المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
حياكم أيها الإخوة والأخوات، مع حلقة جديدة من حلقاتكم، في برنامج "أسس التربية" من قناتكم قناة "زاد" العلمية الفضائية.
ونحن في هذه الحلقة وهي الحلقة الأخيرة من هذه الدورة، على أمل اللقاء بكم في فترات أخرى، بعد شهر رمضان المبارك، إذا كتب الله حياة وتوفيقًا، نسأل الله أن يبلغنا وإياكم الشهر الكريم.
سنخص في هذه الحلقة ونحن ما زلنا معكم: حول التربية من الوحي ومن معين القرآن. وبعد ذلك من معين السنة النبوية، سنخص في الإجابة على الأسئلة التي وردتنا في فترات سابقة من خلال الواتس آب، وكذلك ما نستقبله -بإذن الله - من أسئلتكم في هذا اللقاء.
وسيكون لنا مداخلة كريمة -بإذن الله- مع دكتور وشيخ فاضل، حول التربية الأخلاقية من معين الوحي ونسأل الله العون والتوفيق والسداد.
الجمع بين الواقعية والمثالية
س/ يقول الأخ عبدالإله من أسبانيا: أريد استشارة حول طريقة المعاملة مع ابني، عمره اثنا عشرة سنة، أجد صعوبة في إقناعه بالامتثال لنصائحي حول الدراسة وحفظ القرآن الكريم وشئون البيت.
ج/ نقول أخي الكريم عبدالإله: وفقك الله وأصلح لنا ولك النية والذرية؛ أولى هذه القضايا لا بد أن نكون واقعيين فيما نحن نطلبه، لدينا حالات عدم اهتمام، وهذه حالات مشكلة في الأسر، لكن ليس هذا مقصودي هنا، إنما هناك حالات وهي حالات المبالغة أو المثالية، فالأب الحريص على بعض القضايا يريد أن ابنه يكون في مستوى عالي في هذا الجانب، فهو يريد من ابنه أن ينهي كتاب الله في مرحلة محددة قد تكون أكثر من طاقته.
ولذلك ينبغي أن ننتبه لقضية الواقعية، فنكون واقعيين نجمع بين الواقعية والمثالية، فهي مثالية واقعية وواقعية تحملها المثالية، لكن لا نكون غير واقعيين حتى لو كنا مثاليين، فإذًا لا بد من أن ننظر.
وهذه القضية تحددها خصائص الشخص المقابل من حيث مرحلتهـ هو، طفل، مراهق، إلى آخره، وكذلك الشخص نفسه، قد يكون هو مثله توأم لأخيه، ومع ذلك يختلف في قدرة الذكاء وقدرة الحفظ، وما شابه ذلك.
وأيضًا البيئة المحيطة وما يتعلق بهذا الأمر، فقد يكون مثلًا شابًا مكلفًا بتكاليف معينة، هو يعتبر رب الأسرة، أبوه متوفى، أبوه مسجون، إلى آخره. وعليه تكاليف، فينبغي أن نتنبه لقضية الواقعة، الواقعية هذه قضية مهمة.
الشيء الآخر: أنا أوكد كثيرًا في الإجابات عن مثل هذه القضايا وما يتعلق بها، ما يرتبط بتحسين العلاقات بين الآباء والأبناء ذكورًا وإناثًا، هذا هو المفتاح إنك لن تسع الناس بمالك.
المال مؤثر ومع ذلك لن تسعهم بمالك، إنك تسعهم بحسن خلقك وذلك يبلغ الإنسان بحسن خلقه درجة الصائم القائم[1]أخرجه أبو داود في سننه (4798) وقال محققه: حديث صحيح لغيره. نسأل الله أن يبلغنا وإياكم هذه الدرجات في تعاملنا مع زوجاتنا ومع أبنائنا ومع أهلينا ومع المسلمين، بل حتى مع الناس أجمعين، حسن الخلق لا يعدله شيء أيها الإخوة، بعد الإيمان وبعد العقيدة الصحيحة.
الأمر الثاني: لا تقتصر على التوجيه المباشر أخي الكريم؛ بمعنى: أنه افعل واحفظ وقم بهذا الأمر، لا؛ لا؛ استخدم أساليب غير مباشرة، استخدم أسلوب القصة أخي الكريم التي فيها معاني يحتاجها ابنك الذي عنده شيء من الكسل، أو عدم الاستجابة السريعة، استخدم أسلوب المثال، استخدم أسلوب القدوة، إلى غير ذلك من الأساليب غير المباشرة التي قد تكون، بل هي كذلك أكثر تأثيرًا كما دلت الدراسات على هذا وهي من طبيعة النفس البشرية من الأسلوب المباشر.
وقد ذكر حبيبنا الدكتور: عبدالخاطر رحمه الله في كتابه الجميل الذي أنصح بقراءته ورسالته الرائعة التي أنصح الجميع بقراءتها وهي موجودة على الشبكة العنكبوتية على النت بعنوان: "فن التعامل مع الناس" وذكر أمورًا يحبها الناس، وأمورًا يكرهها الناس، وتحدث عن الأمور التي يحبها الناس ويكرهها الناس الأسوياء عمومًا، بغض النظر عن جنسهم وعن ديانتهم وعن بلدانهم وعن فقرهم وعن غناهم إلى آخره، فالناس مما يحبونه يحبون التوجيه غير المباشر أكثر من التوجيه المباشر.
الأمر الآخر أخي عبدالإله: احرص على قضية التعزيز خاصة في سن مثل سن ابنك وإن كان التعزيز حتى للكبار أيها الإخوة والله التعزيز مهم جدًا ومن خلال ما ألحظه حقيقة، أن الأسر يكاد يضعف عندها كثيرًا موضوع التعزيز والتشجيع، قد تجد الأب أو الأم في وقت المشكلة حاضرًا أما في وقت الإنجاز غير حاضر.
أقصد لا يعزز وإنما يعاقب وقد يكون عقابه سليم في موطن العقاب، لكنه للأسف ينسى قضية التعزيز في موطن الإنجاز، وهذه قضية مهمة جدًا، فاحرص على ذلك خاصة في مثل هذه المرحلة ألا وهي مرحلة الطفولة أو مثل عمر ابنك الثاني أو اثنا عشر سنة.
أيضًا الصبر والتحمل قضية مهمة جدًا وقضية مشوار، التربية أيها الإخوة تحتاج إلى قناعات، تحتاج إلى تجارب ومحاولة والخطأ فيها كما تسمى في نظرية نفسية في هذا الجانب وما يتعلق بالتعلم بالمحاولة والخطأ، أن الإنسان يحاول ويخطئ، ثم يحاول وينظر، ثم يجرب، هذه قضية تحتاج إلى تحمل وصبر حقيقة.
إذا لم نصبر أيها الإخوة والأخوات على أبنائنا في تربيتهم وتوجيههم ونحكم عليهم أحكامًا سريعة، أو ربما نمل ونرفع أيدينا من تربيتهم في قضية ما، فهي قضية ليست حقيقة جيدة حينما نكون كذلك.
ينبغي التحمل والصبر مما يتصف به الناس العقلاء، فإن لم يكن المربون هم كذلك فمن سيكون؟!
إذا جمعنا هذه القضايا أخي عبدالإله: الواقعية، حسن العلاقة، ألا نقتصر على التوجيه المباشر، بل نحرص على التوجيه غير المباشر مع التعزيز والصبر والتحمل، أظن والله تعالى أعلم -بإذن الله- تستطيع أن تحل مشكلة ابنك -بإذن الله -.
أهمية الأمن النفسي
س/ هذه سائلة أيضًا قد سألت عبر الواتس آب، تقول: عندي مشكلة مع ابني أنه كثير العناد، ما تعرف تقول: ماذا أفعل معه؟ تقول: وأحاول ألا أكون قاسية معه، بل أكون مشفقة عليه، أبوه ليس موجودًا في غالب الوقت، ينشغل في الخارج، يأتي مرة فقط في الأسبوع، كيف؟ تقول: أفعل مع هذا الابن من أجل أنه ما يشعر بالنقص؟ عمره أربع سنوات وتصرفاته صارت أكثر عنادًا لما خلفت أختًا له وصرت ألاحظ أنه صار يتأتئ في الكلام؟
ج/ هذه قضية تحتاج انتباه كبير من الآباء والأمهات، ألا وهي ما يتعلق بقضية الأمن النفسي، قضية مهمة جدًا، ابنكم هذا ذو الأربع سنوات يحتاج إلى أمن نفسي وإلى حنان، هذه قضية مهمة جدًا.
الأب بعيد، الأم موجودة، لكن عليها ثقل كذلك، ربما أنها لديها الدلال له وهي حريصة ألا تقسو عليه، مع أن هناك شيء اسمه حزم غير القسوة، لكنه يعني المقصود أنها تحاول أن تلبي رغباته، عنيد، لفتت النظر في سؤالها حقيقة إلى الأخت الجديدة التي جاءت وهذه قضية تحصل، ولا نستغرب منها حينما يحصل هذا الجانب بعض الأحيان بسبب أنه هناك اهتمام جديد حصل من الأم لهذه الابنة الجديدة، وبدأ هذا الاهتمام يكون على حساب الابن الأول الذي تسأل هي عنه.
فهو يريد أن يعوض النقص الذي لديه، يلفت نظر الأم إليه وما شابه ذلك، لذلك لما قال النبي : اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم[2]أخرجه البخاري (2587). أو كما قال عليه الصلاة والسلام، هذه قضية مهمة جدًا.
فينتبه الآباء أو الأمهات وبالذات الأمهات فيما يتعلق بقضية العدل قدر المستطاع، نعم لن نستطيع أن نجعل الاهتمام للابن الأول لما لم يكن إلا هو في ذاك الوقت، مثل الاهتمام لما أصبح له أخت أو أصبح له أخ.
لكن نحتاج الانتباه حين نضم نقبل البنت الجديدة أو الأخت الجديدة، نقبله هو وما شابه ذلك، نحاول أن نعطيه حنان أكثر، نحضنه نلاعبه وما شابه ذلك، فقضية العناد قد يكون هذا هو سببها، من حيث عدم شعوره بالأمن النفسي والحنان فأعطوه مزيدًا من قضية الحنان والأمن النفسي.
لا عنف في التربية
هذا سائل يقول: بأن التربية أساس تكوين الفرد، سؤالي هو متى نلجأ للعنف لتقويم سلوك خاطئ عند أبنائنا؟ ويقول أيضًا: وما مدى العنف المسموح به؟ وأيضًا يقول في سؤاله: وإذا ما استجاب لي ولدي وبقي يكرر الخطأ بالرغم من العقاب والتهديد لدرجة أنني أيأس من التقويم، ماذا أفعل؟
ج/ حقيقة أيها الأخ الكريم؛ أو الأخت الكريمة؛ الأب أو الأم؛ أيها المربون؛ أيتها المربيات؛ انتبهوا، فقضية هذه الألفاظ أنا سآخذها على ظاهرها، لا عنف في التربية، لا يجوز أن تمارس العنف وأكدنا هذه القضية بشكل كبير جدًا: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159]
هم لن يستجيبوا لكَ ولن يستجيبوا لكِ ولن يستجيبوا لنا، إذا كنا عنيفين وكنا قساة والله لا يجعل في العنف خيرًا بحال من الأحوال: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه[3]أخرجه مسلم (2594)..
والناس والنفوس البشرية تحب الذين يعاملونهم بحسنى ورفق، فلا عنف، هذه الألفاظ التي وردت في السؤال تعطي دلالة أن هناك شيء من الضرب، من التهديد، من الكلمات الجارحة، إلى آخره.
نعم للحزم الذي هو متعلق بقضية القيام بالمبادئ ووجود نظام والتزامات مع الود، ذكرنا عن هذه القضية كثيرًا وذكرنا قصة النبي مع ابنته فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، لما كانت تدخل فيقوم النبي إليها ويقبلها ويأخذ بيدها ويرحب بها ويجلسها عن يمينه أو عن شماله [4]أخرجه مسلم (2450). وهو نفسه الذي يقول: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها[5]أخرجه البخاري (3475) ومسلم (1688)..
وأخيرًا لا بد أخي الكريم أختي الكريمة من تنويع الأساليب ما نفع الأسلوب المعين، اتجهوا إلى أساليب أخرى وقلنا لكم: كتاب مهم جدًا اسمه "أساليب نبوية في التعامل مع أخطاء الناس" للشيخ: محمد المنجد، وموجود على النت، وممكن أن يستفاد منه بارك الله فيكم، فذكر عشرات الأساليب، وبعضنا قد لا يقوم إلا بأسلوب أو أسلوبين، ثم يرفع يده عن التربية.
اتق الله حيثما كنت
معنا الآن مداخلة كريمة مع ضيف كريم فضيلة الشيخ الدكتور: محمد بن إبراهيم الحمد أستاذ العقيدة في جامعة القصيم، أهلا وسهلًا بالشيخ: محمد.
المتصل: حياكم الله يا دكتور، حياكم الله وحيا الله الإخوة المشاهدين والأخوات المشاهدات.
المحاور: يا مرحبًا بكم وجزاكم الله خيرًا، أتحفتونا بمشاركتكم في برنامج "أسس التربية" ونحن معكم بارك الله فيكم حول التربية الأخلاقية، شيخنا الكريم من الوحيين الكتاب والسنة، نماذج بارك الله فيكم وتوجيهات وأنتم جزاكم الله خيرًا لكم رصيد من الكتابات والمشاركات الإعلامية والمحاضرات والرسائل اللطيفة المتعلقة بالسلوكيات والقضايا الأخلاقية، فتفضلوا بارك الله فيكم.
المتصل: حياكم الله ولا مزيد على كلامكم، ولعل مما يناسب في هذا المقام: أن يذكر حديث عظيم يحفظه أبناء المسلمين وبناتهم منذ الصغر، حديث قال عنه العلماء: هو من الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، حديث جمع حق الله وحق الناس، هذا الحديث العظيم الذي اعتنى به العلماء حتى إن ابن رجب في شرحه "جامع العلوم والحكم" شرحه بثلاث وستين صفحة مع أنه يتكون من ثلاث جمل، وشرحه شيخ الإسلام ابن تيمية.
المحاور: شيخ محمد إذا تأذن لنا بارك الله فيك يبدو أن فيه إشكالية في الخط الذي لديكم ونرغب بالاتصال بكم مرة أخرى، جزاكم الله خيرًا، بارك الله فيكم.
المتصل: نعم
المحاور: تأذنون لنا جزاكم الله خيرًا؛ لأن هناك تشويش بسيط جزاكم الله خير.
أيها الإخوة والأخوات نخرج إلى فاصل ونعود إليكم -بإذن الله- فمرحبًا بكم وأهلًا، حياكم الله أيها الإخوة والأخوات وعودًا حميدًا.
ونعود إلى ضيفنا الكريم الدكتور: محمد الحمد حياكم الله يا دكتور: محمد ومعذرة منكم، تفضلوا بارك الله فيكم.
المتصل: أقول مما يناسب في هذا المقام أن يذكر حديث عظيم من الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، حديث يحفظه المسلمون صغارهم وكبارهم، وقد جمع هذا الحديث حق الله وحق الناس، هذا الحديث يتكون من ثلاث جمل، ومع ذلك اعتنى العلماء والشراح فيه، حتى إن ابن رجب شرحه بثلاث وستين صفحة، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية شرحه في المجلد العاشر من "مجموع الفتاوى" وكذلك العلامة التونسي محمد الطاهر بن عاشور شرح هذا الحديث.
هذا الحديث جمع مكارم الأخلاق وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام عندما أوصى معاذًا عندما أرسله إلى اليمن قاضيًا ومفتيًا وحاكمًا، قال له: اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن[6]أخرجه أحمد في مسنده (21354) وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (5083)..
هذا الحديث العظيم هو تفسير لآية في القرآن جمعت مكارم الأخلاق وهي قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] هذه الآية قال عنها العلامة الشنقيطي: إنها علاج لشياطين الإنس[7]العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير، للشنقيطي (2/150)..
والتي بعدها علاج لشياطين الجن: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ [الأعراف: 200]
قال المفسرون: إن هذا المعنى في القرآن في ثلاث آيات؛ في آية الأعراف الآنفة الذكر.
وفي آية المؤمنون: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [المؤمنون: 96-98]
وفي فصلت: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا ومَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت: 34-35]
فإذًا الإنسان إذا أخذ بهذا الأدب وخالق الناس بالخلق الحسن وأخذ بأدب القرآن وأخذ بما صفا وحلا من أخلاق الناس وترك ما تعسر من أخلاقهم، كما قال الحكيم: اقبل من الناس ما تيسر ودع من الناس ما تعسر، فإنما الناس من زجاج إن لم ترفق به تكسر.
ولهذا لما نزلت هذه الآية خُذِ الْعَفْوَ [الأعراف: 199] قال: سأل النبي عليه الصلاة والسلام جبريل، فقال: أمهلني أسأل، ثم قال: إن الله يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك[8]أخرجه الطبري في تفسيره (15548). هذا هو جماع مكارم الأخلاق. نعم.
المحاور: جزاك الله خيرًا يا دكتور وبارك الله فيكم.
قضية الأخلاق الآن والتربية عليها يذكر العديد أن الجانب النظري فيها بين وواضح لا شك في كتاب الله وسنة النبي يبقى المحك عند الأسر في تربية أبنائها وفي البيئات التربوية بين المربين والمتربين ما يتعلق بالتدريب على مثل قضية هذه الأخلاق، هل لكم من توجيه في هذا بارك الله فيكم إن تيسر؟
المتصل: نعم إذا وجد الجانب النظري الصحيح لا شك أن هذه هي القاعدة والأساس، لكن تبقى التربية على مثل هذه الأخلاق، تكون من قبل المعلمين ومن قبل الآباء ومن قبل المجالس، مجالس الآباء ومجالس الأكابر، هي المدارس، ولذلك كانت مجالسهم قبل الإسلام وحتى بعد الإسلام، كانت مجالسهم مجالس الأكابر ومجالس الرؤساء، لا أقصد الرؤساء فقط، الرئيس الملك والأمير لا إنما المجالس رياسة القوم، هذه المجالس يتعلم منها الأدب ولذلك زهير لما أثنى على أهل الأدب قال:
وفيهم مقامات حسان وجوهها | وأندية ينتابها القول والفعل |
وإن جئتهم ألفيت حول بيوتهم | مجالس قد يشفى بأحلامها الجهل |
على مكثريهم حق من يعتريهم | وعند المقلين السماحة والبذل |
سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم | فلم يفعلوا ولم يليموا ولم يألوا |
فما كان من خير أتوه فإنما | توارثه أباء آبائهم قبل |
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه | وتغرس إلا في منابتها النخل[9]العمدة في محاسن الشعر وآدابه، للقيرواني (2/134). |
وكذلك الأحنف بن قيس وهو سيد من سادات الحلم يقول: كنا نختلف إلى مجلس قيس بن عاصم المنقري التميمي نتعلم منه الحلم كما نتعلم العلم من الفقهاء[10]العفو والاعتذار، لابن دريد (2/544)..
ولهذا ألف الشيخ الطاهر بن عاشور رسالة لطيفة اسمها: "مجلس رسول الله " وبين من عظم هذا المجلس: أنه لا تسن فلتاته ولا تؤذن به الحرم وهذا المجلس مجلس بر ومجلس أمن ومجلس طمأنينة، بحيث الذي يجلس فيه لا يخشى إذا أخطأ.
ولذلك يستشهدون بقول وداك بن ثميل:
وأحلام عاد لا يخاف جليسهم | وإن نطقوا العوراء غرب لسان |
إذا حدثوا لم يخش سوء استماعهم | وإن حدثوا أدوا بحسن بيان[11]الحماسة البصرية، لأبي الحسن البصري (1/153). |
هذه المجالس يتعلم منها الحلم ويتعلم الأدب ويتعلم كيف يستقبل الضيوف؟ ويتعلم كيف يودعون؟ ويتعلم كيف يتغاضى عن الكلمة التي تقال من قصد ومن غير قصد؟
هذه المجالس حري أن تحي بحيث إذا جلس الأطفال يعلمون: انظر كيف يتصرف فلان؟ كيف يحيي الناس؟ كيف يقابلهم؟ كيف يبتسم؟
وكذلك المعلم في قاعة الدرس يعلمهم مثل هذه الأخلاق ووسائل الإعلام أيضًا لها الدور والقدح المعلا؛ لأنها التي تربي وتعلم من إذا أصبحت القدوات يتكلمون ويبينون ويذكرون القصص ويذكرون الأمثال التي توحي بمثل هذه الأخلاق.
وأيضًا حري بكل مشهور وبكل من له شعبية أو له مكانة عند الناس أن ينتبه لما يقول من كلمات ولما يتصرف من تصرفات؛ لأنها توحي من طرف خفي إلى كل من يسمعها بأن يقتدي بهذا ولهذا يقولون: الصاحب ساحب والطبع سراق.
أهمية القدوة في اكتساب الأخلاق والتربية عليها
المحاور: إذًا يا دكتور: محمد القدوة قضية مهمة جدًا بالنسبة لقضية اكتساب الأخلاق والتربية عليها؟
المتصل: إي نعم هي من الأسباب وأيضًا أن يعلم الإنسان أن الأخلاق تكتسب، يعني الأخلاق كما هو مقرر لديكم، منها ما هو جبلي فطري يولد مع الإنسان وأيضًا منها ما هو اكتسابي.
ولذلك الله قال: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس: 1] أقسم أحد عشر قسمًا على قوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس: 9] دليل على أن الأخلاق تتغير: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد: 11] وإنما الحلم بالتحلم وإنما العلم بالتعلم[12] أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (2663) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2326)..
وأيضًا يقول في الحديث الصحيح: ومن يتصبر يعني يحتاج إلى مجاهدة يصبره الله[13]أخرجه البخاري (1469) ومسلم (1053)..
المحاور: إذًا أجيالنا أبناؤنا يحتاجون إلى الكبار للاستفادة منهم في هذا الجانب من خلال حكمتهم ودلهم وسيرتهم وأخلاقهم.
المتصل: ما في شك، يتعلمون من الكبار ويقتبسون منهم ولذلك يجب على الكبار أن يعلموا أن هؤلاء يقتدون بهم شاءوا أم أبوا، فهذا يجعلهم ينتبهون لأنفسهم حتى إذا قبس منهم اكتسبوا الأجر، وأيضًا أجيالهم أصبحت تتوارث هذه المعاني العظيمة.
المحاور: يا شيخ: محمد أنت تذكرني بالمقولة المشهورة: نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم[14]مدارج السالكين، لابن القيم (2/356). هل توافق على هذا؟
المتصل: نعم هذه كلمة لابن المبارك رحمه الله، الناس يحتاجون إلى الأدب؛ لأن الأدب والذوق إذا سما في مجتمع هم أحوج من رقي الذوق ورقي الأدب أحوج من رقي العلم وحتى من رقي العقل إذا خلا من الأدب، فبالأدب تحفظ الحقوق ويتجنب الكلمات الساقطة، فإذا حفظت الحقوق؛ قلت المشكلات وإذا قلت المشكلات تطورت المجتمعات، أما إذا انشغلوا ببنيات الطريق، وبالقيل والقال، وبالمعارك الصغيرة، ولم يتغاضى بعضهم عن بعض ولم يحفظ صغيرهم حق كبيرهم، ولم يرحم كبيرهم صغيرهم، إذا كان كذا هذا من قلة الأدب
أما إذا شاع الأدب في مجتمع؛ شاع فيه الأمن والطمأنينة، وشاعت الرحمة وهذا سبب لنزول البركات، وأيضًا سبب لأن يتفرغ الناس للإبداع، أما إذا انشغلوا بأمور صغيرة بالقيل والقال وبالتعصب الأعمى المقيت فلا شك أن هذا سبب من أسباب التخلف.
المحاور: بارك الله فيكم يا شيخ محمد وشكر الله لكم هذه المداخلة الطيبة وأسأل الله أن يبارك فيما ذكرتم، وأن يعيننا وإياكم وأجيالنا وأبناءنا على هذه التربية الأخلاقية التي يحبها الله ، وعلى طريقة النبي شكرًا لكم يا شيخ محمد.
المتصل: شكر الله لك يا دكتور: خالد وبارك الله فيك.
المحاور: وفيكم جزاكم الله عنا خيرًا وبارك الله فيكم.
كان معنا الشيخ الدكتور محمد بن إبراهيم الحمد أستاذ العقيدة بجامعة القصيم، وإنني والله أوصي في القضايا التربوية الأسرية والاستفادة من كتب الشيخ محمد جميعها فهي من الكتب المهمة جدًا في التربية الأخلاقية والسلوكية، بارك الله فيه وفيما كتب ووفقه لكل خير، نكمل بعض الأسئلة التي وردتنا أيضًا في الواتس آب.
أساليب معينة على التربية
س/ هذا سائل يقول: ما هو أفضل سبيل لجعل أبنائنا كما نريد ويريد الله ؟
ج/ لا بد أن يكون الذي نريده هو فعلًا يريده الله عز وجل هذه قضية أساسية ابتداء، ونحن سنفترض هذا الافتراض؛ لأن هذه قضية مهمة جدًا وهذا من توفيق الله للمربين، أن الذي يريدونه هو مراد الله .
أولًا: الدعاء يا أخي الكريم أختي الكريمة، أيها المربون أيها الآباء، أيتها الأمهات عليكم بالدعاء للأبناء، عليكم بالدعاء للمتربين، فالدعاء سلاح ينبغي الحقيقة ألا نزهد به البتة.
إذا كنا نهتم أيها الإخوة والأخوات، أيها المربون والمربيات، في محاضن التربية الأسرية أو في غيرها من المحاضن التربوية: نهتم جدًا بالوسائل والأساليب التي لها أثرها، لكن قد ننسى المسبب وهو الله .
لا بد أن نجعل لنا من ذلك وقتًا وعناية واهتمام، فما أجمل من أن يرفع الأب أو الأم اليدين ويسألان الله أن يصلح الأبناء.
وما أجمل أن يرفع المعلم يده حينما يسأل الله أن يصلح تلميذه، كم نحن في أمس الحاجة إلى مثل ذلك، وهذه من المعالم الحقيقة رقي المربي وبالذات إذا كان المربي بعيدًا عن اللحمة المتعلقة بالعلاقة النسبية يعني كونه ليس أبًا أو ليست أمًا، وإنما معلم ومعلمة ومربي ومربية، لا شك أن القضية هذه أدعى.
القضية الثانية: القدوة، لنكن قدوة لأجيالنا على مراد الله سيكونون مثلنا، لذلك يقولون: كن قدوة؛ يكن ما تريد، كن قدوة فيما تقوله وما تريده في الأجيال؛ يكن الجيل على ما تريد، فلا بد أولًا أن نكون نحن قدوة في ذلك.
بيئة الأصدقاء من البيئات المهمة جدًا، ينبغي الانتباه لها؛ لأنها بيئة مؤثرة بشكل كبير جدًا، حاجة نفسية اسمها حاجة الانتماء إلى الأصدقاء.
لذلك من النجاح التربوي هو ما مستوى نجاحنا مع أبنائنا في الانتقاء السليم للأصدقاء ذكورًا وإناثًا، خاصة مع الأصدقاء الافتراضيين اليوم الذين أصبحوا هم السواد الأعظم من خلال التعامل عبر التقنية.
يصبح له صديق، تصبح له صديقة عبر التقنية، لكنهم لم يلتقوا أبدًا من هذا الصديق، من تلك الصديقة، قضية مهمة جدًا، فلا بد أن نتنبه لذلك.
أيضًا من القضايا المعينة على ذلك مراعاة خصائص المرحلة، فإذا أردنا أن نؤثر وأن نجعلهم على رضا الله ننظر إلى المرحلة وخصائصها، حتى نستطيع من خلال تلكم الخصائص أن نؤثر فيهم ونجعلهم متعبدون لله .
التحالف مع المربين
س/ هذه سائلة تقول: لدي ابن عمره اثنا عشرة سنة، المشكلة أنه يجمع الصلاة في آخر النهار ويصليها كلها، وأنا دائمًا أقول له: تعالى إلى الصلاة إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء: 103] ولكن لا أجد رد، فماذا على أن أفعل؟
ج/ يعني لا بد أن نعرف ما سبب هذا الفعل؟ مهم جدًا أن نعرف ما هو سبب هذا الفعل؟ يعني هل هناك صوارف لموضوع الصلاة؟ هل هناك أشياء الابن منجذب إليها تجعله لا يصلي، وهذا يحصل، ولذلك وجود نظام مهم لضبط هذه القضية، هل هناك أصدقاء سوء -كما أشرنا قبل قليل مثلًا حول الأصدقاء وأهميتهم- وهذه قضية خطيرة وخطيرة جدًا.
هل القضية تصور أن الصلاة هذه من أحب أن يصلي يصلي ومن أحب ألا يصلي لا يصلي؟ كما في بعض البيئات، خاصة الذين ابتلوا بتربية أبنائهم في مدارس أجنبية؟ أو في بلاد غير مسلمة وما شابه ذلك، هذه قضية مهمة جدًا.
ومن الأشياء المعينة في هذا الجانب: التحالف مع المربين، يعني على الأب أو الأم أن يعقدوا تحالفًا مع المربين، يعني المعلم المربي المربية إمام المسجد إلى آخره يكون في تحالف معهم.
يعني مثلًا يكون الكلام عن المعلم بحكم أنه موجود الابن ويدرس كمثال، فيكون المعلم مساعدًا أو المعلمة مساعدة على حسب الجنس مساعد أو مساعدة في قضية التأثير فيما يتعلق بقضية الصلاة، يعني لما يذكر حديث الرؤية التي رآها النبي : الذي رأى ملكان، فقال: انطلق انطلق إلى آخره، فكان منها مثلًا ما رآه النبي عن الذين يعذبون في قبورهم بسبب ماذا؟ يعذبون بسبب نومهم عن الصلاة المكتوبة[15]أخرجه البخاري (1143). فكيف بمن يترك الصلاة؟ فهذا يحرك المشاعر من خلال الوعيد.
معنا اتصال من الأخ أحمد من السعودية، حياك الله يا أخ أحمد.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: جزاك الله خيرًا يا شيخ.
المحاور: مرحبًا ألف حياك الله تفضل يا شيخ.
المتصل: الله يسلمك، والله عندي استفسارين أو سؤالين ممكن يدخل في الموضوع أو خارج الموضوع.
السؤال الأول: في الفترة الماضية كلامك جميل وصحيح يا شيخ عن التربية والقدوة الحسنة، ولكن نحتاج مع القدوة الحسنة والتربية هذه: إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن[16]مجموع الفتاوى، لابن تيمية (11/416).نلاحظ المدارس اليوم والشوارع وفيه كثير من الأماكن تصرفات خاصة المعلمين يعانون من الطلاب، ومهما قلت من التربية والكلام الجميل الحسن، لكن هناك ألفاظ من الطلاب تخرج المدرس عن طوره، أيضًا لو تعمل أنظمة تحمي المدرس من هذه التصرفات.
أيضًا في الشوارع نرى بعض المارة يرمي العلب الفارغة والأكياس وليس هناك أي رادع لهم، لو تطبق العقوبات الفورية، ممكن يكون هناك تطبيق، لكن ضعيف.
المحاور: الأخ أحمد هل أنت معلم؟
المتصل: نعم.
المحاور: واضح أنك معلم وأنك تعاني، أعانك الله يا شيخ.
طيب سؤالك الثاني يا شيخ أحمد.
المتصل: طيب السؤال الثاني: انصراف الشباب والنساء خاصة للموضة ممكن تكون هذه البضاعة وهذا الثوب جميلًا وجديدًا، ولكن يفضلون الموضة، كل سنة موضة جديدة، يعني مهما كان لازم الموضة الجديدة واتجاه الشباب والفتيات إلى الموضة جزاكم الله خيرًا.
المحاور: بارك الله فيك أخي الكريم، أسئلة جميلة ورائعة، وأسأل الله يقدرنا أن نعلق عليها ونكون قد استفدنا من أسئلتك وتعليقاتك في ثنايا أسئلتك جزاك الله خيرًا ونعود إليك -إن شاء الله- يا أخ أحمد.
من أسباب التذبذب: الحساسية والعاطفة والمشاكل
الأخت أم أسامة من الجزائر.
المتصلة: السلام عليكم. يا شيخ.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصلة: يا شيخ عندي ابني عمره واحد وعشرين وما أفهمه تصرفاته متذبذبة تارة، الحمد لله هو دائمًا يواظب على الصلوات، لكن تارة يكون عنيفًا، يصرخ ويعصي وتارة يكون هادئًا ومطيعًا والحمد لله، فما أعرف لماذا؟
المحاور: يصرخ من غير سبب؟
المتصلة: لا، عندما أتكلم معه وأطلب منه أن يعمل أشغالًا يرفض تمامًا ويصرخ والصلوات في بعض الأحيان غالبًا كان يصليها كلها في المسجد، بعدها يصليها في البيت، يتهاون بعدها فترة، بعدها يعود إلى الأعمال الحميدة، ما فهمت، ما هو ثابت على تصرفات، ما هو ثابت!
المحاور: من متى لاحظتي عليه مثل هذا التذبذب؟
المتصلة: تقريبًا منذ شهرين أو ثلاثة أشهر، الحقيقة زادت المشاكل.
المحاور: قبل ذلك كانت أموره طيبة؟
المتصلة: لا، هذه التصرفات ازدادت في الآونة الأخيرة.
المحاور: أقصد من قبل كانت أموره كذلك أم هذا شيء جديد؟
المتصلة: لا، نفس الشيء.
المحاور: من متى؟ من وهو صغير؟
المتصلة: هو عنده طبيعة أنه يتأثر كثيرًا بالآخرين، مثلًا عنده أصحاب جدد مؤخرًا، صاحب جاء من أمريكا ربما قلت هو السبب، لكن لا أعرف.
المحاور: يعني هل هو حساس، عاطفته حساسة جدًا؟
المتصلة: حساس جدًا، وعاطفي جدًا، أنا أعرف بأنه عاطفي، لكنه لا يريد أن يظهر هذه العاطفة.
المحاور: يصلي في المسجد؟
المتصلة: الحمد لله يصلي، لكن الآن ليست كل الصلوات، قبل شهرين كان يصلي حتى الفجر في المسجد، لم يترك حتى الآن صلاته.
المحاور: هل حاورتيه وتناقشتي معه أختي أم أسامة؟
المتصلة: نعم حاورته وهو يقول لي: بأنه سبب المشاكل التي بيني وبين أبيه، وأنه كاره المعيشة.
المحاور: بينه وبين من؟ بينه وبين أبيه.
المتصلة: بيني وبين أبيه.
المحاور: هل أبوه قاسي عليه أو كيف؟
المتصلة: لا، ليس موجودًا تمامًا، لكن عندما يتكلم معه؛ يصرخ أو يسب أو يشتم، وفي بعض الأحيان الحمد لله ما ينفعل.
المحاور: يعني الوالد يأتي للبيت أو لا يأتي؟
المتصلة: يأتي، لكن في الليل، الواحدة، الثانية عشرة ويصرف علينا الحمد لله، لكن لا نجيد لغة الحوار.
المحاور: يدرس؟
المتصلة: يدرس هذا العام البكالوريا، وبالمناسبة أطلب منك يا شيخ أن تدعو له بالنجاح في هذا العام.
المحاور: وناجح في دراسته أم لا؟
المتصلة: متوسط، الحمد لله.
المحاور: طيب -إن شاء الله- جزاك الله خيرًا يا أم أسامة، شكرًا لك، أسأل الله أن يحفظ هذا الابن.
ولكن قبل أن ننسى نريد أن نعلق على موضوع الأخت أم أسامة، أيها الإخوة البعد من الآباء عن الأبناء، مثل بُعد هذا الأب -هداه الله- عن ابنه، ناهيك عن قضية أنه لا يجيد الحوار، لا شك أن هذا يؤثر في النفسية.
والذي أقوله لأم أسامة: تحملي ابنك، وكوني قريبة منه، عوضي النقص، صحيح أن هذا جزء كبير من مسؤولية الأب، لكن إذا لم يقم الأب بالمسئولية عليك أنت أن تكوني قريبة منه ولصيقة بخ، وتعوضي قدر المستطاع قضية النقص، وتدعين الله أن يلطف به.
ما يتعلق بقضية التذبذب قد يكون جانب الحساسية والعاطفة مع وجود المشاكل فعلًا هو صادق فيها، لكن ليس هذا الكلام هو الطريق السليم، وإنما عليك أن تحاولي أن تشغليه بالدراسة، بشيء إيجابي، بعمل تطوعي قدر ما يستطيع أن يكون له شأن في الحي، شأن في الأسرة، شأن في المسجد إن أمكن، ما دام أنه يحب الصلاة ومحافظ عليها الحمد لله، وأيضًا تزوجوه إذا أمكن، وأن يقيم أسرة إذا كانت الظروف مناسبة.
وقبل هذا وبعده وبعد توفيق الله إذا أمكنك أن تقنعي الزوج أن يراجع نفسه فيما يتعلق بتعامله مع الابن فهذا أمر حسن وطيب، إذا وجد شيء، يعني غير طبيعي وبشكل واضح وبين ومستمر، فيحتاج إلى عرض إلى جانب استشاري من خلال لقاءات ومقابلات حتى يتم التشخيص بصورة أدق -بإذن الله -.
التربية على المضامين لا على الشكليات
أخونا أحمد جزاه الله خيرًا لما يتحدث عن قضية الموضة وما يرتبط بها، هو لا شك أخي أحمد أن هذه القضية بلاء موجود، لكن لا يجوز الاستسلام له، فهناك أناس ناجحون فيما يتعلق بقضية هذه الدنيا باليد، وليست في القلوب، وهذا بناء على ما ربى الآباء الأبناء عليه حقيقة.
وأيضًا قدر ما يستطاع التربية على ما يتعلق بحقيقة هذه الدنيا في مقابل الآخرة والتربية الإيمانية، وأيضًا التربية على المضامين لا على الشكليات، كل هذه أشياء مؤثرة، مع ملاحظة أن فيه طبيعة في النفس البشرية، يعني مثلًا الشباب الذكور مثلًا عندهم حاجة يسمونها الحاجة إلى الجمال، هذه موجودة عند الذكور ومن باب أولى عند النساء.
لكن هذا الجمال من حيث أنه يلبس الحسن وإلى آخره قد يتجاوز الحد إلى شيء غير مناسب من ناحية إنفاق المال وقد يتجاوز الحد فيما يتعلق بقضية الحرام كمثال، وهكذا بالنسبة للنساء بصورة أكثر وضوحًا، الله يقول عنهن: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف: 18]
يعني الذي ينشأ في الحلية على القول الراجح عند المفسرين: هي المرأة التي تحب الجمال وتحب التزين[17]تفسير القرآن، للسمعاني (5/95). طيب لماذا ترهق نفسها وترهق غيرها في مثل هذه المصروفات وهذه الموضة ومتابعتها ومن موضة إلى موضة؟
لذلك ينبغي أن يكون عندنا ثقافة أن هذه الدنيا ما هي إلا لذة، لا تساوي عند الله جناح بعوضة ونحن منهمكين فيها بصورة كبيرة جدًا.
ينبغي ألا يتأتى هذا إلا من خلال التعلق بالله ، والتعلق باليوم الآخر، والتعلق بالقضايا الإيمانية قدر المستطاع، وأيضًا رؤية القدوة أمامهم.
حينما يرون الأب والأم غير منهمكين، نعم لك أن تلبس الثوب الحسن والله جميل يحب الجمال[18]أخرجه مسلم (91). لم نقل غير ذلك، ولكن لا تكون القضية فيها إسراف وتبذير وقد نهينا عن مثل هذا الشيء، ونهينا عن الوقوف عند الشكليات وقد تكون هذه الشكليات أيضًا غير مرهقة من الناحية المالية، وما شابه ذلك، قد تكون فيها مخالفات شرعية.
ما ذكره الأخ الكريم حول الطلاب وما يتعلق بهم، نعم أنا معك أخي الكريم، أنا لم أنكر ما يتعلق بالقضية الأخرى، وهذا جزء من قضية النظام، الحزم، صحيح أن أكثر نقاشنا حول الحزم والنظام المتعلق بقضية الأسرة، وهو حزم ونظام أسري، لكن لا شك أن النظام المجتمعي، النظام المؤسسي، نظام الدولة وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن[19]مجموع الفتاوى، لابن تيمية (11/416). لا شك أن هذا مؤثر ومؤثر جدًا وأنا أوافق على ذلك.
لكن أنا لا أوافقك على بعض العبارات مثلًا قضية أن الجانب المتعلق بالتربية وأهميتها والكلام الجميل، والكلام الحلو -كما تقول- أو شيء من هذا القبيل، هذا مهم، أنا سأقول: افترض أن الشارع لن يساعدك على التربية، وأن المدرسة التي اخترتها هي أفضل مدرسة وفيها ما فيها، وإلى آخره.
أنا أذكر أن أحد الأشخاص مررنا عليه في قضيته أنه يخشى أن ابنه يذهب إلى المسجد حتى لا تنتابه، أو ينحرف من خلال أصدقاء السوء الموجودين في نفس الحي، وما شابه ذلك.
تصل القضية إلى هذا المستوى إلى هذا المستوى، خاصة عند الأمهات إذا كان أزواجهم مثلًا متوفيين أو أنهم في السجن وما شابه ذلك أو بعيدين أو إلى آخره.
فالقضايا هذه أصبحت قضية تؤكد موضوع التربية داخل الأسرة، أنا أريد أن أوكد على التربية الذاتية، نحن نربي أنفسنا بأنفسنا، وأننا نوجد أناسًا فعلًا أقوياء في تربيتهم لذواتهم وأيضًا التربية التي نملكها المجتمعية من خلال الأسرة والنظام، وكذلك لا ننكر أبدًا أن المدرسة المنضبطة غير المدرسة غير المنضبطة.
أنا لو استشرت سأقول: يذهب إلى مدرسة منضبطة، ولا يذهب إلى مدرسة غير منضبطة، وهذه لها نماذج، عندنا نماذج في هذا وفي غيره، لكن لا بد أن نقول: أنها كلها بلا شك مؤثرة على قضية التربية.
أهمية خصائص المرحلة العمرية في التربية
معنا الأخ بندر من السعودية، تفضل أخي بندر.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: أمسي عليك يا شيخ خالد.
المحاور: حياك الله حبيبنا يا مرحبًا، لو تعجل؛ لأن عندنا أسئلة متبقية في الواتس آب وهذه آخر حلقة نريد أن نجيب عليها، تفضل يا شيخ بندر.
المتصل: الله يعطيك العافية والله أنا عندي الولد الأول -الله يعافيه- الآن عنده ثمانية أشهر، وكلامكم الطيب يدعو الإنسان كي يفكر في التربية، وهذا الآن في مثل سنه ما المطلوب مني جزاك الله خيرًا؟
المحاور: ثمانية أشهر؟
المتصل: نعم، صغير الآن، ما الذي أعجله من الآن؟
المحاور: طيب جزاك الله خيرًا، سؤال جيد، هذا مهم جدًا أن تطلع يا أخي الكريم على قضية خصائص المرحلة العمرية، وما يتعلق بمثل هذه المرحلة في كتب علم نفس، النمو فيما يرتبط بالذات في النمو الحركي، الجانب الحركي والعضوي، هذا مهم جدًا بالنسبة لهذه المرحلة، يعني غذاؤه، أكله وقضية الحركة بالنسبة إليه، اللعب بالنسبة إليه، الجانب النفسي المرتبط بقضية احتضانه، وشعوره بالأمن النفسي، وما شابه ذلك وأيضًا يتعود على بعض الكلمات وبعض الألفاظ الطيبة، وما شابه ذلك، لا شك أنها من الأشياء المعينة والمساعدة.
وتجد هذا الكلام في كتب "علم نفس المراحل العمرية" للدكتور: عمر المفدى، أو غيرها من الكتب المشهورة في علم نفس، النمو ككتاب الدكتور: حامد زهران وغيره، ويمكن أن تأخذ المرحلة المتعلقة بالسنتين الأوليتين، مرحلة الرضاع وتجد فيها ما يتعلق ببعض الخصائص فيما يتعلق بالانفعالية، والخصائص المتعلقة بالجانب الاجتماعي، والعقلية حتى والعضوية والحركية، وإن كانت تظهر بعض هذه الخصائص أكثر كما قلنا في العضوي، وفي الجانب الحركي اللعب وما شابه ذلك من أمور.
طيب نحن نريد أن نجيب على باقي أسئلة الواتس آب الموجودة عندنا، ويعذرونا الإخوان في الكنترول إذا كان ممكن؛ لأن الوقت يبدو أنه يحتاج إلى أن ننتهي قدر المستطاع بما لدينا.
سألنا السؤال المتعلق بالصلاة وقلنا: ما يتعلق بقضية التحالف مع مربين حتى يساعدوا ابنكم صاحب الاثني عشر سنة، في قضية الصلاة تشجيعه، وما يرتبط بالتعزيز، وسبق أن أشرنا إليها الدعاء له، وأكدنا على هذه القضية، ما أجمل أن يدعو الإنسان لابنه كما يدعو له حينما يصاب بمرض بأن يشفيه الله تعالى، بأن يدعو الله تعالى بأن يهديه للصلاة وأن يكون من الناس المحافظين على الصلاة
ودعاء الإنسان لولده من الأمور المستجابة حينما نتحين الوقت المناسب، والوضع المناسب أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل: 62]
كما قلنا: الأصدقاء والبحث عن هذه القضية بشكل كبير جدًا؛ لأن الصاحب ساحب، وينبغي أنه يكون الذي معه ليسوا من أصحاب لعب الكرة والانشغال بالألعاب الالكترونية وإلى آخره، ووقت الصلاة يضيعونها، حتى لو أنهم لعبوا وقاموا ببعض الأشياء التي يحبونها وهي أشياء طيبة وما شابه ذلك أنهم يحترمون الوقت ويذهبون إلى المسجد لأداء الصلاة.
تربية الأبناء تبدأ من قبل الزواج
س/ هل تربية الأبناء تبتدئ من فترة الحمل، أو من سبع سنين وجزاكم الله خيرًا؟
ج/ هذا الأخ من المملكة المغربية، نقول: بل هي قبل الحمل وقبل الزواج، قبل الحمل وقبل الزواج حتى من خلال انتقاء الزوج الصالح والزوجة الصالحة، يعني وتخير النطف الحقيقة وهذه مهمة جدًا إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه[20]أخرجه الترمذي في سننه (1085) وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (3090). تنكح المرأة لأربع ثم قال: فاظفر بذات الدين تربت يداك[21]أخرجه البخاري (5090) ومسلم (1466). هذه قضية مهمة جدًا.
ثم بعد ذلك كل سن بما يناسبه فيما يتعلق بخصائص النمو، فالتربية شاملة أيها الأخوة ومستمرة ومتكاملة، نعم مهم جدًا، أن هناك دراسات تدل على أثر بعض الأشياء التي وقت الحمل على الجنين نفسه، وما يتعلق بهذا الجانب، ولذلك ينبغي أن نعتني بالتربية الشاملة والمستمرة المتكاملة الغذائية والصحية والنفسية وما شابه ذلك من أمور.
الفائز هو الأقوى في التأثير
س/ يقول: إذا أنا أقيم في بلاد الغرب وأنا أب لطفلين وأجد قلق من ناحية تربيتهم في المدرسة والشارع يربي من جهة والأب يعلم تعاليم الدين الإسلامي من جهة أخرى، يقول: من الفائز؟ هل هو الأب أم الشارع أم المدرسة؟ يقول فأنا: حائر بين العودة إلى وطني أو المكوث في بلاد الكفر خوفا من ضياع أطفالي؟
وهل الله سيحاسبني على ذلك، أفيدوني.. إلى آخره. أخونا أبو عمران من أسبانيا.
ج/ أقول لك أخي الكريم وأنا أجيب هنا إجابة تربوية حقيقة: الفائز هو الأقوى في التأثير، أنت أو المدرسة والشارع في بلاد الكفر والله المستعان، الفائز هو الأقوى في التأثير.
أخي نعم، عد إلى بلادك ما دمت تستطيع أن تعود بارك الله فيك، وهذه القضية أتكلم من الناحية التربوية، أما الشرعية فكلام العلماء واضح وبين، ولك أن تسأل فيه أهل الشريعة.
وأقول لكم: هنا قضية تردني أسئلة فيها بعض الجوانب الشرعية، وبعض الأسئلة تأتي بالخطأ جوانب شرعية باستفتاء ويجلس الواحد ربما وقت من الزمن.
هناك موقع رائع جدًا يشرف عليه الشيخ: محمد المنجد -وفقه الله- ومن خلال هذه المجموعة المباركة التي أنشئت هذه القناة وهو موقع الإسلام سؤال وجواب islamqa وهذا موقع رائع جدًا، وهذا ربما وصل إلى سبعة عشر لغة، أو شيء من هذا القبيل -ما شاء الله تبارك الله- أو قريب من ذلك، وبمجرد ما تدخل سؤالك الذي تريد تجد مجموعة من الأسئلة القريبة من سؤالك وإجابات العلماء السابقين والمعاصرين عليها بارك الله فيكم.
أهمية المدارس الخاصة في بلاد الغرب
س/ نحن نقيم في بلجيكا، نربي في البيت ولكن المشكل في خارج البيت، مثلًا عندما تذهب البنات إلى المدرسة فإنهم مرغمون على نزع الحجاب والاختلاط.
ج/ سبحان الله! كما قلت لكم، هي معاناة شديدة في هذا الجانب أعانكم الله، أقول: شق من هذا السؤال فقهي، وشق تربوي، وسبق التأكيد على قضيتين في الشق الثاني التربوي: وهو العناية بمزيد من التربية في البيت ومدارس خاصة.
يعني لا بد أن يوجد مدارس خاصة غير المدارس التي هم فيها، وكذلك البيت يعتني بقضية التربية وتعويض النقص.
والثاني: السلامة من هذه المدارس ما أمكن، أما العودة من هذه البلاد فهذا لا شك أنه خير لكم إن كنتم تستطيعون، فارجعوا.
س/ السلام عليكم. أقيم مع أسرتي في كندا وأرغب في المغادرة وأحتاج نصائح واستشارات وبديل مناسب للخروج إليها، علمًا بأن العمل متوفر في بلد آخر، لكن أود أن أضع أسرتي في بلد إسلامي، لاحظوا الأسئلة نفس الأسئلة المتعلقة بهذه القضية، فيه معاناة شديدة عند أصحاب القيم وأصحاب التربية الإسلامية في بلاد الكفر، بلا هناك معاناة، إذًا هذه المعاناة في بعض بلاد المسلمين، وفي بعض البلاد العربية، فكيف ببلاد الكفر؟ نسأل الله العافية والسلامة والمظهر والله المستعان، نريد الرد على النواحي الشرعية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية؟
ج/ على أية حال أخي هذا من السودان سأرد على الجانب ما يتعلق بالجانب الاجتماعي والجانب التربوي وقد ذكرت قبل قليل الإجابات، وارجع إلى بلدك خير لك أخي الكريم ولأسرتك يا أخي الكريم.
س/ أبي يغضب بسرعة، ماذا أفعل إذا غضب علي؟
ج/ أقول أخي الكريم: ابتعد عن مواطن استثارة الغضب عند أبيك، انتبه للقضية هذه، حتى لا يغضب، أنت تعرف أن والدك إذا لم تقم بتلبية الطلب في الوقت المحدد سيستثير غضبه، إذا التزم، التزم بهذه القضية، يعلم إذا دخلت عليه بهيئة معينة يغضب، اترك القضية هذه، اعرف مواطن استثارة الغضب لدى والدك، وهذا من برك بوالدك ومن إحسانك إليه، إذًا عليك أن تبتعد عن مواطن استثارة الغضب عند والدك حتى لا يغضب، لكن لو حصل غضب؛ الزم الهدوء قدر المستطاع، أخي الكريم أنت تتكلم مع أب والأب له وضع خاص الحقيقة وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء: 23]
انتبه، بل أنا أقول: طأطئ رأسك عندما يغضب والدك وأشعره بالتأسف، وحتى لو لم تكن أنت السبب، حتى يهدأ، ثم قم فقبل رأسه، أنت ستفعل هذا الأمر من باب أنك محسن لأبيك، كيف لا تكون بارًا به، ستكون بارًا به بلا شك.
إذًا إياك أن تكون سببًا في غضبه قبل أن يغضب، وإياك أن تكون سببًا في زيادة غضبه بعد أن يغضب، فالزم الابتعاد عن ذلك والهدوء عند غضبه.
أما ما يتعلق بالأب، فكما وجهنا النصح للابن وجزاه الله خيرًا، هذا الابن الذي يسأل هذا السؤال، نقول: حتى الأب، أيها الآباء، أيها الأب الكريم، عليك أن تضبط انفعالك، النبي لما سئل: أوصني، فقال : لا تغضب[22]أخرجه البخاري (6116). وكررها عليه الصلاة والسلام.
قضية: لا تغضب هذا شعار لا بد أن يكون، لما يقال: لا تغضب ليس معناه أن الإنسان لا يوجد داخله مؤشرات الانفعال للغضب، لا، هناك غضب، لكن القضية ليست عدم وجود الغضب، إنما ضبط هذا الانفعال، ولذلك ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب[23]أخرجه البخاري (6114) ومسلم (2609). أو كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، فقضية ضبط النفس عند الغضب مهارة مهمة جدًّا يا أخي الكريم.
أن نقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم عندما نشعر بقضية الغضب، حينما نكون واقفين أن نجلس، حينما نكون جالسين أن نضطجع، نذهب نتوضأ، تبرد هذه قضية عندنا، إذا حزبنا هذا الأمر نذهب نصلي، نغير مكاننا بأي طريقة من الطرق، نعطي أنفسنا ثواني للتفكير قبل أن ندخل في معمعة آثار هذا الغضب وما يتعلق بذلك.
هذه قضية، وما يتعلق بموضوع الانفعالات من القضايا المهمة، لعل في دورات قادمة إذا الله كتب لنا ولكم الحياة واستمر هذا البرنامج على خير وتوفيق، يعني: أن يكون هناك -إن شاء الله تعالى- كلام أكثر وضوحًا وتفسيرًا حول قضايا الانفعالات، وقضايا ما يتعلق بالدوافع، وغير ذلك من الأمور.
هذه أيها الإخوة والأخوات إطلالة سريعة حول ما ذكره الإخوة والأخوات في أسئلتهم عبر الواتس آب، والحمد لله أننا قد أتينا إلى آخر سؤال، ونحن في آخر دقيقة من هذه الحلقة الأخيرة من هذه الدورة.
أسأل الله أيها الإخوة والأخوات بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يعيننا وإياكم على أن نكون مربين ومتربين على مراد الله .
وما أجمل أن يكون المربي متربيًا كذلك، وأن تكون المربية متربية، فهو مربي لغيره، متربي من غيره، وهذه مهمة جدًا أن الإنسان يشعر أنه بحاجة من يستفيد منه، فيتربى إلى آخر رمق في هذه الحياة.
وكذلك أنه يربي ويؤثر وحينما يخرج أجيال من عندنا قد تتلمذوا على أيدينا وتربوا على أيدينا ويعملون من الخيرات بسببنا؛ فنحن نكون على خير عظيم.
أسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذلك وأن يوفقنا وإياكم للتربية الناجحة الصالحة وأن يبلغنا وإياكم الشهر المبارك الكريم.
وأن يكون مصدرًا لتربية أجيالنا وأسرنا على أمور عظيمة من الصبر والتحمل، ومن ضبط النفس، وضبط الانفعال والقيام بالطاعات والقرب من الله ، والتربية الإيمانية والتربية الأخلاقية.
وكل هذا الكلام ربما لو رجعتم إلى قناة محدثكم في اليوتيوب ستجدون مواد عديدة حول قضية التربية من خلال شهر رمضان المبارك.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد وتحياتي لكم
والحمد لله رب العالمين.
↑1 | أخرجه أبو داود في سننه (4798) وقال محققه: حديث صحيح لغيره. |
---|---|
↑2 | أخرجه البخاري (2587). |
↑3 | أخرجه مسلم (2594). |
↑4 | أخرجه مسلم (2450). |
↑5 | أخرجه البخاري (3475) ومسلم (1688). |
↑6 | أخرجه أحمد في مسنده (21354) وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (5083). |
↑7 | العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير، للشنقيطي (2/150). |
↑8 | أخرجه الطبري في تفسيره (15548). |
↑9 | العمدة في محاسن الشعر وآدابه، للقيرواني (2/134). |
↑10 | العفو والاعتذار، لابن دريد (2/544). |
↑11 | الحماسة البصرية، لأبي الحسن البصري (1/153). |
↑12 | أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (2663) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2326). |
↑13 | أخرجه البخاري (1469) ومسلم (1053). |
↑14 | مدارج السالكين، لابن القيم (2/356). |
↑15 | أخرجه البخاري (1143). |
↑16 | مجموع الفتاوى، لابن تيمية (11/416). |
↑17 | تفسير القرآن، للسمعاني (5/95). |
↑18 | أخرجه مسلم (91). |
↑19 | مجموع الفتاوى، لابن تيمية (11/416). |
↑20 | أخرجه الترمذي في سننه (1085) وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (3090). |
↑21 | أخرجه البخاري (5090) ومسلم (1466). |
↑22 | أخرجه البخاري (6116). |
↑23 | أخرجه البخاري (6114) ومسلم (2609). |