المحتوى
مقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أعزائي المشاهدين والمشاهدات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نُجدد الترحيب بكم في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات "أسس التربية"، ومع سعادة الدكتور: خالد بن أحمد السعدي، فأهلًا وسهلًا.
الضيف: حيَّاكم الله يا أستاذ أنور، وحيَّا الله الإخوة المشاهدين والمشاهدات.
المحاور: نطرح اليوم يا دكتور موضوعًا جديدًا شَيِّقًا وجذَّابًا، وأعتقد أنه مطلب كل إنسانٍ على وجه هذه الكرة الأرضية؛ وهو: الطريق إلى السعادة، والتي هي حاجةٌ أساسيةٌ لدى كل الناس للخروج من دائرة الغموم والهموم، وحصول السرور للقلب، والتي تُعدّ من أكبر النعم.
فكيف يمكننا أن نتحصل عليها؟
هذا ما سنُناقشه اليوم مع سعادة الدكتور: خالد بن أحمد السعدي، وسؤالنا ابتداءً يا سعادة الدكتور: ما أهمية هذا الطرح في هذا الزمن وفي هذا الوقت؟
الضيف: جزاك الله خيرًا وبُورك فيك.
السعادة مطلب كل إنسانٍ
الحمد لله، وأُصلي وأُسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فأنت ذكرتَ عبارةً مهمةً جدًّا في الحقيقة، ألا وهي: "مطلب كل إنسانٍ"، فالسمة في موضوع السعادة: أن كل إنسانٍ يطلبها، بل هي تُفسر ما يتعلق بقول الإنسان وفعله الاختياري الذي هو غير مُجبرٍ عليه؛ لأنه قد يقول قولًا أو يفعل فعلًا لا يريد به السعادة، لكنه -كما يُقال- مُرْغَمٌ عليه، أما عن اختياره فإنه لن يقول قولًا، أو يفعل فعلًا، أو يسلك مسلكًا، أو يتَّخذ قرارًا إلا وينشد بذلك ماذا؟
المحاور: الحصول على الفرح والسرور والسعادة.
الضيف: بالضبط، فلا يوجد إنسانٌ فطرته طبيعيةٌ يريد الهمَّ، والغمَّ، والتعب، والقلق، والتوتر، والحزن، وما شابه ذلك، فقضية راحة القلب وإيجاد السرور هي حاجةٌ نفسيةٌ لكل بني البشر.
ونحن نُعوِّل دائمًا على مبدأ التَّخلية والتَّحلية، أي: تسيير حياة الإنسان بعيدًا عن كل ما يسوؤه؛ حتى يكون جالبًا لكل ما يسُره، فهذا أمرٌ طبيعيٌّ في النفس البشرية، وقضية هل يُوفَّق إلى ذلك أم لا؟
المحاور: كم من مُريدٍ للخير لا يبلغه.
الضيف:
ولستُ أرى السعادة جمع مالٍ | ولكنَّ التَّقيَّ هو السعيد[1]البيت للحطيئة. ينظر: "الأمالي" لأبي علي القالي (2/ 202)، و"الحماسة البصرية" لأبي الحسن البصري (2/ 67). |
أسباب تحصيل السعادة
تأتي المُنافسة في قضايا الوسائل والأسباب، فنحن نملك أسبابًا -يا أستاذي الكريم- هي أسبابٌ دينيةٌ، وأسبابٌ طبيعيةٌ جبليةٌ، وأسبابٌ عمليةٌ مُكتسبةٌ.
الأسباب الدينية هي التي جاء التوجيه فيها من خلال الكتاب والسنة، فهذا السبب الديني لا شكَّ أنه هو الذي يُفرَّق فيه بين المنهج الإسلامي وغير الإسلامي، وخُذْ (ديل كارنيجي) كمثالٍ، فهو شخصٌ مُبْدِعٌ، وأنتج وألَّف كتبًا، وهو صاحب التدريبات على مثل هذه القضايا، وكتاب "دع القلق وابدأ الحياة" كتابٌ مشهورٌ ونفيسٌ.
وكان الشيخ العلَّامة: عبدالرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله- قد قرأ هذه الرسالة في رحلته العلاجية في لبنان، فأُعجب بها، وتولَّد عن ذلك أنه ألَّف كتابه "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة"، وقال: إن هذا الإنسان لم يُوفَّق في كونه ليس مسلمًا، وإن كان قال: إنه أجاد وأصاب. أو كلامًا من هذا القبيل.
المحاور: هل وُفِّق في الأسباب المادية؟
الضيف: في الأسباب العملية المُكتسبة، والجبلية الطبيعية التي هي طبيعة الإنسان وأثر البيئة عليه، والتي ليس له منها اكتسابٌ، وإنما تأثر بها من بيئته، أو أسرته، أو مجتمعه، و(الكاريزما) الشخصية من صفاتٍ وسماتٍ، وهذه كلها هي الوسائل الطبيعية.
أما العملية فهي ما يتعلق بالمهارات، وهناك أشياء قد يكتسبها: كمَن أدرك أن الابتسامة هي التي تجلب له السعادة، وإذا ابتسم كسب قلوب الآخرين.
حسنٌ، كيف يستطيع شخصٌ عابِسٌ أن يتعود على الابتسام؟
يحاول أن يتعود على مهارات الابتسامة.
كيف يستطيع أن يخدم غيره ولم يكن يخدم من قبل؟
يُشارك في العمل الخيري التطوعي.
إذن هو يحاول اكتساب المهارات المتعلقة بهذا الجانب.
المحاور: هل المقصود بالطبيعي هو نفسه الاجتماعي؟
الضيف: لا، الطبيعي: الجبلي، الفطري، في فطرة الإنسان، وهذه هي عبارة الشيخ عبدالرحمن بن سعدي في رسالته "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة"، قال: "أسبابٌ دينيةٌ، وأسبابٌ طبيعيةٌ، وأسبابٌ عمليةٌ"[2]"الوسائل المفيدة للحياة السعيدة" (ص12)..
ويقصد بالطبيعية: الأسباب الفطرية الجبلية في الإنسان، ويقصد بالعملية: الوسائل المُكتسبة.
وسنجد في هذه الوسائل من خلال هذه الحلقات -بإذن الله - أن هذه الأنواع الثلاثة -الدينية، والطبيعية، والعملية- من المهم جدًّا أن ننظر فيها؛ لأننا بلا شكٍّ بشرٌ، ولدينا صفاتٌ مُشتركةٌ كثيرةٌ، منها هذه القضايا المتعلقة بهذه الوسائل، وكذلك الناس مُتفاوتون، وفهم جانب التفاوت مهمٌّ جدًّا؛ لأن الإنسان قد يُوفق إلى أن تكون حياته سعيدةً وهانئةً، وهو الذي وُفِّق لهذه الوسائل أو مُعظمها، وقد يكون عكس ذلك ولا تتحقق له السعادة، وإنما تتحقق له التعاسة والشقاء: وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، وقد يتحصل على شيءٍ من هذا وهذا.
فالناس على هذه المسالك أو المراتب الثلاث.
إذن كيف يستطيع الإنسان أن يسلك طريقًا لأجل أن يستطيع تحقيق هذه الوسائل؛ لتحصيل أكبر قدرٍ ممكنٍ من السعادة؟
أنت تستغرب أن بعض هؤلاء مات مُنتحرًا، أو مات في وضعٍ غير طبيعيٍّ، أو شيءٍ من هذا القبيل، فإن أصل ما ينشده الإنسان من السعادة هو أمرٌ فطريٌّ جبليٌّ، وأمرٌ يتَّفق عليه العقلاء، ولكن يأتي مَن يُحْرَم من هذه القضايا والوسائل العظيمة.
فالتوفيق والعون -يا أخي الكريم- في جلب الخيرات والسعادة، ودفع المَضَرَّات والتَّعاسة هو: أن نحرص على مثل هذه الوسائل، ونحاول أن نعرف طريق السعادة والحق.
المحاور: حقيقةً أنت ذكرتَ جانبًا مهمًّا جدًّا، وهو الخاص بقضية الأسباب التي تَمَيَّزنا بها عن باقي العالم غير المسلم، وهو الجانب الإيماني والديني.
أثر الإيمان في سعادة الإنسان
نستقبل مُداخلةً لفضيلة الشيخ: عبدالله بن سفر الأحمري، إمام وخطيب الجامع الكبير بالظهران، بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.
فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: اليوم موضوعنا -طال عمرك- عن الطريق إلى السعادة، ونريد من فضيلتكم إلماحةً وإضاءةً جميلةً حول الأسباب الدينية، وخاصةً الإيمان وأثره في تحقيق السعادة في حياة الإنسان.
المتصل: أحسن الله إليكم.
بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله.
مرحبًا بك يا أبا عبدالرحمن، وبالدكتور خالد، وبهذه القناة المُباركة.
يحلو لي في هذا الموضوع أن أبدأ بقصة هرقل مع أبي سفيان عندما سأله: مَن كان يتبع محمدًا ؟ وهل كانوا يزيدون أم ينقصون؟ وهل كان أحدٌ منهم يرتدُّ سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟
فكان أبو سفيان يقول: لا، فيقول: وكذلك الإيمان حين تُخالِط بشاشته القلوب لا يسخطه أحدٌ[3]أخرجه البخاري (7، 51)، ومسلم (1773).، فكانت هذه إجابة هرقل لأبي سفيان .
ومعنى "بشاشته القلوب" أي: حلاوة الإيمان، حين تذوق سعادة الإيمان الذي إذا خالط القلوب لا يسخطه أحدٌ ولا يترك هذا الإيمان.
ما الذي جعل سادة قوم النبي يُسارعون إلى دينه: كأبي بكرٍ، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاصٍ، الذين تخلوا عن كل ما أحاطتهم به قريشٌ من الجاه والمجد؟
وما الذي جعل ضعفاء القوم يلوذون بهذا الدين، ويهرعون للإيمان الذي دعاهم إليه النبي ، وهم يُبْصِرونه أعزل من المال والسلاح، مع ما سيُلاقونه من أذًى من قومهم؟
وما الذي جعل المؤمنين يزيدون ولا ينقصون من ذلك الحين إلى الآن، رغم أننا نتكلم عن وقتٍ كان فيه رسول الله يهتف فيهم صباحًا ومساءً: لا أملك لكم نفعًا ولا ضرًّا: وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ [الأحقاف:9]؟
الجواب: الإيمان هو الذي جلب لهم السعادة في الدارين، فقد امتَنَّ الله علينا في قوله: وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43]، يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا، ثم قال في آخرها: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ [الحجرات:17]، لكن بشرط: أن يكون إيمانًا صافيًا من الشوائب؛ لتكون ثمرته الاستقرار والطمأنينة داخل القلب والنفس.
أيها الإخوة، إذا كانت السعادة شجرةً تنبت في النفس البشرية، فالإيمان بالله وبالدار الآخرة هو ماؤها، وغذاؤها، وهواؤها، وضياؤها، والإيمان يُفجر ينابيع السعادة المُتمثلة في السكينة والأمن، وهذه مظاهر هذه الشجرة التي تنبت في القلب.
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة:257]، فالإيمان (إكسير) الحياة، والسعادة هي حالةٌ نفسيةٌ من مشاعر الراحة والطمأنينة، والرضا عن النفس، والقناعة بما كتب الله .
والناس صنفان: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [هود:105]، وليس هذا في الآخرة فحسب، بل حتى إذا كتب المَلَك ذلك والجنين ما يزال في بطن الأم؛ فيكتب أشقيٌّ أم سعيدٌ؟[4]أخرج البخاري (6595) ومسلم (2646) -واللفظ للبخاري- عن أنس بن مالكٍ ، عن النبي قال: وَكَّلَ الله بالرحم مَلَكًا، … Continue reading.
والمؤمن ليس في معزلٍ عما يُصيب الناس، فهو بشرٌ يُصيبه ما يُصيب الناس فيقلق، ويفرح، ويحزن، ويسعد، ويُخْطئ، ويتوب، وإيمانه يجعله يتوافق مع هذه المواطن بالتَّوكل، والصبر، والرضا، والثَّبات، والتوبة؛ فيعود للفطرة السَّوية.
أيها الإخوة، السعادة دنيويةٌ وأُخرويةٌ، فصحابيٌّ يقول: "واهًا يا سعد، إني لأجد ريح الجنة"[5]أخرج البخاري (4048) ومسلم (1903) -واللفظ للبخاري- عن أنسٍ : أن عمَّه غاب عن بدرٍ، فقال: غِبْتُ عن أول قتال النبي ، … Continue reading، وإبراهيم بن أدهم يقول: "لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف"[6]أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (7/ 370)، والبيهقي في "الزهد الكبير" (80).، والآخر يقول: "تَمُرُّ على القلب فتراتٌ نقول: لو أن أهل الجنة فيما أنا فيه من السرور لكفاهم"[7]قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "قال بعض الشيوخ: لقد كنتُ في حالٍ أقول فيها: إن كان أهل الجنة في الجنة في … Continue reading.
فهذا الذي يجده المؤمن من الحلاوة في قلبه هو مُشغلٌ ومُحركٌ لإدراك سعادة الآخرة الأبدية، والتي ستكون يوم القيامة -بإذن الله-، وهي بيت القصيد، ومن أجلها رَخُصَتْ أرواح المؤمنين وأموالهم، وجاهد المؤمنون شهواتهم وأهواءهم، وأفنى العلماء والعُبَّاد أعمارهم للحصول على الجنة التي هي دار السعادة الأُخروية.
فهذا التَّعلق بما وعد الله يتجاوز بالإنسان مشاقَّ الحياة: وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا [الإنسان:20].
وابن تيمية -رحمه الله- يقول: "إن في الدنيا جنةً مَن لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة"[8]"مدارج السالكين" لابن القيم (1/ 452)..
وسئل الإمام أحمد: متى الراحة يا إمام؟ قال: "إذا حطت الرحال في الجنة"[9]روى ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" (1/ 293) أن رجلًا قال للإمام أحمد: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: "عند أول قدمٍ … Continue reading، متى الراحة؟ يعني: الراحة من العمل الصالح.
فالمؤمن يدخل جنة الدنيا وسعادتها ببذل الأسباب، وأول هذه الأسباب بعد الإيمان: العمل الصالح، وهو بالمناسبة ثمرةٌ من ثمرات الإيمان: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]، الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، فأصبح هذا عملًا.
إذن لا نكاد نرى آيةً في القرآن تتحدث عن الإيمان إلا وقُرنت بالعمل الصالح، فقُيِّد العمل بأن يكون صالحًا كما أمر الله بفعله، فمعيار جودة العمل هو المعيار الشرعي؛ حتى يحصل للإنسان ذوق الإيمان، قال الرسول : ذاق طعم الإيمان مَن رضي بالله ربًّا ...[10]أخرجه مسلم (34).، وثلاثٌ مَن كنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمان[11]أخرجه البخاري (16)، ومسلم (43).، أو قال: طعم الإيمان[12]أخرجه مسلم (43)..
يقول مالك بن دينار -رحمه الله-: "مساكين أهل الدنيا؛ خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها. قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: معرفة الله "[13]أخرجه أبو بكر الدينوري في "المُجالسة وجواهر العلم" (222)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (2/ 357).، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [مريم:96].
وكان أحدهم يقول: "ما أقبل عبدٌ بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم"[14]أخرجه أحمد في "الزهد" (1283) عن هرم بن حيان.، وهذا سِرُّ لزوم الصالحين والعمل الصالح.
وصحب رجلٌ الإمام أحمد نحوًا من عشرين سنةً، يقول: "كل يومٍ يأتي خيرٌ من اليوم الذي قبله"[15]أخرج ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" (1/ 92) عن إبراهيم الحربي قال: "يقول الناس: أحمد بن حنبل بالتَّوهم، والله ما … Continue reading، أي: يترقَّى في العمل الصالح، فلو لم يكن هناك شيءٌ من السرور والسعادة والاستراحة النفسية لما ازداد الإنسان من العمل الصالح.
والتزام المؤمن بما فرضه الله عليه من الصلاة والصيام والزكاة هو أُنْسٌ له وبهجةٌ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1، 2].
واسمع بعد ذلك عشر صفاتٍ أو إحدى عشرة صفةً: وجُعلتْ قُرَّة عيني في الصلاة[16]أخرجه أحمد (14037)، والنسائي (3940)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3124).، يا بلال، أَرِحْنَا بالصلاة[17]أخرجه أحمد (23088)، وأبو داود (4986)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (1253).، للصائم فرحتان: فرحةٌ عند فِطْرِه، وفرحةٌ عند لقاء ربه[18]أخرجه البخاري (1904)، ومسلم (1151) واللفظ له.، والفرح من السرور، فهي كلها عباداتٌ: "لأهل الليل ألذُّ بليلهم من أهل اللَّهو في لهوهم"[19]أخرج أبو بكر الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (155) عن أبي سليمان الداراني أنه قال: "أهل الليل في ليلهم ألذُّ … Continue reading.
الإحسان إلى الناس من أسباب السعادة
من الأسباب الشرعية: الإحسان إلى الناس، وهذا من العمل الصالح، وهو ضد الإساءة.
وقد يقول قائلٌ: حتى الكافرين يُحْسِنون.
فنقول: ولكن السر عندنا نحن أهل الإسلام: أنك تُحْسِن لمَن أحسن إليك، وتُحْسِن لمَن أساء إليك، وهنا يَكْمُن السر، والأجر عند الله تعالى.
ورأس الإحسان في مثل هذا العمل الصالح يجد الإنسان ذوقه وحلاوته في بِرِّ الوالدين -مثلًا-، وهو أوسط أبواب الجنة، والإنسان يبذل ما وراءه ودونه.
ولو رأيتَ بعض الوافدين من الغربيين ممن عاش وخالط المسلمين ستجدهم يتعجبون من بِرِّ الأبناء بآبائهم، وسعادة الأبناء ببِرِّهم وإنفاقهم على آبائهم، فهم أولى الناس بحُسْن الصُّحْبَة.
والإحسان لذي القُربى والبنات، وفي حديث النبي : ثلاثٌ من سعادة الرجل، وثلاثٌ من شِقْوَته: فمن سعادته: المرأة الصالحة[20]أخرج أحمد في "مسنده" (1445) من حديث سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله : من سعادة ابن آدم ثلاثةٌ، ومن شِقْوة ابن … Continue reading.
وأختم مشاركتي بأن المؤمن مُطالبٌ بجهاد نفسه، ومعنى ذلك: أن يستفرغ الوسع في تزكية نفسه وترويضها على الطاعات، فرسول الله كانت له ثمانون سجدةً في اليوم والليلة، وهذا ما أحصاه ابن تيمية وابن القيم، كيف ثمانون سجدةً؟
سبع عشرة فريضةً، وثنتا عشرة سُنَّةً راتبةً، وإحدى عشرة من قيام الليل أو مع وِتْرِها، فصار المجموع: أربعين ركعةً بثمانين سجدةً.
فكيف حال مَن لزم هذه الثمانين سجدةً يَبُثُّ ما يريده لله ، ويخضع له ؟ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]، أي: الذين يعملون بما يعلمون سنُبَصِّرهم طرقنا في الدنيا والآخرة.
المحاور: جزاك الله خيرًا يا شيخ، ونفع الله بكم على هذه المُداخلة الطيبة والجميلة والنافعة.
ونستمع لتعليق سعادة الدكتور خالد.
اقتران الإيمان بالعمل الصالح
الضيف: جزاه الله خيرًا، وشَكَرَ له، وبُورِك فيه، وقد أتى إلى الوسيلة المهمة الأولى، ألا وهي ما عنونه أهل العلم والبصيرة بقضية الإيمان والعمل الصالح، انظر -يا أخي- إلى قول الله : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97]، تُلاحظ هنا دلالةً واضحةً -كما أشار الشيخ- في الآيات على أن الإيمان يأتي ومعه العمل الصالح، ولا يتوقع أبدًا أن يكون هناك إيمانٌ حقيقيٌّ والعمل الصالح ليس موجودًا:
والدعاوى ما لم تكن عليها | بيناتٌ أصحابها أدعياء[21]ذكره ابن حجر في "المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية" بلا نسبةٍ لقائلٍ، وبلفظ: والدعاوى إذ لم يُقيموا … Continue reading |
ولاحظ كذلك قوله: فَلَنُحْيِيَنَّهُ، مَن الذي يُحييه؟
الله الذي قال: مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا [الكهف:88]، فالأعمال الصالحة مفتوحةٌ.
وقال: حَيَاةً طَيِّبَةً فهي من أجمل أوصاف السعادة.
المحاور: أنا أعتقد أن تعبير طَيِّبَةً أعمق وأشمل وأوسع من تعبير السعادة.
الضيف: لا شكَّ في ذلك، وهناك مَن خاض في هذه المعاني على أية حالٍ، ولكن ليس هذا مجالنا الآن، لكن أنا أقول: ألَّا يعمل الإنسان إلَّا طيبًا؛ لأن الله قال: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، أين؟
المحاور: أكيد في الدنيا.
الضيف: لماذا في الدنيا؟
لأن الله قال بعدها: وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وهذا كلام المُفسرين المُوضح جدًّا لسعادة الدنيا والآخرة، رزقنا الله وإياكم إياها.
لاحظ أن هذه القضية تظهر كثيرًا وبجلاءٍ عندما نُقارنها بالضدِّ الذي تتميز به الأشياء؛ فعند قول الله : وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً [طه:124]، لاحظ أنه قال هناك: حَيَاةً طَيِّبَةً، ثم قال هنا: ضَنْكًا، فهو فعلًا وصفٌ نفسيٌّ يتعلق بالحالة الكئيبة النفسية، والتي هي حالة الشقاء والتَّعاسة وما شابه ذلك.
وكما قلتَ أنت: إن الحياة الطيبة في السعادة، فهي هنا في الضَّنْك الذي يكون في الدنيا، بدليل ما بعدها: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124- 126].
السؤال الكبير -يا أخي-: أين نحن في أُسرنا، وفي تعليمنا، وفي مجتمعاتنا، وفي محاضننا التربوية من هذه التربية الإيمانية القائمة على الإيمان والعمل الصالح؟
هذا سؤالٌ كبيرٌ نُوجهه لأنفسنا وللجميع حقيقةً: أنه لا بد من مُراجعة برامجنا وخُططنا في هذا الجانب.
أنا سأُعطيك ثلاثة أمورٍ أظنها ستُوضح أكثر:
لو أردنا أن نُقارن بين الطائفة الأولى -أصحاب الحياة الطيبة- والطائفة الثانية -الضَّنْك- في موضوع المحابِّ والمسارِّ وموقف الإنسان منها سنجد أن المؤمن إذا أُعْطِيَ شَكَرَ؛ لأنه سيكون في موطن شكرٍ لله المَنَّان، والآخر سيَبْطُر وتأخذه العِزَّة بالإثم، وسيقول: هذا من عندي ... إلى آخره.
إذن هناك فرقٌ بين صاحب السعادة والتَّعاسة فيما يتعلق ببَنْد المحابِّ والمسارِّ.
خُذ البَنْد الآخر العكسي وهو: المَضارُّ والمكاره، ماذا يفعل المؤمن؟
يصبر ويدفع ما أمكن أن يدفعه، وله في ذلك أصلٌ، وهذا هو عين الشرع والعقل.
والآخر يَقْنَط، ويَضْجَر، ويسخط من أمر الله وقدره وقضائه.
ولنتذكر قول الرسول : عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سَرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضَرَّاء صبر فكان خيرًا له، أو كما قال عليه الصلاة والسلام[22]أخرجه مسلم (2999)..
يا أخي، هذا المنهج لا يمكن أن يأتي لكوني أنا خالد وأنت أنور، أنا وأنت مسلمان فقط، إنما يأتي بالتربية الإيمانية في المَحَكَّات، وفيما يُحبه الإنسان ويتوفر بين يديه، أو مَحَكَّات الكُرْه فيما يكرهه ويقع فيه، فالكلام عن الابتلاء وماذا سيفعل؟ هل سيكون من الشاكرين وفي الثانية من الصابرين؟ فما سيكون هو ما يسعد به الإنسان الذي تربى التربية الإيمانية القائمة على الإيمان والعمل الصالح.
المسار الثالث هو: المخاوف، وهي تأتي من المستقبل: ماذا سيكون عليه المسلم؟
المحاور: نفس القلق.
الضيف: هذا بالنسبة للشخص الذي ليس سعيدًا، أما بالنسبة للمسلم فالأمر بيد الله ، فهو يستثمر فترته الحالية.
ابن الجوزي يُمثل لأهل الآخرة
ابن الجوزي -يا أستاذي الكريم- في كتابه العظيم "صيد الخاطر" تحدَّث في فصلٍ جميلٍ عن أصحاب هَمِّ الآخرة فيقول: الآن إذا دخل الواحد منا بيتًا أو غُرفةً أو مسكنًا، فإذا كان نجَّارًا فماذا يرى؟
المحاور: ينظر إلى كل شيءٍ فيه خشبٌ.
الضيف: والبنَّاء؟
المحاور: ينظر إلى جدران البناء.
الضيف: وقِسْ على ذلك.
المحاور: كلٌّ يبحث عن همِّه.
الضيف: قال: أما صاحب الآخرة فإذا رأى الظُّلْمَة في هذا السكن تذكر ظُلمة القبر، وحين يرى السكن الوفير يتذكر الجنة والفردوس الأعلى[23]قال ابن الجوزي في "صيد الخاطر" (ص411): "هِمَّة المؤمن مُتعلقةٌ بالآخرة، فكل ما في الدنيا يُحركه إلى ذكر الآخرة، … Continue reading، وهذا الجانب مهمٌّ جدًّا.
أهل الدنيا كأهل سفينةٍ
ذكر ابن حجر في شرحه لـ"صحيح البخاري" في كتاب "الرقائق" عن الإمام أبي حامد الغزالي صاحب "إحياء علوم الدين" مثالًا جميلًا عن أهل الإيمان ومَن هم أقلّ وأبعد من ذلك، فهم متفاوتون في إيمانهم، كمثل قومٍ كانوا في سفينةٍ، فلما وصلت السفينة إلى جزيرةٍ نزل جميع مَن في السفينة إلى الجزيرة التي كان فيها ما لذَّ وطاب من المأكولات والمجوهرات ... إلى آخره.
وقال لهم القبطان: موعد انطلاقنا في الوقت الفلاني.
يقول: ففئةٌ جاءت مُبكرةً قبل الموعد، وهذه استطاعت أن تركب السفينة، وأن تأخذ المقاعد المُتقدمة، وقد أخذتْ حقَّها من الجزيرة.
وفئةٌ أخرى جاءت على الوقت، وأخذتْ مقاعدها، لكن دون المقاعد الأولى، وأخذتْ حقَّها من الجزيرة.
وفئةٌ أخرى انشغلت، وجاءت وإذا بالسفينة قد غادرتْ أو تكاد تُغادر، فحمل ما عنده وركب في آخر السفينة، وكان مُثْقَلًا بحمله وهو يمشي إلى السفينة، فرمى ما معه في البحر.
وفئةٌ انشغلت وأتت ولم تجد السفينة، وفئةٌ لم تسمع النداء أصلًا.
فالجزيرة تُمثل الدنيا، وكلٌّ يسير في الدنيا، ولكن هناك فرقٌ بين الفئة الأولى والثانية والثالثة ... إلى آخره، بتفاوتهم في الإيمان والعمل الصالح، وهم الذين عليهم مدار الكلام، كما قال الله : وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [الواقعة:10]، والسفينة تُمثل السير إلى الله والدار الآخرة[24]قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (11/ 233): "لمَّا أورد الغزاليُّ حديثَ المُسْتَوْرِد في الإحياء عَقَّبَه بأن … Continue reading.
أخي الكريم، سأُعيد كلامي بأننا بأَمَسِّ الحاجة إلى هذه الوسيلة، فهي الفارق الكبير الذي استدركه الشيخ ابن سعدي -رحمة الله عليه- على (ديل كارنيجي) بحكم أنه لم يُوفَّق إلى هذه القضية، ومثله إيليا أبو ماضي، وكما قلتُ لك: المشكلة أيضًا أن بعض هؤلاء انتحر!
أشرنا إلى قصة هرقل -الذي على الصحيح أنه مات كافرًا- عندما جمع قومه وأغلق الأبواب، وقال لهم يُشير عليهم بأنه ربما يدخل في الإسلام، فحاصَ الناس حَيْصَةً -كما جاء في الرواية- فقال لهم: كنتُ أختبركم[25]أخرجه البخاري (7)..
أخذتْه قضية فتنة المنصب ... إلى آخره، ومات ولم يؤمن، مع أن مَن يسمع الحوار بينه وبين أبي سفيان -كما جاء في البخاري- يشعر من هذا الحوار أن الرجل سيُسْلِم حقيقةً.
نعود للشاعر إيليا أبو ماضي صاحب الدواوين، والذي كان مُتخبِّطًا في مُستقبل أمره:
جئتُ لا أعلم من أين؟ ولكني أتيتُ
ولقد أبصرتُ قدَّامي طريقًا فمشيتُ[26]قصيدة الطلاسم في ديوان إيليا أبو ماضي (ص191).
المحاور: قمة الحيرة.
الضيف: سبحان الله! حيرةٌ شديدةٌ وشكٌّ، والله قد بيَّن الأمر بأسهل ما يكون: أن يسلك الإنسان مسلك الإيمان والعمل الصالح، وقد قال أحد الفلاسفة الذين تابوا إلى الله : "نموت على ما ماتت عليه نساء وعجائز نيسابور"[27]قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "الفتاوى الكبرى" (6/ 617): قال أبو عبدالله الحسن بن العباس الرستمي: حكى لنا … Continue reading، على ماذا ماتت نساء وعجائز نيسابور؟
المحاور: على "لا إله إلا الله".
الضيف: على الفطرة "لا إله إلا الله"، ولم تُكلفهم شيئًا، فهل نقص شيءٌ من هؤلاء العجائز بسبب هذا العلم الذي ليس عندهم؟ هل مُسِحَت الفطرة؟
أبدًا؛ لأنه لا فائدة من العلم إذا كان سيمسح الفطرة، وإذا لم يجعل الإيمان والعمل الصالح حاضرًا يا أخي.
تناولنا سابقًا حديث عجوز بني إسرائيل[28]أخرج ابن حبان في "صحيحه" (723) عن أبي موسى الأشعري قال: أتى النبيُّ أعرابيًّا فأكرمه، فقال له: ائْتِنَا، … Continue reading، تلك القصة الجميلة الرائعة، والفرق بين هذه العجوز مُقابل الأعرابي هو التَّعلق بالله والنَّظر لما عنده ، وهذه من أكبر الوسائل حقيقةً، ونشكر الشيخ على كلامه.
من سُبُل تحصيل السعادة: الإحسان
المحاور: أشار الشيخ أثناء كلامه إلى الإحسان، وهو من الأعمال الصالحة الجميلة التي لها أثرٌ مُتعدٍّ، وأنها تفتح باب السعادة.
الضيف: ولعل هذه هي الوسيلة الثانية التي أشار إليها حقيقةً في كلامه، وهي وسيلةٌ مهمةٌ جدًّا.
هل تعرف أن هناك دراساتٍ عُملت لفترةٍ من الزمن على مجموعاتٍ من الناس ووجدوا أن أكثر الناس سعادةً هم أكثر الناس إحسانًا للآخرين.
تحدث الآجُري صاحب كتاب "أخلاق العلماء" عن العلماء الحقيقيين فقال: "هم الذين يحتاجهم الناس في أمور دينهم ودنياهم"[29]"أخلاق العلماء" (ص51).، وقد يكون عالِمًا بالشريعة، لكنه أصبح ربَّانيًّا حقًّا عندما علَّم الناس وجلس معهم، فإذا جلس للناس، وعلَّمهم، وأعطاهم وقته، فسيأتون إليه ويستشيرونه في أمور الدين والدنيا وأمورهم الخاصة؛ ليُساعدهم.
ونحن قد تكلمنا عن الشخصية الاجتماعية، وذكرنا أن النبي قد حطمه الناس، ولم يحصل ذلك إلا لأن الناس يأتونه ويَغْشَونه، ولم يكن غائبًا عنهم، فإذا احتاجوه وجدوه.
أخي الكريم، هذا الحديث العظيم يُشعرنا فعلًا بحاجتنا إلى هذا الإحسان، والذي يُذكرنا به أمثال الدكتور عبدالرحمن السميط -رحمه الله- عندما كان يقول: هذه سعادتي. فهو يترك تَرَفَه وعمله وبلده ويذهب إلى المُستنقعات والمخاطر من أجل هدفه الشريف العظيم جدًّا؛ وهو الإحسان إلى الناس بهدايتهم إلى الإسلام، وقد أسلم على يديه أحد عشر مليون إنسانٍ.
بالله عليك ألا يشعر هذا بسعادةٍ حتى لو دخل نهرًا به تماسيح، أو به ما به، وحتى لو ظلَّ -كما سمعتُ منه- ثلاثة أيامٍ لا يجد شيئًا يأكله إلا الموز فقط؟
كيف لا يشعر بالسعادة وهو يسمع حديث النبي ؟ كما جاء في الحديث الذي صححه الألباني -رحمه الله- في "السلسلة الصحيحة" عن عبدالله بن عمر : أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سُرورٌ تُدخله على مسلمٍ، أو تكشف عنه كُرْبَةً، أو تقضي عنه دَيْنًا[30]أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (13646)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (906)..
لنعرض أنفسنا على مثل هذه القضايا، فهل نحن من أصحاب هذه المجالات في الإحسان للناس قولًا، وفعلًا، وتعليمًا، وإعانةً: أو تقضي عنه دَيْنًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخٍ لي لاحظ في حاجةٍ أحبّ إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني: مسجد المدينة- شهرًا، ومَن كَفَّ غضبه ستر الله عورته، ومَن كظم غيظه ... إلى آخر الحديث الذي هو أجمل مشروعٍ في التربية الإيمانية والعمل الصالح بالنسبة للإنسان، والذي يمكن أن يسأل نفسه: بماذا يُمكنني أن أُحْسِن إلى الآخرين؟
والله صدق، وهذا المثال نراه في العيادة النفسية وما يتعلق بقضية الجلسات الإرشادية ... إلى آخره، فمما لاحظتُه أن الإنسان المُنْزَوي والأقل اجتماعيًّا هو الأقل إحسانًا للآخرين، وكذلك هو الأكثر عُرضةً لقضية إشكاليات الهمِّ والغمِّ، بينما لو حرَّك نفسه في الإحسان للآخرين وطبَّق مقولة ابن خلدون: إن الإنسان بطبعه مدنيٌّ[31]ديوان المبتدأ والخبر (تاريخ ابن خلدون) (ص54).، فأصبح اجتماعيًّا إيجابيًّا، ويخدم غيره.
وأقولها لك يا أخي: والله عندي قصةٌ عجيبةٌ لا أنساها، فقد كنتُ جالسًا في لقاءٍ إرشاديٍّ مع مُختصين في المجالات الأُسرية، فأتى إليَّ في الأخير رجلٌ وقال لي: هل تسمح لي، فقط عندي استشارةٌ. قلتُ: تفضل. قال: أنا وظيفتي كذا، وأنا مستشارٌ أُسريٌّ، لكن عندي تزاحمٌ في عملي، مع الاهتمام بالدعوة.
سبحان الواحد الأحد!
حقيقةً لم أتوقع هذا الأمر من هيئة هذا الإنسان، وهذا جزءٌ من إشكاليتنا: أننا قد نظن بالناس ظنًّا ليس جيدًا في بعض الأحيان، وإذا به له سنواتٌ وهو يمضي مع بعض زملائه إلى دول أفريقيا للدعوة إلى الله، وقد أسلم على أيديهم اثنا عشر ألف شخصٍ، فيقول لي: كيف أستطيع أن أُتابعهم، وأن أجمع بين هذا وذاك؟
أنا أقول لك: صدقني هو يشعر بالسعادة في عمله هذا أكثر مما يشعر في وظيفته، وأكثر من أي شيءٍ آخر؛ لأنه يُحْسِن إلى الآخرين بمثل هذه الأعمال.
المحاور: وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
تحدثنا حقيقةً عن عدة نقاطٍ، وبين يدي استفتاءٌ أستأذنك في عرضه للمُشاهدين يا دكتور.
يقول الاستفتاء: رأيك في وعي المسلم بأسباب السعادة: الدينية، والمُجتمعية، والمهارية، ووسائلها.
السؤال: ما مستوى الوعي لدى المسلم: مرتفعٌ، أم متوسطٌ، أم منخفضٌ، أم منخفضٌ جدًّا.
وقد شارك معنا أكثر من سبعمئة صوتٍ:
- مرتفعٌ 7%.
- متوسطٌ 43%.
- منخفضٌ 34%.
- منخفضٌ جدًّا 16%.
وقبل التعليق على نتيجة الاستبانة لدينا مُشاركةٌ من ضيفةٍ كريمةٍ هي الأستاذة: حورية بنت عبدالقادر أحمد، مُدربةٌ ومستشارةٌ أُسريةٌ وتربويةٌ.
دور العلاقات الإيجابية في تحصيل السعادة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المتصلة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله مساءكم بالخيرات والمَسَرَّات.
حيَّا الله الدكتور الفاضل: خالد، والأستاذ الفاضل: أنور، والمشاهدين والمشاهدات.
المحاور: حيَّاكم الله، وأهلًا وسهلًا بكم.
نريد يا أستاذة أن نُلقي الضوء على دور العلاقات الإيجابية في تحصيل السعادة، وإذا كان لديكم تعليقٌ على الاستبانة.
المتصلة: لا يخفى على الجميع ما للعلاقات الإيجابية مع الآخرين من دورٍ في السعادة؛ فحياتنا كلها علاقاتٌ: "حياتنا علاقاتنا، وعلاقاتنا حياتنا".
ومن أسرار السعادة وطرق الوصول إليها: أن يَحْظَى المرء بعلاقاتٍ اجتماعيةٍ فاخرةٍ مع الأسرة: من والدين، وزوجةٍ، وأبناء، وفي عمله، وفي علاقاته الاجتماعية مع الآخرين، وهذا ينعكس على الشخص بزيادةٍ في مستوى سعادته.
وعلى النَّقيض من ذلك نجد الشخص الذي لا ينعم بعلاقاتٍ اجتماعيةٍ طيبةٍ مع الآخرين حياته تعيسةٌ ومليئةٌ بالهموم والآلام والمشاكل.
ومن أجمل عناصر السعادة في العلاقات الاجتماعية: الأصدقاء، فهم عنصرٌ من عناصر بناء السعادة في الإنسان، والشخص الذي لديه شبكةٌ أوسع من الأصدقاء يعيش أسعدَ من غيره، إلا أن البعض قد يكون لديه الكثير من الأصدقاء، ولكن علاقاته سلبيةٌ مع نصفهم، وهذا حتمًا سيُسبب له نقصًا في السعادة.
وحتى تكتمل معادلة السعادة في العلاقات الاجتماعية لا بد أن تتسم تلك العلاقات بكونها إيجابيةً، وذلك بصُحبة الإيجابيين، والاستظلال بظلِّهم، ومُجالسة مَن يبثون فينا الأمل والتفاؤل، ومَن يُعينوننا على الخير والصلاح، والتَّميز والنَّجاح، والذين يحترموننا، ويُقدِّرون ويُثَمِّنون مجهوداتنا، ويَرْبِتُون علينا ويُواسوننا، ويُشاركوننا أَتْرَاحَنا وأفراحنا وأهدافنا، فهنا -بإذن الله تعالى- سننعم بعلاقاتٍ اجتماعيةٍ دافئةٍ تُسْعِدنا في الدنيا والآخرة.
الإشكالية الحاصلة أننا دائمًا ننظر للشخص الإيجابي على أنه شخصٌ خالٍ من الهموم، وحياته ورديةٌ، ويظن الناس به أنه شخصٌ مثاليٌّ، وأنه يعيش في عالمٍ افتراضيٍّ، ولكن في الحقيقة هو شخصٌ يعيش الحياة بتحدياتها ومُنْعَطفاتها، وبعقلية 60- 80% للحلول، و20% للمشكلات.
ومن هنا لا بد أن نكون نحن أيضًا أناسًا إيجابيين نَبُثُّ الأمل في الآخرين.
وإذا كانت مُجالسة الإيجابيين مصدر سعادةٍ، فإن الابتعاد عن الأشخاص السلبيين أيضًا مصدرٌ من مصادر السعادة: كالابتعاد عن العلاقات السَّامة، والأشخاص السَّلبيين كثيري الانتقاد والشكوى، فهؤلاء إن كانوا خارج الأسرة فالابتعاد عنهم أفضل بلا شكٍّ، أما إن كانوا داخل الأسرة فنحن نحذر من أن تُؤثر كلماتهم علينا؛ لأن الكلمة إما أن تهدم أو تبني، وفي العلاقات السلبية تجرح الكلمات وتُؤذي؛ لأن أصحابها يُلقون بنفاياتهم الفكرية والنفسية على الآخرين، بل ينشرون رائحة التَّذمر في أجواء الأمل اللطيفة، وهم طاقةٌ سلبيةٌ تُحْبِط الآخرين، ولن نجد السعادة في صُحبتهم، بل سنجد أنفسنا مع مُحطّمين يستنزفون طاقاتنا، وسنجد أثرهم السلبي على أنفسنا، وأُسرنا، وأهدافنا، وحياتنا؛ ولذلك دائمًا وأبدًا عليكم أن تَنْتَقوا مَن يليق بكم؛ لتَحْظَوا بالسعادة في حياتكم.
المحاور: أحسنتِ يا أستاذة، وشكرًا للمُداخلة الجميلة يا أستاذة: حورية بنت عبدالقادر أحمد، المُدربة والمُستشارة الأُسرية والتربوية.
وقد كانت المُداخلة حول دور العلاقات الاجتماعية.
هل هناك تعليقٌ على المُداخلة يا سعادة الدكتور خالد، وكذلك نريد تعليقًا على الاستفتاء.
الضيف: نعم، نشكر الأخت الكريمة حقيقةً، فهي أشارت إلى أن البيئة المُتعلقة ببيئة الجُلساء والأصحاب مهمةٌ جدًّا، والإنسان لا يمكن أن يكون إلا كما يكون غيره من أصدقائه، بل إن الرسول قال: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم مَن يُخالل[32]أخرجه أحمد (8417)، وأبو داود (4833)، وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (927).، فما بالك بأشياء أخرى؟! كيف تتوقع أن يكون الإنسان سعيدًا وهو يُجالس مَن يُعين على غير السعادة؟!
كذلك طرقتْ نقطةً مهمةً جدًّا حين أكَّدت على ما أشرنا إليه منذ قليلٍ عن الدراسات التي عُملت فيما يتعلق بأكثر الناس إيجابيةً في علاقاتهم الاجتماعية؛ ولذلك قد تجد إنسانًا مُوفَّقًا وسعيدًا، وقليل المشاكل والهموم، وقليل التوترات، والمشكلات أقل أيضًا -كما ذكرتْ- في قضية حَيز المشكلات، وأنها تأخذ حيزًا من 20 إلى 80%، وهناك أناسٌ تجد أن وضعهم صعبٌ جدًّا بسبب الهموم والغموم؛ لأنه يعيش المشاكل في حَيز 80%، وربما أكثر من ذلك؛ فلذلك نحن نشكرها على ذلك.
المحاور: اختيار الصحبة حقيقةً هو منهجٌ عمليٌّ له أثرٌ واضحٌ جدًّا على حياة الإنسان.
الضيف: وهي داخلةٌ في موضوع الإحسان الذي ذكرناه قبل قليلٍ.
المحاور: والصاحب ساحب.
التعليق على الاستفتاء
الضيف: أما الاستفتاء حقيقةً فأنت تتوقع الآن من خلال هذه العينة العشوائية -والتي كانت فوق السبعمئة- أن 50% كانوا تحت المتوسط، ما بين منخفضٍ ومنخفضٍ جدًّا، وهذه نسبةٌ كبيرةٌ، وهذا يُفسر لماذا اخترنا هذا الموضوع؟
للسؤال الذي ذكرته أنت في البداية -جزاك الله خيرًا-، وحقيقةً الحاجة إليه ماسَّةٌ جدًّا، وهو مطلبٌ وحاجةٌ أساسيةٌ.
ولاحظ الأرقام؛ لأني عندما سألتُ عن الأرقام كنتُ أتوقع أكثر من هذا حقيقةً.
المحاور: أنا انصدمتُ.
الضيف: لكن القضية حقيقةً تحتاج إلى مراجعةٍ، فحتى 43% صحيحةٌ للمتوسط عندما نحسب المتوسط مع ما فوقها من نفس المجموعة، لكن النسبة ليست مرضيةً، وهذا ما يجعلنا ندعو حقيقةً إلى العناية بمطالب السعادة واتِّخاذ الوسائل المفيدة لتلك الحياة السعيدة.
الاشتغال بالأعمال المفيدة
المحاور: لعلنا يا دكتور نُسلط الضوء أيضًا على الجوانب العملية، مثل: قضية الانشغال بالعمل المفيد، كما قلنا: إحسان الدكتور عبدالرحمن السميط -رحمة الله عليه-، وأنه ذهب إلى أفريقيا، واشتغل بعملٍ مفيدٍ وخدمةٍ للآخرين.
فصحيحٌ أن الأعمال المفيدة هي من باب الإحسان دائمًا، وأيضًا فيها إشغالٌ للنفس عن المُنَغِّصات والنَّكد.
الضيف: وهذه هي الوسيلة الثالثة المهمة: أن يشغل الإنسان نفسه حتى يَسْعَد، ويشغل غيره إذا أراد أن يُسْعِد غيره بأي شيءٍ من قولٍ أو عملٍ نافعٍ ومفيدٍ.
وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، وتتطلب أن نعرف الأمور التي تُساعد في قضية سعادتي، واترك الأشياء الواجبة، مع أنها مهمةٌ، لكن هناك ابتلاءٌ للإنسان، والرسول قال: حُفَّت الجنة بالمكاره[33]أخرجه مسلم (2822).، فالإنسان يُمارس ما أوجبه الله عليه وهو يشعر أنه يُجاهد نفسه، وليس بتلك السعادة التي قال عنها أحد السلف الصالح: "جاهدتُ نفسي عشرين سنةً" حتى يخشع في الصلاة، فأصبح يخشع في الصلاة بعد ذلك عشرين سنةً أخرى، أو قريبًا من ذلك.
هذه المُجاهدة مطلوبٌ أن ننتبه لها، فإن البعض قد يقول: والله ما أشعر بنفسي أني أُحافظ على الصلاة كما يُحافظ عليها غيري، أو عندما أقرأ القرآن، أو في مُمارسة الدعوة، أو الإحسان إلى الآخرين، أو بِرّ الوالدين، أو صِلة الرحم، بل بالعكس أذكر شخصًا كان يُصلي مُنفردًا، وليس في الجماعة، ولما تحرَّينا وضعه وجدناه يقول: أنا أشعر بسعادةٍ حينما أُصلي مُنفردًا. فهل هذا طبيعيٌّ؟
نقول لأحدهم: لماذا لا تَصِلْ رحمك؟
قال: أنا أتشوَّش عندما أذهب لصِلة الرحم!
هل هذا أمرٌ طبيعيٌّ؟
هذا ليس أمرًا طبيعيًّا، بل هو أمرٌ خاطئٌ وسلبيٌّ، وهناك فرقٌ بين كون الرحم المُعيَّنين هناك إشكاليةٌ معهم، فهذه لها حالةٌ معينةٌ، ولكن أن يكون هذا منهجًا للإنسان ألا يَصِل رحمه، بل ويشعر براحةٍ حينما لا يَصِل الرحم! فهذا خطيرٌ جدًّا؛ ولذلك نقول: هذه نفهمها ابتداءً حتى نضبط القضية التي نقولها؛ وهو أن يشغل نفسه بشيءٍ يُحبه من قولٍ أو علمٍ أو عملٍ.
إن كنت تُحب أن تقرأ في السيرة أو القصص المفيدة النافعة فاقرأ، ولا تقرأ شيئًا لا تميل إليه نفسك، ولديك وقتك الحالي، فعندما تُمضيه -مثلًا- في إنجاز مهمةٍ مُرتبطةٍ بالقضايا المالية، والتي تميل نفسك إليها وتضبطها وما يتعلق بها، وبتنمية مواردها، فاذهب بنفسك إلى هذا الجانب.
لديك مهنةٌ أو حرفةٌ معينةٌ، وتُحبُّ أن تصنع مثل هذا الخشب، أو قائمًا للأوراق أو الكتاب، إذن قُمْ بهذا.
أنت تُحبُّ أن تشتغل في قضية التقنية والبرمجيات، اشتغل في هذا.
أنت تُجيد التصاميم.
أَمْضِ وقتك في شيءٍ مفيدٍ ونافعٍ من قولٍ أو عملٍ أو علمٍ يُنتفع به، فهذه بحدِّ ذاتها -سبحان الله!- تُذْهِب ماذا؟
المحاور: الكآبة والحزن والهواجس.
الضيف: قضايا الوقوف مع النفس، والتفكير في قضايا لا داعي لها.
ولاحظ يا أخي الكريم ما حصل بين الصحابة من المهاجرين والأنصار عندما تَلَاحَوا، فالنبي أشغلهم بالمشي، ولم يتعرض للمشكلة -بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام-، بل جعلهم يمشون في الظهيرة حتى أنهكهم التَّعب بسبب الشمس، فلما وصلوا إلى المكان المطلوب لم يكن لهم إلا أن يناموا ويرتاحوا، فنسوا وذهب ما كان موجودًا من قبل[34]ينظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (2/ 290- 292)..
وأنا أقول: إن هذا الإشغال هو مهارةٌ عُلْيَا جدًّا؛ أن تشغل قومًا أو مجتمعًا، وتُؤثر في الآخرين كما فعل النبي ، وكما قال الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجِدَه | مَفْسَدَةٌ للمرء أي مفسده[35]البيت لأبي العتاهية. ينظر: "لباب الآداب" للثعالبي (ص172). |
فإذا كان الفراغ موجودًا ولم يشغل الإنسان نفسه ستذهب به يمنةً ويَسْرةً، والحل أن نضع أيدينا بأيدي هؤلاء الشباب حتى يمضوا ويشغلوا أوقاتهم بالمفيد والنافع؛ فيشعروا بالسعادة.
وكنتُ أقول عن شخصٍ: هذا لا يمكن أن يقرأ. ثم عندما وجَّهناه إلى القراءة قال: وجدتُ سعادتي فيها.
وما كنتُ أتوقع منه ذلك، فقد كان يُحب الرياضة فقط، وعندما حضر محاضرةً أو دورةً تدريبيةً قال: أنا محرومٌ من هذا الشيء.
إذن فتح هذه القضايا وما يتعلق بها، وإشغال النفس بها، هو من ألذِّ ما يكون، ومما يُساعد الإنسان حقيقةً على الاستفادة من وقت فراغه.
وأُؤكد في نهاية هذه الوسيلة على أهمية أن يبحث الإنسان عن قُدراته وميوله، فإن القُدرة إذا عملت من غير ميولٍ ستتعطل، والميل إذا اشتغل من غير قُدرةٍ لن يُفلح، فانظر ما تستطيع أن تفعله وما تميل إليه، فإذا اجتمع الاثنان ستكون نتيجة الإشغال عظيمةً جدًّا، وفيها متعةٌ.
وأنت تجد اثنان يعملان في نفس الوظيفة، وتخرجا من نفس التخصص، وهما في نفس الشركة، أو العمل، أو المؤسسة، أو الوزارة، ولكن الأول مُستمتعٌ، والآخر غير ذلك، مع أن الخبرة والسنوات واحدةٌ، والسبب في ذلك -وعندي تَحَرٍّ- يرجع إلى مُوافقة الميول والقدرات وما يتعلق بها، وخاصةً مثال الميول.
المحاور: نحن تكلمنا عن الإيمان، والإحسان إلى الخلق، وأن يشتغل الإنسان بعملٍ أو علمٍ مفيدٍ.
الاهتمام بالحاضر وإنجاز الأعمال الحالية
الضيف: الوسيلة التي سنتحدث عنها الآن هي ما يرتبط بالجانب الزمني، واهتمام الإنسان بوقته الحاضر الذي يُمثّل ماذا؟ الماضي أم المستقبل؟
المحاور: الوقت الذي يعيش فيه الآن.
الضيف: ما وقتك الحاضر الذي أنت فيه معي؟
المحاور: جالسان في البرنامج.
الضيف: لو أخذتك لشيءٍ بيني وبينك بالأمس، أو وأنا قادمٌ معك إلى (الاستديو) سينتقل الوقت الحاضر إلى ماضٍ، وهو قد انتهى وتخلصنا منه، واضحٌ؟
خاصةً عندما نتكلم عن الشيء الذي سيُوجد لك الهموم والغموم، فإن الله قضى على هذا الوقت بالانقضاء.
حسنًا، ماذا عن المستقبل؟ وكيف سأشغل ذهني به؟
المحاور: عن طريق الهمِّ.
الضيف: كأن أقول: لدي حلقةٌ في الأسبوع القادم، ماذا ستكون النقاط؟ وما النقطة الفلانية؟ أو مَن سيكون المُداخل؟
سأشغل نفسي بهمٍّ لا داعي له، والمستقبل بيد الله .
إذن ما المطلوب مني ومنك حتى نُحقق السعادة؟
المحاور: أن نُنْجِز أعمالنا.
الضيف: الحالية.
وانظر إلى حديث النبي فهو -والله- من أجمل ما يكون، هذا الحديث العظيم: احرص على ما ينفعك واستعن بالله؛ لأننا ضُعفاء نحتاج إلى عون الله ، ثم قال: ولا تعجز.
إذن فلدينا كسلٌ وعجزٌ، لكن أنت تستطيع بما لديك من قُدرةٍ، فانتبه أن تقول: أنا عاجزٌ.
وإذا أصابك شيءٌ فلا تَقُل: لو أني فعلتُ كذا كان كذا وكذا، ولكن قُلْ: قدر الله وما شاء فعل، فإن "لو" تفتح عمل الشيطان[36]أخرجه مسلم (2664)..
فالرسول يؤكد على إنجاز ما ينفع في الوقت الحاضر، وهذه لها علاقةٌ بالوسيلة السابقة: البحث عن الأشياء المُفيدة.
المحاور: احرص على ما ينفعك.
الضيف: نعم، البحث عن الأشياء المفيدة النافعة، وإشغال النفس بها، دون إشغال الذهن بالماضي أو بالمستقبل؛ لأنني إذا أشغلتُ ذهني بالماضي فإن الحاضر سيُصبح ماضيًا، وإذا أشغلتُ ذهني بالمستقبل سيُصبح الحاضر ماذا؟
المحاور: ماضيًا.
الضيف: لا، هو في المستقبل أيضًا، ولكن ليس بين أيدينا، فنحن لم نُنْجِز الوقت الحاضر، وبالتالي أصبح لا شيء، ولا قيمةَ له؛ ولذا حتى يكون الإنسان عمليًّا عليه أن يربط بين الوسيلة الثالثة: الاشتغال بالمُفيد النافع، وهذه الوسيلة التي معنا: أن تحجب ذهنك عن التفكير في الماضي أو المستقبل ما دامت لديك الآن مهمةٌ في الوقت الحالي.
وسأُعطيك مثالًا لشخصٍ اتَّصل بي قريبًا -أظنه أمس أو قبل أمس- وقال لي عن شخصٍ: إنه يقعد ويُحاسِب نفسه على أشياء مَضَتْ، ويقول: ليتني فعلتُ كذا أو كذا.
ولاحظتُ عندما سألتُه عن عمر هذا الشخص أنه ليس صغيرًا، فقد كان العمر فوق الستين، ومع ذلك بدأت ترد عليه هذه القضية، وتدخل عليه هذه الأشياء، وهي: أن يُحاسِب نفسه على الماضي.
هل تتوقع من هذا الرجل أن يُمْضِي وقته الحاضر في المُفيد النافع؟
لا، ولكن صاحبه الذي يتحدث عنه يقول: إن القضية تضغط عليه، ونحن نريد أن نعرف: كيف يستطيع أن يتخلص من هذه القضية؟
فأنا أوصيتُه بقراءة "الوسائل المفيدة في الحياة السعيدة" للشيخ عبدالرحمن بن سعدي، وكذلك أَحَلْتُه إلى عيادةٍ نفسيةٍ لأحد المُختصين؛ ليستفيد من هذه القضية.
فلذا على الإنسان أن يحرص على ما ينفعه.
المحاور: الله المستعان.
كان الحديث ماتعًا في الحقيقة يا دكتور، ونحن أخذنا بعض الأسباب، وما زالت لدينا وسائل أخرى كثيرةٌ، ولعلها -إن شاء الله- تكون في اللقاءات القادمة؛ لأهميتها حقيقةً، وحاجتنا وحاجة المجتمع لها.
نتمنى من أعزائنا المشاهدين والمشاهدات الاستمرار في مُتابعة هذه الحلقات، وأن تكون هناك مُشاركاتٌ عبر وسائل التواصل المُعلنة دائمًا.
ونشكر سعادة الدكتور خالد بن أحمد السعدي على ما قدَّم، ونسأل الله أن ينفع بعلمه، وأن يُبارك في مثل هذه الأُطروحات.
شكرًا لمُتابعتكم أعزائي المشاهدين والمشاهدات، وشكرًا لفريق العمل العاملين معنا في قناة "زاد العلمية"، ونلقاكم في حلقةٍ قادمةٍ -بإذن الله - وأنتم في صحةٍ وأمنٍ وإيمانٍ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | البيت للحطيئة. ينظر: "الأمالي" لأبي علي القالي (2/ 202)، و"الحماسة البصرية" لأبي الحسن البصري (2/ 67). |
---|---|
↑2 | "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة" (ص12). |
↑3 | أخرجه البخاري (7، 51)، ومسلم (1773). |
↑4 | أخرج البخاري (6595) ومسلم (2646) -واللفظ للبخاري- عن أنس بن مالكٍ ، عن النبي قال: وَكَّلَ الله بالرحم مَلَكًا، فيقول: أي ربِّ، نُطْفةٌ، أي ربِّ، عَلَقَةٌ، أي ربِّ، مُضْغَةٌ، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: أي ربِّ، أَذَكَرٌ أم أُنْثَى؟ أشقيٌّ أم سعيدٌ؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيُكْتَبُ كذلك في بطن أُمِّه. |
↑5 | أخرج البخاري (4048) ومسلم (1903) -واللفظ للبخاري- عن أنسٍ : أن عمَّه غاب عن بدرٍ، فقال: غِبْتُ عن أول قتال النبي ، لَئِنْ أَشْهَدَنِي الله مع النبي لَيَرَيَنَّ الله ما أُجِدُّ. فلَقِيَ يوم أُحُدٍ، فهُزِمَ الناس، فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني: المسلمين-، وأَبْرَأُ إليك مما جاء به المشركون. فتقدَّم بسيفه فلَقِيَ سعد بن معاذٍ، فقال: أين يا سعد؟! إني أَجِدُ ريحَ الجنة دون أُحُدٍ. فمضى فقُتِلَ، فما عُرِفَ حتى عرفتْه أختُه بشَامَةٍ أو ببَنَانِه، وبه بِضْعٌ وثمانون من طعنةٍ وضربةٍ ورَمْيَةٍ بسهمٍ. |
↑6 | أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (7/ 370)، والبيهقي في "الزهد الكبير" (80). |
↑7 | قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "قال بعض الشيوخ: لقد كنتُ في حالٍ أقول فيها: إن كان أهل الجنة في الجنة في مثل هذا الحال إنهم لفي عيشٍ طيبٍ". "مجموع الفتاوى" (10/ 647). |
↑8 | "مدارج السالكين" لابن القيم (1/ 452). |
↑9 | روى ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" (1/ 293) أن رجلًا قال للإمام أحمد: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: "عند أول قدمٍ يضعها في الجنة". |
↑10 | أخرجه مسلم (34). |
↑11 | أخرجه البخاري (16)، ومسلم (43). |
↑12 | أخرجه مسلم (43). |
↑13 | أخرجه أبو بكر الدينوري في "المُجالسة وجواهر العلم" (222)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (2/ 357). |
↑14 | أخرجه أحمد في "الزهد" (1283) عن هرم بن حيان. |
↑15 | أخرج ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" (1/ 92) عن إبراهيم الحربي قال: "يقول الناس: أحمد بن حنبل بالتَّوهم، والله ما أعرف لأحدٍ من التابعين عليه مزيةً، ولا أعرف أحدًا يُقدره قدره، ولا نعرف من الإسلام محلَّه، ولقد صحبتُه عشرين سنةً صيفًا وشتاءً، وحرًّا وبردًا، وليلًا ونهارًا، فما لقيتُه لقاةً في يومٍ إلا وهو زائدٌ عليه بالأمس". |
↑16 | أخرجه أحمد (14037)، والنسائي (3940)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3124). |
↑17 | أخرجه أحمد (23088)، وأبو داود (4986)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (1253). |
↑18 | أخرجه البخاري (1904)، ومسلم (1151) واللفظ له. |
↑19 | أخرج أبو بكر الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (155) عن أبي سليمان الداراني أنه قال: "أهل الليل في ليلهم ألذُّ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببتُ البقاء". |
↑20 | أخرج أحمد في "مسنده" (1445) من حديث سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله : من سعادة ابن آدم ثلاثةٌ، ومن شِقْوة ابن آدم ثلاثةٌ؛ من سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح. ومن شِقْوة ابن آدم: المرأة السُّوء، والمسكن السُّوء، والمركب السُّوء، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1914). |
↑21 | ذكره ابن حجر في "المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية" بلا نسبةٍ لقائلٍ، وبلفظ: والدعاوى إذ لم يُقيموا عليها *** بيناتٍ أصحابها أدعياء. ولم أقف على قائله. |
↑22 | أخرجه مسلم (2999). |
↑23 | قال ابن الجوزي في "صيد الخاطر" (ص411): "هِمَّة المؤمن مُتعلقةٌ بالآخرة، فكل ما في الدنيا يُحركه إلى ذكر الآخرة، وكل مَن شغله شيءٌ فهِمَّته شغله. ألا ترى أنه لو دخل أرباب الصَّنائع إلى دارٍ معمورةٍ رأيتَ البَزَّاز ينظر إلى الفَرْش، ويَحْزِر قيمته، والنَّجار إلى السقف، والبَنَّاء إلى الحيطان، والحائك إلى النَّسْج. والمؤمن إذا رأى ظُلْمةً ذكر ظُلْمَة القبر، وإن رأى مُؤلمًا ذكر العِقاب، وإن سمع صوتًا فظيعًا ذكر نفخة الصور، وإن رأى الناس نِيَامًا ذكر الموتى في القبور، وإن رأى لذَّةً ذكر الجنة؛ فهِمَّته متعلقةٌ بما ثَمَّ، وذلك يشغله عن كل ما تَمَّ". |
↑24 | قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (11/ 233): "لمَّا أورد الغزاليُّ حديثَ المُسْتَوْرِد في الإحياء عَقَّبَه بأن قال ما مُلَخَّصه: اعلم أنَّ مَثَلَ أهل الدنيا في غفلتهم كمثل قومٍ رَكِبُوا سفينةً فانْتَهَوا إلى جزيرةٍ مُعْشِبَةٍ، فخرجوا لقضاء الحاجة، فحَذَّرَهم المَلَّاحُ من التَّأخر فيها، وأمرهم أنْ يُقِيموا بقدر حاجتهم، وحذَّرهم أن يُقْلِعَ بالسفينة ويتركهم. فبَادَر بعضهم فرجع سريعًا، فصَادَفَ أحسن الأمكنة وأوسعها فاسْتَقَرَّ فيه. وانقسم الباقون فِرَقًا: الأولى استغرقتْ في النظر إلى أزهارها المُونِقَة، وأنهارها المُطَّرِدَة، وثمارها الطيبة، وجواهرها ومعادنها، ثم استيقظ فبَادَرَ إلى السفينة، فلَقِيَ مكانًا دون الأول؛ فَنَجَا في الجملة. الثانية كالأولى، لكنها أَكَبَّتْ على تلك الجواهر والثِّمار والأزهار، ولم تسمحْ نفسُه لتركها؛ فحَمَلَ منها ما قدر عليه، فتَشَاغَلَ بجَمْعِه وحَمْلِه، فوَصَلَ إلى السفينة فوجد مكانًا أضيق من الأول، ولم تسمحْ نفسُه برَمْي ما اسْتَصْحَبَه، فصار مُثْقَلًا به، ثم لم يَلْبَثْ أن ذَبَلَت الأزهار، ويَبِسَت الثِّمار، وهَاجَت الرياح، فلم يجدْ بُدًّا من إلقاء ما اسْتَصْحَبَه حتى نَجَا بحُشَاشَةِ نفسه. الثالثة تَوَلَّجَتْ في الغِيَاضِ، وغَفَلَتْ عن وصية المَلَّاح، ثم سَمِعُوا نداءه بالرحيل، فمَرَّتْ فوَجَدَت السفينة سارتْ، فَبَقِيَتْ بما اسْتَصْحَبَتْ في البَرِّ حتى هَلَكَتْ. والرابعة اشْتَدَّتْ بها الغفلةُ عن سماع النداء، وسارت السفينة، فتَقَسَّمُوا فِرَقًا: منهم مَن افْتَرَسَتْه السِّباع، ومنهم مَن تَاهَ على وجهه حتى هلك، ومنهم مَن مات جوعًا، ومنهم مَن نَهَشَتْه الحيَّاتُ. قال: فهذا مثل أهل الدنيا في اشتغالهم بحُظُوظهم العاجلة وغَفْلَتهم عن عاقبة أمرهم". |
↑25 | أخرجه البخاري (7). |
↑26 | قصيدة الطلاسم في ديوان إيليا أبو ماضي (ص191). |
↑27 | قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "الفتاوى الكبرى" (6/ 617): قال أبو عبدالله الحسن بن العباس الرستمي: حكى لنا الإمام أبو الفتح محمد بن علي الطبري الفقيه قال: دخلنا على الإمام أبي المعالي الجويني نعوده في مرضه الذي مات فيه بنيسابور، فأُقْعِد، فقال لنا: "اشهدوا عليَّ أني رجعتُ عن كل مقالةٍ قلتُها أُخالف فيها ما قال السلف الصالح -عليهم السلام-، وأني أموتُ على ما يموت عليه عجائز نيسابور". |
↑28 | أخرج ابن حبان في "صحيحه" (723) عن أبي موسى الأشعري قال: أتى النبيُّ أعرابيًّا فأكرمه، فقال له: ائْتِنَا، فأتاه، فقال له رسول الله : سَلْ حاجتَك، قال: ناقةٌ نركبها، وأَعْنُزٌ يحلبها أهلي. فقال رسول الله : أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟ قالوا: يا رسول الله، وما عجوز بني إسرائيل؟ قال: إن موسى لما سار ببني إسرائيل من مصر ضلُّوا الطريق، فقال: ما هذا؟ فقال علماؤهم: إن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا مَوثِقًا من الله ألَّا نخرج من مصر حتى ننقل عِظامه معنا. قال: فمَن يعلم موضع قبره؟ قال: عجوزٌ من بني إسرائيل. فبعث إليها، فأتته، فقال: دُلِّيني على قبر يوسف. قالت: حتى تُعطيني حكمي. قال: وما حكمك؟ قالت: أكون معك في الجنة. فكَرِهَ أن يُعطيها ذلك، فأوحى الله إليه: أن أَعْطِها حكمها. فانطلقتْ بهم إلى بحيرةٍ -موضع مُستنقع ماء- فقالتْ: أَنْضِبوا هذا الماء. فأَنْضَبوه، فقالت: احْتَفِروا. فَاحْتَفَروا فاستخرجوا عظام يوسف، فلما أَقَلُّوها إلى الأرض وإذا الطريق مثل ضوء النهار. وصححه الألباني في "التعليقات الحسان" (721). |
↑29 | "أخلاق العلماء" (ص51). |
↑30 | أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (13646)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (906). |
↑31 | ديوان المبتدأ والخبر (تاريخ ابن خلدون) (ص54). |
↑32 | أخرجه أحمد (8417)، وأبو داود (4833)، وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (927). |
↑33 | أخرجه مسلم (2822). |
↑34 | ينظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (2/ 290- 292). |
↑35 | البيت لأبي العتاهية. ينظر: "لباب الآداب" للثعالبي (ص172). |
↑36 | أخرجه مسلم (2664). |