المحتوى
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أهلًا بكم أيها الإخوة والأخوات في برنامجكم الأسبوعي: "أسس التربية"، من قناتكم قناة "زاد العلمية" الفضائية.
ما زلنا معكم من خلال كلامنا في الحلقات السابقة عن: "مصادر التربية الإسلامية"، وقد كان لنا ضيفٌ قبل أسبوعين أو أكثر حول المصدر الأساسي: "كتاب الله ، وسنة النبي "، ثم أكملنا المشوار حول بعض النقاط المهمة، خاصةً مع كتاب الله .
وما زلنا في هذه الحلقة كذلك نتكلم حول هذا المعين الذي لا ينضب، ألا وهو كلام الله .
وقد ارتضينا وارتضى فريق العمل أن يكون لنا ضيفٌ مختصٌّ بالقرآن وعلومه، ونسعد في هذا اللقاء بالأخ الكريم الشيخ الدكتور: طارق بن أحمد الفارس، الحاصل على (دكتوراه) في التفسير وعلوم القرآن، وإمام وخطيب جامع فيصل بن تركي بالدمام، ومستشار مركز "تفسير" للدراسات القرآنية، والمشرف العام على مركز "اقرأ" القرآني.
أهلًا بكم فضيلة الشيخ وحياكم الله.
الضيف: أهلًا وسهلًا وحياك الله دكتور خالد، وأُحيي المتابعين من الإخوة والأخوات.
المحاور: الله يعطيكم العافية، ويجزيكم عنا خيرًا شيخ طارق.
ما زلنا نتكلم فيما يتعلق بمصدرية القرآن، واستقراء واستلهام قضايا التربية من خلال كلام الله .
وحلقتنا في هذا اللقاء يا شيخنا الكريم حول القرآن وتربية النفس، حول القرآن وتزكية النفس.
ولا شك أن هذا الموضوع يحتاج إلى إطلالةٍ حول الأهمية، فنستمع -جزاكم الله خيرًا- لما يجود الله به عليكم.
الضيف: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أحسنتم عندما أرجعتم التربية إلى مصدرها الحقيقي، وأنها ربانية المصدر، وأنه لن يكون للتربية نجاحٌ ولا توفيقٌ إلا إذا رجعت إلى أصلها وأساسها.
ومما تتفرع عنه التربية: التزكية، تزكية النفس.
وتزكية النفس كان لها شأنٌ عظيمٌ في كتاب الله تعالى، وتظهر أهميتها في عدة محاور، سنذكر منها مثلًا محورًا واحدًا فيه دلالةٌ واضحةٌ وأكيدةٌ على أهمية تزكية النفس.
إبراهيم عليه السلام ذكر له القرآن عدة أدعيةٍ، منها دعاءٌ يحتاج إلى تأملٍ، قال: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا [البقرة:129]، مِنْ أَنْفُسِهِمْ [آل عمران:164]، يقصد فيمَن؟
في أمة محمدٍ .
وهنا أيضًا ترى مؤشرًا مهمًّا يا دكتور خالد: أن هذا النموذج من خلال هذا القرآن يقضي على شيءٍ اسمه: الأنانية وقصر النظر.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: إبراهيم عليه السلام.
المحاور: من قوله: مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟
الضيف: وَابْعَثْ فِيهِمْ في أمة محمدٍ ، وهذا أيضًا بُعْد نظرٍ، فالإنسان يخدم دين الله بالدعاء وبغيره، حتى ولو لم يكن في عصره.
المحاور: وَابْعَثْ فِيهِمْ، وأيضًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ لها إشارةٌ حول هذا المعنى، ألا ترى ذلك يا شيخ؟
الضيف: بلى، مِنْ أَنْفُسِهِمْ فيه إشارةٌ إلى أن يكون منهم وفيهم.
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا، مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ماذا يفعل؟
ذكر فيه ثلاث صفاتٍ مهمةٍ، وهي خلاصة التعليم والتربية:
- يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ [البقرة:129]، هذه واحدةٌ، والتلاوة: تعليم القراءة الصحيحة.
- وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:129] بعدما يتلو عليهم بالقراءة الصحيحة يبقى التطبيق العملي.
- ماذا قال بعدها؟ وَيُزَكِّيهِمْ، لاحظ هذا الترتيب؟
المحاور: الترتيب مقصودٌ إذن؟
الضيف: مقصودٌ، بتقدير مَن؟
المحاور: ربّ العالمين؟
الضيف: لا، مِن الداعي، وهو إبراهيم عليه السلام، وإبراهيم نبيٌّ معصومٌ مُوحَى إليه، لكن يبقى علمه محدودًا.
كيف أجاب الله تعالى على دعوة إبراهيم في القرآن الكريم؟
في ثلاثة مواضع تقريبًا.
لاحظ معي الترتيب يا دكتور خالد: في سورة البقرة قال: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا [البقرة:151]، هذه واحدةٌ.
المحاور: هذه الأولى؟
الضيف: إي، وقال بعدها: وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:151].
المحاور: حصل تقديم التزكية على التعليم.
الضيف: فهذا سؤالٌ يُطرح للإثارة ليس إلا، والجواب واضحٌ، فأيهما أعلم: الله أم إبراهيم؟
المحاور: أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة:140].
الضيف: الله جلَّ وعلا عِلمه مُطلقٌ، لا يُحدّ بحدٍّ، ولا يُقيد بقيدٍ، فأجاب دعاء إبراهيم عليه السلام بهذا الترتيب: يَتْلُو عَلَيْهِمْ يعني: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:151]، هذا في البقرة.
انظر إلى آل عمران: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [آل عمران:164]، ما يفعل؟
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [آل عمران:164].
اختلف الترتيب عن دعوة إبراهيم؟
المحاور: لكن نفس ترتيب البقرة.
الضيف: هذا الآن كله كلام الله ، وهناك الكلام على لسان إبراهيم عليه السلام.
وقال الله سبحانه في سورة الجمعة: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ [الجمعة:2]، وماذا؟
وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2].
المحاور: يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ.
الضيف: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.
المحاور: إذن هنا فيه معنًى؟
الضيف: أهمية التزكية، فأهمية التزكية أنها قُدِّمت على التعليم، فتظهر أهميتها هنا؛ لأنه لن تكون هناك تزكيةٌ وتعليمٌ إلا بقراءةٍ صحيحةٍ.
المحاور: ولذلك التلاوة قُدِّمت في مكانها الحقيقي.
الضيف: في مكانها الحقيقي، لا تحتمل غير ذلك.
المحاور: لا يُتصور تزكيةٌ وتعليمٌ إلا بتلاوةٍ.
الضيف: تلاوةٌ صحيحةٌ.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: ولذلك -كما يذكر المفسرون- لكي يكتمل التفسير والاستنباط والتدبر على وجهه الحقيقي يجب أن تكون القراءة صحيحةً، وإلا لن يكون التفسير صحيحًا.
ومن الطرائف يا دكتور خالد: أن أحد الناس أراد تأديب زوجته فعضَّها عضًّا، بحجة أنه يُطبق كلام الله، قالوا: أين؟
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ [لقمان:13]!
وفي تربية الزوجة: فَعِظُوهُنَّ [النساء:34]، قال: فعضّوهن!
هو الآن يريد أن يُطبق، لكن عندما كانت القراءة خاطئةً كان التطبيق خاطئًا بلا شكٍّ؛ ولذلك نجد في زماننا هذا بعض الممارسات الخاطئة، وهم يريدون الخير، بسبب عدم فهم القراءة الصحيحة والفهم الصحيح.
المحاور: جميلٌ، جميلٌ، إذن نحن نفهم يا شيخنا -جزاك الله خيرًا- فيما يتعلق بقضية التقديم الذي في مراد الله أنه من باب تقديم الأهمية؟
الضيف: طبعًا.
المحاور: من باب أهمية التزكية على التعليم، وليس التقديم الذي نفهمه مما أتى على لسان إبراهيم، حيث قدَّم التعليم على التزكية، وكون التزكية هي الجانب العملي في التعليم، كذا يا شيخ؟
الضيف: أقولها لك بتعبيرٍ أدق: نحن إذا قلنا: التزكية، فهي التربية وترويض النفس على تقبل الشرع، فلن يتعلم الناس العلوم والمفاهيم والأحكام ما لم تكن النفس قد رُوِّضت وهُيِّئت ورُبِّيت على الأوامر والنواهي وتقبّلها.
لذلك التعريف الدقيق سيأتي -إن شاء الله- بعد قليلٍ، كما أنه الآن لا يستقيم أن يتقبل الإنسان الأوامر والنواهي ونفسه لم تُروض في تحقيق العبودية لله بالدرجة الأولى.
المحاور: كما جاء في أثرٍ: "لقد أُوتينا الإيمان قبل القرآن، ولقد أدركتُ أقوامًا أوتوا القرآن قبل الإيمان، يهذُّونه هذَّ الشعر، وينثرونه نثر الدَّقَل"[1]أخرجه الحاكم في "المستدرك" (101)، وقال: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، ولا أعرف له عِلَّةً، ولم يُخرجاه"، وابن … Continue reading.
المحاور: نعم، جزاك الله خيرًا.
الضيف: وأمثلتها كثيرةٌ: كالتدرج في تحريم الخمر، وكذا آيات فرض الحجاب.
المحاور: وفي هذه معانٍ يا شيخ، يعني: نحن أيضًا عندما نتكلم -بحكم التخصص- في جانب التربية، ونحن في حلقاتٍ سابقةٍ تكلمنا عن مفهوم التربية، فقد شمل مفهوم التربية كل ما يرتبط بقضية بناء الإنسان في جميع المجالات، فعندئذٍ التلاوة داخلةٌ؛ لأنها وسيلةٌ: اقرأ.
وكذلك بالنسبة لقضية التزكية، وكذلك بالنسبة لقضية التعليم، فعندما نتحدث بهذه الصورة فنحن نتحدث عن مَعْلَمٍ أساسيٍّ في التربية، وعندئذٍ نحن في أمسِّ الحاجة إلى الأخذ من كتاب الله ما يتعلق بمضامين التربية.
الضيف: أحسنت.
المحاور: جزاك الله خيرًا، طيب، شيخنا الكريم، هل بقي شيءٌ في أهمية التزكية؟
الضيف: كي لا نُطيل، طبعًا القرآن استفاض في عدة أماكن تظهر فيها الأهمية لمَن تدبر القرآن، وجمع المواضيع بعضها إلى بعضٍ كما يقول أهل التفسير الموضوعي، يعني مثل: قصة إبراهيم عليه السلام في عدة مواضع، وفي النهاية تحقيق وحدة موضوعية، والتي هي التزكية، وفيها نماذج، لكن أخشى أن الوقت لا يسمح.
كيف نستطيع أن نُزكِّي أنفسنا؟
المحاور: جزاك الله خيرًا، شكر الله لك يا شيخنا.
طيب، ننتقل إلى المحور الآخر -جزاك الله خيرًا- حول: كلنا نريد أن نُزكِّي أنفسنا حتى نستقيم على أمر الله ، وهذا معنى التربية الإسلامية، وهو أن يكون الإنسان على مراد الله ، وعلى طريقة النبي في شؤونه كلها، كيف نستطيع أن نُزكِّي أنفسنا؟
الضيف: وهذا سؤالٌ كبيرٌ، وهي الغاية التي من أجلها وُجِدنا وخُلقنا: تطبيق العبودية، فالإنسان إذا تعلم علمًا نظريًّا ثم لم يُطبقه بالجانب العملي فهو كمَن تعلم الصلاة وأحكامها وشروطها وصفتها وسننها، لكنه لا يُصلي، فهذا لا ينفعه شيءٌ.
فلكي أعرف كيف أُزكي نفسي يجب أن أعرف معنى التزكية، والمقصود بتزكية النفس، كيف تُزكِّي نفسك؟
التزكية جاء في معناها طريقان:
المعنى الأول: النماء والزيادة.
ولا بد أن يُقابل النماء والزيادة شيءٌ، يعني: هو الآن جناحٌ.
المعنى الثاني: التطهير.
المحاور: يعني: التخلية والتحلية.
الضيف: التخلية والتحلية، التصفية والتربية.
المحاور: التصفية والتربية، جميلٌ.
الضيف: فإذن أنا سأسير بالمسار الأول: النماء والزيادة يجب أن أقابله بالتطهير، وبالتالي يكتمل مفهوم التزكية، فهي ترويض النفس، وأدل شيءٍ على هذا كما قال تعالى في سورة البقرة: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ [البقرة:256]، هذا التطهير.
المحاور: التطهير؟
الضيف: نعم، وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ هذا النماء والزيادة، هذه ثمرةٌ من الثمار التي قد تأتي فيما بعد: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا [البقرة:256].
المحاور: يعني: يمكن أن نتصور إنسانًا يسلك مسلك الإيمان ويتربى عليه، ولكنه لا يخلو من الشرك؛ فيحصل له تنغصٌ في مسيرته في هذه الحياة؟
الضيف: بالضبط، ولن يكتمل هذا البناء الرباني والتربية القرآنية العظيمة بهذا الشكل الذي يريده الله .
فإذا بدأ الإنسان بالنماء والزيادة، وعلى رأسها التوحيد، ثم الصلاة، ثم الصيام، ثم الزكاة، ثم الحج، وبرّ الوالدين، وقراءة القرآن، والنفقة، والصدقة، وينمو، وينمو.
ويُقابله التطهير، وعلى رأسه الشرك، والكذب، والغيبة، والربا، والزنا، وشرب الخمر، والأمراض القلبية من الشهوات، والرياء، وغيرها من السب واللعن، وتطهير اللسان.
فهو يسير بهذه الطريقة، فمن هنا ينمو، ومن هنا يطهر، وهكذا يكون الإنسان قد زكَّى نفسه.
المحاور: إذن التزكية تحمل هذين المعنيين.
الضيف: لن ينفك عنهم.
المحاور: لن ينفك.
الضيف: عندها مفهومٌ ثالثٌ، وهو مذمومٌ نتركه إلى فقرةٍ لاحقةٍ، فهذا مفهومٌ يجب أن يُفهم؛ لأنه قد يُسبب إشكاليةً لمن يقرأ القرآن.
المحاور: جزاك الله خيرًا يا شيخنا.
نستأذنك، فاصلٌ أيها الإخوة الأكارم ثم نواصل بإذن الله .
***
حياكم الله أيها الإخوة، عودًا حميدًا بإذن الله ، ومع: "التربية القرآنية والقرآن وأثره على تزكية النفس".
حياكم الله يا شيخ طارق، نُكمل ما بدأناه حول نموذجٍ قرآنيٍّ، قد ذكرتَ لنا أنه -إن شاء الله- سيكون محورًا أساسيًّا لنا في هذا اللقاء.
تفضلوا، بارك الله فيكم.
الضيف: الله يُحييك يا دكتور خالد.
كي يتناسق موضوع الأهمية مع التعريف الاصطلاحي والشرعي مع الجانب العملي والتطبيقي دعنا نتأمل في هذا النموذج العظيم الذي ذكره الله في القرآن: سحرة فرعون، فقد فتنهم فرعونُ بقهره وإغراءاته وماله، يعني: إِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [الشعراء:42].
المحاور: إذا أذنتَ لنا يا شيخ طارق، معنا شيخنا الشيخ الدكتور محمد الربيعة، أستاذ القرآن وعلومه في جامعة القصيم.
حياكم الله شيخ محمد.
المتصل: حياكم الله شيخ خالد، وحيا الله ضيفك الكريم الدكتور طارق، وبارك الله فيكم وفي هذا البرنامج المبارك، وحيا الله الإخوة المشاهدين جميعًا.
المحاور: الله يحفظكم، ويبارك فيكم، ويجزيكم عنا خيرًا، تفضلوا في مداخلتكم دكتور محمد، جزاك الله خيرًا.
المتصل: سلَّمكم الله، الحمد لله الذي جعل كتابه الكريم خير كتابٍ لتربية الإنسان، والصلاة والسلام على مَن ربَّاه ربه بالقرآن فأحسن تربيته فكان خلقه القرآن، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ارتقوا بالقرآن من ظلمات الجاهلية إلى نور الوحي والقرآن.
ثم أما بعد: فشكر الله لكم هذا البرنامج المبارك الذي يؤسس التربية على منهج الوحي الرباني، الذي أراد الله أن يُربي عليه عباده.
وهذا الموضوع المهم الذي أعتبره من أولويات الأمة اليوم، فالأمة حينما ارتضت بعض المناهج التربوية البعيدة عن الوحي لا شك أنها ابتعدت عن النور، وحينما يسارع أهل الوحي وأهل الكتاب والسنة -كأمثالكم- إلى إعادتها من جديدٍ إلى هذا النور، لا شك أننا نُوقن أننا على الخط الصحيح، وعلى الطريق المُستبين، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم كذلك.
لا أريد أن أُطيل، والكلمات تزدحم، والموضوع كبيرٌ جدًّا، ومثل هذا الموضوع ينبغي أن تُعقد له مجالس وحلقاتٌ كثيرةٌ، إلا أنني سأبدأ ببدايةٍ عمليةٍ فأقول: حينما نقرأ كتاب الله في جانب التربية: تربية النفس، والله إن القرآن يأسرنا، ويجد الإنسان فيه مادَّةً من أسس التربية والتعاليم الربانية، بل قبل ذلك من النداءات الربانية للمؤمنين تأخذ بالألباب، فلا يستطيع الإنسان أن ينفك عن أن يُقبل على كتاب الله .
خذوا معي قول الله : وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء:53].
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [الفرقان:63]، وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ، وأنت تسمع كلمة: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ ما الذي يدور في خاطرك؟
لا شيء إلا أنك تعرف أن هذا الرب الكريم يُناديك باسمه الرحيم القريب.
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ كأنَّ الله تعالى يقول: ادخل معهم. فأي تربيةٍ هذه؟!
ثم يصف لك هذه الأوصاف العظيمة الكريمة التي يُوصلك بها إلى قمة ما تريد أن تصل إليه في قوله تعالى: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74]، يُريد الله تعالى أن يُربيك بالقرآن حتى تكون إمامًا، ولكن ما الطريق؟
الطريق أن تنظر إلى مثل هذه الصفات: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان:63]، أيُّ أدبٍ هذا؟! وأي تربيةٍ هذه؟! وأي خلقٍ هذا؟! والله إنها لأخلاقٌ ملائكيةٌ، هي صفوة الأخلاق.
ثم يقول الله تعالى فيهم بعد أن يصفهم مع عباد الله، يصفهم معه بالليل: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:64]، هم في النهار مع عباد الله في لينٍ ورحمةٍ وخلقٍ كريمٍ، وهم مع ربهم بالليل يبيتون خضوعًا وخشوعًا وإقبالًا.
أي أخلاقٍ هذه؟! وأي تربيةٍ؟!
هنا نعلم حقًّا أن القرآن ليس قبله ولا بعده شيءٌ يمكن أن يُربي الإنسان على الكمالات؛ ولهذا لا شك أن الله يريد من عباده الكمالات.
فأقول -ولا أُريد أن أُطيل-: مَن أراد أن يتربى بالكمالات فعليه بالقرآن، فإن: هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9].
لا أريد أن أُطيل عليكم في برنامجكم، وفضيلة الشيخ عنده ما يُثري بإذن الله.
خلاصة الأمر الذي أريد أن أقوله: إنك إذا أردت أن تتربى بالقرآن حقًّا فاعرض نفسك على القرآن بأخلاقه وصفاته فقط، الأمر يسيرٌ: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ [القمر:17].
فقط أن تقرأ القرآن، ثم تقول لنفسك: هل أنا من هؤلاء؟ هل أنا ممن وصفهم الله بالإحسان؟ هل أنا ممن وصفهم الله بالإيمان؟ هل أنا ممن وصفهم الله تعالى بالصدق: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119]، وقوله: رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب:23]؟
والله إنك ستجد أن القرآن يُثريك بصفات الكمالات كلها.
ثم أقول وأختم بهذا: إنني أنصح وأُوصي إخواني وأخواتي: إنك إذا أردتَ أن تتربى بالقرآن، فتُربي نفسك، أو غيرك، وأولادك، فعليك أن تجعل ختمةً اسمها: ختمة التربية بالقرآن، جرِّب، خُذها في شهرٍ أو شهرين، وسترى عجبًا عُجَابًا، والله إن هذا الشهر أو الشهرين سيكون أعظم أثرًا من دراسة سنة أو سنتين.
جعلنا الله وإياكم ممن تربى بالقرآن، وجعلنا من أهله دائمًا إلى أن نلقاه.
المحاور: أحسنت يا شيخ محمد، وبيض الله وجهك، وأسعدتنا جدًّا بهذا الكلام الطيب، بارك الله فيكم.
نشكر الدكتور محمد الربيعة، أستاذ القرآن وعلومه بجامعة القصيم، وقد حلَّق بنا حول الكمالات، وإذا أردنا الكمالات -كما قال- فعلينا بكتاب الله .
هل من تعليقٍ على هذه العبارة أو على ما ذكر الشيخ يا دكتور طارق؟
الضيف: جزاه الله خيرًا، الدكتور محمد له باعٌ في هذا الموضوع، وله سبقٌ -جزاه الله خيرًا- فيما يتعلق بالتفسير والتدبر، وأعطانا نموذجًا، ولعله -إن شاء الله- يكون ضيفنا.
المحاور: أشار إلى قول الله : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، وأنا أذكر أن الإمام الشنقيطي رحمه الله في التفسير[2]انظر: "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" (3/ 17-54). قد أبحر بنا في قرابة خمسين صفحةً حول هذه القضية المتعلقة بالتي هِيَ أَقْوَمُ، أقوم في كل شيءٍ.
فأين أهل التربية؟ النداء هنا بلسان أهل الاختصاص: أين أهل التربية وأهل الاختصاص في القضايا النفسية والقضايا التربوية والأسرية من الهداية بكتاب الله في هذه الجوانب: يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ؟ حتى في هذه القضايا المتعلقة بالدورات التدريبية وبناء الإنسان وتطوير الذات، وما شابه ذلك.
لعلنا نُكمل شيخنا في النموذج القرآني، جزاك الله خيرًا.
الضيف: نعود للنموذج القرآني: سحرة فرعون، ذكرنا أن فرعون جاءهم بالترغيب والترهيب، وبالتهديد وبالوعود والإغراءات، وغيرها، فلما أراد أن يُبطل حجّة موسى عليه السلام أمام الملأ دعا لتلك المباراة -كما يقال- بين السحرة وموسى عليه السلام، فكانت النتيجة لصالح موسى عليه السلام، فهم رأوا شيئًا يفوق القدرة البشرية، فعلموا أن هناك أمرًا يفوق القدرة البشرية، وأنها شيءٌ علويٌّ.
ومباشرةً قال الله في سورة طه: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى [طه:70].
المحاور: يا سلام!
الضيف: إي، نعم، الآن بدأت التزكية من ناحية النَّماء والزيادة.
المحاور: ما كان موجودًا عندهم؟
الضيف: لا، ما كان موجودًا.
المحاور: من خلال ما حصل؟
الضيف: الآيات والسياقات كلها تدل على أنه ما كان موجودًا، فصُدم فرعون، أيضًا مع أنه قال: الذي يفوز ويُثبت قوته سنتبعه، لكن الكِبر والغطرسة والكفر والجحود منعته: قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ [طه:71] تأكيدات.
أنت عندما تعيش مع الآية تجد أن وجود المؤكِّدات: اللام والنون تجعلك كأنك ترى وجهه وهو يتكلم بحقدٍ وإصرارٍ: فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ.
المحاور: منتهى التهديد والوعيد.
الضيف: كأن الرجل حازمٌ: وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى [طه:71]، يعني: السحرة يعرفون بطشَه وتهديده، ويُعذِّب بالأوتاد، ويُعذِّب بالتقتيل والتصليب وغيره، لكن يأتي الجواب منهم: قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا [طه:72].
المحاور: وهم آمنوا منذ لحظات.
الضيف: منذ لحظات.
المحاور: لا إله إلا الله!
الضيف: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [طه:72]، معادلة، ووزنوها بطريقةٍ صحيحةٍ، قالوا: أنت تُعذِّبنا يومًا أو يومين أو ثلاثةً، يعني: وتنتهي، لكن عذاب الله لن ينتهي: وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا [طه:72-73]، هذا الآن قلنا ما هو؟
المحاور: النماء والزيادة.
الضيف: أي: لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا [طه:73]، هذا الآن تطهيرٌ عمومًا، وخصوصًا: وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ [طه:73] الذي كانوا مشهورين به.
المحاور: الله!
الضيف: وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه:73].
المحاور: خصُّوه لأنه؟
الضيف: لأنه هو الذي أوردهم الموارد، وأهلكهم المهالك، تتوقع كم آذوا من أُسَرٍ؟ وكم آذوا ...؟ إلى آخره، حتى جاءت المهمة الكبرى التي أراد الله لهم بها الخير.
ثم ماذا قالوا بعدها؟
والكلام هل هو كلام الله ، أو الكلام لهم؟
الله أعلم، لكن السياق أن الكلام لهم: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى [طه:74-75]، ما هي؟
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا [طه:76].
أريد أن تعرف أن القرآن سلسلةٌ عجيبةٌ، فختم الآية بقوله: وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى [طه:76]، خُتمت بالتزكية؛ لأنهم حققوا التزكية، هم الآن نموا بالإيمان وطهروا، تمَّت التزكية.
ولذلك الآية ذكرت ثمارًا للتزكية:
الأولى: الثبات على دين الله في أشد المواقف، وهذا يُرجعنا إلى: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا [البقرة:256]، لن ينفك عنه الإيمان حتى لو كان في أصعب الظروف، والآن هذا على بطش فرعون: قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ [طه:72]، هذه الثمرة: الثبات، وفي سورة البقرة: الثبات: لَا انفِصَامَ لَهَا.
والثمرة الكبرى: فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا [طه:75-76]، هذه الغاية التي نسعى لها في الدنيا، ماذا نريد؟
الجنان، والفوز برضا الله .
المحاور: إذن هذه التزكية، والعناء في الوصول لها حقيقةً هو راحةٌ بعد ذلك.
الضيف: هذه من ثمارها، والتي هي الجنة، قد تكون طبيعة سنة الله في الخلق أن الإنسان المؤمن مُعرَّضٌ للابتلاء، وبحسب قوة إيمانه يبتليه الله، فإن أراد أن يثبت بعد حول الله وقوته فالتزكية عاملٌ مهمٌّ للثبات في أصعب المواقف.
فإذا جاء الآن واحدٌ يضعف عند رؤية منظرٍ إباحيٍّ، أو في أكل أموال الربا الحرام، أو علاقات الزنا، وغيرها.
المحاور: عنده خللٌ في التزكية.
الضيف: لأنه لم يطهر، وقد يوجد النَّماء.
المحاور: كلامك الأخير بحكم الجانب الاستشاري الأسري وما يرتبط به في الاستشارات نجد أن قضية الزواج الشرعي فيها نماء وزيادة، تحلية، ومع ذلك تجد ربما التخليط لا زال موجودًا، وشكوى الزوجة من زوجها أو العكس مثلًا في قضية العلاقات المُحرَّمة والخيانات موجودة، والسبب في ذلك أن مبدأ التزكية لم يحصل؛ لأن التطهير لم يكن موجودًا بَعْدُ، هو قام بالشيء من باب النماء والزيادة، لكن الجانب الآخر لم يكن متوفرًا، وعندئذٍ لم تحصل تزكية النفس، فعندئذٍ لم يتحقق قول الله : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21]، يقول لك: العكس، حدث اضطرابٌ وضيقٌ ونكدٌ.
الضيف: ومسؤولية.
المحاور: وشيءٌ كبيرٌ بسبب هذه المعادلة المهمة التي أشرتم إليها، جزاكم الله خيرًا.
طيب، هل بقي شيءٌ في موضوع النموذج شيخنا الكريم، الله يحفظكم؟
الضيف: لا، لعلها نماذج من القرآن فيها عدة محاور، لكن يبقى هذا النموذج واضحٌ وبارزٌ، خاصةً أن لفظة "التزكية" قد جاءت فيه، وخُتمت الآية بقوله: وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى [طه:76]، وهناك: لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ [البينة:8]، وهنا جاءت التزكية.
المحاور: جعلنا الله وإياكم ممن يرضى الله عنهم.
جزاكم الله خيرًا شيخنا الكريم.
أيها الإخوة، فاصلٌ ونعود إليكم، بإذن الله .
***
حياكم الله أيها الإخوة والأخوات، وعودًا حميدًا، بإذن الله .
ونُكمل مع فضيلة الشيخ الدكتور طارق حول: "التربية" أو "القرآن وبناء النفس وتزكية النفس".
هل من إشكالاتٍ يا شيخ؟ هل من قضايا معينةٍ تحتاج إلى الإشارة إليها في هذا الموضوع، الله يحفظكم؟
الضيف: نعم، قد يوجد إشكالٌ عند البعض، وهو أن الإنسان المُتأمل المُتدبر يقرأ القرآن فتمرُّ عليه آية: فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ [النجم:32]، فيقول: كيف نتحدث الآن عن الحثِّ على البناء وتزكية النفس، والقرآن والاستشهادات ودعاء إبراهيم عليه السلام الذي ذكر أهميته؟!
هذا إشكالٌ فيه نوعٌ من التدبر والتأمل، يجعل الشخص يعود إلى فهم المصطلحات والتعريفات اللغوية والشرعية.
المحاور: كيف يحلُّ هذا الإشكال؟
الضيف: التزكية لها مرادٌ ثالثٌ، لها معنًى ثالثٌ، وهو المعنى المذموم، وهو المدح والثناء على النفس، بمعنى: نسبة الأعمال إلى النفس: أنا فعلتُ بقوتي، بمجهودي، بتعبي، جمعتُ الأموال بتعبي. ويبحث عن ثناء النفس، يُزكِّي بها نفسه، هذا هو الجانب المذموم.
وهذا تقريبًا له ثلاثة نماذج في القرآن.
المحاور: لا ينسبه إلى الله .
الضيف: لا ينسبه إلى الله ، ينسبه إلى نفسه، يعني: لم يتبرأ من حول نفسه وقوتها، بينما كان عليه أن يُحيل كل هذا إلى قوة الله جلَّ وعلا وحوله وحده لا شريكَ له.
وكان العلماء يحذرون من هذا، وبعض علماء التفسير وغيره قالوا: احذر: أنا، ولي، وعندي.
المحاور: يا سلام!
الضيف: هذه ثلاث كلمات قيلت فأهلك أصحابها أشد الهلاك.
المحاور: أنا، ولي، وعندي.
الضيف: وعندي.
المحاور: هذه كلها بالتأكيد من آياتٍ في كتاب الله .
الضيف: من القرآن، فــالأولى: "أنا" قالها إبليس: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ [الأعراف:12]، يعني: الله أمره أن يسجد لآدم فقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12]، فحلَّت عليه لعنةُ الله إلى يوم الدين.
الثانية: "لي" قالها أكبر طاغوتٍ على وجه الأرض، ما يمكن لأحدٍ أن يدعي الربوبية إلا هو: فرعون: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51] يعني: هذا الخير والبركة التي أعطاه الله إياها نسبها لنفسه، فأهلكته المهالك والموارد.
الثالثة: "عندي" قالها قارون: قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78] يعني: بمجهودي وتعبي.
المحاور: فكانت النتيجة؟
الضيف: الهلاك: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ [القصص:81]، عُذِّب في الدنيا قبل الآخرة، هذا أُغرق، وأما إبليس فقد أمهله الله لحكمةٍ يريدها الله .
المحاور: ولذلك نحن في تزكية النفس وفي التربية بهذا المعنى نحتاج إلى ركنٍ شديدٍ، وإذا لم يكن هو الله الذي هو أعلم بنا وبمصالحنا وبما يحسن أن نقوم به، فمَن يكون إذن؟
ولذلك ينبغي العودة إلى كتاب الله وسنة النبي لاستلهام معاني التربية، ومنها تربية النفس وما يتعلق بها.
الضيف: جزاك الله خيرًا، وهذا مدلول الآية، فالقرآن -يعني- من كماليات التربية والتعليم عنده أنه إذا نهى عن شيءٍ يأتي بالمقابل، ولذلك أدلة: قال تعالى: أَقِيمُوا الصَّلَاةَ [الأنعام:72]، هذا أمرٌ، وتربيتها: تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45].
وقال الله للعلاج وتربية النفس بالتزكية في سورة النور: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وانظر الآن: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ [النور:21].
فالإنسان إذا حصل أنه ترقى ونما في قضية تزكية نفسه -وعلى رأسها القرب والعبودية لله - فلا ينسبها لنفسه؛ لأنها أهلكت غيره ممن نسبوها لأنفسهم، لكن الله يُربينا هنا في سورة النور: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ.
المحاور: جزاك الله خيرًا يا شيخ، وأنت تتحدث في هذه النقطة الأخيرة المهمة التي هي مؤشرٌ قويٌّ لتزكية النفس، أتذكر مناسبةً قريبةً قد حضرتها، وهي مناسبةٌ مرتبطةٌ بجانبٍ تربويٍّ، فالذي كان يُقدّم كنت ألحظ عليه وهو يُقدّم أمرًا هو بذل فيه جهدًا، وغيره قد بذل فيه جهدًا، فكان ينسب الفضل لله ، ويحمد الله ويقول: لولا الله ما وصلنا إلى ما وصلنا إليه. فكانت القضية مُلفتةً للنظر، وأيضًا جاذبة.
لكن قارن هذا مع الطلاب الذين يدخل عليهم الأستاذ فيقول: أنا أفضل الأساتذة في هذا التخصص، وأنا أحسن دكتورٍ موجودٍ، وقد حصلتُ على كذا وكذا .. إلى آخره، ولا يكاد ينسب هذا الأمر وهذا الفضل إلى الله .
فلا شك أننا في أمسِّ الحاجة إلى قضية تزكية النفوس من خلال كلام الله .
الضيف: أذكر أحد المشايخ المشهورين -دكتور خالد- ذكر في محاضرته أنه تعب في تحضير درسٍ أو محاضرةٍ، يقول أنها أخذت منه تقريبًا شهورًا، فلما اكتمل الموضوع ونضج وسأل وبحث تفاجأ بأن أحد المشايخ الآخرين البارزين الذين لهم أثرٌ في الساحة يُلقي نفس الموضوع، فيقول: حدَّثتُ نفسي، إلى أن قلتُ لنفسي: الحمد لله أنه كفاني الموضوع.
يقول: يمكن أن يدخل الشيطان من هنا: كيف حصل على الموضوع؟! هل سرقه مني؟! وهكذا.
قال: الحمد لله أنه كفاني هذا، وهو يتحمل تبعته.
المحاور: نوازع النفس كثيرةٌ؛ ولذلك كلما زدنا في أمر التزكية كلما قلَّت هذه النوازع والصراعات التي تحصل عند النفس البشرية التي قد يكون جزءٌ منها غير مخلصٍ: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8]، المقصود هنا المال أليس كذلك؟
الضيف: بلى.
المحاور: كمثالٍ جيدٍ، لكنه قد يكون بمستوًى معقولٍ، مقبولٍ، مشروعٍ.
الضيف: ويتوافق مع الفطرة.
المحاور: بالضبط، ويتوافق مع الفطرة وقواعد الشريعة، لكنه قد يكون عكس ذلك فيما بعد، فيكون أصله سليمًا، لكنه يتعامل معه نظرًا لعدم وجود التزكية.
طيب، شيخنا الكريم، لعلنا في ختام هذه الإطلالة الجميلة حول القرآن وتربية النفس وتزكيتها نتحدث عن ثمار هذه التزكية عندما نأخذها من معين كتاب الله ، جزاكم الله خيرًا.
الضيف: ذكرنا ثلاثًا منها خلال الكلام.
المحاور: لو نتذكرها، الله يُعطيكم العافية.
الضيف: الأولى: الثبات: كما في قول الله تعالى: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا [البقرة:256]، هذا ثباتٌ، وموقف السَّحرة من أشد المواقف، يعني: الموت عندهم، خلاص، ومع ذلك ثبتوا: وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى [طه:76].
الثانية: الجنة: قالها الله في نفس قصة سحرة فرعون: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى [طه:74-75]، وتفسيرها: جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [طه:76].
أيضًا هناك من ثمار معرفة التزكية ومعرفة مفهومها ومعرفة تقسيمها:
الثالثة: أنها تُربِّي النفس على العلو، وتعيش دائمًا همَّ النماء وهمَّ التطهير؛ لأن مجرد عيش الهمِّ عبادةٌ، كما قال : مَن همَّ بحسنةٍ[3]أخرجه البخاري (6491)، ومسلم (131)، واللفظ له..
المحاور: يعني: العلو، تقصد يا شيخ علو الهمة وما يرتبط بها من الأعمال؟
الضيف: نعم، لن تأتي الأعمال إلا بعلو الهمة، وقول النبي : مَن همَّ بحسنةٍ ومَن همَّ بسيئةٍ دليلٌ على أن مجرد وجود الهم والنية يُحاسَب عليه الإنسان، فالعمل على تزكية النفس من خلال تربيتها وترويضها يؤدي إلى علو النفس.
أيضًا حفظ النفس من مُوبقات الأعمال عندما أنسب هذه التزكية لله ، ولا أنسبها لنفسي، قد أقول أنا مثلًا: لا أنسبها للنفس، ولكن أنسبها لله .
المحاور: يعني: يمكن أن نأخذ قضية إدراك الإنسان لحقيقته والتواضع وما يرتبط بهذا الجانب.
الضيف: نعم، وحقيقة وجوده أنه مخلوقٌ من ماءٍ مهينٍ.
المحاور: وتجد بعض الناس قد علا أمره في العلم، وفي المال، وفي الجاه، وفي المنصب، لكنه يتعامل مع أقلِّ الناس بمستوًى من التواضع، وهو في الغالب ليس من أصحاب التزكية المذمومة.
الضيف: وأيضًا أخيرًا فيه إزالة إشكالٍ، فتأتي أحيانًا في استشاراتٍ ويُقال لك: أنا -الحمد لله- أُصلي، وأصوم، وكذا.
المحاور: صحيحٌ، كثيرًا.
الضيف: عندي مشكلةٌ: أني أقع في الحرام، أقع في الزنا، أقع في كذا، فعلاجها بالتزكية، عالجها بالتزكية.
المحاور: شيخ، هذه القضية حتى إنك في بعض الأحيان تكاد تقول -وأنا أدعو نفسي وإخواني إلى المراجعة في هذا الجانب-: بأنه يدفع نفسه للتُّهمة، فيُزكي نفسه، يعني: الله قال في حقِّ صحابته: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60]، يعني: يفعلون الصالحات والأعمال الخيرة ويخشون أن الله لا يتقبلها منهم، هذا الحسُّ المُرهف، وهو كما قال ابن القيم رحمه الله: "وهو أن يشهد لله بالمنَّة، ويشهد على نفسه بالتقصير"[4]انظر: "طريق الهجرتين وباب السعادتين" (ص166)، و"مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" (1/ 161).، يعني: شهادتان مُتلازمتان.
فكانت هذه قضيةً مهمةً جدًّا لاستمرار العمل وتزكية النفس، الله يحفظكم.
بقي شيءٌ شيخنا الكريم؟
الضيف: أختم بقضيةٍ تُدلل على ما ذكرناه: أولًا: على أهمية التزكية -تزكية النفس بمنظومتها الكاملة-: النبي كان من دعائه: اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير مَن زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها[5]أخرجه مسلم (2722)..
ونحن نقول كما كان نبينا يقول: "اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير مَن زكاها، أنت وليُّها ومولاها".
فنحن نُجاهد أنفسنا لتحقيق التزكية، وليس لنا فيها حولٌ ولا مِنَّةٌ ولا قوةٌ، وإنما لله جلَّ وعلا.
المحاور: جزاكم الله خيرًا شيخنا.
وردت مجموعةٌ من الأسئلة في اللقاء السابق، وكذلك في (الواتس آب) في هذا اللقاء، وسنحاول أن نُجيب عنها في الوقت المتبقي.
ولعل شيخنا -إن شاء الله تعالى- يُشاركنا فيما يراه مناسبًا، خاصةً أن بعض الأمور لا شك أن لها علاقةً بما يرتبط بقضية التربية الإسلامية، والمتعلقة بكتاب الله وسنة النبي .
هذه سائلةٌ تقول: كيف نبدأ في تربية أولادنا تربيةً دينيةً؟
يعني: هي تقول: نحن نحتاج أن نُربي أبناءنا التربية الدينية، فكيف أبدأ؟
أستأذن الشيخ في الإجابة، وإن شاء الله أسمع منه أيضًا ما يفتح الله به عليه.
أنا أقول فيما يتعلق بهذا الأمر: التوكل على الله والدعاء بالتوفيق، هذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا بالنسبة للآباء والأمهات والمُربين، إسناد الأمر لله ، ودعاء الله بالتوفيق في هذا الجانب.
ثم القدوة، القدوة، القدوة، فالجيل إذا وجد من المُربين ومن الآباء والأمهات في الأسرة قدوات في هذا الجانب المتعلق بالتربية الدينية فإنه في الغالب -بإذن الله - سينشأ منذ نعومة أظفاره على هذا الجانب.
أيضًا التربية على كتاب الله ، وقصار السور، والوقوف عندها مع الأطفال، والقصص القرآني، والقصص النبوي، والقضايا الأخلاقية، والمواقف الإيمانية، فالصحابة كانوا يُقرئون أبناءهم علامات الساعة، ويقفون معهم حول علامات الساعة؛ حتى يعظم عندهم أمر الله ، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
والعناية بالقرآن -وهو موضوع حلقتنا اليوم- قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، والتخلية التي أشرنا إليها قضيةٌ أيضًا مهمةٌ جدًّا، والعلاقات الحميمية مع الأبناء مهمةٌ جدًّا؛ لأجل أن يتقبلوا منا قضية التربية.
إن كان من شيءٍ شيخنا -الله يحفظك- حول هذا الموضوع.
الضيف: جزاك الله خيرًا، كفيتَ ووفيتَ، لكن أُلفت النظر إلى الإشارة اللَّطيفة التي أشار إليها الدكتور الشيخ محمد الربيعة.
المحاور: هذه سائلةٌ تقول: لديها ابنٌ يبلغ من العمر خمسًا وعشرين سنةً، يُصلي. تقول: ويبرُّ والديه، لكنه لا يقبل النصيحة، والغريب -وهذا من العجائب التي استغربتُ منها في السؤال- أنه إذا نُصح من أبيه أو أمه يسبّ الدين ويعقّ والديه! أمه قامت بمُقاطعته منذ فترةٍ، فهل من نظرٍ تجاه هذا الأمر؟
الحقيقة أنني عندما قرأتُ هذا السؤال في الأسبوع الماضي أُصبتُ بشيءٍ من الهمِّ حول مثل هذه القضايا، وأسأل الله أن يفتح عليَّ.
أنا فرحتُ لما قرأتُ أنه يُصلي ويبرّ والديه في البداية؛ فلذلك أنا لي وجهة نظرٍ من ناحية تخصصي، وأيضًا أتمنى أن نسمع من ضيفنا الكريم.
لا بد من معرفة السبب، وأنا أخشى أن يكون أسلوب التعامل مع مثل هؤلاء الأبناء هو سبب المشكلة.
أسلوب التعامل مهمٌّ أيها الإخوة والأخوات، وأيها الآباء والأمهات، فكثيرًا ما يرد مثل هذا ونسأل عن هذه القضية فنجد إما دلالٌ وحمايةٌ زائدةٌ تُولّد التَّسيب، وإما قسوةٌ وشدّةٌ تُولّد التمرد، وما شابه ذلك.
وينتج من كلا الطرفين نفس المنتج المتعلق بعدم الاستجابة لولي الأمر.
وأيضًا الشبهات التي تُتلقى في اليوم كثيرةٌ، وهذه قضيةٌ مهمةٌ، فهل يُتوقع من مثل هذا الولد أن يسبّ الدين؟ من أين أتت هذه القضية؟
فلا بد أن يكون هناك جانبٌ من محاولة التشخيص.
وأيضًا الأصدقاء وعاءٌ ينبغي الاهتمام به، والعناية به.
وأرى أيضًا في هذه القضية أن نبتعد عن استفزاز الابن ما دام أن عنده مثل هذا الإشكال إلى حين أن نُصلح من حاله قدر ما نستطيع.
وأيضًا فتح مجال الحوار والنقاش معه في جوٍّ من الود والمحبة، هذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، مهما كانت عنده من انحرافاتٍ خطيرةٍ، حتى في القضايا المتعلقة بجانب العقيدة والفكر ينبغي أن نحاور ونناقش، كما حاور النبي وناقش؛ لنعرف ما لديه من شبهات وشهوات، ونحاول أن نعالجها بشكلٍ حكيمٍ ومناسبٍ.
إن كان لكم شيءٌ في هذا يا شيخ؟
الضيف: جزاكم الله خيرًا.
المحاور: جزاك الله خيرًا، يا ليت يا شيخ وأنتم أهل القرآن، بارك الله فيكم.
الضيف: أستغفر الله، أنا أثني على ما ذكره الدكتور محمد الربيعة إضافةً لكلامك، وقد وفيت وكفيت، ما شاء الله.
الدكتور أشار إلى قضية أن تكون هناك -مثلًا- في البيت ختمةٌ تربويةٌ، أو ختمةٌ للتربية، هذا علاجٌ.
المحاور: يعني: تجتمع الأسرة.
الضيف: تجتمع الأسرة بالطريقة التي ترى، حتى لو كانت على مواقع التواصل الاجتماعي، وإن كانت لا تؤدي نفس التواصل الجسدي.
خاصةً في الآيات التي تُذكر فيها الصفات، تعالَ لأول سورة "المؤمنون" مثلًا: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1]، لو أنهم يأخذون كل يومٍ صفةً واحدةً، أو كل أسبوعٍ، ثم التي بعدها، والتي بعدها، وهكذا.
ثم وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ [الفرقان:63]، والصفات التي بعدها.
وهكذا في مثل هذه المواضع التي بعدها، والتي تكون فيها صفات تبني الإنسان بناءً متكاملًا: إيمانيًّا، عقديًّا، سلوكيًّا، تربويًّا، سياسيًّا، اقتصاديًّا، فكلما تعمق الناس في كتاب الله كلما ظهرت كنوزه.
المحاور: أنا أعرف أسرةً يجتمعون اجتماعًا أسبوعيًّا، ويسيرون مع كتاب الله في التفسير: تفسير الشيخ ابن سعدي رحمه الله، وأنجزوا أجزاءً كثيرةً جدًّا من كتاب الله ، يعني: الأسرة بكبيرها وصغيرها، وذكرها وأُنثاها، في دراسة كتاب الله .
الضيف: أقول: إذا تُعومِل مع الأمر بهذه الطريقة، لكن أحيانًا قد تحصل هذه الأشياء ويتعامل الناس معها من باب التعامل مع البركة فقط، وأننا نُقيم تلاوة القرآن، لا؛ لا يجب أن تكون هذه مجرد شعارات.
نقول: بل يدخل به، ويكون وراءه الأثر العملي الأكيد.
أولًا: أنه تعلَّق بكتاب الله، وهذا له بركةٌ عظيمةٌ، ثم ستجد الأسرة الأثر؛ لأننا الآن قد نجد مَن يسمع ويقول: أصبحت هذه مجرد شعارات نسمعها! ويذهبون مثلًا للنظريات التربوية الغربية وغيرها، يعني: فرويد، وثورندايك، وغيرهم، ويتفاعلون معها أكثر، بينما هي نظريات بشرية، وهنا حقائق ربانية لا تقبل الشك.
فنحن بحاجةٍ إلى إعادة نظرٍ، وتحسين علاقةٍ مع الله، والتوكل على الله، والتعامل مع كتاب الله على أنه كتاب منهجٍ وحياةٍ، وسببٌ لنجاة الفرد والأمة.
المحاور: الله أكبر، جزاكم الله خيرًا شيخنا، وبارك الله فيكم، ونشكركم على حضوركم معنا في هذا اللقاء المبارك.
أيها الإخوة والأخوات، الأسئلة ما زالت موجودةً من هذا اللقاء واللقاء الماضي، ونعدكم -إن شاء الله تعالى- في الحلقة القادمة من الأسبوع القادم أن نبدأ حلقتنا بالإجابة عن الأسئلة المتبقية، هذا حقٌّ لجمهورنا الكريم -بإذن الله -، ونعتذر عن التأخر في الإجابة عن بعض الأسئلة.
وأيضًا نتقدم بواسع الشكر والتقدير لحبيبنا وأخينا فضيلة الشيخ الدكتور طارق على حضوره معنا في هذا اللقاء المبارك حول: "القرآن وتربية النفس وتزكية هذه النفس".
أسأل الله أن يجزيه عنا خيرًا، وأن يجعلنا وإياكم ممن وُفِّق للخيرات، وأسأله لنا ولكم التوفيق والسداد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | أخرجه الحاكم في "المستدرك" (101)، وقال: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، ولا أعرف له عِلَّةً، ولم يُخرجاه"، وابن منده في "الإيمان" (207)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5290). |
---|---|
↑2 | انظر: "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" (3/ 17-54). |
↑3 | أخرجه البخاري (6491)، ومسلم (131)، واللفظ له. |
↑4 | انظر: "طريق الهجرتين وباب السعادتين" (ص166)، و"مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" (1/ 161). |
↑5 | أخرجه مسلم (2722). |