المحتوى
مقدمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أسعد الله مساءكم أعزائي المشاهدين والمشاهدات، ويتجدد اللقاء بكم حول الطريق إلى السعادة، ومع سعادة الدكتور خالد بن أحمد السعدي، فأهلًا وسهلًا بك.
الضيف: حيَّاكم الله، ومرحبًا بكم.
المحاور: حقيقةً حلَّقنا وسعدنا في اللقاء الماضي مع نقاطٍ كانت جميلةً جدًّا، ومُداخلاتٍ وإضافاتٍ رائعةٍ وجميلةٍ حول الإيمان، والعمل الصالح، والإحسان إلى الخلق، والاشتغال بالأشياء المفيدة من أعمالٍ أو علومٍ، وجمع الفكر على العمل في الحاضر، وقد كان مجالًا جميلًا جدًّا لتحقيق السعادة في حياة الإنسان، ونتمنى أن نصل لطريق السعادة في نقاطٍ جديدةٍ معكم يا دكتور، فتفضل.
الضيف: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أستاذي الكريم، أَلْفِت نظر الإخوة المشاهدين والمشاهدات إلى أن العلَّامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي -رحمة الله عليه- قد أَلَّف رسالةً عظيمةً جدًّا، وهي موجودةٌ على الشبكة العنكبوتية، وتُرْجِمت إلى لغاتٍ عديدةٍ وكثيرةٍ، وطُبِعت كثيرًا، وهي: "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة"، ونحن نستفيد كثيرًا في هذه الحلقات مما ذكره.
من اللفتات الرائعة جدًّا: أنه أثناء زيارته للبنان للعلاج قُدِّمتْ له نسخةٌ من كتاب "دع القلق وابدأ الحياة" للباحث (ديل كارنيجي)، فكانت الرسالة حقيقةً إيجابيةً ومُؤثرةً بالنسبة له، ثم قام ليَصُوغ هذه الرسالة باسم: "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة".
ومن جميل ما ذكر: أنه كان هناك شخصٌ مريضٌ -يبدو أنه كان من أرض الجزيرة- في مستشفى لبنان، ويُعالج منذ سنتين من قضايا نفسيةٍ، فأُهديتْ له نسخةٌ من كتاب "دع القلق وابدأ الحياة" عن طريق الشيخ، ولم يكن الشيخ قد ألَّف رسالته هذه بعد.
المهم أن الشيخ اقتنع بالكتاب كثيرًا، بل ذكر لي ابنه -العم محمد، ختم الله له بخيرٍ- أنه قرأ الكتاب مرتين، وربما أكثر.
وستجدون أن هناك أمورًا مُشتركةً بين كتاب "دع القلق وابدأ الحياة" ورسالة الشيخ، ولكن النَّفَس الموجود في الرسالة بلا شكٍّ يُوضح أن الشيخ -في الغالب- في كل وسيلةٍ أو في كثيرٍ من الوسائل كان يُرجع القضية إلى الفارق الذي بيننا وبين غيرنا من غير المسلمين؛ وهي قضية الإيمان وما يتعلق به، وهذه قضيةٌ فارقةٌ جدًّا، وقد حُرم (ديل كارنيجي) منها، مع جودة ما قدَّم في هذا الكتاب، لكنه حُرم مثل غيره، كما ذكرنا في قصة هرقل مع أبي سفيان، وكيف أنه حُرم أيضًا؟!
فنحن نحتاج حقيقةً إلى وقفاتٍ كبيرةٍ جدًّا في مثل هذا الأمر.
ذِكْر الله سبيلٌ من سُبُل السعادة
نُكْمِل المسير في قضية الذكر، وأظن أن اللفتة هنا واضحةٌ جدًّا، ولكن تحتاج إلى شيءٍ من التفعيل في حياتنا: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، وهذا نصٌّ صريحٌ وواضحٌ عن أهمية السير في الاتجاه المُتعلق بذكر الله ، وما ورد في الأذكار من هدي النبي عمومًا من ذكرٍ مُطلقٍ، فيكون لسانك كما جاء في حديث عبدالله بن بُسْر -رضي الله عنه وأرضاه- قال: يا رسول الله، إن شرائع الإيمان قد كَثُرَتْ عليَّ.
سبحان الله! يتصور الواحد منَّا أنه إذا كَثُرَتْ عليه التكاليف فإنه سيطلب التيسير والتَّخفيف، ولكن انظر يا أستاذ أنور إلى نفوس الصحابة العظيمة -رضوان الله عليهم أجمعين- قال: "دُلَّني على شيءٍ أَتَشَبَّث به"، فهو يُدرك أن هناك قضايا وأسرارًا معينةً يُدركها النبي من خلال الوحي ستُساعده على قضية التَّحمل.
وكما ذكر ابن القيم في كتابه "الوابل الصيب من الكلم الطيب" فوائد عديدةً جدًّا إلى درجة القضايا المعنوية والجسدية، كما في قصة النبي مع علي بن أبي طالب وفاطمة لما أرادا أن يأتيا بخادمٍ، فقال: ألا أَدُلُّكما على ما هو خيرٌ لكما من خادمٍ؟ إذا أخذتُما مضاجعكما فسَبِّحَا الله ثلاثًا وثلاثين، واحمدا الله ثلاثًا وثلاثين، وكَبِّرَا الله أربعًا وثلاثين، فهو خيرٌ لكما من خادمٍ أو كما قال النبي [1]أخرجه البخاري (5361)، ومسلم (2727)..
نعود إلى حديث عبدالله بن بُسْرٍ: بعد أن قال الرجل: قد كَثُرَتْ عليَّ شرائع الإيمان، فدُلَّني على شيءٍ أَتَشَبَّثُ به. فقال : لا يزال لسانك رَطْبًا من ذكر الله[2]أخرج الترمذي (3375) عن عبدالله بن بُسْرٍ: أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كَثُرَتْ عليَّ، فأخبرني … Continue reading.
والله يا أستاذ أنور، أنا أذكر سماحة الشيخ العلَّامة عبدالعزيز بن باز -رحمة الله عليه، وسأتحدث عن الذين لقيتهم وكنتُ أسعد بلقياهم- وقد كنت أزوره في البيت وأتغدَّى أو أتعشَّى معه مع بعض الفُضلاء أو الأبناء، فتجده -سبحان الواحد الأحد!- يذكر الله وهو جالسٌ، يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمد الله، بل عندما تسمع برنامج "نور على الدرب" تجد هذه القضية ظاهرةً بين الأسئلة، وسكتاته كلها ذِكْرٌ لله ، وهذا من توفيق الله : أن يكون الإنسان فعلًا بمثل هذه المثابة، وستظهر القضية أكثر في موضوع الأدعية، بإذن الله .
فنحن نحتاج إلى تعويد أنفسنا على الذكر كما قال بعض السلف.
المحاور: حتى قضية الاستشعار والتَّمعن في كلمات الذكر تفتح لك بابًا إلى السعادة، لكن القضية يا دكتور أن بعض الناس يذكر -ما شاء الله!- بلسانه وكأنه يَهُزُّه وليس أكثر، بل أسرع من هَزِّ الشعر، فهل هذا مُؤثرٌ؟
الضيف: هذه القضية عند أهل العلم الأفذاذ على أية حالٍ، لكن -والله تعالى أعلم- حينما يكون الإنسان مُعتادًا على الذكر بهذه المثابة فهي عادةٌ حسنةٌ، مع جانب إدراك قضايا الأذكار وما شابه ذلك؛ حتى لا يتصور البعض أن القضية فيها صعوبةٌ، وأنني حينما أذكر الله سأقف أو سأفعل عند كل شيءٍ، مع أن فضل الله واسعٌ.
وأنا في تصوري أن مَن لديه هذا الجانب فغالبًا يكون لديه جانبٌ من التَّمعن والاستشعار في أحوالٍ معينةٍ، وخاصةً حينما تكون القضية مُرتبطةً بأحوال الذكر بعد الصلاة، وعند النوم، وما شابه ذلك، ولكن فيها مؤشرٌ أيضًا لقضية أنه مُعلَّقٌ بالله .
المحاور: صحيحٌ؛ ولذلك يمكن أن نُنبه إلى ما ذكره العلماء من أن أعظم الذكر هو قراءة القرآن وتدبره.
الآن يا شيخنا عرفنا أن ذكر الله سبيلٌ للاطمئنان، وهو البوابة الكبرى للسعادة، فهل هناك أسبابٌ أخرى؟
الضيف: لا شكَّ، ونحن ما زلنا في هذه الأسباب حتى الآن.
عند وقوع النِّقَم تذكر النِّعَم
مشكلة السعادة أن نقيضها هو الشقاء والتعاسة، والهموم، والغموم، والأكدار، وأنه لم يسلم أحدٌ من الخلق من هذا أبدًا، بل إن النبي -وهو أشرف الخلق- قال الله في حقِّه: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ [الكهف:6]؛ ولذلك فإن من الوسائل المهمة جدًّا: أن يتذكر الإنسان عند الكدر ما يُقابل ذلك من النِّعَم، وهذا مهمٌّ جدًّا في مُجاهدة أنفسنا، وألا نقف أو نسترسل عند مواقف التعاسة والشقاء، وأظلُّ أُفكر فيما أنا فيه من أسباب الهموم، وأغوص فيها.
ولا يقول قائلٌ: إن هذا رغمٌ عنه.
فقد قلنا: إنه لا بد من المُجاهدة، فهي التي تُفرق بينك وبين غيرك، والله قال عن هذه القضية: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، فنحن نحتاج ألا نسترسل في الهموم وما يتعلق بها، وأن نُفكر فيما يُقابلها من النِّعم.
بالله عليك عندما نتمعن في النِّعم إلى ماذا سنصل في الغالب؟
المحاور: الاطمئنان، والسعادة، والرضا بقضاء الله، وأن الله أعطاني الكثير.
الضيف: عطاء الله، وسيظهر لك أن ميزان النِّعم أكثر من ميزان الهموم، فأنت ربما خسرتَ مالًا، ولكن لديك صحةٌ، وبيتٌ، وأولادٌ، وهي نِعَمٌ كثيرةٌ لا تُحْصَى.
المحاور: وبِرّ الأبناء بك.
الضيف: نعم هي كثيرةٌ يا أخي، فهذا الميزان مهمٌّ جدًّا، وتجده هو الغالب، فلماذا نُركز على القليل ونسترسل فيه حتى يُصبح ميزانه أكثر، ونترك حقيقة الأمر من أنه ماذا؟
المحاور: قليلٌ.
وكذلك قصة عروة بن الزبير تُبين هذا يا دكتور؛ فإنه لما قُطعت قدمه، ومات ولده، فلما أفاق ذكروا له، وقالوا: كيف نُحدِّث عروة بن الزبير؟
لأنه رجلٌ مؤمنٌ، فعزُّوه في رِجْله وفي ولده، فتبسم وقال: الحمد لله، لئن أعطاني الله أربعة أعضاء فقد أخذ واحدًا وأبقى لي ثلاثةً[3]أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب "المرض والكفارات" (141) عن المغيرة بن مطرف أنه قال: وفد عروة بن الزبير على الوليد بن … Continue reading.
وهذا يا دكتور -إن صحَّ التعبير- هو من النظر للمكاسب، وأن رأس المال محفوظٌ، وأنه يملك نِعَمًا كثيرةً، فلن ينظر لواحدٍ من أربعةٍ، ويُضيع حياته على واحدٍ فقده، وقد بقي لديه ثلاثةٌ، ثم قال عن ولده: أعطاني الله سبعةً من الولد، وأخذ مني واحدًا[4]أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (10631)..
الضيف: والخنساء -رضي الله عنها- مثالٌ ظاهرٌ جدًّا قبل الإسلام وبعده؛ في جاهليتها عندما أتاها خبر موت أخيها، وفي الإسلام أتاها خبر موت أبنائها الأربعة، فهل هي نفسها -رضي الله عنها- في جاهليتها وبعد إسلامها؟
تغير موقفها.
المحاور: نعم، تغير قبل الإسلام وبعده بسبب الإيمان.
الضيف: أولًا: في الجاهلية يظهر الاتجاه إلى الاسترسال في الحزن ومصدره، والهموم، والغموم ... إلى آخره.
الثاني تجد أنه لا، تألقت قضية الأجر والفضل والخيرات، وأن الله لا يُقدر شرًّا مَحْضًا، بل يُخْرِج منها أمورًا خيرةً.
وحقيقةً انظر إلى ما صنعته هنا، فما الذي غيَّر الخنساء؟
الإسلام هو الذي غيَّرها.
المحاور: إذن الإسلام يُؤثر في طريقة التفكير، ويجعله إيجابيًّا، وطريقة النظر للحياة تكون إيجابيةً؛ ولذلك -سبحان الله!- لم تتحسر الخنساء على موت أولادها؛ لأنهم سبقوها إلى الجنة، إلى الحياة الأبدية، وهكذا المؤمن لا يندم على ما فاته من الدنيا، فإن ما عند الله خيرٌ وأبقى.
الضيف: إذن الوعاء الذي كانت فيه الخنساء في الجاهلية في قصة موقفها من أخيها كان سعادةً أم تعاسةً؟
المحاور: تعاسةٌ، وحزنٌ، وألمٌ شديدٌ.
الضيف: في مقابل الموقف الثاني الذي كان سعادةً، بل إنها تشعر بأن أبناءها كذلك في سعادةٍ وهم قد غادروا الحياة، وهذا من أجمل ما يكون يا أخي الكريم.
ونحن نحتاج إلى مثل هذه المواقف التي هي سهلةٌ من حيث الجانب التَّنظيري المفهومي، وإنما الكلام في جانب تفعيل إرادة الإنسان في قُدرته على عدم الاسترسال في الأوهام والأكدار، وإنما فتح قناةٍ أخرى.
والله -يا شيخ- لو أخذ ورقةً وبدأ يذكر نِعَم الله فإنه سيجد نِعَمًا كثيرةً.
يا أخي، لو حدَّث نفسه وخاطبها حقيقةً: لماذا أجلس في 5% أو 10% وأجعلها كأنها 90%؟! وبعضهم ربما يعيش في مشكلته 100%!
فهذه نقطةٌ مهمةٌ جدًّا حقيقةً، ونحن نحتاج إليها.
النظر إلى مَن هو أسفل منك في مُتَع الحياة
قضيةٌ أخرى نحن نحتاجها بشدةٍ وهي: النظر إلى مَن هم دوننا.
المحاور: يعني: في أمور الحياة.
الضيف: في الرزق، والعافية، والصحة، والنبي يقول في الحديث: انظروا إلى مَن هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى مَن هو فوقكم؛ فإنه أجدر ألا تَزْدَروا نعمة الله عليكم[5]أخرجه مسلم (2963)..
المحاور: اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، ما شاء الله!
الضيف: هذا موقفٌ رائعٌ جدًّا من الإنسان حينما يجعل ميزانه بهذه الصورة.
هل لاحظتَ انقلاب الموازين عند الناس؟ ولماذا يشقى البعض؟
فهو يرى الأحسن منه في الرزق والعافية ... إلى آخره، وهذا لا ينتهي، وسيجد ملايين ممن هم أكثر منه في الرزق، وأكثر منه في العافية، إذن سيُتعب نفسه، والله يقول: وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ [طه:131].
إذن فلا نُشْغِل هذه الحواس بالأمور الفوقية الدنيوية، فإن هذه هِباتٌ، وقد تكون ابتلاءاتٍ، فلننتبه إلى هذه القضية.
ولكن هل هذا يعني ألا أنظر لمَن هو فوقي في أمورٍ أخرى؟
لا، بل أحتاج إلى أن أنظر لمَن هو فوقي فيما يصلح الاقتداء به من المعالي وأمور الدين، والصبر، والاحتساب، والقيم؛ حتى أجعل من هذا الذي أنظر إليه قُدوةً أقتدي بها.
أخي الكريم، الله يقول: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26]، وهذا حقيقةً هو المعيار الشرعي والنبوي المُتعلق بقضايا الرزق والصحة وما شابه ذلك: أن تنظر إلى مَن هو أسفل منك حتى تقول: الحمد لله.
وهذه لها علاقةٌ بالتي قبلها؛ لأنها نعمةٌ بحدِّ ذاتها، ونحن ذكرنا منذ قليلٍ في وسيلة العناية بتذكر النِّعَم: أنني خيرٌ من غيري.
حسنٌ، فهل يصلح أن يقول شخصٌ: إن من النِّعم أنني على الأقل أُصلي في بيتي، وغيري لا يُصلي؟
المحاور: لا يصلح هذا في جانب الطاعة والعبادة والقُرب من الله .
الضيف: وسنأتي إلى قضية الاقتداء في الواجبات.
ولاحظ -يا حبيبنا الكريم- أن النجاح في التربية هو حينما نجعل ميزان النظر إلى مَن هو أعلى في مجال الاقتداء على ما يريده الله ، والنظر إلى مَن هو أسفل يكون في الأمور المتعلقة بقضايا الرزق والصحة وما شابه ذلك، فإن سلكنا هذا المسلك سنرتاح ونسعد، لماذا؟
لأنني في الأمر الأول سأحاول أن أرتقي لأكون مثل فلانٍ قدر المُستطاع، وسأطرق الأمور الطيبة والخيِّرة، والتي فيها التنافس: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26]، وهذا مع أهمية ضبط النفس في هذا الجانب؛ لأن بعض النفوس قد يكون عندها شيءٌ من الحساسية من قضية الحسد، ويأتي الإيمان هنا ليضبط هذه القضية.
والجانب الثاني: أن يقول: الحمد لله، أنا خيرٌ من غيري، وقد أعطاني الله ووهب لي. وما شابه ذلك.
فهذا -حقيقةً- من الأسباب الجالبة للسعادة يا أخي: أن تنظر في القضايا المتعلقة بالرزق إلى مَن هو دونك، وهكذا يذهب همُّك، وتُرزق الطمأنينة، مع أنك -سبحان الله!- تُلاحظ انعكاس الموازين والاهتمامات.
فنريد أن نُربي أنفسنا وأجيالنا على الاهتمامات الصحيحة؛ لأنها لو عكست فإن اهتماماتنا العالية ستكون مُتعلقةً بالرزق والقضايا الدنيوية ... إلى آخره، وأما القضايا الثانية فستُهْمَل، أو ستكون أقلَّ من ذلك، بل سيتولد من انعكاس الموازين أنه سيتطلع لأن تأتيه الوظيفة جاهزةً بدون تعبٍ!
أعرف أناسًا يستدينون لأجل شراء أفخم السيارات؛ لأنه رآها عند صديقه، أو زميله، أو غيره ممن لا يعرفه، فإذا دخل في هذا الدهليز هل سيكون في سعادةٍ؟
لا، بل إن هذا زيادة همٍّ بلا شكٍّ، حتى لو كان المظهر الخارجي جميلًا.
المحاور: والمديون في همٍّ بالليل وذُلٍّ بالنهار، نسأل الله السلامة والعافية.
السعي في إزالة أسباب الهموم
لعل هذا يا دكتور يُدخلنا في قضيةٍ أخرى وهي: السعي في إزالة أسباب الهموم والغموم.
الضيف: صحيحٌ.
عمومًا -يا شيخ- لو أمسك كل واحدٍ منَّا قائمةً الآن -أنا وأنت والجمهور- فنحن نستطيع أن نضع مجموعةً من القضايا الجالبة للهموم وإدراكها والاتفاق عليها، صحيحٌ أم لا؟
المحاور: نعم.
الضيف: وكذا تستطيع فعل هذا في جانب السرور والسعادة، صحيحٌ أم لا؟
المحاور: نعم.
الضيف: بالضبط، إذن باختصارٍ شديدٍ جدًّا: ماذا عليَّ أن أعمل؟
المحاور: أتمسَّك بأسباب السعادة، وأبتعد ...
الضيف: أفتح لنفسي باب الاجتهاد في أسباب السعادة، وأبتعد عن ماذا؟
المحاور: أسباب النَّكد والشَّقاء.
الضيف: ولو اقتربتُ من أسباب النَّكد والشَّقاء فلن أُصيب طريقي أبدًا.
وسأُعطيك مثالًا: عندما يجتمع إنسانٌ بشخصٍ يعرف أنه مصدر إزعاجٍ بالنسبة له، ويستشيط غضبًا منه، فنحن في قضية العلاج المُتعلق بضبط انفعال الغضب نُمارس أسلوبًا هو: أنك إذا كنتَ في مرحلة العلاج، وكنت لا تملك غضبك؛ فلا تذهب إليه وتُقابله.
أعرف مَن أُصيب بالهمِّ والغمِّ حينما دخل في دهاليز الأخبار، إذن لماذا تتوسع في هذا؟!
وهناك مَن سلك عكس ذلك وارتاح، وقال: خففتُ من الأخبار وحسابات التواصل الاجتماعي، ووجدتُ سعادةً غامرةً.
وأنت تعرف يا شيخ أن الدراسات الغربية دلَّت على ذلك، وأذكر إحدى الدراسات الأمريكية التي دلَّت على أن زيادة مستوى القلق يتساوى مع الانهماك في وسائل التواصل الاجتماعي، فكلما زادت وسائل التواصل الاجتماعي زاد القلق.
فإذا كنتُ أعرف أن هذه القضية موجودةٌ فعليَّ أن أخفض منها.
وأنا جربتُ شيئًا من محاولة الترشيد في وسائل التواصل الاجتماعي ووجدتُ أثر ذلك من السرور وراحة البال.
وهنا سنعود -يا أخي- إلى وسيلةٍ سابقةٍ ذكرناها وهي: وسيلة الإشغال بالمفيد في الوقت الحاضر: احرص على ما ينفعك[6]أخرجه مسلم (2664).، وألا نشغل أنفسنا بقلقٍ من القادم، أو خوفٍ من الماضي.
المحاور: والحسرة والندامة.
الضيف: والذي تعوَّذ منه الرسول فقال: اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحَزَن[7]أخرجه البخاري (2893)..
فعلاقة قضية هذا الموضوع هي: أن من أكبر أسباب الهموم والغموم: التفكير في المستقبل والوقوف عنده والاسترسال فيه، ومن أكبر أسباب ذلك: النظر إلى الماضي.
وأذكر شابًّا في السادسة والعشرين من عمره اتَّصل يستشيرني، وكان به من الإحباط والضيق ما الله به عليمٌ، ويقول: أنا أريد أن أتزوج وأعدل وضعي، لكنني لن أستطيع!
انظر كيف حكم على نفسه بأنه لن يستطيع؟!
لماذا يا فلان؟
قال: أنا كل شيءٍ تتصوره قد فعلتُه؛ مما كدَّرني وأوجد لي الهمَّ، وأصبحتُ كلما فكرتُ -انظر للعبارة- كثيرًا في الماضي لا أستطيع إلا أن أقول: إني لن أتغير! ولا يمكن أن يقبل الله توبتي! بل ولن يقبل أحدٌ تزويجي!
إذن فهو يعيش في هذه البيئة السالبة المُرتبطة بمُخالفة أوامر الله ، والله يقول: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53]، قال: لَا تَقْنَطُوا، وهذا الرجل وضع عقباتٍ بسبب أنه وقف عند ماضيه، ولكن -يا أخي- الماضي مهما كان فالتوبة تَجُبُّ ما قبلها، وهذا من رحمة الله بالنفس البشرية.
المحاور: سبحان الله العظيم!
التفكير في الماضي والاستغراق فيه يُورث الحزن والنَّكد والحسرة.
الضيف: مع أن هذا الشابَّ قد عفا الله عنه بتوبته.
وأنا سأُعطيك مثالًا آخر، وانظر -سبحان الله العظيم!- إلى رحمة الله بالإنسان، فقد قيل: سُمِّي الإنسان إنسانًا لكثرة نسيانه، وهذا من الأوجه التي ذُكرت، فلو تصورنا إنسانًا لا ينسى كيف سيكون حاله؟!
فمن رحمة الله بالإنسان أن جعله كثير النسيان؛ حتى يكون هناك فتحٌ لباب التوبة، وألا يقف عند الأسباب التي تجلب له الهموم والغموم؛ لذا عليه أن يخرج منها بأسباب السعادة ويحرص عليها، وما أجمل الإنسان فعلًا!
وأنا أقول: حتى لو كان يُمارس الرياضة في هذه اللحظة؛ لأنه يعرف أن الرياضة مصدرٌ لسعادته الآن، وأنه لو جلس ربما أتى بمصدرٍ من مصادر التعاسة، فهو في هذه الرياضة على خيرٍ كبيرٍ.
ونحن نقول لأصحاب الرياضات والحريصين عليها: اجعلوا هذه القضايا في أذهانكم، وأنكم تقومون بإجراءٍ إيجابيٍّ للنفس البشرية، واستحضروا هذه القضايا وما يتعلق بها.
المحاور: صحيحٌ، ولا تجلس وتشغل نفسك بالهمِّ، وعندك شيءٌ يجلب لك السعادة.
الضيف: وأنت تعرف ذلك، ومُختصٌّ في هذا المجال المُتعلق بقضية الرياضة والمشي وأثر ذلك على إفراز هرمون السعادة، وتقليل هرمون التعاسة، كما ثبت في علم (الفسيولوجي) ووظائف الأعضاء.
المحاور: لعل في هذه النقطة -التي هي إزالة أسباب الهمِّ- نذكر المثال الدَّارج على ألسنة الناس ونقول: سبحان الله! هذا سببٌ من أسباب العلاج: "الباب الذي يأتيك منه رِيحٌ سدَّه واستَرِحْ"، وكذلك: بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [القيامة:14]، فالإنسان ينظر إلى وسائل تجلب له السعادة فيُباشرها، ويترك أسباب التعاسة.
الضيف: ذكرتني بقاعدةٍ قديمةٍ أعود إليها وأُؤكد عليها دائمًا يا شيخ، وهي نفيسةٌ جدًّا، ألا وهي: قاعدة التَّخلية قبل التَّحلية، فأين التَّخلية في هذه الوسيلة؟
المحاور: سدّ الباب المُوصل إلى المشاكل.
الضيف: نعم، وعدم الخوض في هذه الأسباب الجالبة للهموم والغموم، والتحلية في أن تغمس نفسك: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز[8]سبق تخريجه.، فإن البعض يجلس مُتفرجًا يا شيخ.
نماذج للسعداء
المحاور: لدينا مُداخلةٌ مع فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن إبراهيم الحمد، أستاذ العقيدة الإسلامية في جامعة القصيم.
أهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم يا فضيلة الشيخ.
المتصل: حيَّاكم الله، وأهلًا وسهلًا ومرحبًا.
الضيف: مرحبًا بك يا شيخنا.
المحاور: أسعدتنا بحضورك الصوتي معنا اليوم، وكلنا شوقٌ إلى سماع مُداخلتكم الكريمة.
وابتداءً نحن نشكركم يا سعادة الشيخ على نتاجكم العلمي ومُشاركاتكم العلمية المتنوعة، ونخصُّ بالشكر مُؤلَّفكم الجديد الذي نزل وهو شرح "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة" للشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي، فجزاكم الله خيرًا، ونفع بعلمكم، وزادكم من فضله.
ونريد من فضيلتكم إثراء لقاءنا اليوم بنماذج من السعداء، فنحن نتكلم عن الطريق إلى السعادة.
المتصل: بارك الله فيكم، وتقبل دعاءكم.
سمعتُ كلامكم الأخير، والسعادة -كما تفضلتم- هي ينبوعٌ من القلب حقيقةً، وليست هاطلًا يهطل من السماء.
والسعادة إذا استدعيتها أتتك، والهموم إذا استدعيتها أقبلتْ عليك إقبال الليل إذا يغشى.
والعاقل هو مَن يستدعي سعادته؛ ولهذا فإن الإمام الشافعي -وهو نموذجٌ من نماذج السعادة- يُعطينا وصفةً عظيمةً فيقول:
سهرتْ أعينٌ ونامتْ عيونُ | في أمورٍ تكون أو لا تكونُ |
فادرأ الهمَّ ما استطعتَ عن النَّفسِ | فحِمْلَانُك الهمومَ جنونُ |
إنَّ ربًّا كفاكَ بالأمس ما كان | سيَكْفِيكَ في غدٍ ما يكون[9]ديوان الإمام الشافعي (ص147). |
السعادة هي سعادة الأنبياء، فمع ما مرُّوا به من الابتلاءات العظيمة إلا أن قلوبهم مطويةٌ على السعادة والسكينة، ولو استعرضنا ما كان من شأنهم لطال بنا المقام.
وفي سورة الأنبياء وغيرها: إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ [هود:56]، فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ [هود:55]، فيُعطينا هذا أن المخاطر مُحيطةٌ بهم من كل جانبٍ، فموسى كان أمامه البحر، ويقول أصحابه: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61]، فيقول: كَلَّا [الشعراء:62] مع غاية السكينة.
والنبي -عليه الصلاة والسلام- وهو في الغار ومع ذلك تتنزل السكينة.
لاحظ: في الغار: لَا تَحْزَنْ [التوبة:40]، فالحزن يُفتت القلب، إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، المعية الخاصة المُقتضية للنُّصرة، والتأييد، والكلاءة، والرعاية.
وموسى أول ما أرسله الله كان نموذجًا لمَن عانى من الهمِّ والخوف الكثير، مع أنه من أُولي العزم، ومن أشجع البشرية، ومع ذلك لم يُذْكَر الخوف في القرآن كما ذُكِرَ في سيرة موسى: إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا [طه:45]، فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ [الشعراء:21]، ثم قال الله: قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46].
وأول دعوةٍ دعاها موسى: قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي [طه:25- 27].
لاحظ: اشْرَحْ لِي صَدْرِي، فانشراح الصدر هذا من أعظم الأمور المهمة.
وكذلك أتباع الأنبياء كان لهم قدرٌ ونصيبٌ من السعادة؛ ولذلك يقول ابن تيمية: "إنَّ في الدنيا جنةً مَن لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة"[10]"الوابل الصيب من الكلم الطيب" لابن القيم (ص48)..
وتجد السعادة عند العلماء وعموم الناس من المسلمين ممن عندهم الرضا، واليقين، والقناعة، والأخذ بالأسباب، والرضا بما يكون لهم، فتجدهم من أسعد الناس.
وتجد المجموع في بعض الأوقات التي يزيد فيها الإقبال على الله يزيد معها البِرُّ والإحسان ومُقتضيات السعادة: كرمضان، فإنك تجد الناس سعداء، وقلوبهم مُتآلفةٌ، ولكن كلما ابتعد الإنسان عن السعادة ابتعدت عنه، فهي جوهرةٌ نفيسةٌ، لكنها أرخص ما تكون إذا طلبتَها.
ولهذا أضرب لكم مثالًا من سعادة العلماء: يقول أحد علماء الشافعية:
لأسرار آيات الكتاب معاني | تــــــدقُّ فلا تبــــدو لـــكـــل مُـــعــــانِ |
إذا بارقٌ منها لقلبي قد بدا | هممتُ قرير العين بالطيران[11]البيتان لتقي الدين السبكي. ينظر: فتاوى السبكي (1/ 67). |
ويقول الزمخشري -وانظر كيف يُبين لك السعادة؟-:
سهري لتنقيح العلوم ألذُّ لي | من وَصْل غانيةٍ وطِيب عِناقِ |
انظر له وهو يَعُدُّ ملذَّات الدنيا:
وألذُّ من نَقْر الفتاة لِدُفِّها | نَقْري لأُلْقي الرَّمل عن أوراقي |
وصرير أقلامي على صفحاتها | أحلى من الدّوكاةِ والعشاقِ |
الدّوكاة والعشاق: ضربٌ من ضروب الموسيقى.
وتمايُلي طربًا لحلِّ عويصةٍ | في الدَّرس أشهى من مُدامة ساقِ |
وأبيتُ سهران الدُّجَى وتبيتَه | نومًا وتَبْغِي بعد ذاك لِحَاقِي![12]ينظر: "علو الهمة" لمحمد إسماعيل المقدم (ص168). |
وابن الوزير اليماني الذي قد عبَّر بأحسن ما تصل إليه الفلسفة -والتي غايتها القصوى هي الحكمة والسعادة- ببيتٍ من ألطف ما يكون فقال:
ومن كَمُلَتْ فيه النُّهى لا يَسُرُّه | نعيمٌ ولا يرتاعُ للحَدَثانِ[13]ينظر: "العواصم والقواصم في الذَّبِّ عن سنة أبي القاسم" (9/ 370). |
ولو قال: "لا يَغُرُّه" لكان أحسن.
يقول: مَن كَمُلَ عقله لا يطغى، ولا يبطر، ولا يرتاع لما يكون.
وعبدالعزيز بن زرارة الكلابي -وهو التابعي الجليل، والذي كان رمزًا للسعادة، وقد توفي بالعشرين من عمره- يقول:
قد عِشْتُ في الدهر أطوارًا على طرقٍ | شتَّى فلاقيتُ منها اللينَ والبَشِعَا |
كُلًّا بَلَوتُ فلا النَّعماءُ تُبْطِرُني | ولا تَخَشَّعْتُ من لَأْوَائِها جزعا |
لا يملأ الهول قلبي قبل وَقْعَتِهِ | ولا أضيقُ به ذرعًا إذا وقعا[14]"ديوان المعاني" لأبي هلال العسكري (1/ 88). |
الخوف الآن يذبح الناس، مع أن الماوردي يقول: "إن الأغلب من الخوف مدفوعٌ"[15]"أدب الدنيا والدين" (ص289).، فكم خفتَ في الحياة، فماذا حصل؟
ما حصل لك شيءٌ، وخشيتَ من الموت، فالآن كم بلغتَ ولم تمت؟ وخشيتَ من المرض، فلما أتاك المرض لم يقتلك؛ ولذا فإن الخوف من الشيء أشدُّ من الشيء، ويقولون: إن الخوف من الشرِّ أشدُّ من الشر. وكما قال الأول:
ورُبَّ أمورٍ لا تَضيرك ضيرةً | وللقلب من مَخْشَاتِهِنَّ وجيبُ[16]البيت لضابئ بن الحارث البرجمي. ينظر: "نواهد الأبكار وشوارد الأفكار = حاشية السيوطي على تفسير البيضاوي" لجلال … Continue reading |
هو الشيطان يتسلط: لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا [المجادلة:10]، فحزنك هو غايته، ولكن المعركة سِجالٌ، وعلى الإنسان أن يتعود على أن يُسْعِد نفسه، ومما تَسْعَدُ له نفسُك أن تُسْعِد غيرك: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن:60]، وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ [سبأ:39]، حتى وأنت في غاية التعاسة إذا أسعدتَ غيرك فالله يُسْعِدك، ويقولون: من أحكم ما قالته العرب:
ولربما ابتسم الكريم من الأذى | وفؤاده من حرِّه يتأوَّه[17]ينظر: "شعب الإيمان" للبيهقي (9625). |
إذا أسعدتَ غيرك أسعدك الله؛ لأن الله بيده كل شيءٍ، فهي أسبابٌ وأمورٌ تحتاج إلى فعلٍ منك وإرادةٍ وحركةٍ.
وانظروا إلى الأطفال الصغار، هل رأيتهم في الملعب يومًا يركضون وهم يبكون؟ بل يضحكون، ولكن تأتي إلى بعض المصحَّات النفسية فتجد كل واحدٍ يضع رأسه بين ركبتيه حزينًا وقلقًا، لكن لو ذهب ومشى ...
النبي -عليه الصلاة والسلام- لما فعل به أهل الطائف ما فعلوا تعرفون أنه ذهب إلى قرن المنازل مشيًا بمسافةٍ تُقدّر بأربعين كيلو.
إذن فعلى الإنسان أن يفعل السبب ولا يجلس، مثلما تفعل مع المرض، فإذا آلَمَكَ أحد الأضراس وجلستَ سيزيد الألم، لكن لو ذهبتَ للطبيب، ورأيت إن كان يحتاج إلى خلعٍ فيُخْلَع، أو إلى تنظيفٍ فيُنظَّف.
كذا إذا أتاك الهمُّ فِرَّ منه، واستعذ بالله من شرِّه، وأنت ترى أن السيرة النبوية ما فيها أيُّ رسالةٍ سلبيةٍ أو شيءٍ يدعو للحزن.
ومن الغلط أن بعض مَن يكتب في السيرة عن النبي يقول أنه كان مُتواصل الأحزان، لا، بل كان أشرح الناس صدرًا، وتلوح في عينيه نظرةٌ كل مَن رآها أحبَّه؛ ولذا كان أعداؤه من المشركين يُحذِّرون من رؤيته؛ لأن الإنسان إذا رآه انشرح صدره.
وأظن أني أفرطتُ في الحديث.
المحاور: الله يُسعدك يا دكتور، والله الحديث شيقٌ وجميلٌ، ولقد حلَّقنا معك في سماء السعادة، وكنَّا من السعداء، فالشكر لله -جلَّ وعلا- ثم لفضيلتكم على هذا الطرح الجذَّاب الجميل، والنماذج المُشرقة.
هل من تعليقٍ يا سعادة الدكتور؟
الضيف: لا تعليق، فجزاه الله خيرًا، وشكر الله له، ولا عطرَ بعد عروسٍ.
المحاور: اليوم أخذنا عددًا من الأسباب، وانشرح الصدر مع فضيلة الشيخ: محمد الحمد، جزاه الله خيرًا، ونريد أقوى الأسباب والسُّبُل للطريق إلى السعادة.
من أسباب السعادة: الدعاء
الضيف: حقيقةً الدعاء هو عنوان اللجوء إلى الله ، وارتكان الإنسان إلى الركن الشديد وهو الله .
وأنا أستغرب جدًّا من الإنسان الذي يريد أن يبحث عن أهم شيءٍ لديه وهو أبعد ما يكون عن الله !
فإن الواحد منَّا عندما يُصاب بأزمةٍ معينةٍ يجد نفسه يلجأ إلى الله، وحتى الكافر: دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [يونس:22]، فإنه يُخلص لله في وقت الأزمة.
ونحن السعادة عندنا هي قضية القضايا، فلا بد أن نحرص على الدعاء.
وانظر إلى قول النبي : اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خيرٍ، واجعل الموت راحةً لي من كل شرٍّ[18]أخرجه مسلم (2720)..
فكل الاحتمالات قد أتى بها النبي بلجوئه إلى الله ودعائه أن يكون خيرًا له في كل الأحوال: في حياته، وموته، ودنياه، ومعاشه، وآخرته.
ونحن حين ترتبط نفوسنا بالله فنحن بلا شكٍّ قد قُمنا بتربيتها.
حينما يقول الإنسان: اللهم أعِنِّي، اللهم أسعدني، اللهم ربِّي أبعد عني ما أشعر به؛ يزداد الإنسان: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62].
ولاحظ -يا أخي الكريم- قول الله وكلامه: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ، فلماذا لا نُري الله من أنفسنا خيرًا ونحن بأَمَسِّ الحاجة إلى هذه السعادة؟!
اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عينٍ، ولاحظ هنا أن الذي يبتعد عن الدعاء يُوكَل إلى نفسه طرفة العين هذه: فلا تكلني إلى نفسي طرفة عينٍ، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت[19]أخرجه أحمد (20430)، وأبو داود (5090)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3388)..
أخي الأستاذ أنور، على العبد أن يضع كلَّ شأنه وحاله في عناية الله ورحمته، وهذا مُلخص هذه القضية أو الوسيلة.
وأنا أقول: ما الوقت الذي ستستغرقه منَّا هذه البضاعة؟
هي تحتاج إلى هذا الدافع القلبي؛ لأنها من أعمال القلوب التي يُترجمها اللسان حقيقةً بلجوئه إلى الله ، وهي تحتاج إلى مزيدٍ من هذه العناية، فما أجمل النبي وهو رافعٌ يديه في غزوة بدرٍ حتى سقط رداؤه من كتفيه عليه الصلاة والسلام! وهو النبي المُؤيد .
كيف نستطيع أن نُحقق السعادة ونحن بعيدون عن الله ؟!
عنوان: الدعاء هو العبادة كما جاء في الحديث[20]أخرجه أحمد (18352)، وأبو داود (1479)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3407).، فهو العبادة وعينها وحقيقتها.
وضع أسوأ الاحتمالات
من الوسائل الأخرى: احتمال أو تقدير أو وضع أسوأ الاحتمالات.
المحاور: أن تكون نفسه مُستعدةً.
الضيف: كلمة "مُستعد" هذه هي أن نُوطِّن أنفسنا، فأنت تُوطن نفسك الآن أنك ربما لن تُقْبَل بهذه الوظيفة، فلا تجعل نفسك تعيش وتسترسل بأنك مقبولٌ، ولا تسترسل في أنك تريد أن تُحقق درجة الامتياز المُعينة التي في ذهنك في الاختبار، وطِّن نفسك وَضَعْ أسوأ الاحتمالات.
ما فائدة توطين النفس -مثلًا- في قضية الزواج؟
المحاور: تخفيف الألم والحزن.
الضيف: أولًا: هذا من فوائد التوطين، فعندما أُوطِّن نفسي تكون قضية الصدمة أقلَّ وأخفَّ، وأمتصُّ الصدمة؛ لأنني قد هيَّأتُ نفسي.
المحاور: وبالتأكيد سيضع بدائل أخرى ينجح فيها.
الضيف: يا سلام عليك!
وهذه هي القضية المتعلقة بأنه سينجح فيها، وأنه سينظر إلى: كيف يستطيع أن يبتعد عن أسوأ الاحتمالات وما يتعلق بها؟ وكيف يستطيع أن يُخفف من هذه الاحتمالات؟
بل حتى فيما يتعلق بقضية اتِّخاذ القرار عندما يذكرون البدائل وما يتعلق بها يقولون: اختبار البدائل، ماذا نعني؟
أنني سأنظر إلى هذه البدائل، فإذا كانت لدي ثلاثة بدائل أو خيارات فأنا سأختبر البديل الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، فإذا وجدتُ نفسي ربما لو أخذتُ هذه القضية سأصل إلى القرار السليم، فإنني حتى لو فشلتُ أو لم أنجح في القرار الأول.
المحاور: سأُعيد العملية مرةً أخرى.
الضيف: هل أنا أُعتبر الآن فاشلًا؟
أبدًا، بل أنا ناجحٌ في الحقيقة؛ لأني استطعتُ أن أتجاوز هذا الخيار إلى الذي بعده؛ ولذا فإن ممارسة هذه القضية مهمةٌ جدًّا؛ لأنها تُهيئ للنفس أن تتقبل ما سيكون، ثم الأمر الذي سيكون بعد ذلك هو بيد الله ، فالحمد لله.
المحاور: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51].
الضيف: بالضبط، الحمد لله، وحينما يقول الإنسان: الحمد لله، ثم يقول: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فهو من أجمل ما يكون؛ ولذلك قال الرسول : إنما الصبر عند الصدمة الأولى[21]أخرجه البخاري (1283)، ومسلم (926)..
وكل واحدٍ منَّا يختبر نفسه في الفروقات، فما أجمل أن نقولها نظريًّا! ولكن ما أصعبها حين تأتي في المَحَكِّ!
ولاحظ أن هناك أناسًا لا تأتي لهم صدمةٌ إلا ويكون الصبر في وقته، حيث تأتيه الصدمة فيقول: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، إنما الصبر عند الصدمة الأولى فعلًا.
وشخصٌ آخر تجد أنه يتأخر، فلما يُنبَّه يستدرك، وشخصٌ آخر تجد أنه قد يذكرها مُتأخرًا، أو لا يذكرها أبدًا.
فنحن نحتاج إلى مثل هذه المعاني العظيمة.
وهذا حقيقةً أنا أعتبره من جميل ما يمكن أن نَصُبَّ فيه مصائب الدنيا، وخاصةً عندما تضيق الخيارات علينا: كالقضايا المالية، وضيق فرص الوظائف، فأستطيع ألا تكون هذه الأمور مصدرًا للتعاسة بأن أُقدِّر أسوأ الاحتمالات، حتى إذا لم يتيسر هذا الأمر فإني أقول: الحمد لله على كل حالٍ، وكفى، ثم أنظر للخيار الذي بعده، وأنا أحاول أن أُخفف من ذلك قدر ما يُستطاع، ومن وسائل التخفيف: الدعاء، وذكر الله ، وما شابه ذلك من أمورٍ.
من أسباب السعادة: العناية بأعمال القلوب
أستاذي الكريم، من الوسائل المهمة قضية القلب؛ لأنه مصدر الراحة أو الانزعاج.
المحاور: كما قال الشيخ: هو الينبوع.
الضيف: صحيحٌ، هو الينبوع، فانزعاج القلب وانفعاله أو راحته هذا الأساس؛ لذلك قال الرسول : ألا وإن في الجسد مُضْغَةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجسد كله، وإذا فسدتْ فسد الجسد كله، ألا وهي القلب[22]أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599)..
أستاذي الكريم، أتوقع الآن أني في الوسيلة الحادية عشرة: العناية بأعمال القلوب، وهي قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، فإن الكثيرين منَّا يهتمون بالقضايا الشكلية والسلوكيات الظاهرية، لكن هناك شيءٌ عندنا في الشرع وفي منهجنا الإسلامي -وهو مهمٌّ جدًّا- يُسمى: أعمال القلوب، والتي بها يحيا القلب، فهي العبادات القلبية من التوكل على الله، ومحبته، ورجاء ما عند الله، والخوف منه .
ولاحظ أن هذه كلها عباداتٌ، وكلها في القلب، فهي من أعمال القلوب.
ولابن القيم كتابٌ مشهورٌ وعظيمٌ جدًّا في ثلاث مجلداتٍ: "مدارج السالكين بين منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]"، تحدث فيه عن منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، كما ذكر عن الهروي أننا نحتاج إلى هذه المقامات.
وتُلاحظ أنه لما تكلم عن الخوف قال: الخوف من الله، وليس من الوظيفة، أو الإنسان، أو المستقبل المجهول، إنما الخوف من الله الذي لو عَمُرَ القلب بهذه القضية فستتلاشى كل أنواع المخاوف الأخرى، وعندما تكون محبة الله عبادةً قلبيةً ستضعف بقية المحابِّ الأخرى التي قد تُنازع محبة الله .
والإنسان الذي يريد أن يُربي نفسه على أعمال القلوب سيقرأ في قضايا الجنة والنار وأعمال القلوب.
المحاور: تعني: أن هذه الأشياء هي التي تُساعدنا في تقوية القلب؟
الضيف: وهناك كتابٌ رائعٌ جدًّا للشيخ خالد بن عثمان السبت عن أعمال القلوب، والكتاب مطبوعٌ، وقلنا: إن هناك "مدارج السالكين"، وهناك "مختصر تهذيب مدارج السالكين"، وكتابٌ آخر مأخوذٌ من "مدارج السالكين"، وهو رائعٌ جدًّا.
ونحن بأَمَسِّ الحاجة إلى العناية بمثل هذه القضايا التي ترتبط بقضية إحياء القلوب والنظر في عبادة القلب التي ينظر إليها الله ، فإذا كان الناس يرونك في الصلاة شكلًا، فالذي هو داخل قلبك يراه الله ، فأنت قد تُصلي ولكن الخشوع هو عبادةٌ داخل القلب نفسه.
من أسباب السعادة: الرضا واليقين والتفاؤل
المحاور: معنا مُداخلةٌ من الأستاذ الدكتور: أسامة عطا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: أهلًا وسهلًا ومرحبًا بك يا أستاذي الكريم، تفضل.
المتصل: أهلًا بالشيخ وبكم، وحفظكم الله، وبارك فيكم.
وأشكر لكم هذا الطرح المُتميز في هذه الحلقة الطيبة، ولعلي أُخبرك بثلاث خطواتٍ حرصتُ حرصًا شديدًا على أن تتضمن المواقف الحياتية لكل مسلمٍ، وهذه الخطوات هي: الرضا، اليقين، التفاؤل.
الرضا يتمثل في الرضا بقضاء الله ، وهذا لا شكَّ أنه من أسباب السعادة، فإذا نزلت بالمسلم نازلةٌ كدَّرتْ صفو حياته، وكانت سببًا في حزن قلبه، فإن الرضا يمحو هذا الكدر، ويُحيله إلى سعادةٍ واطمئنانٍ.
اليقين بأن ما وقع هو الخير؛ لأن الله لا يُقدِّر إلا الخير، فإن تخطَّى مرحلة الرضا إلى مرحلة اليقين أدرك أن ما قدَّره ربُّه له هو الخير؛ لأن الله يُحبُّ عباده، ولا يُقدِّر لهم إلا ما يُحبه الحبيب لمحبوبه.
والخطوة الثالثة هي: حُسن الظنِّ بأن القادم أفضل، وحُسن الظنِّ بالله تعالى وبقضائه وقدره؛ ولذلك من الدعاء: اللهم أجُرْني في مصيبتي، وأَخْلِف لي خيرًا منها[23]أخرجه مسلم (918).، فهذا الدعاء يتضمن الرضا واليقين والتفاؤل والتطلع إلى ما هو قادمٌ، وأن الله لن يخذل عبده، وسوف يُقدِّر له كل خيرٍ بإذن الله.
هذه هي منظومة السعادة التي ينبغي أن تكون نموذجًا في حياة كل مسلمٍ ومؤمنٍ.
المحاور: أسعدك الله، وشكرًا لك يا دكتور أسامة عطا على هذه المُداخلة القَيِّمة.
الضيف: حفظه الله.
ولعلنا نختم هذه الوسيلة بالكتاب المهم الذي ذكرتُه وقلتُ: إنه كتابٌ نفيسٌ في موضوع أعمال القلوب، وهو كتاب "الإكسير"، وهو مختصرٌ لكتاب "مدارج السالكين".
كيف تُقوِّي قلبك؟
نعود لموضوع تقوية القلب يا أستاذ أنور، فقد قلنا: العناية بأعمال القلوب، والعناية بالعلم الشرعي الذي يُعطيك المسار الحقيقي وما ينبغي أن يكون عليه الإنسان، مثلما تحدثنا الآن وقرأنا هذه الرسالة وغيرها من الرسائل التي تُوجهنا إلى الطريق الصحيح للسعادة، فإن العلم عندما يكون صحيحًا ...، ولا شكَّ أنه إذا كان من الوحي فهو أصل العلم، فمهمٌّ جدًّا أن نُدرك كيف نستطيع أن نسلك الطريق في أعمال القلوب؛ حتى نبتعد عن المسالك المُنحرفة؟
دفع الشبهات والأفكار اللاعقلانية -يا أستاذي الكريم- قضيةٌ من القضايا المهمة جدًّا، ومن قوة القلب أن يطرح الإنسان الشبهة والأشياء اللاعقلانية، ويكون قويَّ القلب في عدم قبولها أبدًا؛ لأن القلب هو المُوجِّه، والعقل هو المُدرك، ونحن نحتاج إلى هذه القضايا خاصةً في زمن الشبهات الذي لو استسلم الإنسان فيه لهذه الإرادات حصلت له الانتكاسة والتعاسة.
أخي الكريم، الشجاعة من قوة القلب، وانظر إلى موقف النبي وقت الحرب، فإنه كان أول مَن يتقدم، وكذلك وقت الخوف عليه الصلاة والسلام.
وانظر إلى موقف أبي بكر الصديق عند وفاة النبي ، وفي حرب المُرتدين.
المحاور: الثَّبات.
الضيف: وما حصل من أبي بكر الصديق مع النبي في الغار: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40].
هذه هي قوة القلب يا أخي، فعلينا أن نتربَّى على هذه القضية، وأن نتعلق بالله.
من أسباب السعادة: التوكل على الله
وهنا يأتي دور الوسيلة التي بعدها -باختصارٍ شديدٍ- وهي: التوكل على الله ، قال الله : وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3].
المحاور: جزاك الله خيرًا يا دكتور، ونفع الله بكم وبعلمكم، ورزقنا الله وإياكم والسادة المشاهدين والمشاهدات وإخواننا هنا والمسلمين والمسلمات السعادة في الدنيا والآخرة.
وفي الختام لا يَسَعُنا إلا أن نشكركم على ما قدَّمتم من هذا العلم الطيب، ونشكر المُداخلين معنا الذين أَثْرَوا هذا اللقاء، ونشكر فريق العمل العامل في قناة "زاد"، ونتمنى أن نلقاكم في حلقاتٍ قادمةٍ.
وسنُكمل في حلقةٍ قادمةٍ -بإذن الله - الطريق إلى السعادة في برنامجكم "أُسس التربية"، ونسأل الله أن يُوفقنا وإياكم لما يُحب ويرضى.
نلقاكم -إن شاء الله- وأنتم آمنون، مطمئنون، سالمون، مسلمون.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | أخرجه البخاري (5361)، ومسلم (2727). |
---|---|
↑2 | أخرج الترمذي (3375) عن عبدالله بن بُسْرٍ: أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كَثُرَتْ عليَّ، فأخبرني بشيءٍ أَتَشَبَّث به. قال: لا يزال لسانك رَطْبًا من ذِكْر الله، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1491). |
↑3 | أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب "المرض والكفارات" (141) عن المغيرة بن مطرف أنه قال: وفد عروة بن الزبير على الوليد بن عبدالملك ومعه خمسةٌ من بَنِيه ... فضَرَبَتِ البغلةُ أكبر بَنِيه -وهو محمدٌ- فمات، ووقعتْ في أُصْبُعٍ من أصابع رِجْل عروة الأُكْلَةُ، فقيل له: ... إنْ لم تقطع السَّاقَ صارتْ إلى الفَخِذ ... قال: اقْطَعُوها. قالوا: نَسْقِيك ما يُذْهِب عقلك حتى لا تجد ألمَ القطع. قال: لا، دَعُوا لي ما أسجد عليه. فتركوا له العظم الذي أسفل من الرُّكْبة ونشروها بمنشارٍ، ثم حَسَموها، فما تكلَّم، ولا تَأَوَّه ... ثم يقول: لَئِنْ كنتَ ابْتَلَيْتَ لقد عافيتَ، ولَئِنْ كنتَ أخذتَ لقد أَبْقَيْتَ، أخذتَ واحدًا وتركتَ أربعةً -يعني: بَنِيه- وأخذتَ واحدًا وتركتَ ثلاثةً، يعني: جوارحه. |
↑4 | أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (10631). |
↑5 | أخرجه مسلم (2963). |
↑6 | أخرجه مسلم (2664). |
↑7 | أخرجه البخاري (2893). |
↑8 | سبق تخريجه. |
↑9 | ديوان الإمام الشافعي (ص147). |
↑10 | "الوابل الصيب من الكلم الطيب" لابن القيم (ص48). |
↑11 | البيتان لتقي الدين السبكي. ينظر: فتاوى السبكي (1/ 67). |
↑12 | ينظر: "علو الهمة" لمحمد إسماعيل المقدم (ص168). |
↑13 | ينظر: "العواصم والقواصم في الذَّبِّ عن سنة أبي القاسم" (9/ 370). |
↑14 | "ديوان المعاني" لأبي هلال العسكري (1/ 88). |
↑15 | "أدب الدنيا والدين" (ص289). |
↑16 | البيت لضابئ بن الحارث البرجمي. ينظر: "نواهد الأبكار وشوارد الأفكار = حاشية السيوطي على تفسير البيضاوي" لجلال الدين السيوطي (3/ 290). |
↑17 | ينظر: "شعب الإيمان" للبيهقي (9625). |
↑18 | أخرجه مسلم (2720). |
↑19 | أخرجه أحمد (20430)، وأبو داود (5090)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3388). |
↑20 | أخرجه أحمد (18352)، وأبو داود (1479)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3407). |
↑21 | أخرجه البخاري (1283)، ومسلم (926). |
↑22 | أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599). |
↑23 | أخرجه مسلم (918). |