المحتوى
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات في برنامجكم الأسبوعي "أسس التربية" من قناتكم قناة "زاد" العلمية.
نحظى في هذه الحلقة الثالثة من الحديث عن المربي الفعَّال وخصائصه بلقاء أستاذنا الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن محمد النغيمشي، أستاذ علم النفس التربوي والنمو، وعميد كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام قديمًا، ورئيس قسم علم النفس، وصاحب المؤلفات العديدة -بارك الله فيه-، مثل: "علم النفس الدعوي"، و"المراهقون"، وغيرها من المؤلفات.
المحاور: نحن سعداء جدًّا دكتور عبدالعزيز، حياك الله.
الضيف: الله يُسلمك ويُحييك.
المحاور: بارك الله فيك، وجزاك الله عنا خيرًا.
كانت الحلقات السابقة عبارةً عما توصلتم إليه في كتابكم الجميل حول التفاعل التربوي، وتحدثنا في الحلقة الأولى عن القواعد، ثم أشرنا إلى المجالات، واليوم في هذه الحلقة الأخيرة من الحلقات المتعلقة بالمربي الفعَّال -الذي هو الأب، وكذلك المعلم- نتحدث عما يرتبط بقضية الخصائص.
تحدثتم -جزاكم الله خيرًا- في كتابكم الجميل الذي يطلبه الكثير، وكنتُ قبل قليلٍ في لقاءٍ مع مجموعةٍ من الأساتذة، فقالوا: إنهم بحثوا عن هذا الكتاب فلم يجدوه في المكتبات، فقلنا لهم: إن هناك حُلَّةً جديدةً لهذا الكتاب، وقريبًا -إن شاء الله- ينزل مع إضافاتٍ جميلةٍ جدًّا.
تحدثتم عن الخصائص المعرفية، وذكرتم مجموعةً من النقاط، وتحدثتم كذلك عن الأسلوبية، وعن قضايا الخصائص الوجدانية، وغيرها من الخصائص، ولو بدأنا بها -جزاكم الله خيرًا- مجموعةً، مجموعةً، بارك الله فيكم.
الضيف: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد: أولًا: أُحييكم، وأُرحب بكم وبالمشاهدين والمستمعين في قناة "زاد"، وإن شاء الله سنحاول أن نختصر؛ لأن الوقت ضيقٌ.
خصائص المربي الفعَّال
عندما نتحدث عن المربي أو عن عملية التربية لا بد أن نعلم أن هناك خصائص للمُتربي، وخصائص للمُربي، وخصائص للمنهج؛ لأن الأركان ثلاثةٌ: المنهج، والمُربي، والمُتربي.
المحاور: ونحن هنا في المربي.
الضيف: نعم، نحن في المربي؛ ولذلك لا يقول -مثلًا- المشاهدون أو المستفيدون: أين بقية الأركان؟ لأننا نتحدث حاليًّا عن المربي.
الموضوعات المتعلقة بالمربي
هناك موضوعاتٌ عديدةٌ تتعلق بالمربي، من أهمها وأبرزها وأكثرها تأثيرًا:
أولًا: فاعلية المربي: فهو ليس شخصًا جامدًا، وإنما لا بد أن يكون مُؤثرًا وفاعلًا في العملية التربوية، فإذا أتينا إلى الفاعلية -كما ذكرتَ قبل قليلٍ- ستجد أن لها مجالاتٍ ونظرياتٍ -وقد ذكرتُ بعضها-، ولها أيضًا: تمهيداتٌ؛ ولهذا المُربي الفعَّال خصائص تتعلق بالفاعلية، دعنا من الأشياء الأخرى: كذكائه، ومستوى فهمه وانتباهه.
ففاعلية المربي ذات أهميةٍ كبيرةٍ في التأثير، فالأب والأم والمدرس وإمام المسجد لن يكونوا مؤثرين إلا بخصائص، ومن أهمها: خاصية الفاعلية.
أقسام الفاعلية
وهذه الخاصية -وهي فاعلية المربي الفعَّال- تُقسَّم إلى أربعة أقسامٍ:
الأول: المعرفية.
الثاني: الأسلوبية.
الثالث: الوجدانية.
الرابع: الاتصالية.
وهذا التقسيم لا يعني الجمود عليه، وإنما هذا اقتراحٌ، وهو من أحسن التقسيمات.
المحاور: يعني: هو تصورٌ مُقترحٌ؟
الضيف: نعم، تصورٌ، يعني: يمكن أن يأتي آخر ويقسم تقسيمًا آخر، لكن المهم أن نصل إلى نوعٍ من الوضوح لخارطة خصائص المربي الفعَّال.
فهذه الخصائص ستجد أنها أربع حزمٍ: حزمتان تتعلقان بالداخل، وحزمتان تتعلقان بالخارج.
فالداخل فيه: المعرفية التي تتعلق بالفكر والعقل والمخزون، وأما الوجدانية فإنها تتعلق بالوجدان، وهي عواطف المربي، وانفعالاته، ونفسيته الداخلية.
المحاور: التي هي مكونات الإنسان: عقلي، ووجداني، وحركي ...
الضيف: دعنا من هذه القضية، نحن نتكلم عن المجموعة الأولى والمجموعة الثالثة، وهما متعلقتان بالجانب الداخلي، وهو الوجدان والمعرفة، وأما الخارجي أو الظاهري فعندنا: الأسلوبية، والاتصالية.
الخصائص المعرفية
فالخصائص المعرفية للمربي هي ما تتعلق بالمعرفة والمخزون، وهناك ثلاث خصائص:
الأولى: الخلفية المهنية، والمقصود بها: معلوماته المهنية، وما يمتلك من رصيدٍ في المهنة، فالأم مثلًا مُربيةٌ، لكن ماذا عندها من رصيدٍ في مهنتها كأمٍّ؟ فبعض الأمهات قد لا يكون عندها رصيدٌ كثيرٌ في هذا، ولا نقصد بالرصيد: الرصيد المعلوماتي فقط، وإنما هل تُفكر بتصرفاتها مع أولادها أو لا تُفكر؟
الثانية: اتساع الثقافة، فكلما كان المربي واسع الثقافة كان تفاعله مع المتعلمين واسعًا، فعندما يدخل عليهم للتدريس مثلًا هل هو جامدٌ على تخصصه في العلوم فقط؟
المحاور: ستجد أنه ربما تطرق لقضايا اجتماعيةٍ، وواقعيةٍ، وما شابه ذلك.
الضيف: اجتماعية، وأدبية، وفي الشعر، والحِكَم، والقصص، والقرآن، والسياسة، والاجتماع، وفي كل ثقافةٍ.
المحاور: إذن يحمل ثقافةً واسعةً.
الضيف: نعم، لا بد من ثقافةٍ واسعةٍ؛ لأن هذا له تأثيرٌ في تفاعل الطلاب، فالطلاب يتفاعلون مع المعلم المتصل بالعالم، والأخبار، والأدب، والشعر، والقرآن، فاتساع الثقافة له تأثيرٌ في الفاعلية.
المحاور: هل يمكن أن نقول: ما قبلها هي الثقافة المتخصصة؟
الضيف: طبعًا.
المحاور: بالنسبة للخلفية المهنية؟
الضيف: هي الثقافة المتخصصة، وهذا شيءٌ مُسَلَّمٌ، فإذا لم يكن جيدًا في تخصصه فهذه أيضًا مشكلةٌ.
المحاور: وقد يُعاني التعليمُ في بعض الأحيان من ضعف الجانب التخصصي الأكاديمي عند بعض المعلمين.
الضيف: التخصص مهمٌّ جدًّا، لكن الفاعلية تتأثر كثيرًا بثقافته الواسعة.
المحاور: الخاصية الثالثة يا دكتور؟
الضيف: الخاصية الثالثة هي: المعرفة الواسعة بالطرف المقابل، وهو الطالب، والمتعلم، والابن، فلا بد أن يكون الأب عارفًا لابنه المراهق، والطفل الصغير.
المحاور: يعني: قضية المراحل العمرية وخصائصها.
الضيف: طبعًا، فالأم التي تعرف طبيعة طفلها الذي عمره ست سنوات ليست مثل الأم التي لا تعرف طبيعته، وكذلك تعرف الفروق الفردية بين أولادها: فهذا عاطفيٌّ، وهذا جادٌّ، وهذا الطفل -على سبيل المثال- مُعاندٌ ومُكابرٌ، وذلك لينٌ.
المحاور: إذن يمكن أن نقول في هذه النقطة: إن المربي يحتاج أن يتعرف على خصائص المراحل؛ فمرحلة الطفولة غير مرحلة المراهقة، ويعرف أيضًا الفروق الفردية بين أصحاب المرحلة المعينة.
الضيف: نعم، لا بد أن يعرف الطرف المقابل، فالمعلم إذا لم يعرف طلابه كيف يتفاعل معهم؟!
أنا أعرف هذا الطالب الذي اسمه -مثلًا- عليّ، وهذا الطالب عمره كذا، وهذا الطالب طبيعته وطريقته أنه يستحي مثلًا.
المحاور: ووضعه الأسري؟
الضيف: نعم، ووضعه الأسري، كما كان النبي يعرف طبيعة مَن يتعلم على يديه من أصحابه، كما جاء في قوله : أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأقضاهم علي بن أبي طالب، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، ألا وإن لكل أمةٍ أمينًا، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح[1]أخرجه الترمذي برقم (3790)، وابن ماجه برقم (154)، والنسائي في "السنن الكبرى" برقم (8185)، وصححه الألباني في "الصحيحة" … Continue reading، فهذا مثالٌ واحدٌ، وإلا فالأمثلة والتطبيقات كثيرةٌ.
المحاور: إذن يا دكتور تعامل الأب مع الأبناء على أنهم شريحةٌ واحدةٌ، وتعامل المعلم مع الطلاب على أنهم شيءٌ واحدٌ خطأٌ؛ لأن هناك فروقًا فرديةً لا بد من مراعاتها.
الضيف: طبعًا هناك فروقٌ فرديةٌ، وأيضًا اختلاف طبائعهم التي تتعلق بمراحل النمو، وخصائصهم المتعلقة بهم.
الخصائص الوجدانية
الخصائص الوجدانية خمسةٌ:
الأولى: الإخلاص، أو ما نُسميه: الصدق مع المتعلمين، فيكون المربي صادقًا معهم، وينصح لهم، ويُخلص لهم، كما كان الرسول ، وكما كان تلاميذه .
المحاور: إذن الإخلاص هنا قد يكون متجهًا إلى العلاقة بالله، أو إلى العلاقة بالناس؟
الضيف: نعم، هو يريد أن يُقدّم لهم شيئًا فيصدقهم.
المحاور: فيشعرون بصدقه.
الضيف: فيتفاعلون معه، فتصير هناك فاعليةٌ، لا تكون الأمور سطحيةً، وإنما فيها عمقٌ.
الثانية: العدل، أي: أنه لا يجور على الأولاد؛ لأن الأبناء إذا أحسوا من آبائهم أو أمهاتهم بالجور فإن هذا يُضعف الفاعلية، والطلاب أيضًا يجعلون المعلم تحت أنظارهم، فلا ينبغي أن يميل لأحدٍ على أحدٍ، أو يُقدّمه في الحديث، أو المشاركة، أو يُعطيه درجاتٍ أكثر، أو يشرح لبعضهم أكثر من بعضٍ، إلا بمُبررٍ واضحٍ، فإذا صار المبرر واضحًا فلا مشكلة حينئذٍ.
المحاور: مقابل إنجازٍ معينٍ مثلًا، أو مقابل تميزٍ معينٍ، هذا لا مانع.
الضيف: نعم، وإذا تصرف تصرفًا فيه جورٌ فإنه سينكشف مع الوقت، وتنخفض الفاعلية.
الثالثة: الأمانة، بأن يكون المربي أمينًا مع المتربين، ويحفظ أسرارهم، ويُشير على مَن يستشيره، ويكون الموضوع خاصًّا، وأيضًا أن تكون الأمانة ظاهرةً في سلوكه وهو يُقدّم لهم المادة العلمية، فيتعامل معهم في الدرجات والاختبارات بأمانةٍ، وعدم الغش، أو التساهل مع أحدٍ دون أحدٍ.
فالأمانة مهمةٌ؛ ولذلك كانت من أهم صفات الرسول ؛ ولهذا سُمّي: الصادق الأمين، وقال: لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي تريد أن تُغير عليكم أكنتم مُصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقًا[2]أخرجه البخاري برقم (4770)، ومسلم برقم (208).. فكانوا يُصدِّقونه، ولم يُجرِّبوا عليه كذبًا ، وكذلك الأمانة، فكان الصادق الأمين.
الرابعة: الجود، بأن يكون جوادًا كريمًا في وقته، وماله، ومُواساته، فيبذل لهم أشياء كثيرةً بالقدر الذي يستطيع طبعًا، ويظهر هذا على سلوكه، فيظهر على تعامله وسلوكه أنه جوادٌ كريمٌ، فإن هذا له انعكاسٌ.
المحاور: الجود يا دكتور قد يكون جانبًا ماديًّا، وقد يكون جانبًا معنويًّا؟
الضيف: نعم.
الخامسة: الرحمة، وهذه الصفة يُركز عليها القرآن كثيرًا في صفات الرسل وأتباعهم، وبخاصةٍ الرسول ؛ لأنه هو القائد والقدوة، وهو خاتم النبيين ، وهو المؤثر الذي أثَّر في الناس، وانظر الآن تأثيره عليك.
فهذه من الصفات التي هي معلومةٌ، حتى ما نستطيع إيضاحها بأكثر مما هي واضحةٌ عندك.
فمَن كان من الآباء والأمهات والمعلمين والدعاة قاسيًا جافًّا عنيفًا لا يلومَنَّ إلا نفسه عندما لا يجد تفاعلًا من الطرف الآخر.
المحاور: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].
الضيف: نعم، ينفضون ولا يتفاعلون، وقول الله تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ.
المحاور: الغريب يا دكتور عبدالعزيز أن هذه الآية نزلت بعد غزوة أحد، مع ما حصل فيها، فيُخاطب الله نبيَّه بهذه الصفة الأساسية: أنك يا محمد لن تستطيع أن تكسب أصحابك إلا بالرحمة واللين: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ، فكيف بغيره؟!
الضيف: ولذلك باستخدام النبي للرحمة كسب الناس، فينبغي استصحاب خُلُق الرحمة حتى في المواقف الصعبة، الشديدة.
فهذا المعلم قد يكون غَضَّابًا ومتعصبًا، فيُوجه هذا التعصب إلى المتعلم، وإذا كان المتعلم لم يُسلم فلن يدخل في الإسلام، وإذا أتى ليتعلم ويستفيد ترك ذلك بسبب هذا المعلم أو الداعية.
المحاور: جزاك الله خيرًا يا دكتور عبدالعزيز، لو تأذن لنا -حفظك الله- لنُنوه للإخوة والأخوات عن السؤال التفاعلي الذي يظهر لهم على الشاشة.
الفاعلية التي أكَّدها الدكتور عبدالعزيز ضيفنا الكريم، وهي ما يتعلق بقضية الشخص الفاعل المُؤثر الذي نحن بأمس الحاجة إليه في بيئاتنا الأسرية والتعليمية والتربوية.
دكتور عبدالعزيز، تكلمتَ عن قضية الخصائص المعرفية، والخصائص الوجدانية، وما زال هناك بعض الخصائص، ولدينا بعض الاستشكالات التي نحتاج إلى الإجابة عنها، لكن بعد استعراض بقية الخصائص، بارك الله فيكم.
الخصائص الأسلوبية
الضيف: الخصائص الأسلوبية أهمها خصيصتان:
الأولى: استخدام الأساليب غير المباشرة والمداخل التمهيدية عند التدريس والتعليم، أو أي موضوعاتٍ يتم تناولها، فينبغي أن يكون فيها تمهيدٌ، فالطلاب والمتعلمون يتفاعلون مع المعلم والمربي الذي يُكثر من استخدام الأساليب غير المباشرة، وكذلك التدرج في المعلومات وإعطائهم الموضوع الجديد.
فاستعمال الأساليب التمهيدية والأساليب غير المباشرة هي من الخصائص الأسلوبية التي تنبني على حنكة المعلم والمربي والأب، وكيف يدخل إلى الموضوعات ويُقنع الطرف المُتلقي؟
المحاور: يعني: هي الطُّعْم الذي يرميه المربي لأجل أن يُقدّم ما لديه، يعني: عندنا إطارٌ، وعندنا طعمٌ، فالجانب التمهيدي عبارةٌ عن طُعْمٍ، وقد يكون قصةً، أو موقفًا، أو سؤالًا، أو مثلًا، أو غير ذلك.
الضيف: نعم، التمهيد ألا يأتي إلى الموضوع مباشرةً بصعوبته وجِدَته وحداثته على الطالب، وإنما يعرف كيف يدخل؟ إما بأسئلةٍ، أو قصةٍ، أو تجربةٍ، أو أمثلةٍ.
المحاور: يعني: شيئًا يُحبونه، وله علاقة بحدثٍ معينٍ مثلًا.
الضيف: كلما كان شيئًا محبوبًا لا شك أنه سيكون أفضل.
المحاور: هل يعني ذلك يا دكتور أن الأسلوب المباشر أقلّ تأثيرًا من الأسلوب غير المباشر؟
الضيف: الانفراد بالأسلوب المباشر مشكلةٌ، فكون المعلم هو الذي يُلقي ويتحدث هذه مشكلةٌ؛ ولذلك من الأشياء التي يحتاجها المربي: أن يجعل المتعلمين يُشاركون، فقد تأتي المعلومة منهم، فيكون قد أوصل المعلومة بطريقةٍ غير مباشرةٍ.
فحين يُعلِّق الطالب أو يستشكل، فإن هذا من الأساليب غير المباشرة، فقد كان بعضهم يأتي إلى الرسول وعندهم استشكالات، ثم يُعطيهم الدرس من خلال الاستشكال الذي استشكلوه؛ لأنه يحل لهم المشكلة، فإذا حلَّ المشكلة انتهى الموضوع.
وأيضًا طرح الأسئلة في موضوعٍ من الموضوعات يُعدّ من استخدام الأسلوب غير المباشر.
المحاور: وأيضًا عندما نُعالج مشكلةً خاصةً أمام الملأ لا بد أن نستخدم الأسلوب غير المباشر، كقول النبي : ما بال أقوامٍ؟[3]أخرجه البخاري بأرقام (750-2735-6101)، ومسلم بأرقام (1401-1504-2356-1694)..
الضيف: ما بال أقوامٍ؟ هذا أيضًا في القضايا التي تتعلق بما يُواجهونه من مشكلاتٍ، أو خصوصياتٍ، أو تجاوزاتٍ، فيستخدم أسلوب ما بال أقوامٍ؟، لكن ليس هذا فقط هو الأسلوب غير المباشر، فالأساليب غير المباشرة كثيرةٌ، وقد ذكرتُ في كتاب "علم النفس الدعوي" عشرات الأمثلة من استخدام الرسول الأسئلة، وهذه طريقةٌ غير مباشرةٍ، فلا يقول لهم -مثلًا-: الغيبة كذا كذا، وإنما يقول: أتدرون ما الغيبة؟[4]أخرجه مسلم برقم (2589).، أتدرون مَن المُفلس؟ أليس كذلك؟ فلم يُعطهم الدرس مباشرةً، فقالوا: المُفلس فينا مَن لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار[5]أخرجه مسلم برقم (2581)..
المحاور: هل هذا المثال على الأسلوب غير المباشر، أم أنه على النقطة الثانية التي هي: الجانب التمهيدي؟
الضيف: لا توجد مشكلةٌ، قد يكون بينهما انفصالٌ واتِّصالٌ؛ لأن هذا التقسيم -كما قلنا- اجتهادٌ، لكن فعلًا يتميز هذا عن هذا.
المحاور: أهم نقطةٍ: ألا ندخل في الموضوع مباشرةً، وأيضًا أن نُنوع في الأساليب، وخاصةً الأساليب غير المباشرة.
الضيف: بالضبط، وأيضًا حين نقول: تمهيد، أي: أن الموضوع الذي عند الأم أو الأب أو المتحدث أو إمام المسجد هو موضوعٌ جديدٌ سيطرحه، فلا بد أن يضع له تمهيدًا، وفي الغالب يكون التمهيد لشيءٍ جديدٍ، وموضوعٍ جديدٍ، ودرسٍ جديدٍ، وقضيةٍ جديدةٍ.
المحاور: وربط السابق باللاحق.
الضيف: هذا أيضًا يدخل، أما موضوع استخدام الأساليب غير المباشرة فقد يكون أثناء الدرس، وقد يكون في التفصيلات، وقد يكون حتى في موضوعاتٍ لاحقةٍ، أو هوامش للموضوع.
المحاور: نحن أطلنا في الأسلوبية ومناقشتها أكثر من الوجدانية والمعرفية، وهناك بعض النقاشات حول المعرفية والوجدانية نُؤجلها إلى النهاية؛ ولذلك نريد أن ننتقل يا دكتور عبدالعزيز إلى الخصائص الأخيرة.
الخصائص الاتصالية
الضيف: الخصائص الاتصالية؟
المحاور: نعم.
الضيف: بعضهم يُسميها: الخصائص الإعلامية، لكن الاتصالية أوضح؛ لأنها تتعلق بالاتصال والتواصل مع الطرف الآخر، وهو التلميذ والابن والمدعو، وكيف تتواصل مع هؤلاء؟
صفات التواصل مع الطرف الآخر
لكي يحدث التفاعل والتواصل والاقتناع من المتعلم، ويستفيد ويقتدي ويتأثر، هناك صفاتٌ في التواصل كثيرةٌ، من أهمها في موضوع التفاعل ثلاث صفاتٍ، هي:
الأولى: المرونة الاتصالية.
الثانية: التوازن الاتصالي.
الثالثة: القُرب.
المرونة
من الخصائص الاتصالية: المرونة، وكثيرٌ من المعلمين لا يُدركون ذلك؛ ولهذا في كثيرٍ من الأحيان لما يصف بعضُ الطلاب المعلمَ يقولون: هذا المعلم ثقيلٌ، أو صعبٌ، أو لا يستجيب بسهولةٍ. فنحتاج أن نعرف: هل هو مرنٌ، أو ليس مرنًا؟
ولهذا فإن طبيعة الشريعة مرنةٌ، يقول الله تعالى: وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى [الأعلى:8]، ويقول: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185].
المحاور: ولهذا "ما خُيِّر رسول الله بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه"[6]أخرجه البخاري برقم (3560)، ومسلم برقم (2327)..
الضيف: لا يعني قولنا: "المرونة" أنه لا بد أن يكون دائمًا سهلًا لينًا، لا بد أن يكون هناك نوعٌ من الحزم، والأصل أن تغلب عليه المرونة، والرسول في الحج ما سُئل عن شيءٍ قُدِّم أو أُخِّر إلا قال: افعل ولا حرج[7]أخرجه البخاري برقم (83)، ومسلم برقم (1306).، لكن هل قوله : افعل ولا حرج بدون إطارٍ؟
لا، وإنما هناك إطارٌ ونظامٌ وأركانٌ وواجباتٌ، وهناك سننٌ، لكن مع وجود الأركان والواجبات والمُحددات هناك مرونةٌ واضحةٌ.
المحاور: إذن هذه هي المرونة.
طيب، عفوًا يا دكتور عبدالعزيز، اسمحوا لنا أن نستقبل بعض الاتصالات إذا كانت هناك أسئلةٌ ومُداخلاتٌ، عن طريق الأرقام التي تظهر لكم، بارك الله فيكم.
التوازن الاتصالي
الضيف: في كثيرٍ من الأحيان يتحدث الآباء أو الأمهات أو المعلمون طويلًا.
المحاور: يعني: مُتحدِّثٌ، غير مُستمعٍ.
الضيف: نعم، مُتحدِّثٌ، غير مُستمعٍ، فيُعطي التوجيهات والتعليمات، وأنت افعل كذا، وافعل كذا، وينبغي عليك كذا، وواجبٌ عليك كذا، ويشرح، ويأتي بالأدلة، وقد يكون المحتوى جميلًا، ولا نقول: أن فيه شيئًا، لكن أنت أمام إنسانٍ، بشرٍ، خاصةً إذا صاروا بعد عشر سنوات.
المحاور: يعني: له رأيه.
الضيف: نعم؛ ولذلك فإن المتخصصين الآن في الدراسات يقولون: المدرس الناجح والفعَّال هو الذي يُعطي فرصةً للمتعلمين، ويستطيع أن يصل إلى عقولهم، ويُعطيهم المعلومات، ويُحقق الأهداف، وهم يشتركون معه.
لذلك نحن نقول: العملية التعليمية عمليةٌ اتصاليةٌ، لكنها يجب أن تكون متوازنةً، بقدر ما تُعطي وتتحدث عليك أن تستمع وتستقبل.
المحاور: هذه القضية يا دكتور هي من القضايا الشَّائكة، وقد عملتُ مسحًا في أربع سنواتٍ على طلابنا المستجدين في كل فصلٍ دراسيٍّ أول في مقرر مبادئ علم النفس، وكان السؤال: كم عدد الأساتذة من أول ابتدائي إلى ثالث ثانوي الذين كانوا يُعطونكم فرصةً للحوار والمناقشة؟
فأكبر نسبةٍ وصلتُ إليها في إحدى المجموعات كانت 5% فقط، هذه أكبر نسبةٍ، وإلا فهناك نسبٌ أخرى أدنى وأدنى.
الضيف: وهذه كارثةٌ؛ لذلك حين ننظر في طريقة الرسول نجد أنهم كانوا يأتون ويسألونه، فيسمع منهم، ويأتون ويطرحون مشاكلهم، فيُجيبهم، ويحلها لهم، ويُحاورهم.
المحاور: كالشاب الذي جاء يستأذنه في الزنا.
الضيف: في الزنا، ومع هذا يُناقشه، ويأخذ ويُعطي معه: أتُحبُّه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يُحبُّونه لأمهاتهم[8]أخرجه أحمد برقم (22211)، وقال محققو "المسند": "إسناده صحيحٌ، رجاله ثقاتٌ، رجال الصحيح"..
ولما جاء رجلٌ إلى رسول الله من أهل نجدٍ، ثائر الرأس، يُسمع دوي صوته، ولا يُفقه ما يقول، فسأله، فأجابه، ثم سأله، فأجابه، وانتهى الدرس، ولم يكن هناك إلقاءٌ طويلٌ، هو خطٌّ مفتوحٌ، حتى قال : أفلح إن صدق[9]أخرجه البخاري برقم (46)، ومسلم برقم (11)..
فهذا نُسميه: التوازن الاتصالي، فالأم حين تتحدث للبنت لا بد أن تسمع منها، وكذلك الأبناء، وخاصةً الكبار منهم.
المحاور: وبين الزوجين يا دكتور كذلك؟
الضيف: نعم، وهذه من أهم الأشياء، وقد يأتي إليك الزوج فيقول: أنا عندي مشكلةٌ؛ زوجتي لا تُطيعني، وزوجتي عندها بعض المشكلات. ولما تبحث تجد أنهم لا يجلسون مع بعضٍ، ولا يتناقشون، ولا ينفتح بعضُهم على بعضٍ، فهذا هو السبب.
المحاور: الحوار والنقاش يفتح أشياء عديدةً جدًّا، بل يمكن من خلاله أن تُكتشف الذات في حقيقتها، وأيضًا يُوجّه ويُعدّل السلوك.
وهناك مَن يرى يا دكتور أن بعض الانحرافات الفكرية ذات اليمين، أو ذات الشمال، من إفراطٍ، أو تفريطٍ، والانحرافات السلوكية كانت بسبب ضعف وجود هذه البيئة التواصلية في المحاضن التربوية أيًّا كانت: أسريةً أو تعليميةً.
الضيف: نعم، بحيث يصير المتعلم مُلغى تمامًا.
المحاور: وليس عنده استقلالٌ فكريٌّ.
الضيف: هو مُلغى فكريًّا، بحيث إنه لا يُستمع إليه، ولا يُدخل معه في نقاشٍ وحوارٍ، وهذا من أهم المسائل التي تُسبب كثيرًا من الإشكاليات.
المحاور: النقطة الأخيرة في الاتصالية يا دكتور.
الضيف: الصفة الأخيرة التي هي القُرب، ولا نقصد بالقُرب القُرب المعنوي؛ لأن القرب المعنوي أشرنا إليه في الجانب الوجداني والأسلوبي، وفي الكلام على المجالات، وإنما نقصد بالقُرب: القُرب المادي، فالأب المُبتعد عن أولاده، والأم المُبتعدة عن أولادها، ولا تراهم إلا قليلًا، ولا يحظون بوقتٍ يسمعون فيه منها، وتسمع منهم، والأب أيضًا مُنصرفٌ أغلب الوقت في تجارته وعمله، ومع زملائه في استراحاتٍ، ويقول: ماذا يُريدون؟ أنا أوفِّر لهم كل شيءٍ، ولا يحتاجونني، الحمد لله، كل شيءٍ عندهم!
المحاور: وربما تواصل معهم عبر الجوال ومن بُعْدٍ.
الضيف: ويمضي الوقت، وتمضي السنون، ثم يُفاجأ بكثيرٍ من الانحرافات التي يقع فيها الأبناء، وعدم إنجازٍ، وفشلٌ دراسيٌّ.
المحاور: إذن تواجد المربي يا دكتور جسديًّا ومُشاركته مع المتربين قضيةٌ مؤثرةٌ.
الضيف: نعم، فلا بد أن يجلس معهم، ويُحدد لهم أوقاتًا يستمع إليهم، ويُسافر معهم، ويُعطيهم فرصةً إذا احتاجوا.
وبخصوص المربي: هناك ما يُسمّى بالساعات المكتبية، والساعات المنزلية التي تكون عبر الهاتف، فالطلاب يتواصلون مع مُعلمهم، وأيضًا يكون المعلم موجودًا في غرفة المعلم ويستقبلهم.
المحاور: يعني: إمكانية الوصول إليه.
الضيف: يقف معهم، ويمشي معهم، ولهم معه نشاطاتٌ وطلعاتٌ، فهذا كله نُسميه: القُرب، حتى أهل العلم، فالناس أيضًا يقولون: الشيخ الفلاني -مثلًا- ما شاء الله، تبارك الله، إذا احتجتَ إليه لتستفتيه وجدتَه، وآخر ليس كذلك، مستحيلٌ أن نحصل على هاتفه.
المحاور: عفوًا يا دكتور، هناك سؤالان وردا عبر (الواتس آب):
الأول: ما رأيك في العقاب الجسدي للطفل؟
الضيف: الأصل تجنب العقاب الجسدي، هذا هو الأصل، والرسول قال: مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشرٍ[10]أخرجه أبو داود برقم (495)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (5868)..
فأولًا: أبناء عشرٍ ليسوا أطفالًا.
ثانيًا: هذا الضرب يكون عن الصلاة التي هي أعظم شيءٍ، وليس فيما دونها.
ثالثًا: أنه قال: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين يعني: أن توجد أعمالٌ أخرى قبل اللجوء إلى العقاب البدني، فالعقاب البدني لا نلجأ إليه إلا كاستثناءٍ، ولا نريد أن نلغيه، لكن هو استثناءٌ، فالأب الذي يستخدم العصا دائمًا في ضرب الأولاد، أو الأم التي تستخدم يدها دائمًا في الضرب، وتضرب كلَّ جهةٍ من جسم الطفل.
المحاور: يعني: حينما يكون الضرب هو الخيار الأول هذه قضيةٌ خطيرةٌ جدًّا.
الضيف: هذه خطيرةٌ جدًّا، حتى إذا كان الخيار الثاني أو الثالث.
المحاور: صحيحٌ، آخر الدَّواء الكيّ.
الضيف: يكون آخر شيءٍ، وبشرط ألا يكون ظلمًا، والرسول يقول: واضربوهم عليها وهم أبناء عشرٍ، وهي صلاةٌ، ويكون الضرب لعشرٍ، ويكون آخرًا، وقبله الأمر بالصلاة.
المحاور: جزاك الله خيرًا، يعني: أنت إذن تُضيق هذه الدائرة بشكلٍ كبيرٍ.
الضيف: جدًّا، وليس هذا هو الأسلوب الصحيح.
المحاور: وهذه عادةً محل نقاشاتٍ وحواراتٍ بشكلٍ كبيرٍ، لكن لا شك أن ما ذكرته يا دكتور هو الصحيح.
الضيف: نعم، والدراسات الحديثة كلها تدل على ذلك.
المحاور: وقبل ذلك فعل النبي يا دكتور.
الضيف: طبعًا هذا أكيدٌ، ما في شكٍّ.
المحاور: جزاك الله خيرًا.
السؤال الآخر: هذا السائل يسأل فيقول: كيف أُعلِّم ابني قراءة كتابٍ بمفرده، وفي نفس الوقت أُعلِّمه مشاركة الآخرين والاختلاط معهم، حيث إنه يميل إلى الانطواء؟
الضيف: هذان سؤالان؟
المحاور: نعم.
الضيف: يقرأ كتابًا؟
المحاور: يبدو أنه يميل إلى الانطواء، فيقرأ بمُفرده، وأيضًا الأم أو الأب يُحبَّان أن يختلط مع الآخرين.
الضيف: نحن يجب أن نُربي في الطفل الناحية الاجتماعية والناحية الفردية معًا، فلا يصلح أن يكون اجتماعيًّا 100%؛ لأن الإنسان يحتاج إلى أن ينفرد في عبادته، ويحتاج أيضًا أن يتعلم ويقرأ ليحفظ، وأحيانًا يحتاج إلى أن ينفرد بنفسه ليُفكر ويتأمل، لكن لا يُبالغ في هذا الجانب.
وأيضًا نحن بحاجةٍ إلى أن نجعله اجتماعيًّا، يختلط بالآخرين، ويتأثر بهم، ويُؤثر فيهم، ويُجرب نفسه، ويتعلم من الحياة.
المحاور: إذن القضية شموليةٌ.
الضيف: فمن وظائف المدرسة المهمة التي تتعلق بالطفل من عمر خمس سنوات -الذي كان مُنطويًا في أسرته- أن تُعلِّمه كيف يخرج إلى زملاء في نفس سنِّه، ويلعب ويضحك معهم، ويدخل الفصل معهم، ويتعلم هو وإياهم؟
المحاور: إذن التوازن بين الفردية والجماعية.
الضيف: جدًّا.
المحاور: جزاك الله خيرًا يا دكتور.
الضيف: وأيضًا نحن نُؤيد جدًّا تعويده على القراءة.
المحاور: من وقتٍ مبكرٍ.
الضيف: نعم.
المحاور: جزاكم الله خيرًا.
الضيف: لكن بدون أن يُلزمه إلزامًا قاطعًا يجعله يكره القراءة، وأيضًا لا يتركه يقرأ أي شيءٍ، وإنما يجب أن تكون القراءة مناسبةً له من ناحية العمر والفكر.
المحاور: جزاك الله خيرًا يا دكتور عبدالعزيز.
لعلنا في الدقائق المتبقية مع أستاذنا الكريم الأستاذ الدكتور عبدالعزيز النغيمشي -جزاه الله خيرًا- بعد أن استعرض لنا الخصائص والحزم المعرفية، والأسلوبية، والوجدانية، والاتصالية، نأخذ بعض الاستفسارات مع الدكتور، وهي كثيرةٌ، ولن نستطيع أن نأخذ منها إلا جزءًا بسيطًا.
دكتور عبدالعزيز، نتائج الدراسات في جميع مراحل التعليم -كما يذكرها كتاب "علم النفس التربوي"- تُؤكد على سمات الودِّ والدفء والتعاطف والاهتمام والتعاون والعناية بالمشكلات الشخصية والأكاديمية، فقد احتلت المراكز الأولى لمرحلة الطفولة، والمرحلة المتوسطة، والثانوية، والجامعية بهذه المراحل ككلٍّ، فأيُّها أكثر تأثيرًا فيما يتعلق بهذا الجانب؟
ما تعليقكم على هذه القضية، بارك الله فيكم؟
الضيف: طبعًا هذا الأصل؛ لأن الخصائص الوجدانية -كما ذكرتُ في البداية- هي التي من الداخل، والمعرفية تتعلق بالمعرفة عند المربي، والمعرفة أنواعٌ: فهناك معرفةٌ تتعلق بمعلوماته الكثيرة في مجاله، وحول المتعلمين، وهذا مؤثرٌ جدًّا، وأيضًا ما يتعلق ببناء المعلم الفكري والعلمي؛ ولذلك تجد الخصائص التي ذكرناها -وهي ثلاث خصائص- متعلقةً بهذه المسائل، والتي هي كون معرفته واسعةً بالطالب ليُؤثر عليه، وأيضًا كونه يعرف الطالب: هل يتحمّل الجدية أكثر، أو لا بد أن تلين معه أكثر؟
فالرسول كان يعلم حال أصحابه، فلما يأتي واحدٌ مُبتدئٌ، أو واحدٌ له طبيعةٌ معينةٌ يلين معه؛ فالثلاثة الذين خُلِّفوا -مثلًا- يشدّ عليهم؛ لمعرفته بهم.
المحاور: هي التي أثَّرت في التعامل.
الضيف: جدًّا، أثَّرت عليهم.
المحاور: طيب، دكتور عبدالعزيز، قمنا بدراسةٍ مسحيةٍ بسيطةٍ جدًّا عندنا في الكلية، طلبنا من الطلاب أن يسألوا زملاءهم: ما أكثر الصفات المُؤثرة عليهم والمتعلقة بالمعلم؟
فكانت النتيجة بعد التحليل وفرز الصفات أن 75% منها وجدانية، وسبع عشرة كانت معرفيةً.
ما تعليقكم على هذا؟
الضيف: تحدثنا عن الوجدانية، وقلنا: فيها خمس صفاتٍ، أو خمس خصائص، وهي أساسيةٌ.
المحاور: التي هي: الإخلاص، والعدل، والأمانة، والرحمة، والجود.
الضيف: نعم، لاحظ موضوع الرحمة والجود مثلًا، فهذه صفاتٌ -في الغالب- تكون موجودةً عند الشخص في الأصل، صحيحٌ أنه يكتسبها البعض كما جاء في الحديث: إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم[11]أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" برقم (2663)، و"الكبير" برقم (1763)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (2328).، والرسول لما جاءه رجلٌ وقال: أوصني. قال: لا تغضب، فردد مرارًا، قال: لا تغضب[12]أخرجه البخاري برقم (6116).، فنحن نستدل بهذا أيضًا على أن الانفعال يمكن أن يُتعلم.
المحاور: الذي يُلحظ يا دكتور في التعامل مع الطلاب أن الجانب الوجداني ربما يسحر الجيل ويُؤثر فيه أكثر من الجانب المعرفي، فلو وُجِدَ معلمٌ عنده الجانب المعرفي قويٌّ، والوجداني ضعيفٌ، ومعلمٌ آخر عنده الجانب الوجداني قويٌّ، والجانب المعرفي ضعيفٌ، تجد الطلاب يُحبون صاحب الجانب الوجداني أكثر، وهكذا بالنسبة للأب، فهل هذه إشارةٌ لأهمية عناية المربي بالجانب الوجداني أكثر؟ وليس في ذلك تقليلٌ من الجانب المعرفي.
الضيف: أنا أُؤيد هذا الكلام، مع التنبيه إلى أنه لا يُقصد بالجانب الوجداني هنا التساهل.
المحاور: أكيدٌ، المقصود الود بحزمٍ.
الضيف: لأن هذه طريقة الرسول ، فقد قال لرجلٍ: ارجع فصلِّ فإنك لم تُصلِّ[13]أخرجه البخاري برقم (757)، ومسلم برقم (397).، وليس هذا من القسوة عليه، ولم يتركه ويُهمله بعد أول تنبيهٍ، وهذا يدل على عنايته ورحمته به، وفي نفس الوقت هناك مُحددات: ارجع فصلِّ فإنك لم تُصلِّ، وقال الرسول لصحابيٍّ: زادك الله حرصًا، ولا تعد[14]أخرجه البخاري برقم (783)..
المحاور: فالأول جانبٌ وجدانيٌّ، والثاني معرفيٌّ.
الضيف: جدًّا، حزمٌ؛ ولذلك لا نفهم من الوجداني أن يصير الأب سبهللًا متساهلًا.
المحاور: ولذلك يقولون دائمًا أن الود والحزم ما فعله النبي مع فاطمة؛ كان يقوم لها، ويُقبل عليها، ويُقبّلها، ويأخذ بيدها، ويُجلسها مكانه، ويُرحب بها، ولكنه مع هذا يقول: لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعتُ يدها[15]أخرجه البخاري برقم (3475)، ومسلم برقم (1688)..
في التعليقات يا دكتور في قضية السؤال التفاعلي ذكر بعضهم مسألة الأمانة، والرفق والحلم، والإيمان والالتزام، والتعرف على الطرف الآخر، وأن يكون المربي صبورًا بشوشًا، وأن يُراعي الله ويُراقبه، وغير ذلك مما يتعلق بصفات المربي، هل لكم تعليقٌ، حفظكم الله؟
الضيف: الذي يُلاحظ على ما ذكرته من هذه التعليقات ثلاث مسائل:
الأولى: أن كثيرًا من الأشياء التي ذكرها الزملاء والمُعلِّقون تتوافق مع ما ذكرناه، مما يدل على أن هذه الآراء صائبةٌ ومُؤثرةٌ، ومهمٌّ جدًّا أن يتواطأ أو يجتمع المُفكرون أو المعلمون أو المعلِّقون.
المحاور: عفوًا يا دكتور عبدالعزيز، أشار البعض إلى قضية النظرة الإيجابية للطلاب.
الضيف: هذا الجانب الثاني، وما ذُكِرَ أيضًا من تعليقاتٍ يدل على أنه توجد مسائل لم نتطرق لها، وهي مهمةٌ، وقد تدخل تحت بعض العناوين، وقد لا تدخل؛ فلذلك ينبغي أيضًا العناية والاهتمام بها.
الثالثة: أن بعض الإخوة يخلط بين أسلوب التعليم وبين الخصائص، والخصائص غير أسلوب التعليم؛ فالقدوة -مثلًا- أسلوبٌ، والتلقين أو التعلم الإشراطي، هذه أساليب، ونحن لا نريد أن ندخل في التفصيلات.
أما إذا قلتُ -مثلًا-: صفة المعلم كذا وكذا، فهذه خصائص.
فمن أساليب التعلم وطرق توصيل المعلومة والرسالة التربوية: القدوة، أو ما نُسميه: التعلم الاجتماعي، أو التعلم بالملاحظة، والتعلم بالملاحظة هو أنك تُلاحظ الشخص النموذج، فتعمل مثلما يعمل.
المحاور: وأجيالنا اليوم يا دكتور بأمس الحاجة إلى المربين القدوات؛ لأنهم إذا لم يجدوا القدوة في المربين الذين يُلاصقونهم في البيت والمدرسة والتعليم سيذهبون إلى قُدواتٍ أخرى، وهذه مشكلةٌ كبيرةٌ جدًّا.
النقطة الأخيرة يا دكتور في نصف دقيقةٍ، بارك الله فيك؛ لأن الوقت انتهى، وهي: التزاحم الذي يحصل عند المعلم في الحصة الدراسية بين جانبه المعرفي، وبين القضايا الأخرى: كالأسلوبية، والقضايا المتعلقة بالوجدانية، يقول: أنا لا أستطيع أن أُوازن! ما توجيهكم لهذا المعلم، بارك الله فيك؟
الضيف: طبعًا توجد نوادر، لكن في الغالب المعلم إذا أراد أن يُوصل الرسالة المعرفية والتربوية يستطيع أن يُوصلها.
المحاور: يعني: وجود الرغبة والاهتمام.
الضيف: وجود الرغبة والاهتمام هذا مهمٌّ جدًّا، والأمر الآخر: أن يعرف من أين تُؤكل الكتف؟ بحيث يجمع بين الأشياء الجميلة، ولا يفوت عليه الوقتُ، ولا يضيع عليه شيءٌ، فهذا أمرٌ أتصور أنه بإمكان كثيرٍ من المعلمين القيام به، لكن إذا كان الموضوع -فعلًا- شائكًا، والمادة العلمية كثيرةً، والجدول الدراسي فيه ضغطٌ مثلًا؛ عندئذٍ تتزاحم عليه الأمور، وربما يمضي عليه الوقت.
المحاور: يجتهد: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2].
جزاك الله خيرًا يا دكتور، سعدنا بوجودك معنا يا دكتور عبدالعزيز، ونعتبر أن اللقاء بكم في مثل هذا الموضوع هديةٌ ومكسبٌ، نسأل الله أن يُبارك في أعماركم وأوقاتكم وعلمكم وأهليكم، اللهم آمين.
أيها الإخوة والأخوات، كنا في ساعةٍ كاملةٍ مع أستاذٍ فاضلٍ كريمٍ استفدنا منه كثيرًا، وما زلنا نستفيد منه، وندعو المربين إلى أن يستفيدوا منه كثيرًا، خاصةً فيما كتبه -بارك الله فيه-، والمجتمع أيها الإخوة بأمس الحاجة إلى هذه المعاني العظيمة الطيبة.
والشكر موصولٌ لكم أيها الإخوة والأخوات، خاصةً الذين شاركونا في السؤال التفاعلي، والمشاركات كثيرةٌ، وسأطلع عليها كاملةً -بإذن الله -، وسنستفيد منها -إن شاء الله- في حلقاتنا القادمة في برنامج "أسس التربية".
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد إلى أن نلقاكم في الأسبوع القادم -بإذن الله- وأنتم على خيرٍ.
والحمد لله رب العالمين.
↑1 | أخرجه الترمذي برقم (3790)، وابن ماجه برقم (154)، والنسائي في "السنن الكبرى" برقم (8185)، وصححه الألباني في "الصحيحة" برقم (1224). |
---|---|
↑2 | أخرجه البخاري برقم (4770)، ومسلم برقم (208). |
↑3 | أخرجه البخاري بأرقام (750-2735-6101)، ومسلم بأرقام (1401-1504-2356-1694). |
↑4 | أخرجه مسلم برقم (2589). |
↑5 | أخرجه مسلم برقم (2581). |
↑6 | أخرجه البخاري برقم (3560)، ومسلم برقم (2327). |
↑7 | أخرجه البخاري برقم (83)، ومسلم برقم (1306). |
↑8 | أخرجه أحمد برقم (22211)، وقال محققو "المسند": "إسناده صحيحٌ، رجاله ثقاتٌ، رجال الصحيح". |
↑9 | أخرجه البخاري برقم (46)، ومسلم برقم (11). |
↑10 | أخرجه أبو داود برقم (495)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (5868). |
↑11 | أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" برقم (2663)، و"الكبير" برقم (1763)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (2328). |
↑12 | أخرجه البخاري برقم (6116). |
↑13 | أخرجه البخاري برقم (757)، ومسلم برقم (397). |
↑14 | أخرجه البخاري برقم (783). |
↑15 | أخرجه البخاري برقم (3475)، ومسلم برقم (1688). |