بسم الله الرحمن الرحيم
عودًا إلى قضية الشباب وما يتعلق بالشباب، والأسرة التي تنشد السعادة والاستقرار الأسري.
آباءنا وأمهاتنا، حينما نكون قريبين من أبنائنا سنكون مُلَبِّين جدًّا لحاجاتهم، وسنكون مُعينين لهم على السعادة، ومُعينين للأسرة على الاستقرار.
فمن حاجات الشباب -ذكورًا وإناثًا- الحاجات المتعلقة بالجوانب الأسرية، والجوانب الاجتماعية.
ففي الجوانب الأسرية: تفهُّم الوالدين لما يتعلق بواقع الشاب المراهق، فلا بد من فهم هذه المرحلة، واستيعاب أنه لم يعد طفلًا، وأننا إن كنا من قبل نُدرك نظريًّا -ونرجو أن يكون واقعيًّا- أن الطفل يُربى على أن يكون رجلًا، فكيف حينما يكون شابًّا ومراهقًا؟
فمن الخطأ أن نقول: إنه ما زال صغيرًا. ومن الخطأ أن نقول: إلى الآن لم ينضج في حياته.
نعم، كل واحدٍ منا نحن -حتى في السنوات المتقدمة- سيرتقي في النضج سنةً بعد سنةٍ، وهكذا الإنسان كلما امتد به العمر يزداد في النضج، أيًّا كان هذا النضج: عقلي، ووجداني، ومهاري، وما شابه ذلك، فهو يحتاج إلى وقتٍ لينضج شيئًا فشيئًا، لكن الشاب والمراهق حساس جدًّا مع هذه المتغيرات الفسيولوجية والبناء الجديد الذي يتكون له حينئذٍ، فنحتاج أن نتفهم أنه أصبح رجلًا مُكلَّفًا من رب العالمين، فكيف لا يكون مُكلَّفًا من قبلنا؟!
نحمله المسؤولية، وهذه من القضايا المهمة جدًّا في الأسرة، نحمله المسؤولية حتى يشعر أنه رجل، لا نجعله عديم الثقة بنفسه، أو ضعيف الثقة بنفسه، وهكذا بالنسبة للبنت، فلا بد من القيام على احتياجات البيت بالنسبة للشباب، والذهاب والإياب، وتحقيق أغراض البيت للبنت، والعمل في المطبخ، والتربية على مثل هذه القضايا، والقيام بالخياطة واحتياجات البيت الداخلية، وما شابه ذلك، ولا بد أيضًا من توزيع الأدوار حسب الجنسين، ولا شك أن هذه قضية مهمة جدًّا.
فهذا التفهم من القضايا التي نحن بأمس الحاجة إليها.
والشاب كذلك يحتاج أن يُدرك ويُعان على الإدراك، فيُدرك العلاقة المتوازنة بينه وبين الوالدين، وبينه وبين الأبناء، يعني: هناك شيء اسمه: حقوق وواجبات، وهناك شيء اسمه: تبادل للعلاقات، يعني: أنا أُقدّم شيئًا إيجابيًّا، والطرف الآخر يرد عليَّ بشيءٍ إيجابي، هكذا ينبغي أن تكون العلاقات بين الوالدين والأبناء، وبين الإخوة بعضهم البعض.
كذلك هناك حقوق لي أنا، حقوق للشاب، وحقوق للفتاة، وكذلك هناك واجبات على الشاب، وواجبات على الفتاة، وهكذا بالنسبة للوالدين.
فإذا اتضحت هذه الصورة، وأصبحت عبارة عن ميثاق أخلاقي قيمي موجود، ونظام قائم، يفهم الجميع تجاهه، ويرجع إليه كمعيارٍ، فلا شك أن هذا سيفيد بشكل كبير جدًّا في تلبية الحاجات الأسرية، عندئذٍ لن تكون الأسرة بالنسبة لأبنائنا من أجل النوم والأكل فقط، فندق، لا، فلو كانت كذلك سيكون خروجهم للخارج أكثر، وإنما سيأوون إلى البيت كثيرًا إذا وجدوا تلبيةً لحاجتهم من خلال هذا البيت، خاصةً بالنسبة للفتاة، فيكون خروجها أقلّ من هذا الأمر.
القضية الأخرى المتعلقة بالجانب الاجتماعي: هي قضية تكوين صداقات، فلا بد أن يعرف مَن هو الصّديق؟ وتعرف مَن هي الصّديقة؟
فالصديق مَن صَدَقَك، لا من صَدَّقَك، فيُعان في معايير الاختيار، ويُقرّب له بعض الأصدقاء، وهكذا بالنسبة لصديقات الأم والفتاة، فيُوضع في بيئة مناسبة يتعرف من خلالها على الأصدقاء، فيُشارك الأب مع أصدقاء أبنائه، وكذلك الأم مع صديقات بناتها، حتى نضمن وجود صداقات إيجابية في هذا الموضوع: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ [الكهف:28].
والفراغ قضية مهمة جدًّا، فلا بد أن نشغل أوقات فراغهم ببرامج في الأسرة، لا ننتظر من الآخرين، ومراكز الأحياء مهمة، وكذا مطلوب من الجامعات والمدارس، ومن الأصدقاء والمجتمع، لكن الأسرة هي رقم واحد، لا بد من وضع برامج بين الزوجين للأبناء حتى يشغلوا وقت فراغهم، وإلا ستكون الطامَّة في أنشطة وقت الفراغ بما لا يرضاه الله، ولا يقبله عقل، وتصير المفاجآت في أشياء ليست جيدةً.
والقدوة مهمة جدًّا في الجانب الاجتماعي، فنعرض لهم القدوة المباشرة نحن كآباء وأمهات، حتى يقتدوا بنا بشكلٍ إيجابي، وكذلك القدوات غير المباشرة من خلال أجهزة الإعلام المحافظة، أو من خلال استقراء التاريخ، أو من خلال القراءة، وما شابه ذلك.
إذن نحن في أمس الحاجة إلى مثل هذه الأشياء، وإلى بناء قيمٍ لهم، يعني: بناء نسق قيمي اجتماعي يعرفون به ما يتعلق بالرحمة، وما يتعلق بالإيثار، والتضحية، والاحترام، ومثل هذه المعاني الأخلاقية العظيمة جدًّا، والاستفادة من بعض الموسوعات: كموسوعة "نضرة النعيم" حول القيم والأخلاق، والقراءة عليهم من آيات القرآن الكريم، وأحاديث النبي ، ومواقف السلف، ومن خلال الناس الذين يتكلمون في الأخلاق، وما يتعلق بذلك، ومُدارستها، ووجودها أمامهم تطبيقًا من خلال الأب، ومن خلال الأم، فلا شك أن هذا سيُعطي للأبناء قيمًا اجتماعية يستطيعون أن يتعاملوا بها مع الآخرين بطريقةٍ إيجابيةٍ.
أسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.
والحمد لله رب العالمين.