المحتوى
مقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: حيَّاكن الله أيتها الأخوات الكريمات في هذا المعهد المبارك -معهد مسلم- التابع لمنظمة "ذي النورين".
وحقيقةً إن زيارة السودان من دون زيارة هذا المعهد أعتبرها خسارةً كبيرةً؛ ولذلك أرجو أن تكون هذه اللقاءات التي حصلتْ في هذا المعهد فيها خيرٌ وبركةٌ لنا ولكم.
سأتحدثُ بشكلٍ قصيرٍ جدًّا، ثم أستمع لأسئلتكن؛ لأن أسئلتكن مهمةٌ جدًّا بالنسبة لي، فلذلك أرجو أن تكون الأسئلة جاهزةً: مكتوبةً أو مُشافهةً؛ حتى نكسب الوقت؛ لأننا لا بد أن نمشي تقريبًا العاشرة إلا الربع، إن شاء الله تعالى.
أهمية الوقت في حياتنا
سأتحدث عن قيمة الوقت وأهميته بالنسبة للمرأة، وأنا أعرف أنكن لا تحتاجن إلى الحديث عن قيمة الوقت؛ لأن معهدكن هذا عُرف بالتَّميز، حتى يقول الشيخ عماد -رئيس مجلس إدارة منظمة "ذي النورين" وفَّقه الله-: إن هذا المعهد نال المراكز الأولى في نتائج الجمهورية -ما شاء الله-، وهذا مكسبٌ كبيرٌ جدًّا، وشيءٌ يدل على اجتهاد الأخوات الطالبات المُنتميات لمثل هذا المعهد المبارك.
والله أنزل سورةً قال عنها الإمام الشافعي: "لو ما أنزل الله حُجَّةً على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم"[1]"تفسير الإمام الشافعي" (3/ 1461).، وهي سورة العصر: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر]، يعني: تصوروا الآن مصاحفنا التي بين أيدينا لو نفتحها وليس فيها إلا سطران هما: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ، الشافعي يقول: "لو ما أنزل الله حُجَّةً على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم" يعني: لكَفَت الناس في هذه الحياة، وهذا دليلٌ على أن هذه السورة شاملةٌ؛ ولذلك كان بعض السلف يقرأ هذه السورة حينما ينتهون من لقاءاتهم، فيُذَكِّر بعضهم بعضًا بهذه السورة، فهي سورةٌ عظيمةٌ جدًّا، دالَّةٌ على أن الناس كلهم في خُسْرٍ إلا المؤمن الذي آمن بالله وعمل الصالحات.
والمشكلة ليست في هذه فقط، وإنما المشكلة أن الذين هم في خسارةٍ أكثر من الذين هم في ربحٍ، يعني: الخاسرون أكثر من الرابحين؛ ولذلك يزداد الخوف من أن يكون الواحد منا من أهل الخسارة.
يقول: إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ أي: جنس الإنسان في خسارةٍ، ومن عدل الله أنه استثنى -والعصر معروفٌ، وهو الزمن- يقول: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ.
هذا الذي ينبغي إشغال الأوقات به، وهو الشيء النافع والمفيد، كما ذكر المُفسرون، ومنهم جدُّنا الشيخ العلَّامة ابن سعدي رحمه الله في تفسيره لهذه السورة، حيث يقول: "ولهذا عمَّم الله الخسار لكل إنسانٍ إلا مَن اتَّصف بأربع صفاتٍ:
- الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرعٌ عنه لا يتمُّ إلا به.
- والعمل الصالح، وهذا شاملٌ لأفعال الخير كلها: الظاهرة والباطنة، المُتعلقة بحقِّ الله وحقِّ عباده، الواجبة والمُستحبة.
- والتواصي بالحقِّ الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي: يُوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثّه عليه، ويُرغبه فيه.
- والتواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المُؤلمة.
فبالأمرين الأولين يُكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يُكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح العظيم"[2]"تفسير السعدي" (ص934)..
فلا بد من استثمار الوقت في علاقتك بالله ، وعلاقتك بالله مربوطةٌ بأمرين: الإيمان الحقيقي، الذي هو: قولٌ باللسان، واعتقادٌ بالجنان، وعملٌ بالأركان.
فهذا هو الإيمان الحقيقي، فالإيمان ليس فقط مجرد أماني، وإنما إيمانٌ له أثرٌ على السلوك والفكر والأخلاق والعمل في الحياة.
فقوله: وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ الصالحات داخلةٌ في الإيمان بلا شكٍّ، وبها يُكمل الإنسان نفسه من خلال علاقته بالله؛ ولهذا فالسؤال الكبير هو: كيف يكون استثماركِ أيتها الأخت الكريمة -طالبة، أو معلمة، أو مشرفة- للوقت في الإيمان والعمل الصالح؟
وكل واحدٍ منا أدرى بنفسه، هل هو قريبٌ أم بعيدٌ عن الله؟
فالإنسان أعلم بنفسه، والمُراجعة في هذا الجانب مهمةٌ جدًّا؛ ولذلك فأي وسيلةٍ نافعةٍ تسمعها المرأة المسلمة الحريصة أو تُدركها أو تقرأ عنها، وهي تزيد في الإيمان والعمل الصالح؛ فإنها تأخذ بها.
ولذا كان السلف الصالح إذا عرفوا سُنةً من السنن -وليست واجبًا- سعوا إلى تطبيقها ولو لمرةٍ واحدةٍ، يقول النووي رحمه الله: "اعلم أنه ينبغي لمَن بلغه شيءٌ في فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرةً واحدةً؛ ليكون من أهله"[3]"الأذكار" للنووي (ص8)..
وكان عمرو بن قيس الملائي يقول: "إذا سمعتَ بالخير فاعمل به ولو مرةً واحدةً"[4]"حلية الأولياء" لأبي نعيم (5/ 102)..
والسبب أنهم كانوا حريصين على زيادة الإيمان والعمل الصالح؛ ولذلك وصفهم الله وصفًا عجيبًا، وهذا الوصف نحتاج إلى أن نقف معه، حيث قال الله: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60]، ما معنى هذه الآية؟
عائشة رضي الله عنها كانت تظن في تفسيرها أمرًا غير صحيحٍ، والنبي صحح لها ذلك، حيث كانت تظن أنهم الذين يفعلون المعاصي، فقال لها النبي : لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون، ويصلون، ويتصدقون، وهم يخافون ألا تُقبل منهم: أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:61][5]أخرجه الترمذي (3175)، وابن ماجه (4198)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (162)..
فالذي يفعل المعصية من الطبيعي جدًّا أن يخاف، لكن الصحابة كانوا أعظم من ذلك، كانوا يفعلون الأفعال الطيبة ويخافون ألا يتقبل الله منهم.
وهذا مستوًى عالٍ جدًّا من تكميل الإنسان لنفسه: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يعني: يُكثرون من الأعمال الصالحة، ويحرصون على زيادة الإيمان، ومع ذلك يخافون ألا يتقبل الله منهم، وهذا لا يجعلهم يُحبطون ويتركون العمل، لا، وإنما يزيدون في العمل؛ لأنهم يخشون أن هذه الأعمال بعضها لا تُقبل منهم، فيُعوضونها بأخرى.
وهكذا الإنسان يحرص على النوافل؛ لأن النوافل تَسُدُّ نقص الفرائض، كما جاء في الحديث: إن أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحتْ فقد أفلح وأنجح، وإن فسدتْ فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيءٌ قال الرب : انظروا هل لعبدي من تطوعٍ؟ فيُكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك[6]أخرجه أبو داود (864)، والترمذي (413)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (1330)..
إن أول ما يُحاسَب عليه الإنسان يوم القيامة: صلاته، فيُنظر في الفرائض، فإن كان فيها نقصٌ نُظر إلى النوافل التي تَسُدُّ هذه الفرائض؛ لذلك يكون الإنسان بهذه الحالة من الاستمرارية والزيادة في الإيمان والعمل الصالح.
وأخيرًا قال: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ فهؤلاء هم الذين يُكملون غيرهم، فهم يُكملون أنفسهم من خلال علاقتهم بالله، ويُكملون غيرهم من خلال التواصي بالحقِّ، والتواصي بالصبر؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يعيش وحده، فله أهلٌ وأقارب وزملاء، وكل هذا موجودٌ، طيب، ما العمل؟
التواصي مع الذين يُعينونك على الخير: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ، فانظري إلى البيئة التي تعيشين فيها هل تُساعدكِ على الخير أم لا؟
فإن كانوا لا يُساعدونك، ولو كانت أعزّ صديقاتك، أو صديقات الجوَّال، فاتركيها، ولا تكوني صديقةً لها، بل إن كانت عكس ذلك فلا بد أن تُقاطعيها.
فالتواصي بالحق بفعل المعروف، والشر حتى لو كانت النفس تميل إليه، فعلى البنت أن تضبط نفسها، والمرأة تضبط نفسها، وذلك يحتاج إلى صبرٍ.
وكذلك الإيمان والعمل الصالح يحتاج إلى صبرٍ؛ ولذا خُتمت السورة بقوله: وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ، فتحتاج كلها إلى صبرٍ؛ ولذلك فالصبر يقولون: ثلاثة أنواعٍ:
- الصبر عن المعصية، ومعناه: تركها.
- والصبر على الطاعة، بمعنى: فعلها.
- والصبر على أقدار الله بعدم التَّسخط عليها.
فحينما تنطبق في الإنسان هذه الصفات التي ذكرها الله في تكميله لنفسه وتكميله لغيره؛ فإنه يكون سعيدًا رابحًا، وليس خاسرًا.
هذا، والله تعالى أعلم.
والحمد لله ربِّ العالمين.
استقبال الأسئلة والإجابة عنها
تفضلوا بالأسئلة، سواءٌ كانت مكتوبةً أو مُشافهةً؛ حتى نكسب الوقت.
وأنتم قد عوَّدتُمونا في لقاءاتكم السابقة على أن تكون عندكم أسئلةٌ مكتوبةٌ ومُتميزةٌ جدًّا، وأنا أشهد بذلك من خلال اللقاءات السابقة.
لكن حتى تأتينا الأوراق لو أرادتْ واحدةٌ من الأخوات أن تسأل فلتتفضل، ولتكن الأسئلة في المجال التربوي والنفسي والأُسري، واتركوا الأسئلة الشرعية المتعلقة بالعقيدة أو الفقه، فهذا ليس مجالي ولا تخصصي، فأنا مجالي في الجانب التربوي والتعليمي والنفسي والأُسري.
الصبر عن المعصية
السؤال: كيف نصبر عن المعصية؟
الجواب: نعم، يمكن أن تُشارك بعض الأخوات في الإجابة، مثل: ورشة العمل، أو طرح الآراء والأفكار، وستَجِدْنَ أننا حينما نأخذ من هذه وهذه وهذه؛ تخرج لنا ثلاث وسائل، أو أربعٌ، أو خمسٌ، أو ستٌّ.
فدعونا نُطبق هذا سريعًا، مثل ماذا؟
نعم -لا شكَّ- زيادة الإيمان، فالمعصية هي بسبب ضعفٍ في الإيمان: إما في اللحظة الحاضرة، أو في أكثر من ذلك؛ ولذلك تحتاج الأخت إلى أن تهتم أكثر بقضايا الإيمان، فمثلًا: إن كانت لا تحرص على النوافل فلتحرص عليها، أو لم تكن تحرص على الأذكار بعد الصلاة فلتحرص عليها، أو كانت مُقصرةً في الصلوات من حيث ضبط الوقت فلتضبط الوقت، أو لم تكن تصوم النوافل، مثلًا: كل اثنين وخميس، أو ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ ... إلى آخره، فلتحرص على ذلك حسب وضعها، أو أنها لم تكن تتصدق، فلتتصدق الآن ولو بجنيهٍ واحدٍ، وليس عيبًا، بالعكس؛ فأن تكون الأخت مُحتاجةً ومع ذلك تتصدق بجنيهٍ أو جنيهين، فهذا فيه أجرٌ كبيرٌ، كما جاء في الحديث: سبق درهمٌ مئة ألف درهمٍ، قالوا: وكيف؟ قال: كان لرجلٍ درهمان، تصدق بأحدهما، وانطلق رجلٌ إلى عرض ماله فأخذ منه مئة ألف درهمٍ فتصدق بها[7]أخرجه النسائي (2527)، وابن حبان (3347)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3606)..
بعض العلماء قال: ذلك بسبب النية.
وبعضهم قال: لأن هذا الدرهم بالنسبة إليه غالٍ؛ لأنه فقيرٌ.
وكلاهما صحيحٌ إن شاء الله تعالى.
وأنا -والله- في بعض المرات أنظر لبعض الفقراء أمام عيني يُعطون أمثالهم من الفقراء؛ فيكبر هذا في عيني.
وأعرف بعض الأشخاص أيضًا كانوا من الفقراء في بعض الجهات عندنا، ويُسلف بعضهم بعضًا، ويُقرض بعضهم بعضًا، فهذا من التعاون على البرِّ والتقوى.
المقصود: أن أي عملٍ يُساعد في الإيمان والعمل الصالح فهو من وسائل الابتعاد والصبر عن المعصية.
ومن الوسائل: مُراقبة الله في السر والعلن، وهذا له علاقةٌ بقضية الإيمان بلا شكٍّ، كما جاء في حديث ثوبان قال: قال رسول الله : لا أُلْفِيَنَّ أقوامًا من أُمتي يأتون يوم القيامة بحسناتٍ أمثال جبال تهامة، فيجعلها الله هباءً منثورًا، قالوا: يا رسول الله، صِفْهم لنا؛ لكي لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: أما إنهم من إخوانكم، ولكنهم أقوامٌ إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها[8]أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (4632)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5028)..
هل تعرفون جبال تهامة؟
عندنا هناك في السعودية معروفةٌ، في الجهة الغربية إلى اليمن، وهي جبالٌ ضخمةٌ جدًّا.
يقول النبي : يأتي أقوامٌ بحسناتٍ كجبال تهامة بيضاء من شدة الأعمال الصالحة التي يعملونها، أي: أن أعمالهم ممتازةٌ، لكن الشيء الغريب أن الله يجعلها هباءً منثورًا!
فاستغرب الصحابة وقالوا: يا رسول الله، جَلِّهم لنا، صِفْهم لنا، مَن هؤلاء الذين لهم حسناتٌ بيضاء: قرآنٌ، وبِرُّ والدين، وصلاةٌ ... إلى آخره، ثم يجعلها الله هباءً منثورًا؟
وانتبهوا لهذا الأمر، فهو من الأمور الشديدة جدًّا على النفس، والله نسأل أن يتوب علينا وعليكم.
قال النبي : أما إنهم من إخوانكم، ولكنهم أقوامٌ إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، وهذا أخطر ما يكون في الأمر؛ لأنه يُنافي -كما قالت الأخت قبل قليلٍ- المُراقبة لله ، فالمُراقبة لا تظهر أمام الناس، وإنما في الخلوات.
صحيحٌ أنه لا بد من مُراقبة الله في كل وقتٍ ومكانٍ، لكن تظهر المُراقبة أكثر حينما يكون الإنسان وحده، وحينما تكون هذه الصوارف موجودةً بين يديه.
وكان من قبل يصعب أن يعصي الإنسانُ ربَّه ؛ لأنه لا توجد أمامه وسائل الشهوات كاليوم، فلا يوجد شيءٌ من قبل إلا (تليفزيون) قديمٌ، أو شيءٌ من هذا، و(التليفزيون) كان من قبل عبارةً عن شاشةٍ يستحي الواحد أن يفتحها أمام إخوانه وأخواته وآبائه، أما الآن فالجوَّالات موجودةٌ، وفي غرفة النوم! ... إلى آخره، وهذا كله امتحانٌ لنا في قضية مُراقبة الله .
ومن الوسائل التي أستطيع من خلالها أن أتجنب المعصية وأصبر عنها: معرفة أن مَن ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه.
لا شكَّ أن الذين ابتُلوا بالمعاصي سيُحرمون يوم القيامة بعض النعيم، كما جاء في القاعدة الشرعية: "مَن تعجل الشيء قبل أوانه عُوقِب بحرمانه"، حتى قال النبي : ومَن شرب الخمر في الدنيا، فمات وهو يُدْمِنها، لم يَتُبْ؛ لم يشربها في الآخرة[9]أخرجه مسلم (2003).، حتى ولو كان من أهل الجنة، فعُوقِب بحرمانها، وقِسْ على ذلك غيرها، والله تعالى أعلم.
أيضًا من الوسائل: البيئة والأصدقاء، وهذا من أهم ما يكون، ففي الغالب أجد أن أسباب فعل المعاصي قد تكون صديقات السُّوء، وأصدقاء السُّوء، فهؤلاء مشكلةٌ كبيرةٌ.
وقد كانت الصديقة حقيقيةً في السابق، أما اليوم فهي افتراضيةٌ، وهي أخطر من الصديقات الأوائل؛ لأنها قد لا تكون من النساء، بل من الرجال، وغير مسلمين، ويلعبون في نفسيات وشخصيات بنات حواء!
وقد لاحظتُ أن أكثر مَن وقع في فَخِّ التقنية هن النساء، وخاصةً الفتيات؛ لطبيعة الجانب العاطفي لديهن، وضعف البناء النفسي الطبيعي ... إلى آخره، وخاصةً إذا كانت في بيئة الأسرة مشاكل، أو شيءٌ من هذا القبيل، أو عندها ضعفٌ في الإيمان، فتجد أن هناك مَن يتلقفها إلى الحرام؛ ولذلك ينبغي الانتباه لمثل هذا الأمر.
وخُذْنَ هذا الحديث نختم به هذا الكلام، وأتمنى منكن أن تكتُبْنَه وتحفَظْنَه، وتجعَلْنَه في الجوال، وتنشُرنه عبر وسائل التواصل الاجتماعي في (الفيس) وغيره.
وأتمنى منكن إذا رجعتُنَّ إلى أهاليكنَّ أن تنقلن هذا الحديث العجيب إليهم، وهو حديثٌ -والله الذي لا إله إلا هو- نحن بأَمَسِّ الحاجة إليه فيما يتعلق بقضية الصبر عن المعصية.
يقول النبي : ضرب الله مثلًا صراطًا مُستقيمًا، وعلى جَنَبَتي الصراط سوران فيهما أبوابٌ مُفتحةٌ، وعلى الأبواب سُتورٌ مُرْخَاةٌ، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعًا، ولا تتعرَّجوا. وداعٍ يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد يفتح شيئًا من تلك الأبواب قال: وَيْحَكْ! لا تفتحه؛ فإنك إن تفتحه تَلِجْهُ. والصراط: الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المُفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلمٍ[10]أخرجه أحمد (17634)، وقال مُحققو "المسند": حديثٌ صحيحٌ..
هذا حديثٌ عجيبٌ جدًّا فيما يتعلق بالتعامل مع المعاصي وخطورتها.
وَيْحَكْ! هذا تحذيرٌ، ولا يوجد عاقلٌ يفهم اللغة إلا ويعرف أن هذا تحذيرٌ: وَيْلَك! انتبه، انتبهي.
لا تفتحه الرسول عندما يُحذرنا من فتح شيءٍ سيكون هذا الذي نفتحه حرامًا أم حلالًا؟
حرامًا، إذن لا تفتح باب الحرام.
إنك إن تفتحه باب الحرام، ماذا؟ تَلِجْه تدخل فيه، ويمكن ألا تقدر على الخروج منه، حتى لو خرجتْ بعد فترةٍ تكون قد ضيعتَ على نفسك وقتًا، وكسبتْ إثمًا، وغيرك يمشي في الخير، وأنت تتراجع في الخير.
وَيْحَكْ! ماذا؟
لا تفتحه أي: لا تفتح باب الشيطان، إنك إن تفتحه تَلِجْه تدخله بلا شكٍّ.
الشعور بالملل وضعف التركيز
السؤال: تشعر بالملل أثناء الدراسة وضعف التركيز، هل من نصيحةٍ؟
الجواب: هذا طبيعيٌّ، وكما تقول الدراسات: في الخمسين دقيقة الأولى يصل الإنسان إلى أعلى مستوى من الإدراك، ثم يبدأ بعد ذلك يتناقص؛ ولذا يقولون: إن الأفضل أن تكون بين الحصص دقائق معينةٌ تُعيد فيها النشاط، ثم تعود مرةً أخرى للدراسة، فهذا هو الأفضل.
فلا شكَّ أن أربع ساعاتٍ مُتواصلةً، حتى لو كانت الأخت صاحبة قُدرةٍ ذهنيةٍ، وعندها قوة الإرادة، تبقى من الناحية النفسية وسياسة النفس البشرية تحتاج إلى أن ترتاح خمس دقائق أو عشر دقائق مرتين خلال أربع ساعاتٍ، وهذا لا يُعدّ ضياعًا للوقت؛ لأن بعض الحريصات وبعض الناس المُتميزين أو المُتميزات عندهم الدقيقة ثمينةٌ جدًّا، فهي تخاف أن تُضيع خمس دقائق أو أكثر في الراحة، وهذا خطأٌ كبيرٌ، فمن سياسة النفس: أنكِ تُريحين نفسكِ قليلًا بعد خمسين دقيقة أو ستين دقيقة، فتأخذين خمس دقائق، وتُغيرين مكانكِ، أو تأكلين شيئًا، فالمقصود هو أن تُجددي النشاط، ثم تعودين مرةً أخرى، وهذا أفضل للإنسان؛ لأن أربع ساعاتٍ مُتواصلةً كثيرةٌ، إلا في أيام الاختبارات؛ كأن تكون عند الإنسان مُذاكرةٌ، فلو شدَّ على نفسه فلا بأس، لكن لا يكون هذا عبارةً عن سلوكٍ ثابتٍ، فترى أنه هو الصحيح، وأن غيره ليس صحيحًا، فهذا غلطٌ.
وتشعر بأنها إذا لم تفعل هذا فإن التَّميز ذهب عليها، وستضيع عليها الدرجات، وتُصبح في قلقٍ.
لا، هذا جانبٌ نفسيٌّ سلبيٌّ لا بد أن تتنبه له، وتُعامل نفسها بالضد، بمعنى: أنها تمنع نفسها من الاستمرار، لكنها لو جلستْ مرةً من المرات، أو بين الفينة والأخرى أربع ساعاتٍ مُتواصلةً، ووجدتْ نفسها مُستمتعةً ... إلى آخره، فهذا الأمر من الطبيعي أن يحصل، لكن لا يكون سلوكًا مُستمرًّا، ولا يكون سلوكًا من شخصيةٍ مُوسوسةٍ أو شكَّاكةٍ، وتخاف أن تُضيع دقيقةً واحدةً من المُذاكرة، فإن هذا سيُسبب لها فقد المعلومات أو شيئًا من هذا، كما يحصل عند بعض الطالبات؛ وهو: أنها تكون قد ذاكرتْ تمامًا، ومع هذا تجد نفسها إلى آخر لحظةٍ قبل أن تدخل القاعة أو الفصل الدراسي تُراجع، وهذا خطأٌ، ومن أسوأ الأساليب السيئة في المُراجعة قبل الاختبار.
فالمُفترض أن تُعطي لنفسك فترةً من الزمن لا تُناقشين فيها أي قضيةٍ مُرتبطةٍ بالاختبار، ما دامت مُذاكرتك جيدةً، فإذا كنتِ تُذاكرين باستمرارٍ، ومُبكرًا قبل الاختبارات أثناء العام، وتُلخصين، فهذه كلها مهاراتٌ ممتازةٌ، فماذا يبقى بعد ذلك؟
أفضل طريقةٍ قبل الاختبار أن ترتاحي وتنامي، ثم تذهبي إلى الاختبار وأنتِ صاحية، وهذه يقولون: هي التي تُنشط الذاكرة، وبعضهم يفهم عكس ذلك؛ فيظن أنه لو نام قبل الاختبار، ثم ذهب للاختبار؛ فالمعلومات تذهب، والصحيح أن المعلومات ما زالت موجودةً في الدماغ، والراحة تُثبتها فعلًا.
كان لي زميلٌ -ما شاء الله، تبارك الله- أستاذ ودكتور ومسؤولٌ في إحدى الجامعات، وفي تخصصٍ من التخصصات التي لها ثقلها في الدراسات الجامعية، ودرس في أمريكا، أذكره تمامًا في الجامعة كان في كل اختبارٍ ينام ساعةً قبل الاختبار، ثم يذهب إلى الاختبار مباشرةً وهو مُرتاحٌ، وبقية الطلاب يُراجعون، وفي أيديهم الكتاب.
وأنا جربتُ شيئًا من هذا، وليس النوم؛ لأن النوم لا يأتي لكل شخصٍ، ولكن جربتُ أن أُوقف المُذاكرة قبل الاختبار بنصف ساعةٍ، وأضع أوراقي في السيارة، وآخذ شايًا، أو شيئًا من هذا القبيل، وأجلس أتحدث وأتكلم، ثم أدخل الاختبار، فوجدتُ فرقًا في الجانب النفسي بين هذا الوضع والوضع الآخر.
معاملة الوالدين
السؤال: كيف أتعامل مع الوالد والوالدة؟
الجواب: الله يقول: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، فقضية الوالدين لا بد أن نضعها في البال، فهما ليسا كبقية الناس، بمعنى آخر: يمكن أن تُفاوضي أخاكِ وأختكِ، ويمكن أن تُفاوضي زميلتك ومعلمتك، لكن أباكِ وأمكِ غير ذلك، فتجب طاعتهما بالمعروف، فما داما قد وجَّها إليكِ أمرًا فيه معروفٌ فيجب عليكِ أن تستجيبي له.
فعوِّدي نفسكِ على أن تستجيبي لهما حتى لو كنتِ مُتعبةً، أو كنتِ مشغولةً؛ لإدخال السرور على قلب الوالدين.
وإياكِ أن تقولي: لا، حتى لو لم تقولي: لا، وأنتِ لم تفعلي ما أمراكِ به؛ فعندئذٍ تكونين عاقَّةً.
قد تقول الأخت: والله أنا مُتعبةٌ -مثلًا-، أو أنا عندي مشكلةٌ.
فهنا يجب أن تضغطي على نفسكِ وتستجيبي لهما، فهناك فرقٌ لما أختكِ تطلب منكِ شيئًا وأنت مُتعبةٌ فيمكن أن تقولي لها: والله أنا مُتعبةٌ -مثلًا-، اسمحي لي ... إلى آخره، لكن إذا كان الآمر أباكِ أو أمكِ، فعندما يكون الأب والأم هما الآمران فحاولي التنفيذ حتى لو كنتِ مُتعبةً، اضغطي على نفسكِ واحتسبي الأجر عند الله، فهذا أعظم في البرِّ.
وإذا لم تقدري فعلًا فكوني صريحةً بأدبٍ، وحاوري بأدبٍ؛ حتى لا يحصل الخلاف، ويحصل عندئذٍ ما يُناقض البرَّ والإحسان للوالدين.
قولي لأمكِ: والله يا أمي أنا أخدمكِ بعيني، لكني أُحسُّ أني مُتعبةٌ، فدعيني أرتاح قليلًا، وإن شاء الله بعدها نفعل.
فهذا من الأساليب الجيدة، يعني: لا تُشعري أمكِ أنكِ تتهربين من التنفيذ؛ لأن أمكِ تسمعكِ تقولين هذا الكلام، ولما جاءت زميلتكِ أو اتَّصلت بالجوال تراكِ تتكلمين معها وتضحكين!
طيب، أين الكسل الذي كان قبل قليلٍ؟!
هذا من أخطر ما يكون؛ لذلك أنتِ لا بد أن تكوني صادقةً مع نفسكِ، وهذه القضية نحتاج إلى أن نتنبه لها.
علاج مشكلة القراءة
السؤال: أريد النجاح والتفوق، ولكن لا أستطيع أن أقرأ، ماذا أفعل كي أستطيع؟
الجواب: الأسئلة هذه المرة إما مُختصرةٌ جدًّا، أو عليها ملحوظاتٌ في الصياغة اللغوية!
ماذا جرى لكم يا معهد مسلم؟! معهدكم تغيرت لغته! فماذا صار للغة العربية؟! هل ضاعتْ؟!
هذا من باب المُمازحة.
قضية القراءة لا شكَّ أنها مشكلةٌ عامَّةٌ، فأنا ضعيفٌ في هذا الجانب أيضًا، لكن ما دام أننا قد سُئلنا عن هذا فلنُجب بما سمعنا، وما يُشجعنا جميعًا على القراءة.
فأقول: عوِّدي نفسكِ قدر الاستطاعة على القراءة، فقد كنا نأتي الشيخ ابن غديان رحمه الله -وهو عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة في السعودية- كل أسبوعين في الرياض، ونقرأ عليه بعض الكتب، فكان ينصحنا بعدما يُسأل هذا السؤال فيقول: اقرؤوا أي شيءٍ، حتى لو لم تفهموا، فقط لتتعوَّدوا على القراءة.
هو يقول: أي شيءٍ، ولا يقصد الشيء السيئ بالتأكيد، لكن يقصد: اقرأ أي شيءٍ بين يديك: تفسير، حديث، قصة، شعر ... إلى آخره، اقرأ أي شيءٍ حتى تُعود نفسكَ على القراءة.
وتأملوا حال التي لا تُحب القراءة، كم تجلس مع الجوال؟
الوقت الكثير، وإذا رأتْ مقالةً أو شيئًا -مثلًا- فيه قراءةٌ ماذا تفعل في الغالب؟
تتجاوزها ولا تقرأها، لكن إذا رأت (فيديو) -مثلًا- أو عبارةً قصيرةً تُتابعها؛ لأنها لم تتعود على القراءة.
فعوِّدي نفسكِ على قراءة الشيء النافع، حتى لو لم تفهمي إلا 50% أو 60%.
وأيضًا لا بد أن تعرفي هدفكِ من القراءة؛ فهناك قراءةٌ يُسمونها: القراءة المُمتعة، والقراءة للفائدة، فَضَعِي في بالك أن القراءة وسيلةٌ من وسائل تعلم هذا الدين، ووسيلةٌ من وسائل الثقافة والمعرفة وبناء الشخصية.
فأول ما أنزل الله من القرآن: اقْرَأْ [العلق:1]، وهو أمرٌ من الله للنبي ؛ ولذلك لا بد أن يكون لنا نصيبٌ منه.
الأمر الآخر: أنتِ أدرى بنفسكِ، وبما تميلين إليه في القراءة، فقد تُحبين قراءة القصص، أو الكتب المتعلقة بالأخلاق والسلوك، أو التفسير، أو الأحاديث، أو سيرة الرسول ، أو القراءة للكتب الطبية، أو غير ذلك.
المقصود: اجعلي لك نصيبًا من هذه القراءات التي تميلين إليها، ثم تدرجي في ذلك، ولا تدخلي في كتابٍ طويلٍ؛ بحيث تشعرين أن إنجازكِ قليلٌ، بل خُذي كتابًا تستطيعين أن تُنْجزيه، واجعلي لنفسك يوميًّا ربع ساعةٍ، حتى لو قبل النوم، حتى لو نمتِ على الكتاب، بحيث تُلزمين نفسكِ بقراءةٍ يوميةٍ.
وكلٌّ منا يستطيع أن يقرأ ربع ساعةٍ في اليوم.
الذين يقولون: نحن لا نقرأ، ولا نُحب القراءة. ماذا يحصل عند الاختبارات؟
يقرؤون مئات الصفحات، إذن القدرة موجودةٌ، لكن تتطلب منا الرغبة؛ ولهذا رَغِّبي نفسكِ بالقراءة من خلال الصُّحبة ومجموعة القراءة، وهذه من أفضل ما يكون الآن، فاختاري لكِ صُحبةً من الأخوات الطيبات اللاتي يَرْغَبْنَ في القراءة، وافْعَلْنَ قراءةً جماعيةً، واجتَمِعْنَ وتناقَشْنَ فيما قرأتُنَّ في كل أسبوعٍ، أو في كل أسبوعين، وهكذا.
والآن عبر الجوال تُفتح (جروبات) مجموعات القراءة، فيتَّفق المُشاركون على أن يقرؤوا -مثلًا- كتاب "الرحيق المختوم" في سيرة النبي ، والمطلوب هذا الأسبوع هو قراءة من الصفحة الفلانية إلى الصفحة الفلانية، وهكذا، ثم يتناقشون فيما قرؤوه، ويذكرون الفوائد منه، وهكذا.
وهناك الآن برنامج في السعودية في أحد الأندية الصيفية للتَّشجيع على القراءة عملوه خلال أسبوعين، وقد قرؤوا آلاف الصفحات، فالإنسان عنده طاقةٌ، فيحتاج فقط إلى بيئةٍ تُساعده، ومُحفزاتٍ تُحركه.
القضاء على التوتر
السؤال: كيف أُبعد التوتر الذي يُؤدي إلى عدم الرغبة في الدراسة؟
الجواب: فليَسْتَعِذْ بالله وَلْيَنْتَهِ[11]أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134). كما قال النبي .
فأكثري من هذا العلاج النبوي؛ قولي: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" وانتهي.
فـ"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" سَدٌّ للمُثير السلبي، فقولي: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، فهذه كلمةٌ يسيرةٌ لا تُكلفنا شيئًا، لكن مشكلتنا أننا لا نتذكرها.
ثم قال: وَلْيَنْتَهِ يعني: أنتِ مُتوترةٌ من اختبارٍ قادمٍ، أو من شيءٍ معينٍ سيصير في الأسرة، أو قضية زواجٍ، أو خوفٍ من شيءٍ وهميٍّ في المستقبل، أو حادثة موتٍ حصلتْ، وبدأ التوتر لديكِ، فلتنتهي، بمعنى: أنك تقطعين هذه الأفكار، والقطع يكون في بعض الأحيان بمجرد أنكِ تقومين من مكانك، أو تُغيرين مكانك، أو تُمارسين شيئًا إيجابيًّا؛ فتُمسكين قلمًا وتكتبين بعض الأشياء الأخرى، أو تفتحين كتابًا وتقرئين فيه، أو تتكلمين مع الآخرين.
وهذا القطع مهمٌّ جدًّا؛ ولذلك يقولون: إن من أهم أساليب إزالة التوتر: أنكِ تقطعين الأفكار التي تُؤدي للتوتر: فليَسْتَعِذْ بالله وَلْيَنْتَهِ.
وهناك أساليب أخرى على أية حالٍ، ويمكن أن ترجعوا إلى قناتي في (اليوتيوب)، قناة باسم الدكتور خالد السعدي في (اليوتيوب)، وقناة الدكتور خالد في (الساوند) الصوتية، وستجدون مادةً اسمها "الحياة السعيدة" في (اليوتيوب)، ناقشنا فيها ما ذكره العلَّامة جدُّنا الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله في كتابه الجميل "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة"، حيث ذكر إحدى وعشرين وسيلةً تجعلكِ بعيدةً عن التوتر والقلق والخوف والضيق والطفش، وما شابه ذلك.
فانظري إليها، وطبِّقي بعض هذه الوسائل، فلا شكَّ أن هذا سيُساعدكِ جدًّا في تخفيف التوتر، والتوتر لا شكَّ أنه يُؤدي إلى ضعف الدراسة والتحصيل الدراسي، وهو عالميًّا الآن رقم واحدٍ في الأمراض النفسية.
السؤال: كيف أتغلب على الضغط النفسي وكثرة التفكير؟
الجواب: الرجوع إلى ما قلتُه قبل قليلٍ، وهي المادة الموجودة في (الإنترنت) بعنوان: "السعادة النفسية"، وفيها إحدى وعشرون وسيلةً.
وكتاب الشيخ ابن سعدي رحمه الله جميلٌ جدًّا، وهو "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة"، وقد استفاده من كتاب (ديل كارنيجي)، وهو كتابٌ أجنبيٌّ اسمه "دع القلق وابدأ الحياة"، وقيل: إن (ديل كارنيجي) أراد أن يُسعد الناس فمات مُنتحرًا!
فهؤلاء ليسوا قُدوتنا، وإن كان كتابه -في الحقيقة- جيدًا، لكن الشيخ أتى لنا بكتابٍ من منظور الإسلام، وهو "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة".
ومُحدثكم قام بشيءٍ من التوجيه التربوي والنفسي من المادة الموجودة في (اليوتيوب) بعنوان: "السعادة النفسية عند العلَّامة ابن سعدي رحمه الله".
تعامل الآباء مع الأبناء أثناء الاختبارات
السؤال: ندرس كثيرًا، وتأتي الاختبارات وأحيانًا لا نتحصل على الدرجات التي نريدها ويريدها والدينا، فيقول الوالدان ما يُسبب لنا الإحباط، فإذا أردنا ألا نستمع لآرائهم السلبية وإحباطهم فماذا نفعل؟
الجواب: هذا من حقِّك؛ لأن هناك فرقًا بين السماع والاستماع، وبعض الآباء من طبيعتهم أنهم يُحبطون الأبناء، وهكذا، ولا بد أن تبحثي على أناسٍ يُؤثرون عليهم؛ حتى يكونوا إيجابيين.
وأنا دائمًا أقول في محاضراتي: إن الأم حين يأتي الابن من الاختبار ماذا تقول له؟
ماذا فعلتَ؟ وكيف أجبتَ؟ لعلك أخطأتَ في الاختبار!
وهذا أسلوبٌ خاطئٌ؛ لأنه إذا أخطأ في الاختبار ما المشكلة؟
هو ذاكر واستعدَّ وعمل الذي عليه، وهناك فرقٌ بين هذا السؤال وسؤال: بَشِّرْنا عنك، عسى أن الاختبار كان سهلًا. وهو سيقول: والله كان طيبًا، لكن هناك فقرةٌ أو فقرتان الظاهر أنني لم أُجب عليهما بشكلٍ صحيحٍ. فتقول له: هذا عاديٌّ جدًّا يا ولدي، والحمد لله أنت ذاكرتَ.
فهذا يؤدي إلى الشعور بالأمن النفسي، أما الإحباط والمُعاتبة فليست صحيحةً؛ لأن هذه قُدراتها، وهي ذاكرتْ، وحتى لو قصَّرت البنت فلا بد من المُعالجة بطريقةٍ سليمةٍ، فما بالك إذا لم تكن مُقصرةً؟!
ولذلك إذا كان والداكِ ممن يُسْمِعونكِ كلامًا يُحطمكِ فأنتِ -إن شاء الله تعالى- لست مُؤاخذةً شرعًا بعدم الاستماع لهذا الكلام، وتسمعين من هنا، ويخرج الكلام من هنا، مع حفظ حقِّ الوالدين، لكن إياكِ أن تقومي وتنصرفي عنهما، أو ترفعي صوتكِ، أو تقولي: أفّ، أو شيئًا من هذا القبيل.
وإنما كوني هادئةً ومُرتاحةً، وابتسمي، حتى لو كانت في داخلك مرارةٌ، فهما والداكِ، وإذا قدرتِ بعد ذلك على حلِّ هذه القضية عند والديكِ بطريقتكِ الذكية فافعلي، كأن تُحضري لهما موادَّ من مواد أهل الاختصاص التي تكلموا فيها عن هذا الموضوع، أو بطريقةٍ غير مُباشرةٍ عن طريق أحد المعروفين، فهذه طريقةٌ رائعةٌ جدًّا.
الطالبة: البنت ليست مُقصرةً.
الضيف: ليس شرطًا، لا يلزم هذا، ولا يمكن أن نقول: الغالب، فلا بد أن تكون القضية مدروسةً، ولا بد أن نكون واقعيين ومنطقيين، بمعنى: يمكن أن يحصل التقصير من البنت، وأيضًا يمكن أن تكون البنت غير مُقصرةٍ، والأم مُحبطةٌ، فلا بد أن نكون منطقيين.
أنا أقصد في هذه القضايا الاجتماعية ألا نُعطي تعميمًا فنقول: الغالب، أو نقول: الأكثر، إلا إذا كانت هناك دراسةٌ ميدانيةٌ، أما مجرد الآراء فلا، فهذا موجودٌ، وهذا موجودٌ.
قصدكِ أن معهدكم مُتميزٌ على مستوى السودان؟
طيب، تمام، أنا ما عندي إشكاليةٌ، حتى لو كان هذا الواقع يبقى: كيف نحلّ المشكلة؟ هل نحلّها بالإحباط ونقول لها: أنت لستِ ممتازةً، وكنا نأمل فيكِ، لكن فشلتينا؟! هل هذه الأساليب تُغير السلوك؟
لا تُغير السلوك، بِغَضّ النظر عن كون البنت مُقصرةً، أو غير مُقصرةٍ، فلا بد أن يكون أسلوب الوالدين سليمًا.
السؤال: هي تسأل: هل هي بهذه الصورة تُؤاخذ بعدم الاستماع؟
الجواب: لا، أنتِ لستِ مُؤاخذةً، أهم شيءٍ ألا تقولي كلامًا، أو تتصرفي تصرفًا يُخالف البرَّ، وإنما اقعدي واسمعي، وأمسكي أعصابكِ، وينتهي الموضوع؛ لأن بعض الآباء عصبيون، والابن لا يريد أن يرد على أبيه؛ لأنه يعرف أن هذا الردَّ يُخالف البرَّ، ولا يريد أن يقوم ويتركه؛ فإن هذا أيضًا سيزيد الطين بِلَّةً، وسيُعقد الموضوع، فماذا يفعل؟
يُمسك أعصابه، ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويبتسم، حتى لو كانت الابتسامة -كما يُسمونها- ابتسامةً صفراء.
ولو كنتِ غير قادرةٍ على أن تبتسمي فأمسكي نفسكِ، وإياكِ أن تقولي كلمةً تجرح الوالدين، حتى لو كانا مُخطأين، وإياكِ أن تفعلي فعلًا تجرحين به الوالدين، حتى لو أخطآ، فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
الأسئلة انتهت، والوقت انتهى؛ لأننا حددنا إلى العاشرة إلا الربع، ولدينا موعدٌ.
فأسأل الله لي ولَكُنَّ التوفيق والسداد، وأن يرزقنا وإياكنَّ العلم النافع والعمل الصالح، وأن يُبارك فيكنَّ.
والله الذي لا إله إلا هو إن المجتمع النسائي ما زال بحاجةٍ إلى نساء أمثالكنَّ يأخذن من كتاب الله ، ويتعلمن العلم الصحيح، ويَنْشُرْنَ هذا في أوساط النساء، فالنساء في المجتمع يَحْتَجْنَ إلى أمثالكنَّ.
والأخت اليوم في هذا البلد يمكن من خلال الجوَّال أن تُؤثر في أختٍ أخرى في بلدٍ آخر، لكن احرصنَ على بنات جنسكنَّ في بلدكنَّ، وأحيائكنَّ، وأقاربكنَّ، وجيرانكنَّ، وزميلاتكنَّ في هذا المعهد، ناهيكنَّ عن اللاتي في الشوارع، واللاتي -للأسف- قد لا يُمثلن قيم الإسلام.
فالله الله أن تحملن أيتها الأخوات الدعوة والرسالة والخير الذي أعطاكنَّ الله إياه، فلا بد أن تحملنه لهنَّ.
والله تعالى أعلم.
وصلى الله على محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | "تفسير الإمام الشافعي" (3/ 1461). |
---|---|
↑2 | "تفسير السعدي" (ص934). |
↑3 | "الأذكار" للنووي (ص8). |
↑4 | "حلية الأولياء" لأبي نعيم (5/ 102). |
↑5 | أخرجه الترمذي (3175)، وابن ماجه (4198)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (162). |
↑6 | أخرجه أبو داود (864)، والترمذي (413)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (1330). |
↑7 | أخرجه النسائي (2527)، وابن حبان (3347)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3606). |
↑8 | أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (4632)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5028). |
↑9 | أخرجه مسلم (2003). |
↑10 | أخرجه أحمد (17634)، وقال مُحققو "المسند": حديثٌ صحيحٌ. |
↑11 | أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134). |