المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
أسأل الله العون والتوفيق في هذا البرنامج الأسبوعي بعنوان: "أسس التربية"، من خلال قناة "زاد" العلمية.
وحينما نتكلم عن التربية نتكلم عن موضوع شائك وكبير ونحن في أمس الحاجة إليه مربين ومتربين، لا نتصور أحدًا في هذه الحياة إلا وهو إما أن يكون مربيًا أو يكون متربيًا، أيًّا كانت ثقافته، وديانته، وعمره، ومستواه الاقتصادي والاجتماعي، فالقضية من القضايا الحاسمة كما سيتضح في هذه السلسلة.
وحينما نتكلم عن مصطلح التربية، وهناك من يتعدى على هذا المصطلح وربما يجني عليه فيخرج منه ما هو ضمن موضوع التربية، كأن يخرج مثلًا التعليم من التربية فيقال: أنا أعلّم لا أُربي، فهذه مشكلة كبيرة جدًّا، ويقع بعض الناس العاملين في ميدان التعليم هذه الإشكالية، نحن علينا التعليم والتربية على الأسرة، والأسرة تقول: التعليم على غيرنا، بينما حقيقة الأمر أن التعليم داخل في التربية.
أذكر أن إحدى الجهات زارت جهة أخرى فيما يتعلق بالتعليم، وهي مدرسة مهتمة بالقيم فاستغربوا! تلكم الجهة في زيارة الجهة الزائرة لماذا؟
قالوا: نحن مهتمون بالقضية الأكاديمية، بالجانب التعليمي لكن سمعنا عنكم أنكم متميزون أيضًا في الجانب الأكاديمي التعليمي، بينما أيضًا عندكم تميز في الجانب القيمي، فأردنا نعرف كيف تستطيعون الجمع بين القيم وبين التعليم؟
التربية هي القضية الكبيرة جدًّا حتى عند غير المسلمين فكيف بالمسلمين!
ولو نظرنا للفظ من الناحية اللغوية: فأصل هذه الكلمة تربية من ربى، يربو، وربّى ويربي[1]انظر: لسان العرب (1/ 406)، وتهذيب اللغة (15/ 196)..
فهذه الكلمات حينما نستقرئ كتب اللغة "لسان العرب" و"القاموس المحيط" وغيرها من الكتب المتعلقة بالجانب اللغوي ومفردات اللغة، سنجد أنها تعني: الزيادة، والنمو، والنشأة، والترعرع، والتغذية، وتعني السياسة حتى سياسة النفس، والتعليم، والتأدب، وإصلاح الشيء وحفظه ورعايته، وتكفّل الصغير، وحسن القيام على أموره حتى يدرك.
فهذه المعاني هي معانٍ ذات مفاهيم كبيرة جدًّا فيها: النمو، والزيادة، والارتقاء، والعلاج، والبناء، والوقاية، والصحة، والصواب، والإصابة، وفيها كل هذه المعاني العظيمة، والتعليم، وفيها الجوانب المعرفية وغير المعرفية، وفيها الجوانب الوجدانية والجوانب المهارية.
كلها اتجاه بالمعنى الإيجابي حينما نأخذ فيها فقط ما يتعلق بالمعنى اللغوي لمصطلح التربية.
ولذا حين تأتينا مثل هذه القضية وتأتي هذه المعاني العظيمة نحاول أن نوجد جيلًا يتربى ويترعرع ويصلح شأنه وننميه في مجالات شخصيته: العقلية، والمعرفية، والوجدانية، والمشاعر، والانفعالات بشكل إيجابي، والمهارية وما يرتبط بالحياة، وبناء هذه الشخصية في جميع المجالات، ويؤدب، كلها معاني اتجاه إيجابي وحسن القيام عليه، كلها معانٍ إيجابية وبنائية ووقائية كذلك، وعندئذ تكون المشكلات ليست حليفة لمن يمارس مثل هذه المعاني في أرض الميدان.
أسرة من الأسر حين تطبق هذه المفردات ستجد أن أبناءها في نمو، وفي زيادة في النمو الحركي والجسمي، والنمو الفسيولوجي، هذه قضايا هي من رب العالمين وبرعاية الله في إنشاء هذه الشخصية، لا أتكلم عن هذه القضية وإنما أتكلم عن تربية الإنسان للإنسان، تربية الآباء للأبناء، وتربية المعلمين للطلاب ذكورًا وإناثًا، وتربية الشخص للآخر، إذا حصل عنده زيادة في الجانب الإيجابي فنقول: حصل لديه تربية، وإذا حصل عنده تعليم وتأديب إضافي حصل عنده تربية، فهل إذا أصلح شأنه في جانب معين حصل عنده تربية؟ وهل أقيم وكُفل وتم القيام على حاله بشكل إيجابي حصلت التربية؟ أم أن القضية عكس ذلك؟ هذا معيار لغوي مهم.
فلو أتينا بشخص ليس مرتبطًا بالثقافة والمنهج الإسلامي، ووضعناه في الدائرة اللغوية وبحثنا معه التربية لأصبح بالنسبة له معيار يمكن أن ينظر فيه فيما يتعلق بقضية: هل التربية عنده أُرسيت أم ليست لديه؟ ولذلك تجدون بعض السلوكيات في التربية عند البعض من غير المسلمين فيها جانب إيجابي.
وفي كتاب: "أثر التلفزيون والفيديو على الأسرة المسلمة" لمروان كوجك؛ تكلم في آخر الكتاب عن بعض هؤلاء الغربيون ذكورا وإناثًا ينادون بعدم الاستسلام لأجهزة الإعلام من تلفاز وفيديو آنذاك قبل القنوات الفضائية والستالايت، وقبل الإعلام الجديد؛ لأنهم يرونها تدمر كيان الشخصية حتى ولو من باب أنه يتلقى فقط دون أن يأخذ ويعطي فكيف عندما تكون مدمرة للقيم؟ هذا جانب فيه معنى جميل وطيب ورائع يستفاد منه في هذا الأمر، فكيف يكون الإنسان المسلم عندئذ في مثل هذا الجانب؟
فنحتاج إلى إدراك المعنى اللغوي؛ لننزله على واقعنا الأسري، والمدرسي، والتعليمي، والوظيفي، والمجتمعي، وعلى مستوى الدول، ومستوى العالم الإسلامي عمومًا لنعرف هل نحن نتقدم أم نتأخر؟
فلو كانت القضية عضوية: مثلًا ابن لديه مشكلة -لا سمح الله- مرض ما؛ لا شك أن هذا جانب مؤشر للسلب في الجانب الصحي، فإذا لم يهتم به الأب سيكون مقصرًا، وهذا جزء من تربيته حيث يجب على الأب أن يقوم بعلاجه وهي التربية الصحية.
وخذ على ذلك الأمور المتعلقة بالجانب الشخصية في جميع مجالاتها، لذلك نحتاج أن نتنبه لذلك.
وبعض الغربيين من علماء التربية تحدثوا عن هذا المصطلح ودخلوا وأوغلوا في تعريفات توافقوا مع بعض علماء المسلمين في بعض الأمور المرتبطة بمثل هذه المعاني التي ذكرناها آنفًا في قضية النمو والزيادة والترعرع وإيصال الإنسان إلى مستوى أفضل مما هو عليه، لكن حصل هناك الفارق بسبب: المصدر، والمنهج، والتصور، والخصائص التي ينطلقون منها في منهجهم عن علماء المسلمين.
مثلًا يقول أحدهم في التعريف: عملية تنشئة الطفل في جميع مراحل حياته حتى يستطيع الاعتماد على نفسه والاستغناء عن الآخرين.
يقول آخر: جميع الوسائل والطرق التي تسهم في إكساب الطفل ثقافة مجتمعه.
أو: مجموعة عادات وأنماط سلوكية عقلية واجتماعية ونفسية وخلقية.
وكلها تعريفات نحن نقرها، لكن المشكلة في الإطار والمصدر والثقافة التي ينطلق منها والفلسفة التي ينطلق منها، ثم ستكون المشكلة الأكبر المتعلقة بقضية المنتج.
فنحن في أمس الحاجة إلى النظر في هذا الأمر حين نسمع عن معاناة الناس من الكفار وغير الكفار في الاضطراب في هذه الحياة مع أنه يبذل جهدًا، ستجد المشكلة أنه لم يعرف الصواب في المسلك التربوي في هذه الحياة، قد يكون أصاب في جوانب لكن لم يصب في جانب.
وهكذا الغربيون، أصابوا في جوانب ولم يصيبوا في جوانب أساسية فأصبح عندهم إشكال كبير فيما يتعلق بقضية انطلاق المبادئ التربوية، وكذلك ما يتعلق بقضية المنتجات التربوية.
***
ونعود إليكم بعد الفاصل بإذن الله .
***
الحمد لله.
نظرة علماء الغرب للتربية
نكمل ما يرتبط بنظرة علماء الغرب للتربية:
وكما سبق يتوافقون مع علماء المسلمين في الوسائل والإجراءات وبعض القضايا المتعلقة بالأساليب في تعريفاتهم، وهذا أمر طبيعي؛ لأن النفس البشرية تشترك في النظرة فيما يتعلق في الجانب التربوي.
لكن المشكلة: في المصدرية، فمثلًا: الكسس كارل طبيب فسيولوجي في كتاب اسمه: "الإنسان ذلك المجهول"، وهو يتكلم عن أسئلة كثيرة جدًّا سأل نفسه فيها ولم يجد إجابة، وهو طبيب فسيولوجي عميق ومع ذلك يقول: أدركنا أن جهلنا في الإنسان مطبق، وأن وراء هذا الإنسان خالقًا.
هذه القضية تعطي دلالة معينة عن التيه والضياع الذي لدى الغربيين.
تجده عقلية كبيرة جدًّا، وقد قدمت وألفت.. وهذا الذي كان في العلوم التربوية والنفسية والاجتماعية، والذين بدأوا بالتأليف هم الغربيون، ولا بد أن نكون صرحاء في هذا الجانب للأسف الشديد، لكننا من حيث المَعين فمَعيننا كتاب الله وسنة النبي ، ورسالات الأنبياء لكننا قصرنا في التأليف وإيجاد النظريات.
فأصبحت القضية التربوية من القضايا الشائكة التي تحتاج إلى تمايز فيها من أهل الإسلام؛ حتى يخرجوا لنا تربية إسلامية جادة سليمة تُسعد الإنسان في الدنيا وتسعده في الآخرة.
والسعادة -كمثال- هدف عند كل التربويين مسلمهم وكفارهم، لكن ستجد أن القضية، أساليب تحقيق السعادة، اختلفت من فرويد، سكانر، بافلوف، واطسون، ماسلو، إلى آخره.
ومن باب أولى علماء المسلمين الجهابذة الذين أنشؤوا نظريات إسلامية: ابن تيمية، ابن القيم، ابن رجب، ابن الجوزي، وغيرهم من المدارس قديمًا وحديثًا، فنحن في أمس الحاجة إلى إدراك هذا الجانب، وإلى تقديم منهج تربوي إسلامي يحرر المصطلحات بطريقة سليمة جدًّا، ويدرك المعنى التربوي السليم من خلال المفهوم الإسلامي الناصع.
ويستفيد من علماء الغرب فيما طرحوه مع أهمية النقد البناء لما طرحوه، فمثلًا: سبنسر يقول: التربية هي الإعداد للحياة الكاملة.
نحن نُعد للحياة الكاملة، لكن نسأله: ماذا تقصد بالحياة الكاملة؟ وماذا تقصد بالإعداد؟
وحين نأتي لخصائص التربية في المنهج الإسلامي نجد الفارق بين هذا وذاك، فالإعداد ووسائله تختلف وقد تشترك في جوانب معينة، لكن تختلف في جوانب عديدة جدًّا.
النظرة الشمولية تختلف في هذا النظرة ضيقة في المنهج الغربية وشاملة في المنهج الإسلامي، تنظر إلى قضايا عديدة جدًّا، ليست خاصة بالمتع الجسمية أو الإغراق الفكري والعقلي، وإنما فيه نظرة شمولية تكاملية متوازنة.
والحياة الكاملة ليست خاصة بالحياة الدنيا، وإنما هذه الدنيا مزرعة للآخرة.
ففرق كبير، ولذلك لا بد أن ندرك مشكلة التربية الحديثة اليوم، ومنها كما يقول من يُسمى أبو التربية الحديثة: جون ديوي، حين يقول: التربية هي الحياة، وليست الإعداد للحياة.
وهذه فلسفة؛ فكأنه الآن أعطى شيئًا جديدًا، يعني يقول: هي الحياة. وأنا أقول: هي الحياة، كما يقال: الوقت، لا نقول: من ذهب، وإنما الوقت هو الحياة.
لكن ما هي التربية عند جون ديوي؟ وما هي الحياة عند جون ديوي؟ هذه قضية خطيرة جدًّا.
تلوث المنهج الغربي بالمنهج اليوناني والإغريقي فأصبح لديهم قضيتان أساسيتان وهي:
القضية الأولى: الإلحادية وإبعاد القضايا الدينية، وهذه قضية واضحة جدًّا في النظريات غير الإسلامية، الغربية كانت أو الشرقية.
والقضية الثانية: ما يتعلق بالنظرة إلى الإنسان نظرة المادية، أن الإنسان عبارة عن جسد فهو يمتع هذا الجسد، فالثانية مرتبطة بالأولى بلا شك، لكن لابد أن ندرك هاتين النقطتين الأساسيتين فيما يتعلق بالنظرة الغربية. أما المنهج الإسلامي فهو خلاف هذه النظرة تمامًا.
والراغب الأصفهاني رحمه الله يعرف التربية فيقول: "التربية إنشاء الشيء حالًا فحالًا إلى حد التمام"[2]انظر: المفردات في غريب القرآن (ص: 336).، وأيضًا يعرفها لغويًّا، لكنه ناشئ من نظرة إسلامية.
ويقول البيضاوي رحمه الله: "التربية هي تبليغ الشيء إلى كماله شيئًا فشيئًا"[3]انظر: أصول التربية الإسلامية، لخالد حامد الحازمي (ص: 19-20)..
فهنا معنى مهم جدًّا مرتبط بالفروق الفردية، قد يكون تميزًا أكثر في المصطلح اللغوي، والتعريف الاصطلاحي عند المسلمين بالدرجة الأولى فيما يرتبط بالنظرة إلى الفروق الفردية، والغربيون يدركون الفروق لكن التدقيق في التعريف في مثل هذا الأمر، هذه قضية واضحة جدًّا من العبارات التي ذكرناها آنفًا في بعض الذين عرفوا هذا التعريف.
وأيضًا: التدرج، فكل شخص لديه مستوى من الارتقاء في المجال العقلي، والمجال الاجتماعي، وفي المجال الاقتصادي والتربية هي التي توصلك إلى أعلى مستوى لك في هذا وذاك وذلك بالتدرج.
هذا باختصار شديد جدًّا فيما يتعلق بالمفهوم عند علماء المسلمين، ويؤكدون على التدرج والاختلاف ما بين الأشخاص ومراعاة الفروق الفردية.
ولا شك أن الإطار في هذا غير الإطار الإلحادي والمادي، وإنما هو إطار مأخوذ من كتاب الله وسنة النبي ومصادر التربية الإسلامية كما سيأتي إن شاء الله .
فمحمد دراز رحمه الله يقول مثلًا في التربية: "تعهد الشيء ورعايته بالزيادة والتنمية والتقوية، والأخذ به في طريق النضج والكمال الذي تؤهله له طبيعته"[4]انظر: دراسات إسلامية في العلاقات الاجتماعية والدولية: د. دراز (ص:12)..
فهنا فروق فردية فكمالي غير كمالك، وكمالها غير كمال الأخرى، ولذلك أبناؤنا ليسوا سواء، وطلابنا ليسوا سواء، ومسؤولونا ليسوا سواء، وعُلماؤنا ليسوا سواء، وتُجارنا ليسوا سواء، وهكذا.
فالتربية الإنسانية الكاملة هي التي تتناول قوى الإنسان وملكاته جميعًا، وهذه عبارة رائعة ومشاركة من علماء المسلمين في بيان المصطلح التعريف الاصطلاحي للتربية، قبل تعريفهم للتربية الإسلامية والوقوف عندها.
وهناك اشتراكات عملية: تنشئة، ونمو، وتعويد، وإكساب خبرات، وبناء سلوك، تعطي هذه التعريفات كلها أن التربية لها أهداف مقصودة وليست مجردة عن الأهداف، فتحتاج إلى وضع خطة ونظام، فوجود نظام مهم جدًّا.
وممكن الإنسان يتربى من مواقف من غير خطة، لكن الأساس أن تكون التربية لها أهداف. فالأب يضع في ذهنه أهدافًا معينة، كأن يكسب ابنه سلوك الصدق ويربيه عليه، فيكون الابن صادقًا .
والأم لها هدف معين مع بنتها أن تكسبها سلوك وقيمة العفة فتكون عفيفة، هذه الأم بحجابها وسترها؛ لتكون البنت كذلك، وهكذا.
المعلم يريد أن يكسب قيمة الجدية والانضباط فيكون قدوة للطلاب في هذا الجانب، وهكذا حينما نمارس هذه القضية ذات الهدف فإننا نمارس التربية، وكل مجتمع سينطلق من عقيدته، كل مجتمع سينطلق من تصوراته، كل مجتمع سينطلق من فلسفته، كما يقال، ويتفاوت الناس بتفاوت المنطلقات والعقيدة.
مداخلة مع أستاذنا الدكتور: عبد العزيز المحيميد، أستاذ التربية الإسلامية، ورئيس قسم التربية الإسلامية سابقًا في جامعة الإمام، أتشرف به فهو أستاذي الذي درسني، وأشرف على رسالة الدكتوراة.
فأهلًا بك دكتور عبد العزيز، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المتصل: الله يحييك يا دكتور خالد.
الشيخ: أهلا وسهلًا، حياك الله، الله يحفظك ويبارك فيك.
المتصل: الله يحييك يا دكتور ويبارك فيك.
الشيخ: جزاك الله خيرًا، سعيدٌ بك مع هذا البرنامج: "أسس التربية" ومع عمالقة المختصين أمثالكم.
المتصل: الله يسعد أيامك، ويجزيكم خيرًا، على هذا الطرح الشامل، ويجزي القائمين على القناة خيرًا على البرامج الطيبة.
الشيخ: بارك الله فيك، وجزاك الله خير.
المتصل: هذا من البرامج الطيبة ومن خلالها يبث العلم النافع.
الشيخ: أكرمكم الله، ونحن منتظرون منكم المشاركات ونحن نعلم المخزون الكبير، لكن ننتظر اللحظات التي يطلع فيها المخزون بإذن الله.
دكتورنا الكريم: لو وقفنا مع مصطلح التربية دكتور عبد العزيز، ماذا يعني لك هذا المصطلح بارك الله فيك؟
المتصل: الله يسلمك يا دكتور خالد ويرضى عليك، بالنسبة لمعنى مصطلح التربية، هو يعني الكثير.
مصطلح التربية
مصطلح التربية يعني الكثير في الواقع: يعني الانتقال بالفرد أو المجتمع من حالة أو الواقع الذي هو عليه إلى الحال أو النموذج أو المثال الذي ينبغي أن يكون عليه.
الفرد يولد كما أخبرنا الله وهو لا يعلم شيئًا، يولد وهو لا يملك أي شيء من المهارات، يولد وهو لا يملك أي شيء من الأدوات، أو ما يساعده على الحياة.
بدون التربية لن يتقدم سيظل على هذه الحال، الله أخبرنا في القرآن الكريم عن واقع الإنسان الذي يولد عليه، فقال الله : وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78].
أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا لا تعلمون شيئًا البتة، المعارف والمهارات والقدرات في أدنى مستوياتها بل في مستوى العدم. ولكن وهبنا الله السمع والأبصار والأفئدة؛ لنتحول من هذه الحال إلى حال أفضل، إلى حال نعلم فيها شيئًا، وقد نعلم فيها شيئا كثيرًا، وقد يصبح الإنسان وهو يولد على هذه الحال قد يصبح من الراسخين في العلم، قد يصبح من المبدعين، قد يصبح من المخترعين، قد يصبح من القادة والمفكرين، ومن المصلحين، كل هذا التحول إنما يحصل بالتربية.
والتربية يدخل فيها: التعليم، والتنشئة، والتزويد بالمهارات، والتعويد على العادات، وغرس الاتجاهات، وكل ذلك كفيل بإذن الله وإعانته بأن يصبح الإنسان في حال طيبة ترضي الله بعد أن ولد ولا يعلم شيئًا.
نعرف أن الإنسان يولد على هذه الحال، ليس عنده إلا النزوع الفطري، يعني يتضح هذا في حالته بعد الولادة وهو يبحث عن الثدي، فحال ما يلتقمه يمص ويرضع، وهو كان عن غير سابق خبرة، ففي البطن كان يتلقى الغذاء عن طريق الحبل السري، بعد الولادة قطع هذا السبيل الذي يتلقى عن طريقه الغذاء، لكنه مفطور على هذه الفطرة يبحث عن الغذاء، وكذلك دوافع الفطرة التي تخرج لاحقًا، لكنه يحتاج إلى التربية، يحتاج إلى التنشئة.
الحاجة للتربية
الشيخ: دكتور عبد العزيز حاجته للتربية من أجل ماذا يا دكتور؟
المتصل: من أجل أن يستوعب المنهج الذي جعله الله لتحقيق الغاية من وجوده.
الشيخ: جميل.
المتصل: تحقيق الغاية من وجود الإنسان عبادة الله ، الله حين جعل الغاية عبادته كما في قوله : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] لم يترك الإنسان يبحث بنفسه عن منهج لتحقيق هذه الغاية، زودنا بمنهج رباني فيه الجانب العقدي، فيه الجانب العبادي، فيه الجانب القيمي، الجانب الاجتماعي، كلها داخلة في هذا المنهج عن طريق التربية، يربى الإنسان على هذا المنهج فيحقق الغاية التي خلق من أجلها وهي عبادة الله .
الشيخ: دكتور عبد العزيز بالمفهوم الذي ذكرته أنت قبل قليل، وهو لا شك مفهوم التربية الإسلامية بشموليتها وما شابه ذلك، هل اليوم في واقعنا المعاصر نحن بحاجة إلى هذه التربية يا دكتور عبد العزيز؟
المتصل: بالنسبة لي: أرى أن هذه حاجة تتأكد أكثر في الوقت الحاضر.
الشيخ: جميل.
المتصل: هذه الحاجة تتأكد أكثر في الوقت الحاضر، يعني إذا لم يتلق الإنسان تربية، وأهمل، فإنه لا يصبح شيئًا، سيظل على حاله، وقد يكون عالة على نفسه وعلى مجتمعه، وقد يتربى تربية سيئة فقد يرتد إلى أن يكون في أسفل سافلين، إذا لم يتلق تربية ترتقي به، إلى أن يكون في مستوى الغاية التي خلق لأجلها.
بالنسبة لي هل مازالت هناك حاجة في الوقت الحالي للتربية؟
أرى في الواقع المعاصر أن الحاجة للتربية ملحة جدًّا ومهمة جدًّا، ولم يعد الأمر يحتمل ترك الأطفال يتربون تلقائيًّا من خلال معايشة المجتمع ومخالطة الناس.
هذا المفهوم إن كان يصلح لفترات سابقة فهو لا يصلح لحياتنا الآن الحياة المعاصرة، هناك تحديات كثيرة ومتغيرات.
التحديات والمتغيرات في التربية
الشيخ: ما التحديات والمتغيرات التي في بالك وعلى إثرها تقول: أصبحت القضية ملحة، ما هي؟
المتصل: أرى أن فيه كثير من التحديات التي تجعل الجهد المبذول من قبل الوالدين ومن قبل مؤسسات التربية مثل: المدرسة أو الأسرة في غاية الضرورة، ولم تعد الأسرة أو المدرسة هي المؤثر الوحيد، الذي يتلقى الطفل من خلاله التربية والتعليم والقيم والاتجاهات.
يعني الأسرة زاحمها في دورها، والمدرسة كذلك زاحمها في دورها، كثير من التأثيرات والوسائط، التي تساهم في التربية وتساهم في تزويد الناشئة المعارف والقيم والاتجاهات والعادات، أصبح الناشئ يتلقى من وسائل الإعلام كالفضائيات، ومن وسائط التواصل الاجتماعي، ومن الإنترنت، ومن الرفاق، الشيء الكثير؛ الذي يفوق من حيث الكثرة ما يتلقاه من الأسرة ومن المدرسة، وربما يفوقها من حيث التأثير.
يعني تأثر الناشئ بالرفاق أو بوسائل التواصل الاجتماعي قد يكون أقوى عليه من تأثير الأسرة، فأنا أرى أن المسؤولية التربوية للأسرة تتضاعف في ظل هذه الظروف والتحديات.
الشيخ: جزاك الله خير.
المتصل: وكذلك المدرسة.
الشيخ: بارك الله فيك وجزاك الله خيرا، كلمة يا دكتور: عبد العزيز ونحن سعداء بما نسمعه ولنا إن شاء الله معك مشاركات أخرى، كلمة تختم بها جزاك الله مداخلتك، بيض الله وجهك.
المتصل: الله يرضى عليك يا دكتور خالد، أنا بالنسبة لي أختم بكلمة: أنه لا يكفي في التربية حماية الناشئ من المؤثرات السلبية، الحماية مهمة ومطلوبة، لكن لابد من الإعداد والتزويد والبناء، البناء ضروري يا دكتور خالد.
بناء العقول، بناء الإيمان، بناء القيم، بناء الاتجاهات الإيجابية، بناء المعنويات، تقوية اليقين، تزكية النفوس، الغذاء النافع من عبادة واستحضار لذكر الله ، وتدبر آياته في الكتاب، وآياته في المخلوقات، فهذا هو المنبع، المنبع الحقيقي للتربية، القرآن الكريم.
الشيخ: أحسنت وجزاك الله خيرًا بهذا الخاتمة المهمة الحقيقة، يعني نشكرك يا دكتور: عبد العزيز على المشاركة وسعيد جدًّا جدًّا بهذه الإطلالات الرائعة.
المتصل: جزاك الله خيرًا.
الشيخ: لنا معكم إن شاء الله لقاء في مناسبات أخرى بإذن الله.
المتصل: الله يسلمك.
الشيخ: جزاك الله خيرا يا دكتور عبد العزيز.
نشكر دكتورنا وأستاذنا البروفيسور: عبد العزيز المحيميد، أستاذ التربية الإسلامية في جامعة الإمام، مشكورًا على ما قدم.
وأوكد على القضية الأخيرة مع كل ما ذكر الدكتور في المصطلح وأشار إلى الحاجة إلى العناية بالتربية من نعومة أظفار الطفل؛ لأجل أن ينمو في مجالات عديدة جدًّا، وكذلك ما يرتبط بقضية الحاجة الماسة خاصة في المتغيرات المعاصرة، وهذا كله سيأتي معنا بشكل مفصل في المستقبل بإذن الله .
الإشارة إلى قضية البناء أشد وأكثر من الحماية، ولو لم يكن في هذه الحلقة اليوم إلا هذه الخاتمة التي ختم دكتورنا الكريم كلامه فيها لاعتبرت هذه الحلقة كافية بإذن الله .
كثير منا ثقافته في التعامل في الجانب التربوي هو الحماية، الحماية مطلوبة لكن النفس البشرية لديها قدرات ولديها إمكانيات تحتاج إلى البناء، وعند أهل تعديل السلوك وبناء الشخصية يجعلون هناك ثلاث دوائر:
- الدائرة البنائية.
- والدائرة الوقائية.
- والدائرة العلاجية.
وكلما كانت العناية أكثر في الجانب البنائي، قلّت حاجتنا إلى الاهتمام بالجانب الوقائي ومن باب أولى الجانب العلاجي، لكن إذا أصبح هناك إهمال من الجانب البنائي واحتجنا مزيدًا من الجانب الوقائي ووقعنا في كثير من المشكلات بسبب الإهمال في الجانبين الأوليين مثلًا، وسيصبح عندنا لغة المشكلات والبحث عن حل المشكلات، والحماية والخوف من الوقوع في المشكلات، وما شابه ذلك.
فنحن في أمس الحاجة إلى هذا المعنى الجميل الذي ختم الدكتور: عبد العزيز كلمته ومشاركته بها.
فحين يقول الله : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21]، يعني هذا الجانب البنائي.
الَّذِينَ آمَنُوا يعني القائمون على التربية: المربون، الآباء.
وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ كان لهم أثر على أبنائهم، وأصبح أبناؤهم على نفس الطريق في طريق الإيمان.
أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ فكافأهم الله يوم القيامة أن يُلحق الأبناء بالآباء في منزلة واحدة حتى لو كان هناك من هو دون منزلة صاحبه، فيلتقون في جنات ونهر عند مليك مقتدر، جعلنا الله وإياكم من هؤلاء.
كيف نبعد الأطفال عن الأنانية
وهنا سؤال على الواتس بعد الشكر والثناء على هذا البرنامج من حيث فكرته؛ يقول السائل: كيف نربي أطفالنا ونبعدهم عن أنانية النفس ونعلمهم حب العطاء؟
سؤال إيجابي، ومهم جدًّا، ونحن في أمس الحاجة إليه في جانب التربية؛ لأنه لا يمكن يكون الإنسان لديه هذا الجانب هكذا فطريًّا ويستمر من غير أن يجد شيئًا يكتسبه بطريقة أو بأخرى.
وفيه استعداد فطري بلا شك لكنه يحتاج إلى المؤثرات، وأكبر مؤثر أدعو المربين والآباء والأمهات أن يجد الأطفال وبالذات في مرحلة الطفولة هذا المسلك الذي أشير إليه في السؤال في آبائهم وأمهاتهم، يجدون أن الأب والأم ليسوا أنانيين، ولا يتمحورون حول ذواتهم، ولا يهمهم فقط ذواتهم، هذا يحصل عندنا في بعض الأحيان بالكلمات والعبارات: أنا أريد كذا، والذي يهمني كذا، والذي أريده كذا، وإذا ما تريدون ما لي دخل منكم.
لكن عندما يرون تضحية من طرف للأطراف الأخرى، من الزوج للزوجة، أو الزوجة للزوج، من الآباء عمومًا الوالدين لأفراد المجتمع، يرون التضحية، يرون البذل، يرون خدمة الآخرين، يرون معنى قول النبي : أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس[5]أخرجه الطبراني في الأوسط (6026)، والكبير (861)، والقضاعي في مسنده (129)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3289).، يسمعون هذا الحديث من آبائهم وأمهاتهم ومن مربيهم، يرون صورة يقتدون بها في هذا الجانب، يتدارسون مثل هذه المعاني العظيمة جدًّا المتعلقة بهذا الموضوع، وكذلك الممارسة العملية، والممارسة العملية لها نظرية ما يسمى بالتربية بالممارسة learning by doing، وهي نظرية مشهورة ومعروفة، أن الإنسان يغمس نفسه بالممارسة ويتعلم من خلال الممارسة، ولا يحتاج إلى كثير كلام، ويحتاج إلى مؤثرات ويحتاج إلى ميدان وواقع وعمل.
ولذلك كما قلت: قوة التأثير بالقدوة، وهذا من الأساليب التربوية غير المباشرة المؤثرة بقوة، وكثير من الذين تكلموا في موضوع التربية أكدوا قضية القدوة على أنها من القضايا الحاسمة في موضوع التأثر والتأثير.
وكذلك الميدان وممارسة العمل؛ لأنه هذا الذي سيفرغ طاقته فيه ويكسبه المهارات، فأنا أوكد على هذا الجانب، وأهمية التخلية من الجانب السلبي الآخر، فيعيش مع أناس إيجابيين ليسوا أنانيين وما شابه ذلك، ويربى على مثل هذه المعاني.
مداخلة: معنا اتصال من أخينا أبي معاذ من الرياض: تفضل الله يحفظك.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: الموضوع في غاية الأهمية لكونه يتحدث عن تربية الأولاد وهكذا، فهذا جانب مهم جدًّا خاصة في هذا الزمن، الجانب الهدمي لو صحت العبارة من أعداء هذا الدين العظيم كثيرين وموجهين إمكانيات ضخمة جدًّا لهدم الناس وهدم الدين، فكيف يكون الأب أو الوالدان في ظل الاهتمام أو ظل إمكانياتهم القليلة التي ما يقدرون أن يواجهوا بها هذه المسالك ويؤثروا على عيالهم، إذا قدرت أوضح الصورة بالشكل المطلوب.
الشيخ: جزاك الله خيرًا:
متى يبلغ البنيان يومًا تمامه | إذا كنت تبني وغيرك يهدم[6]انظر: التمثيل والمحاضرة (ص: 78)، والتذكرة الحمدونية (3/ 267)، والحماسة البصرية (2/ 40). |
لا شك أن هذه القضية نعترف بأن فيه سيل جارف ومؤثر، والمتغيرات التي أشار إليها الدكتور وسماها تحديات أيضًا.
أشكر الأخ أبو معاذ على سؤاله ومداخلته الطيبة.
ومعنا الأخ أبو عيسى، تفضل ونرجع لأبي معاذ إن شاء الله.
المتصل: السلام عليكم.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: أشكركم يا دكتور على هذا البرنامج الطيب.
الشيخ: حياك الله حبيبنا.
المتصل: الله يحييك، معي مداخلة يا دكتور، بالنسبة للعلوم الشرعية أصبحت قليلة بالنسبة للدول العربية، ويقدمون العلوم الأخرى على العلوم الشرعية، وتوحيد الله هو الأهم وهو الزبدة كلها.
وهنا نصيحة إلى بعض وزراء التربية العرب خاصة الدول العربية الأفريقية والآسيوية أن يهتموا بالتربية والتعليم، والحمد لله هذا المكان فيه علوم شرعية وواضحة لكن فيه نسبة قليلة يقدمون العلوم الأخرى على العلوم الشرعية، فنصيحتك يا شيخ، وتكلم عن الاختلاط في مدارس الدول العربية فالواحد يستحي ويخجل أن أهله يروحوا في نفس المكان.
الشيخ: جزاك الله خيرًا أخي الكريم، وبارك الله فيك.
نعود للأخ أبا معاذ فيما يتعلق بالجانب الهدمي وهذا موجود، لكن الكلام في التعامل معها وما يتعلق بها، وهي النقطة التي ختم بها دكتورنا الدكتور عبد العزيز:
أهمية البناء وعدم الركون إلى قضية الحماية فقط، المنهج الوقائي مطلوب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، لكن البناء هو أهم من الوقاية، لذلك هنا النقطة التي ذكرها الدكتور عبد العزيز: أن في وقت المتغيرات اليوم حاجتنا إلى التربية أصبحت ملحة، فنحتاج ابتداء أن نشعر بالتحدي والخطر.
وأن يجعلنا هذا الشعور بالتحدي والخطر في أمس الحاجة إلى الثقافة التربوية الإسلامية، إلى الرجوع إلى الهوية الإسلامية في المنهج التربوي، إلى أن نمارس التربية وألا نعتمد على غيرنا فقط في التربية، حتى لو كان تربيتهم إيجابية ناهيك عن أن تكون التربية سلبية فنسلم أبنائنا وأجيالنا إلى أجهزة إعلام مختلفة بدون ضوابط ولا نظام، فنحن في أمس الحاجة إلى الثقافة أخي الكريم، وهذه مهمة جدًّا.
فلذلك أقول: يجب الحذر والعناية بالحماية، وينبغي الأهم من ذلك أن نهتم بقضية البناء، يعني لو بنينا الجانب الإيماني كمثال وكما قال الله في الآية التي ذكرنا قبل قليل: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ.
هذا الجانب الإيماني هو الذي سيجعل الواحد منا -أسأل الله أن يعفو عنا وعنكم جميعًا- وسيجعل أبناءنا لو خلوا بمحارم الله لا ينتهكوها، يعني: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ، قالها يوسف، وذاك الذي دعته، من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله [7]أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031)..
فهي عبارة كُلٌّ سهل أن يحفظها وأن يقولها، لكن هل سهل أن يقولها فيمتنع عن أن يزيغ؟ هذا هو أثر التربية السليمة الحقيقة وهي لا يمكن أن تتأتّى إلا بالتربية الإيمانية.
حينما يقرأ أو تقرأ الأسرة الآيات والأحاديث تقرأ عن علامات الساعة، وتعيش أبنائها يوم القيامة، وتعيشهم مراقبة الله ، ويرون قدوات أمامهم من آبائهم وأمهاتهم في هذا الجانب، ليس الأمور متروكة ولا تمشي الأسرة من غير أي نظام، ومن أهم معايير هذا النظام الجانب الإسلامي والديني وهذه الهوية، هذه القضية مهمة جدًّا وفي أمس الحاجة إليها.
يعني الصحابة مما ذكر عنهم أنهم كانوا يقرئون أطفالهم وأبنائهم علامات الساعة، يعيشونهم علامات الساعة، وهناك من يرى أن مثل هذا الإجراء التعليمي تشددي، وما شابه ذلك.
تسهيل القضية للأطفال لا يعني أني أنا سأقدمها لهم بطريقة لا يدركونها، أقدمها بكل بساطة وسهولة، يعني كتاب الله ألا يحفظونه الأطفال؟ وفيه معانٍ عظيمة جدًّا في أمور العقيدة والمعاملات، قد لا يدركون بعضها لكنهم أيضًا يتعلمون منها.
والدراسات دلت على أن الأطفال والأبناء الذين يعيشون مع كتاب الله ويحفظونه يكون لهذا آثار عليهم في الجانب اللغوي، والجانب العقلي، والجانب النفسي، ودلت في ذلك عدة دراسات على هذا الجانب.
معنا الأخ أبو إبراهيم، من أين؟
المتصل: من الدمام.
الشيخ: تفضل.
المتصل السلام عليكم.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: فضيلة الدكتور عندي سؤال يختص بتربية الأولاد.
الشيخ: تفضل حبيبنا.
المتصل: مسألة العنف بين الأطفال، يعني أحيانًا الأطفال خاصة البنين أحيانا تزداد حدة العنف بينهم.
الشيخ: وهم أطفال؟
المتصل: أطفال نعم دون السادسة، فهل ذا يكون له سبب من الوالدين في تعاملهم معهم، وكيفية المعالجة؟
الشيخ: واضح يا أبا إبراهيم، وشكرًا لك على حرصك، وعلى حرص الإخوان المتصلين جميعًا.
نعود إلى الأخ الذي سأل عن قضية العلوم الشرعية وما يرتبط بها وأهميتها، لا شك يعني اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1]، والعلم الشرعي لا يعدله أي علم، هذه علوم أساسية، أساسية لا بد.
وأوافقه تمامًا ودعواتنا لكل وزراء العالم الإسلامي والعالم العربي أن يعتزوا بهويتهم الإسلامية وأن ينطلقوا بالاهتمام بالعلوم الشرعية.
وديننا الإسلامي ومفهومنا التربوي الشامل كما سيأتي معنا في حلقات قادمة يدعو إلى العناية بالعلوم الدنيوية التي هي علوم الآلة ولا بد منها، بل هي من فروض الكفايات التي لا بد أننا نرعاها ونهتم بها.
وأشار إلى قضية الاختلاط وما يرتبط بذلك، ولا شك أن هذه القضية من القضايا التي ابتليت بها بعض المجتمعات العربية والإسلامية.
وأنا أدعو المسؤولين ووزارات التعليم وعموم المجتمع العربي والمجتمع الإسلامي إلى قراءة بعض الكتب ومن ذلك كتاب رائع جدًّا بعنوان: "الاختلاط في التعليم"، موجود بعضه على النت يستفاد منه في دراسات غربية وشرقية، ودراسات محلية، ودراسات إقليمية، ودراسات عالمية، حول ما يتعلق بالاختلاط في التعليم وخطورته في الجوانب الأكاديمية، والتحصيل الدراسي، والجوانب العقلية، ناهيك بالجوانب الأخرى القيمية وما يتعلق بها.
معنا أم ماجد من السعودية.
المتصلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة وبركاته.
المتصلة: يعني أنا أجد معاندة قوية من المراهقين سواء أولاد أو بنات.
الشيخ: في ماذا؟
المتصلة: المراهقون أصبحوا متصلين بالعالم ولا أستطيع إقناعهم، وأحيانًا أرجع لعملية الضرب، وهذا غلط، فهم منفتحون جدًّا على العالم، وعندهم قناعاتهم في رأسهم، وفي نفس الوقت عندك أنت الحدود الشرعية لازم ألا تتعدى عليها.
الشيخ: طيب جزاكم الله خير.
المتصلة: أريد لو المراهقين سواء أولاد ولا بنات، لأن مرحلة المراهقة صارت عالية، يعني كانت أول ثمان عشرة، عشرين، الآن توصل لبعد سبعة وعشرين وهما في سن مراهقة.
الشيخ: طيب واضح جدًّا يا أم ماجد وشكرًا لك، وجزاك الله خيراً.
سؤال مهم، وأتاني على الواتس آب في نفس هذا الموضوع حول قضية المراهقين، وهذه القضية من القضايا الشائكة جدًّا، ولعل تأتي حلقات حول هذا الأمر.
لكن هناك قناة لمحدثكم على اليوتيوب فيها مواد عديدة متعلقة بالمراهقين يمكن أن تسعفكم تلك المواد، ويمكن الرجوع إليها، ويمكن مشاهدة بعض الأشياء من الروابط المهمة فيما يتعلق بالتعامل مع المراهقين.
وكذلك الهاتف الاستشاري، أو التواصل عبر تويتر، يكون هناك مجال للأخذ والعطاء فيما يتعلق بقضية التعامل مع المراهقين.
أقول هنا: من الأهمية بمكان الحقيقة أن نجمع بين الود والحزم، ونُوجد العلاقة الحميمية مع أبنائنا وبالذات المراهقين، وكذلك أن نكون حازمين مع وجود نظام.
ود بلا حزم سيجعل الأمور منفلتة بلا نظام، وتنفلت الأمور، وهذا هو ما يتعلق بأسلوب تربية الدلال والرعاية الزائدة، وتحقيق الطلبات، يعني ما يطلبه المشاهدون والمستمعون كما يقولون.
والحزم من غير ود يحدث الشدة والغلظة مثل ما أشارت الأخت الكريمة بالضرب، وأنا أقول: ابتعدوا عن هذا الأسلوب، أختي الكريمة، هذا سينفّر.
أيضًا الجانب الأول سيجعل هناك مجال للتمرد، وقد دلت بعض الدراسات على أن منتج الدلال و(الدلع) والحماية الزائدة هي نفس منتج القسوة والشدة في بعض الأمور، مثل ما يتعلق بالتمرد وعدم الاستمرار على التلقي من المصادر التربوية مثل: الأب والأم.
لذلك مهم جدًّا أن تمسكوا العصا من الوسط، يعني الأب والأم كلاهما، والبعض يمارس دورًا غريبًا في مثل هذا الجانب فيجعل الحزم عند الأب فينقلب إلى شدة، ويجعل الود عند الأم فتنقلب إلى دلال و(دلع)، والمفترض أن الجميع يمسك العصا من الوسط.
المراهقون عندهم متغيرات كثيرة جدًّا تحتاج أن نراعي هذه المتغيرات، وليس معنى المراعاة هذه أن نتخلى عن القضايا المتعلقة بجوانب مخالفة للشرع، أو العقل السليم والعرف السليم، وكل ما يخالف العقل السليم والعرف السليم لا شك أن الشرع ضمن خطابه العام مثل هذه القضايا وما يتعلق بها، النصيحة والتوجيه والتأثير قضية مهمة جدًّا.
التواصل وبقاء التواصل معهم مهم جدًّا، يعني عدم إيجاد العوائق بيننا وبينهم، هذه قضية نحتاج الحقيقة إلى أن نتنبه لها، فإذا أوجدنا ما يوجد الحواجز بيننا لن يتلقوا منا حتى لو كنا مؤثرين جدًّا، فأقول: لو طبقتم ما فعله النبي مع الشاب الذي جاء للنبي يستأذنه في الزنا!
والنبي يأتيه الشاب، لم يفكر بأحد إلا بالنبي ، ومع وجود صحابة موجودين كانوا معه، وفي قضية خطيرة ألا وهي الزنا، ويتوقع بفكرة غير سليمة وبفكرة لا عقلانية أن النبي سيأذن له في الزنا، ومع ذلك يأتي ويضع نفسه بين يدي النبي ويقول له: "ائذن لي بالزنا يا رسول الله!".
الصحابة نهروه فأمرهم النبي أن يتركوه ثم قال: ادن فدنا فجلس بين يدي النبي وحصل حوار رائع ما بينه وبين هذا الشاب: أترضاه لأمك؟ قال: لا، فداك أبي وأمي، قال: وهكذا الناس لا يرضونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟، قال: لا. والله يا رسول الله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟، قال: لا. والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟، قال: لا. والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا. والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصن فرجه، قال: "فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء"[8]أخرجه أحمد في المسند (22211)، وقال محققوه: "إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح"، وصححه الألباني في السلسلة … Continue reading، فذهب وليس في نفسه الحاجة التي أتى بها.
نحن يدهشنا ما الذي جعل هذا الشاب يأتي للنبي ؟ هو الأمن النفسي، هو الشعور بالراحة والطمأنينة، هو الشعور بأن هذا هو الذي سيساعدهم.
فنحن نحتاج إلى أننا نراجع أنفسنا: هل نحن مع مراهقينا مأوى نفسي، أو أننا منفرون لهم؟ وهذا له علاقة بالتعامل، هذا له علاقة بالتعامل، مهما أغدقنا عليهم بالأموال وإلى آخره، هذا له علاقة بالتعامل.
لأن الإنسان يحب الآخر حينما يحسن إليه ويتعامل معه بالحسنى، فكيف إذا كان هذا هو الأب أو تلكم الأم؟ عندئذ إذا أحسنا التعامل و"الدين المعاملة"[9]البعض ينسب هذه الجملة للنبي صلى الله عليه وسلم وهي ليست كذلك.؛ سيكون النظام الذي هو الحزم مقبول لدى الأبناء.
المشكلة لما نفوّت مرحلة الطفولة، وسنواتها، يعني اثني عشر سنة تقريبًا مرحلة الطفولة، ونتعامل ربما بقسوة أو عكس القسوة الدلال، ولا يوجد نظام، ثم نأتي مع بداية مرحلة المراهقة القوية الشديدة في المتوسطة يعني مرحلة المراهقة المبكرة ونبدأ نعاني من انحرافات معينة لديهم وتمرد وإلى آخره، ولا نحسن طريقة التعامل معهم؛ مما يتسبب لنا يعني في إشكالية كبيرة جدًّا.
فهذا باختصار شديد وأنا ما دمت قد تكلمت الآن في موضوع المراهقة، فأدعوكم إلى قراءة كتاب أستاذنا الدكتور: عبد العزيز النغيمشي، وهو كتاب قديم لكنه حديث، وهو كتاب عظيم جدًّا فيما يتعلق بالمراهقة "المراهقون رؤية نفسية إسلامية"، مهم جدًّا أن يُقرأ هذا الكتاب؛ حتى نتعرف على حاجات المراهقين، وذكر أمهات الحاجات الثقافية والاجتماعية والنفسية، فلا بد أن نعرف المراهقين من خلال هذه الحاجات؛ لأنا إذا أشبعناهم من خلال هذه البيئة التربوية أشعرناهم بالأمن النفسي وعندئذ يتلقون منا بإذن الله ، ولنا في ذلك إن شاء الله تعالى نقاشات قادمة، ولعلنا نستفيد أيضًا من دكتورنا، الدكتور: عبد العزيز النغيمشي في مداخلات ومشاركات قادمة بإذن الله .
لعل وقت الحلقة أزف، وأسأل الله أن يجعل ما ذكرناه حجة لنا لا علينا، وأسأل الله أن يبارك فينا وفيكم وأبنائنا وأجيالنا وفي مجتمعاتنا، وأن نقوم بهذا الواجب الكبير ألا وهو التربية على منهج الله وسنة النبي .
وأكرر شكري لإخواني في قناة "زاد" العلمية وأبارك لهم وللجميع انطلاقها، وشكري لأستاذنا الدكتور: عبد العزيز المحيميد، والإخوة والأخوات المداخلين، والسائلين والسائلات، والمشاركين معنا، والمشاهدين والمشاهدات.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة، والحمد لله رب العالمين.
↑1 | انظر: لسان العرب (1/ 406)، وتهذيب اللغة (15/ 196). |
---|---|
↑2 | انظر: المفردات في غريب القرآن (ص: 336). |
↑3 | انظر: أصول التربية الإسلامية، لخالد حامد الحازمي (ص: 19-20). |
↑4 | انظر: دراسات إسلامية في العلاقات الاجتماعية والدولية: د. دراز (ص:12). |
↑5 | أخرجه الطبراني في الأوسط (6026)، والكبير (861)، والقضاعي في مسنده (129)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3289). |
↑6 | انظر: التمثيل والمحاضرة (ص: 78)، والتذكرة الحمدونية (3/ 267)، والحماسة البصرية (2/ 40). |
↑7 | أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031). |
↑8 | أخرجه أحمد في المسند (22211)، وقال محققوه: "إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (370). |
↑9 | البعض ينسب هذه الجملة للنبي صلى الله عليه وسلم وهي ليست كذلك. |