المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
حياكم الله في حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم الأسبوعي: "أسس التربية" من قناة "زاد" العلمية.
وفي هذا اللقاء وهذه الفرص الطيبة في ثلاثة أسابيع متواليةٍ مع الأستاذ الدكتور: أحمد بن صابر الشركسي.
حياكم الله دكتور أحمد.
الضيف: الله يحفظك.
المحاور: دكتور أحمد أستاذ الإرشاد والعلاج النفسي المشارك في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل.
مرحبًا بك دكتور أحمد، وشكر الله لك، أتعبناكم في الأسابيع الثلاثة، الله يتقبل منكم، وجزاكم الله خيرًا: وأحب الناس إلى الله أنفعهم للناس[1]أخرجه الطبراني في "الأوسط" (6026)، و"الكبير" (861)، والقضاعي في "مسنده" (129)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3289).، وأنت -بإذن الله - تكون في هذا المضمار.
وأحببنا أن نستثمر وجودكم معنا في الحلقات الماضية مع هذه الحلقة في أن نُجيب عن بعض الأسئلة التي وردت من الإخوة والأخوات عبر لقاءاتٍ.
وكنا معلقين بعض الأسئلة نظرًا لكثرة الأسئلة التي ترد، وأيضًا الحلقات؛ فقد لا نستطيع أن نجيب عنها دائمًا في حلقةٍ كاملةٍ، وفي بعض الأحيان نجيب عن أسئلةٍ في أوقاتٍ دون أوقاتٍ.
فاستثمارًا لوجودكم، وأنتم تهتمون بقضايا المشكلات في مجال التخصص والإرشاد والعلاج النفسي؛ لو أتحفتمونا بما يتعلق بالمشكلات، والمعاناة التي تحصل، ففي بعض الأحيان تجد الإنسان يتصل، وأنا في المجال الاستشاري تأتيني اتصالات (واتس آب)، وقد يأتي الشخص حضوريًّا وهو يشعر أن الدنيا قد انغلقت عليه، وكأنه هو الوحيد الذي يعيش في هذه القضية، ناهيك عن أنه يقوم بالتشخيص، ويُعطي أحكامًا مُسبقةً لما هو عليه.
فقبل أن نجيب عن بعض أسئلة الجمهور الكريم، لو أعطيتمونا في مدخل هذه الحلقة كلمةً حول هذا الموضوع المهم، بارك الله فيكم.
الضيف: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا.
جزاك الله خيرًا دكتور خالد على الاستضافة الكريمة، وأشرف بأن أكون معك في موضوعٍ من الموضوعات المهمة، الله يحفظك.
المحاور: ونحن نشرف أيضًا.
الضيف: الله يحفظك.
مدخلٌ عن المشكلات وتأثيرها
قضية المشكلات النفسية والاجتماعية التي تمر بها أي أسرةٍ أو أي مجتمعٍ هي مسألةٌ غاية في الأهمية؛ لأن بعض الناس تُكوِّن انطباعاتٍ شخصيةً عن بعض المشكلات التي تمر بهم، وتُزيد وتُكبِّر من حجم هذه المشكلات، لدرجة أنها قد تعيق المعيشة، وتعيق خط سير الإنسان في حياته التي يسير فيها، وبالتالي يتوقف بناءً على هذه المشكلة التي يُعاني منها توقفاتٍ قد تؤثر على فعاليته وأدائه بشكلٍ عامٍّ.
المحاور: يعني: يكون هو سببًا في زيادة المشكلة التي هو فيها، كما يذكر أهل التخصص في مرض: "توهم المرض"، وهو ليس مرضًا.
الضيف: مرض التوهم.
المحاور: وإنما هو توهم، حتى عند الرُّقاة.
دكتور، اسمح لي بالمقاطعة، أنا كنت عند أحد الرقاة الثقاة قديمًا، فكان يقول لي: 95% -إن لم تخنِّ الذاكرة تقريبًا ذكر هذه النسبة أو قريبًا منها- كله توهم، وليس سحرًا، وليس مسًّا، وليس عينًا، مع حقيقة هذه الأشياء.
يذكر أحدهم أنه نزل ولا يتحرك أبدًا، ويقول: قمنا بحمله، وإذا به قد استمع إلى تسجيلٍ لشخصٍ قُرئ عليه، وبدأ الجن يتحدث، وهو بدأ يشعر بأن الجن بداخله؛ حتى شُلَّت حركته، فحصل لديه ما يُسمى: بالهستيريا الحركية، أو شيءٍ من هذا القبيل.
فهذه قضيةٌ تتعلق بحديث الذات السلبي، والإيحاء السلبي، ... إلى آخره.
إذن هنا مهمٌّ جدًّا للإنسان ألا يكون عونًا على نفسه فيما يتعلق بتعزيز المشكلة التي هو فيها؛ لأنه ابتداءً لا بد أن يكون الجانب الذي يحمله، أقصد النفس التي يحملها عندها قابليةٌ لأن تتفاءل وتتحسن؛ حتى لا يبقى في هذه المشكلة.
الضيف: بالتأكيد، لا شك في هذا الأمر، خاصةً أن هناك درجةً كبيرةً جدًّا من التأثر الناتج عن الإيحاء، يعني: في بعض المجتمعات -وخاصةً المجتمعات العربية- تكون القابلية للإيحاء عندهم درجتها عالية؛ فيتأثرون تأثرًا شديدًا، سواء بالإعلانات، أو بالأمور التي تؤثر فيهم بشكلٍ كبيرٍ جدًّا.
المحاور: والإشاعات لها رصيدٌ كبيرٌ عندنا.
الضيف: والإشاعات، خاصةً أن وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ساعدت في انتشار الإشاعات بشكلٍ سريعٍ جدًّا، والناس تتأثر بها، وتتفاعل معها بشكلٍ غير طبيعيٍّ، لدرجة أنها تتناقل، وترجع تسأل: ما الآثار المترتبة؟
وقد تصل لدرجات الخوف المرضي الذي تكلمت عنه فيما يتعلق بالتوهم المرضي، أو الخوف، أو الرهاب، أو شيءٍ من هذا القبيل.
المحاور: أذكر حالةً معينةً ذهبت إلى الطوارئ، وصار فيها تعبٌ، لكن بسبب أمورٍ حياتيةٍ طبيعيةٍ جدًّا، فكان التوجيه من الطبيب: لا تُشعر نفسك أنك متعبٌ، قم ومارس حياتك الطبيعية؛ حتى تستطيع أن تشعر أنك شخصٌ طبيعيٌّ، أما أن تُشعر نفسك بأنك مريضٌ، وتبقى في البيت ولا تخرج، أو ... إلى آخره، وأنت على ما أنت عليه، وإذا قيل لك: قم بهذه المهمة، تقول: والله لا، أنا تعبان، أنا مريض، أو ... إلى آخره، فإنه سيبقى في هذه الدائرة.
إذن دكتور أحمد كل واحدٍ منا مُعرَّضٌ للمشكلات.
الضيف: بالتأكيد، وإذا كان هناك شخصٌ ينظر إلى الحياة بدون مشكلاتٍ، ويعتقد أن هناك حياةً بدون مشكلاتٍ، فهو شخصٌ واهمٌ، وهو شخصٌ عنده مُعتقداتٌ خاطئةٌ ينبغي أن يعدلها.
المحاور: وفي المقابل؟
الضيف: وفي المقابل الإنسان الذي تُواجهه الكثير من المشكلات، ويستطيع أن يتعامل معها بشكلٍ مباشرٍ ولا يُؤجلها، هذا شخصٌ نستطيع أن نقول عنه: عنده جهازٌ نفسيٌّ قويٌّ، ويستطيع أن يُساعده في مواجهة أي ضغوطٍ يتعرض إليها.
القرب من الله يزيد المناعة ضد المشكلات
وبالتالي إذا كان الجانب الأقوى هو قربه من الله -سواءٌ بالعبادة أو بالطاعات- فإن ذلك يزيد من المناعة، والجهاز النفسي يكون أشد قوةً؛ لأن العلاقة بالله ، والعلاقة من خلال الأذكار، ومن خلال الطاعات والعبادات تُقوي بلا شكٍّ الجهاز النفسي، والأثر النفسي يكون أفضل بكثيرٍ.
المحاور: وأظن يا دكتور أن التوجيه القرآني الرباني: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]، هذه تأكيدٌ على أن الابتداء يكون من النفس ومن الذات، لكن لو كانت الذات تعتمد على الآخرين فهي ربما لا تخرج من دائرتها، فالطبيب يمكن أن يصرف دواءً للمريض، لكن المريض لا يأخذ الدواء، أو لا يشتريه، صحيحٌ أم لا؟
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: إذن نحن نحتاج إلى أن نقول: إنه ابتداءً لا بد من أن تتصور أن كل إنسانٍ يحصل على مشكلةٍ، ولا بد من التعامل مع هذه المشكلة بطريقةٍ إيجابيةٍ؛ حتى يتخلص من هذه المشكلة، فيكون في مستوى الاستقرار والسواء النفسي.
والأمر الآخر أيضًا: أنه لا بد من تشخيص القضية بطريقةٍ سليمةٍ.
هل هناك نقطة توجيهٍ حول قضية التشخيص يا دكتور؟ وأيضًا التفريق بين العوارض المرتبطة بالجوانب النفسية، وبين الاضطراب والأمراض، وما شابه ذلك، فالواحد بمجرد أن يشعر بشيءٍ من الهم يقول: أنا مريضٌ نفسيًّا!
الضيف: صحيحٌ، يعني: هذه القضية مرتبطة، يعني: أولًا في القرآن الكريم: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد:4]، هذا تأكيدٌ على أن الحياة ليست حياةً ورديةً، وأن الإنسان يكون سعيدًا وبعيدًا عن المشكلات.
المحاور: إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ [الانشقاق:6].
الضيف: وبالتالي السعادة ليس معناها أن أكون بعيدًا عن المشكلات، بل قد تكون سعادة بعض الأشخاص في مواجهة كثيرٍ من المشكلات.
المحاور: يا سلام! مواجهة المشكلات، لا بد من مواجهة المشكلات، والهروب من المشكلات ليس حلًّا.
الضيف: لا، بالعكس، فالهروب يزيد من العبء النفسي على الإنسان؛ لأنه يهرب من مشكلةٍ ويتركها وراء ظهره، ثم تأتي مشكلةٌ أخرى ويهرب منها، وبالتالي تتراكم عليه المشكلات.
المحاور: فتتراكم عليه المشكلات، يعني: ما تحدثنا عنه في لقاءاتٍ سابقةٍ حول الوسواس في الحلقتين الماضيتين دكتور أحمد، عندما تحدثنا مثلًا عن بعض النماذج، نقول: إنه منذ ستة أشهر لم يذهب إلى أحدٍ! ومنذ سنتين لم يذهب! وأنت تقول: وربما عشر سنوات، ... إلى آخره، يعني: هو مستسلمٌ لهذا الأمر دون أن يُجري أية إجراءاتٍ علاجيةٍ ويتفاءل بالجانب العلاجي، ويجعل هذه القضية تزداد لديه حتى تُصبح من الصعوبة بمكانٍ، لا نقول: مستحيل، لكن من الصعوبة بمكانٍ أن يتخلص منها في وقتٍ مبكرٍ.
الضيف: وهذا الفرق بين الشخص المريض والشخص السَّوي، والمفترض أن تكون نظرة الإنسان السَّوي نظرةً إيجابيةً مُنفتحةً فيها قدرٌ كبيرٌ من التفاؤل.
المحاور: يا سلام! والرسول كان يُعجبه الفأل الحسن[2]أخرجه ابن ماجه (3536)، وأحمد في "المسند" (24982)، وقال محققوه: "حديثٌ صحيحٌ لغيره"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" … Continue reading.
الضيف: عليه الصلاة والسلام، وبالتالي علينا أن ننظر أو نقارن بين شخصٍ متفائلٍ ويُواجه بعض المشكلات، وشخصٍ متشائمٍ ويُواجه نفس المشكلات، فما النتيجة؟
المحاور: جزاك الله خيرًا دكتور أحمد.
هل بقي عندك شيءٌ فيما يتعلق بالتشخيص وما يرتبط به، وأنه يحكم على نفسه؛ لأن معنا أسئلةً.
ولعلنا نسمع رأيك في ذلك بعد هذه المداخلة الكريمة من سعادة الدكتور: أحمد بن عبدالرحمن السني.
حياك الله دكتور أحمد.
المتصل: حياك الله، الله يبارك فيك.
المحاور: يا مرحبًا، يا مرحبًا.
الدكتور أحمد عميد كليات الغد الطبية، والدكتور طبيبٌ فسيولوجي في وظائف الأعضاء، وعميد شؤون الطلاب في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل سابقًا.
مرحبًا بك دكتور أحمد في هذه المشاركة الطيبة.
المتصل: الله يُحييك، الله يبارك فيك يا أبا عبدالرحمن.
المحاور: معنا الدكتور أحمد الشركسي ضيفنا في هذه الحلقة، الله يحفظك.
المتصل: ما شاء الله، حياك الله، أنعم وأكرم.
الضيف: الله يحفظك يا دكتور.
العلاقة بين النفس والجسد
المحاور: دكتور أحمد، نحن في مجال التخصص عندنا في مجال العلاج النفسي، ومجال الإرشاد النفسي، ليس لنا غنًى عن أهل الطب العضوي، خاصةً فيما يتعلق بالمختصين بالجانب الفسيولوجي ووظائف الأعضاء، فنريد إطلالةً للجمهور ليفهموا هذه القضية ومدى ارتباط الجانب الفسيولوجي ووظائف الأعضاء وأثره على الجانب النفسي، بارك الله فيكم.
المتصل: حياك الله، الله يبارك فيك، حقيقةً الجسد والنفس بينهما ترابطٌ وتناغمٌ كبيرٌ، فلا تستطيع أن تتحدث عن الجسد دون الحديث عن النفس، ولا تتحدث عن النفس دون الحديث عن الجسد، فما يؤثر على الجسد يؤثر على النفس، وما يؤثر على النفس ربما أثَّر على الجسد.
وعلى هذا أمثلةٌ كثيرةٌ نستطيع أن نتحدث عنها، فمثلًا: إذا تحدثنا عن مرض السكري، وهو أحد الأمراض المنتشرة في مجتمعنا انتشارًا كبيرًا، ومريض السكري ربما يعاني من تذبذب مستويات السكر لديه؛ فتارةً يرتفع السكري إلى مستوياتٍ عاليةٍ، وتارةً ينخفض إلى مستوياتٍ متدنيةٍ.
وهذا الارتفاع وهذا الانخفاض وهذا التذبذب لا شك أنه يؤثر على نفسية المريض؛ فتراه ربما يُصاب بحالات غضبٍ سريعةٍ، وربما يحزن بصورةٍ كثيرةٍ على غير المعتاد، وكل هذا بسبب أن هذه السكريات بالتغير فيها تؤثر على تغذية العقل والدماغ، مما ينتج عنه اضطرابٌ نفسيٌّ يخرج في حالة غضبٍ، وحالة قلقٍ، وحالة انزعاجٍ وتضايقٍ.
كذلك -مثلًا- إذا نظرنا إلى الغدة الدرقية؛ فالغدة الدرقية تُصاب باعتلالاتٍ، منها: ارتفاع في منسوب هرمون الغدة الدرقية، فتجد المريض تتأثر نفسيته تأثرًا كبيرًا، ويُصاب بحالات هلعٍ وقلقٍ، وتجد عنده يقظةً وقلةً في النوم، واضطرابًا عقليًّا كبيرًا.
كذلك الشخص الذي يُصاب بانخفاضٍ في مستوى الغدة الدرقية تجده ربما يُعاني من اكتئابٍ وحالات تأزمٍ، ربما تصل إلى كُرهٍ للدنيا، ومحاولة انتحارٍ، وزهدٍ كبيرٍ في الحياة، وهذا كله بسبب انخفاضٍ هائلٍ ربما يحدث لديه في مستويات الغدة الدرقية.
المحاور: إذا أذنت لي دكتور أحمد: أذكر قصةً عايشتها، فكان هناك بعض الفضلاء مُنقبضين من أحد الأشخاص، يقولون: هذا شخصٌ متكبرٌ، وكنت أشاركهم في هذا الرأي، لكن عندما أخذنا وأعطينا تبين لنا أن هذا الشخص مصابٌ بالغدة الدرقية، وحدثنا أحد الأشخاص فقال: ما تجدونه من انقباضه وضيقه وعدم الانفتاح معكم، وأيضًا كأنه يُسلم من طرف يده، وعدم الانسجام معكم؛ هو بسبب وضع الاضطراب الذي لديه في الغدة الدرقية، فهل الأمر كذلك؟
المتصل: صحيحٌ، نعم، تمامًا، هذا الذي يحدث معهم، وأنا أعرف أكثر من حالةٍ عانت كثيرًا، وبعضهم اضطر إلى أن يستقيل من وظيفته؛ لأن المجتمع لم يُدرك ما يُعانيه من مرضٍ.
وأنا أقول: في المقابل تؤثر الاعتلالات النفسية على الجسد، فربما يُصاب الشخص بمرض السكري، أو مرض ارتفاع ضغط الدم، ويكون سببه نفسيًّا.
المحاور: يعني: هذا شيءٌ عكسيٌّ.
المتصل: عكسيٌّ، إذن القضية تناغمٌ بينهما وارتباطٌ وثيقٌ، فهذا يؤثر على هذا، وذاك يؤثر على ذاك، فبينهما ارتباطٌ.
فقد يُصاب الشخص بمرض السكري، وأسباب مرض السكري عديدةٌ، قد يكون أحد عواملها: أن يصاب الشخص بحزنٍ حادٍّ، كأن تأتيه مصيبةٌ، فما يفيق منها إلا وهو مصابٌ بمرض السكري، فهذا قد يحدث.
فهذا باختصارٍ موضوع التناغم والارتباط بين الجانب الجسدي والفسيولوجي، وبين الجانب النفسي، والله أعلم.
المحاور: شكرًا دكتور أحمد، بارك الله فيك، وسعداء بك، ونسعد بك أكثر لاحقًا حين تكون معنا في (الاستديو) في حلقةٍ مباشرةٍ، بإذن الله.
المتصل: بإذن الله تعالى، الله يبارك فيك.
المحاور: كان معنا الدكتور أحمد السني عميد كلية الغد الطبية، وأستاذ مساعد في قسم طب وظائف الأعضاء في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، وقد تحدث عن العلاقة بين الجانب العضوي الجسدي والجانب النفسي، والعكس كذلك، وأظن أن هذه القضية مهمةٌ جدًّا لنا.
الضيف: فكرة ارتباط النفس بالجسد، وتأثير النفس على الجسد، أو تأثير الجسد على النفس؛ هذه قضيةٌ غاية في الأهمية، وتُدرس في مقرراتٍ مستقلةٍ في مجال علم النفس الفسيولوجي على سبيل المثال، كقضية تأثير الانفعال على التفكير على سبيل المثال، فكلما زاد الانفعال كلما قلَّ مستوى التفكير المنطقي.
المحاور: وأنتم تُدرِّسون هذا المقرر في كليتك دكتور أحمد، جزاك الله خيرًا.
طيب، نختم بقضية التشخيص قبل أن ندخل في أسئلة الجمهور.
اعتلال النفس يؤثر في اعتلال الجسم
الضيف: قبل ذلك هناك إطلالةٌ استكمالًا للجزء الخاص بالجانب النفسي وتأثيره؛ لأن هناك اتجاهًا من الاتجاهات العلمية النفسية يُطلق عليه اسم: الاضطرابات (السيكوسوماتية) (النفس جسمية)، وهي التي تتحدث عن تأثير النفس على الجسم، أو أن اعتلال النفس يؤثر على اعتلال الجسم، مثلًا: الاكتئاب يؤثر على الجسم بشكلٍ كبيرٍ جدًّا في التغير المزاجي، وتغير الجانب الفسيولوجي بشكلٍ كبيرٍ جدًّا، والقلق أيضًا يُؤثر بشكلٍ أو بآخر.
وأغلب الأمراض المشهورة أو الشائعة: كالسكر، والضغط، وقرحة المعدة، والقولون العصبي، والشقيقة؛ في الواقع هي اضطراباتٌ (سيكوسوماتية) (نفس جسمية).
وبالتالي ننصح الناس بشكلٍ عامٍّ فنقول: لا نأخذ المشكلات ونُحمل أنفسنا ما لا نطيق، بمعنى: لا نكبر من حجم المشكلات بشكلٍ كبيرٍ جدًّا، فكل مشكلةٍ بالتأكيد لها حلٌّ، وقد نستعين بآخرين، سواءٌ كانوا من أهل التخصص، أو من الخارج من الأصدقاء والمقربين، ويستطيعون بشكلٍ كبيرٍ جدًّا أن يُساعدونا.
أما فيما يتعلق بقضية التشخيص التي تتكلم عنها فهي في غاية الأهمية، يعني: قضية مَن يحتاج إلى الإرشاد، ومَن يحتاج إلى العلاج، فالشخص الذي يستطيع أن يُؤدي أدواره الحياتية بشكلٍ طبيعيٍّ ...
المحاور: وهذا ناقشناه في الوسواس القهري، وفرَّقنا بين الاثنين.
الضيف: بالتأكيد، فالشخص الذي يستطيع أن يُمارس حياته بشكلٍ طبيعيٍّ، وتُواجهه بعض المشكلات، ويستطيع أن يتصدى لها: سواءٌ بنفسه، أو بمساعدةٍ من الآخرين؛ فلا حاجة له إلى العلاج مطلقًا، لكن قد تُواجهه بعض العثرات والمشكلات التي لا يستطيع أن يقوم بحلها وحده، فمن الممكن أن يلجأ لأشخاصٍ يُقدمون له المساعدة، وفي هذه الحالة يمكن أن يكون الأخصائي النفسي هو الشخص المناسب، ويمكن أن يكون الأخصائي الاجتماعي، أو يكون صديقٌ من المقربين له قدرٌ من الثقة مناسب.
وفي هذه الحالة الشخص هنا شخصٌ طبيعيٌّ تُواجهه بعض المشكلات التي لا يتوقف عندها كثيرًا.
المحاور: يعني: هو شخصٌ سويٌّ.
الضيف: نعم، سويٌّ تمامًا.
المحاور: هو شخصٌ سويٌّ، لكنه كما يعتري أي شخصٍ آخر، كما يعترينا في الجانب العضوي زكامٌ أو (إنفلونزا)، أو أي قضيةٍ أخرى؛ يعتريه شيءٌ من الهموم والغموم.
فلذلك مهمٌّ جدًّا -تأكيدًا على كلامك يا دكتور- أنه لا إشكال أن تأخذ التوجيه من شخصٍ مختصٍّ، هذا ليس عيبًا، لست مريضًا نفسيًّا.
ثم هب أنك تحتاج إلى علاجٍ نفسيٍّ، وعندك اضطرابٌ، ما المشكلة؟
كذلك أن تخرج منها خيرٌ من أن تبقى فيها وفي دائرتها.
فهنا أنت تُؤكد دكتور أحمد على قضية: أننا لا نستعجل في التشخيص، كما أنك أكَّدتَ على أهمية ألا نُكبر المشكلة حتى لو كانت موجودةً.
وهناك فرقٌ بين التعامل مع الجانب السَّوي الذي يحتاج لشيءٍ من الإرشاد، والتعامل الذي يحتاج إلى جانبٍ من العلاج من خلال جلساتٍ علاجيةٍ أكثر عمقًا، بسبب أن الحالات قد تكون مستعصيةً، والسبب في وجود هذه الحالات التي تحتاج إلى العلاج، وليس إلى الإرشاد: أننا قد تأخرنا فيها كما ذكرنا في موضوع الوسواس كنموذجٍ.
هل بقي شيءٌ عندنا يا دكتور في هذه النقطة؟
الضيف: فكرة إحجام بعض الناس عن مراجعة الطبيب النفسي أو هذا الاتجاه يمكن أن ترجع إلى أن المجتمعات العربية كانت تتأثر بهذا الأمر في الفترات السابقة، لكن الآن أصبح شيءٌ غاية في الأهمية وجود الطبيب النفسي.
المحاور: موجودٌ يا دكتور، تأتيني استشاراتٌ كثيرةٌ: أبوان يذهبان ويُريدان الحل بـ(الواتس آب)، بالكلام.
الضيف: صحيحٌ، يعني: مستوى الوعي أصبح في زيادةٍ، لكن يمكن أن يكون المريض نفسه -إذا كنا نتكلم عن المريض- هو الذي يتأخر في أن يبوح للأسرة، ويبوح للأشخاص المُقربين منه الذين يُوجِّهونه بعد ذلك إلى أن يتوجه إلى الطبيب.
المحاور: جزاك الله خيرًا، مقدمةٌ طيبةٌ جدًّا، وهذه تستحق أن تكون عنوان هذا اللقاء: النظرة حول المشاكل، وكذلك الحلول لها، وما يتعلق بها كمنهجيةٍ.
هذه مقدمةٌ مهمةٌ جدًّا، نحتاج لها حتى في حلقاتٍ سابقةٍ، وقمنا بشيءٍ من ذلك في الإجابة عن الأسئلة، لكن ما ذكرته دكتور أحمد -جزاك الله خيرًا- يمكن أن نُسميه: إطارًا ومنهجًا مهمًّا جدًّا للجميع، وعلى الأُسَر أن تُراعي هذه القضايا فيما يرتبط بالقضايا التي تعتريكم من مشكلاتٍ، والأسئلة التي تريدون الإجابة عنها؛ لأنها تُساعد جدًّا في التعامل معها بطريقةٍ إيجابيةٍ.
ونبدأ بمجموعةٍ من الأسئلة -بارك الله فيكم- في الوقت المُتبقي في نهاية هذه الحلقة المباركة.
الإجابة عن الأسئلة
هذه سائلةٌ تقول: زوجي دائمًا ينفعل على ابنه الكبير، وابنه له ست عشرة سنة، وهو شديد الانفعال، ويُعاني من مرض السكر.
وهذا يبين أهمية كلام الدكتور أحمد السني.
الضيف: نعم، نفس كلام الدكتور.
المحاور: ودائمًا يقول: أريد أن أراه أمام عيني في المسجد، وإذا ما رآه انفعل، والولد يقول: أنا أصلي لله، ولست أصلي لك. وينفعل عليه دائمًا أمام الناس، وفي الشارع، وفي المسجد؛ حتى أصبح الولد مُعقَّدًا من الخروج لأداء الصلاة.
ما توجيهكم لهذه الأسرة: الأخت السائلة، والأب، والابن؟
الضيف: موضوع التربية أمرٌ غاية في الأهمية، وتأسيسه سواءٌ من الأب أو الأم، واستجابة الأبناء لتوجيه الوالدين مسألةٌ غاية في الأهمية، لكن تأسيسها عندما نتكلم عن مشكلةٍ ما، مثل: المشكلة التي بين أيدينا، وأن عندنا بعض المُسببات الأساسية لعملية الانفعال، ومرض السكر واحدٌ من المُسببات الأساسية للانفعال.
المحاور: فلا بد من مراعاتها.
الضيف: بالتأكيد لا بد، وأولًا نسأل السائلة: هل طول الوقت يكون الأب منفعلًا على الابن؟ وهل انفعاله فقط على الابن؟ وهل هو انفعالٌ متكررٌ نتيجة تناوله (للأنسولين)، فتكون درجة انفعاله هي نفس درجة الانفعال أو لا؟
على الزوجة السائلة أن تُراقب هذا الأمر؛ لتتأكد مَن المسؤول عن الانفعال: السكر، أم أن الأمر سمةٌ من سمات شخصية هذا الأب؟
المحاور: هل هو نتيجة للسكر، أم هو سمةٌ فيه؟
الضيف: وبالتالي الذي يحسم هذه المسألة هو: متى آخذ (الأنسولين)؟ لأن تأثيره يضبط عملية السكر بشكلٍ كبيرٍ في الجسم، وبالتالي نقدر أن نحكم إذا كان من انخفاض السكر أو زيادته.
المحاور: لو كانت القضية مرتبطةً بالسكر يا دكتور، أو كان احتمالٌ آخر، ما توجيهكم في هذا الأمر؟
الضيف: جميلٌ، في الاحتمال الأول إذا كان بسبب السكر: لا بد أن تراعي الأسرة عمومًا أن عندها مريضًا بمرضٍ مُزمنٍ، فمرض السكري من الأمراض المزمنة، وبالتالي لا بد أن تُزال عنه أعباء كثيرةٌ عليه، ولا بد له من جوانب مساندةٍ كثيرةٍ.
وعلى الأم هنا أو الزوجة أن تُقدم المساندة والدعم للزوج؛ ليتجنب بعض المواقف التي يمكن أن تُسبب له الانفعال.
المحاور: يعني: محاولة الابتعاد عن مواقف الانفعال بالنسبة له، يعني: حتى نقول للابن كذلك: أنت تحتسب الأجر في قضية أن تبرَّ والدك.
الضيف: بالتأكيد هذا توجيهٌ للابن، وأيضًا توجيهٌ للزوجة.
الشق الثاني فيما لو كان بعيدًا عن قضية السكر، وإنما هو من سماته الشخصية، فهنا نتكلم عن فكرة أن التربية أمرٌ غاية في الصعوبة.
يعني: الأب هنا أو الأم عندما تسأل أحدهما يقول لك: والله أنا أريد وأود أن يكون ابني أحسن مني في كل الأمور.
طيب، هل هذا هو التصرف الصحيح الذي يسمح لابنك أن يكون كذلك؟
المحاور: بالعكس.
الضيف: هذه النقطة الأولى.
النقطة الثانية: ماذا تعتقد؟ أو ما النتيجة التي يمكن أن يحصل عليها ابنك نتيجة انفعالك عليه أمام الآخرين؟
المحاور: الهروب بلا شكٍّ وعدم الاستجابة لأصل الموضوع.
الضيف: هنا هل ستُحل المشكلة، أم ستزداد تعقيدًا؟
المحاور: ستزداد تعقيدًا بلا شكٍّ، وخاصةً في أمر الصلاة.
الضيف: بالضبط، وبالتالي لا بد هنا في هذا الأمر أن نبحث مع الأب والابن في قضايا مشتركةٍ؛ قضايا اهتمامٍ مشتركة؛ حتى تتحسن علاقة الأب بالابن.
على سبيل المثال، يمكن أن يكون الابن يحب قراءة القرآن لبعض المشايخ مثلًا، فيهتم الأب بشراء اسطواناتٍ لهذا الشيخ للاستماع مع الابن، ومناقشته في بعض القضايا التي تتعلق بأمورٍ يهتم بها مثلًا: (كالإنترنت)، أو قضايا تتعلق بكرة القدم، أو أي اهتمامٍ، خاصةً في سن المراهقة المتأخرة بنفس العمر: ست عشرة سنةً كما فهمت من السؤال.
فإيجاد عاملٍ مشتركٍ يُقرب المسافات؛ لأن عندنا إشكاليةً كآباء بشكلٍ عامٍّ: أننا نعتقد أن الأب يعني: سلطة، وهو قد يكون سلطةً، لكن كيفية استعمال هذه السلطة في مكانها الصحيح هو أن يُحبب الأبناء فيه من خلال طريقة تعامله.
المحاور: حرم على النار كل هينٍ، لينٍ، سهلٍ، قريبٍ من الناس كما قال النبي [3]أخرجه أحمد في "المسند" (3938)، وقال محققوه: "حسنٌ بشواهده"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3135).، والله وجَّه نبيه عليه الصلاة والسلام -اسمح لي بهذه المقاطعة-: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ.
الضيف: لِنْتَ لَهُمْ.
المحاور: لِنْتَ لَهُمْ، قال: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا مَن هو؟ محمد .
الضيف: محمد عليه الصلاة والسلام.
المحاور: لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]، مَن الذين سينفضوا؟ هم أصحابه.
وأنا أقول دائمًا: التمرد وعدم الاستجابة علامةٌ على ضرورة مراجعة الآباء طريقة تعاملهم مع أبنائهم، فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
الضيف: وقد يكون جزءٌ من هذا السبب أن الأب من الممكن أن تكون في مكان عمله مجموعةٌ من الضغوط الشديدة، فيذهب إلى البيت ليُفرغ شحنة الانفعال -الشحنة الزائدة- في الأبناء، أو فيمن يعتقد أنه يُسبب له الانزعاج عندما يذهب للبيت.
المحاور: وهذا لا شكَّ أنه جريمةٌ في حق الأسرة.
وأيضًا حتى نُنهي هذه القضية وهذا السؤال أظن أن قضية الضبط الذاتي (self-control) وضبط الانفعال قضيةٌ من المهم جدًّا التدريب عليها يا دكتور إذا كنا نتكلم عن أنه طبعٌ، وليس نتيجةً لمرضٍ، أو ... إلى آخره، وهو قضية محاولة.
بل حتى في المرض يمكن أن يحاول الواحد قدر ما يستطيع -على سبيل المثال- أن يضبط نفسه بألا يتواجه حين تكون عنده إشكالياتٌ، أو ما شابه ذلك، وإن كان قد لا يملك، والطرف الآخر هو الذي يملك، لكن في الطبع كذلك.
وعندما أتى رجلٌ للنبي وقال: أوصني. قال: لا تغضب، فردد مرارًا، قال: لا تغضب[4]أخرجه البخاري (6116)..
ولذلك جاء في التوجيهات النبوية لمَن غضب، كما في حديث أبي ذرٍّ : إذا غضب أحدكم وهو قائمٌ فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع[5]أخرجه أبو داود (4782)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (694).، فأرشد إلى تغيير المكان والهيئة، وما شابه ذلك، لكن أن يُواجه!
وأعرف الآن أن ابني إذا تواجهت معه سيحدث صدامٌ، إذن أفضل شيءٍ أن أتركه، ولن تخسر شيئًا، بالعكس -كما تفضلتم- نريد أن نحقق الهدف، وهذا الهدف لا يتحقق إلا من خلال مراعاة القضية بأسلوبٍ جيدٍ.
الضيف: وفي هذه الجزئية لنختمها لا بد من وجود ضوابط أو نظام للبيت بشكلٍ عامٍّ، فوجود نظامٍ يحسم المسألة بشكلٍ كبيرٍ جدًّا.
المحاور: أحسنتم دكتورنا الكريم، ونحتاج إلى فاصلٍ فاعذرنا يا دكتور، ونواصل معكم، إن شاء الله.
أيها الإخوة والأخوات، فاصلٌ ونواصل.
حياكم الله،
بسم الله الرحمن الرحيم،
نعود مع سعادة الدكتور أحمد الشركسي وإجابته عن أسئلتكم، بارك الله فيه وفيكم.
كيف تجعل ابنك قدوةً؟
يقول السائل: المجتمع باعتباره المدرسة والشارع، وباعتباره الرفقة، كيف أجعل ابني قدوةً صالحةً لمُحيطه؟ وبماذا تنصحه؟ وبماذا نُحفزه أيًّا كان: أبًا، أو أمًّا؟
الضيف: طبعًا السؤال كبيرٌ، ويحتاج إلى حلقاتٍ لنجيب عنه، لكن سنقوم بإطلالةٍ سريعةٍ.
المحاور: البرنامج كله "أسس التربية".
الضيف: بالتأكيد البرنامج الحقيقي هو فكرة القدوة.
وبدايةً نريد أن نعرف: مَن الذي يسأل هذا السؤال؟ هل هو الأب أو الأم؟
ولا بد أيضًا أن نسأله أولًا: هل تعتقد أنك في نفسك قدوةٌ لابنك؟ وكذا إذا كانت الأم هي التي تسأل.
المحاور: هذا يا دكتور أحمد هو المعيار: كن قدوةً.
الضيف: يُحقق القدوة.
المحاور: ليكن ابنك كما تريد فقط كن قدوةً.
الضيف: وفي هذا السياق لو أنك دخلت -أو دخل بعض المشاهدين- على (اليوتيوب) ستجد نماذج كثيرةً جدًّا لسلوكيات أبناء يقومون بأداء ما يقوم به الأب والأم بالضبط، يعني: الأب أو الأم يرمي -أو ترمي- ورقةً على الأرض، ومباشرةً يفعل الابن أو البنت نفس السلوك.
وبالتالي هنا نزرع، فالأسرة هي المؤسسة واللبنة الأولى للمجتمع، وإذا أحسنا فيها وأخلصنا لله في التنشئة بضوابط معينةٍ؛ بحيث نُعلمه السلوك الحسن، ونُعلمه الأخلاق الكريمة، وصلة الرحم، ونُعلمه القرآن والعبادات الأساسية: من صلاةٍ، وصومٍ، وزكاةٍ؛ هذا سيُطهر ويُنقي نفسه بشكلٍ كبيرٍ.
فالأسرة تستطيع أن تختار ما تشاء أن يراه الابن، أو يتفاعل معه، وبالتالي إذا كنا نتكلم عن (التليفزيون) أو وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذا كان محدد للطفل الأشياء التي يراها، والتي يتعامل معها، فهنا نتكلم عن (فلتر)، وأن الأسرة تستطيع أن تقوم بعمل هذا (الفلتر).
والمياه لها (فلتر) يمر بمجموعةٍ من المراحل حتى تظهر مياهٌ نقيةٌ، وأيضًا الأسرة تستطيع أن تقوم بهذا الدور من (فلترة) كل القضايا التي يمكن أن تُعرض على الطفل؛ لأنه يتأثر.
وهناك مقولةٌ أو قصةٌ سمعتها -لا أدري أين مصدرها تحديدًا بالضبط؟ لكن فيها فائدةٌ- وهي: كان هناك واحدٌ من الناس -العامَّة- ذهب للإمام أحمد يسأله: انصحني في تربية ابني. فسأله: كم عمر ابنك؟ قال له: ستة أشهر. قال له: لقد تأخرت!
فهذا مؤشرٌ على أن التربية تبدأ منذ الصغر، وكثيرًا ما تُنصح الأمهات أثناء فترة الحمل: أن تستمع إلى القرآن الكريم، خاصةً بعد الشهر الخامس من الحمل؛ لأن حاسة السمع تكونت عند الطفل، وبالتالي يخرج هادئ النفس والطِّباع.
المحاور: سنة الأذان في أذنه.
الضيف: نعم، سنة الأذان.
المحاور: والسماع إلى كلمة التوحيد، القدوة يا دكتور، وكما قيل: الفِعال أبلغ من الأقوال، الأفعال أبلغ من الأقوال، يعني: المشكلة تأتي كثيرًا من المُربين والمُربيات في الأسرة، أو في المدرسة، أو في أي بيئةٍ تربويةٍ، يقول: نحن وجَّهنا وأعطينا!
يا جماعة، ليست القضية قضية الكلام وكميته، أنت تحتاج كما قال الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف:2، 3]، والمقت: أشد البُغض، وهو من الله .
لذلك عندما يتطابق القول مع الفعل سيكون النموذج الذي أمامه هو النموذج ..، يعني: الفعل هو أكثر تأثيرًا من القول.
والنموذج الحي الذي أمام الطفل هو الأب والأم، والمعلم والمعلمة، ... إلى آخره هو أبلغ في التأثير، لكننا أيضًا لما نأتي إلى استحضار هذه القدوات من خلال القصة والسيرة.
الضيف: جدًّا.
المحاور: ولذلك أجيالنا -للأسف الشديد- استُغِلّ هذا الجانب عندهم من خلال "الزخ" الإعلامي المنحرف، من خلال إثارة الأفلام والمسلسلات بإثارة ما يمكن أن يكون إبرازًا لقضية القدوات لكن بصورةٍ سيئةٍ، حتى أصبحت هناك معرفةٌ لقدواتٍ سلبيةٍ، بينما عندما تأتي عند بعضهم لمعرفة مَن هي القدوات الإيجابية؟ قد لا يكون لديه؛ لأن القريب منه -أباه ومعلمه- لا يتمثل هذه القضية.
الضيف: يعني: الطفل يتبنى ما يُعرض عليه، وبالتالي إذا كانت تُعرض عليه قضايا غير تربويةٍ، أو يرى الأب والأم يشاهدان هذه القضايا، أو إذا كانت قضايا غير مرتبطةٍ بالدين، أو بالنواحي التربوية، أو بنواحي وقيم المجتمع الأصيل؛ فبالتأكيد سيتأثر، وبالتالي فإن فكرة النموذج إذا كانت غائبةً فستغيب القدوة.
أيضًا قصص الصحابة ، وقصص القرآن الكريم، وقصص التابعين نستطيع الاستفادة منها بشكلٍ كبيرٍ جدًّا في استحضار القدوة، ومن النماذج الناجحة من الشخصيات المؤثرة في المجتمع الإسلامي، فلا شك أن لها دورًا كبيرًا جدًّا.
المحاور: وهذه كلها ستكون طريقة التفكير الإيجابية، والاتجاهات الإيجابية، والمشاعر الإيجابية، والمهارات الإيجابية.
إذن أنت تؤكد يا دكتور على قضية: أهمية القدوة.
طيب، لعلنا يا دكتور نستفيد منكم؛ لأن وقتنا ضيقٌ، وكما ذكرتم هذا الموضوع موضوعٌ كبيرٌ، يعني: تدخله وسائل التربية المتعددة: الترغيب والترهيب، وهذه قضايا -إن شاء الله - هي جزءٌ من سلسلتنا في مثل هذا البرنامج، بإذن الله الواحد الأحد.
تحفيز الأبناء لحفظ القرآن الكريم
الأخت الكريمة من المملكة المغربية تقول: يُواجه المعلم والمُربي مشاكل، وهي: عدم حفظ التلاميذ القرآن الكريم، حتى إن آباءهم لا يُشجعونهم، فكيف نُحفز الأبناء والتلاميذ على حفظ كلام الله ؟
أقول: لو تكون لك إطلالةٌ هنا مهمةٌ جدًّا حول ما يتعلق بفنية تعديل السلوك التي يتكلم عنها دائمًا أهل التخصص، وهي قضية التعزيز والإشارة إليها -بارك الله فيكم- في هذا وفي غيره.
الضيف: جزاك الله خيرًا يا دكتور خالد، وهذا السؤال سؤالٌ مهمٌّ: قضية التحفيز على القراءة وحفظ القرآن الكريم، خاصةً من المعلمين.
وفي الحقيقة أنا أسأل المعلم سؤالًا مهمًّا جدًّا: هل تعدُّ نفسك من الناس الجاهزين بالفعل لتدريس القرآن الكريم؟ وهل عندك الأدوات التي تُساعدك لتنجح، أم أنك بحاجةٍ إلى مزيدٍ من العناية بالدورات التدريبية المُكثفة في هذا الأمر؟
وقمنا من خلال الجهات التي تهتم بهذا الأمر بتقديم بعض الدورات التدريبية لبعض المعلمين، وكانت مثمرةً جدًّا.
فهذا الجانب الأهم: أن يكون المعلم مستعدًّا وعنده الملكة.
المحاور: حتى يجد الطالب ما يُعينه على ذلك.
الضيف: هذا أولًا: قضية أن يتبنى هذا الأمر، ويكون نهجًا بالنسبة له.
القضية الأخرى: هي الأطفال، وهناك أكثر من قصةٍ سمعناها لأمهاتٍ في البيوت تبتكر مجموعةً من الوسائل، على سبيل المثال: سمعت أن أمًّا حاولت أن تبني جدارًا في غرفة ابنها على شكل قصرٍ، وكلما حفظ الابن سورةً من السور يلصق لبنةً؛ حتى يكتمل بنيان القصر، وتنتظره جائزةٌ، هذه الجائزة في الدنيا، وتبقى لك جائزةٌ في الآخرة؛ يُبنى لك قصرٌ في الجنة.
المحاور: مثل طريقة النجوم أيضًا، واستخدامها أيضًا.
الضيف: هذه القضية في جانب التعزيز في هذه المرحلة السنية أمرٌ غاية في الأهمية، وكون التعزيز يكون بالتشجيع، أو بالتحفيز، أو بكلمات الثناء والتشجيع؛ قد لا يكون وحده كافيًا، وعلى الأم أو على المعلم أن يبحث هنا في قضايا التحفيز التي تُناسب كل طفلٍ على حدةٍ؛ لأنه ليس بالضرورة أن يكون التحفيز للطفل (أ) يُناسب تحفيز الطفل (ب).
المحاور: وفرقٌ بين الأطفال، وبين المراهقين والكبار، وهكذا.
الضيف: بالضبط، فيمكن أن تكون أسرةٌ عندها مثلًا مستوى الدخل عالٍ، وبالتالي يأخذ الابن مصروفًا في البيت مثل: 50 ريالًا في اليوم، ويأتي المعلم يُعززه بريالين!
المحاور: ما تساوي شيئًا.
الضيف: ما تساوي شيئًا، ولا حاجة بالنسبة لي، ولا أي شيءٍ.
فعلى المعلم أن يبحث ويُرتب المُعززات حسب الأهمية بالنسبة للطفل، بحيث يُوظفها بشكلٍ سليمٍ جميلٍ، وأيضًا الأم كذلك نفس الشيء في البيت.
قضيةٌ أخرى: أمٌّ أيضًا عملت مثل: عنقود عنبٍ، رسمته، وكلما حفظ ابنها سورةً تُلون حبةً من حبَّات العنب إلى أن يكتمل العنقود بألوانٍ مختلفةٍ.
المحاور: يا سلام! أفكارٌ جميلةٌ، أتمنى أن نستفيد من هذه القضايا البسيطة، والبعض يشتكي ويقول: كيف نستطيع أن نتعامل مع الوسائل؟
هذه وسائل لا تُكلفنا شيئًا سوى أن نُحضر بصورةٍ معينةٍ نرسمها نحن، ثم نبدأ في التعامل معها، وخاصةً يا دكتور أحمد أن الطفل ينجذب لمثل هذه القضايا: ينجذب إلى الأشكال، وينجذب للرسومات، وينجذب لهذه القضايا؛ لأنها تُعتبر شيئًا جديدًا.
وأيضًا يربط هذا الشيء الجديد في نفسه، فهو يعرف أن أمه ما لوَّنت هذه العنبة إلا بسبب إنجازه هو بحد ذاته؛ تحفيزًا معنويًّا له، وسيتلوه تحفيزٌ.
الضيف: وهو نفسه سيكون حريصًا جدًّا على أن يقوم بتلوين العنقود بنفسه، وتُشجعه الأم وتُحفزه.
وهناك تجارب أخرى لدى بعض الأُسَر أعرفها: مَن يُنجز من الأبناء حفظ جزءٍ من أجزاء القرآن يحتفلون.
المحاور: يا سلام! والقضية تستحق، جزاك الله خيرًا.
الضيف: وبالتالي هنا يرتبط بجانبٍ معنويٍّ، بجانبٍ نفسيٍّ، وجانبٍ تعزيزيٍّ بشكلٍ كبيرٍ جدًّا ينعكس على أنه يُحب القرآن الكريم، ويستمر في الحفظ.
المحاور: شوقتنا بهذه الأمثلة، وسوف نعطيك راحةً لفترةٍ طويلةٍ ثم نأتي بك في حلقةٍ كاملةٍ عن التعزيز؛ لأن موضوع التعزيز لا أكاد أنظر في وسائل وفنيات تعديل السلوك -وأنتم أهل التخصص- وإلا وأجد دائمًا رقم واحدٍ: التعزيز، فهذه القضية جديةٌ.
الضيف: غاية في الأهمية.
المحاور: نحتاج أن نضع هذه القضية في ذهننا؛ لأن العديد منا لا يلتفت إلا إذا حصلت المشكلة، فيبدأ ينحاز إلى قضية العقاب، وهذه قضيةٌ لها نقاشٌ في هذه الحلقات، بإذن الله الواحد الأحد.
أسس تربية الأبناء في المجتمعات الغربية
هذه أيضًا أختٌ من الأخوات من فرنسا تقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما أسس التربية الصحيحة التي يمكن أن يعتمد عليها الآباء في تربية أبنائهم؟
وهي تتكلم باختصارٍ عن المعيشة في المجتمع الغربي، وتقترح أن تكون هناك حلقةٌ خاصةٌ بهذا، وكيف يستطيعون المحافظة على ثقافتهم ودينهم وقيمهم في هذه المجتمعات المُنفتحة؟
ونحن حقيقةً دكتور أحمد تحدثنا عن هذه القضية أكثر من مرةٍ، وكانت هناك مُداخلاتٌ من أناسٍ في الخارج حول هذا الموضوع، من أمريكا، ومن غيرها، لكن من الطيب أن يستفيدوا منك؛ لكون هذا السؤال متكررًا.
الضيف: أسأل الله أن يُعين إخواننا الذين يعيشون في الغرب بعيدًا عن بيئة المجتمع الإسلامي الذي يحافظ على مجموعةٍ من القيم والتقاليد التي لا يوجد الكثير منها في الغرب، وهناك قضية التحرر إلى حدٍّ كبيرٍ في بعض السلوكيات، وهذا أمرٌ في غاية الأهمية؛ لأن هناك معاناةً لبعض الأسر، والواحد يتأكد من هذا الكلام من شكوى كثيرٍ من الأمهات تحديدًا.
لكن في واقع الحال نحن في قريةٍ صغيرةٍ، يعني: الأسرة الموجودة هنا في المجتمعات العربية غير سالمةٍ من هذا الأمر، فقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ...
المحاور: أصبحت المخاطر حاصلةً، والمُهددات موجودةً.
الضيف: نعم.
المحاور: ما التوصيات؟
الضيف: التأكيد على نفس الكلام الذي ذكرناه سابقًا فيما يتعلق بقضية الأسرة؛ من ضرورة وضع لبنةٍ أساسيةٍ وقواعد أساسيةٍ، ووضع أساسٍ قويٍّ ومتينٍ للبيت.
المحاور: النظام.
الضيف: نعم، فقواعد التنشئة الأصيلة المبنية على القيم والمُعتقدات الدينية النابعة من ديننا الإسلامي الحنيف هذه تبقى سدًّا منيعًا.
المحاور: يا سلام! بنيةٌ تحتيةٌ قويةٌ.
الضيف: نعم، والأم في هذا السياق تدعم كل سلوكٍ وتُعززه.
المحاور: إيجابي.
الضيف: إيجابي يصدر من هذا الطفل فيما يتعلق بهذه القضايا.
المحاور: ولو حصل غير ذلك حصل التوجيه فيه؟
الضيف: نعم، إما أنها تعزز سلوك تجنب السلوكيات غير المقبولة، وبالتالي هنا تزيد فرص التجنب، أو أنها إلماحٌ، فأحيانًا يكون التجاهل في بعض الأمور يُنسي الطفل ما يقوم به، والتركيز على السلوكيات السيئة والإلحاح عليها يمكن أن يزيد من هذه السلوكيات، وأحيانًا التغافل يمكن أن يأتي بنتيجةٍ جيدةٍ.
لكن هناك قضايا مثل الذين يعيشون في الغرب: قضية التجاهل، أو استمرار نجاح الابن في تجنب بعض السلوكيات غير المقبولة، فعلى الأم أن تستفيد من هذا الأمر وتقوم بتعزيز طفلها أكثر من مرةٍ؛ حتى يستطيع أن يُدرك ما يربط بين الشيء الإيجابي وما يقوم بفعله؛ لأن ما يقوم بفعله هذا السلوك الصحيح.
والأب والأم عندما نتحدث عن دور القدوة هما الأساس فيه بلا شكٍّ، ويمكنهما أن يختارا المدرسة المناسبة التي تدعم هذا السياق؛ لأن المجتمع الثاني بعد الأسرة هو المدرسة.
المحاور: الحقيقة أن كثيرًا من المعاناة التي وصلتني يا دكتور تتمثل في أنهم لم يُوفَّقوا إلى هذه القضية؛ لأنهم يُدمجون أبناءهم في المدارس المفتوحة، ويقولون: ليس لنا إلا هذه المدارس. وقد تكون عندهم خياراتٌ أخرى، فينبغي عليهم البحث عن خياراتٍ، أو إيجاد خياراتٍ هم يُنشئونها؛ لأنه قد يكون للمسلمين ثقلٌ في تلك الأماكن، يعني: يحاول قدر المُستطاع، واتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[التغابن:16].
بارك الله فيك يا دكتور.
تريد أن تُكمل دراستها وزوجها يرفض
هنا سائلةٌ تقول: أنا متزوجةٌ، وما أكملت تعليمي. وتتمنى أن تُكمل التعليم في جامعةٍ في مدينةٍ أخرى، ولكن زوجها في محل عمله.
تقول: الآن يوجد تعارضٌ بين رغبة الزوج وما تريده من إكمال الدراسة.
لا شك أن هناك جزءًا شرعيًّا في هذه القضية، وهو مهمٌّ جدًّا، ولا بد من إدراكه، ولكن أيضًا تُعطونا توجيهاتكم -جزاكم الله خيرًا- يا دكتور في هذه القضية؛ حتى تخفَّ الحدَّة التي تشتكي منها هذه الأخت من السودان.
الضيف: إذا كان طلبها مرتبطًا بقضيةٍ تعليميةٍ مرتبطةٍ بأن عندها دافعًا للتعلم، وهذا التعلم سينعكس إيجابيًّا على الأسرة وعلى الأبناء؛ فيمكن أن يكون هذا أحد المُبررات، لكن ليس بالضرورة أن تترك الأسرة والأبناء.
المحاور: والتعليم عن بُعدٍ ممكنٌ.
الضيف: ممكنٌ، ويكون التعليم عن بُعدٍ واحدًا من الخيارات، وهناك ناسٌ يعيشون في السعودية، ويدرسون ويتعلمون عن بُعدٍ (ماجستير، ودكتوراة)، فأصبحت الآن قضية التعليم متاحةً وسهلةً في الوقت الحالي، وبالتالي لا تعارض أبدًا بين ما ترغب فيه هذه الزوجة، وأنها لا تترك المنزل، ولا تترك الأسرة؛ لأن هذا هو الأساس، فرعايتها لزوجها وأبنائها هو الأساس، ولا مانع من إضافة شيءٍ جديدٍ الذي هو التعليم؛ لأنه سينعكس إيجابيًّا على تربية الأبناء.
المحاور: لكن مهمة تربية الأبناء والقيام على حقوق الزوج.
الضيف: رقم واحدٍ.
المحاور: هذه رقم واحدٍ لا شك، جزاك الله خيرًا يا دكتور.
كيف تُعود ابنك على الصلاة؟
هذا الأخ من المغرب يقول بعد السلام عليكم: أريد أن أسأل: كيف نعلم أطفالنا يا دكتور أحمد الصلاة في سنِّ السابعة؟ وإذا لم يتعودوا عليها ...؟
لا، هذا شقٌّ آخر شرعيٌّ، ونحن تهمنا الآن توجيهاتكم فيما يتعلق بالتعويد.
الضيف: هذا شيءٌ في غاية الأهمية، وله علاقةٌ بالتعزيز الذي تفضلت به؛ لأنه من البداية والطفل عمره ثلاث سنواتٍ أو أربع سنواتٍ يبتدئ من وقتٍ لآخر الأب يصطحبه إلى المسجد.
وقبل أن يصطحبه إلى المسجد يمكن أن يُحضر له سجادة الصلاة، ويُعززه، ويربط بين سجادة الصلاة وأداء الصلاة، وأن العبادة فيها شيءٌ مفيدٌ لجسم الإنسان، ثم في المرحلة الأخرى يأخذه معه للصلاة، وتكون صلاةً قصيرةً، لا تكون صلاةً طويلةً.
وبعض الآباء يأخذون أبناءهم في البداية في صلاة الجمعة، وهي صلاةٌ طويلةٌ، وبالتالي قد ينفر الأبناء في هذا التوقيت.
المحاور: فالتدرج قضيةٌ مهمةٌ.
الضيف: مع التعزيز، فكل خطوةٍ من الخطوات لا بد أن يكون فيها تعزيزٌ؛ حتى يرتبط ارتباطًا إيجابيًّا بين ذهاب الطفل إلى المسجد وقضية ...
أنا أتذكر في حياتي وأنا صغيرٌ في الصف الأول الابتدائي عندما كنت أذهب إلى المسجد وحدي كان واحدٌ من الكبار -مرتادي المسجد- يهتم دائمًا بأني أتردد على المسجد، وفي مرةٍ من المرات أحضر لي هديةً.
المحاور: يا سلام!
الضيف: فكم كانت سعادتي كبيرةً جدًّا عندما تلقيت الهدية.
المحاور: تتمنى لو تنام في المسجد.
الضيف: نعم، لها أثرٌ كبيرٌ جدًّا.
المحاور: لا شك أن لها أثرًا في المرحلة، خاصةً أن النبي وجَّه في هذه الفترة -من سن السابعة إلى العاشرة- إلى الصلاة والصبر على ذلك، وتحمل الطفل إلى أن يتربى على هذه القضية.
ونحن نقول: أين نحن من هذا التوجيه؟ عندما نقول: والله نحن نعاني، هل قمنا بهذه المراعاة والتشجيع، وكنا نتابع هذه القضية؟
فهذه القضية مهمةٌ جدًّا.
الضيف: وأن نتجنب التوجيه، أو أن ترتبط الصلاة بنوعٍ من أنواع العقاب، فهذا أمرٌ غاية في الأهمية؛ لأنه سينعكس سلبًا على فكرة رغبته في الذهاب للمسجد.
المحاور: ولذلك قال النبي : واضربوهم عليها لعشرٍ.
جزاكم الله خيرًا دكتورنا، وفي آخر دقيقةٍ تقريبًا أو دقيقتين نريد أن نستثمر وجودك معنا، جزاك الله خيرًا.
توجيه الأبناء للسلوكيات الإيجابية
هذه سائلةٌ تقول: بنتي عندها سنتان، ودائمًا كلما تقول: لا، هذه البنت تقول: لا، كل شيءٍ لا، لا! وتقول أيضًا: تجلس في الأرض عندما نكون في الخارج، وأنا لا أدري ما المقصود؟!
الضيف: قد يكون واقع الحال، أنا أسأل: هل الأم والأب أحيانًا يقولان: "لا" باستمرارٍ للابنة عندما تطلب بعض الأمور؛ لأن البنت تُقلد ما يحدث في البيت.
أما قضية أنها تجلس أو تجري أو تلعب فهي طفلةٌ في عمر السنتين؛ فيمكن أن يصدر منها هذا الأمر، وهذا سلوكٌ طبيعيٌّ جدًّا، لا إشكال فيه، فقط على الأم إذا أرادت منها ألا تعمل سلوكًا ما أن تلفت نظرها إلى سلوكٍ آخر؛ حتى تتجنب ممارسة هذا السلوك.
المحاور: الله يعطيك العافية دكتور أحمد، وفي الحقيقة نتمنى لو نستمر في الأسئلة، وأسئلة الناس لا تنتهي، ما شاء الله، تبارك الله، وشكر الله لك، لقد أتعبناك في ثلاث حلقاتٍ، وأجرك على الله .
إذا كانت هناك كلمةٌ نهائيةٌ تتمنى أن تُقدمها للجمهور الكريم في مثل هذا البرنامج، وفي هذه القناة المباركة، تكون خاتمة خيرٍ، فـ(الميكروفون) بين يديك، بارك الله فيكم.
الضيف: عندي كلمةٌ في هذا السياق للآباء والأمهات: في بعض الأحيان نقول: نحن نتعب ونجتهد من أجل أولادنا. وكثيرٌ منا أحيانًا يتعامل في العمل بشكلٍ رائعٍ مع الناس العاديين، ونرجع للبيت مُحملين بكمٍّ كبيرٍ جدًّا من الأعباء والضغوط.
المحاور: دكتور أحمد، النبي جاء عنه في الحديث: نهى الرسول عن الرجل ذي الوجهين.
الضيف: هذا تأكيدٌ لهذه القضية.
المحاور: لأنك أثرت شيئًا مهمًّا، والله في البال.
الضيف: هذا تأكيدٌ لهذه القضية؛ لأنه الحقيقة.
المحاور: قد نقع نحن فيه يا دكتور.
الضيف: أحيانًا نقع فيه، وأنا أريد أن أُؤكد عليه؛ لأننا نقول كثيرًا: نعمل من أجل أبنائنا. طيب، أنت تتعب وتجلس خارج البيت لفتراتٍ طويلةٍ، ثم ترجع وينعكس هذا الأمر سلبًا على الأبناء، وأنت تقول: إنهم هم الميراث الحقيقي، فكيف نحل هذه المعادلة؟!
أنا أدعو الآباء والأمهات لمراعاة هذا الأمر، والتفكير فيه من جديدٍ.
المحاور: جزاك الله خيرًا، وبارك الله فيك، وشكرًا دكتور أحمد، ونحن سعداء بك، فتح الله عليك، وزادك من فضله، وبارك فيك يا دكتور أحمد، تحياتنا لك، الله يحفظك، وبارك الله فيك.
كنا في حلقةٍ مباركةٍ ثالثةٍ مع أستاذنا الدكتور أحمد بن صابر الشركسي، أستاذ الإرشاد والعلاج النفسي المشارك في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل بالدمام، في حلقتين عن الوسواس القهري، وهذه حلقةٌ عن منهجية التعامل مع المشكلات، وبعض نماذج المشكلات.
أسأل الله أن يبارك فيكم دكتور أحمد، ويبارك في المشاهدين، وإلى اللقاء مع حلقةٍ جديدةٍ في الأسبوع القادم، فكونوا معنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | أخرجه الطبراني في "الأوسط" (6026)، و"الكبير" (861)، والقضاعي في "مسنده" (129)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3289). |
---|---|
↑2 | أخرجه ابن ماجه (3536)، وأحمد في "المسند" (24982)، وقال محققوه: "حديثٌ صحيحٌ لغيره"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4985)، وأخرجه مسلم (2223) بلفظ: وأحب الفأل الصالح. |
↑3 | أخرجه أحمد في "المسند" (3938)، وقال محققوه: "حسنٌ بشواهده"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3135). |
↑4 | أخرجه البخاري (6116). |
↑5 | أخرجه أبو داود (4782)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (694). |