بسم الله الرحمن الرحيم
مما ينبغي إدراكه من قبل الأسرة بالنسبة للشباب -مرحلة الشباب- حاجتهم ومشكلاتهم المتعلقة بالقضايا التربوية والمهنية والمدرسية، هذا شغل كبير، والدراسات أثبتت أن العنصر المرتبط بجانب اختيار التخصص، والمدرسة، والجامعة -وبخاصةٍ ما بعد التخرج- والجانب الوظيفي تُشغل أذهان الشباب ذكورًا وإناثًا، كما في دراسة "الشباب: الأولويات والاهتمامات" التي نشرها مركز "رؤية" في السنوات الأخيرة بالنسبة للشباب السعودي.
إذن نحتاج أن ننتبه لهذه القضية: ماذا يحتاج الشباب في هذا الجانب؟
يحتاجون إلى إعطائهم معلومات تساعدهم على معرفة أين يتجهون، هذه قضية مهمة جدًّا، كم مرَّ عليَّ من شبابٍ هم في تخصصات متنوعة، فإذا سألت أحدهم: لماذا اخترت هذا التخصص؟ ليس هناك إجابة سوى أنه أتى لمكتب التسجيل، وقرأ العنوان، وقال له أحد الأصدقاء، أو قال له والده، هذه قضية خطيرة جدًّا حينما تكون القضية مزاجية، أو حسب رأي الوالد، أو حسب رأي الصديق، أو حسب رأي أصحابه ومجموعته، وهو لم يكن هناك مَن يُعينه على قضية اختيار التخصص المناسب، والوظيفة المناسبة له.
فالأب والأصدقاء حينما يكونون مؤثرين على الابن في اختيار التخصص، دون أن تكون القضية من خلال معلومات وافية تتناسب مع قدراته، ومع ميوله، والفرص المتاحة والإمكانات؛ ستكون القضية مشكلة كبيرة، يدرس ثم يتعثر، ثم يأخذ الشهادة، وأعرف أناسًا أخذوا شهادة (البكالوريوس) ثم لم يُكملوا في مجال الوظيفة بالشهادة، بل إنني أعرف أناسًا تخرجوا من جامعات راقية بمعدل (مرتبة الشرف الأولى)، وهم مرشحون للإعادة في الجامعة، ووظفوا في جهات أخرى في مجال عملهم، لكنهم لم ينسجموا مع هذه الوظيفة، وعندما بحثنا معهم من خلال برنامج الميول المهنية وجدنا أن السبب: اختيار تخصص غير موفَّقٍ في المرحلة الجامعية، ودرسوا وأخذوا (مرتبة الشرف الأولى) وهم غير راغبين في هذا التخصص.
إذن هناك هدر في الوقت، وهدر في الجهد، وهدر في الجانب المعرفي، وهدر في أشياء كثيرة جدًّا، وهدر مالي أيضًا، ثم سيكون الضحية قبل ذلك هذا الشاب، أو تلك الشابة.
إذن هم يحتاجون إلى معلومات تفيدهم عن الفرص والإمكانات، وعن التخصصات الموجودة في الجامعات، وعن التخصصات الموجودة في المرحلة الثانوية، وعن النظام المطور في المرحلة الثانوية، وعن مجالات التخصص المختلفة، يحتاجون إلى هذا الجانب بشكل كبير جدًّا.
كما يحتاجون أيضًا إلى مَن يُساعدهم في معرفة شخصياتهم، وقدراتهم، وميولهم من خلال الاختبارات والمقاييس من أهل التخصص في قضايا الميول المهنية، وفي قضايا القدرات العقلية، حتى يستطيع الإنسان أن يعرف أين يتجه.
فإذا استطاع مختص أن يُساعدهم في هذا الجانب، أو جهات معينة؛ سيكون اختيار ابنكم أو بنتكم اختيارًا مُوفَّقًا للتخصصات، وبصورةٍ جيدةٍ، وإلا ستنفتح أبواب مشكلةٍ كما ذكرنا، أو سيكون الخيار الابتعاث الذي نحتاج إلى ضبطه من داخل الأسر حتى لا تكون القضية هي الموضة.
فموضة الابتعاث ليست إلا من أجل الابتعاث فقط، حتى نخلص من قضايا التخصصات، أو من مشكلة الجامعات، أو عدم توفر التخصصات هنا، وهذا واجب على الجهات المعنية هنا، وإلا فالابتعاث لا يصلح لكل أحد، ولا بد له من ضوابط شرعية، ولا بد له من ضوابط قيمية، وضوابط تربوية ونفسية.
فالأسرة تحتاج أن تساعد الابن والبنت في اختيار المدرسة المناسبة، والجامعة المناسبة، والأصدقاء المناسبين الذين يساعدون في تحقيق الجانب التربوي والوظيفي والمهني السليم، ويحتاجون كذلك أن يساعدوا في اختيار المعلم الناجح، والمعلمة الناجحة، وإذا سعينا في ذلك سنكون ناجحين، أما إذا كنا لا ندري عن هذه القضايا كلها، وإنما نترك الأمور تسير هكذا، فربما سنفاجأ بأشياء ليست جيدةً في الجوانب التربوية، والمدرسية، والمهنية.
والحمد لله رب العالمين.