المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها الإخوة والأخوات، حياكم الله في حلقةٍ جديدةٍ مباشرةٍ من حلقات برنامجكم: "أسس التربية"، من قناة "زاد العلمية"، وحلقة هذا اليوم عن الأسرة والتحديات الفكرية.
وضيفنا العزيز سعادة الدكتور: فؤاد بن عبدالكريم العبدالكريم، المشرف العام على مركز "باحثات لدراسات المرأة".
حياكم الله يا دكتور فؤاد.
الضيف: الله يُحييك ويُسلمك.
المحاور: سعداء بك في هذا الموضوع المهم، بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله التوفيق والسَّداد.
الضيف: اللهم آمين.
المحاور: لو تُعطينا إطلالةً سريعةً حول العنوان، تفضلوا، بارك الله فيكم.
الضيف: بسم الله الرحمن الرحيم،
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: حياك الله دكتور خالد، وهذه فرصةٌ سعيدةٌ أن ألتقيك في هذا البرنامج المميّز.
وكعادة موضوعات هذه الحلقات في هذه الفضائية أنها تكون واسعةً جدًّا، ولا يمكن تغطيتها في ساعةٍ تلفزيونيةٍ.
المحاور: أكيد.
الضيف: يعني: فيها محاور، وفيها مُداخلات، وفيها تعليق، وفيها فواصل، والوقت -في الحقيقة- لا يكفي، لكن نحاول أن نحصر الموضوع قدر المُستطاع.
لا شك أن الأمة الإسلامية تُواجه في الفترة الأخيرة -بل من فتراتٍ طويلةٍ- تحديات متنوعة: عقدية، وحضارية، وأخلاقية، واجتماعية، وسياسية، واقتصادية، متنوعة جدًّا على مدى عقودٍ، بل على مدى القرون الماضية.
لكن دعنا نتحدث عن الفترة الأخيرة على الأقل زمنيًّا، فنبدأ في حصر الموضوع في إطارٍ زمنيٍّ فنقول: في المئة سنة الأخيرة كان العالم الإسلامي محورًا لتحدياتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ من خلال الاستعمار وما تبع ذلك.
المحاور: يمكن أن نقول: ما يُؤرَّخ بالعصر الحديث اليوم؟
الضيف: تقريبًا، يعني: أنت تتحدث عن مئةٍ وعشرين سنة، وهي في الأساس إفرازاتٌ للحضارة الغربية والثورة الفرنسية المشهورة بمبادئها التي ظهرت بها.
هذه المبادئ ستكون محور حديثنا اليوم، أو جزءٌ من حديثنا سيكون حولها، وهي: المساواة، والحرية، والفردية، والنفعية، فهذه المخاطر واجهت الأمة.
وإذا حصرنا ذلك في العقود القليلة الماضية -يعني: في العشرين سنة أو الثلاثين- نقول: المجتمع المسلم أصبح يُواجه حربًا اجتماعيةً أخلاقيةً؛ لمحاولة تفكيك آخر كيانٍ تبقَّى، ألا وهو كيان المجتمع المتماسك الذي أُسُّه وأصله الأسرة.
فكانت الحرب على هذا السياق: الاجتماعي والأخلاقي، من خلال محاور عديدةٍ ومتنوعةٍ، كان منها محور الإفساد السلوكي والأخلاقي، وغيره، وفيه أداة الإعلام بمختلف أشكاله: المقروء، والمسموع، والمرئي، وعلى اختلاف تطوره التقني: من مذياعٍ إلى صحفٍ ورقيةٍ، إلى مجلات، إلى بثٍّ مباشرٍ، إلى قنوات فضائية، ثم إلى وسائل التواصل الجديدة، هذه النقلة الهائلة التي أصبحت تحديًا كبيرًا يُواجه الأسرة.
ولم يقف الأمر عند هذا، بل دخل في السنوات القليلة الماضية، يعني: أنا أردتُ أن أُؤرِّخها بمجتمعنا المحلي، فيمكن أن أقول لك: من عشرٍ إلى خمس عشرة سنةً على الأكثر أصبح عندنا تحدٍّ فكريٌّ.
المحاور: هذا التاريخ هل له علاقة بالمؤتمرات الدولية؟
الضيف: صحيحٌ، له علاقة بالمؤتمرات، خاصةً اتفاقية "سيداو"، وهي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فقد بدأ الشرُّ منذ أن دخلت هذه الاتفاقيةُ البلاد الإسلامية والعربية، فمنذ أن بدأت الدول التوقيع على هذه الاتفاقية -رغم تحفظ الدول عليها- بدأ الفكر الخبيث ينخر في الأسرة، وعلى وجه الخصوص: المرأة، والتي يمكن أن نحصر حديثنا اليوم فيها، ونجعلها معيار الحديث اليوم؛ لأن الأسرة واسعةٌ، فأنت تتكلم عن الأب، والابن، والأخ، والأخت، والعمَّة، والخالة.
المحاور: وهي محطُّ الهجوم، ومحطُّ التغيير الذي يحصل الآن عالميًّا؛ ولذلك نأخذها كنموذجٍ، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا اليوم.
ولا أكتمك سرًّا: أنا بحكم مجال التخصص، وكذلك هذا البرنامج "أسس التربية" أجد أن أغلب الاستشارات التي تأتي تكون من الأخوات، وتكون عن القضايا المرتبطة بجانب التغيير في أشياء عديدةٍ: سلوكيًّا، وفكريًّا؛ لذلك هذه الحلقة هي ضمن "أسس التربية"، والبعض يقول: ما علاقتها؟
الضيف: يعني: هي آتيةٌ في سياقها.
المحاور: بالضبط، هي آتيةٌ كأسسٍ فكريةٍ للتربية، فهناك معاناة، تقول الأم مثلًا عن البنت: أنا أحاول معها، لكن أجد أنها مخالفةٌ لما تربينا عليه، مخالفةٌ للتوجُّهات التي غرسناها فيها، تغيّرت أفكارها، وما شابه ذلك، ولم تعد القضية سلوكيةً فحسب، بل أصبحت تتجه إلى جانب الانحراف الفكري، وما شابه ذلك.
الضيف: أقول لك: لو أخذنا هذا الخط أو هذا المسار -مسار المرأة- داخل الأسرة، فهو -كما ذكرتَ- الآن مجال الجذب والشدِّ، ومجال التحدي الحضاري الآن، ولا أقول: هو الوحيد، لكن هو من المسارات والتحديات الكبرى التي تُواجه الأمة: قضية المرأة الآن.
وحين كانت الأمور أخلاقيةً وشهوانيةً، صحيحٌ أنها مؤذيةٌ وخطيرةٌ، لكنها واضحةٌ، والحديث عنها واضحٌ، والتحذير منها واضحٌ.
لكن عندما تأتيك في سياقٍ فكريٍّ -شبهات- مع استحضار قلة الوعي وقلة العلم الآن في الأمة؛ فإن المشكلة تتفاقم، ويُصبح الخطر أكبر.
فعندما أعرف أن هذا خطأٌ، وأعترف أني ارتكبته، فالأمر أهون، يعني: أرتكبه وأعرف أنه خطأٌ، لكن عندما أرتكبه وأقول: لا، هو الصواب! تتضاعف المشكلة وتكون أكبر.
المحاور: فانحراف الجانب السلوكي أهون من انحراف الجانب الفكري بلا شكٍّ.
الضيف: أهون في وضعه وحجمه، وأهون في الرجوع؛ لأنك حين تعصي وأنت تعرف أنك على خطأ، يعني: إن شاء الله باب التوبة والإنابة والرجوع متاحٌ، ومتوقعٌ أنك تتوب، زادت المدةُ أو قصرت، لكن -إن شاء الله- هناك أملٌ، أما حين ترتكب المعصية من باب الشبهة وتقول: لا، هذا الذي أنا عليه هو الصواب!
المحاور: جميل.
الضيف: أعطيك مثالًا: قضية المساواة: عندما تأتي قضية المساواة وتطرحها امرأةٌ، أو يطرحها رجلٌ ويقول: يا أخي، لماذا تُفرِّق بينهما؟!
المحاور: المساواة بين الجنسين.
الضيف: المساواة بين الجنسين، فأقول له: أنت فهمك للإسلام خطأ، هل الله يظلم المرأة ليُفرِّق بينها وبينك؟!
ثم يزيد الأمر عندما تكون هناك اتفاقيات دولية أو مؤتمرات دولية تُعضدها.
وعندما تأتي الاتفاقية الدولية أو المؤتمر الدولي من جهةٍ عالميةٍ تملك إمكانياتٍ هائلةً: ماليةً، ودبلوماسيةً، وإعلاميةً، معنى ذلك أن الضخَّ يكون ضخمًا، وأدوات الإقناع تكون أكبر، وبالتالي يسهل إقناع الناس، وتكون فُرص النجاح فيها أكبر، والانخداع بهذه المصطلحات وهذه الدعوات يكون أكبر.
فلما تأتيك "السيداو"، وأنا أضعها في المسار الفكري العقدي؛ لأني أقول: التحديات الفكرية الآن أنواع: تحدٍّ فكري عقدي، وتحدٍّ فكري اجتماعي وأخلاقي، وتحدٍّ فكري اقتصادي، وتحديات أخرى تدخل فيها تحديات فكرية سياسية وحقوقية، وغيرها من هذه القضايا، لكن في سياق "السيداو" تُقدّم الاتفاقية على أنها اتفاقيةٌ تُبين حقوق المرأة وما لها.
ودائمًا الاتفاقيات الدولية والمؤتمرات الدولية تتكلم عن جانب الحقوق، وتُغفل قصدًا جانب الواجبات، فليس لديها ركنان متساويان، لا، تُقدّم ركنًا واحدًا فقط هو الحقوق.
المحاور: عفوًا يا دكتور، وأيضًا إبراز الجانب الإيجابي الذي قد يكون مُبالغًا فيه، دون إبراز جانب المخاطر وما يرتبط بها عادةً.
الضيف: صحيح.
المحاور: كذلك التسويق.
الضيف: لسنا الآن في سياق الحديث عن "السيداو" ونقدها، لكني أُعطي لمحةً في هذا.
فتُقدّم على أنها حقيبةٌ حقوقيةٌ كما يُقال، بينما هي تحمل أخطر من هذا، وطبعًا في قضية الحقوق لنا تحفُّظٌ عليها، وفيها مُخالفات للشريعة: أنها جعلت ما هو حقٌّ ليس بحقٍّ، وما ليس بحقٍّ حقًّا، هذا في سياق الحقوق، لكنها عملٌ بشريٌّ بلا شكٍّ، وفيها خطورة الإلزام، وهذا موضوعٌ ثانٍ.
لكن أقول: ليست القضية الآن قضيةً حقوقيةً بحيث أقول: هذا حقٌّ، وهذا ليس حقًّا، وأبدأ أُفاصل في مواجهة هذه الاتفاقية.
هذه الاتفاقية تحمل حضارةً، أو تحمل ديانةً -إن صحَّت العبارة-، وهي ديانة الحركة النَّسَوية الغربية المتطرفة المعروفة بـ: (Feminism)، يعني: كتلة من المبادئ، كتلة من المفاهيم، إذا وضعتها وطبَّقتها فأنت تُزيح كتلةً أخرى من المبادئ، وهي دينك، وإسلامك، وهنا تكمن خطورة اتفاقية "سيداو" مما جعلني أضعها في التحدي الفكري.
المحاور: إذن هذه آتية من نتاج فكرٍ نَسَويٍّ، لكنه ليس قائمًا على الدين الصحيح والقيم الصحيحة.
الضيف: أبدًا، وبالمناسبة هذه الاتفاقية لا تُمثل النصارى، ولا تُمثل اليهود، فضلًا عن الإسلام، ولا تُمثل البوذية، ولا السيخ، ولا أي فكرٍ آخر، هذه تُمثل فكرًا محصورًا بما يُسمّى: بالفكر النَّسَوي الغربي المتطرف، أو الأُنثوي المتطرف.
المحاور: أذكر يا دكتور أنني بالأمس جاءتني رسالةٌ عبر (الواتس آب) في الهاتف الاستشاري من فتاةٍ مسلمةٍ تقول: أنا مسلمةٌ ... إلى آخره، وتقول: لا تُحدثني عما يتعلق بالأدلة الشرعية المتعلقة بوجود الله ، أنا أعرف ما تقول، أو يقول غيرك، أعطني كتابًا يُخاطب عقلي حتى تذهب عني الشكوك المتعلقة بوجود الله ، أنا عندي إشكالات واضطرابات في هذه القضية وما يرتبط بها!
فتاةٌ جامعيةٌ تسأل مثل هذا السؤال! وليس هذا هو السؤال الوحيد في هذا المجال.
إذن نحن لدينا تحدٍّ فكريٌّ خطيرٌ.
الضيف: خطيرٌ، وتزداد الخطورة إذا لم يوجد مَن يُدافعه ويُواجهه، وللأسف قِلةٌ مَن يُدرك هذه المخاطر الفكرية، يعني: مَن تحدث عنها يتحدث في أحسن الحالات عن أنها اتفاقية حقوقية فيها خللٌ وخطأٌ، يعني: يمكن أن يتنازل في هذه القضية، فضلًا عن أنك تُقنعه أنها خطيرة.
وبالإضافة لما سبق ذكره في قضية الإلزام وقضية مصدرها: لا يجوز التحفظ على أي مادةٍ من موادها، فهي تأتيك كتلةً واحدةً، وعليك أن تأخذها كما هي، دون أن تتحفظ على شيءٍ منها، وهذا يزيد الأمر خطورةً، ويزيده صعوبةً.
فالدول العربية والإسلامية عندما وقَّعتْ ما استطاعت ...، رغم أن فيها الإلزام، وأن فيها ضغوطًا سياسيةً، أو ضغوطًا دبلوماسيةً، أو ضغوطًا حقوقيةً من منظماتٍ وغيره، لكن هناك شيءٌ واضحٌ لا يمكن تجاهله؛ عندما يتكلم عن القوامة، ولا تتكلم الاتفاقية عن الميراث، يعني مثلًا: القضايا الواضحة المشهورة، فيتم التحفظ عليها، بينما هناك موادٌ في "السيداو" من خلالها أنت ترفض الاتفاقية بالكامل؛ لأنها تعتبر أيَّ حكمٍ في الشريعة الإسلامية تختلف فيه المرأةُ عن الرجل أو يختلف فيه الرجلُ عن المرأة يُعتبر تمييزًا مُخالفًا لأصل هذه الاتفاقية.
المحاور: وهم الدعاة لهذه المساواة، ومع ذلك لم يقوموا بهذه المساواة في برلماناتهم، وفي رئاساتهم، وفي أعمالهم الأخرى كذلك.
عفوًا دكتور فؤاد، معنا فضيلة الشيخ الدكتور: وليد الرشودي، الأستاذ بجامعة الملك سعود.
حياكم الله دكتور وليد.
المتصل: ... وبضيفك الكريم، وبكافة المشاهدين.
المحاور: حياكم الله يا دكتور، وسعداء بك، الله يحفظك، تفضل حول عنوان حلقتنا: "الأسرة والتحديات الفكرية" بما فتح الله عليك، الله يحفظك.
المتصل: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا ورسولنا الأمين، وعلى آله وصحبه، ومَن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد: فأشكر فضيلة الشيخ الدكتور خالد، وأشكر ضيفك الكريم المعطاء المُفيد الدكتور فؤاد، وكما يقول العرب: لا عطرَ بعد عروسٍ، لكن أنا مُتطفلٌ على مائدتكما، فأقول: إن التحديات التي تُواجهها الأسرة المسلمة في الواقع المعاصر تحديات متعددة، ولا يمكن أن نخرج من عنق هذه التحديات إلا بالعزيمة.
وأنا أرى -ورأيي القاصر الذي أتبناه في هذه المسألة- أن من أول الحلول: أن نُعيد الاعتزاز بالهُوية الإسلامية.
فالغرب حينما أراد أن يهدم هذه الحضارة القوية الشرعية بدأ بمحاولة اجتثاث هويتنا، وأن ينحت في جدار هذا المقاوم القوي، وهي الهوية التي يعتزُّ بها المسلم.
والمسلم حينما يعتزُّ بهويته لا يعتزُّ بأرضٍ، ولا يعتزُّ بأهراماتٍ، أو يعتزُّ بمبانٍ، أو يعتزُّ بنماذج قصور قرطبة، أو ما شابهها، إنما يعتزُّ بموروثٍ من عند الله، كما قال النبي : وإنما كان الذي أوتيتُ وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة[1]أخرجه البخاري (4981)، ومسلم (152).؛ فلذلك كان عليه الصلاة والسلام أكثر الناس تابعًا يوم القيامة.
فحينما تقوم الأسرة المسلمة فتعتزُّ بهويتها، وتعتزُّ بما أوجبه الله تعالى عليها، وتعتزُّ بمُجانبتها لما حرَّمه الله عليها، وحينما ننشئ الفتيان والصبيان والشباب، ويخرج الجيل على هذا الاعتزاز بهذه الهوية، سوف نجد أن هذه التحديات تتكسر على جدار هذه الهوية المباركة.
وهذه التحديات تتمثل في صورٍ عدةٍ: فتجد أن هويتك تُختطف في لباسك، وفي شكلك، وتُختطف في لغتك باستقبالك للغةٍ أخرى في تحيتك وفي مُجاوبتك للآخرين.
وحينما تعلم أن الصيني رفض الانخراط في الهوية الغربية دهرًا؛ مخافة أن تحوله إلى استعمارٍ جديدٍ، وأن يستعمره الغرب في مثل هذه الهوية.
وحينما تعلم أن الصين رفضت لمدةٍ طويلةٍ أن تفتتح مطاعم (ماكدونالدز) فروعًا في بلادها، ومثلها في اليابان، بل إن من أسباب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي -ولا أقول: هو السبب الرئيس-: أنها رأت ضعف نشأة الجيل على الهوية البريطانية، وأن الاتحاد الأوروبي بدأ عبر المهاجرين الذين يُرسَلون إلى بريطانيا في تغييب الهوية والثقافة البريطانية، حينما قال الاتحاد الأوروبي: إني أفتقد اليوم كعك جدة الإنجليزي.
فإذا كانوا يغارون على كعكٍ، فكيف لا تغار أنت على قرآنٍ؟! أو كيف لا تغار على موروثك العظيم، وهو سنة النبي ؟!
وأخيرًا: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:8-9].
وبارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرًا.
المحاور: نشكر لكم يا شيخ وليد، وجزاكم الله خيرًا، وبارك الله فيك.
كان معنا الدكتور وليد الرشودي، الأستاذ بجامعة الملك سعود، نشكره على هذه الإطلالة الجميلة.
ما تعليقكم يا دكتور فؤاد، بارك الله فيكم؟
فقد تحدث على قضية الهوية، وركَّز عليها، وهذه قضيةٌ مهمةٌ في ظني -والله أعلم-، وبالغة الأهمية في موضوعنا.
الضيف: أعجبني -بعد شكري للدكتور وليد- أنه بدأ بنهاية الحلقة، وهذه خبرته الإعلامية، يعني: بدأ بالحلول؛ لأنه يعرف دائمًا أن نهاية الحلقة تُظْلَم وتضيع، فالمَحاور الأخيرة دائمًا تُظلم.
المحاور: ولذلك نحتاج أن نضبط أنفسنا.
الضيف: جزاه الله خيرًا، هو بدأ بالأخير، وأتى بالحلِّ، بدأ بالحلِّ، وأنا أعتبرها حركةً ذكيةً منه جزاه الله خيرًا.
فهذا الكلام الذي ذكره كان من الحلول: الاعتداد بالهوية، وقد ذكر صورًا لذلك.
ومن الاعتداد بالهوية: التمسك بأحكام الشريعة؛ لأننا سنذكر بعد قليلٍ في المجال الاجتماعي والأخلاقي نماذج مُزعجةً نوعًا ما.
لكن تمسك أفراد الأسرة -وخاصةً المرأة- بأحكام الشريعة وأحكام الدين في كافة مجالات الحياة يُمثِّل أول مواجهةٍ لهذه التحديات.
والمرأة دائمًا هي الأُسُّ الذي تدور عليه الأسرة، فصلاح المرأة هو صلاح الأسرة، حتى الرجل في الغالب تُؤثِّر عليه، ويتعدل سلوكه، وتتعدل أخلاقه، وتتعدل انحرافاته.
المحاور: هو أشار إلى قضية اللغة، وأذكر يا دكتور أنني أتتني رسالةٌ في الهاتف الاستشاري من أمٍّ مسلمةٍ في إيطاليا تقول: ابني عمره ستّ سنوات، وفي تلك البيئة لم يتحدث اللغة العربية بَعْد.
الضيف: هو عربيٌّ؟
المحاور: هم عربٌ، ولكنه يتحدث اللغة التي نشأ عليها، وهم من جهة الشمال الإفريقي، فيبدو أنها إما فرنسية، أو إيطالية، فتقول: أنا الآن أريد أن أُعلّمه اللغة العربية، فما وسيلة ذلك؟ لأني أخشى أن يفوت العمر فأندم إذا لم يتحدث اللغة العربية.
الضيف: خلاص، انتهى.
المحاور: هكذا قالت هذه العبارة بالضبط: سينتهي.
فهذه فيها شعورٌ واعتزازٌ بالهوية، وحاجة الطفل إلى مثل هذه القضية التي تربطه بالمَعِين الذي لا يَنْضَب، وهو كتاب الله وسنة النبي .
الضيف: قضية الهوية ضابطٌ في أي انحرافٍ، عندما ترى أنت أين مكانك؟ وإلى أين وصلت؟ فالهوية هي الأصل، وعليك أن تنظر أين أنت منها؟ فعندئذٍ تعرف هل أنت بعيدٌ أو قريبٌ؟ فتكون -في الغالب- هي المكان الآمن -بإذن الله- للصمود.
المحاور: إذن نُكمل -الله يحفظك- بعد قضية الجانب العقدي.
الضيف: في مبادئ الحضارة الغربية قلنا: المساواة، والحرية، والفردية.
المساواة في اتفاقية "سيداو" تعني: أن كل علاقةٍ داخل الأسرة وخارج الأسرة بين الذكر والأنثى -بين الجنسين- تقوم على المساواة، وأي اختلالٍ يُصنَّف مباشرةً على أنه تمييزٌ، وأي تمييزٍ يجب إزالته؛ وذلك لنعرف خطورة هذه الاتفاقية، وأن القضية ليست قضية خلافٍ: هذا حقٌّ، وهذا ليس بحقٍّ، بحيث تكون جزئيةً نجتمع عليها، ونفترق عليها، لا، القضية الآن مُرتكزٌ عقديٌّ.
المحاور: مبادئ.
الضيف: مبادئ، فأي شيءٍ تختلف فيه المرأة عن الرجل يُعدّ تمييزًا؛ لأنه ليس مساواةً، فهم لا يؤمنون بنظرية العدل إطلاقًا، ولا يؤمنون بأن الله خلق الذكر وله صفاته وطبيعته، وخلق الأنثى ولها صفاتها وطبيعتها.
المحاور: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى [آل عمران:36].
الضيف: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى هذه لا يؤمنون بها، حتى إنهم يقولون: لا تحتجّ علينا بدراساتٍ غربيةٍ، يعني: لا تأتي بدراساتٍ من عندنا: من أمريكا، أو من أوروبا، وتقول: هؤلاء علماؤكم. حتى هذه لا نؤمن بها، لا تشغلنا، ككتاب "الإنسان ذلك المجهول" لألكسيس كاريل وغيره، والذي أثبت فيه الاختلاف بين الرجل والمرأة.
المحاور: من الناحية الفسيولوجية.
الضيف: في كل شيءٍ، من أعلى الرأس لأسفل القدم، يقول: هما مُخْتَلِفَان تمامًا.
المحاور: لكن -أكرمك الله- في دورات المياه ما زالوا يجعلون دورة مياهٍ للنساء، ودورة مياهٍ للرجال.
الضيف: لئلا تُزعجهم قضية التَّحرشات والاعتداءات، فأي حكمٍ في الإسلام تختلف فيه المرأةُ عن الرجل لا بد أن تُبْعِده، وإذا أبعدتُه أنا فإنني أقع في مخالفة قول الله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وقوله: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].
فالمسألة ليست بأهوائنا، فهم يُريدون فرض ذلك داخل الأسرة.
المحاور: هذه المساواة.
الضيف: هذا فيما يتعلق بالاتجاه العقدي.
مبدأ الحرية
المبدأ الثاني: الحرية، ويمكن أن يكون أوضح في القضايا الاجتماعية والأخلاقية من خلال "السيداو" وتفاصيلها، ومن خلال اتفاقية القضاء على العنف ضد المرأة التي سبَّبت إشكالات كبيرةً؛ لأنها قُدِّمت بصورةٍ فيها رحمةٌ للمرأة، واستغلالٌ لعاطفة الإنسان عمومًا.
المحاور: وهي عبارات برَّاقة: المساواة، الحرية، العنف ضد المرأة، نبذ العنف.
الضيف: نعم، وتمكين المرأة، كلها في هذا السياق.
المحاور: لكن الخطورة في مضامينها؛ لأنها جاءت من خلال ...
الضيف: منظومة فكرية.
المحاور: منظومة فكرية.
الضيف: منظومة فكرية منحرفة.
المحاور: وهذا الذي قصدناه، فنقول للإخوة الأكارم: عندما نتحدث في مثل هذه القضية فإننا نتحدث لأن هناك مناهج فكريةً مختلفةً، والمنهج التربوي الإسلامي يختلف عن المناهج الأخرى بلا شكٍّ؛ ولذلك نرى في بعض الأحيان مسلمًا لا يريد أن يُخالف الإسلام، ولكن بسبب التأثر بالمناهج الأخرى وأخذها من غير تنقيةٍ لها، أو حتى ردّها، أو ما شابه ذلك؛ يقع في مثل هذه الإشكالية.
الضيف: والبعض يقول حتى يُثبت هذا الكلام: لا، هي من أجلكم أنتم أيها المسلمون، لكن لأنها آتيةٌ من الغرب قد عاديتُموها، فهو عداءٌ تاريخيٌّ.
نقول له: لا يا أخي، حتى النصارى هناك جزءٌ منهم يُعارض هذه الأفكار ولا يؤمن بها.
المحاور: خاصةً أنها تُخالف الفطرة.
الضيف: الكاثوليك خاصةً لا يؤمنون بها، وتأتي لنا بالقضايا الفكرية، أو القضايا الاجتماعية الأخلاقية، عندما يُدعى مثلًا إلى الحرية بمفهومها العام، ومنه الحرية الجنسية، هذه تتبناها المؤتمرات الدولية، وخاصةً وثيقة بكين التي تُسمَّى: المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة، الذي يُعتبر اللائحة التنفيذية، أو اللائحة التفسيرية لاتفاقية "سيداو"، يعني: "سيداو" نستطيع أن نقول: هي دستور الحركة النَّسوية، يعني: القرآن الذي يدينون به، إن صحَّت العبارة مع التفريق، لكن أقول ذلك حتى أُقرب للمُستمع والمُشاهد.
فهي اللائحة التفسيرية لهذا الدستور؛ لأن الاتفاقية كلها عشر صفحات، ثلاثون مادة، وتقريبًا ثلثها إجراءات إدارية وما شابه ذلك، فتبقى صغيرةً، وعباراتها دقيقة وقانونية.
لكن وثيقة بكين -التي هي وثيقة المؤتمر نفسه- حوالي مئتين وعشرين صفحةً، وصفحاتها كبيرةٌ، وخطها مضغوطٌ، وفيها كل شيءٍ: المرأة والعمل، والمرأة والتعليم، والمرأة والعنف، والمرأة والإعلام، والمرأة والتمثيل، والمرأة والجندر، ما تركوا شيئًا، كل شيءٍ كتبوه!
فهذه الوثيقة عندما تقرأها وتستخرج السلبيات الموجودة فيها تجد فيها هذه المفاهيم: الحرية، إعطاء المرأة حرية ممارسة الجنس، ويشترطون فقط ألا يترتب على ذلك أمراض جنسية؛ ولذلك أزعجونا في هذه الاتفاقية بالحديث عن الإيدز، فكلما تتجاوز صفحةً أو صفحتين تجد الأمراض الجنسية، وخاصةً الإيدز، يعني: مشاكلهم الخاصة يُريدون تصديرها للعالم، وإشراك العالم في حلِّها.
وتستغرب حين تجد الحديث في بلاد المسلمين عن الإيدز بشكلٍ مُضَخَّمٍ أكثر من اللازم، ومبالغٍ فيه أكثر من المطلوب، وكأن المجتمعات العربية والإسلامية انتشر فيها الإيدز انتشارًا كبيرًا، وفي بعض الأحيان يبالغون، بل اسمعْ ما أقول: يكذبون في قضية الأرقام والإحصاءات، فكلما أرادوا تمرير بعض ما دُوِّنَ في هذه الاتفاقيات وهذه المؤتمرات نزّلوا تقارير ودراسات وهمية، وذكروا فيها إحصائياتٍ عاليةً في قضايا.
المحاور: أو روايات.
الضيف: أنا أتكلم في تضخيم الرقم كأنه واقعٌ، وبالتالي لا بد أن نُواجهه باتفاقيةٍ، أو بنظامٍ، .. إلى آخره.
ففي زواج القاصرات كذبوا في الأرقام، وفي قضية العنف ضد المرأة وإيذاء المرأة كذبوا في الأرقام، وفي قضية الإيدز الآن يكذبون في الأرقام، فيجعلونها أرقامًا هائلةً جدًّا.
ذكرتُ هذا لبعض الزملاء، فقلتُ: إن أحد الأطباء مظهره لا يدل على أنه ملتزمٌ وكذا، لكن -إن شاء الله- فيه خيرٌ، لكنه خرج في تصريحٍ في صحيفةٍ وقال: أولئك القوم الذين يُخرجون أرقامًا عن العنف -ويقصد العنف الجسدي أو الإيذاء الجسدي على المرأة خاصةً- هذه أرقامٌ مُبالغٌ فيها، وغير حقيقيةٍ، وأتحداهم.
المحاور: وهم ماذا يهدفون من هذا؟
الضيف: قبل هذا أُكمل لك، تحدَّاهم؛ قال: لأنه لا يمكن أن توصف الحالة بأنها اعتداءٌ أو إيذاءٌ جسديٌّ إلا أن تمرَّ على الطب الجنائي، فيكشف ويُقرر أن هذه حالة إيذاءٍ جسديٍّ حقيقيٍّ.
قال: نحن الأطباء الحالات التي تأتينا قليلة، فبالتالي الأرقام التي تظهر في الإعلام هي أرقامٌ مكذوبةٌ.
المحاور: ما السبب؟ ما الهدف؟
الضيف: السبب: تهييج وتجييش المجتمع حتى تتشكل عنده صورةٌ ذهنيةٌ أن هذا الأمر منتشرٌ، وبالتالي يجب تحجيمه، ويجب تقليله، وهذا شعورٌ ينطبع عند الإنسان، ويأتون لك بتقارير وصور ويُضَخِّمونها، فالإعلام صنعةٌ.
فتأتي أنت والناس الطيبون الذين طهرت قلوبهم فيقولون: الله أكبر! ما هذا؟!
واحدةٌ عينها مضروبةٌ، وأخرى مجروحةٌ، وكلها أربع حالاتٍ، أو خمسٌ، أو ستٌّ، فيظن القارئ أو المشاهد أن المجتمع كله بهذه الصورة، إذن هذا فيه ظلمٌ، وهذا مجتمعٌ ذكوريٌّ، .. ويبدأ الكلام الذي يضرب: التسلط، يجب أن يُوقف هؤلاء المجرمون عند حدِّهم من خلال نظامٍ، أو اتفاقية القضاء على العنف ضد المرأة، هاتِ هذا النظام.
أو زواج كبير السن من صغيرة السن، ويستغلون الفارق السني في تجييش المجتمع، ثم يقولون: تحديد سنٍّ أدنى للزواج في المجتمع: كسن ثماني عشرة سنةً.
المحاور: موضوع التحرش الجنسي، والنظر في قضايا وجود أنظمة للتحرش الجنسي، ونسيان ما يتعلق بالمثيرات والأجواء التي قد تكون سببًا في هذه القضية.
الضيف: حتى نظام التحرش موجودٌ في الغرب.
المحاور: ولم يُغْنِ.
الضيف: أبدًا، لكنهم في الغرب -للأسف- يُخفون الأقام الحقيقية، وإلا فهناك اغتصابٌ، وهناك اغتصاب محارم، وقد يكون بالشوارع.
المحاور: جزاك الله خيرًا.
الضيف: والمرأة العاملة تشتكي، رغم وجود الأنظمة.
المحاور: جزاك الله خيرًا يا دكتور فؤاد، نحن لا نريد أن تنتهي الحلقة، سنأخذ فاصلًا، ولكن نريد ألا ننسى أن نأخذ الجانب المتعلق بالأسرة، سنسأل: ماذا نفعل بعد هذا التصور التثقيفي حول هذه القضايا؟
وستكون معنا مداخلة من الدكتور الكريم: محمد السعيدي، حول عنوان هذه الحلقة، بإذن الله.
أيها الإخوة والأخوات، فاصل ونواصل، انتظرونا، بارك الله فيكم.
***
حياكم الله أيها الإخوة والأخوات، عودًا حميدًا مع: "الأسرة والتحديات الفكرية"، ومع الدكتور فؤاد عبدالكريم.
دكتور فؤاد نُكمل ما يتعلق بالجانب الأخلاقي الاجتماعي.
الضيف: يبدو أن الوقت أزف على الرحيل كالعادة.
المحاور: نسأل الله أن يُعين؛ لذلك أقول: لا بد من قسطٍ مهمٍّ عن الأسرة، فالكثير من الأُسَر يُتابعوننا -ولله الحمد- وسيكون سؤالهم: هذا التثقيف أمرٌ مهمٌّ، ونحتاج إلى تثقيفٍ أكبر، لكن نحتاج إلى وضع أساسيات في قضية العلاج والوقاية.
الضيف: لكن أيضًا لا بد أن تكون هناك توعيةٌ ووقايةٌ.
المحاور: أتمنى يا دكتور فؤاد الإشارة إلى ما يتعلق بخروج المرأة من بيتها: هل له أثرٌ، أو ليس له أثرٌ؟ وما يتعلق بها.
الضيف: ممتاز، كنتُ سأُدمج بين التحدي الاجتماعي والاقتصادي لضيق الوقت، وكنتُ سأذكر لهم مثالًا واحدًا هو: عمل المرأة.
المحاور: ممتاز.
الضيف: دخل أعداء الأمة بنفس الطريقة من بوابة عمل المرأة، فأوهموا المرأة أن بقاءها في البيت تهميشٌ، ورقمٌ من أرقام البطالة، ما لها دورٌ في الأمة؟ ما لها دورٌ في المجتمع؟ يعني: كأنه قُضي عليها طالما أنها في البيت.
المحاور: فأصبح الطارئ هو الأصل.
الضيف: أوهموها أن الخروج هو التنمية، والمشاركة هي العطاء، وتبع ذلك دعوات ومصطلحات ومُغريات للمرأة، ومن أخطر الدعوات التي تمت في هذا المجال: دعوة الاستقلال الاقتصادي.
هم دخلوا من هذا الباب؛ لأنهم يعرفون أنه لا أنا ولا أنت ولا أحد يستطيع أن يُحرِّم عمل المرأة أبدًا، لكن عمل المرأة إن اضطرَّت للخروج، وإلا فالأصل في الإسلام أن المرأة عاملةٌ في كل حينٍ: فإما أن تكون عاملةً في منزلها، وهذه تُسمّى: عاملة حُرَّة، أو تكون عاملةً أجيرةً عند غير محارمها خارج المنزل.
فخروجها خارج المنزل طارئٌ إذا كانت محتاجةً بضوابط ليس هذا مكانها.
المحاور: بنص الآية.
الضيف: وليس هذا أيضًا مجال الحديث.
المحاور: وأنتم لكم مؤتمر كان مُلتقًى كاملًا في هذا الموضوع.
الضيف: صحيحٌ: "ملتقى المرأة العاملة"، كان في هذا الموضوع: "ملتقى المرأة السعودية".
لكن في هذا السياق تم خداع الأسرة بمكوناتها، حتى الرجل -كالزوج والأب- تم خداعه، وهذه خطورة الفكر؛ لأن بقاء المرأة نقصٌ، وعيبٌ، وبطالةٌ، وتكون مُهمَّشةً، ما لها قيمةٌ، فأين ذهبت التربية؟ وأين ذهبت الرعاية النفسية تخصصكم؟ وأين ذهبت الأمور التربوية: كرعاية الزوج، ورعاية الوالدين؟ كل هذا تم تجاهله، وأنه لا قيمةَ له؛ لأننا أخذنا الرؤية الغربية، يعني: ظروف المرأة الغربية أردنا أن نُطبقها عندنا، وهي لا تنطبق.
المرأة الغربية لا يُنفَق عليها، فلا بد أن تخرج للعمل، عندما تبلغ ثماني عشرة سنةً لا بد أن تخرج للعمل، وإلا ستموت، وتدفع إيجار الغرفة التي هي في بيت أمها، أو بيت أبيها.
هنا لا، الوضع مختلفٌ، فالمرأة في الإسلام مكفولةٌ بالنفقة، وبالتالي الأصل في خروجها أنه طارئٌ، إذا احتاجت إلى ذلك.
فأصبح الآن الأصل في كيان المرأة وفي مفهومها الخروج، وتبع ذلك مفاهيم مغلوطة: كالاستقلال الاقتصادي، يعني: أنت تتعلمين لتعملي، ولتستقلي عن الزوج أو الأب.
المحاور: شكرًا دكتور فؤاد، معنا مداخلةٌ كريمةٌ من فضيلة الشيخ الدكتور محمد إبراهيم السعيدي، رئيس وحدة التوعية الفكرية بجامعة أم القرى.
حياكم الله يا دكتور محمد.
المتصل: مرحبًا بك، تحيةً لك، وتحيةً لأخينا الدكتور فؤاد العبدالكريم، ولأحبائنا المشاهدين في كل مكانٍ.
المحاور: الله يحفظك، وسعداء بمُشاركتك، بارك الله فيك.
نحن في حلقةٍ بعنوان: "الأسرة والتحديات الفكرية"، و(الميكروفون) بين أيديكم، جزاكم الله خيرًا.
المتصل: بارك الله فيكم، من المناسب أن أبتدئ من حيث انتهى أخي الدكتور فؤاد، فقد كان يتكلم عن بقاء المرأة في بيتها، وعمل المرأة، وأسطورة: أن الأصل في المرأة أن تكون عاملةً خارج بيتها، وأنها مُستقلةٌ استقلالًا اقتصاديًّا.
أُحبّ أن أُضيف إلى ما ذكره الدكتور، ولعله كان يريد أن يقول مثلما أقول، لكنكم عاجلتُموه بمداخلتي.
فأقول: إن من المُستغرب أن نعلم أن ما يقع الآن في العالم بأسره من مشكلات اقتصادية، ومن مشكلات التضخم الاقتصادي، ومشكلات الاستئثار، أو استئثار العالم لشركات تصنيعية بعينها، وتحكم الشركات بالعادات والتقاليد التي تنشأ في الشعوب؛ لأن الذي يُحرِّك العادات والتقاليد الآن الشركات المُصنِّعة والمُصدِّرة؛ الشركات التي تتسابق في تصنيع مآكلنا، ومشاربنا، وملابسنا، وأثاث بيوتنا، كل هذه الشركات تتسابق في تصنيع ذلك، وبذلك هي التي تُشكِّل عاداتنا وثقافتنا، كما أنها هي التي تُشكِّل أو تُسبب ما يُعرف اليوم بالبطالة، سواء أكانت بطالة الرجال أم النساء.
أقول: إن سبب هذه المشكلات -وهو سببٌ لم يُلتفت إليه اقتصاديًّا بشكلٍ كبيرٍ جدًّا- خروج المرأة من بيتها وعملها في الخارج.
وأشرح ذلك لأحبائنا المشاهدين فأقول: إن المرأة في الزمن الماضي كانت هي التي تُشكِّل عاداتنا وتقاليدنا؛ لأنها هي التي تصنع ملابسنا، وهي التي تصنع مطاعمنا، وهي المُنتج الوحيد، حتى أَسِرَّة بيوتنا وأثاثنا وفُرُشنا كانت النساء هن اللواتي يصنعنها.
فكانت المرأة تُشكِّل كل شيءٍ؛ تُشكِّل العادات والتقاليد، وكانت المرأة لا تجعل المجتمع في حاجةٍ للشركات التي تفرض عليه أخلاقه، وتفرض عليه نمطه الاستهلاكي.
فلما خرجت المرأةُ من بيتها في العالم بأسره، لا نتحدث عن العالم العربي أو العالم الإسلامي فحسب، بل حتى في أوروبا حينما خرجت المرأة ولم تَعُد مسؤولةً عن صياغة الفكر الاستهلاكي للبلاد وللأمة، ولم تعد مسؤولةً عن الفكر الغذائي للأمة، وأصبحت الأمم تأخذ فكرها الغذائي وعاداتها الغذائية وعاداتها في الملبس وغيره من المصانع، وبدأت قضية التضخم، وبدأت قضية البطالة، وبدأت قضية العولمة، أي: فرض الأخلاق عن طريق الشركات.
فهذه القضية التي تحدث عنها فضيلة الشيخ فؤاد قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، وأتمنى من الاقتصاديين أن يبحثوا أثر المرأة، أو أثر عودة المرأة على الاقتصاد وحل المشاكل الاقتصادية العالمية.
الآن المرأة حينما خرجت لتعمل تركت مكانها فارغًا؛ لأن مكان المرأة لا يستطيع الرجل أن يشغله، بينما مكان الرجل تستطيع المرأة أن تشغله، يعني: لنكن صُرحاء: المرأة تستطيع أن تبيع، والمرأة تستطيع أن تشتري، والمرأة تستطيع أن تُمارس الكثير من أعمال الرجال، وليس كل أعمال الرجال، لا سيما الأعمال اليومية التي تستطيع أن تُمارسها المرأة، لكن عمل المرأة في بيتها لا يستطيع الرجل أن يُمارسه.
فحينما خرجت المرأة بقي مكانها شاغرًا، فبقيت التربية مُعطلةً، وبقيت الصناعة، وتكوين الأفكار، وتكوين فكر السلوك الاقتصادي، وتكوين السلوك الغذائي؛ بقي كل ذلك فارغًا، وأصبحنا مُضطرين إلى استيراد كل هذه السلوكيات: السلوك الاقتصادي، والسلوك الغذائي نستورده من الخارج، ونستورده من المصانع التي تتنافس في بثِّ الدعاية لكي تكون المجتمعات نهمةً، دائمًا الاستهلاك.
وهذه المصانع لا تتوقف عن الإنتاج باستمرارٍ، ورفع الأسعار باستمرارٍ، مما يُؤدي إلى التضخم المُتسارع، والفساد الاقتصادي المتسارع.
فالمرأة هنا حلٌّ كبيرٌ جدًّا، أو عودة المرأة إلى بيتها وقناعتها بأن الأصل هو أن تعود المرأةُ إلى بيتها حلٌّ لكثيرٍ من المشكلات الاقتصادية.
وفي ظني أن النساء لو فُرِضَ لهن رواتب في بيوتهن -وأرجو أن تُدرس هذه المسألة دراسةً اقتصاديةً كاملةً وجيدةً- لبَقَيْنَ في بيوتهن، فليُنظر ما هي المكاسب التي ستُحصِّلها البلاد في المستقبل العشري، لا نقول: المستقبل الآني، لكن المستقبل العشري، أو المستقبل العشريني، ما هي المكاسب التي ستحصلها البلاد؟ وما هو التوفير الذي ستحصله البلاد؟ وكم حجم التضخم الذي سيُحصر بشكلٍ كبيرٍ جدًّا؟ وكم حجم البطالة -بطالة الرجال-؛ لأن خروج المرأة أيضًا سببٌ في بطالة الرجال؟ والرجل لا شكَّ أنه الأصل، فهو الذي يرعى، وحينما تُنافسه المرأة على العمل تزداد البطالة، فتكون البطالةُ محققةً في الرجال والنساء؛ لأنهم كلهم يتنافسون على سوقٍ واحدةٍ.
هذا بعض ما أُريد قوله، ولا أريد أن آخذ وقت الدكتور فؤاد، ولعله يُدلي بما عنده، فهو أفضل وأعلم.
المحاور: أحسنت يا دكتور محمد، شكرًا لكم، وبارك الله فيكم.
المتصل: العفو.
المحاور: جزاكم الله خيرًا.
كان معنا الدكتور محمد السعيدي، رئيس وحدة التوعية الفكرية بجامعة أم القرى في هذه الإطلالة المباركة.
تفضل يا دكتور فؤاد إذا كان لكم تعليقٌ، جزاكم الله خيرًا.
الضيف: ما شاء الله، الدكتور محمد كعادته مُبدعٌ.
المحاور: الحقيقة أنه طرق قضيةً مهمةً جدًّا.
أنا أذكر أنه كان هناك مُلتقًى عن عمل المرأة، وتيسرت لي المشاركة فيه بورقةٍ حول عمل المرأة بين الإيجابيات والسلبيات، وكان هناك استقصاءٌ في الجوانب النفسية، والتربوية، والاجتماعية، والفسيولوجية، وأشياء عديدة جدًّا.
فكانت النتيجة التي وصلت إليها -وهي موجودةٌ ضمن البحوث التي أصدرتُموها في مركز "باحثات"- أن الجوانب السلبية طغت على الجوانب الإيجابية، وهذا يتوافق مع حكم الله ، وما يتعلق بالإشارة، يعني: حينما أشار في كلمته إلى وجود دراسةٍ عن أثر عودة المرأة إلى بيتها في الجانب الاقتصادي، فهذه قضيةٌ من القضايا المهمة جدًّا، فكيف بغيرها؟!
الضيف: وفي الغرب دعواتٌ كثيرةٌ جدًّا إلى الرجوع، لكن -للأسف- لا تبرز؛ لأن مَن يُسيطر على الإعلام ويحمل هذا الفكر المنحرف لا يريد أن تصل إلى الناس.
المحاور: جزاك الله خيرًا.
الضيف: لكن دعوات الفطرة كثيرةٌ، ولا يُفهم هنا أننا نُحرِّم العمل، أو نمنع المحتاجة من العمل، لكن الذي نرفضه أن يكون هو الأصل، ولجميع النساء، هذا المرفوض.
المحاور: نحن في الدقائق الأخيرة، فهل بالإمكان أن نذهب إلى الاتجاه في دقيقةٍ واحدةٍ، ثم نحصل منكم على توصيات فيما يتعلق بالجانب العلاجي والوقائي، بارك الله فيكم؟
الضيف: أنا سأعتبر نفسي لم أذكر شيئًا في هذا الجانب، لكن أقول: هناك دعوات إلى تفريغ الأسرة من محتواها، فالحركة النَّسوية في بعض أفكارها المتطرفة تعتبر الأسرة شكلًا من أشكال التمييز ضد المرأة، يعني: قبول المرأة نفسها أن تتزوج، يعني: أنها تقبل بالعبودية، فوصلوا -للأسف- في الانحراف الفكري إلى هذا الحد؛ ولذلك -إن صحَّت العبارة- يحاولون أن يُفرعنوا أفراد الأسرة؛ للانقلاب على الأسرة، خاصةً المرأة، وبخاصةٍ الفتيات المراهقات في هذا الاتجاه.
المحاور: وهذا خطيرٌ.
الضيف: خطيرٌ جدًّا؛ لأنها تُلامس الشهوات، وتُلامس الحرية، وكل إنسانٍ يريد الحرية، لكن صغار السن لا يعرفون، قد يجهلون: هل هذا الطريق في الحرية صحيحٌ أو خطأٌ؟ أين يصل بهم في الأخير؟ فقِلّة الخبرة قد تُوردهم المهالك.
ولذلك عندما خرج (الهاشتاج) المشهور: "إسقاط الولاية"، البعض تأثروا به جهلًا، وبعضهنَّ غُرِّر بهنَّ حتى وصل الحال إلى أنها تهرب من بيتها، بل من البلد كلها، وفي الأخير تبكي وتريد أن ترجع.
المحاور: يندمون على ذلك.
الضيف: يندمون على ذلك.
المحاور: يا دكتور، أنا أُبشرك، ونُبشر أنفسنا قبل أن نُبشر المشاهدين: أن الإخوان وافقوا على تمديد الحلقة لخمس دقائق، فبين أيدينا تقريبًا تسع دقائق، الآن أستفيد منكم أكثر، بإذن الله.
الضيف: ما دامت الدعوة بشائر، يعني: هناك بشارةٌ، وأنا صراحةً ما أدري: هل أنا مُخوَّلٌ أن أقولها أو لا؟ هل هي مُعلنة أو لا؟
بعد شهرٍ تقريبًا هناك ملتقًى أو مؤتمر يتبع: "منظمة التعاون الإسلامي"، وليعذوروني إذا كانوا ما أعلنوا، لكن من باب البشائر.
والملتقى سيكون على المستوى الوزاري عن أهمية المحافظة على الأسرة، وتعزيز القيم فيها، والمحافظة عليها في وجه المخاطر الشديدة التي تُواجهها الأسرة الآن.
وأنا الآن أعتبر هذا من المبشرات، ولعل التوصيات التي تخرج -إن شاء الله- تكون مُتوافقةً فعلًا.
المحاور: والمجتمع أيضًا ينتظر مُلتقاكم الثالث -بإذن الله- في مركز "باحثات".
الضيف: الله يُعين.
المحاور: طيب، نُكمل، بارك الله فيكم.
الضيف: إي، نعم، قصدي أن هناك الآن محاولة لتفريغ الأسرة من محتواها بمفاهيم الحرية، لا يأتون بهذه الطريقة، يستغلون -للأسف- وجود بعض المشكلات، حتى لا يُقال: أننا نُنكر كل شيءٍ، لا، مجتمعنا مثل أي مجتمعٍ فيه مشكلات وأخطاء وتجاوزات، وفي بعض الأحيان فهمٌ خاطئٌ لأحكام الشريعة، وفي بعض الأحيان سلوكيات من أناسٍ انحرفوا: إما أصحاب مخدرات، أو أصحاب أمراضٍ نفسيةٍ، أو أناس أصحاب عقولٍ لكن انحرفوا.
المحاور: نفسٌ بشريةٌ.
الضيف: نفسٌ بشريةٌ، لكن تُستغل هذه الأحداث القليلة ويتم تضخيمها وجعلها جسرًا يُصْعَد من خلاله إلى المطالبة بأجندة واتفاقيات وصكوك ووثائق غربية، أو نسوية مُنحرفة فيها مخالفة كامنة للشريعة.
يعني: اتفاقية العنف ضد المرأة في نهاية المطاف لو طُبِّقت كما كُتِبت في الغرب، أو صدرت من الهيئات العالمية لحدث تفككٌ أُسريٌّ، إذا أخذنا مفاهيمها الثلاثة: العنف الجسدي، والعنف الجنسي، والعنف النفسي.
في الأخير: أنت كزوجٍ أو أبٍ لا تملك أي سلطةٍ على أولادك، أو على بناتك؛ خوفًا من أن تقع إحداهن في أحد أنواع العنف الثلاثة، يعني: أن يكون عنفًا جسديًّا، وهذا -في الغالب- يسهل تفاديه، وأنك لا تقع فيه؛ لأن فيه إيذاءً جسديًّا مباشرًا، فإن شاء الله -في الغالب- أنه لا يقع.
المحاور: وصاحب العقل لا يمكن أن يفعل ذلك.
الضيف: صاحب العقل وصاحب الدِّين وصاحب الفطرة، ليس على المرأة فقط، نحن قلنا أننا ضد هذا العنف، حتى على الرجل، حتى على الحيوان، ومنه الجنسي، لكن -للأسف- يُدخلون فيه الاغتصاب الزوجي، وليس هذا مكانه، فإذا ما رضيت الزوجةُ ترفع السماعة وتتصل على رقم الشكاوى وتشتكي.
المحاور: أعوذ بالله، عكس حديث النبي .
الضيف: عكسه بالضبط.
المحاور: أعوذ بالله.
الضيف: أخطرها: الإيذاء النفسي الذي ليس له ضابطٌ في الحقيقة: كلمات الإكراه، وكلمات السبِّ والشتم، والإيذاء، ليس لذلك ضابطٌ.
فكلمةٌ عاديةٌ أقولها داخل أسرتي يمكن أن تُقال في جنوب المملكة ولا تُعتبر مسبَّةً أو شتيمةً، أو العكس.
المحاور: في الأخير سيكون صاحب الولاية.
الضيف: منزوع الولاية.
المحاور: هو نفسه سيكون في موقفٍ من الخوف أن يُمارس شيئًا من التأديب، أو حل المشكلات، أو ما شابه ذلك.
الضيف: في المؤتمرات الدولية هذه لا يتكلمون عن حق القوامة للرجل؛ لأنهم لا يؤمنون بهذا، هم يؤمنون بالمساواة، يعني: في داخل الأسرة رأسان، في الدولة لماذا لا يكونان رأسين؟ وفي الشركات الاقتصادية لماذا ما تصير رأسين؟
المحاور: الصورة واضحةٌ يا دكتور، بقيت معنا خمس دقائق، نريدها الآن -جزاك الله خيرًا- في توصيات ومُقترحات للأسرة، ركِّز على الأسرة، والأسرة المسلمة هي التي عندها حرصٌ على الخير، وبذرة الخير موجودةٌ، والفطرة، لكن قد يكون الجانب التثقيفي لعددٍ من هؤلاء جديدًا فيما سمعوه مثلًا في هذه الحلقة وغيرها، فهلَّا من توصيات -جزاك الله خيرًا- في الجانب العلاجي والوقائي؟
الضيف: أقول لك على العلاجي والوقائي: أول درجاته: الوعي، فإذا لم تكن واعيًا ولا تُدرك أن هذا خطأٌ فكيف ستتجاوزه؟!
المحاور: يا سلام! ولعل هذه الحلقة تُساعد في ذلك.
الضيف: هذه الحلقة جزءٌ من الوعي، يعني: مركز "باحثات" بكل أنشطته المختلفة.
المحاور: وهذا ما كنت أريد أن أسألك عنه يا دكتور: كيف يستطيع الذي في مشارق الأرض ومغاربها أن يصل إليكم؟
الضيف: أنا لا أحب أن تكون الحلقات الثقافية مجالًا للتسويق، لكن لنا موقعٌ في (الإنترنت)، ولنا حسابٌ في تويتر.
المحاور: باسم "باحثات"؟ وفي تويتر أيضًا باسم "باحثات"؟
الضيف: وفي (الواتس، والفيس بوك، والإنستجرام، والسناب شات).
المحاور: في جميع وسائل التواصل.
الضيف: نعم، كلها موجودةٌ، ولنا كتبٌ مطبوعةٌ أيضًا.
المحاور: إذا دخلتم على مركز "باحثات" أو "باحثات" في (تويتر) وغيره من وسائل التواصل ستجدون موادًّا عديدةً فيما يتعلق بالعلاج الأول والوسيلة الأولى في الجانب الوقائي، والخاصة بجانب الوعي فيما يرتبط بهذه القضية.
الضيف: ولا نحتكر على قولتهم، فهناك جهودٌ أخرى في "الرابطة العالمية للمنظمات النسائية"، وكذا "اللجان الإسلامية العالمية للمرأة والطفل"، وهناك "الاتحاد الإسلامي النسائي"، وهناك مجموعةٌ من المواقع في (الإنترنت) فيها توعيةٌ كاملةٌ بهذه القضية.
المحاور: التوصية الثانية.
الضيف: كما ذكر الشيخ الدكتور وليد -حفظه الله- قضية الاعتزاز بالهوية، فلا نخجل أن نقول: هذا ديننا، وهذه أحكام الشريعة، والمرأة لها حقوقٌ، وعليها واجباتٌ، والرجل له حقوقٌ، وعليه واجباتٌ، والزوج، والأب، والابن، والأخت، .. إلى آخره. كل هؤلاء لهم حقوقٌ، وعليهم واجباتٌ.
وفي هذه المؤتمرات الدولية والوثائق ما يُنصّ أبدًا على قضية الأم، ولا الأخت، ولا الزوجة، يتعاملون بالفردية التي هي المبدأ الثالث من مبادئ الحضارة الغربية، فكل فردٍ يعيش لنفسه، وبالتالي يُقاتل مَن حوله، وبخاصةٍ الرجل؛ حتى تأخذ حقوقها! فأي حياةٍ هذه؟ يعني: أي أسرةٍ؟!
المحاور: إذن هو يريد أن يُحقق حقوقه، وهي تُريد أن تُحقق حقوقها.
الضيف: ويتصارعان عليها.
المحاور: ويتصارعان على هذه القضية: هذه الأنانية والفردية.
الضيف: أين هذا من قول الله : وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21]؟! ما في مودة ورحمة! ما في إلا صراعٌ!
المحاور: جميلٌ، النقطة الثالثة؟
الضيف: الثالثة: دعوة جميع أفراد الأسرة -سواء كان أبًا، أو أمًّا، أو ابنًا، أو ابنةً- إلى التمسك بهذا الدين، فإذا تمسكوا بهذا الدين فهذا يعني: استقرار الأسرة، وتكون هناك حمايةٌ للأسرة من أي دعاوى مُضللة يمكن أن تفتك بها.
فعندما تأتي البنت المسكينة، أو حتى المرأة عمومًا، أو حتى بعض الرجال، ويظن أنه مهضوم الحقوق، ومظلومٌ، فيبدأ ينقم على مَن حوله، فينقم على أسرته، والمرأة تريد أن تخرج! والبنت تريد أن تخرج!
وإذا حسبتها ماديًّا ستجد أنها خاسرةٌ، لكنها تظن أن خلاصها في الخروج من هذا المكان الذي يظلمها، وفي الأخير تكتشف أنها هي التي ظلمت نفسها.
المحاور: إذن: الوعي، والهوية والاعتزاز بها، وقضية التمسك.
الضيف: التمسك بالدين.
وأيضًا الرجوع في أي مشكلةٍ طارئةٍ إلى أهل التخصص، فلا يكن مرجعُنا العالمَ الافتراضي، هذا خطأٌ، فواحدٌ يُعطيني قضيةً هنا، وغدًا واحدٌ يُعطيني في نفس القضية حلًّا من هناك، وكل واحدٍ يقول ما يحلو له، وبعض الناس أسماءٌ مجهولةٌ.
المحاور: كنتُ سأسألك يا دكتور، وأنت أجبتَ على طرفٍ من الموضوع، يعني: عندما تأتي مشكلاتٌ في انحرافٍ فكريٍّ -أيًّا كان اتجاهه- في القضايا التي ذكرتها في الجوانب العقدية، والجوانب الاجتماعية، ماذا سيحصل من دور الأسرة في هذا الجانب؟ يعني: مع وجود الضعف في الوعي، وكذلك في آليات العلاج، هنا قضية الرجوع لأهل الاختصاص.
الضيف: الرجوع للتخصص، وانتهى الموضوع.
المحاور: حتى أهل الإلحاد هنا، يعني: هناك مثلًا: "ميليشيا الإلحاد" للأستاذ عبدالله العجيري، وهناك الآن مواقع للأخوات تُناقش الإلحاد كمثالٍ، وغيرها من الأمور، وهكذا المواقع الأخرى فيما يتعلق بالجانب الذي ذكرته.
الضيف: يعني: في بعض القضايا التي ذكرناها، وغيرها مما ذكرنا، نحن ما نتكلم عن عموم الناس، ولا حتى عن النُّخَب.
والله عندما أذكر لهم هذا الكلام يقولون: أول مرةٍ نسمع هذا. فبالتالي هم معذورون؛ لأنه جديدٌ على الأمة، جديدٌ على مجتمعنا، وبالتالي الجهل به ليس عيبًا، هو طبيعيٌّ؛ لأنه ما كان موجودًا.
المحاور: إذن إحالة المشكلات لأصحابها.
الضيف: إلى أهلها، ثم الحذر من أصحاب السوء في دعواتهم، يعني: كل مَن دعا إلى شيءٍ وأتى لنا بكلامٍ معسولٍ ننظر أولًا في أصله ما هو؟ فإذا كنا نعرف ونستطيع أن نحكم فالحمد لله، وإذا كنا لا نعرف نسأل.
فعلينا أن نحذر في هذه القضية، وأُوجه الدعوة إلى الوالدين: إلى الأب والأم، فواجبهما كبيرٌ.
المحاور: سأختم يا دكتور فؤاد، فإذا كان هناك شيءٌ سريعٌ، بارك الله فيك.
الضيف: هو هذا: قيام الوالدين بواجباتهما الشرعية داخل الأسرة، الحقيقة هناك تقصيرٌ.
المحاور: وحماية الفطرة.
الضيف: حمايتها، هناك تقصيرٌ من الأب، وتقصيرٌ من الأم في هذا الجانب، تقصيرٌ كبيرٌ جدًّا، وهذا الذي أدَّى إلى هذا، مع وجود وسائل التواصل، فكل واحدٍ معه (تليفزيونه) الخاص به حتى وهو في فراشه.
أخيرًا -وأختم بهذا- الجهات المختصة -سواء حكوميةً، أو أهليةً، أو خيريةً- أين دوركم؟ أين دور هذه الجهات؟
فمركز "باحثات" ليس مسؤولًا عن هذه القضايا وحده، ولا فلان، ولا علان، ولا المؤسسة الفلانية وحدها، لا يمكن، هذا مجتمعٌ، أمةٌ كبيرةٌ، لا بد من تضافر جميع الجهود في هذا، وكما ذكرتُ أن دخول "منظمة المؤتمر الإسلامي" مثل هذا.
المحاور: شيءٌ يُشكرون عليه.
الضيف: صراحةً شيءٌ يُشكرون عليه.
المحاور: جزاك الله خيرًا، وهذه بُشرى طيبة.
شكرًا لكم يا دكتور فؤاد، وكانت حلقةً رائعةً وممتعةً، ونسأل الله أن يبارك في جهودكم.
أيها الإخوة والأخوات، كان معنا الدكتور فؤاد بن عبدالكريم العبدالكريم، المشرف على مركز "باحثات لدراسات المرأة"، حول هذا الموضوع المهم ضمن سلسلة: "أسس التربية" حول: الأسرة والتحديات الفكرية.
أسأل الله أن يحفظنا وإياكم وأجيالنا، وأن يُبَصِّرنا وإياكم بكل خيرٍ.
هذا، وأُصلي وأسلم على نبينا محمدٍ، ولنا لقاءٌ قادمٌ في الأسبوع القادم في مثل هذا الوقت.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | أخرجه البخاري (4981)، ومسلم (152). |
---|