بسم الله الرحمن الرحيم،
حينما قال الله : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21]، هذا هو هدف الزواج، وهدف بناء الأسرة، وهذا لا بد أنه ينسحب على تربية الأبناء، وخاصةً قضية الشباب.
"السكن والمودة والرحمة" قضية مهمة جدًّا، قضية الاستقرار الأسري الذي نحن في أمسِّ الحاجة إليه.
هناك قضايا أيها الأخوة والأخوات القائمون على الأسر، يا مَن أنتم بأمسِّ الحاجة -ونحن كذلك معكم- إلى رعاية شبابنا وفتياتنا، لا بد أن نُدرك أن هناك ثلاثة مسارات مهمة جدًّا في توجيه الشباب، وفي تقديم خدمات وبرامج متعددة لهم:
المسار الأول: المسار النمائي
بمعنى: أن الأسرة تضع ضمن أهدافها وضمن إجراءاتها وبرامجها أنها تسأل نفسها سؤالًا: كيف تبني هذا الشاب؟ وكيف تبني هذه الفتاة؟ كيف تبني هذا المراهق؟ وكيف تبني هذه المراهقة؟ في جوانب الحياة المتعددة؛ حتى يكون لهذا أثر على شخصيات أبنائهم، وشخصيات شبابهم، وشخصيات فتياتهم.
سؤال مهم جدًّا: البناء، الله حين يقول: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21]، هذا البناء الذي أجره سيُتحصل يوم القيامة، هم آمنوا: الآباء والأمهات، ثم كان لهم أثرٌ على إيمان شبابهم: ذكورًا وإناثًا، المراهق والمراهقة، وأثَّروا فيهم، وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ فالله يُلحق الأبناء بالآباء يوم القيامة في جنات النعيم.
أسأل الله أن يرزقنا وإياكم هذا الجزاء الوفير العظيم.
هذا الجانب البنائي خذه في الجانب الإيماني، خذه في الجانب العبادي، خذه في الجانب الأخلاقي، خذوه أيها الأخوة في الأُسَر، في الجانب القيمي، في الجانب الاجتماعي، في الجوانب الدنيوية المنتجة، في قضايا الصحة، في قضايا حاجات المراهقين، وحاجات المراهقات عمومًا، وربما -إن شاء الله تعالى- نشير إليها في حلقات أخرى.
إذن نحتاج إلى أن يكون هناك تركيز على المسار البنائي، بل هو الأساس في بناء شخصية المراهق والمراهقة، كيف نبنيهم؟ لأن كثيرًا من الناس يركزون على المسار الأخير الذي ينبغي أن يكون أضيق كما سيأتي معنا بعد قليلٍ.
المسار الثاني: المسار الوقائي
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، كما نحتاج البناء لأجل اكتساب المبادئ والأفكار والقيم والسلوكيات والمهارات الإيجابية، كذلك تحتاج الأسرة أن تسأل نفسها: هل تقي أبناءها وشبابها: ذكورًا وإناثًا -المراهقين والمراهقات- من أن يقعوا في انحراف فكري، أو انحراف سلوكي، أو يُعانوا من المشكلات، أيًّا كان نوع هذه المشكلات؟ هذه وقاية، والوقاية خير من العلاج.
فقبل أن نقول: كيف نعالج؟ الأفضل من ذلك أن نقيهم من أن يقعوا في المشكلات، وهذه قضية مهمة جدًّا جدًّا جدًّا، وهي قضية البرنامج والمسار الوقائي في الأسرة، فينبغي أن يكون هذا السؤال ضمن أهداف الأسرة، فتُجيب عن هذا السؤال: ما البرامج الوقائية التي نقدمها لشبابنا وفتياتنا؟
وعندئذٍ نستطيع أن نتعامل مع قضايا كثيرة: كالتقنية، ونتعامل مع قضايا الأصدقاء، ونتعامل مع قضايا الفراغ؛ لأن عندنا شيئًا اسمه "الوقاية"، فأنا لا أريد لأبنائي وبناتي أن يصحبوا أصدقاء السوء، ولا أريد منهم استخدام التقنية بشكل سلبي، وما شابه ذلك.
المسار الثالث: المسار العلاجي
وهذا المسار يركز عليه كثير من الناس، وينبغي أن تكون دائرته هي الدائرة الضيقة، فكل واحد من شبابنا مُعرَّض للمشكلات، ذكرًا كان أو أنثى، والمشكلات ربما تصل لمستوى قضايا الشبهات الفكرية، وقضايا متعلقة بالإلحاد، ومتعلقة بقضايا تمييع الدين، ومتعلقة بقضايا عديدة جدًّا، ومتعلقة بقضايا القيم، ومتعلقة بقضايا عدم الإنتاجية في الحياة، فنحتاج أن نساعدهم، ونسأل أنفسنا سؤالًا: ما الأمور التي قدمناها لعلاج مشكلاتهم؟
حينما نكون قريبين أيها الأخوة والأخوات من أبنائنا -ذكورًا وإناثًا- في مرحلة الشباب في الجانب البنائي، والوقائي، والعلاجي، نستطيع -بإذن الله - أن نعيش معهم حياةً سعيدةً.
أسأل الله لي ولكم ولهم التوفيق والسداد.
والحمد لله رب العالمين.