mnmبسم الله الرحمن الرحيم
حينما نتحدث عن الأسرة واستقرارها لا شك أن من أهم ما يتعلق بذلك: تربية هذه الأسرة لأبنائها، خاصةً فئة الشباب.
هذه المرحلة (مرحلة الشباب، أو مرحلة المراهقة) إذا لم تكن مستقرةً أثَّر ذلك على استقرار الأسرة، أو أدى إلى ضعف استقرار الأسرة.
فمرحلة الشباب -أو مرحلة المراهقة- هي مرحلة المتغيرات الجسمية، والانفعالية، والجنسية، والاجتماعية، والعقلية، مرحلة فيها تغير كبير، ونمو كبير، خاصةً في مرحلة المراهقة المبكرة، وهي مرحلة الاضطراب الانفعالي.
وحينما نأتي لهذه المرحلة ينبغي على الأسرة أن تُدرك حقيقة هذه المرحلة، فهذه المرحلة هي التي تنقل الإنسان من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد، فالشاب أتى من مرحلة كان ينبغي على الأسرة أن تحرص عليها، وهي مرحلة الطفولة، حتى يدخل مرحلة المراهقة والشباب وهو في نضجٍ واستواءٍ واستقرارٍ، ثم سيُقبل على مرحلة الرشد وهو على خير حالٍ.
هذه قضية لا بد أن تُدركها الأسرة.
هذه المرحلة أيضًا هي مرحلة البحث عن الذات، والبحث عن الهوية، فهي مرحلة مهمة جدًّا: "مَن أنا؟" سؤال كبير يسأله الشاب، ويسأله كذلك المراهق، ذكرًا وأنثى.
أيضًا في هذه المرحلة يشعر المراهق ويشعر الشاب بأنها مرحلة التميز ومرحلة الاستقلالية بالنسبة له، فهو لم يعد طفلًا، وهذه قضية لا بد أيضًا أن نُدركها.
وهي مرحلة تُسمّى أيضًا "مرحلة الميلاد الجنسي"، وتُسمّى "الميلاد الثاني"، يعني: قد وُلِدَ أول ما وُلِدَ من بطن أمه، ثم الميلاد الثاني يكون في هذه المرحلة، وهذا يدل على ضخامة التغيرات التي حصلت لهذا الإنسان في هذه المرحلة، وبخاصةٍ ما يتعلق بالتغيرات الفسيولوجية المرتبطة بالهرمونات الجنسية، وأثرها على الشاب، وعلى المراهق؛ لذلك تجد هذا الشاب وهذا المراهق في بنائه الجسمي -خاصةً في مرحلة المراهقة المبكرة- ربما يزداد جسمه طولًا وصوته خشونةً، وهكذا بالنسبة للبنت في الجوانب التي تتعلق بالأنثى.
فلذلك مهم جدًّا ألا نعتب عليه، ولا نضحك عليه، ولا عليها، والسبب في ذلك أنه أمرٌ لا بد منه، ولا يستطيع هو أن يُغير هذه الحالة التي خلقه الله عليها.
كذلك هذه المرحلة هي مرحلة بناء نسق قيمي، فهو في هذه اللحظة يحتاج إلى قيم واضحة وبينة يتعامل بها مع الله، ويتعامل بها مع نفسه، ويتعامل بها مع الناس.
هذه المرحلة من المراحل المهمة جدًّا، ففيها يُضبط سلوكه، ويُوجّه هذا السلوك، ويتعلم القيم حتى يستطيع أن يعيش بصورةٍ إيجابيةٍ، وبصورةٍ عظيمةٍ جدًّا.
هذه المرحلة التي نتحدث عنها -مرحلة الشباب- هي مرحلة وجود الحاجات الجديدة، فهو يحتاج إلى قضية تأكيد الذات، ويحتاج إلى الثقة وما يتعلق بها، وهذه القضية مهمة جدًّا للشاب، فالشاب والمراهق يحتاج أن يؤكد نفسه ويؤكد ذاته.
ولا بد أن تُدرك الأسرة: مَن هو الشاب؟ مَن هي الشابة؟ مَن هو المراهق؟ مَن هي المراهقة؟ ما طبيعة هذه المرحلة؟ فهذه قضية مهمة جدًّا؛ لذا لا بد للأسرة أن تقرأ في هذا الجانب، وأن تحضر دورات في هذا الجانب؛ حتى تستطيع أن تتعامل مع المراهق والشاب -ذكرًا وأنثى- بطريقةٍ سليمةٍ جدًّا.
هناك بعض الكتب الخاصة بعلم نفس النمو تحتاج الأسرة أن تطلع عليها، ومن ذلك كتاب الأستاذ الدكتور عمر المفدى في علم نفس النمو، وهو من الكتب الجميلة جدًّا الخاضعة للتأصيل الإسلامي، والعمق العلمي، وكذلك الاطلاع على الدراسات الحديثة المحلية وغيرها.
وحينما نقرأ كتاب الأستاذ الدكتور عبدالعزيز النغيمشي "المراهقون" نجد أنه تكلم عن حاجات المراهقين، فهو من الكتب المهمة التي نحن بأمس الحاجة إليها، فالأسرة تحتاج أن تطلع عليها.
وحينما تحصل فجوة بين المربين في الأسرة والمتربين من المراهقين والشباب سيحصل الاختلال النفسي والاضطراب، وسيحصل عدم الاستقرار لدى هؤلاء الشباب وأولئك المراهقين والمراهقات، وعندئذٍ لا يحصل الاستقرار في الأسرة.
أسأل الله أن يجعل أسرنا مستقرةً، وأن يوفقنا وإياكم لكل خيرٍ، وأن يهدي شبابنا وفتياتنا.
والحمد لله رب العالمين.