة النبي ، ويُبدع في تجديد الأُطروحة.
وأنا شاهدتُ حلقةً قريبةً للصديق عمار العتيبي في برنامج "نَقْش".
المحاور: صحيحٌ.
الضيف: كان يتكلم في حلقةٍ أظن أن عنوانها "صغارٌ كبارٌ"، فلفت نظري أنه يذكر بعض الحكايات والقصص، ويُرتِّب عليها أثرًا معينًا، وأنا أتحدث على المستوى الشخصي، وأنا لأول مرةٍ أسمع هذه الإلماحة المتعلقة بهذه الدراسة.
المحاور: والمقطع رائعٌ جدًّا حقيقةً.
الضيف: ولا زال هناك.
المحاور: فلتسمح لي حقيقةً في المشهد التربوي والنفسي، وفي المجال المعرفي العلمي -والذي هو مجال التخصصات التربوية والنفسية- هم يُناقشون في التأصيل الإسلامي هذه القضية حقيقةً، فأنت تُشير إلى قضيةٍ مهمةٍ جدًّا وهي: المرجعية في التأصيل الإسلامي للعلوم التربوية والنفسية والاجتماعية.
قد تكون المشكلة: ما هي بالضبط قضية المرجعية ابتداءً؟ لأن مَن سيأخذ -كما قلتَ- الخلفيات السابقة ويبحث عنها صحيحٌ أنه سيقول ولا بد، ولكنه ربما يقع في الجانب التَّعسفي، وقد وقع عددٌ من المُختصين -حقيقةً- وبنيةٍ طيبةٍ في هذه الإشكالية؛ نظرًا لضعف الجانب الشرعي، والجانب المعرفي العلمي المُتعلق بقضايا التعامل مع أدوات العلم الشرعي ... إلى آخره.
ولذلك فإن ما تلفت إليه أستاذ عبدالله مهمٌّ جدًّا: أننا ننطلق ابتداءً ونستلهم من السيرة، فنقرأ فيها ونأخذ منها، ونقرأ من هدي النبي ونأخذ منه، ولا يكون العكس؛ لأنه قد يحصل تعسفٌ، وفي نفس الوقت أيضًا لا تبرز المرجعية.
قد يُقال: تُوفِّق هذه القضية بين منهج النبي في السيرة النبوية من هدي النبي والنظريات الغربية، أو شيئًا من هذا القبيل؛ حتى تبرز القضية بشكلٍ مهمٍّ جدًّا.
هل لديك تعليقٌ -حفظك الله- على هذا الكلام؟
الضيف: نعم، هذا تأكيدٌ لكلامي، بل أنا أظن احتمالًا: أنه لولا الهيبة لجناب النبي لكان البعض تعامل مع بعض الوارد عن النبي باعتباره منطقةَ إشكالٍ يحتاج الإنسان إلى أن يُوجد حلًّا لتجاوزه، فقد يقع في سيرة النبي على قضيةٍ معينةٍ، مثلًا: أنا أظن أنه في قضية التربية هناك جدلٌ عاصفٌ فيما يتعلق باستخدام أداة الضرب.
المحاور: صحيحٌ.
الضيف: كأداةٍ تربويةٍ معينةٍ.
المحاور: صحيحٌ.
الضيف: حسنًا، لدينا حديث النبي : واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين[3]أخرجه أحمد (6756)، وأبو داود (495)، وحسنه الألباني في "مشكاة المصابيح" (572).، فأظن أن هناك حُزْمةً من التربويين سينظرون بعين الريبة لما يتعلق -مثلًا- بهذا الحديث النبوي، في حين أنه لو كانت الآية مقلوبةً، ويُرى التعظيم الحقيقي لجناب النبي وسيرته وسنته ؛ فإنه سوف يُعيد ترتيب منظومته.
المحاور: صحيحٌ.
الضيف: وخلفيته حيال ما يتعلق بالموضوع؛ لتتوافق مع هذا المُعْطَى، لا العكس، والعكس هو إعادة تأويل حديث النبي بما يتوافق مع منظومته المُسبقة.
المحاور: لا شكَّ.
لماذا الاحتفاء بسيرة النبي ؟
الضيف: ما سبب الاحتفاء؟ أو ما الامتيازات؟ أو ما الذي يحملنا على حالة القناعة بضرورة دراسة سيرة النبي باعتبارها منطقةً يستطيع الإنسان من خلالها أن يستلهم جملةً من الأدوات أو المُنطلقات المنهجية في مُعالجة أخطاء الناس؟
الرسالة
القضية البدهية الأولى هي: قضية الرسالة، وأن النبي هو رسولٌ من عند الله ، والرسالة تُعطينا خدمةً كبيرةً جدًّا فيما يتعلق بقضية تأييد الوحي.
فجملةٌ مما نتحدث عنه من أساليب النبي في مُعالجة أخطاء الناس هي مُسلمةٌ -حقيقةً- من ربه -تبارك وتعالى- باعتباره وحيًا من عند الله ، وكذلك قضية عصمة النبي وسلامته من الوقوع في الأخطاء ، فهذا بُعْدٌ آخر كذلك أظنه مهمًّا جدًّا.
ومُفرعٌ على أثر الرسالة قضية اتِّخاذ النبي قدوةً، والأمر باتِّباع النبي ، وتلقي أوامره بالطاعة، واجتناب المحاذير التي نهى عنها النبي ، وغير ذلك من مُعطياتٍ، ويكفي في ذلك مثلُ قول الله -تبارك وتعالى-: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، فالنبي قدوةٌ في طريقة مُعالجته لأخطاء الناس.
المحاور: عذرًا يا أبا صالح، اسمح لي -حفظك الله-، ما ذكرتَه من نموذجٍ فيما يتعلق بالضرب؛ لأن القضية عندنا كبيرةٌ حقيقةً.
الضيف: نعم، جميلٌ.
المحاور: أذكر مرةً كنتُ أُقدِّم دورةً، فأحد الإعلاميين أخرج مُلخصًا في الدورة كان في صحيفةٍ سيَّارةٍ على الشبكة العنكبوتية: أن دكتورًا في الجامعة يقول: لا ضربَ! وأنا لم أقل هذا الكلام البتَّة! تخيل! وإنما كانت القضية مُرتبطةً بأن مكان الضرب ليس الابتداء.
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: هذا من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى عندما نجمع الأدلة سنجد أن مجال الضرب في حديث النبي : واضربوهم عليها لعشرٍ بعد أن كان التوجيه: مُرُوا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبعٍ.
وكذلك المرأة النَّاشِز التي ذكرها الله في كتابه، وما شابه ذلك.
فمَن سيقول لك: لا ضرب؛ سيقع في الإشكال والخطأ، ومَن سيقول: الضرب هو أساسٌ ومنهجٌ؛ سيقع في الإشكال والخطأ.
الضيف: لا شكَّ، صحيحٌ.
المحاور: وعندئذٍ حينما نجمع الجانب الشرعي، ونجمع معه الحسَّ التربوي، فأنا أقول: هذه القضية تُحَلُّ إمَّا من الشخصية نفسها، أو من خلال -كما يُقال- مؤتمر حالةٍ يجتمع فيه أهل التَّخصص ويخرجون بشيءٍ من النتائج.
ولذا فإن مَن تكلم عن الضرب من علماء المسلمين كان بسبب هذا المُنْتَج الذي عندهم، ووضعوا شروطًا تتناسب مع ما يرتبط بقضية الضرب، كما ذكرتَ في القدوة والعصمة، وهذا قول النبي وتوجيهه.
فليست القضية عبارةً عن اجتهاد لحظةٍ من اللحظات ... إلى آخره، وإنما رُبِطَ بموضوع الصلاة، فتعالَ وقُلْ لي: إن موضوع الصلاة موضوعٌ كبيرٌ، والصلاة ركنٌ من أركان الإسلام، واجمع الأدلة بعضها مع بعضٍ، واعرضها على كلام العلماء؛ ستجد أن القضية تستحق، أليس كذلك؟
الضيف: بلى طبعًا، وأنا عندما ذكرتُ الضرب كانت مجرد محاولةٍ للإشارة إلى مثالٍ بدون استغراقٍ في تفاصيل ما يتعلق بهذه القضية.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: لأن الإنسان يستطيع -وأنا أزعم هذا جادًّا- إقامة حلقةٍ كاملةٍ فيما يتعلق بالضرب في المجال التربوي.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: بجمع واستقراء كل ما يتعلق بالنبي في هذا المجال، سواء على المستوى العُمْري، أو طبيعة القضايا التي يُضْرب من أجلها، أو طبيعة الضرب الذي يُتحدث عنه على سبيل المثال، وعدة مساراتٍ وعدة قضايا تتعلق بها.
المحاور: أحسنتَ.
الكمال النبوي
الضيف: كذلك من جوانب العظمة النبوية فيما يتعلق بالمجال التربوي بشكلٍ عامٍّ وخصوص القضية التي نُعالجها: قضية الكمالات النبوية، فهو من أكمل البشر -صلى الله عليه وآله وسلم-، ومن أرحمهم ، ومن أعدلهم ، ومن أحلمهم ، وغير ذلك من الكمالات التي تُرشحه للقيام بمقامٍ مُميزٍ جدًّا فيما يتعلق بهذا الباب.
نجاحات النبي
فالإنسان عندما يستعرض النجاحات الإنسانية البشرية يجد النبي يقف على قمة البشرية فيما يتعلق بمجال النجاحات، وبالتالي نحن نستلهم أساليب رجلٍ نجح في تصحيح أخطاء كثيرٍ من الناس.
المحاور: يا سلام!
وفرة المادة العلمية
الضيف: من الأشياء التي أعتقد أنها جميلةٌ جدًّا في سيرة النبي : وَفْرة المادة العلمية التي يستطيع الإنسان من خلالها أن يستقي الأساليب أو المُنطلقات المنهجية في مُعالجة أخطاء الناس.
المحاور: وهذه ميزةٌ واضحةٌ جدًّا في السيرة.
الضيف: نعم، وهذا هو الذي يخدمنا في أي مجالٍ يريد الإنسان التَّصدي له، فمثلما ذكرتُ أنَّ الإنسان يستطيع أنْ يستلهم من سيرة النبي في شأن الإدارة، والسياسة، والاجتماع، والاقتصاد، والتربية.
المحاور: والأسرة.
الضيف: نعم، وفي كل مجالٍ ستجد وَفْرةً معلوماتيةً كبيرةً جدًّا، بحيث يستطيع الإنسان أن يُدرك أحوالًا كثيرةً جدًّا، ويُغطي مساحاتٍ إنسانيةً بشريةً كثيرةً، فوَفْرة المادة المُتعلقة بسيرة النبي تخدم الباحث والدارس في سيرته ؛ بحيث يستطيع أن يُكوِّن صورةً تتَّسم بقدرٍ من التكامل حيال الملف الذي يريد أن يُقدِّمه.
المحاور: وهذا من مُميزات وخصائص المنهج النبوي ألا وهي: الشُّمولية الحقيقية.
الضيف: لا شكَّ.
المحاور: جزاكم الله خيرًا.
إذن نحن هنا بهذه الصورة قد أدركنا الحاجة الماسَّة -حقيقةً-، والتي ينبغي أن يتَّجه إليها الكل، ويحرصون عليها، ويحتفون بها، وهي قُربةٌ إلى الله ، والإنسان حتى في موضوع المندوبات ... إلى آخره ينظر في تعامل النبي ؛ ليكون هذا بالنسبة له أكثر قُربةً إلى الله .
أصول منهج النبي في مُعالجة أخطاء الناس
لا شكَّ أن الذي نتعاطى معه الآن في موضوع "الهدي النبوي في مُعالجة الأخطاء" ينطلق من أصولٍ يا أستاذ عبدالله.
الضيف: نعم.
المحاور: وهي أصولٌ منهجيةٌ لا تُخْرَم، وتحتاج إلى أن تكون حاضرةً عند المُتلقي، فماذا تقولون في هذا المجال؟
الضيف: والله حينما ينظر الإنسان في أساليب النبي في مُعالجة أخطاء الناس يجد أن هناك حُزْمَة مُنطلقاتٍ كان النبي ينطلق منها في التفاعل مع أخطاء البشرية والناس، أو أخطاء الصحابة ممن كانوا حوله.
الخطأ جزءٌ من طبيعة البشر
فمثلًا: أحد الأصول المنهجية الحاكمة والضابطة في هذا الباب: التعامل مع البشرية بإدراك أن الخطأ طبيعةٌ إنسانيةٌ بشريةٌ، والنبي يقول: كل بني آدم خَطَّاء، وخير الخَطَّائين التَّوَّابون[4]أخرجه ابن ماجه (4251)، والدارمي في "سننه" (2769)، وحسنه الألباني في "مشكاة المصابيح" (2341).، وبالتالي فإدراك هذه الحقيقة: "أن كل بني آدم خَطَّاء" يحمل الإنسان على قضية التواضع، بحيث يُدرك أنَّ الذي يسعى إلى تصحيح أخطاء غيره هو أيضًا داخلٌ ومشمولٌ باسم الإنسانية البشرية، وهو من بني آدم، وبالتالي لا يكون عنده نوعٌ من أنواع الاستطالة على مُخالفه، بل بالعكس هناك نوعٌ من أنواع التواضع، ونوعٌ من أنواع الرحمة بالطرف المُقابل.
المحاور: يا سلام!
الضيف: باعتباره إن وقع في خطأ اليوم فيُحتمل أن أقع أنا في الخطأ غدًا.
فالشاهد: أن إحدى المنظومات الحاكمة فيما يتعلق بهذا المجال هي: عدم اعتقاد وجود معصومٍ خلاف مَن عصمه الله -تبارك وتعالى-، وأن كل بني آدم خَطَّاء، وخير الخَطَّائين التَّوَّابون.
وهذا أحد المُنطلقات المنهجية التي من المهم جدًّا استصحابها، لا مجرد اعتقادها، بل من الآثار المُترتبة عليها: أن يقتنع الإنسان أن هذه هي الوضعية الإنسانية الطبيعية.
المحاور: طبيعيةٌ.
الضيف: فلا يتفاجأ إذا وقع إنسانٌ أمامه في خطأ.
المحاور: ولا يجوز أن نتصور أن هناك مَن هو كاملٌ بحالٍ من الأحوال، وعندئذٍ فإن الخطأ لا بد منه، وهذا هو الأصل والمنهج الأول.
الضيف: الأول.
المحاور: وأظن أن هذا سيُعين النفس البشرية أيضًا على ما أشرتَ إليه من التواضع والرحمة.
الضيف: الرحمة.
المحاور: وأيضًا يُعين في قضية عنصر المُفاجأة، ففي بعض الأحيان نجد لدينا في الاستشارات الأسرية أبًا تفاجأ بقضيةٍ من ابنه، أو زوجته، أو العكس، وهذا الخطأ الذي أتى من الطرف الآخر أمرٌ واردٌ مهما كان، وأنت كذلك تُخطئ.
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: نعم، الجانب الآخر؟
المرونة
الضيف: من الجوانب المهم جدًّا استحضارها في سيرة النبي : المرونة، بمعنى: التعاطي مع كل خطأ في ضوء سياقه.
المحاور: يا سلام!
الضيف: وهناك تعبيرٌ مُستخدمٌ أظنهم يقولون: مَن ليس عنده أداةٌ إلا المطرقة سيرى كل شيءٍ مسمارًا يحتاج إلى ضربٍ.
في حين أنه لو نظر في سيرة النبي سيجد أن هناك نوعًا من المُناسبة بين طبيعة التَّصحيح وطبيعة الخطأ -مثلًا-، فإذا عَظُم الخطأ تُلاحظ أن طبيعة تصحيح النبي تتعاظم، وإذا قلَّ شأن الخطأ قلَّ تعاطي النبي معه.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: لذا تجد في حديث النبي عندما قيل له: اجعلْ لنا ذاتَ أنواطٍ كما لهم ذات أنواطٍ. فتجد أنَّ اللفظة التي استخدمها النبي أنه قال: قلتُم والذي نفسي بيده كما قالتْ بنو إسرائيل لموسى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138][5]أخرجه أحمد (21897)، والترمذي (2180)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (5408)..
المحاور: أمرٌ عقديٌّ.
الضيف: فالأمر العقدي كبيرٌ، فتعاطى معه النبي بالطريق المُناسب، وفي سبب نزول قول الله -تبارك وتعالى-: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65- 66]، وكيف أن النبي كان مُتشددًا مع مَن جرى منهم هذا الهَزْء بصحابته ؛ حتى إن الرجل كان مُتعلقًا بناقة النبي ، والنبي لا يتجاوز تكرار هذه الآية القرآنية على مسامعه[6]"جامع البيان في تأويل القرآن"= تفسير الطبري (14/ 333).، لماذا؟ لطبيعة الجُرْم الذي وقع.
وعندما كَسَفَت الشمس في حياة النبي ، وتحدث الناس في وفاة إبراهيم؛ خرج النبي مُصححًا لهم هذا المفهوم، فتجد أن طبيعة التَّصحيح عائدةٌ إلى طبيعة الخطأ الواقع.
مراعاة طبيعة الشخص الواقع في الخطأ
من القضايا التي أظن أنها مهمةٌ، وهي تبعٌ للقضية الماضية: أن هناك مناسبةً أو مراعاةً لطبيعة الشخص الواقع في الخطأ؛ فالنبي يُفرّق تفريقًا واضحًا بين مَن كان جاهلًا، ومَن لم يكن جاهلًا، وبين الصغير والكبير على سبيل المثال، أو صاحب السابقة والفضل، ومَن ليس كذلك، أو صاحب الإيمان المُعمَّق، ومَن ليس كذلك.
فالنبي يُفاوت بحسب الحالة الموجودة أمامه، فمثلًا: من الأحاديث الطريفة المروية في شأن الأطفال: أن الحسن بن علي تناول تمرةً من تمر الصدقة وهو طفلٌ صغيرٌ، فالنبي يُراعي حال هذا الطفل، وأحد جوانب الفائدة: أنه لا يُمرر الخطأ الواقع من طفلٍ كذلك، فيقول له النبي -كما ورد في الحديث-: كِخْ، كِخْ، أما علمتَ أنَّا -آل محمدٍ- لا نأكل الصدقة[7]أخرجه البخاري (1491)، ومسلم (1069)..
وعمر بن أبي سلمة -رضي الله عنهما- عندما كان طفلًا رَبِيبًا في حجر النبي ، وكانت يده تطيش في الصَّحْفة، فقال له النبي : يا غلام، سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يَلِيك[8]أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022).، على سبيل المثال.
تجد -مثلًا- من الأحاديث الجميلة: حديث معاوية بن الحكم السُّلَمِي، وهو رجلٌ من صحابة النبي جاهلٌ بحكم الكلام في الصلاة.
المحاور: في الصلاة.
الضيف: فعندما صلَّى خلف النبي عطس رجلٌ في صلاته وحمد الله، فقال معاذ بن الحكم السُّلَمِي: "يرحمك الله" بصوتٍ مُرتفعٍ، فلما قال ذلك يقول: فَرَمَاني القوم بأبصارهم. كأنَّ كل مَن في الصلاة قذف بصره تجاهه، فقال في نفسه: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ! ما شأنكم تنظرون إليَّ؟! فصاروا يضربون على أفخاذهم، يُسكِّتونني، فشعر أنه لا بد أن يصمت، فصمت.
فدعاه النبي بعد الصلاة فقال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، يقول معاوية -وهنا موطن الشاهد-: فوالله ما ضربني، ولا كَهَرَنِي، ولا شَتَمَنِي[9]أخرجه مسلم (537)..
فهناك نوعٌ من المُلاينة من النبي لطبيعة الشخص القائم أمامه.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: قارن هذا -مثلًا- بحديث النبي مع رجلٍ آخر كان يأكل بشماله فقال: كُلْ بيمينك، فقال له ذلك الرجل: لا أستطيع. فقال النبي : لا اسْتَطَعْتَ[10]أخرجه مسلم (2021).، قال العلماء: فما رفعها. ويقولون: إن أمر الرجل ليس الجهل، وإنما كان نوعًا من أنواع الكِبْر؛ فدعا النبي عليه لمُناسبة الحال.
وتجد أن أعرابيًّا يبول في المسجد -على سبيل المثال- فيصيح به الناس، فيقول: لا تُزْرِمُوه، دَعُوهُ[11]أخرجه البخاري (6025)، ومسلم (285).، والحديث مشهورٌ.
فالشاهد أن أحد جوانب العظمة في شخصية النبي هي: مُراعاة حالة الشخص القائم الموجود أمامه.
المحاور: إذن قضية أن يأتي شخصٌ -كرَبِّ الأسرة مثلًا أو أيِّ مُرَبٍّ كان- ويُعالج الأخطاء على اختلاف مصادرها بعلاجٍ واحدٍ؛ فهذا بلا شكٍّ مُخالفٌ للهدي النبوي.
الضيف: مُخالفٌ للهدي النبوي.
المحاور: مُخالفٌ بشكلٍ كبيرٍ جدًّا، واعتبارات العمر والعلم، والاعتبارات السابقة ... إلى آخره أمرٌ واضحٌ وجميلٌ جدًّا.
إذن نحن ذكرنا قضية الخطأ، وأن الأصل في الإنسان أنه خطَّاء، وكذلك المرونة.
الضيف: المرونة.
المحاور: نعم، والإشارة إلى قضية مُراعاة المناسبة كذلك.
الضيف: نعم، مُراعاة المناسبة.
المحاور: وهي داخلةٌ في المرونة كذلك، فهل هناك أمرٌ آخر مُتعلقٌ بالأصول المنهجية؟
الضيف: طبعًا هناك عدة أصولٍ منهجيةٍ يمكن سردها سريعًا، ونُنبه إلى ما يحتاج إلى تنبيهٍ.
من الأصول المنهجية أيضًا
من الإشكاليات التي أجدها في كثيرٍ من الناس: أنه يَخُطُّ لنفسه إما خطَّ المُلاينة مطلقًا، أو خطَّ التَّشدد المُطلق في المُعالجة.
المحاور: يا سلام!
الضيف: فمن المُحدثات المنهجية الواضحة: أن النبي يشتدُّ أحيانًا، ويلين أحيانًا ، وذلك عائدٌ لطبيعة السياق الذي يُعالجه.
ومن الأشياء المهمة التي يستلهمها الإنسان من سيرة النبي كذلك: قضية مُراعاة المصالح والمفاسد؛ لأن هناك نمطًا من أنماط الأخطاء -وهذا سيظهر لنا في قضية الأساليب لاحقًا- قد يتغافل عنه النبي ويتجاوز عنه من غير تنبيهٍ أحيانًا، فقد يترك النبي الأمر.
ومن الأمثلة المشهورة: كيف تفاعل النبي وتعامل مع أخطاء المنافقين وتجاوزاتهم العظيمة، سواء على شخص النبي ، أو على الصحابة، أو على الكيان الإسلامي؟ ومع ذلك يقول النبي لأحد صحابته لمَّا قال: يا رسول الله، دَعْنِي أضربْ عنق هذا المنافق. فقال: دَعْهُ؛ لا يتحدَّث الناس أنَّ محمدًا يقتل أصحابه[12]أخرجه البخاري (4905)، ومسلم (2584)..
إذن أحيانًا قد يقف الإنسان أمام خطأ معينٍ ويترك تصحيحه بسبب أنه من المُحتمل أنه لو انشغل بتصحيح هذا الخطأ فسيترتب عليه خطأٌ أعظم منه، فالنبي قد ينحاز لمُربع استبقاء الحالة كما هي؛ مُراعاةً لتوازنات المصالح والمفاسد.
المحاور: يا سلام! وهذا فقهٌ عظيمٌ بلا شكٍّ.
الضيف: كذلك من الأشياء التي يمكن أن نُشير إليها ونُنبه الإنسان لها: قضية مُسببات الوقوع في الخطأ.
ما المُسبب الذي أوقع هذا الطرف المقابل في الخطأ؟
فتجد أن النبي يُفاوت بحسبه؛ فإذا كان المُسبب الذي أوقع هذا الإنسان في الخطأ مجرد الجهل، كما مرَّ النبي على أحد الصحابة -واسمه: جُرْهُد- وكان كاشفًا فخذه، فقال له النبي : غَطِّ فَخِذَك، ثم قال له: فإنَّ الفَخِذ عورةٌ[13]أخرجه أحمد (15932)، وأبو داود (4014)، وضعفه الألباني في "الثمر المُستطاب في فقه السنة والكتاب" (ص264).، فكأن النبي استشعر أنه ما وقع في هذا الخطأ إلا بسبب عدم إدراكه للحكم الشرعي المُتعلق به، وهذا مثال مجال الجهل.
وقد ذكرنا قضية الكِبْر على سبيل المثال: لا اسْتَطَعْتَ، فتجد أن النبي لاحظ أن مُحرك الوقوع في هذا الخطأ هو الكِبْر، وبالتالي تفاعل معه النبي تفاعلًا مختلفًا.
وعندما وجد النبي مُحرك الخطأ لدى الشاب الذي جاء يستأذن النبي فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا. فصاح الناس به، فقال له النبي : ادْنُه، أتُحبه لأمك؟ قال: لا ... فقال: أَفَتُحِبه لأختك، أترضاه لكذا؟ وكذا الناس لا يرضون[14]أخرجه أحمد (22211)، والطبراني في "المعجم الكبير" (7679)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (370).، والحديث مشهورٌ.
فيُلاحظ الإنسان أن الباعث المُحرك له هو في المجال الفلاني، وبالتالي فإن الأداة الأمثل في تصحيح مثل هذا الخطأ الذي وقع منه هي: أن يدخل عليه عبر هذه البوابة، أو هذه النافذة، وهذا الذي أثمر الأثر تاليًا.
إذن فإحدى القضايا التي ينبغي أن يتنبه لها المُربي أو المُهتم بتصحيح خطأ مَن أمامه هي: ملاحظة السبب الباعث على وقوع هذا الخطأ.
وعدم ملاحظة هذه المسألة قد تجعل الإنسان أحيانًا ينشغل بتصحيح الخطأ في المنطقة الخطأ؛ فلو افترضنا أن الإنسان -مثلًا- يعرف الحكم الشرعي المُتعلق بممارسةٍ معينةٍ، فالاشتغال ببيان الأدلة الشرعية المُتعلقة بهذه المسألة قد لا يُثْمِر كثيرًا؛ لأن الطرف المقابل قد يُحْسِن سرد تلك الأدلة عليك بأحسن ما يُمكنه، ولا يحتاج إليك؛ ولذلك تجد في خطاب الوحي والشارع هذا التنويع، فإن الإنسان قد يحتاج إلى الوعظ.
المحاور: بالضبط.
الضيف: الموعظة الحسنة، وقد يحتاج الإنسان إلى المُجادلة بالتي هي أحسن -على سبيل المثال-، فهناك نوعٌ من أنواع التَّدرج، أو مُراعاة خصوص الحالة، وهذه مسألةٌ واضحةٌ وبارزةٌ جدًّا في سيرة النبي يا إخواني.
المحاور: حقيقةً حلَّقْتَ بنا مع الأصول المنهجية، وأشرتَ في النقطة الأخيرة إلى ما يتعلق بالإشارة للمُسببات، وفي مجال القضايا التربوية والنفسية بما يُسمى عندنا: التشخيص.
الضيف: جميلٌ.
المحاور: وهذه قضيةٌ من القضايا المهمة جدًّا، وتحتاج إلى أن يُدركها الناس، وهي: أن طريقة النبي لها علاقةٌ أيضًا بالمرونة التي أُشير إليها قبل قليلٍ، وأنه قد يكون لدينا ابنان ارتكبا نفس الخطأ الواحد؛ لكن الأسباب مختلفةٌ، فهنا تشخيص القضية مهمٌّ جدًّا، ولا ننتقل مباشرةً إلى العلاج دون أن نُشخِّص ونعرف الأسباب؛ حتى نستطيع أن نعرف لكل سببٍ ما يُناسبه، وهذه قضيةٌ منهجيةٌ رائعةٌ جدًّا، وحكيمةٌ في نفس الوقت، وهذا يُسمى بتفهُّم المشكلة وما يتعلق بها.
أتتني اليوم استشارةٌ أعجبتني، ولها علاقةٌ بما أشرتَ إليه -حفظك الله- في المصالح والمفاسد ومُراعاتها.
تقول الأم: اختلفتُ أنا والأب -الزوج- في قضية الابن؛ فالابن كان يُدخن في المرحلة المتوسطة، ثم بقي مُدخنًا إلى الثانوية، وكنَّا نظن أنه ترك التدخين، فإذا به لم يتركه، فقال الأب: لا بد أن أتكلم معه، وأريدكِ أن تكوني معي. وهي تقول: أرى ألَّا أبقى معه؛ لأني أتصور أن الابن قد تاب من التدخين، فما الرأي المُناسب؟
أنا أعجبني -حقيقةً- أنهما مُتَّفقان على الحرص على قضية المُعالجة، لكن عندهما اختلافٌ في هذه الجزئية، فكانا يريدان رأيًا في هذا الموضوع، وهذا -بلا شكٍّ- مُقدَّرٌ بقضية المصالح، وهو ما يتعلق بكيف نستطيع أن نصل بالابن إلى برِّ الأمان؟
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: وهذا الاختلاف جميلٌ جدًّا.
السؤال التفاعلي
كان هناك سؤالٌ تفاعليٌّ -يا أبا صالح- في الحلقة، وقد شارك في التصويت ألفٌ ومئةٌ، فما تعليقك على هذا السؤال وإجابات الجمهور: هل استفدتَ في حياتك من طريقة النبي في مُعالجة الأخطاء؟
دائمًا = 67%.
كثيرًا = 21%.
فنحن نتكلم عن 88% بين: دائمًا، وكثيرًا.
متوسطًا = 6%.
وقليلًا = 5%.
الضيف: ما شاء الله!
المحاور: ما تعليقكم على هذه النتيجة؟
الضيف: والله نتيجةٌ مُبَشِّرةٌ.
المحاور: مُبَشِّرةٌ؟
الضيف: نعم، والله التفاؤل الشديد يدل على جودة الجمهور، ما شاء الله! جمهور "زاد" مُميزٌ.
أقصد أني أتصور أنَّ كثيرًا من المُجتمعات والبيئات الإسلامية عندها مشكلةٌ في الإفضاء والاطلاع على سيرة النبي ، فضلًا عن أن يتأثر الإنسان بها تأثرًا إيجابيًّا في خصوص موضوعٍ دقيقٍ كمُعالجة النبي لأخطاء الناس.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: فتصور أنه فعلًا إذا تأثر الإنسان دائمًا أو كثيرًا بالنسبة المذكورة؛ فهذا يدل على اهتمامٍ، ويبعث على التفاؤل.
المحاور: بلا شكٍّ هو شيءٌ مُبَشِّرٌ، ونقول لهم: بالتوفيق والاستمرار على هذا التلقي من منهج النبي .
الأساليب النبوية في مُعالجة الأخطاء
لعلنا ننتقل في الوقت المُتبقي للحلقة إلى بعض الأساليب النبوية في مُعالجة الأخطاء.
الضيف: طبعًا هناك إشكاليةٌ، حتى أنا أُقدم اعتذارًا عن نفسي -إن صحَّ التعبير-؛ فإن الإطار الذي ينتظم هذا الموضوع واسعٌ جدًّا، ونحن ذكرنا وفرة الأحداث في حديث النبي ، وأنه جزءٌ من دعوة النبي .
فعندما أتكلم عن قضية تصحيح أخطاء الناس فهي داخلةٌ في مسار التعليم، وأحد المسارات التعليمية هو تصويب الخطأ الذي قد يقع فيه التلميذ.
وعندما أتكلم عن قضية الاحتساب فأحد المُعطيات المركزية في دين الإسلام هو فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنهي عن المنكر داخلٌ في صميم ما يتعلق بقضية تصحيح الأخطاء، والنبي يقول: الدين النصيحة[15]أخرجه مسلم (55).، فتصور أن قضية تصحيح الأخطاء هي من النُّصح الذي يبذله الإنسان المسلم لأخيه المسلم.
فالشاهد: أن الله -تبارك وتعالى- يتولى تصحيح أخطاء نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- في القرآن الكريم، وأخطاء صحابته، وأخطاء بقية الأمة، والنبي يُمارس هذا الدور كذلك.
فتصور أن الموضوع واسعٌ وكبيرٌ جدًّا، ويصعب على الإنسان أن يضع يده على كل أساليب النبي ، فضلًا عن أكثرها.
فأنا أُقدم هذا الاعتذار؛ لأن الإنسان يُعالج هذا الموضوع من خلال الذاكرة وبحسب ما تسمح.
المحاور: القليل منك -يا أبا صالح- كثيرٌ، لكن أيضًا نتمنى من الإخوة والأخوات المتابعين معنا -حفظهم الله- المُشاركة؛ لأنه تأتينا الآن بعض الأسئلة -وأنا ألحظ ذلك من الكنترول-، ولكن نحن نتمنى التواصل معنا مُباشرةً إذا كان هذا بالإمكان -حفظكم الله-، ويكون في صميم الموضوع أيضًا.
التَّأدب مع العلماء
الأخ محمود من فلسطين.
مرحبًا بك يا أخ محمود، هل أنت جاهزٌ؟
المتصل: السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الضيف: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: يا هلا، حياكم الله، كيف حالك يا شيخ عبدالله العجيري؟
الضيف: يا أهلًا وسهلًا، حياكم الله، يا مرحبًا.
المتصل: الله يُبارك فيك، هذه أول مرةٍ أكون في البثِّ المباشر.
المحاور: يا مرحبًا، أنت عبر (الزوم) يا شيخ محمود؟
المتصل: نعم.
المحاور: تفضل يا أخي بسؤالك، ونحن سُعداء -والله- بك، تفضل حبيبي.
المتصل: الله يحفظكم، شيخ عبدالله، أحببتُ أن تُنبِّه طلاب العلم إلى كيفية التأدب مع المشايخ، والتعامل مع المشايخ في مجالس العلم وطلب العلم، فلو تُنبِّه إلى هذا الشيء، جزاك الله خيرًا.
المحاور: عفوًا أخي محمود، لو سألتُك سؤالًا: ما علاقة هذا السؤال -وهذا اختبارٌ لك- بالعنوان والحلقة؟
إذا كان بإمكانك أن تُوضح لنا فقط.
المتصل: أقصد بأُسس التربية.
المحاور: نعم، جزاك الله خيرًا، وشكرًا لك أخي محمود، وبارك الله فيك.
تفضل يا أبا صالح.
الضيف: السؤال؟
المحاور: يبدو أنه يريد إدخاله في هذا، نعم.
الضيف: نُقدم إحالةً؟
المحاور: جزاك الله خيرًا.
الضيف: هذه المسألة طبعًا هي محل حفاوةٍ عند أهل العلم في الكتابة التراثية من قديمٍ، وهي قصة آداب طالب العلم، وأحد التبويبات الأساسية في عامَّة الكتب المتعلقة بأداء طالب العلم، فمن كتب المعاصرين -والذي أنصح بمُطالعته جدًّا لأي طالب علمٍ، بل أظن أنه أحد الكتب التأسيسية الأولى- كتاب "حِلية طالب العلم" للشيخ: بكر بن عبدالله أبي زيد، عليه رحمة الله تبارك وتعالى.
ومن الكتب التي أنصح بها كذلك "تذكرة السامع والمتكلم بأدب العالم والمتعلم"، وهو كتابٌ مهمٌّ جدًّا.
كذلك الخطيب البغدادي له عددٌ غير قليلٍ من مُؤلفات الكتب التي يستطيع طالب العلم أن يستثمرها، وفيها إدراك واجبات التأدب التي نحتاج أن نُبْدِيها، وابن عبدالبَرِّ له كتاب "جامع بيان العلم وفضله" كمثالٍ.
فالشاهد أن الكتب المُؤلفة في آداب طالب العلم بشكلٍ عامٍّ، أو بخصوص ما يتعلق بتأدب التلميذ مع الشيخ بشكلٍ خاصٍّ؛ موجودةٌ في الكتابة التراثية.
وبالمناسبة: أحد المجالات الأساسية الثَّرية جدًّا في دراسة سيرة النبي هو: استخراج تأدب صحابة النبي مع شيخهم -صلى الله عليه وآله وسلم-، أي: مع النبي الرسول ، أظن أنها كذلك.
المحاور: ولا شكَّ أن هذا له علاقةٌ من ناحيةٍ وقائيةٍ في تقرير الوقوع في الأخطاء، وفي حُسْن التعامل طبعًا.
الضيف: ولها مدخليةٌ في جانب الخطأ؛ من جهة أنه أحيانًا قد تقع تجاوزاتٌ -على سبيل المثال-، فيمكن أن يستحضر صورةً ذهنيةً معينةً من أنماط التعامل مع الأشياء، فيُراد تصحيح مثل هذه الأنماط.
المحاور: والمشايخ يبقون كذلك بشرًا، والخطأ واردٌ منهم، وعندئذٍ حينما نُحْسِن الأدب معهم والتَّصرف، ونتعامل بالحُسْنى، أو بطريقة النبي ستكون بلا شكٍّ مُعينةً لنا.
نعود إلى الأخت بتول، وكانت قد سألتْ سؤالًا عبر (الزوم)، ولعلنا نستأذنها في تأجيل السؤال إلى حلقةٍ أخرى -بإذن الله -؛ نظرًا لعدم الارتباط المُباشر بالحلقة، وكذلك سؤالها مهمٌّ، فلعلها تكون معنا في حلقاتٍ قادمةٍ، بإذن الواحد الأحد.
معنا في الأسبوع القادم -بإذن الواحد الأحد- أحد الاستشاريين الأُسريين، وفي اللقاء الذي بعده سيكون معنا الدكتور مصطفى أبو سعد، المُختص بالجوانب التربوية والأُسرية والنفسية، مشكورًا، مأجورًا.
الآن لعلنا نحاول أن نُركز أكثر حبيبنا الكريم على ما يتعلق بالأساليب.
الضيف: دعنا نأخذ الأساليب -إن صحَّ التعبير- من الأخفِّ ونتدرج منها إلى الأعلى.
أسلوب التغافل
من أخفِّ الأساليب التي وجدتُها عن النبي : قضية التَّغافل، وأنه أحيانًا قد يقع الخطأ.
المحاور: يا سلام!
الضيف: فتكون إحدى الأدوات المُعالجة لقضية الخطأ: أن يتغافل الإنسان، أو ينسحب من منطقة الخطأ، ومن أشهر الدلائل القرآنية الدالة على هذا المعنى قول الله -تبارك وتعالى-: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ [التحريم:3].
المحاور: يا سلام!
الضيف: وسبب النزول ذَكَرَ ما يتعلق بتفاصيل هذه الحكاية.
مثلًا: من الأحاديث المشهورة عن النبي : أنه ذَهَبَ إلى المقبرة يومًا فوجد امرأةً تبكي على ولدٍ لها، فقال: اتَّقِي الله واصْبِرِي، فقالت له المرأة: إنك لم تُبْتَلَ بما ابتُليتُ به. فالنبي لم يُعقِّب، ولم يُصحح هذا الخطأ، وتجاوز عما وقع منها، وانسحب النبي من هذا الموقف بهدوءٍ، ثم حصل أنْ أُخْبِرت المرأة أن هذا رسول الله، فلحقتْ بالنبي وقالت: يا رسول الله، لم أعرفْكَ. فقال لها: إنما الصبر عند الصَّدْمَة الأولى[16]أخرجه البخاري (1283)، ومسلم (926)..
المحاور: الله!
الضيف: فتُلاحظ في الموقف الأول التصحيح من النبي ، ثم عندما لاحظ أن المحلَّ ليس قابلًا بالضرورة لهذا التصحيح انسحب النبي .
وهناك قصةٌ أكثر طُرفةً في قضية: أنَّ الطرف المُقابل أحيانًا قد لا يكون مُؤهلًا لاستقبال النصيحة في هذا الحال، فالنبي لا حلَّ له إلا أن ينسحب من هذا الموقف؛ وهو موقفٌ حصل بين علي بن أبي طالبٍ -رضي الله عنه وأرضاه- وحمزة بن عبدالمطلب، والحديث في "صحيح البخاري"، وهو قبل تحريم الخمر: أنَّ علي بن أبي طالبٍ لمَّا كان يُجهِّز جهاز فاطمة -رضي الله عنها وأرضاها- كان من ضمن الجهاز شَرَفَيْن -ناقتين-، وفي أثناء التَّجهيز والذهاب والإياب وكذا أفضى إلى الناقتين، فوجد أن أَسْنِمَتهما قد جُبَّتْ، وبُقِرَتْ جنوبهما، يقول علي بن أبي طالب واصفًا المشهد: فما تمالكتُ لمَّا شاهدتُ هذا المشهد أنْ دَمعتْ عيناي. أي: قام يبكي من المشهد، فسأل: مَن فعل هذا؟ فقيل له: فعله عمُّك حمزة. فذهب إلى حمزة في مجلسٍ معينٍ، وكان في مجلس شرابٍ قبل تحريم الخمر، فوجده على هذه الهيئة، فذهب إلى النبي مُتغيّر الوجه، فقال: ما لَكَ؟ أي: وجهك مُتغيّرٌ وكذا، فأخبره الخبر: أنه حصل كذا وكذا، فأخذ النبي رداءه وذهب إلى حمزة، فقال لحمزة وهو في حالة السُّكْر: ما حَمَلَكَ على هذا يا حمزة؟ يقول: فرفع رأسه إلى النبي وكانت عيناه مُحْمَرَّتان.
المحاور: الله!
الضيف: من شدة السُّكْر، يقول: فخفَّض النظر في النبي ونزَّل وقال: وهل أنتم إلا عبيدٌ لأبي؟![17]أخرجه البخاري (3091)، ومسلم (1979). من شدة السُّكْر غاب عقله -رضي الله عنه وأرضاه-، فالنبي تراجع؛ لأن الطرف المقابل لا مجال لتصحيح الخطأ معه الآن، وأفضل مُعالجةٍ لهذا الموقف في هذه اللحظة هي الانسحاب من الموضوع.
فإحدى الأدوات التي يستطيع الإنسان أن يتعاطى بها مع نمط تصحيح الأخطاء: أن الإنسان يتغافل، وهذا أسلوبٌ من الأساليب المشروعة.
المحاور: ويُؤجلها إلى الحين المُناسب.
الضيف: ويُؤجلها للحين المُناسب، أو مثلما ذكرنا: توازن المصالح والمفاسد.
المحاور: وأن له علاقةً بالمصالح والمفاسد، والتَّغافل تسعة أعشار الدين كما ورد.
الضيف: لا شكَّ، وأن التغافل من خُلُق الكرام.
المحاور: سبحان الله العظيم!
تكرار التَّخطئة
الضيف: في المُقابل -دعنا نأخذ الطرف المقابل- أن النبي أحيانًا لا يُمرر الخطأ، ويُصرُّ على تثبيت الخطأ، ويُكرر النبي التَّخطئة والتَّصحيح، فمثلًا: من أشهر المواقف التي وقفتُ عليها في هذا الشأن حديث أسامة بن زيدٍ في الغزوة المشهورة لمَّا علا أحدهم بالسيف، فقال ذلك الرجل: لا إله إلا الله. فنزل عليه بالسيف فقتله، وظلَّ في نفس أسامة بن زيدٍ من هذه الحادثة شيءٌ، فذهب إلى النبي وأخبره الخبر وما حصل، فقال له النبي : أَقَتَلْتَه بعد أنْ قال: لا إله إلا الله؟! كيف تصنع بلا إله إلا الله يوم القيامة؟!
المحاور: الله!
الضيف: فقال أسامة بن زيد: إنما قالها تَعَوُّذًا يا رسول الله. فقال النبي : كيف تصنع بلا إله إلا الله يوم القيامة؟!، وجلس النبي يُكرر عليه حتى يُعظِّم في نفسه طبيعة الخطأ الذي وقع منه، رضي الله عنه وأرضاه[18]أخرجه بهذا اللفظ النسائي في "السنن الكبرى" (8541)، وأخرجه بنحوه البخاري (4269)، ومسلم (96)..
ومن أجمل الأحاديث وأكثرها طرافةً بشكلٍ شخصيٍّ حديث خوَّات بن جبيرٍ، رضي الله عنه وأرضاه.
المحاور: عفوًا، القصة التي أشرتَ إليها قبل قليلٍ، ما الأسلوب الذي اتَّبعه النبي ؟
الضيف: الأسلوب هو: عدم تمرير أو تكرار التَّخطئة، أي: أنه وقف وقفةً حازمةً مع الخطأ.
المحاور: إذن في بعض الأحيان كأنك تقول: إن التَّغافل لا ينفع في بعض الأحيان.
الضيف: بل أقول: لا تكفي التَّخطئة فقط، بل يحتاج الإنسان إلى أن يترصَّد لهذا الخطأ.
المحاور: نعم، وعندئذٍ يكون التَّغافل هنا ليس سليمًا.
الضيف: ليس سليمًا، وأنا أضرب مثالًا قد يكون أكثر وضوحًا في القصة الثانية: قصة خوَّات بن جبير -رضي الله عنه وأرضاه- يقول: كنتُ مع النبي في غزوةٍ غزاها، فخرجتُ من خِبائي. أي: خرج من خيمته، فوجد مجموعةً من النِّسوة، يقول: فدخلتُ بينهنَّ.
المحاور: حتى نُشوق المُتابعين للقصة -وأنا واحدٌ منهم على أية حالٍ-؛ ولأن غُرفة (الزوم) ممتلئةٌ، ما شاء الله!
الضيف: ما شاء الله!
المحاور: فالإخوة الذين لا يستطيعون دخول (الزوم) قد يُتابعون عبر (اليوتيوب) -حفظكم الله-، وكذلك إذا كانت هناك مشاركاتٌ فعبر الاتصال.
عفوًا، لنُكمل معك.
الضيف: يقول: فعُدْتُ إلى الخِباء -إلى الخيمة- وأخرجتُ عَيْبَتِي -الظاهر أنه مثل الوعاء الذي تُوضع فيه الملابس-، وأخرجتُ منها جُبَّةً -أخرج منها ثوبًا معينًا جميلًا-، ثم خرج فجلس إلى النسوة، فمَرَّ النبي به فقال: يا أبا عبدالله وهي كُنية خوَّات بن جبير، يقول له: يا أبا عبدالله، ما تصنع؟! استغرب النبي من الخطأ الواقع، وأنه جالسٌ ومُختلطٌ بالنساء.
يقول: فاختلط عليَّ. كأنه تورط وأُحْرِج من النبي ، فقال: يا رسول الله، بعيرٌ شارِدٌ -أي: شَرَدَ له بعيرٌ- فأنا أتَطَلَّبُ له قيدًا. أي: أتيتُ عند مجموعة النسوة من أجل أن أطلب له قيدًا. يُغطِّي خطأه بهذا العذر، فذهب النبي ، يقول: فاتَّبعته، فذهب إلى خلاءٍ. أي: أراد النبي أن يقضي حاجته، فألقى إليَّ رداءه، وذهب النبي وقضى حاجته، وعندما عاد من قضاء حاجته اتَّجه مباشرةً إلى خوَّات وقال له: أبا عبدالله، ما فعل شِرادُ جملك؟ فقال له خوَّات: لا زلتُ أبحث عنه يا رسول الله.
وطول الغزوة كان كلما لقيه النبي يقول له: ما صنع شارِدُ جملك يا أبا عبدالله؟ فيعتذر له باعتذارٍ، وكلما قام يقول له: ما صنع شارِدُ إبلك يا أبا عبدالله؟ يقول: إلى درجة أني حرصتُ ألا ألتقي بالنبي بعد ذلك، حتى عندما قدمنا المدينة ما حضرتُ مجلس النبي -الظاهر لأسبوعين-، ثم إني اشتقتُ للمسجد؛ فذهبتُ أُصلي فيه ركعتين، فصليتُ ركعتين، فدخل النبي المسجد، ولاحظ خوَّات بن جبيرٍ دخول النبي ، يقول: فصلى النبي ركعتين، وأنا أُطوِّل في صلاتي رجاء أن يذهب النبي ولا أراه.
المحاور: الله أكبر!
الضيف: فجلس النبي عنده وقال له: طَوِّلْ أبا عبدالله ما شئتَ أن تُطول، فلستُ قائمًا حتى تنصرف.
المحاور: مُنتظرٌ.
الضيف: فعرف هذا، فلما سلَّم من صلاته التفت إليه النبي وقال له: يا أبا عبدالله، ما فعل شِرادُ ذلك الجمل؟[19]أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (4146)..
المحاور: الله أكبر!
الضيف: فقال: يا رسول الله، والله ... واعتذر؛ لأن القصة حصلت كذا، يقول: فأعرض النبي عن ذلك وما فتح الموضوع تاليًا، فالنبي كان مُتفطِّنًا للخطأ الذي وقع، ومُتفطِّنًا لمحاولة تغطية الخطأ، والنبي حريصٌ على تصحيح الخطأ وعدم إمراره.
المحاور: ولاحظ أستاذي التَّحمل وصبر النبي ، وأنه لم يُعِد ولم يتجاوز هذه الكلمات وهذا السؤال فقط.
الضيف: وعندما اعتذر انتهى الموضوع، وأغلق الملف، وما عيَّره .
المحاور: ولم يرجع إلى ...
الضيف: ولم يرجع الرسول بعدها لمثل هذا الحدث، فهذه القضية انتهت.
المحاور: صفحةٌ وانتهت.
الضيف: صفحةٌ وانتهت، فالشاهد عندنا هو: التَّغافل، وعندنا طرفٌ مُقابلٌ للتَّغافل؛ فقد يُكرر النبي الأمر حتى ينتزع الخطأ.
المحاور: ننتقل إلى غير ذلك، الله يحفظك.
الضيف: مثلًا من الأساليب التي في المُنتصف.
كيف نتعامل مع الأخطاء التي لم يَرِد مثيلٌ لها في السُّنة؟
المحاور: ائذن لنا فقط في سؤالٍ ورد، وإنْ كنا نتمنى أنْ نمضي أكثر في الأساليب يا أبا صالح؛ لأن الوقت ضيقٌ جدًّا: ما آلية التعامل مع الأخطاء التي لم يرد أن النبي تعامل مع مثيلاتها؟
هذا سؤالٌ ورد في (الواتس) من أحد الجمهور.
الضيف: والله لا أدري، فإن السؤال يحتاج إلى تدقيقٍ: هل فعلًا هذا حاصلٌ وواردٌ؟ لأنه مثلما ذكرنا أن أحد مُكونات دور النبي الأساس في حياة الأمة -غير تبليغ الوحي- هو دعوة الخلق لدين الله -تبارك وتعالى-، وتزكية صحابة النبي ، وتربيتهم، وتعليمهم.
وكما ذكرنا أن عملية التعليم هي جزءٌ مفصليٌّ في قضية تصحيح الأخطاء، وعندما نتكلم عن شأن الدعوة، وفي جزءٍ مفصليٍّ منها وهو ما يتعلق بتصحيح الأخطاء، أو التزكية والتربية، والأخطاء جزءٌ مفصليٌّ منها، فيحتاج الإنسان قبل أن يُقدِّم مثل هذه الدعوى ألا يتعجل -وهذا في نظري- ادِّعاء وجود حادثةٍ معينةٍ أمامنا بدون مرجعٍ من سُنَّة النبي نستطيع أن نستلهم منه مُعالجة هذه الحالة، هل يمكن؟ محتملٌ، لكن أنا أطلب الدليل.
المحاور: أجزاء الأفعال كأصول الكليات.
الضيف: كأصولٍ بلا شكٍّ، وكما ذكرتُ أنه ليس في وسعنا ولا طاقتنا ولا قُدرتنا أن نستعرض كل الأساليب النبوية، ولا حتى أكثر الأساليب، ولا نصف أساليب النبي .
المحاور: إذن هذه الإجابة منك على هذا السؤال -حفظك الله- تُؤكد قضية الخاصية التي ذكرناها في الهدي النبوي: ألا وهي الشمولية، أليس كذلك؟
الضيف: بلى.
المحاور: جميلٌ، نُكمل في الأساليب، حفظك الله.
تصحيح الخطأ وعدم الوقوف عنده كثيرًا
الضيف: من الأساليب كذلك التي أظن أنها مناسبةٌ: أن يُصحح النبي الخطأ ويمضي ولا يتوقف عنده كثيرًا.
لماذا أذكر هذه الحادثة؟
لأني أذكر أنَّ أحد الأصدقاء أو الزملاء حصل معه موقفٌ بأنه استُدْعِيَ من قِبَل المدرسة لإشكاليةٍ أو خطأ وقع من ابنه في المدرسة.
المحاور: نعم.
الضيف: فلما بلغ الأبَ الخطأُ الذي وقع من الابن، وعاد إلى البيت، فتح الأب -وهو صديقٌ فاضلٌ- الموضوع مع ابنه، وقال: إن المدرسة أبلغوني إشكاليةً وقعت منك وكذا. يقول صاحبي: فانفجر الابن باكيًا، وأقبل عليَّ يُقبِّل رأسي ويدي، وغير ذلك.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: يقول: يا أبا صالح، ثم أعطيتُه مُحاضرةً وبيَّنتُ له كذا.
فقلتُ له: يا ابن الحلال، عندما رأيتَ من الابن هذه الحالة فهذا واضحٌ أنه مُدركٌ أنه أخطأ، وما كان يلزمك أن تفعل هذا إلا لو تكرر الخطأ.
وهذه إحدى الإشكاليات، فإنَّ تكرار الخطأ يلزم منه اختلاف مُعالجة النبي ، ولكن في مثل هذه الحالة ما كانت القضية تستدعي ما حصل.
المحاور: البعض يرمي بكل ما عنده.
الضيف: وأذكر من المواقف -مثلًا- قصة حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه وأرضاه- في القصة الطويلة المشهورة لمَّا استدعاه النبي وقال: ما حملك على ما صَنَعْتَ؟.
المحاور: الله!
الضيف: فاعتذر له بالاعتذار الذي قال فيه: "والله ما فعلتُ ذلك رِدَّةً عن الإسلام، ولا كُرْهًا في ديني، وإنَّما كنتُ امرأً ..."، والقصة مشهورةٌ.
فعمر بن الخطاب قال: دعني أضرب عُنقه يا رسول الله؛ فإنه خان الله ورسوله. فقال: وما يُدْرِيك يا عمر، لعلَّ الله اطَّلع على أهل بدرٍ فقال: اعْمَلُوا ما شِئْتُم فقد غفرتُ لكم[20]أخرجه البخاري (3983)، ومسلم (2494)..
لاحظ القصة، وأن النبي قال له: ما حملك على ما صَنَعْتَ؟ وهو بيَّن عُذْرَه، وأنه مُدْرِكٌ لخطئه، أي: أنه يقول هذا وهو مُدْرِكٌ للخطأ الذي وقع فيه، فالنبي ما استخدم سوطه في جَلْدِه -إن صحَّ التعبير لفظيًّا- وتقريعه.
المحاور: يا سلام!
الضيف: مثلًا من القصص، وإن كان إسناده مُتكلَّمًا فيه، لكنه حديثٌ.
المحاور: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران:159]، الله أكبر!
الضيف: سبحان الله! وفي حديث النبي رجلٌ ظاهر من امرأته، فوقع عليها قبل أن يُكفر الكفَّارة المُتعلقة بالظِّهار، فأقبل على النبي فقال له: يا رسول الله، وقع مني كذا. فقال: ما حملك على ذلك؟ يرحمك الله[21]أخرجه الترمذي (1199)، والنسائي (3457)، وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" أثناء حديثه عن حديث رقم (2091).، لاحظ لفظة: يرحمك الله.
المحاور: يا سلام!
الضيف: وللدلالة على قضية رحمةِ مُصحِّح الخطأ مع مَن وقع في الخطأ، لكن الحديث طريفٌ وإن كان مُتكلمًا في إسناده: حديث النعمان بن بشيرٍ أنه قدم على النبي .
المحاور: اللهم صلِّ على محمدٍ.
الضيف: قدم على النبي شيءٌ من العنب، فدعا النعمان بن بشيرٍ -وكان طفلًا- وأعطاه عنقودًا من العنب، وقال: أَوْصِلْ هذا لأُمِّك، فمضى الطفل في طريقه، وأظن أن لُعابه كان يسيل بسبب العنقود الموجود في يده.
ولك أن تتخيل أجواء المدينة، وأن العنب يُعتبر نادرًا فيها، وكأنه غير موجودٍ، وإنما كان يُزْرَع في الطائف في ذلك الزمان.
يقول: فأكلتُه، وبعد أيامٍ لَقِيَه النبي فقال: ما صنعتَ بالعنقود؟ أَوْصَلْتَهُ لأُمِّك؟ يسأله النبي ، فقال: لا.
ولاحظ أن هذا جزءٌ من المُكوِّن التربوي الموجود عندهم: قضية صدقه وهو طفلٌ، رضي الله عنه وأرضاه.
يقول: فَفَرَكَ -أو: عَرَكَ- النبي أُذُنِي وقال: يا غُدَرُ، ومضى[22]أخرجه ابن ماجه (3368) بلفظ: عن النعمان بن بشيرٍ قال: أُهْدِي للنبي عنبٌ من الطائف، فدعاني فقال: خُذْ هذا … Continue reading.
المحاور: يا سلام!
الضيف: أنا أعجبني جدًّا، بغضِّ النظر عن إسناد الحديث، لكننا نتعامل معه باعتباره من السيرة، وقد أعجبني جدًّا هذا الموقف: أنْ عَرَكَ النبي أُذُنَه، وقال له: يا غُدَر ومضى، ولم يُعْطِه مُحاضرةً مُطولةً فيما يتعلق بما فعل.
المحاور: ما أجمله من عَرْكٍ يا شيخ!
الضيف: وتصور أنه حتى العَرْكَة وقوله له: يَا غُدَر فيها روح المُداعبة، وليست مُتَمَحِّضَةً من قضيةٍ، ولكنه في داخله يُوصل له النبي رسالةً هي نوعٌ من أنواع المُعاتبة اللطيفة، ثم مضى النبي وما توقف عند هذا الطفل ليُعطيه مُحاضرةً مُطولةً في قضية الأمانة وأهميتها، وكيف عصيتَ أمري؟ وكذا.
وأنس بن مالكٍ خادم النبي له مواقف في هذا الشأن.
المحاور: إذن قضية استحضار الهدف من هذه المواقف هي قضية كيف نُصحح الخطأ؟
ففي بعض الأحيان يكون هناك طريقٌ أسهل من أي طرقٍ أخرى نسلكها.
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: ولذلك لا ننسى تحقيق هذا الهدف، والذي نتعبد به لله .
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: لذلك فإن التَّفتيش عن طريقة النبي في مُعالجة الأخطاء قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
الضيف: مثل الأساليب الموجودة في سيرة النبي .
المحاور: كأنك ذكرتَ أنس بن مالكٍ؟
الضيف: نعم، فقصص أنسٍ كثيرةٌ، ولكن أحدها -مثلًا- أن النبي أرسله في حاجةٍ معينةٍ، فخرج من الدار فوجد مجموعةً من الصبيان يلعبون.
المحاور: وانشغل بهم.
الضيف: فانشغل بهم ولعب، فخرج له النبي فقال: يا أُنَيس، فعلتَ حاجتي؟ قال: أنا الآن أفعل يا رسول الله. ومضى[23]أخرجه مسلم (2310) بلفظ: قال أنسٌ: كان رسول الله من أحسن الناس خُلُقًا، فأَرْسَلَنِي يومًا لحاجةٍ، فقلتُ: والله … Continue reading.
المحاور: سبحان الله!
الضيف: فما أقصده أن بعضنا اليوم يُمْسِكه: ولِمَ لَمْ تذهب؟ وألم أقُلْ لك؟ ولماذا تأخرتَ؟ وكذا، وهذا تصرفٌ قد يقع من الأب والأم.
المحاور: وينتظره في البيت عندما يرجع مع أُمِّه ويُكلمه.
الضيف: نعم، في حين أن النبي كأنما يُشير له بإشارةٍ يُحفِّزه بها للمُضي، وانتهى الموضوع.
المحاور: الله يجعلنا وإياكم من المُقتدين بالنبي جميعًا.
المُصارحة والمُكاشفة
الضيف: من المواقف أو الأساليب: المُصارحة والمُكاشفة والوضوح أحيانًا، أو الصَّرامة.
ومن الأحاديث المشهورة في هذا الباب، وأنا فقط أُشير إشاراتٍ؛ لأن وقت الحلقة قصيرٌ.
المحاور: جميلٌ، ونقطة المُصارحة والوضوح -حقيقةً- أنا أقول لك: إنه من واقع الاستشارات هناك طرفا نقيضٍ: طرفٌ يُصارح في كل شيءٍ، وطرفٌ يُمانع من المُصارحة.
الضيف: جميلٌ.
المحاور: فالآن نعرف طريقة النبي .
الضيف: النبي -مثلًا- في حديث بلالٍ وأبي ذرٍّ الغفاري -رضي الله عنهما وأرضاهما- عندما قال أبو ذرٍّ لبلالٍ: يا ابن السوداء. فوقع في نفس بلال بن رباح، وذهب يشتكي للنبي ، فنادى النبي أبا ذرٍّ وقال له: أَعَيَّرْتَهُ بأُمِّه؟!، وورد في بعض الروايات أنه قال: إن الرجل إذا طُعِنَ فيه طَعَنَ في آبائه وأمهاته. يعني: هذا نوعٌ من أنواع المُغاضبة، فقال: إنَّك امْرُؤٌ فيك جاهليةٌ[24]أخرجه البخاري (30)، ومسلم (1661)، ولفظ مسلم: عن المَعْرُور بن سُوَيْدٍ قال: مَرَرْنا بأبي ذَرٍّ بالرَّبَذَة وعليه … Continue reading.
المحاور: الله!
الضيف: أنا أقصد أنها عبارةٌ واضحةٌ، ومُكاشفةٌ صريحةٌ، وتضع الخطأ في النِّصاب الذي يليق به.
ومثلًا: حديث معاذ بن جبل في القصة المشهورة لمَّا أطال في الصلاة فقال له: يا معاذ، أَفَتَّانٌ أنت؟[25]أخرجه البخاري (705)، ومسلم (465)..
المحاور: نعم.
الضيف: إذن هناك نوعٌ من أنواع المُكاشفة، وأنت تُلاحظ أن هناك مقاماتٍ معينةً قد يُجامل فيها النبي ، أو يَعْتِب عِتابًا خفيفًا، أو قد يُلاطِف، وفي مقاماتٍ معينةٍ يشتدُّ فيها النبي أشدّ من غيرها، فمثلًا: غضب النبي -وهذا من الأحاديث المشهورة- عندما كان عند باب داره مجموعةٌ من الصحابة يتنازعون ويختصمون في القَدَر، فهذا يَنْزِع آيةً من كتاب الله في مسألة القدر، وآخر يَنْزِع آيةً مُضادةً، وهكذا، فخرج إليهم النبي في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص، يقول الراوي: فكأنَّما فُقِأَ في وجهه حبّ الرُّمان من شدة الغضب. أي: كان وجه النبي مُتَلَوِّنًا، وقال لهم: أبهذا أُمِرْتُم؟ أم بهذا شُغِلْتُم؟ أي: أقبلوا على كتاب الله ، فما أُمِرْتُم به فَأْتُوه، وما نُهِيتُم عنه فانتهوا[26]أخرجه أحمد (6845) بلفظ: أن نفرًا كانوا جلوسًا بباب النبي ، فقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا؟ وقال بعضهم: ألم يقل … Continue reading.
الإعراض
من القضايا كذلك قضية الإعراض: إعراض النبي ، وهو غير التَّغافل، وأنه أحيانًا من أسلوب تصحيح الخطأ أن يُعْرِض عنه.
رجلٌ في غزوةٍ معينةٍ قتل رجلًا قال: أنا مسلمٌ، يعني: أغاروا على قبيلةٍ معينةٍ وهرب رجلٌ معينٌ، فلحقه أحد المسلمين، فلما أقبل عليه قال له: أنا مسلمٌ. فرفع عليه السيف وقتله.
المحاور: الله!
الضيف: وهذه القصة غير قصة أسامة بن زيد.
فلما نما الخبر إلى النبي غضب من ذلك غضبًا شديدًا، واشتدَّ في الخطاب شدةً كبيرةً، وكان يخطب، فقام له ذلك الصحابي فقال: يا رسول الله، إنما قالها تعوُّذًا. يقول الراوي: فأعرض عنه وعمَّن قِبَله من الناس. أي: الجهة التي كان فيها الرجل، وأثناء خطبة النبي لم يلتفت له، وإنما أعرض عنه.
المحاور: نفورٌ أم لا؟
الضيف: ولم يُجِبْه، فهذه تُوصل رسالةً معينةً.
المحاور: بلا شكٍّ.
الضيف: ثم بعد ذلك كرر الصحابي ذلك القول، فأعرض عنه النبي ، وأعرض عمَّن قِبَله من الناس، لا يلتفت له النبي ، وفي الثالثة التفت له النبي وقال: إن الله أَبَى عليَّ الذي قتل مؤمنًا[27]أخرجه أحمد (22490)، والنسائي في "السنن الكبرى" (8539)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1698).، يعني: كأنما أبى عليه أن يشهد له بالجنة.
فهذا مثلٌ من أساليب الإعراض.
وأقبل رجلٌ على النبي وفي يده خاتمٌ من ذهبٍ، فأعرض عنه النبي ، فلما استشعر الطرف المقابل ذلك نزعه، فقال: أعرضتُ عنك إذْ كان في يدك جمرةٌ من نارٍ[28]أخرجه النسائي (5188) بلفظ: أن رجلًا قدم من نجران إلى رسول الله وعليه خاتمٌ من ذهبٍ، فأعرض عنه رسول الله وقال: … Continue reading.
فهذه إحدى الأدوات التي يُمكن للإنسان أن يستخدمها.
المحاور: إذا أَذِنْتَ لي أستاذ عبدالله، ونحن سعداء جدًّا بهذا التَّحليق يَمْنَةً ويَسْرَةً، ولم يبقَ معنا إلا القليل، فأنا أريد أن نبدأ في بعض الأسئلة إذا كنتَ تسمح لي.
كيف أُشَخِّص حالة مَن أتعامل معه؟
وليد محمد من السعودية يقول: إذا كنا في مقام المُربي -كمُدرسٍ- كيف نُشَخِّص الحالة التي نريد أن نتعامل معها؟ ففي تربية النبي تنوعت طرق تعامله؛ فأحيانًا باللين، وأحيانًا بالشدة.
وأنا كنتُ سأقول حقيقةً: مع هذا التَّحليق الجميل الرائع قد يقول البعض: سبحان الله! هو نبيٌّ -عليه الصلاة والسلام-، ولا شكَّ أنه محلُّ قدوةٍ، فكيف أستطيع أن آتي فعلًا بهذا، وما يُقابله، وما يُخالفه في آنٍ واحدٍ؟
أقصد ما يُقابله في مواقف متعددةٍ وغير ذلك.
هل لك تعليقٌ على هذا؟
الضيف: هذا تعليقٌ سريعٌ.
المحاور: في نصف دقيقةٍ.
الضيف: جيدٌ جدًّا.
أول قضيةٍ هي: إدراك طبيعة الطرف المُقابل وتفاصيله وما يتعلق به، هذا أولًا.
ثانيًا: طبيعة السياق، وطبيعة الحالة: هل هو جاهلٌ؟ هل هو عالِمٌ؟ على سبيل المثال، هل هو مُكابِرٌ أو مُعانِدٌ؟
هذه كلها تُوضع في السياق.
المحاور: وإعطاء فرصةٍ للإنسان المُصحح نفسه بأن ينظر ويستشير ويُراجع.
الضيف: مثلًا إحدى الأدوات التي استعملها النبي أنه قال: ما حملك على ما صنعتَ؟.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: أحيانًا قد ...
المحاور: الاستفسار وجمع المعلومات.
الضيف: أحيانًا ما يعرف به الحال.
المحاور: وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا عندنا في التَّخصص: ما يتعلق بجمع المعلومات، حتى تستطيع أن تبني الأسلوب العلاجي بطريقةٍ سليمةٍ.
وليتكم تُرشدوننا مشكورين إلى مراجع: إما كتب، أو مقالات مُتوسعة في أساليب النبي التربوية.
الضيف: من المراجع الكبيرة صراحةً والمُفيدة والمُمتعة جدًّا كتاب الشيخ محمد الدويش "التربية النبوية"، وأظنه من الممكن أن يُعدّ موسوعةً فيما يتعلق بهذا المجال.
المحاور: صحيحٌ، جميلٌ.
الضيف: وكتابةٌ ماتعةٌ وجميلةٌ.
ومن الكتب المُمتعة والجميلة في أساليب النبي في التعامل مع البشر: "هكذا عاملهم".
المحاور: نعم.
الضيف: وهو كتابٌ مهمٌّ جدًّا، وهو مرجعٌ في هذا الباب.
المحاور: نعم.
الضيف: هذا ما يخطر في بالي.
المحاور: و"كيف عاملهم؟" وهو من مؤسسة "زاد"، وكذلك "أساليب نبوية في التعامل مع أخطاء الناس".
الضيف: مثلًا، ومن النَّصائح التي أنصح بها وأُؤكد عليها: الإقبال على قراءة سيرة النبي ، والنظر إليه عبر هذه الزوايا، وأن القصة ليست مجرد قراءةٍ حكواتيةٍ لحياة النبي بقدر ما يستشرف الإنسان الانتفاع والاستفادة من هذه السيرة باستلهام عِظاته ودروسه.
المحاور: وأظن كذلك: النظر -مثلًا- في كتاب "الأدب" في "صحيح البخاري"، وكتاب "البر والصِّلة" في "صحيح مسلم"، وما شابه ذلك.
الضيف: ما شاء الله!
المحاور: تُعطي -ما شاء الله!- نماذج أو وقفاتٍ رائعةً جدًّا من هدي النبي .
الضيف: اللهم صلِّ وسلم عليه.
المحاور: نحن مُستمتعون جدًّا، ونشكرك على هذه الإطلالة الرائعة، وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من مُتابعي النبي .
أيها الإخوة، كنا مع الهدي النبوي في مُعالجة الأخطاء مع الأستاذ عبدالله العجيري، المُشرف على مركز "تكوين" للدراسات والأبحاث.
نسأل الله أن يُوفقنا وإياكم لكل خيرٍ، وأن يجعل النبي قُدوةً لنا في تعاملنا مع أخطاء أبنائنا وأهلينا والمُتربين عمومًا.
هذا واللقاء بكم -بإذن الله- في الأسبوع القادم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | أخرجه أحمد (13049)، والترمذي (2499)، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3139). |
---|---|
↑2 | أخرجه أحمد (13990)، والترمذي (3790)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1224). |
↑3 | أخرجه أحمد (6756)، وأبو داود (495)، وحسنه الألباني في "مشكاة المصابيح" (572). |
↑4 | أخرجه ابن ماجه (4251)، والدارمي في "سننه" (2769)، وحسنه الألباني في "مشكاة المصابيح" (2341). |
↑5 | أخرجه أحمد (21897)، والترمذي (2180)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (5408). |
↑6 | "جامع البيان في تأويل القرآن"= تفسير الطبري (14/ 333). |
↑7 | أخرجه البخاري (1491)، ومسلم (1069). |
↑8 | أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022). |
↑9 | أخرجه مسلم (537). |
↑10 | أخرجه مسلم (2021). |
↑11 | أخرجه البخاري (6025)، ومسلم (285). |
↑12 | أخرجه البخاري (4905)، ومسلم (2584). |
↑13 | أخرجه أحمد (15932)، وأبو داود (4014)، وضعفه الألباني في "الثمر المُستطاب في فقه السنة والكتاب" (ص264). |
↑14 | أخرجه أحمد (22211)، والطبراني في "المعجم الكبير" (7679)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (370). |
↑15 | أخرجه مسلم (55). |
↑16 | أخرجه البخاري (1283)، ومسلم (926). |
↑17 | أخرجه البخاري (3091)، ومسلم (1979). |
↑18 | أخرجه بهذا اللفظ النسائي في "السنن الكبرى" (8541)، وأخرجه بنحوه البخاري (4269)، ومسلم (96). |
↑19 | أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (4146). |
↑20 | أخرجه البخاري (3983)، ومسلم (2494). |
↑21 | أخرجه الترمذي (1199)، والنسائي (3457)، وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" أثناء حديثه عن حديث رقم (2091). |
↑22 | أخرجه ابن ماجه (3368) بلفظ: عن النعمان بن بشيرٍ قال: أُهْدِي للنبي عنبٌ من الطائف، فدعاني فقال: خُذْ هذا العنقود فأَبْلِغْهُ أُمَّك، فأكلتُه قبل أن أُبْلِغَه إياها، فلما كان بعد ليالٍ قال لي: ما فعل العنقود؟ هل أَبْلَغْتَه أُمَّك؟ قلتُ: لا. قال: فسَمَّاني غُدَر. وضعفه الألباني. |
↑23 | أخرجه مسلم (2310) بلفظ: قال أنسٌ: كان رسول الله من أحسن الناس خُلُقًا، فأَرْسَلَنِي يومًا لحاجةٍ، فقلتُ: والله لا أذهب، وفي نفسي أنْ أذهب لِمَا أَمَرَني به نبيُّ الله ، فخرجتُ حتى أَمُرَّ على صبيانٍ وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله قد قبض بقَفَايَ من ورائي، قال: فنظرتُ إليه وهو يضحك، فقال: يا أُنَيْسُ، أَذَهَبْتَ حيث أَمَرْتُك؟ قال: قلتُ: نعم، أنا أذهب يا رسول الله. |
↑24 | أخرجه البخاري (30)، ومسلم (1661)، ولفظ مسلم: عن المَعْرُور بن سُوَيْدٍ قال: مَرَرْنا بأبي ذَرٍّ بالرَّبَذَة وعليه بُرْدٌ، وعلى غلامه مثله، فقلنا: يا أبا ذَرٍّ، لو جمعتَ بينهما كانت حُلَّةً. فقال: إنه كان بيني وبين رجلٍ من إخواني كلامٌ، وكانت أمُّه أعجميةً، فعَيَّرْتُه بأُمِّه، فشَكَاني إلى النبي ، فلَقِيتُ النبيَّ ، فقال: يا أبا ذَرٍّ، إنك امْرُؤٌ فيك جاهليةٌ، قلتُ: يا رسول الله، مَن سَبَّ الرجال سَبُّوا أباه وأمه. قال: يا أبا ذَرٍّ، إنك امْرُؤٌ فيك جاهليَّةٌ، هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فأَطْعِمُوهم مما تأكلون، وأَلْبِسُوهم مما تلبسون، ولا تُكَلِّفُوهم ما يَغْلِبُهم، فإنْ كَلَّفْتُمُوهم فأَعِينُوهم. |
↑25 | أخرجه البخاري (705)، ومسلم (465). |
↑26 | أخرجه أحمد (6845) بلفظ: أن نفرًا كانوا جلوسًا بباب النبي ، فقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا؟ وقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا؟ فسمع ذلك رسول الله ، فخرج كأنما فُقِأَ في وجهه حب الرُّمان، فقال: بهذا أُمِرْتُم؟ أو بهذا بُعِثْتُم: أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعضٍ؟ إنما ضلَّت الأمم قبلكم في مثل هذا، إنكم لستُم مما هاهنا في شيءٍ، انظروا الذي أُمِرْتُم به فاعملوا به، والذي نُهيتم عنه فانتهوا، وحسنه الألباني في "ظلال الجنة" (406). |
↑27 | أخرجه أحمد (22490)، والنسائي في "السنن الكبرى" (8539)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1698). |
↑28 | أخرجه النسائي (5188) بلفظ: أن رجلًا قدم من نجران إلى رسول الله وعليه خاتمٌ من ذهبٍ، فأعرض عنه رسول الله وقال: إنك جِئْتَني وفي يدك جمرةٌ من نارٍ. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2061). |