رابط المادة الصوتية:
https://drive.google.com/file/d/1mI6YcJFaGZym1KfkLRGEe14CoW9ifJOc/view?usp=sharing
المحتوى
مقدمة
المقدمة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أسعد الله مساءكم جميعًا، وحيَّاكم الله في أمسيةٍ متجددةٍ، أمسية "خلد" بعنوان: "كيف نُحقق الأمن النفسي؟" وهي إحدى أمسيات برنامج "انتعاش" الذي تُنظمه جمعية "أفياء النسائية" ضمن برنامجها الصيفي لعام 1441 للهجرة.
يسعى الإنسان دائمًا للحصول على السعادة من خلال إشباع جميع حاجاته دون التعرض لعقباتٍ تحول بينه وبين الحصول عليها، ومن تلك الحاجات: حاجته إلى الأمن النفسي، حيث إن الأمن النفسي من الحاجات الهامة لبناء الشخصية الإنسانية؛ وذلك لأن جذوره تمتد من الطفولة وتستمر حتى الشيخوخة عبر المراحل العمرية المختلفة.
قد يتبادر إلى الذهن: ما المقصود بالأمن النفسي؟
وما مدى حاجتنا للأمن النفسي في جميع جوانب حياتنا؟
وهل الأمن النفسي يؤثر على ثقة الشخص بنفسه؟
وما علاقة الأمن النفسي بتقدير الشخص لذاته؟
وفي النهاية: كيف يمكن أن نُحقق الأمن النفسي؟
للإجابة عن هذه الأسئلة وأكثر يُسعدنا أن يكون ضيف أُمسيتنا لهذه الليلة الدكتور/ خالد السعدي، أستاذ التربية وعلم النفس المساعد بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل سابقًا.
وقبل أن ننتقل إلى ضيفنا الكريم أود أن أُذكركم بأننا نستقبل جميع أسئلتكم واستفساراتكم في خانة الدردشة، ونعتذر لإغلاق المُداخلات الصوتية.
كما يُسعدنا متابعتكم لحساب الجمعية بـ"تويتر"، والإجابة عن السؤال المتعلق بهذه الأُمسية.
ونُرحب أيضًا بتقييمكم واقتراحاتكم عبر رابط التقييم بالشاشة.
ونُرحب معًا بالدكتور/ خالد السعدي.
حيَّاك الله يا دكتور.
الدكتور خالد: الله يُحييكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
حيَّاكم الله أيها الإخوة والأخوات، وأسأل الله أن يجعل في هذا اللقاء النفع والفائدة لي ولكم، اللهم آمين.
الشكر أولًا لله وحده لا شريك له، ثم الشكر للأخوات في جمعية "أفياء"، جزاهن الله خيرًا على هذه البرامج الطيبة، وأشكرهن على الاستضافة، وأسأل الله أن يُبارك في جهودهن وجهود هذه الجمعية، وأن ينفع بكُنَّ أيتها المُستفيدات من مثل هذه البرامج التي اطلعنا عليها في بداية اللقاء.
كما أُؤكد على المشاركة في الدعم لمثل هذه الجمعية المباركة.
بيان أهمية الموضوع
هذا الموضوع في ظني -والله تعالى أعلم- بحدِّ ذاته، مثل هذه الجمعية، ومثل: أن تجد الفتاةُ في مثل هذا السنِّ مأوًى تستطيع من خلاله أن تبني شخصيتها، وأن تجد نفسها، وتُحقق ذاتها، وتشعر بالسعادة فيما يتعلق -كما أُشير في الكلمة- بتلبية الحاجات لها؛ لأن كل واحدٍ لديه حاجاتٌ مرتبطةٌ بالمراحل العمرية.
نترك ما يطلبه المشاهدون والمستمعون، ليس هذا مقصدنا، إنما نقصد الحاجات الحقيقية للنفس البشرية، كما أُشير إلى الحاجة للأمن، وهي من أكبر الحاجات التي تحتاجها النفس البشرية.
لا شكَّ أن الشعور بالسعادة، والشعور بالراحة، والشعور بالطمأنينة، والشعور بالأمن النفسي، والابتعاد عما يُعكر ذلك من القلق والضَّجَر والتوتر والحزن والاكتئاب، وغير ذلك من الأمور يُحتاج إليه حاجةً كبيرةً جدًّا، وهو مقصدٌ للنفس البشرية عمومًا، يعني: ليس هناك عملٌ يعمله الإنسان -بِغَضِّ النظر عن كون العمل صحيحًا أو خطأً، صوابًا أو ليس بصوابٍ، حلالًا أو حرامًا، معقولًا أو غير معقولٍ- إلا وهو ينشد السعادة، ولكن تختلف طرق السعادة بناءً على الإنسان، وتفكيره، ومنهجه، وما تربَّى عليه، وما يُحقق له السعادة فعلًا، وما شابه ذلك، وهذا كله يشمل دينه بلا شكٍّ؛ ولذلك كما يقول الشاعر:
ولستُ أرى السعادة جمع مالٍ | ولكن التَّقي هو السعيد[1]البيت للحُطيئة كما في أمالي القالي (2/ 202)، والتذكرة الحمدونية (1/ 156). |
سبحان الله! البلاد التي دَخْلُها في اليوم من أرفع دُخول العالم، وتعيش من الرفاهية ما تعيش، قد تكون هذه البلدان من أكثر البلدان انتحارًا في العالم!
فالقضية التي جَالَ فيها وَصَالَ إيليا أبو ماضي صاحب "الطلاسم" المشهورة في ديوانه المعروف، وهو شخصٌ ليس بمسلمٍ، لكنه شخصٌ مُثقفٌ وأديبٌ، ولكنه وقع في الحيرة التي وقع فيها غيره:
جئتُ لا أعلم من أين، ولكني أتيتُ
ولقد أَبْصَرْتُ قُدَّامي طريقًا فمشيتُ
وسأبقى ماشيًا إن شئتُ هذا أم أبيتُ
كيف جئتُ؟ كيف أبصرتُ طريقي؟
لستُ أدري!
ولماذا لستُ أدري؟ لستُ أدري![2]ديوان إيليا أبو ماضي (ص191)..
إلى آخر قصيدته التي سُميت بـ"الطلاسم" أو "ديوان الطلاسم"، وسُميت باللا أدرية، حتى صار هناك مذهبًا اسمه: مذهب اللا أدرية.
وخطيرٌ جدًّا أن أكون أنا أو أنتِ أو أي أحدٍ، خاصةً مَن ينتمي لهذه الأمة، ونشأ في بيئةٍ على الفطرة، بِغَضِّ النظر عن المُؤثرات التي جاءت بعد ذلك، وبِغَضِّ النظر عن المراحل العمرية، فهذا تفسيرٌ، وليس تبريرًا، فنحن قد نُفسر حالة الفتاة المعينة في هذه المرحلة بأنها كذا وكذا، لكن ليس لنا أن نُبرر لها ذلك، إنما نُفسر تلكم الحالة، لكن تحقيق الإشباع المتعلق بالحاجة إلى الأمن النفسي هذه قضيةٌ لا شكَّ أن الكل يريد أن يتشبث بها.
وانظروا لحديث عبدالله بن بُسْرٍ رضي الله عنه وأرضاه: أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثُرتْ عليَّ، فأخبرني بشيءٍ أتشبَّث به.
لاحظ: هذا الرجل جاء يشتكي، كما تأتي -مثلًا- فتاةٌ تشتكي وتُعاني، لكن لاحظ ما شكواه؟
يا رسول الله، لقد كثُرتْ عليَّ شرائع الإيمان، يعني: الأشياء المطلوبة مني ليرضى الله عني كثيرةٌ.
طيب، يمكن أن تقول الفتاة نفس الكلام: هذا واجبٌ، وهذا مُحرمٌ، وهذا كذا ... إلى آخره، يعني: كثُرت الأشياء، فهي كثيرةٌ.
لاحظوا ماذا قال؟
"فأخبرني بشيءٍ أتشبَّث به"، لم يطلب التخفيف، وإنما طلب الأمر الذي يساعد على أنه يُحقق ذلك، ويحل المشكلة التي لديه في قضية الثقل.
لاحظتم؟
هذا شيءٌ عجيبٌ.
فقال رسول الله : لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله[3]أخرجه الترمذي (3375)، وابن ماجه (3793)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1491).، هذا الذي تتشبَّث به.
ولذلك مدح الله الذاكرين له كثيرًا والذاكرات، بل إن النبي ابنته فاطمة لما تزوجتْ، وذات مرةٍ علم أنها تريد خادمًا هي وزوجها علي بن أبي طالب ، فذهب النبي إليهما.
وانظروا إلى العناية من الأب حتى بعد زواج البنت، فقال: ألا أَدُلُّكما على ما هو خيرٌ لكما من خادمٍ؟ إذا أخذتُما مضاجعكما أن تُكَبِّرَا الله أربعًا وثلاثين، وتُسَبِّحَاهُ ثلاثًا وثلاثين ... إلى آخر الحديث[4]أخرجه البخاري (6318)، ومسلم (2727)..
إذن كما قال ابن القيم في "الوابل الصيب": فدلَّ ذلك على أن ذكر الله يُعطي القوة المعنوية والقوة الحسية[5]ونص كلام ابن القيم -رحمه الله- هو: "الذكر يُعطي الذاكر قوةً، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه". ينظر: … Continue reading.
ومن هذه المقدمة البسيطة ندخل في الإجابة عن هذا السؤال الضخم: كيف نُحقق الأمن النفسي؟
كيف نستطيع أن نُحقق الأمن النفسي الذي يكون هو السعادة والطمأنينة؟
الأمن النفسي في عصرنا
قال الله: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97]، فالتعبير بالحياة الطيبة والاستقرار النفسي يعني: الابتعاد عما يُكدر الحياة، والابتعاد عن المُنَغِّصات، والتَّخلص من الضغوط، والتوتر، والقلق، والضيق، والطَّفَش، والحزن، والاكتئاب ... إلى آخره، خاصةً في ظل مُدْلَهِمَّاتٍ كبيرةٍ، فالعصر الذي نعيش فيه، والمرحلة التي تعيشونها أَنْتُنَّ، والحالة التي نحن فيها اليوم، والعصر الذي نعيشه؛ عصر التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي، وعصر العولمة، وعصر القرية الواحدة.
يعني: النبي قال لعمر بن الخطاب بعد أن قال عمر: يا رسول الله، إنا نسمع أحاديث من اليهود تُعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال : أَمُتَهَوِّكُونَ[6]أخرجه أحمد (15156)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (174)، وحسنه الألباني في "مشكاة المصابيح" (177).، أي: مُتحيرون، يعني: لحظة التَّحير ضد الأمن النفسي، فرسول الله يريد أن يقول لعمر ومَن بعد عمر وإلى يوم القيامة: خُذْ من المصدر الصَّافي.
فأصحاب القرية الواحدة اليوم تدخل الفتاة وتفتح الرابط، وتكون لها علاقاتٌ وصداقاتٌ افتراضيةٌ مع مختلف الجنسيات، ومختلف الأفكار ... إلى آخره، وهذا بحدِّ ذاته يُؤكد حاجتنا إلى تحقيق الأمن النفسي؛ لأننا كلنا عِشْنا مراحل أو فترات -نحن وأنتم- وهي:
أولًا: عصر التقنية وعصر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، والإعلام الجديد في جميع مجالاته هو أذرع لتغيير الإنسان والمجتمعات.
لا شكَّ أن الناجح الذي يتغير تغييرًا إيجابيًّا هذا هو المطلوب، لكن المشكلة إذا كان التغيير سلبيًّا ويُولِّد -كما أثبتت بعض الدراسات- زيادةً في التعاطي والتعامل مع الأجهزة؛ فيزيد من القلق والتوتر، وهذه مشكلةٌ.
ناهيك بأن يحمل أيضًا في ذهنه أو ذهنها الشكوك والأفكار؛ فتتعارض مع ما تعلمته في بيتها -الذي هو بيتٌ مُحافظٌ-، وفي القرية المُحافظة، وفي المنطقة المُحافظة، وفي المدرسة المُحافظة، وفي المناهج المُحافظة؛ فيحصل الصراع، وهذا الصراع بحدِّ ذاته يهزُّ قضية الأمن النفسي، غير قضية الشهوات والرغبات، وما يترتب على التواصل والعلاقات.
إذن هذه القضية الأساسية الأولى.
ثانيًا: مرحلة العمر الزمني: وهذه المرحلة بالنسبة لكم من أقوى المراحل خطورةً فيما يتعلق بقضية الأمن النفسي؛ لأنها مرحلةٌ فيها حاجةٌ للنُّضْج، ومن ذلك ما يتعلق بالنُّضج النفسي، ويحصل فيما يرتبط بقضية النوازع، وقضية النمو (الفسيولوجي) في الهرمونات المتعلقة بمرحلة قُبيل البلوغ، ومع البلوغ، وبعد البلوغ، ثم مرحلة المُراهقة بمراحلها، فهذه كلها مُؤشرةٌ بلا شكٍّ.
ولذلك مَن وُفِّق في مثل هذه المرحلة إلى تحقيق الأمن النفسي، وفي الغالب قد كان له شأنٌ أو لها شأنٌ في مرحلة الطفولة بالتأثيرات الإيجابية في الأمن النفسي من خلال التعاملات الجيدة في التماسك الأُسري، وفي التوجيهات، وفي الرعاية والاهتمام، وُفِّقتْ بوالدين إيجابيين، وُفِّقتْ بإخوةٍ وأخواتٍ إيجابيين، وُفِّقتْ بمجتمعٍ إيجابيٍّ، وُفِّقتْ بمدرسةٍ إيجابيةٍ، وُفِّقتْ بمُعلماتٍ إيجابياتٍ، وهكذا وُفِّقتْ بمحضنٍ إيجابيٍّ مثل هذه الجمعية وأمثالها، فهذه مهمةٌ جدًّا.
ثالثًا: في (كورونا): وفي هذه القضية العالم كله توقف، والعالم كله اهتزَّ، والعالم كله أصبح أمام هذه الجائحة في حالةٍ من الذهول والاندهاش، حتى أصبح عند البعض شعورٌ بالتفكير السلبي والهواجس السلبية، وقضية الاضطراب النفسي، وقضية التوتر والقلق، وقضية الخوف من المستقبل، والخوف من الموت، والخوف مما سيكون، وأصبحت الفتاة ربما تعيش في حيرةٍ من أمرها.
لا شكَّ أن هذا -كما قلنا- تفسيرٌ، فنحن نتكلم عن التفسير، فهذه الصورة تشخيصٌ للحالة، نُفسر الحالة، نُفسر الأمن النفسي من حيث المفهوم الصحيح أو عكس ذلك، نُفسر المُعطيات للحاجة لمثل هذا الموضوع، كما أشرنا إلى ثلاثة مُعطيات؛ لندخل الآن معكن إلى ما يتعلق بقضية ما يُساعد الواحد منا على تحقيق الأمن النفسي، وتقرير المشكلات المتعلقة بالاضطرابات النفسية، أو المتعلقة بالقلق، والتوتر، والضيق، والمُعاناة من الضغوط، والحزن، والاكتئاب، وما شابه ذلك.
هذه القضية كلنا بأَمَسِّ الحاجة إليها، فلعلنا نبدأ معكن بمجموعةٍ من المُعطيات في هذا الأمر المُشترك عالميًّا، فهو مطلبٌ إنسانيٌّ يا جماعة، ومطلبٌ شرعيٌّ، ومطلبٌ عقليٌّ، ومطلبٌ عُرْفيٌّ، يعني: قضية الأمن النفسي والسعادة ليس هناك عاقلٌ في الحياة -بِغَضِّ النظر عن لونه وجنسه ولغته ودينه وبلده ومجتمعه وعمره- إلا وينشد قضية الأمن النفسي، فهو يريد أن يرتاح، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ جدًّا.
وفي بعض الأحيان الصورة العميقة تُفسر هذه القضية.
مثالان لمَن أراد الراحة والسعادة
سأذكر مثالين: مثالًا من السابقين، ومثالًا من ...:
روي عن الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- أن ابنه قال له ذات مرةٍ وقد رآه يتحرك كثيرًا ويعمل ويُعلم ويُؤلف، والناس يسألونه ويحتاجون إليه، فقال: يا أَبَتِ، لِمَ تُتْعِب نفسك؟
لاحظ اللفظ: لِمَ تُتْعِب نفسك؟ لا شكَّ أن التعب لا ينسجم مع قضية الأمن النفسي، لكن لا، هناك تَعَبٌ ينسجم مع الأمن النفسي، التعب ظاهريًّا لا ينسجم مع الأمن النفسي.
فقال: "راحتها أريد"[7]جاء عن الإمام أحمد أنه سُئل: متى يجد العبدُ طعمَ الراحة؟ فقال: عند أول قدمٍ يضعها في الجنة. ينظر: "طبقات … Continue reading.
أريد أن ترتاح نفسي، وهذا الذي عنده إطارٌ تربى عليه من كتاب الله وسنة النبي : أنه يتعب الآن حتى يأمن في المستقبل، يتعب الآن حتى يرتاح في الآخرة، وهو يجد في تعبه متعةً وراحةً.
المثال الآخر للدكتور عبدالرحمن السُّميط -رحمة الله عليه- والجميع يعرفه، فهو طبيب باطنة كويتي -رحمه الله- وعاش في أفريقيا، وأصبح داعيةً من الطراز الأول في أفريقيا، وقد أسلم على يديه أحد عشر مليون شخصٍ تقريبًا.
جلستُ معه -رحمة الله عليه-، وهذا الرجل عندما تسمع منه فإن أصحاب التفكير السطحي، أو التفكير الطبيعي -مثل ابن الإمام أحمد قبل قليل: لِمَ تُتْعِب نفسك؟- يقول أحدهم: يا أخي، لِمَ يُتْعِب نفسه؟! الدكتور عبدالرحمن السُّميط من عائلةٍ معروفةٍ، ودكتور باطنية -ما شاء الله- عنده شهادة، يعني: يذهب إلى أدغال أفريقيا، ويدخل في الغابات، وفي أماكن الخطورة، ويعيش أيامًا ليس عنده ما يأكل إلا الموز فقط كما قال! ... إلى آخره.
هذه راحته، وهذه سعادته.
ولو أتينا إلى الصورة العكسية الثانية التي هي عكس ذلك تمامًا، فهذه سعادته، وهذه راحته، فهو جالسٌ أو هي جالسةٌ تقوم بالتفلت من أوامر الله، وبالاعتداء والتَّمرد على ما يُقابلها، وترى أن هذه راحتها.
هذا الآن تفسيرٌ -كما قلنا- وليس تبريرًا؛ لأن هناك فرقًا بين السعادة اللحظية والسعادة الصافية والسعادة المُستمرة، وبين السعادة الأخرى المشؤومة التي قد يجد الإنسان مُتعتها الآن، لكنه يجد وَيلاتها بعد ذلك.
هذه قضايا مهمةٌ يجب أن تفهمنها بناتي الكريمات.
الفرق بين الطاعة والمعصية
سبحان الله العظيم!
الطاعة: ألا إن سلعة الله غاليةٌ، ألا إن سلعة الله الجنة[8]أخرجه الترمذي (2450)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3377)..
إذن فهي غاليةٌ، ولا بد لها من تَعَبٍ، قال النبي : حُفَّت الجنة بالمكاره[9]أخرجه مسلم (2822)..
إذن هناك تعبٌ، فالطاعة فيها تعبٌ في القيام بها وصراعٌ ومُجاهدةٌ، لكن اللذة تأتي بعد ذلك، حتى تصل -إذا أصبحتْ عادةً عند الإنسان- إلى أن يستمتع بها ويتلذَّد وهو يقوم بتلكم العبادة والطاعة.
هذا مسار الطاعة، أما مسار المعصية فلذَّتها في حينها.
لاحظوا الفرق بين الطاعة والمعصية: أن اللذة في المعصية أقرب من اللذة في الطاعة من حيث الوقت، فهي تَسْتَلِذُّ بمعصيتها؛ لأنها الآن وهي تُمارس المعصية تستلذ وتتشوف لها، أما الطاعة ففيها صعوبةٌ؛ ولذلك: حُفَّت النار بالشهوات[10]أخرجه مسلم (2822). كما جاء في الحديث، لكن وَيلاتها بعد ذلك، وهذه ذكرها العلماء في التفريق بين هذين المسارين.
الطريق إلى الأمن النفسي
دعونا نأخذ عشر نقاطٍ كخارطة طريقٍ لتحقيق الأمن النفسي -نسأل الله أن يرزقنا وإياكم ذلك- والسعادة في حياتنا -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء- حتى نُخفف الضغوط، ونُخفف التوتر، ونُخفف مُعاناة مَن ابتُلي بشيءٍ من ذلك، والكل مُعرَّضٌ، حتى النبي : فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [الكهف:6]، لكن هناك فرقٌ؛ فالرسول كانت عنده هذه المُعاناة مُرتبطةً بهدفٍ شريفٍ عظيمٍ جدًّا، بينما تجد أن البنت مُعاناتها بسبب قضيةٍ لا تستحق أن تفعلها أو تهتم بها، فتأتي بالنكد بسببها، ناهيك عن أن تكون مما لا يرضاه الشرع، أو لا يرضاه العقل، أو لا ترضاه الفطرة السليمة، أو ...، أو ... إلى آخره.
هذه قضيةٌ مهمةٌ، فهناك فارقٌ بين هذا وذاك.
وسأستعرض النقاط العشر بطريقةٍ سريعةٍ؛ لأن التفاصيل فيها طويلةٌ، وقد نكون في المقدمة أشرنا إلى شيءٍ مما يُساعدنا في التخفيف من هذه النقاط العشر، لكن أرجو أن أنتهي عند الساعة الحادية عشرة، ثم نفتح المجال بعد ذلك لما عندكن، بارك الله فيكن.
النقطة الأولى: وضوح الغاية واستحضارها
لا بد في الهدف الكبير أن يكون واضحًا، ولا بد في الغاية -والغاية أعظم من الهدف- أن تكون واضحةً، فعنده الاستحضار؛ ولذلك فإن هذا فاصلٌ جدًّا جدًّا جدًّا بيننا وبين غيرنا، يعني: هذه القضية التي ذكرتُها قبل قليلٍ في قضايا تلك البلاد، أو تجد أن التي اشتهرتْ شهرةً كبيرةً جدًّا، وأصبحتْ الأضواء تتنازعها؛ لأنها ممثلةٌ مشهورةٌ، أو مطربةٌ، ... إلى آخره، اقرؤوا في حياتهن الخاصة -كما صرح بعضهن- وفي حياتهن الأُسرية تجدون أنهن أفشل الناس في مثل هذه القضايا وما يتعلق بها.
ولذلك فإن الأضواء لا تحكي حقيقة الواقع، والسبب في ذلك أن عندنا غايةً، وغايتنا يا بناتي لا بد ألَّا تغيب عن أذهاننا، وهذه الغاية معيارٌ لِمَا نفعله وما لا نفعله، ولِمَا يُحقق السعادة وما يُحقق عكسها، ولِمَا نُنجزه وما لا نُنجزه، ولِمَا نقبله وما لا نقبله، ولِمَا نختار الصديقات بعضهن دون بعضٍ، كلها بناء على هذا المعيار: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، هذه الغاية العظيمة، فالله ما خلقنا لأجل أن نتنافس في الزينة، وفي الزي، وفي الشهادات، ... إلى آخره، فهذه كلها وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا لكن قال: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77]، فالقضية ابتداءً رضا الله، ابتداءً العبودية، ابتداءً الإيمان والعمل الصالح، والله يقول لي ولكِ: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].
ماذا نريد أكثر من ذلك؟
سعادة في الدنيا كما قال العلماء في الشقِّ الأول: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وسعادة في الآخرة.
وعكس ذلك في عكس ذلك: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا [طه:124] أي: في الدنيا، هذه التعاسة في الدنيا: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124-126]، إذن هذه تعاسةٌ في الدنيا، وتعاسةٌ في الآخرة.
الله يقول: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، ويقول: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82]، والصلاة: يا بلال، أقم الصلاة، أرحنا بها[11]أخرجه أبو داود (4985)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7892)..
انظروا في آيات السكينة والطمأنينة، فمَن تشعر بشيءٍ من الضيق والكدر لو تقرأ آيات السكينة والطمأنينة -وبعضها مُسجلٌ بصوت بعض القُرَّاء- ترتاح.
خُذْ قضية الإيمان بالقضاء والقدر: مات فلانٌ أو ماتت فلانة في (كورونا)، أو فلانة في حالةٍ حرجةٍ ... إلى آخره، أو بغير (كورونا)، أو ذهبت الوظيفة، أو حصلتْ قضيةٌ من القضايا المشكلة من ناحية الفقد، أو من ناحية المال، أو الجسد، أو ...، أو ...، أو ... إلى آخره.
طيب، تصور لو لم يكن عندنا إيمانٌ بالقضاء والقدر، ما الذي يمكن أن يصير فينا؟ ماذا سيكون حالنا؟
يعني: لأن الإنسان إذا لم يكن عنده ذلك سيتحسر وسيُمارس ما يُخالف الأمن النفسي، ويزيد الطين بِلَّةً بالنسبة له، وربما لغيره؛ ولذلك: إنما الصبر عند الصدمة الأولى[12]أخرجه البخاري (1283)، ومسلم (926).، كما يقول الإنسان: إنا لله وإنا إليه راجعون.
إن العين تدمع، والقلب يحزن[13]أخرجه البخاري (1303)، ومسلم (2315). لا إشكال، لكن السخط أو حتى التَّبلد بدون أي أثرٍ: كلا طرفي قصد الأمور ذَمِيم.
هذه النقطة الأولى فيما يتعلق بالارتباط بالغاية.
يا جماعة، استحضروا الغاية، وأنا -والله- أستغرب في بعض الأحيان: تُقدم دوراتٌ، وتُقدم لقاءاتٌ ... إلى آخره، يعني: كأن هناك حياءً من الكلام في مثل هذه القضايا وما يتعلق بها، هذا ..... وجودنا في الحياة: أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة:140].
صاحب الصنعة الدنيوية ما صنعه هو أعلم به، ولله المثل الأعلى، فالخالق أعلم بالمخلوق .
طيب، الله أعطانا هذه القضية يريد أن يختبرنا في العبودية، معنى ذلك: أن الله يريد لنا راحتنا وسعادتنا من خلال العبودية، ونصَّ على ذلك بآياتٍ، والرسول بأحاديث، وأظهرت هذه القضية كل ما يتعلق بالقرائن والتاريخ والمواقف.
انظروا إلى مَن يدخل الإسلام، أو التي تدخل الإسلام بعد أن كانت غير مسلمةٍ، يهديها الله بعد أن كانت ضالةً، اسألوهم، اقرؤوا عنهم، ستجدون السعادة الكبيرة جدًّا في مثل هذا الأمر.
فنحن بأَمَسِّ الحاجة إلى هذه المعاني العظيمة؛ ولذلك لا بد من مراجعة موضوع العلاقة بالله يا أخواتي، لنكن صُرَحاء، فلا بد أن نراجع موضوع العلاقة بالله ، وإن كنا بعيدين عن الله فهذا مما يُفسر عدم وجود الأمن النفسي، يعني: بصورةٍ أو بأخرى، نعم هناك أسبابٌ أخرى، لكن فهم العبادة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "اسمٌ جامعٌ لكل ما يُحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة"[14]ينظر: "مجموع الفتاوى" (10/ 149). لا بد من استحضاره.
فلاسفة كانوا معروفين: أبو بكر الرازي، والشهرستاني، وأبو المعالي الجويني، هؤلاء كانوا فلاسفةً، وكان عندهم انحرافٌ كبيرٌ في جانب الفلسفة، وفي جانب الفكر، وهم من أذكياء العالم، لكن في أواخر حياتهم -كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "الفتوى الحموية الكبرى"- رجعوا[15]ينظر: "الفتوى الحموية الكبرى" (ص192-195).، اقرؤوا كلامهم، كانوا يعيشون في ضلالٍ وضياعٍ وتِيهٍ، لكن لما أدركوا الحقيقة، وأدركوا لماذا خُلقوا؟ رجعوا إلى الله، وأصبح العقل يُفكر بطريقةٍ صحيحةٍ.
النقطة الثانية: التفاؤل لا التشاؤم
صاحبة هذه القضية، صاحبة هذا الأمر، صاحبة التفاؤل صاحبة نظرةٍ إيجابيةٍ، تسعى للحلول، ولا تُعقدها؛ ولذلك كان النبي يُعجبه الفأل[16]أخرجه البخاري (5756)، ومسلم (2224). في أموره كلها.
وانظروا لقوله : لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً، إن كَرِهَ منها خُلُقًا رضي منها آخر[17]أخرجه مسلم (1469).، هذا في العلاقة بين الزوجين، كل الاتجاه الآخر، وحتى في العلاقات الإنسانية كما قال شُرَّاح الحديث: لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً.
طيب، أنتِ وجدتِ من أبيكِ، أو من أمكِ، أو من زوجكِ، ما تكرهينه، أو من صديقتكِ ما تكرهينه، طيب، انتهت القضية.
إذا لم نكن مُوطِّنين أنفسنا في هذا الأمر سيكون عندنا عناءٌ، وسنخسر الناس، وسينفر الناس منا، لكن عندما أُدرك أن: كل ابن آدم خَطَّاء، وخير الخَطَّائين التوابون[18]أخرجه الترمذي (2499)، وابن ماجه (4251)، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3139).، وأنظر للجوانب الإيجابية لديهم؛ عندئذٍ أستطيع أن أحلَّ المشكلة القصيرة الصغيرة التي لا تُمثل نصف بالمئة أو واحد بالمئة، لكن الآخر الذي لا ينظر إلا للسلبيات، أو التي لا تنظر إلا للسلبيات ستُعاني، وتخسر علاقات، وتحرق نفسها؛ بسبب ذلك.
ولذلك من العقل أن نكون مُتفائلين، وتكون نظرتنا إيجابيةً، لا نظرةً تشاؤميةً، فهناك -مثلًا- مَن يتحدثون عن أن قضية (كورونا) مُؤامرةٌ، وهل هذا صحيحٌ؟!
نظراتٌ سلبيةٌ، فيدخلون في هذا العالم ويُعرِّضون أنفسهم للأخبار، وتزيد قضية التشاؤم، ويصبح عندهم وسواسٌ، وضيقٌ، وخوفٌ وشيءٌ غير طبيعيٍّ.
ولو فكرنا بطريقةٍ سليمةٍ، وتفاءلنا، وأخذنا بالأسباب؛ استطعنا أن نتعامل بالطريقة السليمة؛ لأنه لا بد من توطين النفس، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، وهو ما يُسمى -كما قال أهل السعادة-: احتمال أسوأ الاحتمالات، فلا بد أن أضع في بالي أسوأ الاحتمالات.
طيب، أنتِ أخذتِ شهادةً من الجامعة، ضَعِي أسوأ الاحتمالات: أنكِ لن تتوظفي.
طيب، طَرَقَ بابكِ خُطَّابٌ، لكنكِ بلغتِ الثلاثين ولم تتزوجي، وكانوا غير مُناسبين.
لا بد أن نضع أسوأ الاحتمالات حتى نُوطِّن أنفسنا.
اتَّخذتي أسبابًا في (كورونا) ثم أُصِبْتِ بـ(كورونا).
الأطباء لا يعرفون بدقةٍ: كيف يدخل هذا المرض؟ وكيف يخرج؟
سبحان الله العظيم!
فيكون الإنسان مُرتاحًا؛ لأنه قد تعامل مع القضية في مجال الفأل والتعامل الطبيعي، وليس بالنظرة التَّشاؤمية التي تُحدث اهتزازًا نفسيًّا لديها؛ فتُصبح القضية بالنسبة لها قضيةً سلبيةً تُعاني منها ومن التفكير فيها.
النقطة الثالثة: التخطيط المنطقي والواقعي لحياتكِ
كيف تُحبين أن تكوني؟
هذا سؤالٌ مهمٌّ جدًّا، وفي السؤال الأول كانت الغاية واضحةً وهي العبودية، وهنا أنتِ ماذا تُريدين أن تكوني؟
يعني: في مجال الاهتمامات أو التخصص، أو في مجال العمل التطوعي الخيري، أو في مجال التواصل مع بنات جنسك، أو في مجال الأسرة ... إلى آخره، ماذا تُريدين أن تكوني عليه؟
هذه استحضارها -وهي الأهداف المرحلية- مهمٌّ جدًّا، وهذا لا بد له من تخطيطٍ؛ حتى يعرف الإنسان أو تعرفين كيف تُحققين الذي أنتِ وضعتيه.
أما كون الإنسان يمشي من غير أن تكون هناك خطةٌ منطقيةٌ، يعني: معقولةً، ومُدركةً، وواقعيةً يمكن أن تُنفذ، فإذا وضعتِ خطةً غير واقعيةٍ حصلت الصدمة النفسية.
لا، أنا أضعها واقعيةً، والله تحمَّستِ أن تقرئي لأنكِ سمعتِ أو حضرتِ دورةً عن القراءة، أو رأيتِ بعض زميلاتكِ تقرأ قراءاتٍ جيدةً؛ فبدأتِ مباشرةً بأخذ كتابٍ مُطولٍ تريدين قراءته، ثم وقفتي، لكن لو كان هناك تدرجٌ لاختلف الأمر، ولو كان هناك اختيارٌ للكتاب المناسب لاختلف الأمر، فالمناسب لي غير المناسب لها.
نعم، فيمكن أنكِ وزميلتكِ تُحبان الجوانب المتعلقة بالقصص، أو الروايات، أو السيرة، أو شيء من هذا القبيل، لكن يمكن أن يكون هذا الكتاب مُناسبًا لكِ من حيث الصياغة واللغة، لكنه لا يُناسبها، وهكذا، وهذا جزءٌ من قضية الخطة، وإلا سيكون الانصدام، وهذا يحصل في أي قضيةٍ من القضايا الدنيوية أو الدينية: الحماس لها ثم الانقطاع؛ ولذلك: أحب العمل إلى الله أَدْوَمُه وإن قلَّ[19]أخرجه مسلم (2818)..
لاحظوا هذا الاعتبار الرائع جدًّا، ولا يمكن أن يُداوم الإنسان على شيءٍ إلا وهو يُحبه ويُحقق له الأمن النفسي.
واضح؟
لا يمكن أن يُداوم عليه إلا وهو يُحقق له الأمن النفسي.
إذن استمري في هذه القضية حتى لو كان قليلًا، ولكن فيه خيرٌ عميمٌ بإذن الله .
النقطة الرابعة: إدراك الوقت واستغلاله
كثيرٌ من الدراسات أعطتْ إشارةً وتأكيدًا على أن ما يحصل من الشتات في النفس البشرية والانحراف في هذه المرحلة العمرية مثل مرحلتكن هي مرتبطةٌ بقضية الفراغ:
إن الشباب والفراغ والجِدَة | مفسدةٌ للمرء أي مفسدة[20]البيت لأبي العتاهية. ينظر: "لباب الآداب" للثعالبي (ص172). |
مع قضية الصُّحبة.
سبحان الله!
هذان الأمران مُهمان جدًّا جدًّا، فانتبهي، كيف تستطيعين أن تشغلي أوقات فراغكِ؟
ومثل هذه الجمعية وما تقوم به معكن، جزاهم الله خيرًا، وكذلك الصاحبات مثل: البيئة المباركة التي تجتمع من خلال هذه الجمعية وأمثالها.
فلذلك لا بد من إدارة الوقت، لماذا؟
لأن الفارغ والفارغة -سبحان الله!- كما جاء عن عمر بن الخطاب وغيره: "إني لأكره أن أرى أحدكم فارغًا سَبَهْلَلًا، لا في عمل دنيا، ولا آخرة"[21]"ربيع الأبرار ونصوص الأخيار" لجار الله الزمخشري (3/ 403)، وروى الطبراني في "المعجم الكبير" (8538) عن عبدالله بن مسعود … Continue reading.
ومعنى "سَبَهْلَلًا" في قواميس اللغة العربية أي: فارغًا[22]ينظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (8/ 197)، و"لسان العرب" لابن منظور (11/ 324)..
الإشغال يجعلكِ لا تقفين مع الماضي وتُفكرين فيه وقد انتهى، أو المستقبل ولم يأتِ بعد؛ ولذلك تأتي النقطة الخامسة، وهي مهمةٌ، ولها علاقةٌ بالجزئية الأخيرة التي تحدثنا عنها.
النقطة الخامسة: لا تُغْرقي تفكيرك بالماضي وبالمستقبل
هذه القضية مهمةٌ جدًّا.
نحن عندنا صندوقٌ يُمثل الماضي، وصندوقٌ يُمثل الحاضر، وصندوقٌ يُمثل المستقبل.
طيب، أنا الآن في هذه اللحظة الحاضرة، مَن كانت معنا، مثلًا: لو كنتِ أنتِ الآن من الحاضرات، وذهنكِ مشغولٌ بشيءٍ قد مضى لن تستفيدي من هذا الحاضر، فأصبح الحاضر مُستحضرًا للماضي، وسيغيب الحاضر ولن يُستفاد منه، والماضي أصلًا لا مجال لعودته؛ لأنه قد انتهى، ونستفيد من الماضي في التخطيط الذي ذكرناه قبل قليلٍ، لكنه لا يشغلنا في وقتنا الحاضر.
وكذلك مَن كانت موجودةً وذهنها مشغولٌ في المستقبل الآن: والله عندي قبولٌ في الجامعة، أو المشكلة التي حصلت في الأسرة، أو ماذا سأقول لزميلتي التي ستتواصل معي غدًا وقد حدث بيني وبينها إشكالٌ؟ ماذا سيكون؟ لن تستفيد من هذه اللحظة الحاضرة حتى لو كانت موجودةً، فالمستقبل ليس بيدكِ، إنه بيد الله ، ولَمَّا يأتِ بعد.
طيب، ما المطلوب حتى نُحقق الأمن النفسي؟
نستثمر اللحظة الحاضرة، ولا نُشغل بالماضي فيأتي الحزن وما يترتب عليه من اكتئابٍ، ولا نُشغل بالمستقبل فيأتي القلق وما يترتب عليه من توترٍ وما شابه ذلك.
لذلك لاحظوا التوجيه النبوي العظيم: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن[23]أخرجه البخاري (2893).، يعني: الله حتى أهل الجنة -جعلنا الله وإياكم من أهلها- قال عنهم: أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [آل عمران:170]، لا خوفٌ عليهم في المستقبل، فهناك سعادةٌ أبديةٌ، ولا هم يحزنون على الماضي.
فلاحظوا كيف جرَّدهم الله من هذه المُشغلات المُقلقات، والرسول تعوذ منها: اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ لِمَا سيكون، كالموت، هذه ماتت، وهذا مات في (كورونا)، وهذا كان قبل يومين أو ثلاثةٍ أو أربعةٍ يُكلم أخي، وهذه أنا أعرفها ... إلى آخره.
وتبدأ قضية القلق من الموت، والقلق من التواصل مع الناس، والقلق من الاستفادة من الوقت الذي يعيشه الإنسان، فهي تعيش ضيقًا، وتعيش ...
وقد جاءتني حالةٌ قبل أيامٍ لأحد الإخوان: هو شخصٌ اجتماعيٌّ، ويقول: أستيقظ بالضيق. وقد تراكم عليه ذلك، وهو شخصٌ اجتماعيٌّ، وما تعامل مع حالة الحجر بطريقةٍ سليمةٍ، وكان ينبغي أن يتواصل عن طريق (الزووم)، أو عن طريق أي وسيلةٍ من وسائل التواصل الاجتماعي ... إلى آخره، فتراكمت عليه الأمور حتى أصبح يشعر بضيقٍ إذا قام، ويمتد معه من الصباح إلى الظهر، أو إلى العصر.
هل رأيتم الضيق الذي يُصيب الإنسان في بعض الأحيان ويصل إلى مستوى الطَّفَش؟
والضيق يتفاوت بلا شكٍّ؛ فمن هَمٍّ قادمٍ أو شيءٍ من هذا القبيل، وقد لا يكون واضحًا ما هو.
إذن كما قال : احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز[24]أخرجه مسلم (2664)..
إذن احرص على ما ينفعك الآن في هذه اللحظة، فأفضل شيءٍ الآن أن أستمع لهذه المحاضرة، وأتفاعل معها، وأُدوِّن النقاط التي جاءت فيها، وأُلخصها ... إلى آخره، هذا أحسن ما ينفعك الآن.
الحين في هذه اللحظة إذا سمعنا المُؤذن نُردد الأذان، وإذا كنا جالسين مع الوالدين نترك الجوَّالات، ونَبَرُّهما، ونُدخل السرور عليهما، وفي وقت العَشَاء مع الأبناء ومع الزوج نتفرغ لذلك، فهذا الوقت للعَشَاء.
لنكن أبناء اللحظة الحاضرة، وما يترتب على اللحظة الحاضرة من منفعةٍ دينيةٍ أو دنيويةٍ نحن نُمارسه، والماضي لا مجال لاسترجاعه وإشغال الذهن به، ولا المستقبل.
ولذلك هذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، ويمكن أن نقول: الإشغال بالأعمال والأنشطة السَّارة التي تَسُرُّ الشخص وتجعله مُرتاحًا، هذه مهمةٌ جدًّا.
وهذا دور الأسرة، وإشغال أوقات فراغ أفراد الأسرة، ودور المجتمع، مثل هذه الجمعيات، ودور الشخص نفسه؛ دور البنت نفسها أنها تبحث، ولا تكون عُرْضَةً لما ذكرناه قبل قليلٍ من قضية الفراغ، فعندئذٍ تكون أسيرةً لوسائل التواصل الاجتماعي.
والله مَن سمعنا عن تمردهن، وبَاغَتْنَ المجتمع بما حصل منهن، لا تظن أن هذه القضية جاءت وليدة اللحظة، وإنما جاءت من خلال تراكماتٍ معينةٍ، ومنها ما يتعلق بقضية عدم البناء النفسي السليم، وكذلك ما يرتبط بقضية إشغال أوقات الفراغ، والتَّعرض لِأَسْر التوجيهات عبر المجاهيل والمجهولات، والمُضلين والمُضلات.
النقطة السادسة: الكفّ عن الاسترسال بالأفكار اللاعقلانية
هذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، يعني: هناك فكرةٌ لاعقلانية مثل: فكرة أني سأموتُ في (كورونا) مثلما ماتت فلانة، فكرةٌ لاعقلانية.
مَن قال أنكِ ستموتين في (كورونا)؟!
قد تموتين بغير (كورونا)، قد تموتين على فراشك، وقد يكون عمرك الآن -مثلًا- عشرين، وعمرك مُقدَّرٌ عند الله ثمانون، لا أحد يعلم عن ذلك.
إذن هذه فكرةٌ لاعقلانية، فلا بد من عدم الاسترسال فيها، كما قال النبي : فَلْيَسْتَعِذْ بالله وَلْيَنْتَهِ[25]أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134).، يعني: تقولين: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وتشغلين نفسك بشيءٍ آخر.
إذا هجمتْ عليكِ الأفكار فارميها، ارمي هذه الأفكار بعيدًا عنكِ بالتعوذ، وعدم الاسترسال فيها، وإشغال النفس بشيءٍ آخر.
ابن القيم -رحمه الله- له علاجٌ رائعٌ في هذا الموضوع، أول ما يُولد عند الواحد منا هي الخاطرة، تأتي خاطرةٌ على ذهنك، يقول: "دافع الخطرة، فإن لم تفعل صارت فكرةً، فدافع الفكرة، فإن لم تفعل صارت شهوةً، فحاربها، فإن لم تفعل صارت عزيمةً وهمةً، فإن لم تُدافعها صارت فعلًا، فإن لم تتداركه بضده صار عادةً، فيصعب عليك الانتقال عنها"[26]"الفوائد" لابن القيم (ص45)..
طيب، إذا كان الشيء جميلًا، يعني: إنتاج خاطرة طيبة دينيًّا، أو خاطرة طيبة دنيويًّا، هذا ممتازٌ، فأنا بالعكس؛ هذه أسترسل فيها؛ لأنها فكرةٌ عقلانيةٌ مُوافقةٌ للدين، أو فكرةٌ عقلانيةٌ نحتاجها في حياتنا الدنيا، فأجعلها فكرةً، وتكون عندي إرادةٌ لتنفيذها، وأُنفذها، ثم تُصبح عادةً، لكن في الجانب السلبي أَتَتْكَ خاطرةٌ سلبيةٌ، والخاطرة السلبية مثل: أن تريد تكوين علاقةٍ مع مجموعةٍ سيئةٍ، أو أنها تتواصل على الخاص مع هذا الشاب ... إلى آخره، في هذه الخاطرة فَلْيَسْتَعِذْ بالله وَلْيَنْتَهِ.
فدفع الخواطر أهون من دفع الأفكار؛ لأن الخاطرة السيئة إذا ما دفعتيها ستنتقل إلى فكرةٍ سيئةٍ.
ودفع الأفكار أهون من دفع الإرادات؛ لأن الفكرة أعمق من الخاطرة، فإذا ما دفعتِ الفكرة ستفتقرين إلى عزيمةٍ وإرادةٍ، وتُصبحين تُخططين وتُرتبين وتهتمين بشكلٍ كبيرٍ بعد أن أصبحت القضية تفكيرًا.
ودفع الإرادات أهون من الأعمال؛ لأنكِ إذا ما دفعتِ الإرادات ستنقلك إلى العمل والممارسة بالتنفيذ.
لذلك تنبغي العناية بالأفكار الصحيحة، والعناية بالأمور السليمة، وإغراق النفس بها، وإشغال النفس بها، والاسترسال بالتفكير فيها، ونقلها من عالم الخواطر إلى عالم العادات، لكن الجوانب السلبية المُؤثرة في الأمن النفسي هي المشكلة الكبيرة جدًّا، وجزءٌ منها جالسةٌ وتسرح، حتى أصبح مكان النوم ليس مكانًا للنوم، وإنما هو مكانٌ للقلق والتوتر، لماذا؟
لأن هناك خاطرةً، ثم فكرةً، والجوال موجودٌ هيا.
فلذلك نحتاج أن يُدار تفكيرنا بطريقةٍ سليمةٍ، وذلك من خلال طرد الأفكار اللاعقلانية.
ولمُحدثكم العبد الفقير، ولعلي أُرسل للأخت المُشرفة ما يتعلق بعناوين القنوات والحسابات المتعلقة بالمنتجات التي يَسَّر الله إنتاجها، ومنها لقاءٌ بعنوان: "كيف نُعدل السلوك بطريقة العلاج المعرفي؟"[27]على الرابط: https://2u.pw/sdQO7Kc..
ومما لاحظتُه أن المُتابعين لي قليلون، ولكنهم في هذا البرنامج زاد عددهم، فهذا الموضوع من الموضوعات المهمة جدًّا: كيف أستطيع أن أُزاحم الأفكار اللاعقلانية المُقْعِدة لي: أني -والله- فاشلةٌ في حياتي، وأني -والله- لستُ بناجحةٍ، وأني -والله- ما يمكن أن أكون مثل فلانة جيدة. وهكذا أفكار لاعقلانية تبدأ، وهي تستمر فيها، وتسترسل فيها حتى تُسبب لها الضيق والنَّكد وما شابه ذلك، فتريد أن تُبعد هذا الضيق والنَّكد والطفش بأمورٍ معينةٍ؛ فتعيش حالةً من الضياع.
النقطة السابعة: لا بد أن نكون إيجابيين في ذواتنا وفي تواصلنا
كيف نبحث عن نقاط القوة لدينا؟
ابحثي عن نقاط القوة لديكِ، وهذه يمكن أن تعرفيها من خلال نفسكِ، ومن خلال الذين يعرفونكِ: أُسرتكِ، وأهلكِ، وصديقاتكِ، ومُعلماتكِ ... إلى آخره، أو من خلال بعض البرامج المتعلقة بأنماط الشخصية، ومواطن القوة، ومواطن الضعف، وتنفعي الآخرين بمواطن القوة.
أنت -والله- مُصممةٌ ممتازةٌ (للفوتوشوب) ... إلى آخره، انفعي نفسكِ، وانفعي غيركِ دينًا ودنيا، اجعليها في مضامين رائعةٍ، وابتعدي عما لا يرضاه الله ، وتُدِرُّ عليكِ مالًا، وما شابه ذلك ... إلى آخره.
فلنكن إيجابيين في ذواتنا، وأيضًا في تواصلنا مع الآخرين؛ لأن الآخرين بحاجةٍ إلى أن نتواصل معهم وننفعهم.
ويمكن للإنسان أيضًا من خلال العمل التطوعي من غير مقابلٍ أن يدخل في هذا المضمار، وهذا مما ثبت في الدراسات: أن الذين هم أكثر نفعًا للآخرين هم أكثر سعادةً، ووجدوا في دراساتٍ ممتدةٍ عبر زمنٍ: أن الذين يُقدمون نفعًا للآخرين هم أكثر الناس سعادةً، والرسول يقول: أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس[28]أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6026)، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2623).، ثم ذكر في الحديث إدخال السرور على الآخرين ... إلى آخره.
هذه من أروع ما يكون، إذا كانت علاقتكِ بالله مُرتبطةً بالعبادة والغاية التي ذكرناها فهذا سيُسبب لكِ السعادة كما قلنا.
هنا علاقتكِ بنفسكِ أن تعرفي مواطن القوة في نفسكِ؛ حتى تكوني مُدركةً لذاتكِ، كيف تشغلين أوقات فراغكِ؟ ... إلى آخره، هذا في علاقتكِ بنفسكِ.
كذلك علاقتكِ بالآخرين: أن تنفعي الآخرين، وتحرصي على نفع الآخرين؛ ستجدين السعادة كما وجدها الإمام أحمد في علاقته بالله، وفي إدراكه لذاته، وفي نفعه للآخرين، كما عرفها الدكتور عبدالرحمن السميط في علاقته بالله، وفي إدراكه لنفسه وحقيقتها، وما يصلح أن يكون عليه، وكذلك في نفعه للآخرين.
النقطة الثامنة: ممارسة الضبط الذاتي مع النفس
لا بد من قضية (self-control) الضبط الذاتي.
نفسكِ تريد شيئًا، لكن هذا الشيء مصدر إزعاجٍ، ومصدر اضطرابٍ للنفس، ومصدر قلقٍ وتوترٍ؛ فلا بد أن تتركيه.
طيب، أنا مُتعودةٌ على أن أجلس مع هذه المجموعة، لكنها صحيحٌ أنها تُنكد عليَّ، أو بقي وعيٌ في ذلك، أو من خلال صداقاتٍ عبر الأجهزة الذكية، أو من خلال بعض البرامج، أو من خلال التعامل بهذه الطريقة تشعر بِتَعَالٍ في التعامل مع الأُخريات ... إلى آخره، لا بد أن تضبطي نفسكِ.
أو أنك عصبيةٌ مع زوجكِ، أو عصبيةٌ مع عيالكِ، فلا بد من ضبط النفس، لا بد من (self-control)، وهناك مهاراتٌ في ضبط النفس لا بد منها، تتعاملون معها في ضبط النفس، فهذه مهمةٌ جدًّا جدًّا جدًّا.
تجدون مادةً لمُحدثكم في (اليوتيوب) بعنوان "ضبط الانفعال"[29]على الرابط: https://2u.pw/Qs4JrdJ.، قُدِّمتْ قريبًا، فيها عن مهارات الضبط الذاتي.
ويذكر أهل الاختصاص أربع مهارات في الضبط الذاتي، ليس هذا مجال الحديث عنها؛ لأنها مذكورةٌ هناك مع شيءٍ من التطبيقات على قضية الغضب، وعلى قضية الخوف، وعلى قضية الحزن، وما شابه ذلك، لكن لا بد من العمل على الضبط الذاتي (self-control)، فهذا مهمٌّ، أما قضية "أني ما أقدر"، فهذه فكرةٌ لاعقلانية، لا تستطيعين، هذه فكرةٌ لاعقلانية، لكن تستطيعين حتى لو كانت هناك معاناةٌ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11].
الشيء الثاني أيضًا كما قال الرسول : إنما العلم بالتعلم[30]أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2663)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (2328)..
هل تبقين جاهلةً؟
لا بد أن تتعلمي.
طيب، كيف تتعلمين إلا بأنك تُرغمين نفسكِ؟
وإنما الحلم بالتحلم[31]أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2663)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (2328).، أنتِ لستِ حليمةً، ماذا تفعلين؟
لا بد أن تتحلَّمي، وهذا يحتاج إلى عملية الضبط الذاتي.
عندكِ مُعاناةٌ في الأكل والسِّمنة، طيب، ماذا نفعل؟
إذا بقيتِ بهذه الصورة ستبقين في هذه المُعاناة، وتدخلين في عالم السُّكري، وفي عالم الأمراض، وما شابه ذلك.
إذن لا بد من قضية الضبط الذاتي.
أنا أُحب -والله- أن أُشاهد هذه الأفلام ذات اليمين وذات الشمال، وما شابه ذلك، لا بد من ضبط النفس، ولا بد من غَضِّ البصر، ولا بد من الامتناع، ولا بد من كذا.
أنا أُقصر في هذا الجانب، لا بد من ضبط النفس بأنني أفعل هذا الفعل، أدخل على الوالدين وأُقبل رأسهما وأبتسم ... إلى آخره.
لا بد من رغم النفس ومُجاهدة النفس: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69].
النقطة التاسعة: ممارسة التواصل مع السُّعداء الناجحين في الحياة
هذا مهمٌّ أيضًا، يعني: الذي يشعر بالضيق والطفش، ويعيش مع ناسٍ يزيدون طفشه وضيقه ما يصلح، إنما يبحث عن الناس الذين عندهم التفاؤل، وعندهم السعادة، ويُجددون الأمل، ويُعينون على ذلك.
النقطة العاشرة والأخيرة: ممارسة الترفيه النافع والمزاح المُنضبط المُناسب
من خلال ما ثبت أن عملية الشهيق والزفير علميًّا، مثلًا: ربع ساعة في النهار والليل، خمس مرات في أخذ النفس تُؤثر في إيجاد الراحة وما يتعلق بذلك، وقضية الاسترخاء، وقضية هرمون التوتر، وفي مقابل ذلك طرده لهرمون السعادة من خلال المشي وإفراز هذا الهرمون، وما شابه ذلك ... إلى آخره.
حتى تُضبط البوصلة البيولوجية في حياتنا، فجزءٌ من الإشكالية أن عندنا بوصلات: الليل نهارٌ، ونهارنا ليلٌ، وتجد أن أكثر الناس راحةً وطمأنينةً هم المُنضبطون في حياتهم صيفًا وشتاءً؛ ولذلك حتى هذا الجانب المتعلق بقضية ممارسة الترفيه المُنضبط، وممارسة المزاح، وما شابه ذلك يُعطي جانبًا من السعادة.
وكذلك ما يرتبط بقضية ضبط الإنسان بحيث تعرف متى تنام، ومتى تقوم، وانتهى الأمر، لكن مرةً تنام مُبكرًا، ومرةً تنام مُتأخرًا، ومرةً لا تنام إلا الفجر، ومرةً كذا، فالأصل في الليل أنه لباسٌ، والنهار مَعَاشٌ.
وأعرف شخصًا كان لا ينام الليل أبدًا، وهو دكتورٌ، وعنده برامج في الجامعة بعد الظهر، وهو يقرأ قراءةً بِنَهَمٍ، وعنده أيضًا برامج ينفع بها الآخرين، وينام في الصباح، فهذا بوصلته البيولوجية تسير بهذا الشكل وانتهينا، ومواعيده يجعلها في أوقاتٍ أخرى، لكن تنضبط القضية بهذه الصورة.
أما الشتات فهو يُسبب القلق، فمرةً تقوم مُستيقظةً مُرتاحةً، ومرةً غير مُرتاحةٍ، فضبط البوصلة البيولوجية مهمٌّ في ذلك.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وما كان من صوابٍ فمن الله، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان.
والحمد لله رب العالمين.
الأسئلة
المقدمة: يُعطيك العافية يا دكتور، أجزل الله أجرك، نأخذ استفسارات؟
الدكتور: تفضلوا.
المقدمة: سؤالٌ للدكتور: ما علاج الإحباط؟
الدكتور: ما ذكرناه داخلٌ فيه هذا الجانب، لكن المُحْبَط عنده مشكلة نقصٍ في قضية ما ذكرناه في الغاية الأولى: العبودية، ومن ذلك: الإيمان بالقضاء والقدر، وعنده مشكلةٌ في النقطة الثانية: في التفاؤل والتشاؤم، وقد تكون عنده مشكلةٌ أيضًا في أنه لا يتواصل مع الناس أو تتواصل مثل صاحبة التفاؤل، يعني: يُحبطون.
فالمُفترض أن يكون الإنسان مُوطنًا نفسه على أنه سيلقى فئاتٍ متنوعةً، فلا نكن مثل الإسفنجة كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية[32]قال ابن القيم -رحمه الله-: "قال لي شيخ الإسلام وقد جعلتُ أُورد عليه إيرادًا بعد إيرادٍ: لا تجعل قلبك … Continue reading، يعني: الإسفنجة مشكلتها أنها تتشرب كل شيءٍ: الأشياء الجميلة، والأشياء غير الجميلة أيضًا، يعني: غير السَّوية.
فالمُفترض أن تكوني مثل الزجاجة كما قال، فكوني مثل الزجاجة، بمعنى: أنكِ لو مررتِ بواحدةٍ مُحْبِطَةٍ فَغُضِّي الطرف، ولا تقفين معها، ولا تسترسلين، واعتبريها مثل الخاطرة السيئة؛ فادفعيها حتى لا تكون فكرةً كما ذكر ابن القيم.
فأقول: إن القضية مجموعةٌ من القضايا؛ تحتاجين إلى مُراجعة نفسكِ أنتِ بالتعامل مع ذاتكِ، وقبل ذلك مع الله ، ومع نفسكِ في التفاؤل ومحاولة ضبط النفس في هذا الجانب، وكذلك أن تكوني في بيئةٍ تُساعدكِ على قضية التفاؤل والتَّشجيع والتَّحفيز.
أنا أُقِرُّ بأن بنتًا نشأتْ في أسرةٍ لا تُشجع، بل تُحْبِط، ونشأتْ أيضًا في مدرسةٍ مع مُعلماتٍ لا يُشجعن ومُحْبَطين؛ ستكون مُحْبَطَةً، لكن المُفترض أنها لا تكون مُستسلمةً لذلك ما دامت قد وَعَتْ، أو وجدتْ مَن يُوجهها ... إلى آخره، لكن بلا شكٍّ نقول للأسرة: أنتم قصَّرتم وظلمتم. ونقول كذلك للمدرسة نفس الكلام: قصرتم وظلمتم.
فلا شكَّ أن الإنسان يتأثر ببيئته، لكننا نستطيع بتوفيق الله ثم بقوة إرادتنا أن نسبح ولو ضد التيار.
المقدمة: أثابك الله.
السؤال: هل القلق الدائم عرضٌ من أعراض عدم الأمن النفسي؟
الدكتور: بلا شكٍّ، وهو على وصفه: قلقٌ دائمٌ، فهذه مشكلةٌ؛ ولذلك فإن الأخت التي تُعاني من هذا يجب أن تعرض نفسها على النقاط التي ذكرناها، لكن أيضًا أرى أنها لا بد أن تذهب إلى طبيبةٍ نفسيةٍ جيدةٍ مُختارةٍ أو مُختصةٍ، أو أخصائية نفسية؛ حتى تتم عملية ما يُسمى بـ: العلاج المعرفي أو السلوكي، فإن تيسرت وخَفَّت فالحمد لله، وإلا قد يتدخل العلاج الدوائي في تخفيف حِدَّة ذلك، والله أعلم.
السؤال: طفلي تأثر بـ(كورونا) وأصبح مُنطويًا ويخاف من الخروج، كيف أُسيطر عليه وأحلّ المشكلة؟
الدكتور: لا أظن أن طفلًا يقول كلامًا أو يفعل فعلًا إلا من خلال الاقتداء والقابلية التي تلقاها من الآخرين، فالطفل عنده ميزتان أساسيتان ضعوهما في بالكم: عنده سرعة الحركة وحب اللعب، وعنده قضية قوة الحفظ، وهذا أمرٌ مُنْتَهٍ، وأنا لا أتكلم في هذا الجانب، ولكن أتكلم في نقطتين مُهمتين جدًّا، وهما: خاصية سرعة القابلية والتشكيل -خلوها في بالكم-، والخاصية الثانية: قوة التقليد والمُحاكاة.
ففي الغالب نحن السبب في ذلك، نحن الذين نُخوفهم، فيرى الطفلُ أمامه أُمًّا خائفةً وقلقةً، وتتكلم بكلامٍ ينبغي ألا تتكلم به أمام الطفل مثلًا ... إلى آخره، فتزيد هذه القضية.
أنا معكم أنهم جزءٌ من القضية، فلا بد أن نُعطيهم توجيهاتٍ، لكن بالقدر المعقول، المناسب، البَيِّن؛ لأن الأم القلقة سيتولد منها طفلٌ قلقٌ، وكذلك الأب القلق ... إلى آخره، فستكون القضية أخفَّ؛ لأن هذه القضية -كما يُقال- مُتفاوتةٌ.
الذي أراه هو محاولة اللعب معه، والانبساط، ومحاولة إشغاله، فالطفل من السهل أن يخرج من هذه الدائرة الآن، نقول: انظر للجانب الآخر، لكن بلا شكٍّ نحن إذا زدنا الطين بِلَّةً، وجعلنا القضية (بُعْبُع)، مثل: عندما نحكي له قبل النوم قصصًا مُخيفةً؛ سيخاف من الليل، فعندما نقول له: إذا كانت الأنوار مُغلقةً، ودخل حيوانٌ مُفترسٌ؛ سيخاف، ونحن السبب في ذلك.
فلذلك إذا كان الكبار مع تعرضهم للكلام حول (كورونا) يقع بعضهم في فَخِّ القلق، فما بالكم بالأطفال؟
فينبغي أن نتعامل مع القضية بتعاملٍ سليمٍ، كأننا نُأكله ونُشربه، نحن نُأكله ونُشربه، لكن لا نجعل القضية بهذا الهاجس، فأدمجوه، ولاعبوه، وسامروه، واجعلوه يأنس ويرى الأشياء ... إلى آخره، فمهمٌّ جدًّا هذا الأمر.
نعم مع الاحتياطات المطلوبة، لكن لا بد أن نفهم الاحتياطات حقيقةً، ولا نُضَخِّمها ونطلع احتياطاتٍ من عندنا؛ ولذلك قلتُ: القضية مربوطةٌ بالنفس السَّوية من الوالدين، أو الأخوات، أو الكبيرات، أو شيءٍ من هذا القبيل، ومن الأسرة، في مقابل غير السَّوية، والله أعلم.
المقدمة: يُعطيك العافية يا دكتور.
السؤال: هل الأرق سببه عدم الأمن النفسي؟
الدكتور: نعم، على أية حالٍ أنا ما عندي إشكالية في قضية أن الإنسان يشعر أحيانًا ...، قلتُ: إن النبي قال الله له: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ [الكهف:6]، فوجود شيءٍ معينٍ في الحياة أحيانًا يُكدر خاطر الإنسان، فهذا يدل على أن الأمن ليس مُتوفرًا في هذه اللحظة، لكن هل نقول عن هذا الإنسان أنه مُضطربٌ نفسيًّا؟
لا؛ ولذلك فإن الإنسان من طبيعته أن يكون عنده إقبالٌ وإدبارٌ، وعنده كذا، فيأتي أرقٌ، لكن هناك فرقٌ بين الأرق المستمر والأرق المفهوم من أين جاء، إلى غير ذلك، فجاءه أرقٌ وفكَّر في تلك الليلة، لكنه ينام بصورةٍ طبيعيةٍ، أو تنام براحةٍ وسعادةٍ ... إلى آخره.
فأنا أقول في مثل هذه المواقف: لا تقفوا، هل هذا أمنٌ نفسيٌّ، أو ليس أمنًا نفسيًّا؟
هذا أمرٌ طبيعيٌّ يمر، كلٌّ منا كما تأتيه إنفلونزا، أو تأتيه حرارةٌ أحيانًا، أو تأتيه عدم رغبةٍ في الأكل أحيانًا؛ تمر وتروح، يعني: لا نقف عندها كثيرًا، فلا يمكن أن نقول: إنه يُساوي اضطرابًا نفسيًّا، أو عدم الشعور بالأمن النفسي، هو عدم شعورٍ بالاستقرار في تلك اللحظة، نعم، مثل: عندما تُشاهدين أمامكِ شيئًا مُخيفًا، ووقفتي في الطريق حتى لا تتعرضي لهذا المُخيف، هنا حصل شيءٌ من عدم الراحة.
طيب، هل معنى هذا أنني أتصرف تصرفاتٍ تُسبب لي مشكلةً أكبر؟
هذه هي المشكلة هنا، إنما: إنا لله وإنا إليه راجعون، أو تدعو الله ، وتذكر الله ، وتُفكر برويةٍ حتى تعرف كيف تتصرف في هذه اللحظة، وهذه علامةٌ على أنك تتعامل مع نفسك بطريقةٍ صحيحةٍ، وتستطيع أن تتكيف مع مثل هذه الأمور بطريقةٍ سليمةٍ، وهو عنوانٌ للأمن النفسي، والله أعلم.
المقدمة: أثابكم الله.
السؤال: هل الكتمان الدائم شيءٌ إيجابيٌّ أم سلبيٌّ؟
الدكتور: لا، سلبي، الكتمان الدائم، هذا الوصف العام أو الشيء الدائم المُستمر ... إلى آخره إلا الخير، فهو خيرٌ ورائعٌ أن يستمر فيه، وممتازٌ، لكن الأصل في الإنسان أنه يتكلم، فالإنسان بطبعه مدنيٌّ، وبطبعه أنه يأخذ ويُعطي، ومن ذلك ما يتعلق بالتواصل اللفظي وما يرتبط به.
طيب، لماذا أكتم وغيري يحتاج معلومةً؟! والطبيعي أن هذه المعلومة أُعطيه إياها، أو القضية أُعطيه إياها، فهذا بالعكس، يعني: هذا جانبٌ ليس إيجابيًّا، ويُسبب بلا شكٍّ إضعافًا للراحة النفسية للشخص نفسه؛ لأنه من المُفترض أن يكون سويًّا، وله تواصلٌ إيجابيٌّ مع الآخرين، أو على أقل تقديرٍ يُسبب مُضايقة الآخرين، أو ما شابه ذلك.
أما الشيء الذي أكتمه وقد طُلب مني أن أكتمه فهذا طبيعيٌّ، وهو عين العقل، وقبل ذلك الشرع، أو شيءٌ لا يُناسب أن أقوله لهذا الشخص، وقد أقوله لغيره؛ لأنه غير مُناسبٍ، وأعرف أنه سيضره، فهذا عين العقل ... إلى آخره.
قضية الكتمان مشكلةٌ، ومثل هذه الفتاة -مثلًا- عندما تتزوج وتكون باقيةً بهذه الصورة ستُعاني جدًّا مع زوجها، وسيقول زوجها: أنا -والله- ما أدري ما تريد، فهي تكتم ما في نفسها! وبعد ذلك إذا انفجرت تقول: كل السنوات الماضية كنتُ أتحملك، وصابرةً، وكاتمةً!
لماذا لا تتحدثين وتُخرجين ما في نفسكِ بأدبٍ؟
فهذا الوصف الذي ذكرتُموه لا شكَّ أنه ليس سويًّا، والله أعلم.
المقدمة: أثابكم الله.
نختم بسؤالٍ أخيرٍ: ما أهم مُهددات الأمن النفسي؟
الدكتور: ضعف العلاقة بالله ، لا شكَّ في ذلك، والفراغ، لا شكَّ في ذلك، والصديقات غير الإيجابيات، لا شكَّ في ذلك.
وأختصرها بضعف العلاقة بالله، وضعف العلاقة بالنفس وإدراك حقيقة النفس فعلًا: مَن أنتِ بالضبط؟ ما مواطن قوتك وضعفك؟ ما نمط شخصيتك؟ هل تعرفين نفسك أم لا؟ هل تعرفين هدفكِ أم لا؟
والجانب الآخر هو العلاقة بالآخرين إذا كانت سلبيةً.
هذه من المُهددات، والله تعالى أعلم.
المقدمة: سؤالٌ أخيرٌ: عدم البكاء وكتمه.
كتب: أنا أُعاني من هذا الشيء، سبع سنوات ما بكيتُ، هل هذا شيءٌ سلبيٌّ وأحتاج إلى طبيبٍ؟ وكيف أتخلص من هذه الأزمة؛ لأني أخاف أن يراني أحدٌ وأنا أبكي؟
الدكتور: هذه فكرةٌ لاعقلانية: أخاف أن يراني أحدٌ وأنا أبكي! ما المشكلة؟
الرسول بكى، فما المشكلة يا أختي، أو يا بنتي؟
هذه مشكلةٌ لاعقلانية، ادفعي هذا الفكر اللاعقلاني بفكرةٍ عقلانيةٍ: أنكِ من الطبيعي أن تبكي في الموطن الذي فيه بكاء، لكن تبكين بطريقةٍ هستيريةٍ، أو تبكين من غير سببٍ، أو تبكين -كما يُقال- لكل شيءٍ، يعني: حسَّاسةً جدًّا جدًّا، هذا لا، لكن بهذا الوصف الذي ذكرتيه، هذا الجزء الأخير هو حقيقة المشكلة التي قصدناها في قضية الأفكار اللاعقلانية، فليس صحيحٌ أبدًا أن تُعطي نفسكِ هذا الانطباع، أبعدي هذه الرسائل السلبية، وضعي مكانها رسائل إيجابية؛ ستجدين الفرق بإذن الله .
ولذلك أنا أقول: ينبغي أن نعرف كيف نتعامل مع أنفسنا؟ نعرف ما هو الصحيح أولًا، ترى أن هذا هو الصحيح، هذا أصل المشكلة، يعني: يُفترض أنها هي التي تُعالج نفسها بنفسها، هي الدكتورة وتُعالج نفسها بنفسها، والله تعالى أعلم.
أسأل الله أن يُعيننا وإياكم على كل خيرٍ، ويجعلنا وإياكم سُعداء في الدنيا والآخرة.
وما كان من صوابٍ فمن الله، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان، وجزاكم الله خيرًا.
المقدمة: أثابك الله يا دكتور، ونتقدم لك بجزيل الشكر على ما قدمتَ الليلة من لقاءٍ جميلٍ ومُمتعٍ ومُفيدٍ، وأسأل الله أن يُبارك لك في عملك، وأن يجزل لك الثواب.
نشكر أيضًا كل مَن انضم إلينا على حُسن الإنصات والاستماع، ونُحب أن نُذكركم بمتابعة حساب الجمعية في (تويتر)، والإجابة عن السؤال المتعلق بهذه الأُمسية، وأيضًا نُرحب بتقييمكم واقتراحاتكم عبر رابط التقييم في (الشات).
أحبتي سنتوقف عن لقاءاتنا القادمة حتى نهاية إجازة العيد، وسنعود بإذن الله.
لن نقول: وداعًا، ولكن نقول: إلى اللقاء في لقاءاتٍ قادمةٍ، إلى ذلك الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
↑1 | البيت للحُطيئة كما في أمالي القالي (2/ 202)، والتذكرة الحمدونية (1/ 156). |
---|---|
↑2 | ديوان إيليا أبو ماضي (ص191). |
↑3 | أخرجه الترمذي (3375)، وابن ماجه (3793)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1491). |
↑4 | أخرجه البخاري (6318)، ومسلم (2727). |
↑5 | ونص كلام ابن القيم -رحمه الله- هو: "الذكر يُعطي الذاكر قوةً، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه". ينظر: "الوابل الصيب من الكلم الطيب" (ص77). |
↑6 | أخرجه أحمد (15156)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (174)، وحسنه الألباني في "مشكاة المصابيح" (177). |
↑7 | جاء عن الإمام أحمد أنه سُئل: متى يجد العبدُ طعمَ الراحة؟ فقال: عند أول قدمٍ يضعها في الجنة. ينظر: "طبقات الحنابلة" لابن أبي يعلى (1/ 293)، و"المقصد الأرشد" لابن مفلح (2/ 398). وجاء في"البيان والتبيين" للجاحظ (3/ 110)، و"عيون الأخبار" لابن قتيبة (2/ 401)، و"المجالسة وجواهر العلم" لأبي بكر الدينوري (4/ 48): قيل للربيع بن خُثَيْم: لو أَرَحْتَ نفسك. قال: راحتها أُريد. |
↑8 | أخرجه الترمذي (2450)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3377). |
↑9 | أخرجه مسلم (2822). |
↑10 | أخرجه مسلم (2822). |
↑11 | أخرجه أبو داود (4985)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7892). |
↑12 | أخرجه البخاري (1283)، ومسلم (926). |
↑13 | أخرجه البخاري (1303)، ومسلم (2315). |
↑14 | ينظر: "مجموع الفتاوى" (10/ 149). |
↑15 | ينظر: "الفتوى الحموية الكبرى" (ص192-195). |
↑16 | أخرجه البخاري (5756)، ومسلم (2224). |
↑17 | أخرجه مسلم (1469). |
↑18 | أخرجه الترمذي (2499)، وابن ماجه (4251)، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3139). |
↑19 | أخرجه مسلم (2818). |
↑20 | البيت لأبي العتاهية. ينظر: "لباب الآداب" للثعالبي (ص172). |
↑21 | "ربيع الأبرار ونصوص الأخيار" لجار الله الزمخشري (3/ 403)، وروى الطبراني في "المعجم الكبير" (8538) عن عبدالله بن مسعود أنه قال: "إني أكره أن أرى الرجل فارغًا، لا في عمل دنيا، ولا آخرة". |
↑22 | ينظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (8/ 197)، و"لسان العرب" لابن منظور (11/ 324). |
↑23 | أخرجه البخاري (2893). |
↑24 | أخرجه مسلم (2664). |
↑25 | أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134). |
↑26 | "الفوائد" لابن القيم (ص45). |
↑27 | على الرابط: https://2u.pw/sdQO7Kc. |
↑28 | أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6026)، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2623). |
↑29 | على الرابط: https://2u.pw/Qs4JrdJ. |
↑30 | أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2663)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (2328). |
↑31 | أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2663)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (2328). |
↑32 | قال ابن القيم -رحمه الله-: "قال لي شيخ الإسلام وقد جعلتُ أُورد عليه إيرادًا بعد إيرادٍ: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السّفنجة، فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المُصْمَتة تمر الشُّبهات بظاهرها، ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربتَ قلبك كل شبهةٍ تمر عليها صار مقرًّا للشبهات". ينظر: "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/ 140). |