المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فكنا في اللقاء الماضي ناقشنا ما يتعلق بمفهوم ومصطلح التربية، ودققنا كثيرًا حول المعنى اللغوي، وأدركنا الاتجاه نحو: النمو، والزيادة، والعناية، والإصلاح، فيما يرتبط بهذا المصطلح العظيم، والمصطلح الشائك في آن واحد.
ثم تحدثنا بعد ذلك حول بعض المعاني التي أتى بها بعض علماء التربية الغربيين، وقارناها بما ذكره بعض علماء المسلمين.
وتحدثنا عن المنهجية عمومًا والفروقات بين منهج التربية الإسلامي وغير الإسلامي، وأدركنا بعض الحقائق المتعلقة بهذا الجانب ولا زلنا في هذا المصطلح المهم والكبير، وكان معنا في مداخلة الدكتور: عبد العزيز المحيميد حول هذا الموضوع، وأهميته، والحاجة إليه، وحول قدر هذا المصطلح في الميزان التربوي والميزان التعليمي.
ونرحب بكم اليوم في مداخلاتكم وأسئلتكم وإثرائكم من خلال اتصالاتكم، ومن خلال إرسال رسائل عبر الواتس آب، بما تحبون أن نجيب عليه، نسأل الله العون والتوفيق والسداد.
مصطلح التربية الإسلامية
بعد أن أدركنا مصطلح التربية في اللغة، ومعنى التربية في الاصطلاح، نأخذ مصلح التربية الإسلامية.
ولا شك أن هذا الوصف (التربية الإسلامية) شرف عظيم جدًّا، وهو وصف يميزها عن غيرها.
لكن مشكلة هذا المصطلح: أنه لم يكن معروفًا سابقًا؛ لأن أمر التربية الإسلامية كانت موجودة بالفطرة، وموجودة بنزول الوحي والقرآن كلام الله ، وبوجود شخص النبي والصحابة، ثم ذلك أثر هؤلاء الصحابة الكرام العظام على الأجيال الذين أتوا من بعدهم.
ولذلك النبي كما جاء في الحديث: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم... [1]أخرجه البخاري (2652)، ومسلم (2533)..
ولذلك هذا هو المنبع العظيم جدًّا للتربية الإسلامية.
ولكن هذا المصطلح استخدمه بعض المسلمين اليوم كمصطلح جديد، وكان يقصد به أمورًا غير الذي عرف هذا المصطلح يعني وتوصل إليه، والذي نحن نريده في هذا البرنامج: أسس التربية.
فبعضهم أخذ القضية مرتبطة فيما يتعلق بجانب استخدام هذه القضية فيما يرتبط بجانب تاريخ التربية: يعني الكلام حول تاريخ التربية في العصر الإسلامي، في العصر الأموي، في العصر العباسي، والمراحل التي انتقلت إليها التربية، كيف كان يربي أهل المشرق وأهل المغرب، كيف كانت التربية في العراق، كيف كانت التربية في المغربي العربي، وما شابه ذلك، هذا عند بعض من يطلق (التربية الإسلامية) يقصد به (تاريخ التربية عند المسلمين) كمثال.
وبعضهم يطلق التربية الإسلامية ويقصد بها: دراسة فكر التربية الإسلامية عند بعض علماء المسلمين، مثلًا: الفكر الإسلامي عند ابن تيمية، الفكر الإسلامي عند ابن القيم، كما ألف هذا المؤلف الدكتور: الحجاجي، في رسالته المعروفة المشهورة.
الفكر التربوي عند ابن الجوزي، عند ابن رجب، الفكر التربوي عند ابن سعدي رحمه الله، كما ألف هذا المؤلف في رسالة الدكتوراة الدكتور العزيز: عبد العزيز الرشودي كمثال، وغير ذلك.
فهو كدراسة الفكر الذي طرحه بعض علماء المسلمين فيما يتعلق بقضايا التربية والتعليم، وبالنظرة الشمولية للتربية التي تهتم بالقضايا العقلية، وتهتم بالقضايا الوجدانية، وتهتم بالقضايا المهارية، وتهتم بمجالات الحياة قاطبة.
وأيضًا بعضهم استخدم أسلوب التربية الإسلامية على أن المعنى هو المؤسسات التربوية، يتكلم على: ما المؤسسات التربوية التي مارس فيها المسلمون تربيتهم لغيرهم؟
فيقولون مثلًا: المؤسسة التربوية: الكتاتيب مثلًا، كما نقول اليوم: المدارس أو الجامعات، وما شابه ذلك.
وهكذا فتتكلم عن المؤسسة التعليمية، وأصبحت المؤسسة التعليمية كما سيأتي معنا مفهومها واسع في ظل وجود البيئات التي يجب أن تمارس التربية، وعلى رأسها الأسرة، المدرسة، الجامعة، والإعلام، إلى آخره من تلك المؤسسات المقصودة وغير المقصودة، يعني التي هي فيها نظام تربوي مقنن، أو التربية فيها ماشية، كما يقال، بوجود الجانب الأريحي غير المنظم وغير المُهَدَّف، وإنما تمارس فيه التربية ممارسة من غير وجود أنظمة ولوائح، وما شابه ذلك.
كما يتربى الإنسان من موقف ما في الشارع، أو الأسرة تربي، لكن ليست فيها تلكم الخطط التي موجودة في مثلًا إدارات التعليم ووزارات التعليم وفي المدارس مثلًا وفي الجامعات وفي المحاضن التربوية كمراكز تربوية، وما شابه ذلك.
أيضًا بعضهم يقول: التربية الإسلامية: المناهج وطرق التدريس، يعني الأساليب، كيف كان طريقة تعليم أهل المشرق، وطريقة تعليم أهل المغرب، فبعض العلماء المسلمين كانوا يرون مثلًا نبدأ بالقرآن قبل أن نبدأ بشيء آخر، والبعض كان يقول: تبدأ بالحروف العربية والحساب قبل أن تبدأ بشيء آخر، وهكذا، وهناك مدارس اختلفوا في هذا الجانب، وكلها مدارس إسلامية.
فهذا الاتجاه جعل البعض يطلق هذا المصطلح على هذه الجوانب المحددة، فيقول: التربية الإسلامية، وهو لا يقصد التربية الإسلامية بشمولها، هو يقصد التربية الإسلامية في هذا المجال: الفكر الإسلامي عند فلان، المؤسسة التربوية، المناهج، القضية المتعلقة مثلًا بتاريخ التربية، وما شابه ذلك.
وحقيقة الأمر: كل هذا يدخل في التربية الإسلامية، كل هذا الأمر بشموليته وغيره ممكن أن ندخله في التربية الإسلامية.
ولذلك يجب أن ندرك هذه القضية ونستعد لها لأجل أن يتثقف المسلمون والعالم الإسلامي بهذا المفهوم الحقيقي للتربية في شموليته وإلا ستصبح القضية جزئية، مثل ما يستخدم هذا الأمر كمنهج ومقرر دراسي، يعني يقال: مقرر التربية الإسلامية، وهو مقرر ساعتين في إحدى الكليات أو الجامعة أو هو مقرر موجود دراسي، وما شابه ذلك.
ولكننا لا نقصد بالتربية الإسلامية هو هذا المقرر وتلك الوسيلة وذاك المنهج، وإنما نقصد هذا كله وأكثر منه.
وهذه القضية مهمة؛ لأننا إذا جعلنا التربية الإسلامية خاصة بجانب؛ سنستبعد جوانب أخرى كثيرة على التربية الإسلامية، ولذلك حصل صراع في قبول هذا المصطلح؛ لأنه للأسف من الناحية العلمية أقصد التأليف والتدوين جاء متأخرًا، وللأسف الشديد الغربيون سبقوا كما قلنا في الحلقة السابقة إلى التأليف في التربية وما يتعلق بها، فكان هم السابقين في جانب التدوين والتأليف، بينما نحن معيننا موجود قبل ما كتبه الغرب.
بل ثبت أن عددًا من الغربيين ومن كبار الغربيين قد استفادوا كثيرًا مما طرحه الكثير من علماء المسلمين، وهذا عُرف بالتاريخ والتلاقح الثقافي بين الحضارات، ولكن بعضها أصبح حقيقة كأنها سرقات، وهكذا يجب أن ندرك.
يعني لما يأتي الغزالي رحمه الله ويتكلم عن قضية ما يرتبط بلعاب الكلب الذي ينسب إليه التعليم الاشتراطي كما يعرفه أهل التخصص في الجانب النفسي، ونجد أن الغزالي يسبق بافلوف الذي نسبت إليه هذه النظرية، وبافلوف جاء متأخرًا عن الغزالي، وهكذا.
وأيضًا ذكر بأن جون ديوي، وهو يسمى بأبي التربية الحديثة، وهو ليس مسلمًا، أنه استفاد كثيرًا أو أخذ من ابن خلدون في مقدمته الشيء الكثير.
نحن نريد أن نصل بعد هذا كله إلى أن مفهوم التربية الإسلامية الذي نقصده في "أسس التربية"، وفي برنامجنا هذا وما ينبغي نشره، أنه ليس مقصورًا على جانب دون جانب وإنما يشمل كل ما ذكر وغيره.
لذلك بعض العلماء تكلموا حول هذا الموضوع، وذكروا في معنى التربية الإسلامية أنه نظام تربوي، وأنه ليس عبارة عن منهج فقط، وليس عبارة عن وسيلة، وليس عبارة عن أسلوب، وليس عبارة عن مقرر فقط، وليس عبارة عن تاريخ فقط، كل هذا داخل ويشمل أكثر من ذلك بما يمكن أن نسميه: هو نظام تربوي جاء به الإسلام، هذا المصدر: من الكتاب والسنة، ومن الإجماع، ومن اجتهاد العلماء ومن التجارب والوقائع الحقيقة الصادقة، جاء بها الإسلام ليكون أداة للتغيير الثقافي والاجتماعي في جميع المجتمعات البشرية، وحتى يكون كذلك أداة هذا النظام لصياغة الإنسان ونموه، وتربيته، ورعايته في جميع جوانب النمو بما ينسجم مع فطرته: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30].
لذلك ممكن أن نقول في تعريف التربية الإسلامية، حتى نتفق جميعًا على ماذا نقصد بالتربية الإسلامية، فلا نفهم ما ذكرناه قبل قليل أنه محصور بشيء معين، ألا وهو:
التربية الشاملة القائمة في كل جانب منها على الإسلام؛ التربية الصحية، العقلية، الوجدانية، المهارية، التربية الاجتماعية، التربية السياسية، والمنبثقة أساسًا من حدود الإسلام ومفاهيمه، إذًا هو نظام تربوي شامل متكامل؛ فلا بد لنا أن ندرك هذا الأمر.
فيجب أن نحرص على معرفة الإسلام على حقيقته، حتى نعرف التربية الإسلامية على حقيقتها.
ولذلك ستجدون أن التربية الإسلامية جاءت من خلال منبع الإسلام: الوحي وشخص النبي وتربيته لأصحابه، ولذلك قال النبي : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ[2]أخرجه الترمذي (2676)، وقال: "هذا حديث حسن صحيح"، وابن ماجه (42)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4369)..
هذا الهَدي وهذه السنة، وهذا المنهج الذي كان عليه الصحابة هو الأساس في منهج التربية الإسلامية، بها استطاعوا أن يربوا الأشخاص ويعدوهم الإعداد السليم، ويستثمروا طاقاتهم، ويفتحوا استعداداتهم، ويكملوا بناء شخصياتهم، ويجدوا المؤثرين في شخصياتهم المؤثرين في مجتمعاتهم وينشئوهم، ويرعوا جوانب نموهم في مجالاتهم العديدة: النفسية، والثقافية، والاجتماعية، وغيرها من الجوانب العضوية، والمعنوية الحسية، والجسدية، وغير ذلك من الأمور الدنيوية والأخروية.
ولذلك أعطوا فعلا النموذج الراقي الذي أثر على المجتمعات ونقل المجتمعات بهذه الحضارة العظيمة من خلال منهج التربية الإسلامية.
***
فاصل ثم نعود فجزاكم الله عنا خيرًا.
***
نواصل الحديث عن التربية الإسلامية، هذا المصطلح العظيم: هو نظام ينظم حياة الأسرة، وينظم حياة المدرسة، وينظم حياة المنشأة، وينظم المجتمع كاملًا؛ لأنه ينبثق من مصدر الوحي: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].
فهذا هو الذي يجب العناية به بشكل كبير، وهو الذي يجب أن تكون عليه الاستقامة في هذه الحياة والسعادة في الدنيا والآخرة وحل المشكلات على حقيقتها، ووضع البوصلة الحياتية الحقيقية للتربية السليمة.
فحين ننظر إلى الجيل العظيم، الجيل الفريد، الجيل الفذ، جيل الصحابة.. ننظر إلى شخصية أبي بكر وشخصية عمر رضي الله عنهما، يعني ننظر خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا [3]أخرجه البخاري (3383)، ومسلم (2378)..
ننظر لهذا الجيل الذي تغير، ننظر إلى مصعب بن عمير الذي كان معطرًا وكان من أجمل الفتيان، وتلاحقه النساء بسبب عطره ويوضع عند رأسه من أمه أنعم الأكل والفطور، ويُقدم بين يديه ما يُلذ من الأكل وأطيب الشراب، فما إن دخل الإسلام إلا وأصبح شخصًا آخر، وهو أول سفير للإسلام، وبكى عليه عبدالرحمن بن عوف حين قُدِّم إليه الطعام وكان صائمًا وقال: قُتل مصعب بن عمير وهو خير مني، وكفن في بردة: إن غُطّيَ رأسه بدت رِجلاه، وإن غُطّيَ رجلاه بدا رأسه،...، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام"[4]أخرجه البخاري (3897 و 4045)..
هو نفس الشخص ولكن تغيرت التركيبة العقلية والنفسية والمهارية بوجود هذا المنهج الذي نظم حياته ونظم هذه البوصلة.
معنا الأخت أنفال من السعودية.
المتصلة: السلام عليكم.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصلة: الله يعطيك العافية يا دكتور.
الشيخ: الله يعافيكم حياكم الله.
المتصلة: أنا عندي سؤالان إذا تسمح، سؤال: تحكي لنا بشكل مختصر عن التربية السليمة كيف نربي أولادنا؟
الشيخ: يعني التربية السليمة بشكل عام أو لا؟
المتصلة: نعم بشكل عام، ما المناسب وأستفيد منه؟
وكذلك في بعض الآباء لا يعترفون بالتربية الحديثة، وكل حديثهم عن تربية آبائهم وأجدادهم... فيه أب نحكي له إنه لازم يكون فيه حوافز للأطفال، ليحفظوا القرآن أو ليتحمسوا يعني، فيقول لك: كلمة حافز ما لها وجود في الدين، ولا يعترف بها، مع أنهم ناس طيبون...؟
الشيخ: شكرًا يا أخت أنفال جزاك الله خيرًا يعطيكم العافية.
السؤالان مهمان، والسؤال الأول هو سؤال كبير وضخم جدًّا وهو الذي عليه حلقات هذا البرنامج وهو: التربية السليمة، وسندرك ذلك من خلال ما نناقشه في المصطلح وما نناقشه في المصادر والأسس، وفي الوسائل، وفي الأساليب بإذن الله .
لكن باختصار نقول: إن التربية السليمة هي التربية القائمة على فهم الإنسان على حقيقته، ولن نستطيع أن نفهم الإنسان على حقيقته إلا من خلال خالقه الذي خلق هذا الإنسان، ومن خلال رسوله الذي أرسله الله لهذا الإنسان.
هذه قضية مهمة جدًّا، هذه هي القضية الفاصلة، وإلا سنتيه ونضيع في دهاليز الحياة المادية، بينما في شرع الله وسنة نبيه من خلال الكتاب والسنة وجدنا أننا نملك شيئًا كثيرًا يجعلنا نستقيم في هذه الحياة ونتربى.
فالتربية السليمة هي القائمة على المنهج الإسلامي الذي نناقشه في هذه الحلقة كما قلنا فيما يتعلق بالمصطلح التربية الإسلامية، ألا وهو النظام المنبثق من كتاب الله وسنة النبي وما أخذ من كتاب الله وسنة النبي ، حتى التجربة في الحياة تقر.
يعني النبي لما أتى إلى أصحابه في قصة تأبير النخلة، وكانوا يؤبرونها بطريقة وكانت طريقتهم هي السليمة، فأعطاهم النبي رأيا من عنده عليه الصلاة والسلام ثم تركهم وأخذوا برأيه، فلم تثمر تلكم النخلة، فقال النبي قال: لم فعلتم ذلك؟ قالوا: أخذنا بما قلته لنا، فقال لنا النبي كلمته المشهورة: أنتم أعلم بأمور دنياكم[5]أخرجه مسلم (2363)..
يعني هذه قضايا حياتية، يعني يمكن يكون عندي الصواب وعندي الخطأ، لا يلزم أن يكون الصواب حليفي فيه، وما شابه ذلك، فهذه الجوانب نحتاج أن نستفيد منها.
فلذلك كلما استطعنا أن نتعرف على الإنسان وما يسعد الإنسان حقيقة، يقول الله : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97]، يعني الله الخالق لهذا الإنسان: أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة:140]، الله أعلم منا بما يسعد الإنسان، والذي يسعد بنص هذه الآية: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ، الإيمان والعمل الصالح.
في مقابل ذلك الشقاء في الدنيا والآخرة، كما كانت السعادة في الدنيا والآخرة بالنسبة لمن آمن وعمل صالحًا: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:124-126]، لذلك لا يصلح للإنسان مهما أوتي من علم، فمثلًا إيليا أبو ماضي وهو الشاعر صاحب التأليف وصاحب المدرسة المعروفة في الأدب، ويقول في عبارته المشهورة:
جئت لا أعلم من أين! ولكني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقًا فمشيت
من أين جئت؟
من أين أتيت؟
لست أدري!
ولماذا لست أدري؟
لست أدري!
ما فائدة هذا الإنسان الذي لا يعلم هدفه في هذه الحياة يعني: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، هذه قضية الله وضحها لنا، ولذلك عندما نتربى عليها سنعرف أن سعادتنا بعبادة الله بمفهوم العبادة الشامل: "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة[6]انظر: الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 154)، مجموع الفتاوى (10/ 149).
فإذا فعلنا شيئًا خلاف ذلك فهذا هو مصدر التعاسة: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا في الدنيا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] في الآخرة، كما قال المفسرون[7]انظر: تفسير ابن كثير ت سلامة (5/ 322)..
لذلك مرض العصر اليوم النفسي: هو القلق والتوتر والضيق والنكد.
فيجب أن تقوم التربية السليمة على مصدر سليم ومنبع سليم، ونستفيد من الوسائل التي جاءت في التربية الإسلامية، وبعض الإجراءات والوسائل التي جاءت في التربية التي قام بها أو قدمها بعض غير المسلمين من وسائل أمرها طبيعي يمكن أن نستفيد منها، كما استفاد النبي حفر الخندق من الفرس حين أشار عليه بالفكرة سلمان الفارسي [8]انظر: السيرة النبوية وأخبار الخلفاء لابن حبان (1/ 255)، ودلائل النبوة للبيهقي محققا (3/ 399).، وعمر بن الخطاب في قضية الشُرَط، هذه قضايا دنيوية حياتية مهارية إجراءات عملية والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها »[9]أخرجه الترمذي (2687)، وقال: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإبراهيم بن الفضل المخزومي يضعف في الحديث من … Continue reading.
فهذا باختصار شديد حول هذا الموضوع وإن كان طويلًا عن موضوع التربية السليمة، فكل حلقات أسس التربية وغيرها تهتم بالتربية السليمة.
أما السؤال الآخر للأخت الفاضلة: وهو ما يتعلق بالتربية الحديثة وتربية الآباء وما يرتبط بذلك:
يجب أن ننتبه؛ لئلا نُحدث صراعًا وهميًا فنقع فيما وقع به الغربيون، والصراع الذي وقع فيه الغربيون له اعتباراته؛ لأنه صادم الفطرة فحاربت الكنيسة العلم، وهذا خلاف الفطرة أن الإنسان مفطور على الثقافة وعلى العلم، بل إنها قتلت العلماء.
ولذلك حصلت الفكرة العلمانية واللادينية والإلحاد عند الغربيين بسبب فعل الكنيسة وما قامت به في العصور الوسطى، ولذلك هم يسمونها العصور المظلمة التي كان المسلمون في عصور الزاخرة التي كان يأتي إليها يأتي غير المسلمين إلى جامعات المسلمين، ويتتلمذون على أيديهم، هم يسمونها العصور المظلمة، وهذه قضية خطيرة في تاريخ التربية لا بد أن نتنبه لها.
وفي كثير من كتب التربية وأغلبيتها مترجم من الفكر الغربي تقسم تاريخ التربية إلى:
- عصور بدائية.
- وعصور وسطى.
- وعصور حديثة.
فيقال: عصور بدائية، وننسى قول الله : كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ[البقرة:213]، يقول ابن عباس: "كانوا عشرة قرون على التوحيد"[10]تفسير الطبري (جامع البيان) ط هجر (3/ 621)..
والعصور الوسطى يسمونها: المظلمة، بالنسبة لهم هي مظلمة بلا شك؛ لأنه لم يجد الأوروبيون عناء ومضادة للدين، وسلوكيات عند رجال الدين أقصد الكنيسة؛ مثل ما وجد في تلك العصور، وهي ديانة منحرفة بلا شك، وأصحابها منحرفون فحصلت الفكرة العلمانية بعد العصور الوسطى، ثم جاءت التربية الحديثة بعد الثورة الفرنسية الصناعية والتي أُرخ بها العصر الحديث الذي مُسخ فيه العلم وأُبعد العلم عن الدين، وأصبح العلم علمًا لا دينيًّا، وهذا خطير.
وهذا التقسيم يخالف تقسيم التربية الإسلامية تمامًا، وللأسف الشديد كثير من المربين والكتب حتى مؤلفوها مسلمين يقعون في هذا الخطأ الكبير والشنيع فيما يتعلق بالتقسيمات التي ذكرناها وما يتعلق بما يسمى بـ: تاريخ التربية.
ولبعض الجامعات ومنها جامعة أم القرى دراسات رائعة جدًّا في الماجستير والدكتوراة حول التأصيل الإسلامي في مثل هذا الموضوع وما يتعلق به في قضية تاريخ التربية، وما يتعلق بحقائق الأمور من خلال منظور إسلامي.
فالصراع هذا يجب تركه ونحرص على أخذ التربية من المعين الحقيقي كما سبق ذكره آنفًا في التربية السليمة.
فلا إشكال في استخدام الحافز، ونقول لهذا الزوج: إن هذا الحافز موجود عند علماء المسلمين وكان يسمى الجُعُلْ، والفقهاء تكلموا عنه في كتبهم، وعلماؤنا قديمًا وحديثًا كانوا يجعلون هناك جُعلًا للطلاب يُحفِزونهم به، بل إن الحوافز في كتاب الله وسنة النبي ، فالنبي يقول: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن [11]أخرجه مسلم (1780).، هذا تحفيز دنيوي.
وهناك تحفيز متعلق بيوم القيامة وذلك عندما يُربط الإنسان بأجور يوم القيامة إذا فعل ذلك، فإذا سبح الله أو كبر الله تزرع له نخلة[12]أخرجه الترمذي عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له … Continue reading، أو يبنى له بيتًا في الجنة[13]أخرج مسلم: «من بنى مسجدًا لله تعالى -قال بكير: حسبت أنه قال: يبتغي به وجه الله- بنى الله له بيتا في الجنة» (533)، … Continue reading، وما شابه ذلك.
كل هذه حوافز، ومعنى الحافز هو دافع، الحافز دافع دنيوي أو أخروي لأجل أن يعمل الإنسان، أهم شيء أن تكون هذه الحوافز صحيحة مباحة نافعة.
أما أن يُقال: هذه الحوافز ما كان آباؤنا يفعلونها! هذه إشكالية كبيرة جدًّا وأشد منها حينما نقول: إنها ليست من الإسلام!
وأستاذنا الدكتور عبد العزيز المحيميد له رسالة دكتوراة رائعة جدًّا، نتمنى من دكتورنا الكريم الاستعجال في إخراجها؛ لتكون في متناول الناس في زمن التقنية اليوم والحاجة إليها، وهي جديرة بالعناية بعنوان: "الحوافز في التربية الإسلامية".
وقد ضمنها نصوصًا من الكتاب والسنة وكثير من كلام العلماء فيما يتعلق بالحوافز الإسلامية... فهي رسالة في محلها، وكلها تعطي دلالة كبيرة جدًّا على أن الحوافز من المنهج الإسلامي، والأدلة في ذلك كثيرة، وسيأتي إن شاء الله تعالى كلام في لقاءات أخرى مخصوص بموضوع الحوافز والدوافع ونؤكد مثل هذه المعاني.
فيجب أن نؤكد أن الحوافز من المنهج الإسلامي، وإذا بعض الآباء لم يكونوا يمارسونها ليس هذا معناه أن تصرفهم صحيح، بل هم قد يكونون غفلوا عن هذه الوسيلة، وهي وسيلة من الوسائل التي لا بد منها.
معنا أم ليان من السعودية.
المتصلة: السلام عليكم.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصلة: أشكر البرنامج أولًا، ثم أسأل عن العدوانية عند الأطفال، طفل صغير يضرب أخاه الصغير، أو جاره، ويتطور معه لدرجة أنه ممكن يضربه ضربة عنيفة فكيف نزرع فيه قيمة الحب ونعلمه لكي لا يكون عنيفًا؟
الشيخ: إي نعم، جزاك الله خيرا.
المتصلة: شكرًا جزيلًا لك يا دكتور.
الشيخ: وإياكم، حياكم الله.
هذا الموضوع من الموضوعات السلوكية المهمة في الجانب التربوي، وهو ما يتعلق بالتماسك الأسري والعلاقة الحميمة بين الأخوة بعضهم مع بعض.
وسبق سؤال حول هذا الموضوع ولم نجب عليه عن وجود الصراع ما بين الأطفال في سن خمس سنوات إخوة وأخوات ويحصل بينهم ضرب.
وهو جزء من هذا الموضوع ينبغي أن يكون طبيعيًّا خاصة في مراحل الطفولة، فلا نقلق له كثيرًا؛ لأن الطفل من طبيعته الحركة الزائدة، وأيضًا عنده حب الامتلاك، ووجود هذا الجانب بين الأطفال لا نحتاج أن نفسره بأنه عدوانية مباشرة، لكن لو كان فيه إيذاء لنفسه أو إيذاء لغيره، الإيذاء الذي قد يكون ملفتًا للنظر، نحتاج أن نتنبه عندئذ.
ولذلك ينبغي أن يكون المسار الآخر هو مسار التوجيه، أن يكون هناك لعب جماعي بينهم، وأن يكون هناك تحفيز على السلوك الإيجابي بالنسبة لهم، وأن يكون بين المتخاصمين إيجاد شيء من التفاهم وحل المشكلة والصلح بينهم بالطفولة البريئة، فهذا يعطي هذا هدية، وهذا يسلم على هذا، وهذا يقدِّر الآخر.. إلى آخره، هذه نحن نصنعها لهم، يعني نعطي الولد هدية ونقول له: خذ هذه وأعطها لأخيك، وقل: أنا آسف، وما شابه ذلك.
إذًا استخدام التعزيز لما يكون السلوك الإيجابي موجودًا في التعاون، وقد أثبتت الدراسات أن التعزيز حينما يكون نمارسه في السلوك المضاد للسلوك السلبي ينخفض نسبة السلوك السلبي.
وكذلك إذا ما نفع نتجه إلى الحرمان من شيء يحبه حتى يشعر بأنه قد فقد شيئًا مما هو يحبه، فعندئذ غالبًا الأطفال سينضبطون في مثل هذا السلوكيات.
الشيخ: أهلا وسهلًا ومرحبًا الله يحفظك.
المتصل: الله يبارك فيك ويسلمك.
الشيخ: سعيدين بك الله يحفظك.
المتصل: الله يبارك فيك، معك عبدالله الصبيح.
الشيخ: الدكتور عبدالله أستاذي في الماجستير ومشرفي في مرحلة الماجستير، أهلًا بك يا دكتور: عبدالله، واعذرني لم أعرف أنك أنت المتصل، جزاك الله خيرًا.
المتصل: الله يبارك فيك.
الشيخ: حياكم الله، يا دكتور: عبدالله، جزاك الله خيرًا.
المتصل: فرصة جميلة جدًّا أن نلتقي بك ولو على الهاتف، ونستمع إليك.
الشيخ: الله يبارك فيك، جزاك الله خيرًا.
الشيخ: الله يكرمك.
المتصل: وأنا مسرور جدًّا بما تنتجه من حلقات في التربية.
الشيخ: الله يبيض وجهك.
المتصل: ولها قيمته وصداها، أسأل الله أن ينفع بها، وأن يجعلها مباركة أينما وجهت، وأينما توجهت.
الشيخ: اللهم آمين، وجزاك عنا كل خير، ونشكرك على هذه الدعوات وهذه المشاركة، ونتمنى يا دكتور عبدالله وأنت أستاذ في مجال علم النفس، وقريب من التربية، أريد منكم جزاكم الله خيرًا ماذا يعني لكم مصطلح التربية؟
برنامجنا هو بعنوان: "أسس التربية" يبث من قناة "زاد العلمية"، وكذلك هل ترون الحاجة ماسة للتربية في واقعنا المعاصر؟ تفضلوا بارك الله فيكم.
المتصل: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
التربية ممكن أن تكون عِلمًا، وممكن أن تكون فنًّا، أو ممارسة، فهي من حيث هي عِلم تتولى البحث في هذه الأسس التي يمكن أن يتربى عليها الناس، وتنظر لها وتستفيد مما تنتجه العلوم الأخرى مثل: علم النفس، وعلم الاجتماع، وغيرهما من العلوم.
وهي ممارسة تُعنى بالتطبيقات، تطبيقات العلوم، أو المبادئ، والتطبيقات التي ممكن أن تُنتج من العلوم الأخرى، تطبيقات المبادئ التي تنتجها العلوم الأخرى في مجال التعامل مع الأطفال في المدرسة، أو البيت، أو المجتمع الواسع.
مثال على ذلك: سمعتك تتحدث عن التعزيز، التعزيز مفهوم نفسي، يستخدم في غرس السلوك الحسن عند الطفل، وهذا المبدأ السلوكي الهام جدًّا التربية تستطيع أن تطور نماذج في تطبيق هذا المفهوم، وفي مساعدة الطفل لتعلم أنواع من السلوك جديدة، أو مفاهيم أو قيم جديدة لم يكن يعرفها من قبل.
فالتربية نحتاجها، يحتاجها الأب، والمعلم، والزوج، وتحتاجها الأم، والزوجة، ويحتاجها المدير، وكل إنسان في المجتمع يحتاج إلى التربية سواء كان مربيًا أو متربيًا.
الشيخ: دكتور عبدالله إكرامًا منك.. البعض يقول: كمؤسسة تعليمية أو حتى شخص مربٍّ مثلًا أو أقصد كمعلم يمارس التعليم: نحن نعلم ولا نربي، نحن علينا التعليم والتربية على الأسرة، ما رأيكم بمثل هذا الاتجاه؟
المتصل: هذا اتجاه خاطئ في تراثنا الإسلامي، واتجاه خاطئ في التربية الحديثة، المعلم هو يعلم الأطفال، وينقل إليهم العلم، وهو أيضًا قدوة، وهم يتعلمون من سلوكه، ويتعلمون من حركاته، ويتعلمون من تصرفاته، ويتعلمون من تعابير وجهه، فهذا التعلم الذي يأتي من الهيئة هو تربية.
فالمدرس مثلًا يدرس الطلاب الرياضيات، والطالب هذا قد لا يرتاح للرياضيات كثيرًا، أو يدرسهم قواعد اللغة العربية وربما هو لا يرتاح لها كثيرًا، وكل مرة يأتي يشرح مسألة أو يُعرب جملة، أو يجمع أو يطرح، فيجد الطلاب منه نوعًا من التذمر، هذا التذمر ينعكس على الطلاب مباشرة، ويقترن في ذهن الطالب أن هناك تذمرًا من الرياضيات، أو تذمرًا من قواعد اللغة العربية، وينشأ عنده نفور من ذلك.
وكثير من الطلاب نشأ عندهم محبة علم من العلوم؛ لأنه أحب ذلك المعلم، ولأن المعلم استطاع أن يقدم له ذلك العلم بروح سمحة طيبة محبة، مشوقة، وهذه هي التربية، التربية ليست شيئًا معقدًا، فالروح السمحة الطيبة تعلم الطلاب بحب.
الشيخ: دكتور عبدالله، عفوًا على المقاطعة، عائشة رضي الله عنها وأرضاها حين سُئلت عن خلق النبي قالت: كان خلقه القرآن[14]أخرجه مسلم (746)، وأحمد في المسند واللفظ له (24601)، وقال محققوه: "حديث صحيح"، وبرقم (25302)، وقال محققوه: "إسناده صحيح … Continue reading.
بكل بساطة وبكل سهولة وبكل معنى واضح، القضية هي كما قال النبي : حرم على النار كل هين لين سهل قريب [15]أخرجه الترمذي (2488)، وقال: "هذا حديث حسن غريب"، وأحمد في المسند (3938)، وقال محققوه: "حسن بشواهده، وهذا إسناد ضعيف"، … Continue reading، وكما قال الله لنبيه : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]، إلى آخره.
المتصل: صحيح، أنا أذكر قصة حصل تداول لها في وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل التواصل الاجتماعي على ما فيها من الأخطاء وعلى ما فيها من قصور، إلا أنها تنقل خيرًا كثيرًا.
يقول أحد الطلاب بأنه تخرج من الجامعة وأراد أن يكرم معلميه، فدعا من وجده منهم، وحضر الذي استطاع أن يحضر، يروي أحدهم فيقول: حضرنا وكذا، فسألوني: ماذا فعل معلمنا عبدالحميد؟ وهو معلم سوداني، فقال: توفي رحمه الله.
الشيخ: رحمه الله.
المتصل: فصاحب الدعوة، تأثر وقال: أريد أن أخبركم بخبره معي، قالوا: تفضل.
الشيخ: ونحن ننتظر هذا الخبر يا دكتور أيضًا.
المتصل: قال: أنا كنت طالب في المرحلة الثانوية، وكان هذا الذي أصبح خريجًا دعا معلميه في المرحلة الثانوية، قال: في المرحلة الثانوية كنت مهملًا، وطلعت النتيجة في فصل من الفصول وإذا أنا راسب في معظم المواد، فقال والدي لأخي: يا فلان لا تنس غدًا أن تذهب إلى المدرسة وتأخذ ملف أخيك فلا فائدة من مواصلته للتعلم، ونريده يذهب إلى مدرسة مهنية يدرس فيها ويتعلم ويكسب له مهنة، وكذا.
وهذا ليس خطأ، وأنا أعتبر هذا القرار من الأب قرارًا حكيمًا بأنه لا يريد من ولده أن يضيع سنوات من عمره من غير فائدة، وقرر أنه ممكن أن يتعلم مهنة وعملًا شريفًا.
الشيخ: خاصة يا دكتور عبدالله أن بعض الطلاب يصدُق عليهم هذا الأمر.
المتصل: يقول: جاء أخي إلى المدرسة وقال: نريد أن نسحب ملف فلان، قال له: هذه الساعة المباركة.
الشيخ: يريد تخفيف العدد.
المتصل: إي نعم، يبدو أنه كان مشاغبًا ومهملًا وكذا، يقول: ثم بعد ذلك جاء المراقب وطرق الباب، وكان المدرس الذي عندنا هو عبدالحميد مدرس الرياضيات.
الشيخ: رحمه الله.
المتصل: رحمه الله، فطرق الباب قال: نحن نريد أن نأخذ فلانًا وكذا.
فقال لماذا؟ قال: خلاص سيترك المدرسة، وأخوه أتى يسحب ملفه، يقول: أنا خرجت من عنده، وبعدما انتهت الفسحة جاء إلى الإدارة فيقول: مسك أخي، يقول: لماذا أنت تريد تسحب ملفه؟ قال: هو راسب في كل المواد. قال: أخوك عبقري! أخوك ذكي جدًّا!
الشيخ: كيف يا دكتور؟
المتصل: وممكن أن يتعلم، قال: لا، لا، لا يمكن تسحبه، يقول: جالس يحاول يقنع أخي لا يسحب الملف، قال: أخوك هذا يستطيع أن يحل المسائل بذهنه من غير ورقة ولا قلم، وهو مبدع وعبقري.
الشيخ: هو كان يدرسه؟
المتصل: إي نعم، لكن يحتاج فقط أن يجتهد قليلًا، يقول: فثنى أخي عن سحب الملف، يقول: أنا من ذلك اليوم تغيرت، وتخرجت من الثانوية القسم العلمي بتفوق، ودخلت كلية الحاسب وتخرجت منها بتفوق، بموقف هذا المعلم.
وهناك مواقف، وهناك من القصص الكثير، فقط موقف معلم يغير من حياة طالب، وبالمقابل هناك مواقف للمعلمين سلبية ولا نريد أن نذكرها تكون سببًا في شقاء طالب، يأتي ويشعرك بأنك لا تفهم، ولا كذا، وينقد.
الشيخ: ولذلك يا دكتور عبدالله الواحد منا وكلنا يمكن لا ينسى أبدًا ذاك المعلم الذي كان له أثر كبير عليه في حياته، يبقى اسم هذا المعلم، ويبقى شكله وتصرفاته في ذهنه؛ لأنه لم يكن مجرد معارف فقط، وإنما كان يجمع ما بين العلم والتربية.
المتصل: المعلم يا دكتور خالد هو الوالد الثاني.
الشيخ: يا سلام! هذا مصطلح جديد، وجميل.
المتصل: هو الوالد الثاني، بل ربما أن المعلم معلم الصف الصفوف الأولى في المرحلة الابتدائية، ربما يجلس مع طلابه أكثر مما يجلس الوالد مع أبنائه.
الشيخ: صحيح.
المتصل: المعلم يجلس معهم نصف اليوم، والأب ربما لا يلتقي بأبنائه، إلا في فترات محدودة، وبعضهم يكون مشغولًا بعمله، وبعضهم خارج البيت، وبعضهم كذا، بينما هذا المعلم أو تلك المعلمة تجلس مع تلك الصغيرات وقتًا طويلًا من الصباح حتى الظهر.
الشيخ: رائع، جزاك الله خيرًا دكتورنا.
المتصل: وتستمع إليهم، فإذا استطاع أن يحول هذه العملية وهذا اللقاء إلى لحظات من المحبة والأنس والتوجيه والتعليم والشفقة والرحمة، فسوف يكون لها آثار حميدة وسعيدة وحسنة.
الشيخ: أتحفتنا يا دكتور عبدالله جزاك الله خيرًا، وكلمة أخيرة يا دكتور عبدالله حول التربية والتحديات المعاصرة جزاك الله خيرًا إن أمكن.
المتصل: التحديات المعاصرة كثيرة جدًّا، لكن هل يستطيع المعلم، وهل يستطيع البيت أن يقلب هذه التحديات إلى مُعينات في التربية؟ بدلًا من الإنترنت الذي هو مصدر تهديد، أُحوله إلى مصدر مساعد للتربية، والألعاب مصدر تهديد فأحولها إلى مصدر مساعد للتربية.
الشيخ: هنا القدرة يا دكتور عبدالله والنجاح التربوي والتحدي التربوي هو نقل هذه التحديات إلى أن تكون معينات.
المتصل: لا بد أن نُحولها إلى مُعينات في التربية؛ لأنا لا نستطيع أن نمنع الإنترنت، لا نستطيع أن نمنع التلفاز، ولا نستطيع أن نمنع كذا، هذا الذي في المجتمع وأصبح جزءًا من المجتمع، لا يمكن أن تتخيل أو أن تقف وتقول: أريد هذا المجتمع الذي افتقدناه والذي كنت أعيش فيه قبل ثلاثين سنة، هذا لا يمكن، مجتمعك هو مجتمعك الآن بما فيه، فحوّل هذا المجتمع الذي تعيشه إلى مجتمع يساعد في التربية ويحقق أهدافها.
الشيخ: بارك الله فيك، فتح الله عليك يا دكتور عبدالله شكرًا جزيلًا لك على هذه المداخلة.
المتصل: وبارك الله فيك، وحياكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ: إن شاء الله نلتقي بك في لقاءات أُخرى بإذن الله .
المتصل: بإذن الله.
الشيخ: شكرًا يا دكتور عبدالله، جزاك الله خيرًا.
معنا الأخت أم عمر من السعودية.
المتصلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصلة: حياكم الله يا دكتور وبارك الله في جهودكم ونفع بكم وبما تطرحون.
الشيخ: وإياكم.
المتصلة: مجال التربية من أعظم وأهم المجالات، وكلما كان الأساس الذي يسير على المربي صحيحًا كان أقرب لبلوغ الغاية والهدف، ويكون وهو يسير في هذا الطريق مطمئن الجانب أنه يستند إلى ركن شديد، خاصة إذا وفقه الله إلى تطبيق صحيح.
ولعل هذا المفهوم هو ما طرحه الدكتور المحيميد في اللقاء الماضي حينما طرح سؤالًا وقد أعجبني سؤاله حين قال: ما هي حاجتنا للتربية؟ وكان سؤالًا يحتاج وقفة عميقة من المربي، ما هي حاجتنا للتربية؟ أنت أيها المربي لماذا تربي؟ ماذا تريد من التربية؟ وهذا القاصد للتربية ما هو مقصده من التربية وماذا يريد؟ سؤال كبير جدًّا ومهم، فجزاكم الله خيرًا.
باعتباركم يا دكتور أكاديمي سنستفيد منكم بلا شك سواء بالموضوعات التي تطرح، أو بالتوجيهات والمداخلات بارك الله فيكم، فسؤالي: ما هي الطرق الأمثل لطرح مثل منهج الهدي النبوي كتطبيق عملي في التدريس؟
يعني نريد الآن نطبق منهجًا بعنوان أو بمحتوى: الهدي النبوي في التربية، باعتباركم أكاديمي يا دكتور ما هي الطريقة الأمثل التي تراها لطرح الموضوعات؟
الشيخ: أنتم عندكم منهج معين أو كيف؟
المتصلة: نعم، عندنا مفردات معينة.
الشيخ: في أي مرحلة؟
المتصلة: مرحلة المعهد أو ما فوق الثانوي، تعليم أكاديمي، ومقرر الهدي النبوي في التربية، فلا يخفاك أننا لا نريد أن نبدأ من حيث بدأ الآخرون وننتهي حتى نكتشف بعض الاكتشافات.
أمثالكم من الموجودين في الميدان وممن جرب وسبر الموضوعات، فنختصر الطريق على كثير ممن يأتي من الجيل الناشئ أو المربين الذين يخوضون المضمار حديثًا.
لا أجدى ولا أنجى من أن يكون مستندهم هو المستند الرباني المتمثل في القرآن والسنة، وما جاءت السنة إلا شارحة للقرآن، والتطبيق العملي للنبي كما كان قصة الشاب الذي جاءه يستأذنه في الزنا[16]أخرجه أحمد في المسند (22211)، وقال محققوه: "إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح"، وصححه الألباني في السلسلة … Continue reading، وما إلى ذلك.
فنريد التطبيق الأفضل لطرح مثل هذه الموضوعات كتدريس تخرج منه المربية وهي عندها حصيلة واعية علمية وعملية في نفس الوقت.
الشيخ: شكرًا لكم، وجزاكم الله خيرًا وبارك الله فيكم، أشكركم على التعليق والمداخلة في النقطة الأولى المهمة، أسأل الله أن ينفع به.
وما يتعلق بهذا السؤال المشار إليه أتصور أنه موضوع مهم، وأتوقع أن هناك ناسًا مهتمين بهذا الجانب، ومؤلفات قائمة وحاصلة في هذا الموضوع، وبالذات المتخصصين أو المختصين فيما يتعلق بطرق تدريس المواد الشرعية، أهل أقسام المناهج وطرق التدريس هم أولى من يجيبوا على هذا السؤال.
وأحيلكم إلى الأخوة المختصين بهذا الجانب وبعضهم لهم مراكز مثل: "مؤسسة المربي" لأستاذنا الدكتور: محمد الدويش وهو متخصص في طرق تدريس المناهج الشرعية، وكذلك "مؤسسة الخبرات الذكية" للدكتور: عبدالسلام النامي، وغيرهم من المهتمين.
وهناك بعض المؤلفات في هذا الجانب ينبغي العناية بها، الذين استقرأوا النصوص وقدموها بين يدي القارئ مثل: كتاب محمد رشيد حول "المنهج النبوي في تربية الطفل"، ومثل: كتاب حنان الجهني طبعة المنتدى الإسلامي أو مجلة البيان في "الطفولة والمراهقة"، واستقرأت نصوصًا كثيرة في منهج النبي في الهدي النبوي في التربية وغيرها ربما لا تحضرني الآن.
ويُستفاد كذلك من المعطيات والنصوص الشرعية الكثيرة، دراسة كتب السنة، وهناك بعض الرسائل في الماجستير والدكتوراة حول هذا الموضوع مفيدة جدًّا.
ولذلك أنا أجد من الفوائد التي استفدتها من بعض أساتذتي في الدكتوراة بالذات في دراسة "أصول التربية الإسلامية" الدكتور: عبدالعزيز المحيميد، الدكتور: محمد عبد الوهاب، وغيرهم، هو الوقوف عند السنة النبوية مثل: كتاب: الأدب في "البخاري" ودراسته، ومثل: القصص النبوي ودراسته.
وأرى أن هذه من الأساليب المهمة جدًّا، ولشيخي الفاضل: محمد المنجد وفقه الله في إنشاء هذه القناة المباركة "قناة زاد العلمية" له كتاب جميل جدًّا في تعديل السلوك بعنوان: "أساليب نبوية في التعامل مع أخطاء الناس"، استقرأ نصوص النبي ومواقف عديدة جدًّا واستنبط منها العشرات من الأساليب التي نحن في أمس الحاجة في تعاملنا مع أخطاء الآخرين أيًّا كانوا في الأسرة والمدرسة وفي الشارع وفي المجتمع وفي الوظيفة.
فهو من الكتب الرائعة في هذا الأمر في هذا الجانب، فالموضوع كبير ودراسات السنة كثيرة جدًّا وربما لم أذكر إلا طرفًا بسيطًا منه، فيما أذكر الآن، ولذلك القضية تحتاج إلى جانب المختصين بالمناهج يساعدونكم في تحديد المحتوى، وأظن: "مؤسسة المربي"، و"مؤسسة الخبرات الذكية" وغيرها من المؤسسات المهتمة ببناء المناهج تستفيدون منها بإذن الله .
وأنا أميل إلى الدراسة الاستنباطية المتعلقة بالمواقف النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، والقصص النبوي، واستلهام الدروس التربوية والنفسية والاجتماعية منها.
فأسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.
وإيجاد مثل هذه المقررات في معاهدنا وبيئاتنا ومحاضننا التربوية هي مهمة جدًّا ترجع المربين والمتربين إلى الأخذ من معين التربية الإسلامية وعلى رأسها السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
وهو معين لا ينضب أبدًا، الصحابة سعدوا بشخص النبي ، ونحن لا بد أن تكون سعادتنا بسنة النبي عليه الصلاة والسلام، السنة الصحيحة، ونستطيع أن نستقرئ: فصل، باب، ناهيك عن كتاب في "صحيح البخاري" سنجد الشيء العظيم والكثير من الفوائد التربوية.
فلو أخذنا كتاب: الأدب من "صحيح البخاري"، وأخذنا "كتاب البر والصلة" من "صحيح مسلم"، ودرسنا هذين الكتابين وهو جزء بسيط من هذين الكتابين العظيمين، وغيرها من كتب السنة كالمسانيد والصحاح، سنجد أننا في معين لا ينضب عظيم جدًّا للاستفادة منه في تربية أنفسنا وأجيالنا.
أسأل الله أن يبارك في الجميع، وأن يعيننا وإياكم على استلهام معاني التربية الإسلامية من كتاب الله وسنة النبي وكلام أهل العلم، وتطبيقها في أرض الميدان، واقعًا عمليًّا صحيحًا.
↑1 | أخرجه البخاري (2652)، ومسلم (2533). |
---|---|
↑2 | أخرجه الترمذي (2676)، وقال: "هذا حديث حسن صحيح"، وابن ماجه (42)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4369). |
↑3 | أخرجه البخاري (3383)، ومسلم (2378). |
↑4 | أخرجه البخاري (3897 و 4045). |
↑5 | أخرجه مسلم (2363). |
↑6 | انظر: الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 154)، مجموع الفتاوى (10/ 149). |
↑7 | انظر: تفسير ابن كثير ت سلامة (5/ 322). |
↑8 | انظر: السيرة النبوية وأخبار الخلفاء لابن حبان (1/ 255)، ودلائل النبوة للبيهقي محققا (3/ 399). |
↑9 | أخرجه الترمذي (2687)، وقال: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإبراهيم بن الفضل المخزومي يضعف في الحديث من قبل حفظه"، وابن ماجه (4169)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4301). |
↑10 | تفسير الطبري (جامع البيان) ط هجر (3/ 621). |
↑11 | أخرجه مسلم (1780). |
↑12 | أخرجه الترمذي عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة» (3464)، وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي الزبير عن جابر"، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6429). |
↑13 | أخرج مسلم: «من بنى مسجدًا لله تعالى -قال بكير: حسبت أنه قال: يبتغي به وجه الله- بنى الله له بيتا في الجنة» (533)، وحديث: «ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا، غير فريضة، إلا بنى الله له بيتا في الجنة، أو إلا بني له بيت في الجنة» (728)، وغيرها. |
↑14 | أخرجه مسلم (746)، وأحمد في المسند واللفظ له (24601)، وقال محققوه: "حديث صحيح"، وبرقم (25302)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4811). |
↑15 | أخرجه الترمذي (2488)، وقال: "هذا حديث حسن غريب"، وأحمد في المسند (3938)، وقال محققوه: "حسن بشواهده، وهذا إسناد ضعيف"، واللفظ له، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3135). |
↑16 | أخرجه أحمد في المسند (22211)، وقال محققوه: "إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (370). |