المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات مع حلقةٍ جديدةٍ من حلقات برنامجكم الأسبوعي: "أسس التربية" في هذه الدورة المباركة الجديدة بعد انقطاعٍ، نسأل الله أن يبارك، وأن ينفع بهذا البرنامج وبهذه القناة، اللهم آمين.
سنتناول -بإذن الله - في هذا اللقاء موضوعًا بالغ الأهمية، وهو موضوع: المربي الفعال.
وبادئ ذي بدءٍ نعتذر عما قد وصل لبعضكم من أن محاضرة اليوم بعنوان: "التربية والوقاية في القرآن"، ونعدكم أن هذا العنوان باقٍ -بإذن الله - بمشاركة ضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور: طارق الفارس -حفظه الله وشفاه-، فلعل هذا يكون قريبًا، بإذنه .
كثيرٌ من البلاد العربية والإسلامية في هذه الفترة بدأت عامها الدراسي الجديد بعد انقطاعٍ متفاوتٍ في الإجازات الصيفية، وحينما نتحدث عن المربي الفعال فنحن نتحدث عن الذي يبني الأجيال، ونتحدث عن الذين يُنتظر منهم أن يكونوا لبناتٍ في بناء تلكم الأجيال التي تنتظرها المجتمعات، إنه المعلم والمعلمة، بل الأب والأم كذلك.
ولذلك لما نتحدث عن قضية المربي الفعال أيها الإخوة والأخوات فنحن نتحدث عن بيئتين ومحضنين تربويين مهمين: التربية الأسرية، وكذلك البيئة التعليمية: المدرسة، والجامعة.
دعونا نبدأ هذه الحلقة، وربما تتلوها حلقاتٌ أخرى حول ما يتعلق بالمربي الفعال، ونتمنى أن تكون هناك مشاركاتٌ من بعض الإخوة والأخوات الذين وفَّقهم الله إلى الإجادة في التأثير والتربية: إما في الأسرة من أمٍّ أو أبٍ، أو في المدرسة والجامعة من معلمٍ أو معلمةٍ.
فيا حبذا لو حصل في هذه الحلقة والحلقات القادمة أن تكون هناك مشاركاتٌ من عددٍ من البلاد الإسلامية والعربية، أو الذين هم في بلاد الغربة يُشاركونا تجاربهم، وجزاهم الله عنا خيرًا.
ستكون -بإذن الله - معنا مُداخلتان في هذه الحلقة: مداخلة من أحد الأساتذة في التعليم العالي في الجامعة، وأستاذ آخر في المرحلة الابتدائية، وسندرك شيئًا مما سنتحدث عنه فيما يتعلق بقضية المربي الفعال، بعد أن أدركنا ماذا نقصد بالمربي الفعال؟ وخاصةً -كما قلت- في البيئة التعليمية والبيئة الأسرية، وهي أهم ما يكون في هذا الأمر.
وإن كنا تحدثنا كما قلنا واخترنا هذا الموضوع بحكم بداية العام الدراسي الجديد؛ لأن أبناءنا يُمضون ساعاتٍ ليست قليلةً: ست ساعات، أو سبع ساعات، أو ثماني ساعات مع المعلمين، وكذلك بالنسبة للبنات مع المعلمات، وما شابه ذلك.
ونحن في أمس الحاجة إلى أن ندرك: كيف نكون مربين ناجحين في أسرنا، وفي بيئاتنا التعليمية؟ وكيف تكون الأخوات مُربيات ناجحات في أسرهن، وفي البيئات التعليمية؟
وإن كانت التربية على ما سبق في لقاءات الدورة الأولى حول "أسس التربية"، وتعريف التربية، وأن التربية لا تنحصر فقط في هاتين البيئتين، فالتربية شاملةٌ، وتدخل في بيئاتٍ عديدةٍ، لكن سنُركز على هاتين البيئتين؛ لأنهما أهم البيئات التي نحن في أمس الحاجة إلى الوقوف عندها.
قاعدة التبادل في العلاقات
أولى القضايا التي سنتحاور فيها ونتحدث عنها: ما يتعلق ببعض القواعد المهمة، ومن المهم إدراكها بالنسبة للمربي الفعال والمربية الفعالة.
وأولى هذه القواعد: قاعدة التبادل في العلاقات، فالمربي الفعال والمربية الفعالة من المهم جدًّا أن تكون لديهم قدرةٌ على التبادل في العلاقات، فما الذي يحصل من إشكالٍ في مثل هذه القضايا؟
يأتي المعلم، وتأتي المعلمة، ويأتي الأب، وتأتي الأم، ويطالبون الطرف الآخر: الابن، أو البنت، أو الطالب، أو الطالبة بأشياء من حقوق المربين: كآباء، وكمعلمين -ذكورًا وإناثًا-، لكن ينسون أنهم كذلك ينبغي أن يُبادلوا هذه القضية من قبلهم هم.
فلا يمكن أن تكون العملية التربوية -أيها الإخوة- ناجحةً أو المربي ناجحًا إذا كان المصدر في العلاقة من طرفٍ واحدٍ، لا بد أن تكون متبادلةً من طرفين، وتكون لدى المربي القدرة على أن يُبادل تلكم العلاقات، حتى لو كان مع مَن هو أقل منه علمًا، وأقل منه سنًّا، وما شابه ذلك.
فالأب يبادل العلاقات مع أبنائه، والمعلم يبادل العلاقات مع تلاميذه، فكما أنهم يُسلمون عليه يُسلم عليهم، وكما أنهم يبتسمون له يبتسم لهم، وكما أنهم يُشاركونه التعزيز يُشاركهم التعزيز، ... إلى آخره.
فالتبادل في العلاقات قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، وهي من القواعد التي يحتاجها المعلم المربي حتى يكون مُؤثرًا في المتربي، وإلا سيشتكي الأبناء، فبعض الأبناء يشتكون في الاستشارات، يقول أحدهم: والله نحن قدمنا الذي علينا ونحاول، لكن ما نجد من الطرف الآخر -للأسف الشديد- أي تفاعلٍ!
وهذه قضيةٌ خطيرةٌ جدًّا ينبغي أن يتنبه لها في البيئات الأسرية، والبيئات التعليمية: شكوى أبنائنا في مرحلة الطفولة، ومراحل المراهقة المختلفة: المبكرة، والمتوسطة، والمتأخرة، وفي المراحل المتوسطة والثانوية والجامعية، يشتكون من أنهم لا يجدون التفاعل من الطرف الآخر، وهذا خطيرٌ من مُرَبٍّ لا يتفاعل مع المتربي الذي يريد أن يؤثر فيه، ونحن نريد أن نبني المتربي، ونريد أن نبني الابن، والبنت، والطالب، والطالبة، ونريد أن نرفع من مكانتهم: فكرًا، ومشاعر، ومهاراتٍ، ولكن الطرف الذي يُنتظر منه أن يكون مؤثرًا في هذه الجوانب هو طرفٌ سلبيٌّ، ليس قادرًا على التبادل في العلاقات.
هذه قضيةٌ من القضايا الخطيرة جدًّا جدًّا، ولعلنا نسمع -بإذن الله- في بعض الاتصالات ما شابه ذلك، يعني: مجالًا أكبر، بإذن الله .
قاعدة الحقوق والواجبات
نأخذ القاعدة الثانية: ما يتعلق بقضية الحقوق والواجبات، وهي أيضًا من القواعد المهمة جدًّا في التواصل مع المجتمع، خاصةً أنني أجد فيما يرد من مشكلاتٍ واستفساراتٍ واستشاراتٍ ... إلى آخره أن هناك ميزانًا غير مضبوطٍ في قضية الحقوق والواجبات خاصةً بين الزوجين: من عدم توافقٍ، ومشكلاتٍ، وضياعٍ في الحقوق والواجبات من طرفٍ أو من الطرفين معًا، وكذلك ما يحصل في قضية الآباء مع الأبناء: إما بتقصير طرفٍ، أو بتقصير الطرفين كليهما؛ فتضيع الحقوق، وتضيع الواجبات، وهكذا بالنسبة للبيئات التعليمية بين المعلمين والطلاب، ذكورًا وإناثًا.
ما المشكلة هنا؟
أنا لي حقوقٌ على الآخرين ينبغي أن يقوموا بها ويُلبوها لي، وكذلك عليَّ واجبٌ تجاه الآخرين، فلي حقوقٌ، وللزوجة حقوقٌ، ولي حقوقٌ، وللأبناء حقوقٌ، ولي حقوقٌ، وللطلاب حقوقٌ.
فحقوقي واجبةٌ على زوجتي، وواجبةٌ على أبنائي، وواجبةٌ على طلابي، وحقوق الزوجة وحقوق الأبناء وحقوق الطلاب واجبةٌ عليَّ.
والذي يحصل في هذه القضية وفي هذه القاعدة من إشكالاتٍ واضطرابٍ في البوصلة سببه هو عدم معرفة الحقوق والواجبات.
ولذلك في بعض المؤسسات يهتمون جدًّا بإبراز حقوق الطالب والواجبات التي عليه، خاصةً في البيئات التي فيها تنظيمٌ وتخطيطٌ: كالمدارس، والجامعات، والأندية الثقافية، والتربوية، ... إلى آخره، فمن المهم جدًّا أن يضعوا هذه القضية نصب أعينهم؛ حتى يُدرك الإنسان ما له، وما عليه، ما له على الآخرين، وما عليه للآخرين.
وفي الأسرة لا مانع أبدًا أن يكون هناك اتِّفاقٌ، ويوضع شيءٌ واضحٌ وبيِّنٌ، وربما يُكتب، فيرى البعض أن مثل هذه الأشياء قد تُكتب داخل الأسرة بشكلٍ مُبسطٍ وواضحٍ وبيِّنٍ.
إذن لا بد أن نعرف الحقوق التي لنا، والواجبات التي علينا، وحينما تضيع هذه المعرفة وهذه الثقافة يحصل إشكالٌ، فهذا يدَّعي أن هذا حقٌّ له، وهو ليس حقًّا له، وتلك تدعي أن هذا حقٌّ لها، وهو ليس حقًّا لها، وهكذا تضيع.
ويأتي الابن ويقول: المفروض أن أبي يفعل كذا، والبنت تقول: المفروض أن أمي تفعل كذا، والطالب يقول: المفترض أن المعلم يفعل كذا، فهو يرى أنه مفروضٌ عليه، ويجب أن يفعله، ولكنه ليس حقًّا له، وليس من المفروض على الطرف الآخر أن يفعله.
مثلًا: لو أخذنا قضيةً من القضايا، ولا نريد أن ندخل في التفريعات وما يتعلق بهذه القضية، لكن يحصل ادِّعاءٌ بأن هذا حقٌّ لي: أن زوجتي تُطيعني، ولا تعصيني، وتسمع كلامي، ولا تُبدي رأيها. هذا عند بعض الأزواج، وهذا ليس حقًّا.
نعم، تُطيعك في أمر الله ، ولا تعصيك في أمر الله ، ولكن لا تَسمع لها رأيًا! ولا تُسمع رأيها لك! ولا ينبغي لها أن تتكلم فيما يتعلق بالقضايا البيتية كما يرى بعض الأزواج! هذا أبدًا، هذا من حقها، فمن حقها أن تُبدي رأيها، ومن حق الطالب أن يُبدي رأيه ويستدرك على المعلم بأدبٍ واحترامٍ، ومن حق الابن أن يُبدي رأيه.
فحينما يقال: لا، ليس من حقهم، هؤلاء صغارٌ، هؤلاء أبناء، هذه زوجةٌ، ولو أعطيناهم فرصةً انقلبوا علينا، وتمردوا علينا، ... إلى آخره. وهكذا يقول المعلم عن الطلاب، وهنا تصبح القضية شائكةً جدًّا، لماذا؟
لأنه أصبحت هناك ادِّعاءاتٌ لحقوقٍ هي ليست من الحقوق بمكانٍ أبدًا، والقضايا الشرعية في هذا من المهم جدًّا إدراكها وفهمها، ونحن نعرف مثلًا الحقوق والواجبات من خلال أدبيات الشريعة في الكتاب والسنة وكلام العلماء، وما شابه ذلك، ونعرفها كذلك من خلال عُرف الناس وما يتعلق بالحياة الواقعية والاجتماعية، وما شابه ذلك.
أضرب لكم مثالًا: هل يجب على الزوج أن يأتي بخادمٍ للزوجة والبيت؟
العلماء والفقهاء ناقشوا هذه القضايا في كتب الفقه، وهل الخادم الأول والخادمة الأولى مثل الخادمة الثانية؟ وما شابه ذلك.
فهناك قضايا ينبغي أن نعود إليها ونسأل عنها؛ حتى نعرف حقوقنا، ونعرف الواجبات التي علينا.
إذن لا بد هنا من إدراك الحقوق وإدراك الواجبات؛ حتى لا تغيب عنا تلكم الحقوق وتلكم الواجبات، فندَّعيها ونهضم الآخرين حقوقهم.
من الإشكالات أيضًا في هذا الجانب وفي هذه القاعدة المهمة: أن الإنسان ربما أدرك الحقوق والواجبات، لكن -للأسف الشديد- النفوس البشرية بعضها يضعف؛ لأنها تريد أن تُحقق حقوقها، فتهتم بحقوقها على حساب حقوق الآخرين، فتجد المربي -الأب أو المعلم- غير ناجحٍ وغير مؤثرٍ؛ لأن دائرة التفكير عنده: ما الذي لي؟ ولا يُفكر: ما الذي عليه؟
المعلم أو المعلمة اللذان يخرجان من البيت إلى المدرسة، أو إلى الجامعة، ويكون في ذهنهما أول ما يكون: ما الواجب الذي عليَّ تجاه الطلاب؟ ليسا مثل المعلم أو المعلمة اللذين يخرجان من البيت إلى المدرسة وإلى الجامعة وقضيتهما الأولى: ما الواجب الذي على الآخرين تجاهي؟
هناك فرقٌ بين المعادلتين، وفرقٌ بين النفسيتين؛ ولذلك تجدون -على سبيل المثال- في المجتمعات وفي اللقاءات يحصل تذمرٌ من القرارات من الوزارات، ومن أطرافٍ أخرى، ومن كذا، ومن كذا، ومن كذا، وتجد القضية كلها: أننا ما حصلنا حقوقنا، ضُيِّعت حقوقنا، راحت حقوقنا، ... إلى آخره.
وما نقف عند نقد ما يتعلق بالواجب الذي علينا: هل قمنا به أم لا؟
لك حقٌّ أن تُطالب بحقوقك، ولي حقٌّ أن أطالب بحقوقي، بل ينبغي أن تُربى الأم وتُربى الأجيال على أن تطالب بحقوقها، فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
فليس معنى هذا الكلام ألا نُطالب بحقوقنا، بل نطالب بحقوقنا بأدبٍ وحكمةٍ، ولكن لا ننسى الواجب الذي علينا، فالواجب الذي علينا يكون ألزم فيما يظهر من الحق الذي لنا، فالحق الذي لنا يمكن أن نتنازل عنه، فأنا لي حقٌّ على فلان، أخطأ في حقي، لكن يمكن أن أتنازل عنه، أما الواجب الذي عليَّ تجاه فلان فلا يمكن أن أتنازل عنه، إذا تنازل عنه هو فهذا أمرٌ آخر.
إذن نحتاج أن نتنبه لمثل هذه القضية، والمعلم أو المربي الفعال والمُربية الفعالة هم الذين يضعون نصب أعينهم الواجب الذي عليهم قبل أن يضعوا الحق الذي لهم.
الأصل في الأم القرار في البيت
معنا اتصالٌ من الأخ محمد من السعودية.
تفضل أخي محمد.
المتصل: السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام أخي محمد، تفضل.
المتصل: لو سمحت يا شيخ، أريد أن أسألك عن تربية الأطفال اليوم: هل هناك طريقةٌ بحيث نجعل الأطفال يهتمون بالدراسة أكثر من اللعب؛ لأنهم أطفالٌ، فلا يمكن أن يستغنوا عن اللعب نهائيًّا، لكن نرى أن اللعب سيطر على أذهانهم أكثر من موضوع الدراسة؟
المحاور: أخي محمد، هل يمكن أن أسألك سؤالًا؟ أنت عندك أطفالٌ؟
المتصل: نعم، عندي واحدٌ، والحمد لله.
المحاور: الله يحفظه، في المدرسة الابتدائية؟
المتصل: نعم في الابتدائية.
المحاور: هل عندكم نظامٌ داخل الأسرة فيما يتعلق بقضية استخدام الألعاب، وما يتعلق بالوقت، وما يتعلق بالقضايا التي تشغل عن الدراسة؟ هل لها وقتٌ مُحددٌ في البيت، أو أنها متروكةٌ دون نظامٍ في البيت، والأمور تسير على رغبة الطفل؟
المتصل: والله الأنظمة موجودةٌ، ولكن التطبيق صعبٌ، فأنت تعرف أن أكثر الرجال أوقات الدوام تمنعهم من الاجتماع الأسري إلا في أوقات الإجازة الأسبوعية.
المحاور: ولكن الأم موجودةٌ في البيت، أليس كذلك؟
المتصل: الأم موجودةٌ، ولكنها تعمل.
المحاور: طيب، أجيبك، بإذن الله، الله يحفظك.
المتصل: الله يجزيك خيرًا.
المحاور: حياك الله أخي محمد.
على أية حالٍ ما ذكره يُعطيك إشارةً للقضية المشكلة التي تحصل عند كثيرٍ من الأسر، وهي ما يتعلق بانشغال الأب والأم عن الأبناء في البيت، فهذه قضيةٌ مشكلةٌ أيها الإخوة والأخوات، ونحتاج إلى أن نتنبه لها؛ ولذلك إذا كان بالإمكان أن تُضحي الأم بوظيفتها وتبقى في البيت؛ لأن الأصل فيها القرار في البيت، فالأصل أن الأم مدرسةٌ، فهي التي تُربي الأجيال، هذا هو الأولى.
أنا أذكر أنني مرةً استُشرت في هذه القضية، تقول التي تستشير: أنا راتبي جيدٌ، وراتب زوجي جيدٌ، ولا نحتاج إلى راتبين، والأبناء يضيعون.
فقلت لها بلا ترددٍ: اتركي وظيفتك، وتفرغي لأبنائك، فالتربية أهم من الوظيفة، لكن بعض الناس قد يحتاج إلى المال وما شابه ذلك.
فمن المهم جدًّا ضبط هذه القضية داخل البيت، ووجود القُرب، خاصةً من الأم مع الابن، إذا كان بالإمكان أن تترك الوظيفة.
أما ما يتعلق بالوسائل: استخدموا ما يتعلق بوسيلة التعزيز والتشجيع والهدايا العينية والهدايا المادية بالنسبة للطفل؛ لأن أغلب ما يؤثر في الأطفال هو هذه القضية المتعلقة بقضايا التعزيز والثواب والأشياء التي يُحبها ويميل إليها، بحيث يُنجز دروسه وينضبط في هذه القضية.
ويُعطى كذلك جدولًا فيه نجومٌ بألوانٍ معينةٍ، كلما جمع خمسة نجومٍ بعدما يُنجز عدة إنجازاتٍ يُعطى مكافأةً معينةً يُحبها.
ولعلك أخي محمد ترجع لاستماع مادةٍ بعنوان: "بين التعزيز والعقاب" لمحدّثك في قناتي في (اليوتيوب) تجد مجموعةً من القضايا المتعلقة بهذا الموضوع، بإذن الله تعالى.
إدراك المعلم للرسالة المنوطة به
معنا مداخلةٌ من الأستاذ عبدالرحمن السعدي، الأستاذ في جامعة البترول والمعادن.
حياك الله يا أستاذ عبدالرحمن.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، يا مرحبًا.
أخ عبدالرحمن، جزاك الله خيرًا، اطلعت على ما غردت به الليلة بداية الدراسة في حسابك في (تويتر) بارك الله فيك، وكانت التغريدات رائعةً جدًّا -نفع الله بك- حول ما يتعلق بالمعلم مع بداية مشوار العام الدراسي الجديد.
ونحن في هذه الحلقة في "أسس التربية" نتحدث عن المربي الفعال، ألا تُعطينا بعض القضايا التي أشرت إليها في تغريداتك فيما يتعلق بهذا المربي الفعال، بارك الله فيك.
المتصل: بإذن الله .
أولًا: مُمتنٌّ لكم ولوالدنا الكريم لإتاحة هذه الفرصة وحُسن الظن بي، واستغلالًا لهذه الفرصة الأخرى -وهي بداية العام الدراسي في غالب دول العالم- ستكون بوصلة الحديث مُوجهةً نحو المعلم، بل المعلم السامي المُحقق لرسالته السامية والسابقة.
يُعتبر المعلم ركن التعليم الأفضل متى ما سعى هو لتحقيق غاياته المثلى، وإذا استوعب هذه الرسالة، فهنيئًا للمعلمين التحاقهم بهذا الركب المبارك: ركب تعليم الناس الخير، كيف لا وهي وظيفة الأنبياء والرسل؟
والله أخبر نبيه بالوصف: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]، فكان ثلثا الوظيفة هما: التعليم والتلاوة، واكتمالهما في تحقيق التزكية، وهي مربط حديثنا عن المعلم المحقق لرسالة التعليم الذي شمل هذه الأقطاب الثلاثة: التعليم، والتلاوة، والتزكية.
خَمسُ خواطر للمعلِّم
أولى هذه الخواطر: أن أولى الخطوات أيها المعلم في لحاقك بركب أهل التربية حقًّا هي: يقين المعلم برسالة التعليم، وإيمانه بعظم المسؤولية، وسعيه لإخلاص النية، وجهاده ببذل الوسع في ذلك، كل هذه الأمور هي أماراتٌ تُلحقه بركب المربي الفعال.
ثقتك أيها المعلم بأن العلم وحده لا يكفي خطوةٌ أخرى نحو تحقيق هذه الغاية، وتُلزمه هذه الخطوة بالجدية في التحضير احترامًا لرسالة التعليم، مهما صغر سن المُتلقي، ولو كان في المرحلة الابتدائية، فخطابات العظماء والرؤساء وغيرهم التي تُلقى يزداد تحضيرها عند اختلاف عقلية المُتلقي، واختلاف ثقافته، بل وقصر الوقت، فكلما كان الوقت قصيرًا كلما كان التحضير أشد.
بالإضافة إلى ذلك: يلزمه أن يكون قوله دافعًا إلى مطابقة فعله لهذا القول الذي يُربي به هؤلاء الطلاب.
ثانيًا: يُواجه المعلم في مدرسته والأستاذ في جامعته تحديًا عندما يعيش هذا المعلم على ثناء مُديريه فقط، مُترقبًا شكرهم وحمدهم وتمجيدهم؛ فيعيش هذا المعلم صغيرًا، تائهًا بين هذه المطامع وبين رغبات هؤلاء المديرين فحسب، لكن سرّ النجاح هو تقدمه يومًا بعد يومٍ في العطاء لبلوغ الغاية في مثل هذه الرسالة.
وثالث هذه الخواطر: أن التفاتةً يسيرةً منك أيها المعلم إلى سِنِي طلبك لما كنت طالبًا تُعطيك ما يجب عليك أن تكون، وما يلزمك التخلص منه مما يتأذى منه الطلاب عادةً؛ ليكون تركيزك على رسالة التعليم الخالدة فحسب.
وعليه فالطالب يريد قيمةً علميةً، وقامةً أخلاقيةً تتجسد في سلوك المعلم، فالمواقف العفوية هي البرهان لرصيد الأثر في نفوس المتربي.
رابعًا: يعتري طريق المربي بُنيات طريقٍ تُعيقه وتصده أحيانًا عن رسالته عندما تكون دعاوى بعض المعلمين: هذا الجيل ضعيفٌ، واهتماماته تافهةٌ، وعدم حرصهم على التعليم. فهي دعاوى شيطانيةٌ تصرف المعلم عن مهمته، بل المعلم والمربي الفعال يجعل هذه الدعاوى باعثًا له لتحقيق غاية رسالة التعليم، فتزيد من مسؤوليته للرقي بهم.
خامسًا: سيبقى الجيل المتربي ينال من سلوكك أيها المعلم كلما ازدادت جديتك وإخلاصك، وفي المقابل المعلم الذي يجعل الطلاب بين مطرقة ضياع الدرجات وسندان الخوف منه ومن مزاجيته هو عارٌ على رسالة التعليم.
المقصد من هذا الأمر هو الرقي بمثل هذا الجيل، وأن يشعر هذا المتربي بالأمان بين يدي أستاذه ومُربيه.
ختامًا: تلمس حاجات طلابك، وافتح قلبك ووقتك قبل مكتبك لهم، وكن وقفًا لله، تحتسب نفسك في سبيله، فكم من معلمٍ كان عونًا بعد الله بحُسن استماعه وخُلُقه، ولو علم المعلم قيمة اللحظات التي حبس فيها طلابه من أجله في قاعة الدرس لبذل الغالي والنفيس، بل وسعى للمستحيل في تحقيق رسالته السامية.
وشكر الله لكم، وبارك في الجميع.
المحاور: جزاك الله خيرًا، لو تكرمت أن تُعيد لنا الثانية والثالثة بشيءٍ من الوضوح.
المتصل: الثانية تمس جانب المعلم: أن يكون المعلم مضبوطًا من خلال التفاته إلى ما يُرضي أستاذه، وهذا الأمر قد يكون حسنًا عندما يكون المدير مديرًا ناجعًا يهتم بمعالي الأمور، لكن في كثيرٍ من القضايا يكون الانشغال بهذا الباب على سبيل ما يحتاجه الجيل.
فمعيار النجاح هنا لو جعله المربي أنه كل يومٍ يزداد في العطاء أكثر من سابقه، ويزيد هو من معيار نجاحه؛ لربما تخلص من ضعف إدارةٍ، أو من تسلط مشرفٍ، أو غير ذلك من هذه الأمور، فيكون معياره داخليًّا، ينمو يومًا بعد يومٍ.
ثالث القضايا: هي أن يلتفت هذا المعلم إلى أيام طلبه السابقة التفاتةً سيمر عليه فيها عشراتٌ من المدرسين، وهو كان طالبًا يعرف الأوجه التي كان يتأذى منها الطلاب، وسيتخلص من كثيرٍ من العادات التي لا يُحبذها الطلاب، وعليه سيكون تركيزه في تحقيق هذه الرسالة.
المحاور: واضحةٌ جدًّا يا أستاذ عبدالرحمن، جزاك الله خيرًا، ولكن هل يمكن أن أسأل سؤالًا يا أبا عبدالله؟ وهو: هل أنت تمارس هذه الأمور، وتجد نفسك أثناء الممارسة حققت فعلًا جانبًا من التأثير على الطلاب وجاذبية الأستاذ لطلابه؟
المتصل: يمكن، هي ركنان: ركن شعور الطالب بالأمان والارتياح من ناحيةٍ، وعدم خوفه من تقلب مزاجيةٍ، أو خوفٍ من درجاتٍ، أو غيرها، فتجعل هناك حاجزًا كبيرًا بينك وبين الطالب، هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني: كلما ألتفت إلى يومٍ من الأيام التي كنت فيها طالبًا، وأتأمل تلك السنين؛ أجد الصورة الذهنية لدي ... إلا معلمين رسموا معالم الأخلاق العالية بجديةٍ في عطائهم وبذلهم وإخلاصهم.
هذان الأمران يدفعان إلى وجود مثل هذا الأثر بالنسبة إليَّ.
المحاور: أحسنت، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا على المشاركة.
شكر الله لك أستاذ عبدالرحمن السعدي من جامعة البترول، وأسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد.
أيها الإخوة والأخوات، فاصلٌ ونواصل، بإذن الله .
فائدة اليوم
أثبتت الدراسات العلمية أن الأُسر المُشجعة والمُحفزة لأبنائها الطلاب وفتياتها الطالبات: أنها تُنتج شخصياتٍ ناجحةً ومُبدعةً ومُتألقةً في المجالين: في المجال التعليمي الأكاديمي، وأيضًا في مجالات الحياة والعلاقات الاجتماعية.
ووجدوا أن تلك الأُسَر المُشجعة والمُحفزة -حتى لو لم يكونوا من أصحاب المؤهلات العالية- فإن تلك الأسر المشجعة والمحفزة لأبنائها وفتياتها تُنتج شخصياتٍ ناجحةً ومُبدعةً ومُتألقةً في المجال الأكاديمي، وفي مجال الحياة والعلاقات الاجتماعية، وتجدهم أيضًا أبعد عن الانحرافات السلوكية، وعن الأخطاء والاضطرابات النفسية؛ لذلك كونوا مُشجعين لأبنائكم وفتياتكم، شجِّعوهم وأثنوا عليهم خيرًا؛ تحصدوا خيرًا.
الدكتور خالد: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات، ومرحبًا بكم مرةً أخرى.
نعم، لنكن نحن مُشجعين لأجيالنا، وسنجد منهم الأثر والخير الكبير.
وما تحدث عنه الدكتور الفاضل -جزاه الله عنا خيرًا- في الفاصل قضيةٌ مهمةٌ جدًّا جدًّا جدًّا، ولها علاقةٌ بسؤال الأخ محمد، ولها علاقةٌ بكلامنا وبتعليق الأستاذ عبدالرحمن فيما يتعلق بقضية المربي الفعال.
نعم، فالتشجيع أيها الإخوة والتعزيز قضيةٌ مهمةٌ.
ومما يلفت النظر من خلال الاستقراء في التواصل مع الطلاب، وكذلك في قضايا الاستشارات الأسرية: ضعف هذا الجانب -للأسف الشديد- عند المربين الذين يقومون بتربية هؤلاء الأجيال.
نعم، إذا أردنا منهم أن ينجحوا في حياتهم العلمية والعملية فعلينا أن نُحفزهم، وهذا سيأتي معنا في أدبيات الموضوع الذي نحن بصدده في اللقاءات القادمة -بإذن الله تعالى-، لكنني أستعجل موقفًا من مواقف النبي حينما أراد أن يُعدل سلوك أحد الصحابة، وهو عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فقال: نِعم الرجل عبدالله لو كان يُصلي من الليل[1]أخرجه البخاري (1121)، ومسلم (2479)..
يعني: عندنا في هذه الصيغة جملتان، وكانت تكفي جملةٌ واحدةٌ: أن يقوم من الليل، فالتوجيه بالقيام من الليل، لكن النبي قدم المقصد؛ وهو التوجيه بأن يقوم الليل وتقصيره في هذا الجانب، ومحاولة أنه يُراجع نفسه في هذه القضية بقوله عليه الصلاة والسلام: نِعم الرجل عبدالله.
فنحتاج إلى التحفيز والبحث عن الجوانب الإيجابية، والتشجيع وبيئة الحوافز من القضايا المهمة جدًّا.
وما ذكره الأستاذ عبدالرحمن، وهو أستاذٌ في الجامعة، ويختلط مع طلاب المرحلة الجامعية، يعني: الأستاذ الناجح هو الذي يستطيع أن يجعل من البيئة الضعيفة بيئةً قويةً.
أنا أقول لطلابنا في كلية التربية ولبعض الزملاء من الأساتذة: الأستاذ المعلم مَلِكٌ في قاعته الدراسية، والله مَلِكٌ يا إخوان -ونحن في أمس الحاجة إلى ذلك- لكن لا يمكن أن يكون كذلك إلا إذا كان مُربيًا فعَّالًا ومؤثرًا ومحبوبًا؛ ولذلك -كما ذكر الأستاذ عبدالرحمن- لا بد من قضية تلمس حاجات الطلاب، فهذه قضيةٌ من القضايا المهمة جدًّا، ولا بد من إخلاصه قبل ذلك لله ، يعني: كما ذكر في الالتفاتات السابقة: ما الموجود في ذاكرتنا؟
الموجود في ذاكرتنا هم المعلمون الناجحون، المعلمون المؤثرون، هؤلاء الذين بقوا في ذاكرتنا؛ ولذلك هل سنترك نحن كمربين لأبنائنا بعد وفاتنا أثرًا بعد الرحيل؟ هل سنترك نحن كمعلمين أثرًا بعد أن نرحل فيترحم علينا، أو إذا غادروا أماكننا يذكروننا حين يلتقون بنا بعد سنواتٍ فيقولون: لا ننسى فضلكم علينا بعد الله ؟
هذه القضية من القضايا المهمة جدًّا، أما البقاء في دائرة المعلومات والكم المعرفي، وربط القضية بالاهتمام الخاضع لأداء المهمة التدريسية البحتة: التعليمية، أو المعرفية، من أجل أخذ الراتب، ومن أجل ألا يكون عليه أي ملحظٍ من المشرف التربوي، أو المتابع له، أو ما شابه ذلك؛ هذا ليس مُربيًا ناجحًا، ليس مُربيًا فاعلًا بحالٍ من الأحوال.
وهي جزءٌ من القضية، وسيأتي معنا -بإذن الله - في أدبيات الموضوع ما يتعلق بخصائص المربي الفعَّال.
فأشكر الأستاذ عبدالرحمن -وفَّقه الله، وجزاه الله خيرًا- وأشكر كذلك الدكتور الكريم في فاصله الرائع، جزاه الله عنا خيرًا.
البصمة الإيجابية
القاعدة الثالثة -وبها نختم القواعد- هي ما يتعلق بقضية رأيك في الآخر مُؤثرٌ أيها المربي، وهي ما يُسمى بـ"البصمة الإيجابية" يعني: عليك بالبصمة، مثل: البصمة التي ذكرناها قبل قليلٍ في مقولته عليه الصلاة والسلام لعبدالله بن عمر، هذه بصمةٌ: نِعم الرجل عبدالله بصمةٌ تفتح الشهية.
اذهب إلى البصمات الإيجابية، ابحث عن إيجابيات الطرف الآخر: المُتربي، وأظهرها، واستثمرها؛ حتى تكون هذه البصمة مثل: الطُّعْم عند التوجيه، وعند حل المشكلات، وعند التواصل، وعند التأثير، وما شابه ذلك، فالرأي مُؤثرٌ، والبصمة مُؤثرةٌ، وكم نحن بحاجةٍ إلى مثل هذه البصمات الإيجابية.
أذكر قصةً حصلت في منطقتنا هنا: المنطقة الشرقية، وذكرها أحد الفضلاء عن طبيب أسنانٍ أتى إليه رجلٌ كبير السن، وخضع للعلاج في عدة جلساتٍ، فلما انتهت الجلسات أراد هذا المُعالَج الكبير السن أن يُحاسب الطبيب ويُقدم حقَّه من حيث الجانب المالي، فقال له الطبيب: لا أريد منك شيئًا أبدًا، وهذا وفاءٌ لك ومقابلٌ لما فعلته معنا. قال: ماذا؟ قال: أنت فلان الفلاني معلمٌ في الابتدائية الفلانية؟ قال: نعم. قال: أنا أحد طلابك، وأنت لك الفضل عليَّ بعد الله لأنك كتبت لي في أحد الدفاتر: أحسنت يا طبيب المستقبل. يقول: فهذه العبارة جعلتني أتجه إلى التفكير منذ نعومة أظفاري في أن أكون طبيبًا.
بسبب أنه وجد الأستاذ في التعبير أو في الكتابة كتب شيئًا يدل على ذلك من اهتماماته، وهي قضيةٌ مهمةٌ فيما يتعلق بالطفولة والانتباه لما يُكتب، ولما يُرسم، ولما يُنظر، فقد تكون هذه من الأشياء التي تُساعده على ذلك، فكان لهذه البصمة الإيجابية أثرٌ كبيرٌ جدًّا، والبصمة السلبية لها كذلك أثرٌ سلبيٌّ عكسيٌّ.
سأذكر قصةً بعد أن نسمع المداخلة الثانية من الأستاذ الكريم: عبدالمنعم الهوسا، وهو أستاذٌ في المرحلة الابتدائية في القاعدة الجوية في قطاع الظهران في المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.
حيَّاك الله يا أستاذ عبدالمنعم، مرحبًا بك، الله يحفظك.
المتصل: الله يُحييك يا دكتور خالد، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
عمومًا نحن مع الأستاذ عبدالرحمن انتهينا مما يتعلق بتغريداته وتوصياته والجوانب التي نظَّرها، وكانت جميلةً جدًّا، وكانت جديرةً بالرجوع إليها.
ونحن نريد منك تطبيقًا، فأنت -ما شاء الله- أخذت المركز الأول في مدرستك وفي قطاعك كأفضل معلمٍ -جزاك الله خيرًا-، فنريد أن تُعطينا تجربتك مع طلابك في المرحلة الابتدائية، وكيف أحبوك؟ وماذا فعلت معهم؟ وكيف ترى أهمية أن يكون الأستاذ مُربيًا فعَّالًا؟ بارك الله فيك.
تفضل يا أستاذ عبدالمنعم.
المتصل: الله يُعطيك العافية.
أولًا: أشكرك على هذه الفرصة التي أُتيحت لي كي أتحدث في هذا البرنامج، بارك الله فيك.
المحاور: يا مرحبًا.
المتصل: من باب الإضافة والتنبيه: أنا حصلت على أحد المدرسين المميزين في المدرسة، وعلى مستوى القطاع، يعني: لا يُشترط أن أكون الأول، لكن من المدرسين المميزين.
المحاور: جميلٌ، جزاك الله خيرًا.
المتصل: بارك الله فيك، أنا أعتبر أي مدرسةٍ عندنا خاصةً في المملكة -ولله الحمد- تحتوي على عددٍ لا بأس به من المدرسين المميزين، يعني: نحتاج مثل هذه اللقاءات، ومثل هذه البرامج التي تُسلط الضوء على هؤلاء المعلمين؛ حتى ننشر ثقافة المعلم الإيجابي، المعلم المُربي، المعلم الفعَّال، إن صحَّ التعبير.
المعلم الناجح يؤدي ما عليه قبل أن يسأل ما له
دائمًا أسأل نفسي عندما أدخل الفصل: ماذا أستطيع أن أُقدم لهذا الطالب؟ وأكرر هذا السؤال في داخلي مع بداية العام، ومع بداية الدوام الدراسي، وما البصمة التي أستطيع أن أُدخلها وأضعها في شخصية الطالب، سواء في سلوكه، أو غيره؟
المحاور: جميلٌ، نحن كنا نتكلم قبل قليلٍ عن الحقوق والواجبات، فكأنك أنت الآن ...
المتصل: نعم، سمعت حديثك.
المحاور: سمعت لذلك، جزاك الله خيرًا، فكأنك أنت الآن تُعطينا مثالًا على قضية التفكير في الواجب الذي عليك، قبل الحق الذي لك.
المتصل: صحيحٌ، وهذا جزءٌ مُؤثرٌ، فأنا كمعلمٍ أرى أن التجهيز والتهيئة النفسية في هذا الموضوع تساعد في أن يبذل المعلم البذل الكبير، إن صحَّ التعبير.
وأنا أعتبر المنهج والمبنى والإدارة وأولياء الأمور والطلاب كلها من الأشياء المؤثرة في العملية التعليمية، ولكن يبقى المعلم هو حجر الزاوية، إن صحَّ التعبير.
يعني: المعلم يُساوي جميع ما سبق، والمعلم يستطيع أن يُؤثر في الطالب مهما كانت الظروف إذا عقد النية وتوكل على الله ، وهذا شيءٌ حقيقيٌّ، وأتكلم عن معلمين كثيرين أعرفهم، وأحاول أن أكون من هؤلاء المعلمين.
يعني: سألتني عن بعض الممارسات: أنا دائمًا أحاول أن أنطلق، وأعتبر أنني صاحب رسالةٍ.
وأعتذر لأنني أتكلم عن شخصي، ولكن من باب التجربة، ولعل هناك مَن يستفيد منها.
فأنا أنطلق من دوري ومسؤوليتي كمعلمٍ، وهذا أحد مُنطلقاتي.
الأمر الآخر مع طلابي: معرفتي بطبيعة المرحلة التي يمرون بها، وهذا يساعد أيضًا في تأثيري ومعاملتي وحُسن إدراكي للطلاب من حولي.
البعض قد يقول: عندنا بعض القصور في البيئة التعليمية، صحيحٌ، لكن دائمًا أقول: ماذا أستطيع أن أفعل؟
يعني: أجعل السؤال الذي ذكرته في البداية على بالي: ما البصمة التي أستطيع أن أُقدمها؟
يعني: أحاول دائمًا التشجيع والتحفيز للطلاب، وقبل ذلك أُعرِّف الطلاب بي، وقد تكون هذه معلومةً بسيطةً، لكن الطلاب عندما يتعرفون على معلمهم، ويعرفون ماذا يريد؟ وماذا يُحب؟ هذا يُسهل العملية التعليمية في الفصل.
والمعلم عندما يُخبر الطلاب بالأمور التي يريدها، والأمور التي يرغبها في الفصل، هذا يُساعد الطالب على فهم المعلم، وتكون العملية التعليمية سهلةً ويسيرةً.
ذكرت في حديثك دكتور خالد -ما شاء الله عليك- عن المعلم أو المربي بشكلٍ عامٍّ أنه ينبغي أن يتلمس الاحتياجات، ومن الممارسات التي يحسن بالمعلم أن يُمارسها مع الطلاب: جلسة المُصارحة، فيسألهم: ما المعلم الذي تُفضلونه؟ يعني: ما صفات المعلم؟
المحاور: يا سلام!
المتصل: أحيانًا أُطبق مثل هذا المثال، وتسمع بعض الإجابات الجميلة والرائعة من الطلاب، يعني: يذكر بعض الطلاب أمورًا قد يعتبرها المعلم بسيطةً، لكنها مهمةٌ عند الطلاب.
المحاور: وسؤالك أستاذ عبدالمنعم -عفوًا على المقاطعة- سؤالك هذا: ما صفات المعلم؟
المتصل: الناجح الذي تُحبه.
المحاور: الذي تُحبه؟ هو سؤالنا التفاعلي الذي سيكون في الأسبوع القادم -بإذن الله-، فنحن وضعنا سؤالًا تفاعليًّا سيكون في الأسبوع القادم، وبنفس ما ذكرت -جزاك الله خيرًا-، إي، نعم، تفضل، الله يحفظك.
المتصل: الله يُعطيك العافية.
أهمية التحفيز والتشجيع في التعليم
أرجع مرةً ثانيةً للتحفيز والتشجيع، فهذه أمورٌ مهمةٌ جدًّا، وعندما نذكر التحفيز لا يُشترط أن يكون ماديًّا -والمادة مهمةٌ-، لكن أحيانًا التحفيز والتشجيع المعنوي يكون جميلًا جدًّا.
أذكر لك موقفًا طريفًا اليوم، وهو يُعتبر تشجيعًا من نوعٍ آخر: اليوم في "الفُسحة" أحد الطلاب طلب مني أن أفتح له (ساندويتش)، ومن الممارسات التي أمارسها: أنني في الأمور البسيطة -إن صحَّ التعبير- لا أُعطي الطالب ما يطلبه مباشرةً، وأحاول أن أُعلمه كيف يُنفذ هذا الأمر؟
المحاور: صحيحٌ.
المتصل: فقلت للطالب: أمسك من هنا، وأمسك من هنا، واسحب، ففرح الطالب بعفويةٍ وقال: أووه! علمتني. فانبسط وفتح (الساندويتش) وبدأ يأكل.
مثل هذه الممارسات تكون حتى في التعليم، يعني: أحيانًا بدلًا من أن يكتب المعلم الإجابة على السبورة، ويحاول أن يحل جميع المسائل، يمكن أن يحل مسألةً واحدةً ويترك البقية للطالب كي يحاول، وقد يُخطئ الطالب مرةً أو مرتين، لكنه في الأخير يتعلم، وهذا أفضل من أن ينقل الإجابة، فقد يكون تعلمها، وقد لا يكون تعلمها، فعملية التعليم أفضل من عملية التلقين، إن صحَّ التعبير.
المحاور: أنت قلت الآن: عملية التعليم أفضل من عملية التلقين، والأستاذ عبدالرحمن تكلم عن قضية التعليم والتربية لما تكلم عن قضية التزكية: وَيُزَكِّيهِمْ [الجمعة:2]، يعني: في داخل القاعة الدراسية ماذا تفعل يا أستاذ عبدالمنعم؟ كيف تشرح؟
المتصل: جميلٌ، أنا أحب أن أذكر نموذجًا بسيطًا بالنسبة للقاعة الدراسية، فمثلًا: لو أراد شخصٌ أن يحضر الفصل عندي قد لا يعتبر هذا الفصل مُنضبطًا؛ لأني أعتبر أن هذا جزءٌ من العملية.
المحاور: المشكلة أن الانضباط عند بعض المعلمين أو بعض الأشخاص هو مجرد أن يبقى الطلاب ساكتين، وهذا معناه أننا في بيئةٍ منضبطةٍ! مع أن هذه قد تكون دلالةً سلبيةً، وليست دلالةً إيجابيةً، أو مؤشرًا سلبيًّا، وليس مؤشرًا إيجابيًّا.
المتصل: الله يعطيك العافية، بالفعل، فأحيانًا طالبٌ يُعلم طالبًا آخر، وأحيانًا أكون أنا مع طالبٍ يحتاج إلى مساعدةٍ، وطالبٌ ثالثٌ يُمارس تمرينًا؛ لأنه أنجز التمرين السابق، وطالبٌ رابعٌ يمارس لعبةً؛ لأنه أنجز التمارين المطلوبة، فأحيانًا يكون هناك جزءٌ من الأريحية داخل الفصل.
وأحيانًا تكون الأمور مضبوطةً، وأحيانًا نحاول ونُسدد ونُقارب، لكن في النهاية الطالب يستطيع أن يمارس العملية بأريحيةٍ.
ونوفر برادة ماءٍ في الفصل، ويستطيع الطالب أن يذهب إلى البرادة بلا استئذانٍ، ويكون هناك انضباطٌ، إن صحَّ التعبير.
أعود مرةً ثانيةً وأحاول ...
المحاور: لعلنا نختصر أستاذ عبدالمنعم قدر الاستطاعة.
المتصل: لا، أنا الآن سأختم لكن باختصارٍ.
تنويع أساليب العرض هذا جزءٌ من العملية، وأحيانًا الوسائل التي يُحضرها المعلم، حتى الأشياء البسيطة تُعين على إيصال المعلومة، والطالب يتعلم من طالبٍ آخر، هذا يُساعد، واستخدام استراتيجيات التعلم في وسائل بسيطةٍ وغير مُكلِّفةٍ، وأُمارسها عدة مراتٍ.
المحاور: يا أستاذ عبدالمنعم، هل الطلاب يأتونك ويشتكون لك من قضايا معينةٍ، ويبوحون لك ببعض القضايا، ويطلبون منك المساعدة فيها: مشكلة أسرية، أو بعض القضايا؟ هل تجد هذا الكلام موجودًا، وتستطيع أن تُفسر هذا الأمر بسبب العلاقة الحميمية التي حصلت بينك وبينهم؟
المتصل: طيب، بحكم أنني معلم صفٍّ أول فقد يكون هذا الأمر بعيدًا قليلًا، ولكنه موجودٌ بشكلٍ محدودٍ.
المحاور: من الطبيعي في مرحلة أول ابتدائي أن يكون محدودًا، أحسنت.
المتصل: صحيحٌ، ولكن بحكم ارتباطي ببعض الأنشطة الأخرى: برنامج قراءة، أو توعية إسلامية في المدرسة؛ فالطلاب يأتون من مراحل مختلفةٍ، سواء من الصف الرابع أو الخامس.
المحاور: الله يعطيك العافية، بقي شيءٌ يا أستاذ عبدالمنعم، بارك الله فيك؟
المتصل: الله يُعطيك العافية، أنا عندي رسالةٌ لكل معلمٍ: أنت أولًا اعتبر الطالب مشروعًا، فماذا تستطيع أن تُقدم ليكون بناءً في حسناتك، وبناءً للأمة وللوطن وغيره؟
المحاور: وهناك مَن يُضيف عبارةً على عبارتك الجميلة: اعتبره مشروعًا وقفيًّا.
المتصل: جميلٌ.
المحاور: لأنه مشروعٌ وقفيٌّ تحتسب فيه الأجر عند الله .
أحسنت يا أستاذ عبدالمنعم، شكر الله لك، وبارك الله فيك، وجزاك الله عنا خيرًا.
المتصل: الله يعطيك العافية.
المحاور: حياكم الله.
نشكر الأستاذ عبدالمنعم الهوسا، جزاه الله خيرًا، وهو أستاذٌ في المرحلة الابتدائية، وهؤلاء الذين يبنون، يعني: كنا في نموذجٍ مع أستاذٍ في المرحلة الجامعية، وهذا أستاذٌ في أول ابتدائي، ورأينا أيضًا القضية المشتركة في الكلام بينهما المرتبط بقضية المربي الفعال وخصائصه كما سيأتي معنا في الحلقات القادمة -بإذن الله- حول هذا الموضوع.
فقد أكدا على البصمة: ما البصمة التي سأُحدثها؟
سؤالٌ مهمٌّ جدًّا للمعلم وللمربي: أبًا كان، أو أستاذًا، أو معلمًا، ما البصمة التي سأجعلها وأتركها في الأجيال: أبناء، وطلابًا؟
وشعوره بأنه صاحب رسالةٍ، هذه قضيةٌ من القضايا المهمة، وإدراكه للمرحلة العمرية التي أمامه؛ حتى يستطيع أن يتلمس حاجات الطلاب بشكلٍ كبيرٍ جدًّا، فهناك فرقٌ بين مَن يُدرس لهم الأستاذ عبدالمنعم، ومَن يُدرس لهم الأستاذ عبدالرحمن، فرقٌ كبيرٌ في المراحل من حيث الخصائص والمراحل العمرية، وما شابه ذلك، فإدراك هذه القضية مؤثرٌ.
كذلك بالنسبة للأب، فبعض المعلمين -للأسف الشديد- يتعاملون مع الأبناء وكأنهم شيءٌ واحدٌ؛ ولذلك تأتي الأزمة حينما تأتي المشكلة: مُراهق تمرد، مشكلة طفلٍ أزعج، يمكن أن أشغله بشيءٍ، لكنه ليس عنده ذاك الحرص في التمييز بين المراحل، ويتعامل معها بطريقةٍ سليمةٍ؛ حتى يُغذي ويُشبع حاجات هؤلاء الأبناء والطلاب على حسب مراحلهم العمرية.
ولذلك يا أيها الإخوة، ويا أيتها الأخوات، مهمٌّ جدًّا الاطلاع على ما يتعلق بالمراحل العمرية وحاجاتها؛ لأن القضية المتعلقة بمثل هذا الكلام الذي ذكر من الأطراف السابقة -جزاهم الله عنا خيرًا- وكما سيأتي معنا: أنه حتى تكسب الطرف الآخر لا بد أن تُشعره بالأمن النفسي، فإذا شعر بالأمن النفسي -وهذه حاجةٌ من الحاجات- وشعر بأنك ساعدته وقدَّمت له خدماتٍ -وهذه حاجاتٌ- فأنت بهذه الصورة قد ملكته تمامًا، لن أقول كما يقول البعض: يُصبح كالميت بين يدي المُغسل، لكن قد تصل إلى قريبٍ من هذا الوصف من حيث مدى التأثر الكبير من الطالب بالمعلم كمثالٍ.
ولذلك من المهم جدًّا الاطلاع على كتب علم نفس النمو في مثل قضايا مرحلة الطفولة، ومرحلة المراهقة، فهناك كتاب الدكتور عمر المفدى في "علم نفس المراحل العمرية"، وكتاب الدكتور عبدالعزيز النغيمشي "المراهقون"، وكتابه في علم النفس الدعوي: فصلٌ فيما يتعلق بالطفولة.
والكتب كثيرةٌ في علم نفس النمو: ككتاب "الأم" المشهور لحامد زهران، فيمكن أن يُستفاد منه في التطبيقات التربوية التي ذكرها، ومحاولة الوقوف عندها، وغيرها من الكتب الموجودة، وهي من أكثر الكتب المتوفرة في علم النفس: كتب علم نفس النمو، وهي من القضايا المهمة جدًّا.
بقيت معنا دقائق معدودة، سنكمل -إن شاء الله- المشوار في التعليق على قضية البصمة الإيجابية، لكن أيضًا إذا كانت هناك اتصالاتٌ من الإخوة والأخوات أرجو من الإخوة أن يُنبهونا، بارك الله فيهم.
البصمة السلبية
ذكرنا قبل قليلٍ في القاعدة الثالثة: رأيك في الآخر مؤثرٌ، وهي البصمة الإيجابية، وذكرنا مثالًا على ذلك: طبيب الأسنان وصاحبه المعلم السابق.
أذكر في مقابل ذلك البصمة السلبية: كنت في دورةٍ من الدورات أقدمها قريبًا من هذا الموضوع الذي نتناقش فيه مع مجموعةٍ من الأساتذة في المراحل التعليمية المختلفة، وقد استغربت من أن شخصًا من الحضور -وهو أستاذٌ- كان يتحدث عن هذه النقطة ويتكلم عن والده بحرقةٍ: كيف أن والده كانت له بصمةٌ سلبيةٌ في حياته لما كان طالبًا في المرحلة المتوسطة، وأثَّرت في حياته بشكلٍ كبيرٍ، وما شابه ذلك.
وأخذ يتكلم، فاضطررت أن أُوقفه، فقلت له: هذا والدك! وكان الكلام أيضًا في وجود عددٍ من الإخوة الحاضرين، فقلت: هذا والدك! احفظ حق الوالد، لو قلت أحسن: أن هناك شخصًا والده فعل كذا، لكان هذا أولى لك، لكن المشاعر التي كان يحملها من الأسى والحسرة سيطرت عليه، وهو في الثلاثين من عمره، ويتذكر لما كان في المتوسطة، لا زالت باقيةً، يقول: كيف دمَّرني والدي حينما كان يقول لي: أنت فاشل، وما تصلح، ... إلى آخره؟!
وهذه من القضايا الخطيرة جدًّا يا إخواني، لما أبصم على ابني أنه فاشلٌ، وما فيه خيرٌ، انظروا للكلمة: هذا ما فيه خيرٌ، كيف سيكون مُتدينًا؟! كيف سيتجه إلى الله ؟! لما أقول له: أنت فاشلٌ دراسيًّا، كيف سيكون ناجحًا في دراسته؟!
هذه قضيةٌ ينبغي أن نتنبه لها بشكلٍ كبيرٍ.
كيف عالج النبي البصمة السلبية؟
أعجب أشد العجب -ونحن في الدقائق الأخيرة- من موقف هذا المربي العظيم -بأبي هو وأمي- عليه الصلاة والسلام حينما كان يُؤتى بالرجل الذي يشرب الخمر، هذا الصحابي المُبتلى بشرب الخمر.
فذات مرةٍ أُتي به يُجلد أمام النبي وبعض الصحابة، فقال القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يُؤتى به!
هذه بصمةٌ سلبيةٌ، رسالةٌ سلبيةٌ، والرسول بماذا ردَّ عليهم؟
تصوروا هذا الموقف: هذا شريب الخمر يُقام عليه الحد، فالحزم موجودٌ ويُقام عليه الحد، وهذا الصحابي يتكلم عن قضيةٍ حقيقيةٍ، لكن ليس هذا مكانها، وليس هذا مجالها.
فقال عليه الصلاة والسلام: لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يُحب الله ورسوله[2]أخرجه البخاري (6780).، فالرسول ذكر جانبًا يعلمه عن هذا الرجل، ولو كان مُبتلى بالخمر رضي الله عنه وأرضاه.
أيها الإخوة والأخوات، لنا -بإذن الله- استكمالٌ حول هذا الموضوع المهم: المربي الفعال.
أسأل الله أن يجعلني وإخواني وأخواتي من المربين الفعالين في بيئاتهم الأسرية، وبيئاتهم التعليمية، وبيئاتهم المجتمعية.
هذا، والحمد لله رب العالمين.
وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.