المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها الإخوة والأخوات، مرحبًا بكم في حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم "أسس التربية" من قناتكم قناة "زاد" العلمية.
وكنا قد تحدثنا عن أهمية التربية بالنسبة للفرد، واليوم -بإذن الله - سيكون الموضوع والنقاش مع مُداخلاتٍ كريمةٍ واتِّصالاتٍ مُباركةٍ منكم عن "أهمية التربية للأسرة".
نحن نؤمن ونُدرك أن الأسرة تتكون من أفرادٍ، ولا يمكن أن تصلح هذه الأسرة إلا إذا صلح حال الفرد؛ ولذلك الله ربط التغير المجتمعي بالتغير الفردي، فقال: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11].
وكثيرًا ما يتكلم الناس حول دور المجتمعات والأُسر، وينسون النقطة والمُرتكز الأساس وهو الفرد؛ ولذلك ما سبق ذكره في حلقات هذا البرنامج ما هو في الحقيقة إلا بناءٌ للفرد وتربيةٌ له، واليوم سنُركز أكثر على أهمية التربية للأسرة المُكونة من أبٍ وأمٍّ وأبناء.
التربية الصالحة طاعةٌ لله
تربية الأسرة تُعدُّ ابتداءً طاعةً لله القائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6]، فالشق الأول هو الفرد: أَنْفُسَكُمْ، والشق الثاني هو الأسرة: وَأَهْلِيكُمْ نَارًا، فالتربية طاعةٌ لله، ولا خيارَ لنا: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، فليس لنا خيارٌ فيما يتعلق بتربية أبنائنا وتكوين الأسرة المسلمة التي تُحافظ على الفطرة السَّوية، وتقوم بعلاج المشكلات ونمو الإنسان نموًّا سعيدًا في الدنيا والآخرة، فيجب علينا أن نهتم بهذه القضية أيّما اهتمامٍ.
والأُسر اليوم مُتفاوتةٌ جدًّا في موضوع التربية؛ لتفاوتها ابتداءً في مُنطلقاتها، فقد تجد أسرةً ليست مُتدينةً، أو أسرةً ليست مسلمةً، لكنها ناجحةٌ في جوانب معينةٍ في التربية، وفعلًا تكون جادَّةً في هذا الجانب، ومَن زرع حصد، لكن نحن نتحدث عن التربية التي تُحقق الأهداف المنشودة لسعادة الدنيا والآخرة، ولا يمكن أن تتأتى إلا بطاعة الله .
فنحن بأمس الحاجة إلى إدراك أن هذا واجبٌ علينا أن نقوم به، فلا يُقْبَل أبدًا أن يكون الأب مشغولًا عن أبنائه، فيهتم بمَن هم خارج البيت أكثر من اهتمامه بأبنائه، ولا يُقْبَل أيضًا أن يكون الزوج بعيدًا عن زوجته، ويكون أقرب لغير زوجته، فنحتاج أن نضع هذه القضية نُصْبَ أعيننا، ولن ننطلق بشكلٍ إيجابيٍّ إلا إذا شعرنا بأن هذا الأمر تعبُّديٌّ من الله .
الانتهاء عن الشبهات
معنا الآن اتِّصالٌ من الأخ محمد من السعودية.
حيَّاك الله يا أخ محمد.
المتصل: السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: الله يحفظكم يا دكتور خالد، كيف حالك؟
المحاور: يا مرحبًا.
المتصل: الله يحفظك، عندي طلبٌ بخصوص البرنامج ككلٍّ، وعندي اقتراحٌ أُحب أن أُقدمه، هل تسمح بذلك؟
المحاور: تفضل حبيبنا.
المتصل: الله يحفظك، الرسول عليه الصلاة والسلام عندما أرشد إلى الانتهاء عن الشبهات التي تنتج عن وساوس الشيطان فإنه أرشد إلى الاستعاذة، وتابع الإرشاد عليه الصلاة والسلام بشقٍّ يغفل عنه الكثير من الناس، وهو: الانتهاء، فنحن نريد تأصيل هذه القضية في حلقاتٍ وسلاسل كاملةٍ تُفصِّل هذا المفهوم الذي هو الانتهاء بعد الاستعاذة؛ لأني أنا شخصيًّا التمستُ هذا من نفسي المُقصرة أولًا، ثم من كثيرٍ ممن حولي؛ لأن المسلمين يعتمدون على الدعاء، ويتركون العمل بالأسباب الذي هو الشق الآخر الذي هو الانتهاء: فليستعذ بالله، وليَنْتَهِ[1]أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134).، فنريد أن يتمَّ إثراء هذا الموضوع في المستقبل، بارك الله فيك.
المحاور: جزاك الله خيرًا، هذا اقتراحٌ جيدٌ، خاصةً ما يتعلق بالأوهام والوساوس، ولعلنا -بإذن الله - نُخصص حلقةً كاملةً نستضيف فيها أحد المُختصين حول الوسواس القهري، وغيرها من القضايا المُتعلقة بجوانب التعاسة والهم والكدر.
أهمية غرس العقيدة السليمة في الأبناء
معنا الآن أيضًا مُداخلةٌ كريمةٌ من الأستاذ هليل العنزي.
حيَّاك الله يا أستاذ هليل.
المتصل: الله يُحييك يا دكتور خالد، وأنا أشكركم على هذا البرنامج الرائع جدًّا.
المحاور: يا مرحبًا بقائد مدارسنا في الخفجي، الله يحفظك.
المتصل: الله يبارك فيك يا دكتور.
المحاور: أستاذ هليل، جزاك الله خيرًا، موضوعنا: "أهمية التربية للأسرة"، وكونكم ابتداءً أساتذةً ومُربين ومُشرفين وقادةً تربويين، وأيضًا لكم علاقةٌ بالإصلاح الأُسري في محافظة الخفجي، وكذلك في لجان التنمية، هلَّا حدَّثتمونا حول رؤيتكم عن أهمية التربية للأسرة، بارك الله فيكم.
المتصل: الله يُبارك فيك يا دكتور، سأتكلم في نقطتين:
النقطة الأولى: اتَّضح من واقع حياتنا في التعليم أن الأسرة التي تعلَّمت التربية حسبما أوجب التشريع الإسلامي عليها، فغرست العقيدة السليمة الراسخة في أبنائها؛ نرى هذه التربية وآثارها أمامنا في التعليم، يعني: نحن في التعليم نرى هذا الطالب فعلًا تلقَّى في البيت تربيةً جميلةً جدًّا، ويتضح ذلك من خلال حواراته ونقاشاته وتفوقه وبحثه عن الموهبة، فأصبحت النتائج واضحةً أمامنا في المدارس.
النقطة الثانية: تحقيقًا لأمر الرسول في قوله: تزوَّجوا الودود الولود؛ فإني مُكاثرٌ بكم الأمم[2]أخرجه أبو داود (2050)، وذكره الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3). يجب على البيت المسلم أو الأسرة المسلمة أن تعتني بإنجاب وتربية المؤمن الصالح، ولا شكَّ أن الجميع يعلم أن المُباهاة لا تكون إلا بشيءٍ جميلٍ جدًّا، فالمُباهاة يوم القيامة لا تكون إلا بالصالحين الذين يُحققون مراتب عُليا في الدنيا والآخرة.
وأختم كلامي يا دكتور خالد: بأن الأسرة تُربي لتُحقق سبب وجودها، وهي عبادة الله .
وإضافةٌ أخيرةٌ: أنا أعمل في لجنة "إصلاح ذات البين"، وكثيرٌ من الأسر تعمل وتجتهد من البداية من أجل أن تُنشئ جيلًا ليس لديه مشاكل، فالابن الذي تربَّى في ظل أسرةٍ يغمرها الحب بين الأم والأب لا شك أنه سيكون -بإذن الله- زوجًا يعرف معنى الحياة الزوجية؛ لأنه تعلَّمها من الصِّغر، وغُرست فيه هذه الحياة، فأصبح يُقدِّر الحياة الزوجية.
المحاور: إذن مسؤولية الأسرة مسؤوليةٌ كبيرةٌ جدًّا، يعني: المنتج الذي ترونه أنتم ونراه نحن في التعليم ما هو إلا من خلال الأسرة أيًّا كان: قوةً، أو ضعفًا، أليس كذلك يا أستاذ هليل؟
المتصل: بلى.
المحاور: وكذلك ما يتعلق بالقضايا والمشكلات والأمور التي ترد في إصلاح ذات البين، تجد الأسرة المُتماسكة أقرب إلى الرجوع إلى الحل بصورةٍ أسهل من الأُسر الأخرى التي تجعل -كما يُقال- الحَبَّة قُبَّةً، وتُصبح القضية البسيطة قضيةً مُعقَّدةً جدًّا.
المتصل: صحيحٌ يا دكتور، وأيضًا بعض المشاكل التي تحدث في الخلافات الأسرية بين الزوجين هي أصلًا عقدةٌ موجودةٌ عند هذا الزوج عندما كان طفلًا؛ فلذلك أثَّرت في حياته عندما تزوج، فظهرت هذه القيمة السلبية التي غُرست فيه؛ فأثَّرت على حياته الزوجية.
المحاور: جزاك الله خيرًا.
المتصل: أسأل الله لنا ولكم التوفيق، وشكرًا يا دكتور.
المحاور: سُعداء بك يا أستاذ هليل، وبارك الله فيك.
المتصل: الله يُبارك فيك.
المحاور: نلتقي على خيرٍ -بإذن الله-، شكرًا لك يا أستاذ هليل.
كان معنا الأستاذ هليل العنزي من محافظة الخفجي، وهو قائد مدارس هناك -وفَّقه الله-، وتحدَّث عن هذه القضية المهمة حول أهمية التربية للأسرة، وقد أشار إلى ما يجب على الأسرة، وهو: أن تجعل هدفها الأساسي هو تعبيد أجيالها وأبنائها لله ، فهذه هي القضية الأساسية: هل نجحنا؟ وهل نجحت أُسرنا؟ وهل نجحت أُسركم أيها الإخوة والأخوات المُتابعين لهذا البرنامج؟ وهل وضعنا هذا الهدف ضمن أهدافنا، بل إنه الهدف الأول؟ وهل نجحنا في ذلك؟
هذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، فنحتاج إلى أن نقف عندها أيها الإخوة، بارك الله فيكم.
ابنتي مثاليةٌ لكنها تكذب
معنا الأخت راندا من السودان، تفضلي.
المتصلة: السلام عليكم.
المحاور: لو أن الإخوة في (الكنترول) يُعطونا الوقت المسموح به لكل متصلٍ، الله يُعطيكم العافية.
تفضلي يا أخت راندا.
المتصلة: يا شيخنا، أنا بنتي صغيرةٌ عمرها أربع سنواتٍ، وطيبةٌ ومثاليةٌ في كل أخلاقها، لكن مشكلتها أنها تكذب؛ لكيلا تجرح الناس الآخرين، فأنا لا أعرف كيف أُخلصها من هذا؟
المحاور: تكذب من أجل ماذا؟
المتصلة: يعني: لو كسرت شيئًا -مثلًا- فإنها تكذب؛ لكيلا أحزن أنا، أو تكذب من أجل أختها الثانية لو عملت خطأً؛ لتستر عليها، فتُحب أن يعيش الناس كلهم في هدوءٍ وطُمأنينةٍ.
المحاور: هل تجد هي تعاملًا قاسيًا أو تهديدًا؟
المتصلة: أبدًا والله، أنا لستُ أمًّا عصبيةً، ولا أبوها عصبيٌّ، ولكن هي عندها خوفٌ من النَّهْر والضرب، حتى إنها ترفض أن تذهب إلى المدرسة؛ لأنها تخاف من الضرب.
المحاور: هل تتعرض للضرب في المدرسة؟
المتصلة: هي تقول: إنها تعرَّضت للضرب، لكن ربما بشكلٍ بسيطٍ.
المحاور: طيب، واضحٌ، إن شاء الله تعالى.
المتصلة: جزاكم الله خيرًا.
ابني عنيدٌ فكيف أتعامل معه؟
ومعنا أختٌ أخرى: أم مهند، من السودان أيضًا.
تفضلي.
المتصلة: السلام عليكم ورحمة الله.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أرجو من الإخوة إشعارنا بالوقت المُحدد.
المتصلة: أم مهند، من السودان.
المحاور: تفضلي، حفظكِ الله.
المتصلة: لو سمحت يا شيخ، عندي ولدٌ اسمه: مهند، وعنده ثلاث سنواتٍ إلا ثلاثة أشهرٍ، وهو عنيدٌ جدًّا، ولا أعرف كيف أتعامل معه؟ وقد حاولتُ التعامل معه بكل الأساليب، ولم يُفد ذلك، ولم أجد نتيجةً.
المحاور: تطلبون منه شيئًا ولا يُنفِّذ؟
المتصلة: عنيدٌ، عنيدٌ.
المحاور: تطلبون منه شيئًا ولا يُنفِّذه؟
المتصلة: ما يُنفذ.
المحاور: طيب، أنتم كيف تتعاملون معه؟
المتصلة: نحن تعاملنا معه باللِّين ولم ينفع، وتعاملنا معه بالقسوة وأيضًا ما نفع! فأعطني أسلوبًا أتعامل به معه.
المحاور: أنا أريد يا أم مهند أن أعرف ماذا تقصدين بالعناد بالنسبة له؟
المتصلة: العنيد -مثلًا- هو: الذي يأخذ أي شيءٍ ويقذفه، ويجري -مثلًا- ويفتح الدولاب، ويكسر بعض الأمور، وإذا قيل له: لا تأخذ كذا، ولا تعمل كذا. فإنه يعمل العكس.
المحاور: واضحٌ، جزاكِ الله خيرًا، وأبشري -إن شاء الله- بالجواب.
المتصلة: أعطني أسلوبًا أتعامل به معه كي لا أفقد الولد.
المحاور: طيب، شكرًا لكم.
بالنسبة للحالتين على أية حالٍ، نحن لا بد أن نضع في اعتبارنا أن هؤلاء أطفال في مُقتبل العمر، ومرحلة الطفولة مرحلة بناء الإنسان، فينبغي أن نقلق كثيرًا حول بعض الأشياء التي تتعلق بهذه المرحلة خاصةً، وهي تحتاج إلى توجيهٍ وشيءٍ من الاستثمار بشكلٍ جيدٍ، لكن لا نقلق ونتصور أن القضية قد انتهت، فلا ينبغي أن نتعامل مع المشكلة بأسلوبٍ ليس إيجابيًّا، ولا أن نتركها، فكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
وبالنسبة لموضوع الأخت الأولى: وهي قضية الابنة المثالية التي لا تريد أن تُغضب أمها ... إلى آخره، واضحٌ أن موضوع الضرب هذا موجودٌ في المدرسة، وقد أكسب البنت عدم الأمن النفسي، وينبغي أن يكون للأسرة دورٌ في التوافق مع المدرسة في التعامل السليم، ولا تُستخدم القسوة والشدة، وبخاصةٍ الإهانات الكلامية، أو استخدام الضرب بهذه الصورة.
ونحن عندنا أساليب التعزيز، وأساليب الحرمان، فالتعزيز في الأشياء الإيجابية، فحينما تفعل شيئًا إيجابيًّا، أو مُضادًّا للسلوك غير الإيجابي، فأُكافئها، أو أعدها بذلك.
وأما الحرمان فيكون لشيءٍ هي تُحبه، وأُبعدها عنه، وهناك ما يُسمَّى: بالتعزيز والتدعيم الاجتماعي، يعني: الأم تدعم، والأب يدعم، والمدرسة تدعم، ويتَّفقون اتِّفاقًا اجتماعيًّا من أجل هذه القضية.
وينبغي أن يُقال لهذه البنت الطفلة التي تكذب: إن الكذب ليس طيبًا، ويجب أن يكون الإنسان صادقًا، وأنتِ حينما تكونين صادقةً فالله يُحبكِ، والناس يُحبونكِ، وحينما يقلُّ الكذبَ لديها تُعزَّز بجائزةٍ تُحبها، ويُرى المُسبِّب لذلك ما هو؟ ربما -كما أشرتم- يكون الضرب في المدرسة، فيُعالج هذا الأمر.
الحالة الثانية: ما يتعلق بقضية العناد، فالعناد جزءٌ منه مُتعلقٌ بقضية لفت النظر، فقد يكون هناك مولودٌ جديدٌ، وقد أخذ المودة والمحبة عن الطفل؛ فلذلك ينبغي العدل بين الأولاد في ذلك، وفي الحديث: فاتَّقوا الله، واعدلوا بين أولادكم[3]أخرجه البخاري (2587).، فمهمٌّ جدًّا أن نُعطيه اهتمامًا كما كان، وربما يكون أدقَّ مما كان؛ لأننا سنُعطي الصغير جزءًا من وقتنا، فلا بد أن نُراعي هذا الابن.
تلميذتي خجولةٌ جدًّا
عفوًا، معنا اتِّصالٌ من الأخ عبدالله من المغرب، ولا نريد أن نُؤخره، نسمع اتِّصاله، ثم نعود -إن شاء الله- لسؤال الأخت أم مهند من السودان.
تفضل يا أخ عبدالله.
المتصل: السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: ممكن أُكلم فضيلة الشيخ؟
المحاور: حيَّاك الله، تفضل.
المتصل: أنا أستاذٌ، وعندي تلميذةٌ في القسم خجولةٌ جدًّا.
المحاور: كم عمرها؟
المتصل: سبع سنواتٍ.
المحاور: طيب.
المتصل: وجدتُ معها مشكلةً، وهي: أنها لا تكتب ولا تتجاوب معي في القسم.
المحاور: لا تكتب! يعني: لا تعرف أن تكتب، أو لا تريد أن تكتب؟
المتصل: تعرف، ولكنها في بعض المرات لا تريد أن تكتب.
المحاور: وكيف طريقة تعاملكم معها؟
المتصل: أنا لا أُجبرها على شيءٍ، ولا على الكتابة، وأحاول أن أكون معها لطيفًا.
المحاور: وبقية الأساتذة؟
المتصل: أنا فقط مَن يُدرس لها.
المحاور: إذن أنا أقترح عليك الاجتماع بولي أمرها لمُناقشة الموضوع؛ من أجل التأكد من قضية التعامل وملاحظة ما هو السبب في خجلها الزائد؟ لأنها قد تكون قضيةً طارئةً بسبب وضعٍ مُعينٍ، وليست أساسيةً في البنت، هذه أول سنةٍ تدرس في المدرسة، أليس كذلك؟
المتصل: لا، السنة الثانية.
المحاور: وهل كانت كذلك في السنة الأولى؟
المتصل: نعم، كانت كذلك.
المحاور: إذن لا بد أن تهتم بقضية التعزيز والتدعيم الاجتماعي، يعني: تتفق أنت مع إدارة المدرسة والأسرة، وتكون هناك جرعاتٌ من التدعيم الاجتماعي لها، بحيث تشعر أن هناك أطرافًا عديدةً مُهتمةً بها، بل حتى الطلاب الموجودين يمكن أن يُشاركوا في قضية التدعيم من خلال حفلٍ مُشتركٍ يُقام لمحاولة التدعيم والتعزيز قدر المُستطاع، وإذا كانت حقيقة الأمور ما فيها أسبابٌ أخرى؛ فنحتاج النظر في قضية الحرمان.
وأما إذا كانت المشكلة قديمةً من قبل أن تدخل المدرسة، فأنا أنصح أن يُكْشَف عليها عند الأطباء المُختصين بالأطفال، فقد تكون هناك أشياء مُرتبطةٌ بأمورٍ معينةٍ ونحن قد نكون غافلين عنها.
هل هي انطوائيةٌ يا شيخ؟
المتصل: نعم، انطوائيةٌ.
المحاور: يعني: ما عندها توحُّدٌ؟
المتصل: لا أعتقد أن عندها توحُّدًا.
المحاور: التَّوحد له درجاتٌ، وقد يتعلق الأمر بمرضٍ عضويٍّ معينٍ مُؤثرٍ عليها، وأما إذا كان عبارةً عن خجلٍ فهي قد تكون تعرَّضت إلى جانبٍ من الإيذاء والقسوة، وأثَّر ذلك عليها، وربما يكون ذلك من الدَّلال والدَّلع والحماية الزائدة من أسرتها، فوَلَّد ذلك خجلًا كبيرًا يحتاج إلى التعزيز والتدعيم الاجتماعي منكم، ويحتاج إلى إشراكها في برامج وألعابٍ جماعيةٍ تُحبها، وتتعلم من خلال هذه الألعاب عن طريق وِرَشٍ مع باقي زميلاتها في الفصل، بارك الله فيك يا شيخ.
المتصل: بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.
المحاور: عندنا الآن اتِّصالٌ من أحمد حسيب، ولو نُقلل يا إخوة من الاتصالات قدر الإمكان؛ لأن عندنا أشياء كثيرةً جدًّا في هذه الحلقة.
تفضل يا أحمد حسيب من مصر.
المتصل: السلام عليكم، كيف حال حضرتك؟
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حيَّاك الله يا حبيبنا، حفظك الله، تفضل.
المتصل: الله يُبارك فيك، نسأل عن فترة الطفولة من سن ثلاثة أعوامٍ إلى خمسة أو ستة، لو الطفل أخطأ خطأً ما، كيف تكون العقوبة الصحيحة على هذا الخطأ؟ أو خلال هذه الفترة كيف تكون العقوبة؟
المحاور: بارك الله فيك يا أخي الكريم، أبشر، بإذن الله نُجيبك عن هذا السؤال بعد أن نسمع مُداخلةً من ضيفٍ لنا، ونعود إليك أخي المتصل من مصر.
معرفة أهمية الأسرة وقيمتها للمُقبلين على الزواج
معنا مداخلةٌ كريمةٌ من الشيخ المهندس: خالد الجبر، مدير جمعية تحفيظ القرآن بمحافظة الجبيل.
حيَّاك الله يا شيخ خالد.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حيَّاكم الله.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك، الله يحفظك.
المتصل: الله يُبارك فيكم، ويجزيكم خيرًا.
المحاور: حيَّاك الله وبَيَّاك، يا مرحبًا.
المتصل: أشكرك يا دكتور خالد على هذا البرنامج المهم، وهو يتكلم عن أساس هذا المجتمع، وهو الأسرة وتربيتها، أشكركم على هذا الطرح، وهو مهمٌّ، ونحتاجه حقيقةً كثيرًا في هذه الأيام وغيرها.
المحاور: جزاك الله خيرًا يا أستاذ خالد، ونتمنى منك المُشاركة في دقيقتين حول موضوع لقائنا اليوم، وهو: أهمية التربية في الأسرة، بارك الله فيك.
المتصل: جزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
الحقيقة كما ذكرنا: تربية الأسرة مهمةٌ جدًّا في واقعنا الآن، ونلمس أن المُقبلين على الزواج يفتقدون معرفة كثيرٍ من الأمور في تكوين هذه الأسرة، يعني: نجد أصحاب الدنيا إذا أراد أحدهم أن يُقْبِل على مشروعٍ ما، فإنه يتعلم أسس هذا المشروع، وطريقة النجاح فيه، حتى في تربية بعض الحيوانات يتعلم طرق هذه التربية وأساسياتها، وكذا في الزراعة، وفي غيرها، وإذا لم يأخذ بهذه الأسس والمعلومات وُصِفَ بالسَّفيه؛ إذ كيف يدخل مشروعًا وهو ليس عنده أي خلفيةٍ سابقةٍ؟!
فتربية الأسرة أكبر مشروعٍ، وأعظم مُنتجٍ؛ لأنه يُنتج أفرادًا وذُريةً.
المحاور: يعني: أكبر من المشاريع التجارية يا شيخ خالد؟
المتصل: أكبر من جميع المشاريع التجارية والشركات وغيرها، فينبغي للرجل والمرأة أن يُحيط علمًا بالحقوق والواجبات وأُسس التربية، ويفهم الرجلُ المرأةَ، وتفهم المرأةُ الرجلَ، ويُدرك كل واحدٍ منهما أهمية اختيار المرأة، واختيار الرجل؛ لأنهما اللَّبِنَة الأساس في هذه الأسرة، وليست القضية قضية مادةٍ أو مالٍ، وإنما المُعتبر ما رُبِّي عليه من أخلاقٍ سابقةٍ؛ لأنه سيُكوِّن أسرةً قادمةً.
ثم إذا عرف هذه المرأة، وعرف التعامل معها، وتربية المرأة، وكذلك المرأة تعرف الرجل، وكان هناك اللقاء والزواج، وتكوَّنت هذه الأسرة؛ فينبغي على كليهما أيضًا أن يتعلم كيف يبدأ بتربية هذه الأسرة القادمة والمُنتج القادم -وهو الطفل- والتعامل معه وَفْقَ الكتاب والسنة، وأيضًا بأخبار السابقين ممن رَبُّوا قبلنا من التجارب الناجحة؟ فيتعلمان كيف يُربِّيان الأولاد والبنات التربية الحسنة التي يرضاها الله ورسوله ؟
فهذه المعلومات قيِّمةٌ جدًّا، ويتبعها أيضًا الدعاء بأن يُصلح الله الذرية، ولا بد من جمع المعلومات التي تُعين على تربية هذا المُنتج القادم المهم جدًّا في كيان هذه الأمة والمجتمع.
ولا بد أن نُوجد الوقت الذي نستثمره في الأسرة لتربيتها على ما يُرضي الله ورسوله ، لا بد من وجود هذا الوقت، وأن نُفرغ من أوقاتنا لهذه الأسرة.
المحاور: يا شيخ خالد، أنا أعرف -مثلًا- أحد الأشخاص لديه سائقٌ، ولكن لا يدعه يذهب بأبنائه في الصباح، ويذهب هو بهم، ويقول: هذه فرصتي مع أبنائي، فأذهب بهم يوميًّا إلى المدارس لأستغلَّ تواجدي مع أبنائي في هذا الوقت في السيارة.
وشخصٌ آخر لا يذهب إلى عمله إلا وقد أفطر مع أسرته يوميًّا، ويذهبون إلى مدارسهم يوميًّا وقد جلسوا مع أبيهم وأمهم، وقد أفطروا وأخذوا الطاقة الغذائية، وذهبوا بعد هذا التماسك.
تعليقك على مثل هذا في نصف دقيقةٍ، بارك الله فيك.
المتصل: جزاك الله خيرًا، أقول: لا شك أن هذا استثمارٌ للأوقات، وهي ثمينةٌ؛ لأن البعض قد يقول: ما عندي وقتٌ. نقول: إذا لم يكن عندك وقتٌ للتربية فلماذا أتيتَ بهذا المُنتج؟! فلا بد أن نُضحي من أوقاتنا لهذه الأسرة مثل هذه اللقاءات.
لكن أيضًا يا دكتور خالد إذا وُجِدَ الوقت ووُجِدت التربية لا بد أيضًا أن يكون مع هذا الوقت الحِلْم والأَنَاة؛ لأن البقاء معهم إذا لم يوجد حلمٌ وتريُّثٌ لا يُفيد، وإذا لم يكن عندك وقتٌ أيضًا ما يُفيد تعلمك هذا العلم النافع من قضايا التربية، وإذا ما عندك علمٌ فالأصل ألا تُفكر في إنشاء هذه الأسرة، يعني: شيءٌ يُرتَّب على شيءٍ، فالتَّحمل والصبر والاصطبار والعلم الذي تعلَّمته في التربية يُفيد في تكوين أسرةٍ ناجحةٍ -بإذن الله تبارك وتعالى-، وبدعاء الله في جميع الأمور.
المحاور: بارك الله فيك، شكرًا يا شيخ خالد، جزاكم الله خيرًا على هذه الإطلالة المُباركة.
كان معنا الشيخ المهندس: خالد الجبر، مدير جمعية تحفيظ القرآن في محافظة الجبيل، نشكره على هذه الإضافات الطيبة.
أيها الإخوة والأخوات، فاصلٌ ونعود إليكم، بإذن الله .
الفاصل:
أبناؤنا وفلتات اللسان
تقول إحدى الأمهات: لم أستطع أن أتمالك نفسي من الغضب عندما تلفَّظت ابنتي البالغة من العمر خمس سنوات بألفاظٍ بذيئةٍ أثناء زيارة صديقةٍ لي، أحسستُ بالأسف والإحراج، ولم أَدْرِ كيف أتصرف من شدة الغضب.
كثيرًا ما ينطق الأطفال بكلماتٍ مُزعجةٍ تتسبب في شعور الوالدين بالأسف والحرج، والخوف من انفلات الطفل أخلاقيًّا.
والحقيقة التي لا ينبغي تجاهلها أن الألفاظ اللغوية لدى الطفل يكتسبها فقط من خلال محاولته تقليد الآخرين، وغالبًا ما يكون غير مُدركٍ لأبعاد معانيها.
ومن المهم المُبادرة بعلاج هذه المشكلة بصبرٍ وحكمةٍ قبل أن تتحول إلى عادةٍ وسلوكٍ، ويكون ذلك من خلال:
- التجاهل وعدم إبداء انزعاجٍ ملحوظٍ عند سماع كلمةٍ نابيةٍ من الطفل لأول مرةٍ؛ حتى لا تكون لها أهميةٌ لديه أو تأثيرٌ.
- عدم استقبال الكلمة بابتسامةٍ أو ضحكٍ ونحوه عند سماعها؛ كي لا يتشجع عليها، فإنه سيتركها من تلقاء نفسه.
- إظهار الرفض التام لهذا السلوك، وذمّ هذا اللَّفظ علنًا إذا تكرر.
- مراقبة اللغة المُتداولة في مُحيط الطفل.
- مراقبة البرامج الإعلامية التي يُتابعها.
- مُخاطبته باللغة التي ترغب في أن يُخاطبك بها.
- تطوير مهارة التفكير لديه، وفتح باب الحوار معه.
- تعويده على الأسف والاعتذار كلما تلفَّظ بكلمةٍ بذيئةٍ.
إذا لم يستجب الطفل بعد مراتٍ من التنبيه يُعاقَب بالحرمان من شيءٍ يُحبه، مع تنبيهه إلى أن الكلمة البذيئة من وحي الشيطان، وتذكيره دومًا بقول رسول الله : ليس المؤمن بالطَّعَّان، ولا اللَّعَّان، ولا الفاحش، ولا البذيء.
كيفية التعامل مع الطفل العنيد
كنا قد وقفنا مع مجموعةٍ من الأسئلة نعود إليها:
الأخت السائلة حول ما يتعلق بقضية العناد، أجبنا إجابةً أوليةً، ونُكمل فنقول: قد تكون القضية مُرتبطةً بالتعامل، فلا بد من تحسين موضوع التعامل، فهذا مهمٌّ جدًّا، فالتعامل المُباشر من الوالدين مع الابن قد تكون فيه قسوةٌ وشدةٌ؛ فلذلك لا بد أن يُتنبَّه لذلك، وقد يكون ذلك بسبب انصرافٍ لابنٍ آخر، وعدم العدل مع هذا الابن، فهذه قضيةٌ نحتاج أن نتنبه لها.
ومن المُمارسات المهمة في موضوع العناد: التطنيش والإهمال إلا في شيءٍ واحدٍ؛ إذا كان الشيء الذي يحمله الطفل قد يُؤذيه أو يُؤذي غيره، يعني -مثلًا- آلة حادَّة، أو ما شابه ذلك، فهنا يُؤخذ منه هذا الأمر، لكن صياحه وبكاؤه يُترك؛ لأن هذا يُسمَّى: إطفاء السلوك، والاهتمام بعناده قد يزيده عنادًا.
بالنسبة لسؤال الأخ عبدالله من المغرب حول قضية التلميذة التي عمرها سبع سنوات وخجولة جدًّا، وقد تحدثنا عن التدعيم الاجتماعي، وأهمية دراسة الحالة وتاريخها، والكشف عن الموضوع، وقد علَّق هو بشيءٍ من هذا القبيل، جزاه الله خيرًا.
وأيضًا من المهم استعمال أسلوب القدوة من خلال القصة، فحبذا أن تُوضع في بال الأخ الكريم، ويصبر عليها، وبإذن الله ستتحسن حالتها.
وأما سؤال الأخ أحمد حسيب من مصر حول الطفل الذي عمره من ثلاث سنوات إلى سبعٍ إذا أخطأ كيف يُعاقَب؟
فقد يكون العقاب -مثلًا- حرمانه المعقول من شيءٍ يُحبه، ولاحظوا العبارة: حرمانه، وليس شتمه وضربه، وإنما حرمانه من شيءٍ يُحبه، وأن يكون شيئًا معقولًا يتناسب مع الخطأ والعمر والزمن أيضًا، ولا يكون شيئًا طويلًا، وفوق مستوى الخطأ، وما شابه ذلك، وإنما شيءٌ يشعر أنه قد حُرم بسببه، وهو يُحبه.
وأيضًا لا بد من استخدام بعض العبارات المناسبة، فالرسول كان يقول مثلًا: كخ كخ[4]أخرجه البخاري (1491)، ومسلم (1069).، وكان يُعلم عليه الصلاة والسلام الطفلَ فيقول: يا غلام، سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك[5]أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022).، وإن كان ما زال غلامًا، وما شابه ذلك، فيجب استخدام الألفاظ بالتوجيه والعقاب.
فهذا ما يتعلق بطرق المُعاقبة، وإلا فهناك -كما قلنا- شيءٌ اسمه: التدعيم والتعزيز، والذين يتكلمون عن طرق الإرشاد والتوجيه والتعزيز يضعون دائمًا "التعزيز" رقم واحدٍ؛ ولذلك ينبغي استعمال أسلوب التعزيز بدرجةٍ كبيرةٍ في السلوك المُضاد للسلبي، وهو السلوك الإيجابي، فنقول له: إذا فعلتَ الشيء الإيجابي سنُكافئك عليه. وإذا فعله نُكافئه مباشرةً.
كيف أتعامل مع ابني المريض بالتوحد؟
معنا اتِّصالٌ من الأخ عزيز من هولندا.
تفضل يا أخ عزيز.
المتصل: السلام عليكم يا شيخ.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: نُحبك في الله يا شيخ.
المحاور: أحبك الله الذي أحببتنا فيه، الله يحفظك يا أخي.
المتصل: سؤالي: عندي ولدٌ فيه توحُّدٌ، كيف نتعامل معه؟ وأريد منك الدعاء له بالشفاء ولجميع مرضى المسلمين، بارك الله فيك.
المحاور: جزاك الله خيرًا أخي الكريم، وبارك الله فيك، ونفع الله بك، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفي ابنكم، وأن يُعينه ويُعينكم على التعامل معه بطريقةٍ سليمةٍ.
وإن كنتُ لستُ مُختصًّا بموضوع التَّوحد، ولعل -إن شاء الله- تأتي لقاءاتٌ مع أناسٍ مُختصين -بإذن الله - في هذا الموضوع، لكن من القضايا المهمة جدًّا في حالات التوحد: الصبر والتحمل، والإيمان بالقضاء والقدر بالنسبة للآباء، وتحمل الابن، ووجود الدعم الاجتماعي، ومحاولة الأخذ والعطاء معه، ومحاولة تحمل حركته الزائدة وعدوانيته في بعض الأحيان، وما شابه ذلك، يعني: لنكن أقرب إليه من الأوضاع العادية، وإن كان التوحد له أيضًا مستوياتٌ مُحددةٌ.
وأيضًا لا بد من الكشف والتأكد من التشخيص ابتداءً، فالبعض يُشخِّص تشخيصًا خطأً، وأيضًا إذا شخَّص لا يقوم بممارسة العلاج، فحق أبنائنا علينا أن نحرص على قضية أن يُمارسوا حياتهم ما أمكنهم إلى ذلك سبيلًا من خلال المراكز المُختصة والبيئات المناسبة، مع التدعيم الأُسري قدر المُستطاع.
أسأل الله أن يُبارك في ابنكم، ويمكنكم التواصل معي على الخاص؛ حتى أفيدك أخي الكريم عبر (الواتس آب) ببعض المُختصين من الدكاترة بالتوحد يُفيدونك أكثر، بإذن الله .
عودًا إلى موضوع: أهمية التربية للأسرة، وقد ذكرنا العنصر الأول وهو: قضية طاعة الله تعالى، وأيضًا:
التربية مسؤولية
فالنبي يقول: كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، فالأب راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيته، والأم راعيةٌ في بيتها، وهي مسؤولةٌ عن رعيتها[6]أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829).، فكلنا مُلزمٌ بهذه المسؤولية، وسنُسأل عنها أمام الله ، فأداء الحق مسؤوليةٌ مهمةٌ، واستشعار هذه المسؤولية مهمٌّ جدًّا.
وأذكر أنني ذهبتُ لأحد الآباء في حيٍّ كنتُ أسكنه، وطرقتُ الباب لأمرٍ مشينٍ ظاهرٍ أمامي في الشارع رأيته في ابنه، فتحدثتُ معه، فوجدتُ من هذا الأب وكأنني أتكلم مع جمادٍ، يعني: أنا كنتُ مُتأثرًا بالسلوك السيئ الذي مارسه هذا الابن أمام الناس، وهو كأنه يقول: هذا أمرٌ طبيعيٌّ وعاديٌّ، وابني مُراهقٌ، والمُراهقون هكذا يفعلون! وما شابه ذلك.
فالشعور بالمسؤولية قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، فكلنا راعٍ، وكلنا مسؤولٌ عن رعيته.
الأسرة المسلمة في بلاد الغربة
معنا مداخلةٌ كريمةٌ من الولايات المتحدة الأمريكية من أخينا الدكتور: خالد العبري، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
ونحن أردنا من دكتورنا الكريم أن يُشاركنا في هذه الحلقة ليتحدث معنا عن أهمية التربية للأسرة المسلمة في بلد الغُربة، وهو الآن في بلد الغُربة، وقبل ذلك كان يُشرف على مراكز في بعض البلاد الأوروبية.
حيَّاك الله يا دكتور خالد.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، سُعداء بك، الله يحفظك.
المتصل: وأنا أكثر، الله يُكرمكم، ويُسلمكم، ويُبارك فيكم.
المحاور: جزاكم الله خيرًا، تفضل، بارك الله فيك، الوقت بين يديك، ونريد التركيز على الأسرة المسلمة التي تُعاني وهي في بلادٍ مُنفتحةٍ في تربية أبنائها: أطفال، ومُراهقين.
المتصل: جزاك الله خيرًا على إتاحة هذه الفرصة، وأبدأ بالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
الحقيقة أنا عشتُ في بلاد الغرب بضع سنين، ومَن يقول: إن تربية الأبناء أو الحرص على الأولاد والشباب أمرٌ سهلٌ؛ مُخالفٌ للحقيقة، فما دلَّت عليه الوقائع عكس ذلك، ونسمع مَن يقول في بعض الأحيان في السعودية: مَن أراد الفساد سوف يناله ويحصل عليه ولو كان جنب الحرم! فهذا أنا أعتبره نوعًا من التخدير، كأن الأب سواءٌ كان في أطهر بُقعةٍ، أو كان في بلاد الغرب ليس له دورٌ، ومهما فعل المُربي -الأب، أو الأخ الكبير، أو الأم- فإن الابن سيخرج بطبيعةٍ تربويةٍ خلقه الله عليها.
وهذا الكلام جزءٌ من الحقيقة، وليس كل الحقيقة، فالحقيقة أن الموضوع هامٌّ جدًّا ومُتشعِّبٌ، فهو -إن صحَّ التعبير- شائقٌ وشائكٌ في الوقت ذاته.
أنا لا أريد أن أُطيل في مُداخلتي، لكن أذكر أن أول زيارةٍ لي لأوروبا في بداية التسعينيات.
المحاور: دكتور خالد، لو ركَّزنا في الحديث عن التوجيهات؛ حتى نستفيد من الوقت، خاصةً أنه لم يَبْقَ معنا في حلقتنا إلا القليل من الدقائق.
المتصل: طيب، جزاكم الله خيرًا.
لا شك أن من أهم النقاط التي لفتت نظري هي: قضية التواصل التي لم تكن موجودةً سابقًا بهذه الغزارة.
المحاور: التواصل بين الجاليات، أو التواصل في الأسرة؟
أنا تأتيني أسئلةٌ في هذا البرنامج وفي غيره في الاستشارات من أُسرٍ مسلمةٍ تعيش في أوروبا يُعانون مُعاناةً شديدةً جدًّا فيما يتعلق بتربية أبنائهم، فما توجيهاتكم من خلال خبرتكم واهتمامكم، بارك الله فيكم؟
المتصل: أولًا يا دكتور خالد: التأكيد على المعاني العظيمة، وعلى مسائل العقيدة وأصول الدين والأُسس الأخلاقية الثابتة التي نحن نسيناها في بلاد الغرب، وأحيانًا الإنسان إذا عاش فترةً تضعف هذه المعاني.
المحاور: تقصد من خلال التعليم يا دكتور خالد؟
المتصل: التعليم، والتوجيه، والكلام، والنصح، ومُصاحبة الابن والبنت، فالابن أحيانًا يجلس على الجوَّال ولا يعلم أبوه ولا أمه ماذا يفعل؟ أو ماذا تفعل هذه البنت في غرفتها؟
نحن -كما يقولون في السابق- كنا إذا خرج الولد نخاف عليه، الآن لو جلس أكثر في البيت خِفْنَا عليه.
المحاور: نريد أن يطلع من البيت الآن؟
المتصل: نعم، نقول له: اخرج الله يحفظك، اخرج إلى الخارج ابحث لك عن عملٍ.
المحاور: يعني: النقطة الأولى: التركيز على جانب العقيدة وأصول الدين والقيم الأخلاقية.
المتصل: وهذه كل واحدةٍ منها يا دكتور خالد تحتاج إلى محاضرةٍ خاصةٍ، وتعرف حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما لما كان رديف النبي على حمارٍ، فقال له: احفظ الله يحفظك[7]أخرجه الترمذي (2516)، وذكره الألباني في "الصحيحة" (2382).، فالنبي عليه الصلاة والسلام في هذا الموقف يُعلم ابن عباسٍ رضي الله عنهما أُمَّهات العقيدة.
المحاور: مع أنه غلامٌ.
المتصل: غلامٌ، وعلى حمارٍ، ولم يقل: أين المكان المُناسب؟
وواحدٌ يقول: نحن في بلاد الغرب لا يوجد مكانٌ! لا تنظر إلى المكان، انظر إلى ماذا يجب عليك؟
المحاور: يعني: لا يلزم أن يكون من خلال مقاعد الدراسة؟
المتصل: بعض الناس يظن أن هذه التوجيهات وتعليم العقيدة لا يكون إلا من خلال المدارس.
المحاور: أو المساجد.
المتصل: ومن خلال كتبٍ، ومساجد، وكذا، وهذا درسٌ لنا.
أيضًا من الأُسس التي يجب أن نُركز عليها في بلاد الغرب خاصةً أخي الكريم: قضية المبادئ الأخلاقية.
أُعطيك مثالًا: علاقة الرجل بالمرأة، وعلاقة الشاب بالفتاة، والمدارس هناك مُختلطةٌ، فالمطلوب غَضُّ البصر، ويأتي شخصٌ ويقول: يا أخي، تتكلم عن غَضِّ البصر ونحن لا نقدر! لكن نقول: بالتربية تقدر.
فهذه المعاني حينما نُركز عليها خاصةً في بلاد الغرب أعتقد أننا سنُوجِّه البُوصلة توجيهًا صحيحًا في تربية أبنائنا.
المحاور: إذن يا دكتور خالد كأنك تُركز بشكلٍ كبيرٍ على دورٍ أكبر للأسرة أكثر مما لو كانوا في بلادهم؟
المتصل: طبعًا، لا شكَّ في ذلك.
المحاور: بارك الله فيك يا دكتور خالد، هل بقي عندك شيءٌ حتى نختم؟
المتصل: والله الكلام كثيرٌ في هذا الجانب، لكن أنا أقول للآباء والأمهات: استوصوا بأبنائكم خيرًا، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يُربي الصِّغار التربية الصحيحة حتى غدوا رجالًا يتحملون المسؤوليات الكبيرة.
وأنا حين أُفكر في أعمار الصحابة حينما تحملوا المسؤوليات الجسيمة، فما كانت أعمارهم كبيرةً، فأسامة بن زيد كان عمره سبع عشرة سنة، وزيد بن ثابت كان عمره سبع عشرة سنة، وهكذا.
المحاور: إذن أنت تُؤكد على قضيةٍ مهمةٍ جدًّا، وهي أننا لو قمنا بتحميل الشباب المسؤوليات لاستطعنا أن نكسبهم ونشغل أوقاتهم، ونُربيهم من خلال هذه المسؤوليات.
أشكرك يا دكتور خالد على مُشاركتك معنا، بارك الله فيك، ولنا لقاءٌ معك في وقتٍ آخر، بإذن الله .
المتصل: إن شاء الله.
المحاور: وتعود إلينا سالمًا غانمًا -بإذن الله-، شكرًا لك.
كان معنا الدكتور: خالد العبري، عضو هيئة التدريس بجامعة البترول والمعادن من خارج المملكة، بارك الله فيه، ونفع به.
أيها الإخوة، بقيت معنا دقائق معدودةٌ، ولعلنا سنجعل الحلقة القادمة استكمالًا لأهمية التربية للأسرة، لكن أيضًا وردتنا أسئلةٌ عبر (الواتس آب)، ومن حقِّ إخواننا أن نُجيب عنها، لكن لا نستطيع أن نُجيب عنها كلها؛ لأن الأسئلة كثيرةٌ، وسنأخذ بعضًا منها:
أشعر بالضيق عندما لا أعمل
فهذا السائل أبو عمر من إسبانيا يقول: أنا أتحمل عِبْء أسرةٍ من أربعة أشخاصٍ، وعندما يكون لدي عملٌ فأنا في سعادةٍ، وعندما أفقده أتغير نفسيًّا، وأُصاب بضيقٍ شديدٍ، كيف يُمكنكم تفسير ذلك؟ وما الحل؟
واضحٌ أخي الكريم أنك تميل للعمل، والناس يختلفون، سبحان الله! فبعض الناس إذا لم يعمل ولم يكن على الوتيرة اليومية في العمل يتعب ويمرض، وهناك أناسٌ بالعكس؛ فعنده عدم العمل والكسل فرصةٌ ثمينةٌ يفرح بها، وهكذا الناس يتفاوتون.
أيضًا مهمٌّ جدًّا أن تُوطن نفسك على أسوأ الاحتمالات، فقد تُصاب بشيءٍ غير الذي تتوقعه، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، مع أن قضيتك هذه لا تستدعي جانبًا من الأسى والحسرة الشديدة، لكن نحن لا بد أن نتوقع أسوأ الاحتمالات من أجل أن نُوطن أنفسنا لو حصل هذا الاحتمال السيئ، ونحاول أن ندفع هذا الاحتمال السيئ بالأسباب المادية، والتوكل على الله قبل ذلك، فنستطيع -بإذن الله- ألا يكون هناك هذا الضيق الشديد وما يتعلق به.
فالضيق الشديد لا شكَّ أنه غريبٌ، لكن له حلٌّ، وهذا يدل -بالنسبة لشخصية الأخ- على ضعفٍ في التَّحمل، ووجود الشخصية الحسَّاسة المُفرطة في الحساسية.
فإن كانت فيك هذه الأوصاف الأخيرة، وما شابه ذلك، فأرى أن تعرض نفسك على أخصائي؛ حتى يعقد لك جلساتٍ إرشاديةً من أجل تخفيف الحساسية بالنسبة لك، وهذه يُدركها أهل الاختصاص في مجال العلاج المعرفي والسلوكي.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، ونعدكم -بإذن الله- أن نُكمل في حلقتنا القادمة -إذا كنا وإياكم من الأحياء- عن أهمية التربية للأسرة، وكذلك نُجيب عن أسئلتكم التي وردت في (الواتس آب).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134). |
---|---|
↑2 | أخرجه أبو داود (2050)، وذكره الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3). |
↑3 | أخرجه البخاري (2587). |
↑4 | أخرجه البخاري (1491)، ومسلم (1069). |
↑5 | أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022). |
↑6 | أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829). |
↑7 | أخرجه الترمذي (2516)، وذكره الألباني في "الصحيحة" (2382). |