المحتوى
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات في حلقةٍ جديدةٍ، وهي الحلقة السادسة والعشرون من برنامجكم الأسبوعي المباشر "أسس التربية" من قناتكم قناة "زاد" العلمية.
وقد خصصنا هذه الحلقة -وربما تتبعها حلقاتٌ في الأسبوع القادم- لموضوعٍ مهمٍّ، وهو: لماذا نُربي؟
والجواب عن هذا السؤال: لماذا نُربي؟ تظهر من خلاله أهداف التربية وأهميتها، وإذا لم نُدرك نحن المُربين -آباء وأمهات، ومعلمين ومعلمات، ومُوجِّهين، ودعاة، ومؤثرين- أهمية التربية سيحصل لدينا شرخٌ عظيمٌ عند تربية الأجيال، وعندئذٍ سنندم ولات حين مَنْدَم.
وسوف نُناقش -بإذن الله - هذا العنوان: لماذا نُربي؟ من خلال ثلاث حزمٍ، ونتحاور فيها، وسيكون معنا -بإذن الله - في هذه الحلقة ثلاث مداخلات من داخل السعودية وخارجها، من مُهتمين بقضية التربية والتعليم.
وهذه الحزم الثلاث هي:
أولًا: أهمية التربية للفرد.
ثانيًا: أهمية التربية للأسرة.
ثالثًا: أهمية التربية للمجتمع.
دعونا نبدأ بما يتعلق بالقضية الأولى:
أهمية التربية للفرد: لماذا نُربي؟
أول هدفٍ هو طاعة الله ، فالذي يُمارس التربية يُطيع الله فيما أمر به من تزكية النفوس، يقول الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، فهذه قضيةٌ مهمةٌ، وليست قضيةً اختياريةً؛ لأن الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6]، قُوا أمرٌ أَنفُسَكُمْ، فنحن نقي أنفسنا بهذه التربية.
إذن هي طاعةٌ لله ، وكذلك قوله: وَأَهْلِيكُمْ، فالمقصود تربية الأسرة كما سيأتي معنا بعد قليلٍ.
إذن بالنسبة للفرد المُخاطب: أنا وأنتَ وأنتِ، المُربي والمُربية أيًّا كانت بيئتهم، هم مُستجيبون لأمر الله من خلال العناية بالتربية، وليس لنا في هذا خيارٌ، ونحن نلحظ كثيرًا اهتمام المُجتمعات العربية والإسلامية -كغيرها- بقضايا الاقتصاد والتنمية المالية، والعناية بجوانب الماديات، .. إلى آخره، فهذه قد تكون مهمةً، لكن تغيب عنا قضية بناء الأجيال وما يتعلق بالتربية.
علاج الرهاب الشديد
معنا سائلٌ ربما من الجزائر، الأخ عبدالحليم.
تفضل يا أخ عبدالحليم، حفظك الله.
المتصل: السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل يا حبيبنا.
المتصل: أنا أُعاني من الرهاب الشديد يا شيخ.
المحاور: رهابٌ شديدٌ من الاجتماعات وما يتعلق بهذا، أو من ماذا؟
المتصل: من المجتمع.
المحاور: هل عرضتَ نفسك على طبيبٍ نفسيٍّ؟
المتصل: نعم يا شيخ.
المحاور: طيب -بإذن الله- تسمع الإجابة، أسأل الله أن يُعافيك ويشفيك.
الرهاب الشديد هو: أن يُعاني الشخص معاناةً شديدةً جدًّا فيما يتعلق بلقاء الناس والاجتماع بهم، ويشعر بخوفٍ شديدٍ يعيق حركته وتنفسه ويُشعره بالقلق والتوتر الشديد جدًّا، حتى يجعله مُنعزلًا عن الناس، وقد يكون هذا الرهاب من شيءٍ آخر: كالموت مثلًا، أو من الأماكن المُرتفعة، أو الظلام، ونحو ذلك.
ولا شك أن هذا الرهاب هو خوفٌ مرضيٌّ، ينبغي عليك أخي الكريم أن تعرض نفسك على أحد الأطباء النفسيين؛ حتى يُساعدك من خلال برنامج علاجٍ سلوكيٍّ معرفيٍّ لتخفيف قضية الرهاب.
وهناك أساليب علاجيةٌ: كحديث الذات، والرسائل الإيجابية، وطرد الأفكار اللاعقلانية، والتكليف بمهاراتٍ اجتماعيةٍ، وأيضًا قد تحصل هناك حاجةٌ للعلاج الدوائي عند الأطباء النفسيين، فهذا أيضًا له دواؤه النافع المفيد عندهم، بإذن الله تعالى.
عودًا إلى موضوع: لماذا نربي؟
قلنا: أولًا: التربية طاعةٌ لله تعالى، وقد نُقل عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما في قول الله تعالى: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ [آل عمران:79] قال: "الرباني: الذي يُربي الناس بصغار العلم قبل كِباره"[1]"صحيح البخاري" (1/ 25).، وهي قضية التربية والتعليم.
سماع القرآن للأطفال
معنا اتصالٌ من الأخت خديجة من الجزائر، حيَّاكِ الله، تفضلي.
المتصلة: السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصلة: فضيلة الشيخ، عندي سؤالٌ.
المحاور: تفضلي.
المتصلة: عندي ابنتي عمرها ثلاث سنوات، وكنا نفتح لها قناة القرآن فلا ترضى أن تسمعه.
المحاور: ما تُحب أن تسمع القرآن؟
انقطع الخط، تعود -إن شاء الله- الأخت مرةً أخرى.
عمومًا في هذا السن يحتاج الأطفال إلى التعزيز بشكلٍ كبيرٍ؛ حتى نستطيع أن نُشوقهم لسماع القرآن، وأيضًا نحتاج ألا تكون الأم مثاليةً، فقد مرَّت عليَّ حالاتٌ فيها مثاليةٌ كبيرةٌ عند الأمهات في قضية الرغبة في تلقي الابن أو البنت الصغيرة لعملية حفظ القرآن، وتكون الجرعة أكبر من قُدراتهم العقلية.
دور مؤسسة المنتدى الإسلامي في التربية والتعليم
معنا مداخلةٌ من الأستاذ: عبدالله الحجري، منسق البرامج التعليمية في مؤسسة المنتدى الإسلامي في السودان.
مرحبًا يا أستاذ عبدالله، السلام عليكم.
المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله، حيَّاك الله يا شيخنا الكريم، وأهلًا بك وبالمشاهدين.
المحاور: حيَّاك الله يا أستاذ عبدالله، وجزاك الله خيرًا.
الأستاذ عبدالله مسؤولٌ تربويٌّ في منظمة المنتدى الإسلامي المعروفة، وفي مجال العملية التعليمية والتربوية في قطاعات المؤسسة في البلدان الأفريقية، وأذكر أنه كانت لي زيارةٌ لكم في أكاديمية نماء، أو بناء.
المتصل: نعم، بناءٌ ونماءٌ.
المحاور: نريد الجواب عن سؤال الحلقة: لماذا نُربي؟ من خلال ما تقومون به في هذه الأكاديمية المباركة التابعة لمؤسسة المنتدى الإسلامي، وكونكم المُنسقين للشؤون التربوية فيها، بارك الله فيكم، تفضلوا، جزاكم الله عنا خيرًا.
المتصل: سلَّمك الله شيخنا الكريم، وأسأل الله أن ينفع بك، وقد استفدنا منك كثيرًا في زيارتك، وأيضًا من خلال برامجك الممتعة.
المحاور: حفظك الله أخي الحبيب.
المتصل: في الحقيقة التربية -كما لا يخفى على شيخنا وعلى المشاهدين- في أبسط معانيها: عملية صناعة الإنسان، والقارة الأفريقية -في الحقيقة- بحاجةٍ ماسةٍ إلى جهودٍ في هذا المجال، وهو: صناعة الإنسان الصناعة المُتكاملة المُتوازنة.
والعملية التربوية هي -كما يُعرِّفها بعض المُختصين- ترتكز على الجوانب الخمسة: المعلم، والمتعلم، والمنهج، والبيئة، والإدارة.
وبفضل الله فإن المنتدى الإسلامي قد أولى هذه الجوانب الخمسة عنايةً كبيرةً من خلال البرنامج الذي رأيته، وله جهودٌ مشكورةٌ، نسأل الله أن يجعل في ذلك البركة والنفع.
المحاور: عفوًا يا أستاذ عبدالله، هذا المنتدى أول ما أُنشئ أيام الدكتور عبدالله الخاطر رحمه الله -بحكم معرفتي المباشرة بالدكتور عبدالله رحمه الله، ووجود القرابة من حيث الرحم والنسب- كان هذا المنتدى في البداية أول ما أنشئ مؤسسةً تربويةً تعليميةً، أليس كذلك؟
المتصل: نعم.
المحاور: وما زالت هذه المؤسسة إلى الآن تُمارس الجانب التربوي والتعليمي.
المتصل: هي تقدم مجموعةً من المشاريع النوعية التي نسأل الله أن يضع فيها البركة.
فمن هذه المشاريع المباركة: إسكانات اللاجئين الموجودة في السودان، وقد امتدت في كثيرٍ من دول أفريقيا، وأيضًا اتجهت إلى غيرها من المناطق.
المحاور: المراحل الجامعية يا أستاذ عبدالله؟
المتصل: نعم، في المراحل الجامعية التي هي مرحلة (البكالوريوس) والدراسات العليا بشقيها: (الماجستير والدكتوراة).
وهذه الإسكانات فيها ميزات، ومن أهم ميزاتها: أن الطالب يُختار بعنايةٍ، وليس الغنى والفقر هو المعيار الرئيس، وإنما من المعايير: قدرة الطالب على التحصيل العلمي والمعرفي، وسلوكه، حيث يخضع الطالب إلى ستة عشر برنامجًا لاختباره في جوانب الذكاء والقدرات والمهارة.
المحاور: ستة عشر برنامجًا لأجل الانتقاء والاختيار؟
المتصل: نعم، برنامج اختياري.
المحاور: ليس فقط مجرد الرغبة عند الطالب، وإنما يتعرض إلى ستة عشر برنامجًا حتى يُقبل؟
المتصل: نعم، ستة عشر برنامجًا، وهو ما زال في بيته، أو في منطقته ودولته، فتذهب لجانٌ متخصصةٌ إلى هناك لتختاره بعنايةٍ من منطقته، وبعد أن يقع الاختيار على مجموعةٍ من الطلاب تُجرى قرعةٌ بين المتقدمين؛ لأنه أحيانًا يتقدم في إحدى المناطق خمسمئة طالب، فيُختار من الخمسمئة خمسةٌ فقط.
المحاور: ما شاء الله.
المتصل: وهذا دليلٌ على التركيز الجيد بعد أن يحصل الاختيار.
المحاور: هل يمكن أن تُعطينا بعض المعايير التي تنتقون من خلالها الطلاب في هذه البرامج؟
المتصل: هي معايير كثيرةٌ، تصل إلى ستة عشر، لكن هي في الإجمال في الثقافة الإسلامية، والقدرات، والذكاء، والقدرة على التحدث والخطابة، وغيرها.
المحاور: وأنا أشهد لكم بجودة الانتقاء، حيث لمست ذلك من خلال تقديم عددٍ من الدورات بالنسبة لطلابكم في أكاديمية "نماء"، فوجدتهم فعلًا بتلك المواصفات المتعلقة بجانب القدرات العقلية، ومهارات التواصل الاجتماعي، والقدرة على التحدث والتحليل، وما شابه ذلك، فبارك الله فيكم.
طيب، لماذا فكرتم في إنشاء مؤسسة المنتدى الإسلامي على مستوى أفريقيا؟ وأيضًا -كما سمعتُ- بدأتم في ماليزيا، وفي شرق آسيا، وما شابه ذلك، ماذا تقصدون من هذه الإسكانات؟ ولماذا العناية بالجانب التربوي لهؤلاء الطلاب الذين هم مُغتربون عن دولهم، وسيمضون معكم أربع أو خمس سنوات، ثم يعودون إلى دولهم؟
المتصل: الحقيقة يا شيخنا الكريم أن الطالب عندما ينخرط في الجامعات ومراحلها التعليمية لا يجد -في الغالب- تركيزًا على الجانب التربوي، ولا يستطيع أن يستفيد من خلال الدراسة الأكاديمية، أو من خلال القراءة الذاتية في هذا المجال، فيحتاج إلى إعانةٍ وعنايةٍ وإرشادٍ، وهذا هو ما تُوفره هذه الإسكانات، ففيها خبراء تربويون متخصصون يبقون ليلًا ونهارًا مع الطلاب ويُعايشونهم.
المحاور: إذن هم يعيشون تحت نظركم طيلة الفترة، وهناك مُشرفون تربويون يقومون بإمدادهم بمسارٍ تربويٍّ غير المسار الأكاديمي الذي يتلقونه من الجامعات؟
المتصل: نعم، وأيضًا يقوم المشايخ ودكاترة الجامعات بتدريس نفس التخصصات، فالطالب المتخصص في الإعلام -مثلًا- يأتي إليه دكاترة في نفس تخصصه في الجامعة لتدريس الطالب في السكن؛ لكي يكون مبدعًا جدًّا في تخصصه، فلا نريد أن يتخرج الطالب -سواء كان في الإعلام، أو الاقتصاد، أو غير ذلك من التخصصات- إلا وهو مُتميزٌ عن بقية الطلاب الذين تخرجوا في الجامعات الأخرى، فيرجع إلى بلده ويكون قادرًا على صناعة نهضةٍ لهذا البلد الذي رجع إليه، والذي ينتظر منه الكثير، وأفريقيا خاصةً تحتاج إلى قياداتٍ طلابيةٍ وكفاءاتٍ علميةٍ.
المحاور: جهدٌ مباركٌ ومُوفَّقٌ.
آخر نقطةٍ يا أستاذ عبدالله -بارك الله فيكم-: بعد أن يعودوا إلى ديارهم ماذا تُريدون منهم؟
المتصل: نريد منهم أن يصنعوا مجدَ أفريقيا التي تكالب عليها الجميع، ونريد أن يُعيدوا مجدها؛ لتكون نموذجًا رائدًا يُحتذى به؛ لينفع الله البشرية.
المحاور: هل هذا حصل مع بعض الذين تخرَّجوا من عندكم؟
المتصل: نعم، كثيرٌ منهم -بفضل الله - الآن هم على رأس أعمالٍ تنفع في بلدانهم في مجال الطاقة، وفي كثيرٍ من المجالات، أسأل الله أن ينفع بهم.
المحاور: ما شاء الله، نفع الله بكم، وفرصةٌ طيبةٌ وسعيدةٌ يا أستاذ عبدالله، أشكرك شكرًا جزيلًا على هذه المداخلة الطيبة، وسعداء بمُشاركتكم.
المتصل: أسعدك الله يا شيخنا الكريم.
المحاور: شكرًا جزيلًا أستاذ عبدالله.
كان معنا الأستاذ عبدالله المنسق للبرامج التربوية بمؤسسة "المنتدى الإسلامي" في السودان، شكرًا له على هذه المداخلة حول برنامج أكاديمية "نماء" على مستوى دول أفريقيا جميعًا، والذي يُشرف عليه المنتدى من خلال إسكاناتٍ طلابيةٍ في السودان، وفي غيرها.
التربية أمانةٌ عظيمةٌ
أيضًا معنا مداخلةٌ جاهزةٌ من الأستاذ إبراهيم بن عبدالرحمن الشهري، القائد التربوي بمدارس السعد الثانوية المتوسطة في محافظة الخبر.
حيَّاك الله يا أستاذ إبراهيم.
المتصل: حياكم الله يا دكتور خالد، وأسعد الله أوقاتكم بكل خيرٍ.
المحاور: يا أهلًا وسهلًا، حياكم الله.
المتصل: يا أهلًا وسهلًا.
المحاور: من السودان إلى الخبر -بارك الله فيكم- مع سؤال: لماذا نربي؟
فلو أتحفتنا برأيك في الإجابة عن هذا السؤال.
المتصل: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.
أما بعد: حقيقةً هذا السؤال يا دكتور خالد قد يغفل عنه كثيرٌ من المُربين، سواء الآباء، أو مَن يُشرفون على التربية: لماذا نُربي؟ أي: ما هدفنا من التربية؟ ولماذا نجتهد في التربية؟
أولًا: ينبغي أن نستحضر أن التربية أمانةٌ عظيمةٌ كلَّفنا الله بها، سواء لأبنائنا، أو أبناء مُجتمعنا، فالمجتمع إذا لم يهتم بتربية أفراده سيضيع، وكما قال الأول:
وَإِنَّما الأُممُ الأخْلَاقُ مَا بَقِيَتْ | فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلَاقُهُم ذَهَبُوا[2]البيت لأحمد شوقي كما في "مجمع الحكم والأمثال"، و"شعر شوقي في ميزان النقد" (ص85). |
فهذه الأخلاق كيف يكتسبها الأبناء؟ وكيف يكتسبها الشباب إلا من خلال التربية ونقلها لهم؟
فهي أمانةٌ عظيمةٌ ينبغي أن نستحضرها، ونحن نتذكر قول النبي : كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٍ عن رعيته[3]أخرجه البخاري برقم (893)، ومسلم برقم (1829).، وقبل ذلك قال الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6].
فهذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا ينبغي أن نستحضره، فليست أمرًا ترفيهيًّا أو هامشيًّا في حياتنا، بل هي واجبٌ شرعيٌّ، سواء على الأب أو المُربي، فعليه أن يُربي أبناءه وأبناء مُجتمعه.
التربية بناءٌ ووقايةٌ
وكذلك ينبغي أن نستحضر أن أبناء المجتمع وأبناءنا لن تنتقل لهم خبراتنا التربوية التي اكتسبناها خلال سنين عمرنا إلا من خلال مُعايشتنا لهم، وقُرْبنا منهم، وتصحيح سلوكهم وتقويمه، وغرس القيم الشرعية والمبادئ الإسلامية فيهم، وتعزيزها، وتشجيعها.
وهذا لا يتأتى إلا من خلال مُربٍّ يتابع ويُقَوِّم سلوك الابن والمُتربي، وبالتالي ينقل له خبرته التي اكتسبها خلال هذه السنوات؛ لأننا إن تركناهم فسيُربيهم غيرنا، وخاصةً في عصرنا يا دكتور خالد، فهناك كثيرٌ من المؤثرات التي تؤثر عليهم سلبًا من خلال قنوات التواصل الاجتماعي التي أصبحت اليوم جزءًا كبيرًا من حياة أبناء المجتمع؛ ولذلك فدورنا عظيمٌ في ميدان التربية، وهو: أن نحافظ عليهم من هذه المؤثرات السلبية، ونغرس فيهم القيم الإسلامية والمبادئ الشرعية؛ حتى لا تغزونا هذه التربية السلبية؛ فيتشبَّعون بأفكارٍ تُفسدهم وتُفسد مُجتمعاتهم وبلدانهم.
المحاور: إذن هي عبارةٌ عن بناءٍ ووقايةٍ؟
المتصل: نعم، وهذا أمرٌ ينبغي أن يستحضره كل مُربٍّ؛ لأنه لو تُرك الأبناء وأبناء المجتمع فسنرى ظواهر سلبيةً قد نعجز عن علاجها في المستقبل، ونبحث عمَّن يُعالجها فلا نجد.
المحاور: نظرًا لعدم العناية والاهتمام مُسبقًا بقضية التربية؟
المتصل: نعم.
المحاور: وهذه حقيقةٌ نُلاحظها في الأُسر والبيئات التعليمية من خلال الاستشارات التي تأتينا، فالمشكلات -في الغالب- تحصل بسبب تقصيرنا في البناء التربوي والوقاية التربوية.
المتصل: في الحقيقة يا دكتور خالد نحن من خلال تجربتنا في ميدان التربية والتعليم العام خاصةً تمر بنا مواقف كثيرةٌ جدًّا، تجد الأب مباشرةً يفزع إلى المدرسة، ويُريد أن يُعالج مشكلةً وقع فيها ابنه، فتجد أن الإهمال في التربية وعدم العناية بها من الصغر سبب مشاكل كبيرةٍ قد يعجز معها المُربي والأب في إصلاح أبنائه.
التربية تهيئةٌ لأبنائنا لتحمل المسؤولية
كذلك يا دكتور خالد رحمتنا بأبنائنا وأبناء مجتمعنا تفرض علينا أن نُحافظ عليهم، ونُهيئهم للمستقبل، فالله أعلم ما الذي سيكونون عليه في المستقبل؟ فإذا لم نُهيئهم من الآن لأن يتحملوا المسؤولية التي ستُلقى عليهم في المستقبل سنكون قد فرَّطنا في مثل هذه الأمانة، فلا بد أن نُهيئهم ليكونوا قادةً؛ لأننا إن لم نُهيئهم ونُربيهم ونُعلمهم ليكونوا قادةً في المستقبل فسيقود هذه الأمة مَن لا يستحقّ أن يقودها، ويقود المجتمع مَن لا يستحقّ أن يقوده، وقد قال النبي : ما نَحَلَ والدٌ ولدًا من نحلٍ أفضل من أدبٍ حسنٍ[4]أخرجه الترمذي برقم (1952)، وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" برقم (1121)..
وهذا نعتبره وقفًا، فأنت حينما تُربي ابنك، أو ابن جيرانك، أو طالبك في مدرستك على الأخلاق الإسلامية والقيم النبيلة؛ فإنك قد أوقفتَ وقفًا يستمر أجره ما استمر هذا الابن، وقد ينقل هذه القيم والأخلاق والعبادات لغيره، فيكون لك أجرٌ عظيمٌ عند الله مُستقبلًا.
المحاور: الله أكبر! إذن يا أستاذ إبراهيم نُربي على القيم الصحيحة لأنها أمانةٌ، ولأننا نريد أن نُحافظ عليهم من الانحرافات؛ ولأن الأب -مثلًا- رحيمٌ بأبنائه، والمعلم رحيمٌ بطلابه، ونُربيهم لكي يكونوا بُناةً للحضارة.
المتصل: وأخيرًا لا بد أن تكون التربية أسلوب حياةٍ عندنا، وفي كل موقفٍ يمر بنا، فنُعلم أبناءنا ما ينبغي أن يكونوا عليه في هذا الموقف، ونُربيهم على كيفية التصرف في مواقف حياتهم.
اليوم كنتُ مع بعض أبنائي الطلاب في المدرسة، ومن عادتي أنني أستثمرُ بعض حصص الانتظار، فأدخل على الطلاب لأُقدم لهم شيئًا، ولا أبقى في مكتبي كمديرٍ أو كقائدٍ للمدرسة، بل أستثمرها، فتكلمت معهم عن مهارات الحوار والاتصال؛ لأن الكثير من مشاكل أبنائنا اليوم تكمن في عدم معرفتهم بالتواصل مع الآخرين.
المحاور: أنت قائدٌ عجيبٌ يا أستاذ إبراهيم، جزاك الله خيرًا، نحن نعرف أن كثيرًا من المديرين يجلسون في مكاتبهم إلا مَن رحم الله.
المتصل: أنا أرى أنه من الواجب علينا ألا نبقى في برجٍ عاجيٍّ، بالعكس كلما قربت من الطلاب وربيتهم بالحب والرحمة سيذكرون لك ذلك بإذن الله.
التصور الخاطئ للتربية
المحاور: طيب يا أستاذ إبراهيم، آخر سؤالٍ: أنت لك سنواتٌ طويلةٌ في التعليم بين معلمٍ ومديرٍ وإداريٍّ، ... إلى آخره، لماذا نُربي؟ هل روَّاد التعليم من معلمين ومُشرفين وإداريين يحملون همَّ هذا السؤال، أم لك تحفظٌ؟
المتصل: والله أنا لا أريد أن أتشاءم يا دكتور خالد، لكن الواقع يشير إلى ضرورة إعادة صياغة هذا السؤال من جديدٍ ومعرفة الإجابة عنه، وأن يكون هناك تذكيرٌ بأهدافنا التربوية، وليست التربية في ميدان التعليم وظيفةً فقط.
للأسف هناك نسبةٌ من المعلمين هدف أحدهم أن يدخل إلى الفصل ويُؤدي المادة العلمية ويخرج، وليس له أثرٌ تربويٌّ على أبنائه، بل أحيانًا الآباء والأمهات يظنون أن التربية هي فقط أن تُعطيه مالًا، وتُوفر له الحاجيات الجسدية، بعيدًا عن الجانب الفكري والروحي الذي يحتاجه الأبناء، بل قد يبدو سؤالًا غريبًا حينما تسأل بعض الناس وتقول: لماذا تُربي؟ فيقول: نُربي كي يعيش أبناؤنا!
وهذا السؤال إجابته طويلةٌ، قد نعجز أن نختصرها في نصف ساعةٍ أو أقلّ أو أكثر.
المحاور: جزاك الله خيرًا أستاذ إبراهيم، وشكر الله لك، ولك التحية.
المتصل: أنا شاكرٌ لك على إتاحة الفرصة كي أُشارك في هذا البرنامج القيّم.
المحاور: شكرًا أستاذ إبراهيم.
كان معنا الأستاذ إبراهيم الشهري القائد التربوي في مدارس السعد، وقد أتحفنا بنقاطٍ عديدةٍ حول موضوعنا: لماذا نُربي؟
القلق والخوف الدائم
معنا الآن الأخ إبراهيم من تشاد.
حياك الله يا أخ إبراهيم.
المتصل: أهلًا وسهلًا يا دكتور، السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بكم يا أخي، تفضل بسؤالك أو مُشاركتك.
المتصل: كان عندي يا دكتور منذ سنةٍ قلقٌ ومخاوف.
المحاور: قلقٌ ومخاوف! من ماذا حفظك الله؟
المتصل: والله عندما أنظر إلى شخصيتي أحس أنها هربت مني.
المحاور: هل عندك خوفٌ من شيءٍ معينٍ، أو عمومًا؟
المتصل: عمومًا، فأنا دائم القلق، وشخصيتي هاربةٌ مني.
المحاور: أنت الآن لما أردت أن تتصل علينا شعرت بهذا القلق والخوف؟
المتصل: نعم.
المحاور: شعرت به؟
المتصل: نعم.
المحاور: وكم سنةٍ لك على هذه الحالة؟
المتصل: أربعٌ، في البداية أحسستُ بنبضاتٍ بسيطةٍ، وانقطعت لفترةٍ حينما كان عمري عشرين عامًا.
المحاور: هل عرضتَ نفسك على طبيبٍ أم لا؟
المتصل: عرضتُ نفسي على الدكتور وليد سرحان في الأردن.
المحاور: ما تخصصه؟
المتصل: لا أعرف، قالوا لي: اذهب إلى الدكتور وليد سرحان. وذهبتُ وشرحتُ له الحالة.
المحاور: طيب، تسمع الإجابة، إن شاء الله، بارك الله فيك، وأسأل الله أن يُعافيك ويشفيك.
على أية حالٍ، موضوع القلق والتوتر والمخاوف وما يتعلق بذلك هو من الموضوعات المُشكلة، بل أصبح اليوم هو رقم واحدٍ في التقديرات العالمية فيما يتعلق بالأمراض النفسية، وهو من الأمراض الشائعة الكثيرة التي تحتاج إلى العناية والاهتمام.
نريد أن نُعلق على سؤال الأخ، لكن معنا أيضًا الأخ عبدالحليم من الجزائر.
تفضل يا أخ عبدالحليم، بارك الله فيك.
المتصل: زاد فضلك، السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله، هل أنت الذي اتصلت قبل قليلٍ؟
المتصل: نعم يا دكتور، أريد أن أُوضح لك مرضي.
المحاور: ما سمعت الإجابة؟
المتصل: أريد أن أزيدك إيضاحًا.
المحاور: أنت الذي ذكرت أن عندك مشكلةً في الرهاب الشديد؟
المتصل: نعم يا دكتور.
المحاور: أنت تريد أن تُوضح، أو تريد مني أن أُوضح؟
المتصل: أنا أُوضح لك، أنا من اثنين وتسعين وأنا أعاني ...
المحاور: إذن لعلك تتواصل معي عبر (الواتس آب)، أو الهاتف الاستشاري الخاص بي، وسوف يُعطيك الإخوة في (الكنترول) الرقم؛ لأجل أن تتواصل معي عبر (الواتس آب) بإذن الله، فنأخذ ونُعطي معك أكثر -بإذن الواحد الأحد-، وأبشر بالخير، إن شاء الله تعالى.
بالنسبة للأخ الكريم صاحب القلق والمخاوف أنا أقول: إن السعادة النفسية من القضايا التي يريد الجميع أن يشعر بها، وهذا يستدعي إبعاد كل ما يُؤثر على الاستقرار النفسي وما يرتبط بذلك.
أنا أدعو الأخ الكريم إلى مراجعة حلقات في موقع (اليوتيوب) لمحدثكم، أسأل الله أن يستعملنا وإياكم في طاعته، وسيجد مادةً اسمها: السعادة النفسية، وهي عبارةٌ عن دراسةٍ نفسيةٍ وتربويةٍ لرسالة "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة" للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن سعدي، والتي ناقش فيها إحدى وعشرين وسيلةً لطرد القلق والمخاوف والهموم والغموم، فهي مهمةٌ جدًّا، وجديرةٌ بالمتابعة والاستفادة منها، ولعلنا نُخصص لقاءاتٍ مستقبليةً في هذا البرنامج -إن شاء الله تعالى- ندرس فيها شيئًا مما ورد في هذا الكتاب؛ لأجل تخفيف قضية القلق.
وأيضًا ستجد في نفس القناة في (اليوتيوب) ما يتعلق بمادةٍ خاصةٍ بالقلق، لعلك تعود إليها، وتستفيد منها.
ومهمٌّ جدًّا في هذه القضايا أن الإنسان يُوطِّن نفسه ويُجاهدها، ولا يستسلم ويسترسل؛ لأن القلق والخوف مرتبطٌ بشيءٍ مستقبليٍّ، وهو لم يحصل بعد، وإنما هو بيد الله ؛ فأفضل طريقٍ وأهمه كما قال النبي : احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز[5]أخرجه مسلم برقم (2664).، فالإنسان يُنجز مهمته في الوقت الحاضر، ولا يشغل نفسه بما مضى؛ فيُولد له الحزن والاكتئاب، ولا بما سيأتي وهو لم يأتِ بعد؛ فيُولد لديه القلق والمخاوف.
فإذا وجدتَ نفسك عندك القدرة على ممارسة بعض هذه الوسائل كما جاء في "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة" وبعض الإجراءات السلوكية والمعرفية فهذا حسنٌ.
وأنا أدعوك إلى أن تُقوي إرادتك أخي إبراهيم من تشاد لمثل هذا، أما إذا لم تستطع فعليك أن تعرض نفسك على طبيبٍ نفسيٍّ؛ لأن مستوى القلق لديك قد يكون مرتفعًا، ويحتاج إلى تدخلٍ دوائيٍّ لتخفيفه.
أيها الإخوة والأخوات، لعلنا نتابع معكم تقريرًا، ونعود إليكم، بإذن الله .
التقرير:
- تربية الأجيال مهمةٌ خاصةٌ في هذا الزمان الذي كثرت فيه مصادر التلقي، فأصبح الابن يتلقى تربيته عن طريق جواله من ناسٍ لا يعرفهم، ولا يعرف ما يُخططون لهدمه.
- أهم تربيةٍ يحتاجها جيلنا الحالي هي: الصدق، والنبي ربَّى أصحابه على الصدق، وسُمِّي أبو بكر: بالصديق، وقال في الحديث: إن الرجل ليصدق حتى يُكتبَ صِدِّيقًا[6]أخرجه البخاري برقم (6094)، ومسلم برقم (2607)..
- التربية الأسرية هي أول ركيزةٍ للابن أو الطالب في المنزل، فإذا صلحت تربيته الأسرية يكون تعامله مع أصحابه في المدرسة وفي غيرها ممتازًا.
***
حياكم الله أيها الإخوة والأخوات،
تابعنا هذا التقرير الموجز المختصر حول هموم طلابنا وأجيالنا حول موضوع التربية الأسرية والتعليمية وأهميتها والعناية بها، فعلى القائمين على التربية أن يُحققوا هذه الاحتياجات لأبنائنا الطلاب.
من مقاصد التربية: مقاومة الفتن
معنا أيضًا مداخلةٌ كريمةٌ من الأخ الكريم الأستاذ: خالد بن محمد باحبيل، المرشد الطلابي والمختص بعلم الاجتماع والمستشار الأسري.
مرحبًا بك يا أستاذ خالد.
المتصل: حياك الله يا دكتور خالد.
المحاور: يا مرحبًا بك، فرصةٌ طيبةٌ وسعيدةٌ، جزاك الله عنا خيرًا.
المتصل: الله يُبارك فيك، وينفع بك، إن شاء الله.
المحاور: اللهم آمين، وإياك.
السؤال: لماذا نُربي؟ هو عنوان حلقتنا اليوم في برنامج "أسس التربية"، وبحكم مُمارستكم التعليمية في المدارس وإرشادكم في الماجستير في علم الاجتماع، وكونك مستشارًا أسريًّا، ومختصًّا أيضًا برعاية الأسرة، لو حدثتنا بمرئياتك حول الإجابة عن هذا السؤال.
تفضل، الله يحفظك.
المتصل: لا شك أن هذا سؤالٌ كبيرٌ جدًّا، والأولى أن تُخصص له حلقةٌ مثل هذه الحلقات المباركة.
عمومًا أحبُّ أن أُشير إلى أن التربية عمليةٌ مستمرةٌ، تبدأ قبل ولادة الإنسان؛ وذلك من خلال اختيار الزوجة والأم الصالحة التي هي المصدر الرئيس لتربية الأبناء على الصلاح والعفة والأخلاق، فالتربية عمليةٌ مستمرةٌ، بل ذكرتْ بعض التقارير أو الدراسات الغربية: أن الابن أو الطفل أو الجنين في بطن أمه يتلقى بعضًا من التربية من خلال بعض الوسائل التي تقوم بها الأم أو الأب أثناء حمل الأم.
وبالنسبة لمقاصد التربية: فمن أعظمها في نظري -والله أعلم-: مقاومة الفتن، والصمود أمامها، وقبل ذلك: الحصانة من الوقوع فيها، فهذا يوسف عليه السلام النبي ابن النبي، صمد في وجه فتنةٍ عظيمةٍ، وهي: فتنة النساء، وما كان له أن يصمد بعد توفيق الله تعالى إلا من خلال التربية، فأبوه نبيٌّ من أنبياء الله.
وكذلك الصحابة الذين صمدوا مع الرسول في أحدٍ مثلًا كانوا قِلَّةً، وكان عددهم -كما ذُكر- اثني عشر صحابيًّا، فهؤلاء صمدوا ووقفوا أمام هذه الفتنة العظيمة من خلال تربية الرسول لهم.
فمقاومة الفتن والصمود أمامها مقصدٌ عظيمٌ من مقاصد التربية، وكذلك ابتغاء الأجر من الله ، وهذا حقٌّ من حقوق الله على الآباء: أن يُربوا أبناءهم، وكما جاء عن النبي أنه قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له[7]أخرجه مسلم برقم (1631).، فالمربي يدخل في هذه الثلاث كلها إذا توفرت هذه الشروط في أبنائه وطلابه ومَن يُربيهم، فإذا قام المُتربون بنشر علمه، والدعاء له، ونشر صدقته؛ فهو مكسبٌ عظيمٌ للمُربي قبل أن يكون للمُتربي.
المحاور: أستاذ خالد، هذه لفتةٌ نبويةٌ: أو ولدٍ صالحٍ يدعو له، هذا الولد الصالح لن يأتي كذلك إلا من خلال عمليةٍ تربويةٍ تجعل هذا الابن صالحًا فعلًا.
المتصل: بالفعل، نعم، ومن ذلك أيضًا: أن القيام بالتربية هو أمرٌ من الله ، وليست قضيةً مستحبةً، بل هي أمرٌ واجبٌ، وهو أمرٌ من الله من فوق سبع سماواتٍ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، فهذه الدعوة والأمر من الله للذين آمنوا بالقيام بالوقاية لا يتحقق إلا بالتربية والتعليم على طاعة الله.
المحاور: أنا أريد أن أسألك سؤالًا لأنك لك علاقةٌ بالاستشارات الأسرية، وقد كان معنا الأستاذ إبراهيم الشهري وسألناه فيما يتعلق بالمعلمين، ونسألك فيما يتعلق بالأسر والمُربين والآباء: هل ترى أن هذا السؤال مُستحضرٌ لدى الآباء من خلال علاقتك بالاستشارات الأسرية؟
المتصل: نعم، فكثيرٌ من الاستشارات تتمحور حول تربية الأبناء، وكثيرٌ من الآباء والأمهات الذين يسألون يعترفون فيقولون: نحن نعترف أننا ...
المحاور: قصَّرنا.
المتصل: فشلنا في عملية التربية، وليس لدينا مُقوِّمات التربية؛ ولذلك -للأسف- أحيانًا التربية قد تكون سلبيةً، وهي التربية الوراثية -إن صحَّ التعبير-، والتي تُؤخذ من الآباء للأبناء، فيصير الجيل نسخةً مُكررةً من آبائه وأجداده فقط.
المحاور: إذن هناك غيابٌ عن إجابة السؤال: لماذا نُربي بالنسبة للآباء والأمهات؟ والدليل أنهم يرون أنهم قصَّروا وتفاجؤوا بعد تقصيرهم بأمورٍ معينةٍ ما كانوا يتوقعونها في أبنائهم.
أسأل الله أن يجزيك عنا خيرًا.
شكرًا لك يا أستاذ خالد.
المتصل: الله يُسلمك، لك جزيل الشكر.
المحاور: ونحن سعداء بك، جزاك الله خيرًا.
كان معنا الأستاذ خالد باحبيل المرشد الطلابي والمستشار الأسري حول موضوع: لماذا نُربي؟
أيها الإخوة، ظهر لنا من خلال مُداخلة الأستاذ عبدالله من السودان حول الإسكانات الطلابية والبرامج التي في أكاديمية "نماء" وما يتعلق بقضية صناعة الإنسان: أن هذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، فيا ليتنا نهتم بصناعة الإنسان كما نهتم بصناعة المواد التي نحتاجها في حياتنا، ومع أنها لا بد منها إلا أن الإنسان هو الذي يصنع هذه المواد، فالاهتمام به أولى؛ ولذلك فإن التربية ليست خاصةً بالأسرة أو البيئات التربوية، بل حتى المصنع المادي يحتاج إلى مثل هذه التربية، كما سيأتي معنا عند الحديث عن أهمية التربية للمجتمع، وارتباط هذه القضية بالجانب الاقتصادي أيضًا بالنسبة للمجتمع.
وهكذا تحدث الأستاذ إبراهيم والأستاذ خالد عن قضية احتساب الأجر، ومعرفة أن هذا أمرٌ من الله ، وأكَّدا على أهمية الوقاية والحصانة والبناء، وتحميل المسؤولية، وغير ذلك من الأمور الجميلة والرائعة.
التربية تُحقق الأمن النفسي للفرد
نعود أيها الإخوة في الدقائق المتبقية إلى نقطتنا الأساسية، وهي: أهمية التربية للفرد، وقد تحدثنا أنها طاعةٌ لله .
والأمر الآخر: أنها تُحقق الأمن النفسي للفرد، يقول الله : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97]، فالعمل الصالح والإيمان نتيجته حياةٌ طيبةٌ وأمنٌ نفسيٌّ في هذه الدنيا: وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] في الآخرة.
والعمل الصالح والإيمان لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال تربيةٍ إيمانيةٍ وأخلاقيةٍ، والتربية على دافع الإنجاز والعمل، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا أيضًا.
في مقابل ذلك يقول الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:124]، فببُعدنا عن التربية الإسلامية والدينية والإيمانية وما يترتب عليها يحصل الضنك الذي هو عكس الأمن والاستقرار النفسي.
ومن أهمية التربية للفرد: تقدير المجتمع وحبه للشخص المُتربي تربيةً حسنةً، كما جاء في الحديث: خير الناس أنفعهم للناس[8]أخرجه الشهاب القضاعي في "مسنده" برقم (129)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (3289).، وهذا عند الله ، فكيف بالناس؟!
ولذلك يقول النبي : المؤمن الذي يُخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرًا من المؤمن الذي لا يُخالط الناس ولا يصبر على أذاهم[9]أخرجه ابن ماجه برقم (4032)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (6651).، فالمُتربي سيُحقق ذاته في المجتمع من خلال تقدير المجتمع له.
فهنيئًا لمَن تلقى تربيةً حسنةً، وتحصل على هذه الفوائد لهذه التربية التي حصلها في أسرته ومجتمعه وبيئته التعليمية، فقد حقق بذلك طاعة الله أولًا، والارتياح النفسي ثانيًا، وتقدير المجتمع له ثالثًا، فوالداه وأهله وأقاربه وأساتذته وزملاؤه وأصدقاؤه والمجتمع -مسلمهم وكافرهم- يحترمونه ويُقدرونه؛ نظرًا لأنه شخصيةٌ مُتربيةٌ تعرف كيف تحتك بالناس وتتواصل معهم بصورةٍ إيجابيةٍ؟
لعلنا في الدقائق المُتبقية نُجيب عن بعض الأسئلة التي وردت عبر (الواتس آب)، وإن شاء الله نُكمل ما يتبقى من أهمية التربية للأسرة ثم المجتمع في حلقةٍ قادمةٍ، بإذن الله .
لكن حلقتنا القادمة ستكون -بإذن الله- حلقةً خاصةً ومهمةً جدًّا بعنوان "التربية في ظل التحديات المعاصرة"، وسيكون ضيفنا -بإذن الله - سعادة الأستاذ الدكتور: سعد بن عبدالكريم الشدوخي، أستاذ التربية، وفَّقه الله وبارك فيه.
فلعلنا نحظى -إن شاء الله تعالى- بنقاشٍ وحوارٍ كريمٍ حول هذا الموضوع الخطير، وهو: "كيف أُربي في وقت التحديات والمُتغيرات المعاصرة؟".
علاج العصبية بين الزوجين
الأخت حنان من إيطاليا تسأل فتقول: أريد أن أعرف كيف أتعامل مع زوجي الذي يتعصب لأتفه الأسباب؟
هذه قضيةٌ سبق أن تحدثنا عنها كثيرًا، ولفت نظري أن العصبية من الموضوعات التي تُؤجج العلاقات فعلًا بين الزوجين وفي الأسرة، فنحتاج إلى ضبط الانفعالات.
وأما توجيهي لهذه الأخت التي تُعاني من هذا الزوج فأقول: هناك مجموعةٌ من التوجيهات، منها: تجنبي إثارة الزوج، ما دام أنه عصبيٌّ، فالمُفترض أن تنتبهي حتى لا تكوني سببًا في إثارته قدر المُستطاع.
وأيضًا عليكِ أن تضبطي انفعالاتك حينما يكون عصبيًّا؛ فلا تُبادليه بعصبيةٍ، وإلا فإنك ستُؤججين الموقف أكثر.
وعليكِ أيضًا البحث عن الأمور التي تُسعده، وهذا لا شك أنه من الذكاء الاجتماعي والعاطفي للزوجة تجاه زوجها، حتى لو كان عصبيًّا فهناك أشياء يمكن أن تجعل هذا الزوج يطمئن ويرتاح، فهنا يظهر ذكاء الزوجة التي عاشت سنواتٍ مع زوجها، وتستطيع أن تعرف بعض الأشياء التي يُحبها، فتحاول أن تُوفرها له.
وأيضًا لا بد من التأثير فيه بأسلوبٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ، وهذا الإجراء هو الإجراء العميق في حل المشكلة، والنقاط الأولى كلها مرتبطةٌ بما يتعلق بضبط الزوجة نفسها، ويبقى مصدر المشكلة وهو الزوج، فيحتاج إلى مَن يُساعده على ترك العصبية: إما بطريقةٍ مباشرةٍ، أو غير مباشرةٍ.
ولذلك ينبغي أن نُشعره بعدم الاستسلام لهذه الإشكالية التي عنده، وأن نُخبره بأنه يخسر علاقاتٍ وأشياء بسبب عصبيته، فلا بد من مخاطبة العقل والوجدان والمشاعر؛ حتى يعرف أنه على خطرٍ كبيرٍ إذا استمر على عصبيته.
وهناك وسائل شرعيةٌ: فمثلًا بمجرد أن يقول الإنسان: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، تخفّ عنده العصبية، وحينما يكون واقفًا فيجلس كذلك تخفّ العصبية، وحينما يقوم ويشغل نفسه بشيءٍ، ... إلى آخر تلك الأمور؛ فلذلك لا نيأس، فالزوجة يمكن أن تُعطيه بعض النماذج والقصص والمواقف والقناعات، ويمكن أن يكون ذلك بطريقٍ آخر، وبأسلوبٍ غير مباشرٍ: كرابطٍ في (اليوتيوب) يُشاهده الزوج، أو خطيب جمعةٍ يمكن أن يُوصِل له رسالةً بطريقةٍ ذكيةٍ، فيخطب في الوقت الذي يكون الزوج فيه موجودًا، ... إلى آخر تلك الوسائل التي تُساعد الزوجة على تغيير وتعديل سلوك الزوج فيما يتعلق بموضوع العصبية.
وأنا أُناشد الآباء -ذكورًا وإناثًا- أن يبتعدوا عن العصبية؛ لأن الأجيال ستكون مثلنا: عصبيةً، غضوبةً، فينبغي أن نشعر بالمسؤولية تجاه أنفسنا وأبنائنا، وهذا مما يُساعدنا على أن نضبط أنفسنا، وهناك دوراتٌ وإجراءاتٌ تُخفف من هذه الحدة، ويمكن أيضًا أن نعود إلى المُختصين، وأيضًا الرجوع إلى (اليوتيوب) والقناة الصوتية في (الساوند كلاود)، وستجدون بعض المواد الخاصة بمُحدثكم تتعلق بهذه القضية.
حلقتنا انتهت، وأسأل الله أن يُوفقنا وإياكم للتربية الصحيحة لأنفسنا وأجيالنا.
أسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، وإلى لقاءٍ قادمٍ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | "صحيح البخاري" (1/ 25). |
---|---|
↑2 | البيت لأحمد شوقي كما في "مجمع الحكم والأمثال"، و"شعر شوقي في ميزان النقد" (ص85). |
↑3 | أخرجه البخاري برقم (893)، ومسلم برقم (1829). |
↑4 | أخرجه الترمذي برقم (1952)، وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" برقم (1121). |
↑5 | أخرجه مسلم برقم (2664). |
↑6 | أخرجه البخاري برقم (6094)، ومسلم برقم (2607). |
↑7 | أخرجه مسلم برقم (1631). |
↑8 | أخرجه الشهاب القضاعي في "مسنده" برقم (129)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (3289). |
↑9 | أخرجه ابن ماجه برقم (4032)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (6651). |