المحتوى
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ، صلى الله عليع وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات مع حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم "أسس التربية"، ومن قناتكم قناة "زاد" العلمية الفضائية.
كنا تلقينا مجموعةً من الأسئلة، ولعلنا نُجيب عن بعضها في هذه الحلقة -بإذن الله -، ونستكمل ما يتيسر في برنامجنا فيما يتعلق بموضوع التربية.
س: هذه سائلةٌ تقول: ابني عمره أربع سنواتٍ، يسأل عن الله كثيرًا، ويطلب الإجابة، وكلما أجبته يسأل عن سبب ذلك، حتى أصبحت أخاف أن أذكر الله أمامه حتى لا يسألني.
ج: إذن هذا سؤالٌ مُحرجٌ للأب أو للأم، ولكن أيها الإخوة والأخوات لمجرد أن يسأل هذا الطفل مثل هذه الأسئلة لا بد أن ننظر إليه من وجهٍ آخر: أنه سؤالٌ إيجابيٌّ، أو تصرفٌ إيجابيٌّ، فهو يُعطي دلالةً على نمو الشخصية نموًّا عقليًّا، ونموًّا وجدانيًّا في هذه الشخصية.
ينبغي أيضًا أن تكوني أيتها الأخت الكريمة مع طفلك هذا طبيعيةً، فلا داعي لقضية الخوف؛ لأنك تستطيعين أن تمتلكي مهاراتٍ في الرد على أسئلة هذا الابن، لا تمتنعي من الإجابة، إياك أن تمتنعي من الإجابة، كوني مُجيبةً له.
السؤال هنا: كيف تُجيبين عليه؟
من الأهمية بمكانٍ ألا تُجيبي بغير الصواب، فالبعض ربما ينحو منحًى آخر للتخلص من الموقف المشكل بأن يُجيب إجابةً خاطئةً، وهذه قضيةٌ خطيرةٌ جدًّا: أن نُعلم الأطفال الباطل مكان الحق، مكان الصواب نُعلمه الخطأ، فمن حقِّه أن يعلم الصواب.
وهذه أيضًا تربيةٌ على قضية الصدق بالنسبة للمُجيب، وهي قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، وضابطٌ مهمٌّ جدًّا لنا فيما يتعلق بهذه الأسئلة.
يمكن أيضًا أن تصرفيه بالكلام عن عظمة الله ، أو ربما تقولين له: ستعرف هذه القضية فيما بعد إذا درستَ في المدرسة، انظر إلى هذا الأمر، انظر هذا النور، اصرفيه إلى شيءٍ آخر، دون الحاجة إلى قضية الامتناع، لا تقولي له: لا تسأل. أو تُعطيه إجابةً خاطئةً.
هذه بعض القضايا التي نحتاج أن نقف معها في مثل أسئلة أبنائنا المُحرجة.
ينبغي أن نُعطيهم على قدر عقولهم، وأن نُجيب بالحق، وبالمقدار المناسب ما استطعنا، نُرجئ الإجابة ما استطعنا، نصرفهم عن الإجابة، أو نقول: بإذن الله حينما تكبر ستُدرك هذه القضية أكثر فأكثر. وإذا كانت الإجابة طبيعيةً فينبغي ألا تُؤجل، وإذا أجلنا وأدركنا الصواب يمكن أن نُجيب في مراتٍ أخرى.
س: هذه سائلةٌ تقول: إنها تُعاني كثيرًا من عصبية ابنها. تقول: معلمة هذا الابن هي أيضًا تُعاني من عصبيته، فكيف يكون التصرف مع عصبية الأبناء؟
ج: الذي يظهر أن هذه المرحلة التي تتكلم عنها الأخت السائلة هي مرحلة الطفولة.
ومن الأهمية بمكانٍ -أيها الإخوة والأخوات- ما يتعلق بقضية النظر لأسلوب المعاملة، فقد يكون هذا هو السبب الجوهري، وقد تكون هناك أسبابٌ أخرى بلا شكٍّ، لكن هنا قضيةٌ مهمةٌ جدًّا: هناك حاجاتٌ لأبنائنا الأطفال والمراهقين، هذه دعوةٌ، كما أننا نطلب من الأبناء أن يهتموا بآبائهم وأمهاتهم، ويخدمونهم، ويُساعدونهم، ويبرون بهم.
نلفت نظر الآباء إلى أن يُحسنوا التعامل مع أبنائهم ذكورًا وإناثًا، تأتيني في الاستشارات أشياء مُخيفة، وتمرد.
الله يُحذِّر ويقول لنبيه -وهو النبي ، لستُ أنا ولا أنتم- يقول له: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].
فهذه العصبية التي نجدها في أبنائنا قد نكون نحن السبب فيها، يعني: الآباء والأمهات هم في أمس الحاجة إلى أن يكونوا قريبين منهم، في أمس الحاجة إلى أن يُشبعوا عاطفتهم، في أمس الحاجة إلى مَن يُشجعهم ويُقدرهم، وإلى مَن يحترمهم، ولا ننسى هذه القضية: حينما يقوم الابن بشيءٍ إيجابيٍّ نُشجعه، وحينما لا يجد التشجيع لا نظن أننا لم نفعل شيئًا، بل فعلنا شيئًا سلبيًّا، وأشد من ذلك حينما يجد نفس التصرف السلبي: كالتحقير، وهدم الكرامة، والإساءة إليه، ناهيك بالضرب، والعتاب، واللوم، وما شابه ذلك.
والله إنني أُوجه دعوتي لإخواني وأخواتي من الآباء: ذكورًا وإناثًا، ومن المعلمين: ذكورًا وإناثًا، ومن المُربين: ذكورًا وإناثًا؛ انتبهوا لقضية أسلوب المعاملة مع الأجيال، فهذه نفوسٌ وليست جماداتٍ، هذه نفوسٌ تحتاج إلى اهتمامٍ وعنايةٍ ورعايةٍ.
فلذلك مثل هذا السؤال المتعلق بقضية العصبية قد يكون السبب فيه وجود حاجزٍ بينه وبين المعلمة، وحاجزٍ بينه وبين الأم، فهو لم يُشبع هذه الحاجة التي لديه، ولم يُتنبه إلى أمرٍ هو جديرٌ بأن يُثنى به عليه، وجديرٌ بأن يهتم به من خلاله، وإنما يُلام ويُعاتب ولا يُقدَّر، فتؤثر هذه المواضيع على الجانب العصبي.
نقطةٌ أخرى مهمةٌ في هذه القضية، وهي: تحسين مراجعة المعاملة، نعود إلى هذه القضية من خلال الودِّ والحزم كما سبق وأشرنا إليها.
أيها الإخوة المربون، أيتها الأخوات المُربيات، أيها الآباء، أيتها الأمهات، المعلمون والمعلمات، المُربون، والمُربيات: من أجمل ما يكون في قضية الود: أن يُحبنا الأبناء، فإذا أحبونا أطاعونا.
ومن أجمل ما يكون في قضية الحزم: أن يتعوَّدوا على النظام والانضباط، فإذا تعوَّدوا على النظام والانضباط هابونا واحترمونا وقدَّرونا.
أيضًا استخدام التعزيز والعقاب في موضوع العصبية قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، فإذا كان طفلًا خاصةً يُقال له: يا ابني، أو يا ابنتي، إذا أنت فعلت هذا الأمر الذي هو عكس قضية العصبية سنُكافئك. وإذا وجدنا منها عدم العصبية نُبرز هذه القضية ونُكافئها.
وإذا لم تُجْدِ قضية التعزيز نتجه إلى قضية الحرمان من شيءٍ هي تُحبه، أو هو يُحبه، فنحرمه منه، إذا ما نفعت قضية التعزيز.
إذا استخدمنا أساليب مثل هذه وغيرها ولم تنفع تلكم الأساليب، فوجهة نظري هنا: مهمٌّ جدًّا أن يُذهب به إلى الأطباء لعمل فحوصاتٍ عضويةٍ وعصبيةٍ، فربما يكون هناك شيءٌ لم نُدركه، وهو ليس من المجالات المتعلقة باختصاصاتنا، وإنما من المجالات المتعلقة بالمُختصين: الأعصاب والمخ، وما شابه ذلك.
فلدينا في مجال المشكلات النفسية والقضايا المتعلقة بالاضطرابات النفسية: أنه مثلًا عندما يتجه الإنسان إلى المستشفى ليُجري بعض الفحوصات، قد تكون لديه مشكلةٌ في الغدد الدرقية: كسلًا أو تضخمًا، وهذا يُؤثر في المزاج، ويُؤثر في العصبية، ويُؤثر في الجانب النفسي.
فبعض الأمراض قد تكون عضويةً: كالسكري، لكن لها أثرٌ في الجانب النفسي.
فمن المهم جدًّا أن نُدرك مثل هذه القضية.
***
حياكم الله أيها الإخوة والأخوات، وعودًا حميدًا مع أسئلتكم.
كيف أُربي ابني في بلاد الغرب؟
س: هذا سائلٌ يقول: كيف أُربي ابني في إسبانيا، رغم فساد الشباب الموجودين هناك؟
ج: كثيرٌ من الأسئلة التي ترد إليَّ يغلب عليها الغيرة لدين الله ، خاصةً من الذين يعيشون في تلكم الديار، فهنيئًا لهم ذلك الأمر، هنيئًا لهم هذا الأمر، وهذا الاهتمام، وهذا الاتجاه.
ونقول أيضًا: أعانهم الله على ما هم عليه، لكن لعل هذا من صريح الإيمان، وكذلك من شدة الابتلاء الذي ابتُلوا به.
وأقولها هنا بملء فمي: كما لجأوا إلى المستشارين عليهم أن يلجأوا قبل ذلك إلى الله ، فعليكم بالدعاء، ثم الدعاء، ثم الدعاء أيها الإخوة والأخوات.
أذكر أنني كنتُ في نقاشٍ مع أحد المُربين، وكان يتحدث عن حاجتنا إلى اللجوء إلى الله ، يقول: والله إن الأمور تنسد أمامي فيما يتعلق بتربية الأبناء، وأحاول من عدة طرقٍ وأساليب ومهاراتٍ فلا أنجح، فأجد نفسي مُضطرًّا للدعاء بين يدي الله : أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62]، فأجد أن الأمور قد انشرحت، ووفق الله وأعان.
فمَن لجأ إلى الله في وقت الأزمة ابتداءً هذا هو المُوفَّق الذي قلبه مُعلَّقٌ بالله ، وهؤلاء على طريقة النبي ﷺ: "كان النبي إذا حزبه أمرٌ صلَّى"[1]أخرجه أبو داود في "سننه"، برقم (1319)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير" برقم (4697).، فنحن في أمس الحاجة إلى أن نفزع إلى الدعاء.
فلتفزعوا أيها الإخوة والأخوات كما فزع هذا السائل؛ خوفًا على أبنائه من الفساد في تلك الديار، وإذا كان الفساد اليوم فسادًا عالميًّا في القرية الواحدة، وفي جيل التقنية العالمية، فلا شك أن المُثيرات التي يرونها رأي العين هناك، ويُخالطونها في مدارسهم، وفي الشوارع، وفي الأسواق تختلف تمامًا عما هي عليه في بلاد المسلمين.
فنحن في أمس الحاجة إلى قضية الدعاء أولًا.
الجانب الآخر: الحرص على البناء، ونُؤكد على أن كثيرًا من الآباء والأمهات لا يُفكرون إلا عندما تحصل المشكلة، أو أن نخاف من المشكلة، وهذا الأمر نستطيع تقليله، والاطمئنان إلى عدم الحصول حينما يكون لدينا داخل أسرنا مشروعٌ تربويٌّ حضاريٌّ مستمرٌّ، أين الحرص على بناء الجانب العلمي لأبنائنا وشبابنا؟ أين الحرص على بناء الجانب الإيماني، خاصةً في تلكم الديار، والذي لا يأخذونه في المدارس؟ إذا لم تكن هناك مدارس إسلامية تُغذي وتُعوض النقص الموجود فلا بد للأسرة أن تُغذي وتُعوض النقص الموجود.
العلم يدفع الشبهات
والحمد لله اليوم كما تُشاهدون الآن عبر الفضاء، يا مَن أنتم في تلكم الديار تُشاهدون القنوات الفضائية، أصبحت هناك أكاديميات تُعلم الناس الدين، ومنها قناة "زاد"، وعبر المواقع في (الإنترنت) أصبحت أكاديميات أيضًا.
إذن لا بد من تعليم العلم، وكذلك الإيمان، والتذكير بالله ، وحبّ الله ، والتحليق بهؤلاء الشباب منذ نعومة أظفارهم، وتعليمهم القضايا الإيمانية، والحافظ هو الله ، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
فالعلم -أيها الإخوة والأخوات- يدفع الشبهات، والشبهات في دياركم كثيرةٌ لا تُحدّ، تسمعها الفتاة في المدرسة، وفي الشارع، وفي جميع الأماكن، والأمر أشد مما هو عليه في ديار الإسلام بلا شكٍّ.
فالعلم هو الذي سيجعله يقبل أو لا يقبل، يُوافق أو لا يُوافق، وهذا يستدعي مجالًا للحوار والنقاش والإقناع والتلقي من مصادر نظيفةٍ.
كذلك الإيمان مهمٌّ جدًّا، فهو الذي يجعل الإنسان يقول: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23].
فأين نحن من هذا المشروع التربوي؟ وهل هو موجودٌ في بيوتنا؟
اختيار الأصدقاء الصالحين
قضيةٌ أخيرةٌ في هذا الجانب، وهي: الحرص على الأصدقاء قدر المستطاع، لا تقولوا: ما نستطيع. لا تقولوا: ليس كما عندكم في تلكم الديار المسلمة أو غيرها. اجتهدوا، اتقوا الله ما استطعتم، وما التوفيق إلا بالله .
ابحثوا عن الأصدقاء، ستجدون أصدقاء يهتمون بالعمل الإسلامي، والدعوة إلى الإسلام، وإشغال الأوقات، وهذه قضيةٌ ثانيةٌ.
فهناك قضيتان أساسيتان مهمتان لمرحلة الشباب: ذكورًا وإناثًا، وقد دلَّت بعض الدراسات على أنها من أشد الأشياء التي تحرف الأحداث، وتحرف الشباب والمُراهقين: ذكورًا وإناثًا: أصدقاء السوء، ووقت الفراغ:
إن الشباب والفراغ والجدة (المال) *** مفسدةٌ للمرء أي مفسدة[2]انظر: "التمثيل والمحاضرة" للثعالبي (76).
فينبغي العناية بتكوين صداقاتٍ إيجابيةٍ، فعلينا أن نبحث عنهم.
وكذلك إشغال أوقات الفراغ بأمورٍ طيبةٍ من أمور الدنيا والآخرة، لا بد من العناية بهذا الأمر.
فإذا وفَّقكم الله لترك تلك الديار، والعودة إلى دياركم، وكان هذا الأمر متاحًا لكم؛ فلا شك أن هذا هو الأولى، وهو الأفضل، وأنا لا أتحدث من الناحية الشرعية، فهذا له اختصاصه، لكن قصدي أن هذا الأوْلى والأفضل بالنسبة للمعاناة الموجودة، وليست قضية فتوى، ولكنه كلامٌ حول ما يتعلق بالتربية الأسرية، والمعاناة التي أشارت إليها الأخت.
ما حكم ضرب الأطفال الذين دون سنِّ العاشرة؟
هنا أيضًا ورد سؤالٌ يتعلق بالضرب، وهذا السؤال يتكرر بشكلٍ كبيرٍ ومستمرٍّ، لكن هذا السائل أو هذه السائلة تُحدد الضرب بما دون سن العاشرة؛ بناءً على حديث: مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع[3]أخرجه أبو داود في "سننه": كتاب الصلاة، باب متى يُؤمر الغلام بالصلاة؟ برقم (495)، وحسنه الألباني في "مشكاة … Continue reading.
أنا أقول ابتداءً من الناحية التربوية من خلال منهجية التربية الإسلامية: علينا أن نتلقى من العلماء، أنا سأورد كلامًا لسماحة الشيخ الوالد عبدالعزيز بن باز، مفتي المملكة -رحمة الله عليه وعلى علمائنا- في سؤالٍ وُجِّه إليه، وعلينا أن نُدرك المعاني التي ذكرها الشيخ رحمه الله حتى نستطيع أن نضبط القضية من الناحية الشرعية، ويمكن أن تكون هناك إشاراتٌ أخرى بعدما نسمع أو بعدما نقرأ كلام الشيخ، رحمه الله تعالى.
كان السؤال المُوجَّه إليه هو: ما حكم ضرب الأطفال الذين دون سن العاشرة على أمرٍ يفعلونه؟ وما توجيهكم لذلك؟
يقول الشيخ رحمه الله: للوالد والوالدة تأديب الأطفال إذا رأيا ذلك، يعني: من خلال قضية الضرب، ولو كان دون العاشرة، ولو كان دون السابعة، إذا رأى أن يُؤدب ولده -ذكرًا كان أو أنثى- لا بأس، ولكن ..
وهذا القيد مهمٌّ جدًّا؛ لأن البعض قد يفرح بهذا الجزء، وينسى أو لا يسمع الجزء الآخر؛ فقد أصبحنا نُعاني من بعض بيئاتنا التربوية -هذا الكلام من عندي الآن-، أصبحنا نُعاني من قضية الضرب والقسوة والشدة، وتأتيني والله حالاتٌ كثيرةٌ: حالات شبابٍ، وحالات مُتزوجات، حالات تتعرض للضرب في العشرين، وما دون العشرين، وفي الثلاثين، شيءٌ مهولٌ! تأتيني استشاراتٌ من أعدادٍ كبيرةٍ جدًّا، فأي تربيةٍ هذه؟!
نعود إلى كلام الشيخ، يقول: إذا رأى أن يُؤدب ولده بالضرب -ذكرًا كان أو أنثى- فلا بأس، لكن بالشيء الذي يُناسبه، ولا يضره. يقول الشيخ: تأديبٌ خفيفٌ، ينفعه ولا يضره.
إذا كان يتعدى على إخوانه الصغار، إذا كان يعبث في البيت عبثًا يُؤذي، أو ما شابه ذلك، يُؤدب بضرباتٍ خفيفةٍ.
انظروا إلى الألفاظ، وقارنوها بالواقع.
أو بالكلام الشديد الذي يردعه، أو بضرباتٍ خفيفةٍ، أو بمنعه من بعض حاجاته التي يُريدها؛ حتى يتأدب من الأم والأب، أو من أخيه الكبير إذا ما كان عنده أبٌ ولا أمٌّ، أو من عمه، أو من خالته، على حسب حال مَن يُربيه ويقوم عليه، فله أن يُؤدبه، سواء كان المُربي أمًّا، أو أبًا، أو خالًا، أو خالةً، أو أخًا كبيرًا، على حسب الحال، فالذي يُربيه ويقوم عليه له أن يُؤدبه بالشيء الذي لا يضره، شيءٌ خفيفٌ يحصل به النفع.
هذا القيد مهمٌّ، وهو قيدٌ جميلٌ يذكره أهل الاختصاص فيما يتعلق باستخدام العقوبات: أنه لا بد أن تكون له فائدةٌ في تعديل السلوك، وإذا لم تكن له فائدةٌ، فما استفدنا؟
يعني: بإمكاننا أن نُعدل السلوك، وبإمكاننا أيضًا أن نُعدل السلوك بشكلٍ مستمرٍّ، وهذا مطلوبٌ للآخر، فالشريعة جاءت لدرء المفاسد أو تقليلها، أنا أريد أن أدرأ المشكلة تمامًا أو أُقلل منها، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، نحن في أمس الحاجة إليها فيما يتعلق بقضية الضرب.
إذن أصل الضرب ليس ممنوعًا شرعًا، ولكنه مُقيدٌ، وقد تكلم بعض المُربين الذين يهتمون بالتربية الإسلامية، وناقشوا هذا الموضوع وما يتعلق به، وأخذوا بكلام العلماء: كالشيخ ابن باز وغيره من الفقهاء من السابقين، ومن المُعاصرين، فبعضهم كان يحدّها بعددٍ معينٍ، لا تتجاوز كذا ضربةٍ، حدده بأدنى عددٍ ورد فيما يتعلق بقضية التعزيرات والحدود وما يرتبط بهذه القضية.
وكذلك أكَّدوا على أن يكون الضرب خفيفًا، خاصةً مع الأطفال، وللأسف قد يكون الأطفال هم الضحية الأكبر فيما يتعلق بالشدة والقسوة؛ شدة الضرب.
والضرب مع الكبار يكون أشد؛ لأن الكبير أصبح ناضجًا فكريًّا، أصبح لديه ما يُسمّى: بالاستقلال الفكري الإيجابي، يعني: يكون مُهيئًا لاستقبال الفكر الإيجابي، لكن تُهان كرامته بمثل هذه القضايا وما يتعلق بها، فينبغي العناية.
وكلامنا قبل قليلٍ للشيخ ابن باز فيما دون العاشرة، بل كما قال: ما دون التاسعة.
وهناك بعض الوسائل، ومن المهم جدًّا أن نُؤكد عليها، وننتبه لها، خاصةً مع مراحل الطفولة القابلة لجانب سهولة تعديل السلوك، وما يتعلق بذلك، وهو: استخدام التعزيز؛ أُعلقه بالشيء الذي يُحبه، أقول له: سأُعطيك إياه إذا لم تفعل هذا الفعل. فإذا وجدت أنه لم يفعله أُكافئه مباشرةً؛ حتى يرتبط عنده التعزيز بالسلوك الإيجابي، فإذا ما نفع نتجه -كما ذكر الشيخ- إلى قضية الحرمان وما يتعلق بها.
فنحن في أمس الحاجة إلى العناية -إخواني وأخواتي- بأبنائنا، والشعور بأن هؤلاء لُحمة منا.
والله يا إخوة حين نتذكر الموقف بين يدي الله ، وما يتعلق بقضية الإيمان، كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، لاحظ: النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ، فقد أكون أنا وقود هذه النار، وقد يكون ابني وقود هذه النار؛ لذلك فإن منهج الوقاية مهمٌّ، وستكون لنا -بإذن الله- حلقةٌ مستقبليةٌ حول قضية المنهج الوقائي في التربية الإسلامية، بإذن الله .
وكقوله : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ [الطور:21] هنا الأب أو الأم يسلكان مسلك الإيمان الذي يُريده الله، وعلى منهج النبي ، وليس المنهج الذي نُريده نحن، وليس هذا فقط، بل لهم أثرٌ على أبنائهم: وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ.
إذن القائمون على هذه الأسرة يسلكون مسلك الإيمان، ويُؤثرون في أبنائهم، فيسلك الأبناء مسلك الآباء، ويُصبح هؤلاء الآباء قدوةً لأبنائهم؛ فيسلكون طريق الإيمان.
ماذا أعدَّ الله لمثل هؤلاء؟
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ يعني: يوم القيامة يُلحق الله الأبناء بالآباء، حتى ولو كانوا في منزلةٍ مختلفةٍ في الجنة؛ مُكافأةً خاصةً لهؤلاء.
أسأل الله أن يرزقنا وإياكم مثل هذه المكافآت.
أُكرر وأناشد بقوةٍ: لا بد لنا من ثقافةٍ تربويةٍ، ولا بد لنا من سلوكٍ تربويٍّ، نحن نُطالب الأبناء أن يبرُّوا آباءهم بلا نقاشٍ، ونطالبهم أن يكونوا على الجادة بلا نقاشٍ، لكن الأبناء على طريقة آبائهم.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله كلامًا نفيسًا فيما يتعلق بانحراف الأبناء، يقول -في معنى كلامه-: إن حاصل هذا الانحراف هو بسبب انحراف الآباء، فليُراجع كلٌّ منا نفسه من آباء وأمهات: أين هو من حيث العلاقة بالله ؟ وكيف علاقتكم بالله ؟ وكيف نريد أن ننجح في أسرنا ونحن ربما مُقصرون في حقِّ الله ؟
نسأل الله أن يعفو عنا، وأن يتوب علينا.
التيسير مقابل التعسير
أين الآباء والأمهات من حيث العلاقة بأبنائهم؟ كيف تكون أساليبهم في التربية؟ كيف تكون ثقافتهم في التربية؟
لقد كان لدي قبل الحلقة دورةٌ بعنوان: "كن مُربِّيًا"، ذكرتُ فيها ما يتعلق باستخدام القسوة والشدة في مقابل الرحمة والشفقة، وأن هناك أناسًا يرون ما يتعلق بقضية التعسير والتشديد، والعجلة في اتخاذ القرار، والتكبر عن المُتربين، وجعل بينهم وبين المُتربي مسافةً، فأصبحت لديهم قناعةٌ بأن هذا هو الأجدر بالمربي، وهذا مفهومٌ خاطئٌ يجب أن يتعدل؛ لأن التيسير مقابل التعسير، والرسول ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا[4]أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (3560)، ومسلم: كتاب الفضائل، باب مُباعدته … Continue reading.
عندي هدفٌ في تربية الأبناء، عندي هدفٌ في تكليف الأبناء بقضايا في البيت، .. إلى آخره، لكن أنا أعرف أن الهدف يتحقق بطريقةٍ سهلةٍ يسيرةٍ، وليس بطريقةٍ فيها تعسيرٌ وإرهاقٌ، فالرسول ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، أهم شيءٍ: "ما لم يكن إثمًا"، هذا القيد والشرط.
كذلك أن يكون رحيمًا، ولا يكون قاسيًا: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران:159]، يقول الله لنبيه : لم تكسب أصحابك يا محمد ولم يكونوا حولك إلا برحمتك وودك ولينك.
وهذه الآية -أيها الإخوة والأخوات- نزلت بعد غزوة أحدٍ، وتعرفون ماذا حصل في غزوة أحدٍ؟ ومع ذلك يُذَكِّر الله نبيه بأن الرحمة واللين هما الطريق إلى احتواء الأتباع، وهما الطريق إلى احتواء الأبناء بالنسبة للآباء والأمهات، يقول الله لنبيه: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].
مَن هم الذين سينفضون لو كان النبي فظًّا؟
أصحابه، إذن يمكن أن ينفض أبناؤنا عنا، ويكرهوننا، وقد تكون هناك عزلةٌ شعوريةٌ، وقد يكون الولد موجودًا في البيت، يأتي إلى البيت غصبًا عنه؛ لأنه لا يستطيع أن يذهب إلى مكانٍ آخر، ما عنده مجالٌ أن يُنفق على نفسه، أو ربما يخاف أن يُغضب الله إذا هرب، أو ما شابه ذلك، والذين يهربون هذا تفسيرٌ لهم من تفسيرات الهروب والتمرد.
هذا ما يتعلق بقضية الغِلظة والفظاظة في التعامل: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ، إذن ماذا نفعل معهم؟
الله يُخاطب نبيه ، ويُعطيه التوجيه في حقِّ أصحابه، وهي توجيهاتٌ لنا -آباء وأمهات- في حقِّ أبنائنا: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمران:159].
فَاعْفُ عَنْهُمْ يعني: مَن منا يتنازل عن أخطاء أبنائه؟
عفوًا نُكمل بعد قليلٍ.
كيف نُعالج الغيرة؟
معنا أم سلاف من الجزائر، تفضلي.
المتصلة: السلام عليكم يا شيخ.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصلة: يا شيخ، أنا عندي سؤالٌ من فضلك.
المحاور: تفضلي.
المتصلة: يا شيخ، أنا عندي ابنتي تعيش معي ومع زوجي منذ ما يُقارب ست سنوات، كان عمرها عندما تزوجتُ بزوجي هذا أربع سنوات، وكان يُحبها كثيرًا.
المحاور: يعني: زوجك؟
المتصلة: كان يُحبها كثيرًا، وهو ليس أباها.
المحاور: ليس أباها، نعم، نعم.
المتصلة: يُحبها كثيرًا، ويُعاملها بعطفٍ وحنانٍ وبمسؤوليةٍ، حتى ظن الناس أنه أبوها الحقيقي، وهي تُحبه، لكن لا تُظهر له ذلك، بل دومًا تغار منه كثيرًا في أبسط الأمور.
المحاور: ماذا؟
المتصلة: يعني: تُظهر الغيرة، تقول له: هذه أمي لا تُكلمها! هذه أمي لماذا تُعطيها ولا تُعطيني؟!
المحاور: كم عمرها يا أختي؟
المتصلة: عمرها الآن عشر سنوات.
المحاور: ومنذ متى عندها هذه الغيرة؟
المتصلة: يعني: لما تزوجت بزوجي كان عمرها أربع سنوات، وكانت البداية.
المحاور: أبوها موجودٌ أم مُتوفًّى؟
المتصلة: أبوها موجودٌ، لكن لا يرعاها دائمًا، ولا يهتم بها كثيرًا، دائمًا مشغولٌ.
المحاور: والزوج يُكرمها ويُعاملها معاملةً حسنةً؟
المتصلة: يا شيخ، لا تتصور معاملته لها، الحمد لله يُحبها كثيرًا، ويربطها بأولادٍ إخوةٍ لها.
المحاور: هل تحاورتِ معها؟ هل أظهرتِ لها بعض الأشياء التي من خلالها تستطيعين أن تري ماذا لديها؟ هل حصل شيءٌ من هذا القبيل أم لا؟
المتصلة: أحاورها، وأقول لها: يجب أن تُبادليه الاهتمام، وتُبادليه العطف، إنه يُحبك، ويخاف عليكِ، ويُلبي كل طلباتك.
المحاور: لا، لا، هل قلتِ لها صراحةً: لماذا تتخذين هذا الموقف يا ابنتي؟ يعني: هل رأيتِ منه شيئًا؟ هل خاطبتيها بهذه الطريقة مثلًا؟
المتصلة: نعم، وتقول لي: لا، وأضعها في مقارنةٍ، يعني: أقول لها: انظري إلى الأسر الأخرى كيف يُعاني الأطفال مع أزواج أمهاتهم؟ فتقول لي: نعم، أنا أعرف كل شيءٍ، ولكني أخاف أن يأخذكِ مني، حتى في مسألة ..
المحاور: واضحٌ، جزاك الله خيرًا يا أم سلاف من الجزائر.
المتصلة: الله يُجازيك عنا كل خيرٍ، إن شاء الله.
المحاور: وإياكم، على أية حالٍ أنا أُهنئك على حرصك على ابنتك، كما أُهنئ زوجك على حرصه على ابنتك التي هي ليست ابنته، وهذا شيءٌ يفخر به حقيقةً، وأُهنئ ابنتك على هذا الشعور، وهذا يُعطي دلالةً على أثر البيئات التي لديها مشكلات، وما نسمعه في المجتمعات من مثل عقول بناتنا وأبنائنا.
فهذه تقول: أنها تخشى أن يحصل في البيت ما حصل في البيوت الأخرى؛ ولذلك ينبغي -أختي الكريمة أم سلاف- أن تسعي في طمأنتها، فهي تحتاج إلى التطمين، لا بد أن تهتمي بالجانب النفسي والأمن النفسي، لا بد من إشعارها بالأمان كي يستمر هو في العلاقة الحميمية معها، فعليكِ أن تُطمئنيها في هذه القضية، حاولي قدر ما تستطيعين أن تُشعريها بحبه لها، وأن تُقنعيها بأنه ليس من هذا الصنف الذي تتحدث عنه وتخاف منه، ومع النضج العقلي وكبر السن شيئًا فشيئًا تخف القضية لديها، بإذن الله.
وأيضًا يحاول هو وأنتم بتنوعٍ في بعض الأشياء التي تجعلها تشعر بشيءٍ من الأمن النفسي تجاه هذه القضية.
والذي يظهر أن جانب الشعور لديها هو الطاغي هنا أكثر من الجانب العقلي، خاصةً أنها محرومةٌ من أبيها، وأبوها مُقَصِّرٌ في حقها، ولديها النماذج السلبية.
وشكرًا لكِ يا أخت أم سلاف.
العجلة مقابل التأني
نعود إلى موضوعنا الذي يتعلق بالرحمة مقابل القسوة، والعجلة مقابل التأني، وتواضع الأب والأم مقابل التكبر، فمن المهم جدًّا أن نتواضع مع أبنائنا وبناتنا، وألا نستعجل في اتخاذ القرارات فنحكم عليهم، وأن نرحمهم ونُشفق عليهم.
أذكر طالبًا لدينا في الكلية، هذا الطالب كان مُتدربًا في آخر فصلٍ دراسيٍّ في الميدان، في المدارس، وقد زرتُ هذه المدرسة لأجل ابني، فقال أحد المعلمين: أنتم جئتم لنا بوحوشٍ. قلت: لماذا؟! قال: هذا أستاذٌ رمى طالبًا في مرحلة رابع ابتدائي بالكرسي، عمره عشر سنوات، أو تسع سنوات، أو شيء من هذا القبيل؛ لأنه بدأ يتلفت يمنةً ويسرةً، فأخذ الكرسي ورماه به.
هذا الطالب درَّستُ له في المستوى الأخير قبل التطبيق مُقررًا لدينا اسمه: "التوجيه والإرشاد"، وفيه عن تعديل السلوك وما يتعلق بهذه القضية، فماذا يا تُرى؟
ثلاثون ساعةً قدمتُ له فيها هذا المقرر، ولم يستفد منها؛ لأن عنده إشكاليةً، فهو تصور أن أفضل طريقةٍ للتعامل مع الطلاب الذين يدخل عليهم في البداية هي: أن يتعامل معهم بشدةٍ وقسوةٍ حتى يُثبت مكانته.
هكذا التصور عند البعض: معلمٌ يتعامل بقوةٍ وقسوةٍ مع أبنائه حتى يضبطهم؛ لأنه أبٌ ويسمع نماذج أخرى هنا وهناك في الأسر، ويسمع المعلم نماذج من أساتذته وهم يُحذرونه من هؤلاء الطلاب: إذا دخلت عليهم فاستخدم معهم الأساليب الشديدة.
كل هذه الأساليب خلاف فطرة الإنسان، وخلاف ما تحتاجه النفوس البشرية، والله يا جماعة إني أخشى على نفسي، وأخشى على أحبابي من الإخوة والأخوات -خاصةً القائمين على رعاية الأسر وتربيتهم- حينما يقفون بين يدي الله ، وتكون هناك الملامةُ ولاتَ حين مَنْدَمِ.
التربية بالتعزيز
المحاور: الأخ عبدالله من السعودية.
المتصل: السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: مساء الخيرات يا دكتور، الله ينفع بكم ويحفظكم.
المحاور: وبكم حبيبنا، يا مرحبًا.
المتصل: عندي طفلةٌ يا دكتور -الله يسلمك- عمرها سنتان، والحمد لله بيئتنا -إن شاء الله- بيئةٌ فيها التزامٌ، لكن استغربنا أن البنت صارت تُكرر -أعزكم الله- كلمة: يا كلب، يا حمار. فاستغربنا من تلك الكلمات، وقد تكون سمعتها من مكانٍ.
المحاور: لا تقل: قد تكون، بل سمعتها بالتأكيد.
المتصل: لقد جربنا كل الطرق، ولكن ما ندري ما الطريقة المُثلى؟
المحاور: ماذا جربتم أخي عبدالله؟
المتصل: جربنا كلمة: عيب، ما يصلح، وأحيانًا أمها تقرصها، أو تمنعها من الذهاب لمكانٍ ما.
المحاور: لا، أتمنى أن تُجربوا التعزيز، فيمكن أن تضعوا جدولًا عبارةً عن نجومٍ، وكلما حصل في البداية شيءٌ إيجابيٌّ -بمعنى: أنها لم تتلفظ بالألفاظ السيئة- تقولون لها: ما شاء الله، ألفاظك حلوةٌ، هذه نجمةٌ، أو مكافأةٌ ماليةٌ، أو تُكافئونها بشيءٍ تُحبه، ثم بعد ذلك كل ثلاث مرات نجمات، أو خمس مرات، فيتعزز لديها هذا الجانب، فهي تربط بين ما تُحبه من الهدايا، وبين السلوك الإيجابي.
افعلوا هذا أحسن من القرص، وأحسن من قضية الحرمان، وأهل التخصص يُؤكدون على قضية استخدام التعزيز قبل العقاب.
أتمنى منكم أن تُجربوا هذا الأمر، علمًا بأن مثل هذا السن أمره سهلٌ، ولا تقلقوا.
أما ما يتعلق بقضية الألفاظ أخي عبدالله فثق تمامًا أن هذا اللفظ قد اكتسب من خلال بيئةٍ معينةٍ، فانظروا لهذه البيئة؛ لأنها قد تتكرر هذه البيئة عليها: من أقاربها، من مصدرٍ إعلاميٍّ معينٍ، من مدرسةٍ، وما شابه ذلك، فعليكم أن تُصححوا هذه القضية.
تفضل، سؤالك الثاني، الله يحفظك.
المتصل: سؤالٌ ثانٍ الله يُطيل عمرك، ويجزيك عنا خيرًا: عندي بنتٌ في ثاني ثانوي يا دكتور، وهذه البنت مُتميزةٌ -ما شاء الله- بالرسم الجميل، وعندها بعض المواهب، مثل: حب تربية الحيوانات، لكنها لا تُحب الاختلاط بالناس، حتى في الفصل، ولا تُحب المشاركة، وإذا غصبتها الأستاذةُ على القيام تقول: كأني أقتلها. فهي ترفض القيام في الفصل أبدًا، وصديقاتها محدوداتٌ، يمكن واحدة.
المحاور: هل تحضر المناسبات أو ما تحضر؟
المتصل: والله ما تحضر يا دكتور، وإذا شددتُ عليها جدًّا تنزل خفيةً.
المحاور: عندما تحصل مناسبةٌ هل تمتنع تمامًا، أو أنها تحضر لكن يحصل عندها عدم رغبةٍ؟
المتصل: بالنسبة للمناسبات الأسبوعية ما تحضر، فعندنا اجتماعٌ أسبوعيٌّ عند الوالد، فما تنزل، لكن في الأعراس مثلًا ..
المحاور: لا، أنا قصدي: هل تحصل عندها ضربات قلبٍ قويةٌ مثلًا، أو يحصل عندها تعرُّقٌ، أو يحصل عندها ارتعاشٌ، أو يحصل منها نكوصٌ وعدم رغبةٍ في الذهاب، وكأنك ستفعل معها معروفًا إذا سمحت لها بعدم الذهاب؟! من أين نوعٍ؟
المتصل: والله ما سألتها عن مشاعرها.
المحاور: لا، أنت حينما تنظر من خلال مواقفها، هي بالثانوي، فبالتأكيد مرت هذه القضية عدة مرات، هل كانت اجتماعيةً من قبل، أم لم تكن اجتماعيةً؟
المتصل: نحن كنا مستقلين في بيتٍ، وبعد ذلك انتقلنا عند الوالد.
المحاور: هل كانت اجتماعيةً، أم لم تكن اجتماعيةً؟
المتصل: صراحةً ما كنا نُلاحظ يا دكتور.
المحاور: على أية حالٍ سنُجيبك بإذن الله، وجزاك الله خيرًا، وشكرًا لك أخي عبدالله، وشكرًا لجميع المتصلين.
***
حياكم الله أيها الإخوة والأخوات، كنا مع الأخ الكريم عبدالله من السعودية، وسؤاله الثاني حول ابنته التي في المرحلة الثانوية.
لا شك أن الصورة التي ذكرها هي صورةٌ من قبيل ما يُسمى: بالخجل الاجتماعي، وليس من قبيل الرهاب الاجتماعي -إن شاء الله تعالى-؛ لأن الرهاب مستوًى أعلى من قضية الخجل الاجتماعي.
فلذلك وجهة نظري القاصرة في هذا الموضوع وأمثاله: عزِّزوا فيها الجانب الذي تتميز فيه، كالرسم، ومن الواضح أن عندها إشكاليةً في النمط الذوقي، أو ما يُسمى: بالنمط الاجتماعي، على ما في النظريات الشخصية، وهذا تستطيع أن تكتسبه من خلال الممارسة العملية والتَّشجيع، وعدم مُصادمتها قدر المستطاع.
وعليكم أن تُقنعوها بعدم الاستسلام لمثل هذه القضايا، وأجمل ما يكون في أصحاب الخجل الاجتماعي ألا يستسلم لرغبات نفسه، مثل: عدم حضور المناسبات الاجتماعية، وما شابه ذلك، بل عليه أن يقتحم حتى ولو شعر بالضيق.
فعليكم أن تُعززوا مثل هذه القضايا، وأن تذكروا محاسن الشخصية الاجتماعية، لكن لا تتوقعوا منها أن تكون مثل غيرها، علينا أن نكون منطقيين، واقعيين، وأيضًا تحاول أن تُعطي نفسها رسائل إيجابيةً، تحاول أن تُشجع نفسها في هذه القضية.
وقد جربتُ مع أحد طلابي فيما يتعلق بقضية الخجل الاجتماعي، وكان لديه شيءٌ قريبٌ من قضية الخجل الاجتماعي، يعني: أقرب ما يكون إلى الرهاب فيما يتعلق بقضية بعض الأساليب، فأتيتُ به إلى المكتب، وتركته يتكلم، وكان كلامه جميلًا في قضيةٍ معينةٍ هو قام بتحضيرها، فمدحته، وأثنيتُ عليه، فقال لي: أنت تُجاملني! أنت لم تفهم كلامي، لكن تريد أن تُشجعني فقط!
مع أن كلامه كان واضحًا، ويستحق التشجيع، نعم، كانت ضربات القلب واضحةً، والرعشة كانت واضحةً، لكن هذه كلها مظاهر بسبب قضية الخجل.
فأعطيته مجموعةً من المهارات، وكان منها: مهارة الرسائل الإيجابية، يعني: كان يُكررها، ويذكرها، ويكتبها، ويعيش معها، في مقابل الرسائل السلبية، فهو عنده إيحاءٌ نفسيٌّ سلبيٌّ أنه فاشلٌ، أو أنه غير اجتماعيٍّ، ولا يمكن أن يتعدل، فأصبحت عنده رسالةٌ أخرى يُمارسها نقيض هذه الرسالة: أنه -بإذن الله - قادرٌ على أن يكون متحدثًا جيدًا، وأن الناس يفهمونه، أو ما شابه ذلك.
وبهذه الصورة نستطيع أن نُحسن من أوضاع هذا الأمر شيئًا فشيئًا.
لعلنا نكمل فقط المشوار، ونستأذنكم أن نُكمل الأسئلة في حلقاتٍ قادمةٍ -بإذن الله -، ونشكر المُتفاعلين مع (الواتس) في أسئلتهم، ونعدهم ألا نترك شيئًا، بإذن الله .
هل التعليم خاصٌّ بمرحلة الكبار فقط دون الصِّغار؟
فيما يتعلق بالقرآن: متى نعلم؟ هل التعليم خاصٌّ بمرحلة الكبار فقط دون الصغار، أو العكس: صغارٌ دون الكبار؟ هل هو خاصٌّ بسنٍّ معينةٍ؟ أم ماذا؟
لا شك أن التعليم مستمرٌّ مدى الحياة، فحينما نقرأ قول الله : وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [يوسف:76]، وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114]، وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85].
كل هذه الآيات تُؤكد على أن التربية مستمرةٌ طيلة الحياة، والتعليم مستمرٌّ لا ينقطع؛ ولذلك ينبغي التنبه لمثل هذه القضية.
كيف نتعامل مع الطفل العنيد؟
الأخ الذي من إيطاليا له ابنٌ عمره أربع سنواتٍ، يرد الكلام عليه، ويُعانده، إذا قال له أي شيءٍ لا يُنفذه، ولا يسمع الكلام، وعمره أربع سنواتٍ.
على أية حالٍ أنا وجهة نظري: ألا يقلق الآباء كثيرًا فيما يتعلق بمثل هذه المراحل: الطفولة، أنا مُدركٌ أن زرع القيم في هذه المراحل مهمٌّ جدًّا جدًّا جدًّا، ولكن أيضًا لما يأتِ شيءٌ عكسها لا. مثل: موضوع المعلم الذي حمل الكرسي على الطالب وضربه.
فالحركة جزءٌ من بناء الطفل، والنمو الحركي أمرٌ طبيعيٌّ؛ ولذلك وجود العناد في الطفل -يرد هذا الكلام- لا تتصوروا أنه سيمشي على هذه الوتيرة.
فالقضية المهمة التي نحتاجها هنا، والذكاء التربوي الذي نحتاجه في المُربين وفي الآباء: كيف يستطيع الوالدان أن يُدركا السبب؟ ما سبب مثل هذا الأمر؟
دائمًا نُحمّل الطرف الآخر المشكلة، وكأننا نرى أن ذا الأربع سنوات مُدركٌ لهذه القضايا، ونحن عندنا أناسٌ يُعاندون وهم كبارٌ، فكيف لا يُعاند في موقفٍ من المواقف وهو صغيرٌ؟!
أنا هنا لا أُهون، وعلينا أيضًا ألا نُهول هذه القضية.
فأرجع وأقول: العلاقة معهم تُسبب هذا العناد، وقد يكون تجاهله والتغافل عنه حلًّا لهذه القضية، وهذا أسلوبٌ من أساليب الجانب النفسي المتعلق بهذه القضية؛ لأنه قد يُعاند؛ لأنه يريد أن يُحقق شيئًا ما لم يُحقق له، ولا يلزم أن يُحقق له، وليس من الصواب أن يُحقق له كل شيءٍ، فهذه القضية من القضايا المهمة.
وأيضًا نرجع إلى قضية لعبة التعزيز، ولعبة الهدايا، ولعبة الحرمان إذا ما نفعت بما يُحبه، فكل الأشياء في مرحلة الطفولة تأخذ منحاها بصورةٍ كبيرةٍ جدًّا.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعلنا وإياكم مُوفَّقين في تربية أبنائنا وأجيالنا التربية النافعة التي يرضاها الله عنا، وعلى منهج النبي ، هذا النبي المُربي العظيم الذي ربَّى أصحابه خير تربيةٍ.
ونحن نُؤكد -كما أكَّد مَن كانوا معنا من أساتذتنا في لقاءاتٍ سابقةٍ، ومُداخلاتٍ فاضلةٍ، وجزاهم الله خيرًا- على أهمية العودة إلى الوحيين: الكتاب والسنة لتلقي هذه التربية، فمُجتمعاتنا اليوم في أمس الحاجة إلى مَن يُغذيها من خلال منهج القرآن ومنهج السنة في قضية التربية وبناء الإنسان.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وبإذن الله نلتقي وإياكم على خيرٍ في الأسبوع القادم.
والحمد لله رب العالمين.
↑1 | أخرجه أبو داود في "سننه"، برقم (1319)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير" برقم (4697). |
---|---|
↑2 | انظر: "التمثيل والمحاضرة" للثعالبي (76). |
↑3 | أخرجه أبو داود في "سننه": كتاب الصلاة، باب متى يُؤمر الغلام بالصلاة؟ برقم (495)، وحسنه الألباني في "مشكاة المصابيح" برقم (572). |
↑4 | أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (3560)، ومسلم: كتاب الفضائل، باب مُباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام، واختياره من المباح أسهله، وانتقامه لله عند انتهاك حُرماته، برقم (2327). |