المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فحياكم الله في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البرنامج الأسبوعي المُباشر: "أُسس التربية"، ومن قناة "زاد العلمية"، فمرحبًا بكم في هذه الحلقة الثانية حول: "الوسواس القهري"، ومع الدكتور أحمد بن صابر الشركسي.
حيَّاك الله دكتور أحمد.
الضيف: الله يُعطيك العافية يا دكتور.
المحاور: تفضل حول ما يتعلق بباقي التَّشخيص، وما يرتبط بالعلاج.
بعض أسباب الوسواس القهري
الضيف: في الحلقة السابقة ما تكلمنا عن بقية الأسباب، وهناك جزءٌ مُرتبطٌ بالأسباب التي تتعلق بالنَّواقل العصبية، (السيروتونين) تحديدًا يكون قليلًا، وبالتالي تُشير بعض الدراسات العلمية هنا إلى تأثير العلاج الدوائي، وأنه يُزود نسبة (السيروتونين)، وبالتالي هذا أحد الأسباب.
المحاور: ولذلك لا بد من التشخيص الطبي من أجل التأكد من هذه القضية، فلو كان هذا الأمر يكون التدخل الدوائي.
الضيف: سببٌ آخر من أسباب التشخيص الطبي: أنه يمكن أن تكون هناك نسبةٌ في التمثيل الغذائي في الفَصِّ الأمامي من الدماغ زيادة في تدفق الدم في الدماغ، ويكون أحد الأسباب التي تُؤدي إلى الوسواس القهري عند بعض الناس.
أحد الأسباب الأخرى: الجانب الوراثي، فنسبة الدراسات العلمية التي تكلمت عن هذه القضية تُشير إلى 35%.
المحاور: عجيب!
الضيف: مَن يُعاني هو أحد أقارب الدرجة الأولى تحديدًا 35%.
المحاور: عندما يُقال يا دكتور: 35% من الحالات، المقصود هنا الاستعداد؟
الضيف: نعم.
المحاور: لا يلزم حصوله، ولا يعني أنه قد حصل بنسبة 35%؟
الضيف: ما بين الحدوث والاستعداد.
وأيضًا إلى جانب هذه الأسباب توجد الأسباب المعرفية والسلوكية المُرتبطة بالبيئة التي يعيش فيها الإنسان، فالبيئة الأُسرية يمكن أن تكون بيئةً حريصةً على الضبط في قضايا كثيرةٍ جدًّا يكون فيها إفراطٌ شديدٌ أو تركيزٌ شديدٌ على قضايا معينةٍ.
المحاور: مُتابعة دقيقة.
الضيف: بالضبط.
المحاور: في الغالب سينشأ الابن على هذه القضية.
الضيف: نعم.
المحاور: إذن أنت يا دكتور تقول: إن هذا السلوك التربوي المُتعلق بالحماية الزائدة من خلال المُتابعة الدَّقيقة، أو من خلال الأسلوب التربوي هذا المُتعلق بجانب التدقيق قد يُسبب؟
الضيف: قد يُسبب، يمكن أن يكون واحدًا من المُسببات بالتأكيد.
المحاور: في الغالب، مثل هذه القضية يكون علاجها ...
الضيف: معرفي سلوكي.
المحاور: معرفي سلوكي، وما ذُكر قبل قليلٍ فيما يرتبط بالجانب العضوي يكون الجانب الدوائي؟
الضيف: نعم، الجانب الدوائي بالتأكيد، وفي بعض الحالات نحتاج الاثنين معًا: العلاج الدوائي والعلاج المعرفي السلوكي، وبعض الأسباب التي تُشير ...
المحاور: تُفضلون أن تُشيروا إلى أن هناك اشتراكًا بين أنواع العلاجات؟
الضيف: نتكلم عن هذا بالتفصيل عندما نتكلم ...
المحاور: لعلك يا دكتور تُعطينا فرصةً.
معنا اتِّصالٌ من الجزائر مع الأخت خولة.
تفضلي يا أخت خولة، اسمعينا من الهاتف مُباشرةً، واخفضي صوت (التلفاز).
المتصلة: (ألو).
المحاور: تفضلي يا أخت خولة.
المتصلة: نعم يا شيخ، أنا اتصلتُ المرة السابقة، وأريد أن أحكي لك عن أمي: أمي مريضةٌ، هل تسمعني؟
المحاور: الإخوة في (الكنترول) لو تأخذون مُلخص ما لديها -يبدو أن الصوت فيه تقطُّعٌ- وتُفيدونا.
المتصلة: نعم، مريضة بالوسواس القهري يا شيخ، هي تُعاني من الوسواس، مثل: فُقدان الأحبة، وتخاف من المستقبل.
الضيف: الخوف من المستقبل؟
المتصلة: دائمًا عندها هكذا الوسواس.
المحاور: طيب، هل الخوف من المستقبل له علاقةٌ بالوسواس؟
طيب، بإذن الله نُجيبكم، وتابعوا الحلقة لتعرفوا كيف تُساعدون أمكم، بارك الله فيكم؟
أسأل الله أن يُعافيها ويشفيها من قضية الوسواس القهري، ويُجيب الدكتور -بإذن الله - حول قضية علاقة الوسواس بالخوف من المستقبل.
الضيف: نعم، نعم، هذا بالتأكيد واحدٌ من الأسباب، واحدٌ من المظاهر التي تكون عند مرضى الوسواس القهري: الوقوع في فكرة الخوف من المستقبل بشكلٍ عامٍّ.
المحاور: يعني: القلق من المستقبل.
الضيف: هو القلق، هو أحد الأعراض المُصاحبة للوسواس القهري، والخوف من المستقبل نستطيع أن نقول: إنه يترتب عليه بعض السلوكيات أو الأفعال القهرية التي يمكن أن تكون مُرتبطةً بمسألة الخوف من المستقبل.
المحاور: حتى يُحاول أن يتخلص من هذا الجانب الضاغط عليه، والإشغال بالسلوك القاهر بالنسبة له، ومحاولة تخفيف ما يتعلق بقضية التوتر الحاصل لديه، كذا يا دكتور؟
الضيف: ونستطيع أن نقول: إن الخوف من المستقبل مفهومه هنا: أن تكون الأخت التي تُعاني عندها خوفٌ من أمورٍ سلبيةٍ قد تحدث للمريضة نفسها، أو لمَن يُحيط بها من أقارب الدرجة الأولى تحديدًا؛ خوفًا من المرض، وخوفًا من الحوادث، وخوفًا من الموت، وخوفًا من أشياء كثيرةٍ جدًّا يمكن أن تحدث لها في المستقبل.
المحاور: هل يمكن أن نقول: إن هذا قد يكون عَرَضًا، وقد يكون نتيجةً؟ قد يكون سببًا، وقد يكون نتيجةً؟ فكثرة الخوف ستُسبب كثرة الوسواس، وكذلك وجود الوسواس القهري قد يحدث منه الخوف كذلك؟
الضيف: نعم، يمكن أن يكون هذا، وهذا جزءٌ من الأسباب التي نتكلم عنها.
المحاور: لو تأذن لنا يا دكتور هناك إشارةٌ أيضًا إلى اتِّصالٍ، والمشكلة أننا لا نريد أن نقطع الاتصالات البعيدة، وهذا اتِّصالٌ من هولندا، من الأخت أم محمد.
تفضلي يا أم محمد.
المعاناة من الخوف الشديد
المتصلة: (ألو)، السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصلة: أنا أُعاني من الخوف الشديد.
المحاور: تُعانين من الخوف الشديد؟
المتصلة: نعم.
المحاور: الخوف الشديد من ماذا؟
المتصلة: لا أقدر أن أبقى وحدي، وأُعاني من الخوف الشديد، وفي بعض المرات أبكي.
المحاور: أسأل الله أن يُعافيك ويشفيك، بإذن الله .
شكرًا لكِ يا أخت أم محمد، تسمعين شيئًا من التوجيه، وإن كان هذا لا يلزم أن له علاقةً بالوسواس القهري، لكن من باب إفادة الإخوان المتصلين.
الضيف: صحيحٌ، وهناك فرقٌ بين: الرهاب الاجتماعي والوسواس القهري، هناك فرقٌ بينهما؛ لأن الرهاب يعني: يخاف من بعض الأمور المُحددة، أو في السياق الاجتماعي عمومًا، هذا هو الرهاب الاجتماعي، لكن الوسواس: أن يخاف من أمورٍ مُحددةٍ تتعلق بأمراضٍ، أو تتعلق بأماكن، أو تتعلق بالتلوث، أو تتعلق بأشياء كذا، وبالتالي نحتاج إلى معرفة تفاصيل أكثر من هذه الأخت فيما يتعلق بالخوف: بماذا يرتبط بالضبط؟ وهل هناك مُمارساتٌ تقوم بها أو أفعالٌ قهريةٌ؟
المحاور: هل هناك توجيهاتٌ؟
الضيف: من التوجيهات الأساسية: أنها لا بد أن تُبادر إلى طبيبٍ مُختصٍّ فيما يتعلق بالعلاج النفسي تحديدًا، مع التشخيص الطبي في البداية؛ لأنه واحدٌ من الأساسيات التي تُساعدها بشكلٍ كبيرٍ جدًّا: أن يتمَّ تشخيصٌ صحيحٌ، ومن ثَمَّ العلاج السليم.
المحاور: ولعلي أيضًا أُضيف يا دكتور بحكم الاهتمام بهذا الجانب: لو الأخت الكريمة -الأخت أم محمد- ترجع إلى الشبكة العنكبوتية في (الإنترنت) ستجد رسالةً بعنوان: "الوسائل المُفيدة للحياة السعيدة"، أو من خلال موقع مُحدِّثكم ستجدون فيه مادةً حول السعادة النفسية، ناقش مُؤلف هذا الكتاب تقريبًا ثلاثًا وعشرين طريقةً لتخفيف قضايا الخوف والقلق والتوتر والهموم والغموم، فهذه من الأمور المهمة: الجمع بين الأمور المعرفية، والأمور السلوكية، والأمور الإيمانية.
ولعلكِ ترجعين إليها -بإذن الله - قراءةً أو استماعًا، وتجدينها أيضًا في (اليوتيوب)، وبإذن الله الواحد الأحد تنفعكِ.
دكتور أحمد، قاطعناك كثيرًا، لكن -إن شاء الله- بعد هذه المُداخلة نتفرد بك إلى نهاية الحلقة حتى نُنهي معك قضية العلاج الذي لا بد أن الجمهور ينتظره بفارغ الصبر.
الوسواس القهري بين تعدد الأسباب وتعدد العلاجات
معنا مُداخلةٌ كريمةٌ وسعيدةٌ من حبيبنا الدكتور: موسى بن أحمد آل زعلة، استشاري الطب النفسي بكلية الطب بجامعة الملك خالد.
أهلًا وسهلًا بك يا دكتور موسى.
المتصل: سلَّمك الله وحفظك، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الضيف: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: يا مرحبًا، يا مرحبًا، معنا الدكتور أحمد حول "الوسواس القهري"، وأنتم من المُهتمين بهذا الجانب، فلعلكم تُفيدونا فيما يتعلق بمجال تخصصكم، بارك الله فيكم.
المتصل: حفظك الله، وبارك الله في جهودكم، وأشكر لكم إتاحة هذه الفرصة يا دكتور خالد، وأُحيي ضيفك الكريم الدكتور أحمد، وأسأل الله أن يُبارك في جهودكم جميعًا.
المحاور: حيَّاك الله يا دكتور.
المتصل: يبدو أني كنتُ بعيدًا عن الحلقة، فلعلنا نُسلط الضوء فقط، وقد سمعتُ الجزء الأخير من كلام الدكتور أحمد في جانب التشخيص الطبي وأهمية تشخيص الحالة بصورةٍ صحيحةٍ.
وكما تعلمون أساتذتنا الكرام والإخوة والأخوات المشاهدين والمشاهدات أننا ننظر للإنسان من عدة زوايا، ليست زاويةً واحدةً، سواء في الأمراض العضوية، أو حتى في الاضطرابات النفسية.
فالجانب الإنساني مُتشعب في مثل هذه الجهات: يشمل الجانب النفسي، والجانب الاجتماعي، والجانب السلوكي، والجانب الطبي العضوي، فهذه كلها مُتداخلةٌ، وكثيرًا جدًّا ما تكون الاضطرابات النفسية متعددة الأسباب، ومَن زعم أن هناك سببًا وحيدًا هو الذي يُؤدي إليها، فزعمه هذا يُجافي الجانب العلمي.
ومن هذا الوسواس القهري، فالوسواس القهري له جوانب سلوكية، وله جوانب نفسية، وله جوانب اجتماعية مُتعلقة بالتنشئة والتربية، وله جوانب عضوية.
وأنا أريد فقط أن أُؤكد على أن الوسواس درجاتٌ -ولعلكم ذكرتم هذا-، فهناك حديث النفس الذي يأتي ويذهب، وهناك الوسواس الذي يندحر بالاستعاذة وذكر الله والاستغفار -وهذا ورد في السنة-، وهناك الوسواس الذي أُسميه: الوسواس القهري المرضي، وحتى هذا أُشير إليه في بعض حديث النبي عليه الصلاة والسلام.
فالذي يتأمل إشارات النبي عليه الصلاة والسلام في موضوع الوسواس يجد أنه لم يُوصِ فقط بالاستعاذة وبالذكر، بل أوصى أيضًا بالعلاج السلوكي، وأنا مُتأكدٌ أنكم ستتطرقون لهذا، مثل: حديث النبي عليه الصلاة والسلام: الرجل يُخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا[1]أخرجه البخاري (137)، ومسلم (361).، وهذا الذي يُسمَّى الآن في المدرسة السلوكية: منع الاستجابة، كعلاجٍ سلوكيٍّ للوسواس القهري المرضي.
وقد ثبت عندنا علميًّا وبالدراسات العلمية والأبحاث والأشعة في الدماغ أن الوسواس القهري مُرتبطٌ بخللٍ في الجهاز العصبي، بل من العجائب التي قد لا يسمع بها كثيرٌ من الناس: أنه في حالات الوسواس القهري المرضي الشديدة التي لا تستجيب للعلاج الدوائي، ولا للعلاج السلوكي والمعرفي، ولا العلاج الإيماني والديني؛ يضطرون في بعض الحالات إلى إجراء عمليات جراحية لاستئصال جزء بسيط يكون فيه خللٌ مُعينٌ يؤدي إلى هذا الوسواس.
المحاور: في الجانب العصبي يا دكتور موسى؟ في الجهاز العصبي؟
المتصل: في الجهاز العصبي، وفي الدماغ تحديدًا، بل إن هناك عمليات أُجريت في السعودية لتثبيت أجهزة صغيرة تُؤدي إلى تحفيز الدماغ، فإذا تمَّ تحفيز الدماغ يتغلب المريض -بإذن الله- على الوسواس، وأيضًا الاكتئاب والقلق، ولكن أنا أُؤكد على أنه كما أن الأسباب ليست واحدةً، فكذلك العلاجات ليست واحدةً، فلا بد أن نجمع بين العلاج الدوائي والعلاج السلوكي المعرفي، والعلاج -قبل ذلك- الإيماني، والعلاج الاجتماعي؛ لأنه أحيانًا تكون هناك مشكلةٌ اجتماعيةٌ في البيت تجعل الحالة تنتكس مئةً وثمانين درجةً.
المحاور: وهذا يا دكتور موسى حقيقةً توافُقٌ بينك في كلامك هذا وأنت طبيبٌ نفسيٌّ مع كلام الدكتور أحمد، وهو أيضًا اختصاصي نفسي وعلاج نفسي، وكذلك المشايخ الذين شاركونا: الشيخ محمد المنجد، والدكتور ناصر الحنيني، بينكم هذا التوافُق في المنظومة الشمولية في النظر لمثل هذه القضية وطرق علاجها، بارك الله فيكم.
المتصل: جميلٌ، وهذا يعني أي مُتخصصٍ، فعندما أكون أنا مُتخصصًا في الجانب الطبي لا يعني أنني أنسى بقية التخصصات، حتى لو لم أكن مُتخصصًا فيها، لكن النظرة العلمية للأبحاث تتحدث عن هذه الجوانب كلها.
أريد أيضًا أن أذكر نقطةً مهمةً: أن التقييم لا بد أن يكون دقيقًا من قِبَل المُختصين، وكذلك العلاج الدوائي ينفع كثيرًا -بإذن الله -، وتصل نسبة الاستجابة أحيانًا إلى 70%، وهي علاجات ليست مُهدئات ولا مُنومات، ولا كما يُسميها البعض مُخدرات، هي علاجات تعمل على الجهاز العصبي، على مادة (السيروتونين)، وأحيانًا على مادة (النورإبينفرين)، تُعدِّل هذه المواد التي خلقها الله في الجهاز العصبي وتعرَّضت للاضطراب، فتعود -بإذن الله- مع هذه الأدوية إلى وضعها الطبيعي، وبعد ذلك تبدأ أعراض الوسواس في الانخفاض، بالإضافة إلى العلاج السلوكي والعلاج المعرفي.
المحاور: جميلٌ، يعني: الآثار المُترتبة على العلاج الدوائي ليست كما يقول الناس ويتحدثون عنها؟
المتصل: لا، أبدًا، أبدًا، وأنا أُفرق للناس بين المُهدئات والعلاجات، فالمُهدئ مثل: علاج الصداع، عندي ألمٌ شديدٌ فآخذ حبَّتين (بانادول) فيخفّ الصداع مباشرةً، بإذن الله.
المحاور: جميلٌ، هذا مُهدئ.
المتصل: أما العلاج مثل: المضاد الحيوي، لا يظهر مفعوله إلا بعد عدة أيام، وكذلك مُضادات الوسواس، ومُضادات الاكتئاب والقلق لا يظهر مفعولها إلا بعد عدة أيام، وأحيانًا عدة أسابيع بعد أن يحدث التعديل المُناسب في النواقل العصبية، فيبدأ أثر العلاج -بإذن الله - بالإضافة إلى العلاج السلوكي، والمعرفي، والاجتماعي، واستعانة الإنسان بالله .
المحاور: شكرًا، شكرًا دكتور موسى، بارك الله فيك، وإذا بقي شيءٌ عندك مُلِحٌّ -بارك الله فيك-، وإلا فنحن سُعداء والله بكم، الله يحفظكم.
المتصل: أبدًا، جزاكم الله خيرًا، وشكر الله لكم هذه الفرصة.
المحاور: شكرًا لك.
كان معنا الدكتور موسى آل زعلة، استشاري الطب النفسي بجامعة الملك خالد.
تفضل يا دكتور بتعليقكم على ما ذُكر، واستكمال ما بين أيدينا، بارك الله فيكم.
الضيف: هو طبعًا نفس التأكيد على كلام الدكتور موسى: أن السياق الاجتماعي والأُسري، والجانب الطبي، والجانب النفسي، والجانب الاجتماعي، والجانب المعرفي، والجانب السلوكي.
المحاور: والإيماني كذلك.
الضيف: والإيماني طبعًا في الدرجة الأولى، وفي المقام الأول، هي كلها أسبابٌ إذا تطرقنا للعلاج فمن المهم جدًّا أن نتطرق للعلاج في كل هذه السياقات، وهو ما يُعرف في الوقت الحالي: بالعلاج المعرفي السلوكي مُتعدد المحاور.
جزءٌ من الأسباب أيضًا التي لم نُشر إليها: قضية الضغوط النفسية التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان في فتراتٍ مختلفةٍ من حياته، وبالتالي لا يستطيع أن يُواجه مثل هذه الضغوط.
المحاور: فلا بد من التدريب على مُواجهة الضغوط.
الضيف: بالتأكيد أساليب مُواجهة الضغوط شيءٌ مهمٌّ جدًّا، وهذا يمكن أن يكون جزءًا من السياق العلاجي الذي يُقدم لأي مريضٍ من المرضى حسب درجة ...
المحاور: طيب، دكتورنا الكريم، هل بقي شيءٌ من الأسباب؟
الضيف: واحدة فقط، يعني: في بعض الدراسات البسيطة تكلموا عن أنه يمكن أن يكون أحد الأسباب: عدوى الحلق بالبكتيريا عند الأطفال، يمكن أن يكون واحدًا من الأسباب، وهذه الدراسات ليست كثيرةً، وتحتاج إلى مزيدٍ من البحث.
المحاور: والذي يكشفها هو الجانب التشخيصي؟
الضيف: التشخيص.
المحاور: ولذلك الدكتور تكلم عن التقييم الدَّقيق، كما تكلمتم عن التشخيص الدَّقيق وما يتعلق به.
وأيضًا الدكتور أشار إشارات حول أسلوب من أساليب العلاج، مثل: منع الاستجابة، وذكر حديثًا، يعني: أنا -سبحان الله!- سألني شخصٌ قريبٌ هذا السؤال المُتعلق بقضية: أنه يشعر بأنه يخرج شيءٌ منه في وقت الصلاة؛ فيُعيد ويُكرر الوضوء، ويُعيد الصلاة، وهكذا.
فقلتُ له: أخي الكريم، يعني: كانت الاستشارة بالهاتف، فقلتُ له: أخي الكريم -بارك الله فيك- هل تسمع صوتًا؟ قال: لا. هل تجد ريحًا؟ قال: لا. إذن كفاك النبي المؤونة؛ فارتاح يا دكتور أحمد أيّما راحةٍ؛ ولذلك ذكرتُ له قاعدةً شرعيةً كان يذكرها كثيرًا الشيخ العلَّامة ابن عثيمين -رحمه الله- يعني: كان يتكلم عن قاعدة:
والشك بعد الفعل لا يُؤثر | وهكذا إذ الشكوك تكثر[2]انظر: "منظومة في أصول الفقه وقواعد فقهية" للشيخ -رحمه الله- (ص10). |
يقول: لا اعتبارَ بالشك بعد الانتهاء.
الضيف: بعد اليقين.
المحاور: بعد انتهاء العبادة واليقين فيها، وكذلك إذا كنتَ من الذين يشكون باستمرارٍ لا تلتفت، اطرح وتعوذ بالله وانتهِ.
لعلنا ندخل من هذه المقدمة ومن هذا الربط إلى قضية العلاجات؛ لأن الناس يحتاجون إلى واحد، اثنين، ثلاثة، ونحن يتبقى معنا تقريبًا يا دكتور نصف ساعة حول هذا الموضوع، وقد تأتينا اتِّصالات على أية حالٍ.
الضيف: قبل أن ندخل في قضية العلاج بشكلٍ سريعٍ جدًّا فيما يتعلق بالتشخيص، يعني: من المهم جدًّا قضية الفحص السريري والأمور المُتعلقة به، مثل: التحاليل، أو الفحوصات والأشعة التي يمكن أن يتمَّ إجراؤها على الدماغ حتى نتأكد من السبب الرئيسي.
المحاور: وأين يذهبون؟
الضيف: إلى الطبيب النفسي.
المحاور: يذهبون للطبيب، والطبيب هو الذي سيقوم بعملية تحويلهم لقضية الفحوصات وما يتعلق بها.
إذن نقول للإخوة الأكارم: مَن يُعاني من قضية الوسواس القهري يتَّجه مباشرةً إلى الطبيب النفسي إذا كان الأمر مرتبطًا بالذهاب إلى المستشفى، وفي الغالب هناك كما يُقال: مُساعدات لهذا الأمر من اختصاصي نفسي، ومن اختصاصي اجتماعي، ومن تخصصاتٍ أخرى مُتعلقة بالجانب الطبي.
الضيف: وهذا الجزء الثاني من عملية التقييم والتشخيص: أن هناك بعض المقاييس النفسية التي يُطبقها الاختصاصي النفسي بالتعاون مع الطبيب النفسي أو المُعالج النفسي، والتي تؤكد عملية التشخيص، كبعض مقاييس الوسواس القهري، وبعض مقاييس الاكتئاب، وبعض مقاييس الكرب النفسي على سبيل المثال، فهذه تُؤكد عملية التشخيص.
المحاور: هذه يُجريها.
الضيف: يُجريها الاختصاصي النفسي والمُعالجون.
المحاور: المُساند للطبيب النفسي.
الضيف: الطبيب النفسي والمُعالج النفسي.
المحاور: الاختبارات، وما الاختبارات؟
الضيف: المقاييس النفسية هدفها أنها تكشف.
المحاور: هي عبارةٌ عن أشياء تُعبأ، أم مُقابلة شخصية، أم كل هذا؟
الضيف: الاثنان مع بعض، إضافةً إلى الجانب التشخيصي أيضًا فيما يتعلق بجزء المقابلة فهو شيءٌ مهمٌّ جدًّا؛ لأنه يتعرف على تاريخ الحالة، والسياق المُحيط بها من جوانب اجتماعية، وسلوكية، ونفسية، وما يتعلق بالتاريخ المرضي إذا كان هناك تاريخٌ مرضيٌّ سابقٌ عند أفراد الأسرة بالدرجة الأولى.
المحاور: يعني: هو قريبٌ مما يُسمَّى.
الضيف: دراسة الحالة.
المحاور: دراسة الحالة، قريبٌ من دراسة الحالة، هذا الذي كنتُ أريد أن أقوله.
إذن أنت تُؤكد في موضوع التشخيص يا دكتور على أهمية الفحوصات، وهذا من خلال الاتِّجاه إلى الطبيب النفسي، وأيضًا تُؤكد على الجانب الآخر المُتعلق بقضية المقاييس بوسائلها المُتعددة، وأيضًا هذا من خلال الكيان المُرتبط بالمُختصين بالجانب النفسي: اختصاصيين كانوا، أو مُعالجين نفسيين، أو ما شابه ذلك.
علاج الوسواس القهري
إذن لعلنا نشرع يا دكتورنا في ختام هذه الحلقة المُباركة وفي الدقائق المُتبقية حول قضية العلاج.
الضيف: جميلٌ، مثلما قال الدكتور موسى وغيره، وتحدثنا في الحلقة السابقة فيما يتعلق بأن المُصابين بهذا الاضطراب يتفاوتون في الشدة، وفي الدَّرجة، وفي الأسباب، وبالتالي العلاجات تنطلق من الأسباب، وتنطلق من مسألة ...
المحاور: فليست العلاجات واحدةً.
الضيف: جميلٌ.
المحاور: يعني: لا يمكن أن نقول: اثنان فيهما وسواسٌ قهريٌّ فعلاجهما واحدٌ؛ لاحتمالية الاختلاف في الأسباب، وهنا تظهر أهمية التشخيص.
الضيف: كثيرةٌ جدًّا؛ لأن المشكلات المُصاحبة لعملية الوسواس القهري لدى سين تختلف تمامًا عن المشكلات المُصاحبة لدى صاد، وبالتالي هنا البرنامج العلاجي يتوقف على حجم المشكلات.
وإذا تكلمنا وانطلقنا من هذه النقطة في أن العلاج الدوائي مُرتبطٌ بالعوامل العصبية التي ثبتت من خلال الفحوصات الأولى، وبالتالي الدواء ستكون له فاعليةٌ كبيرةٌ جدًّا، العلاج الدوائي الذي تكلم عنه الدكتور موسى.
المحاور: جميلٌ، فأنت يا دكتور ترى البداية بالعلاج الدوائي أولًا، أم أن القضية خاضعةٌ لقضية الرؤية؟
الضيف: مُرتبطةٌ بالفحوصات، هذا رقم واحدٍ، ومُرتبطةٌ بالشدة.
المحاور: فأنت تُشير إلى أنه كلما اشتدت القضية بشكلٍ كبيرٍ -وغالبًا يرتبط هذا الجانب بالجوانب العضوية- لا بد من التدخل الدوائي.
الضيف: بالتأكيد.
المحاور: مع إجراء الفحوصات التي هي أصلًا نتيجة الفحوصات.
الضيف: بالتأكيد، وأثَّرت على الحياة التي يعيش فيها الشخص؛ فأدواره الاجتماعية تتأثر تمامًا وينشغل بمسألة الأفكار والأفعال القهرية.
المحاور: جزاك الله خيرًا، لعلك تأذن لنا يا دكتور، معنا الأخت أمة الله من الجزائر.
المتصلة: السلام عليكم يا شيخ.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصلة: يا شيخ، من فضلك أنا دائمة.
المحاور: تفضلي.
المتصلة: يا شيخ، أريد أن أسألك سؤالًا فيما يخص الوسواس القهري.
المحاور: تفضلي، لكن بسرعةٍ، الله يُعافيك.
المتصلة: يا شيخ، تأتيني وساوس دائمًا أن أبنائي لن يُوفَّقوا في النجاح في الدراسة، رغم أني أبذل مجهودًا كبيرًا في تعليمهم.
المحاور: يعني: هذا شعورٌ قبليٌّ.
المتصلة: لا يأتيني الوسواس في الصلاة، ولا في أمرٍ آخر، فقط فيما يخصّ نجاح أبنائي في الدراسة.
المحاور: خاصٌّ بهذا؟
الضيف: ويترتب على ذلك مُمارسات مُعينة؟ تقومي بفعل بعض الأشياء نتيجةً لهذا الخوف؟
المتصلة: من فضلك يا شيخ، أنا لا أسمعك.
المحاور: عفوًا أختي الكريمة، إذا أنتِ شعرتِ بهذا الخوف هل تترتب على ذلك أفعالٌ معينةٌ تفعلينها إلزامًا؟ تشعرين أنكِ تفعلينها رغم نفسك وغصبًا عنكِ مثلًا؟
المتصلة: نعم، يتغير سلوكي معهم.
المحاور: مثل ماذا؟
المتصلة: أريدهم أن يدرسوا دائمًا، وفي كل وقتٍ، مهما كانت نتائجهم.
المحاور: حتى لو أنهوا واجباتهم تُريدينهم أن يدرسوا؟
المتصلة: نعم، نعم، هكذا.
الضيف: منذ متى؟
المحاور: منذ متى هذه الحالة عندك؟
المتصلة: تقريبًا منذ أن بدأوا يدخلون في الدراسة.
المحاور: كم لكِ؟ كم سنة لكِ أنت في هذه الحالة؟
المتصلة: تقريبًا خمس سنوات، أو ستّ سنوات.
المحاور: خمس سنوات، شكرًا.
المتصلة: وكلما كبر أبنائي في الدراسة وتقدَّموا في الدراسة أشعر بالخوف مُسبقًا أنهم لن ينجحوا، أشعر مُسبقًا.
المحاور: أسأل الله أن يُطمئن نفسك -بإذن الله- وتسمعين الإجابة من الدكتور.
شكرًا لكِ أختي الكريمة، وأعانكِ الله، وبارك الله فيكِ.
تفضل يا دكتور.
الضيف: هذه القضية قضيةٌ مهمةٌ فيما يتعلق بالخوف، أحد أشكال الخوف: الخوف من المستقبل.
المحاور: واضحٌ أن الخوف قضيةٌ أساسيةٌ.
الضيف: نعم، وهو واحدٌ من الأعراض الأساسية للوسواس القهري.
والحقيقة أن السياق الاجتماعي الذي نعيش فيه يؤكد على أهمية التعليم وأهمية المستقبل.
المحاور: يعني: هذا نموذجٌ.
الضيف: نموذجٌ واضحٌ جدًّا لتأثير السياق الاجتماعي، والسياق المُرتبط بعملية التعليم، وخاصةً في بعض الدول التي تهتم تحديدًا بالمعدل الدراسي، والثانوية العامَّة بالتأكيد لها دورٌ كبيرٌ جدًّا وتأثيرٌ سلبيٌّ كبيرٌ على هذه القضية.
المحاور: في بعض الأحيان يا دكتور تجد أن أصعب شيءٍ عند الأبناء أن يأتي بعد الاختبار؛ لأن أول سؤالٍ سيُواجهه من أمه -مثلًا-: هل أخطأتَ في مسألةٍ؟ هي لا تسأل: هل أصبتَ؟ هل أَجَدْتَ؟ كيف كانت الأمور؟ ما شاء الله! تبارك الله! لا، لا، هذا سؤالٌ؛ ولذلك يحصل الكذب عند الأبناء، وتحصل تصرفاتٌ معينةٌ، ويحصل عدم وضوح الحقيقة، وهي تعيش ضِيقًا وتَعَبًا؛ لأن القضية وصل فيها المستوى إلى مستوى الضغط بالنسبة إليها، فلا تجد كلمةً تقولها عند مجيء الابن -وهذا عبر سنوات عديدة- إلا أن تنطق بهذه الكلمة التي أظنها مُؤشرًا من مُؤشرات وجود الجانب الوسواسي لديها.
الضيف: وأيضًا في هذه الحالة تحديدًا التي نتكلم عنها فإن التأثير السلبي قد يظهر مُستقبلًا على الأبناء فيما يتعلق بالضغط أو البيئة التي يعيشون فيها نتيجةً للأمر الذي تُعاني منه هذه الأخت.
المحاور: قصدك في الوسواس أو في غيره؟
الضيف: لا، البيئة ضاغطةٌ.
المحاور: عمومًا، يعني: قد يُؤدي للتمرد ... إلى آخره.
الضيف: بيئة ضاغطة، وبالتالي هنا تأكيدٌ على القضية، هي تحكي، وقد سألنا عن التاريخ المرضي، حيث بقيت خمس سنوات.
المحاور: عفوًا يا دكتور، معنا حبيبنا الدكتور: ممدوح صابر، ما شاء الله!
حيَّاك الله يا دكتور ممدوح.
المتصل: أهلًا وسهلًا.
المحاور: مرحبًا بزميلنا وأهلًا بك يا دكتور ممدوح صابر.
الأستاذ الدكتور: ممدوح صابر، أستاذ علم النفس بقسم علم النفس بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل بالدمام.
مرحبًا بك يا دكتور ممدوح، وحقيقةً تفاجأنا باتِّصالك، لكن يبدو أن: إنما الحب للحبيب الأول، فحبك للدكتور أحمد ...، لكن نطلب منك يا دكتور أن تُفيدنا كما عودتنا، وأيضًا الوقت؛ لأننا نحتاج إلى وقتٍ كثيرٍ مع الدكتور أحمد، وهذه آخر حلقةٍ، بارك الله فيكم.
تفضل يا دكتور ممدوح.
المتصل: بارك الله فيكم، وأسعد الله مساءكم بكل خيرٍ.
أنا مُستمتعٌ بالحلقة الجميلة والكلام الرائع في هذه الحلقة، وفي مُؤتمرٍ من المُؤتمرات فُوجئتُ بأحد الدَّكاترة يقول: أنا من خبرتي في العلاج النفسي والكلام ثلاثين سنةً: أن الوسواسي يبقى كما هو وسواسي! لكن الكلام في وجود الدكتور أحمد الشركسي كما يُقال في المثل: لا يُفتى ومالك في المدينة.
المحاور: المشكلة إذا كان مالك تلميذًا لك يا دكتور.
المتصل: الله يُبارك في سعادتك يا رب.
علم النفس الحديث فعلًا أثبت بقوةٍ أن سبب الوسواس القهري -وهذا من وجهة نظري طبعًا، وربما تكون هناك أسبابٌ أخرى، يعني: الدكتور أحمد طبعًا أشار إليها، وسوف يُشير إليها- نوعٌ من الاكتئاب، فالوسواس القهري نوعٌ من الاكتئاب، أو انعدام السعادة والراحة لدى الإنسان، وهو الذي يدفعه للبحث عن أي شيءٍ غريبٍ يمكن أن يفعله لا شعوريًّا.
المحاور: طيب، يا دكتور ممدوح، نحن الآن في خِضم آخر حلقاتنا حول العلاج، فلو تُعطينا باختصارٍ وجهة نظرك في العلاج؛ حتى نستطيع أن نستفيد منك في اتِّصالك، وفي الوقت نفسه يكون ضمن المجال الذي نحن فيه -بارك الله فيكم-، باختصارٍ، الله يحفظكم.
المتصل: أنا لاحظتُ أن علاجه يكون فقط بأن يقوم الإنسان بفعل الأشياء التي يُحبها ويستمتع بها، وخلال فترةٍ معينةٍ سوف يتعود المخُّ ويُدرك لا شعوريًّا أن تفريغ الطاقة في الأشياء التي يُحبها هي أفضل بكثيرٍ، وسوف يكون بإمكان الإنسان بسهولةٍ أن يتخلص من هذا الوسواس؛ لأنه ببساطةٍ يكون قد خرج من حالة الاكتئاب التي دفعته للبحث عن هذا الوسواس.
المحاور: يعني: هذا علاجٌ سلوكيٌّ يا دكتور؟
المتصل: نعم.
المحاور: جميلٌ، جميلٌ، جزاك الله خيرًا، وشكرًا لك يا دكتور ممدوح.
المتصل: الله يُبارك فيكم.
المحاور: وسُعداء بكم.
المتصل: وأنا مُستمتعٌ بهذا اللقاء الطيب.
المحاور: الله يُكرمك.
الضيف: جزاكم الله خيرًا.
المحاور: شكرًا يا دكتور ممدوح، ومع السلامة.
كان معنا الأستاذ الدكتور ممدوح صابر، أستاذ علم النفس في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، شكرًا لك على اتِّصالك المُفاجئ حقيقةً، وإشارتك الأخيرة تُعجبني جدًّا جدًّا، وأظنك تُوافق عليها يا دكتور، يعني: الطاقة التي لدى صاحب الوسواس حينما تُفرغ في الجانب الذي يرتاح إليه الإنسان ويشعر فيه بسعادةٍ، ومعنى ذلك أنه لا يستسلم للوسواس الذي لديه.
والمشكلة في قضية الاستسلام عند بعض المُصابين من هؤلاء أن الواحد منهم يستسلم فيشغل باله في هذا، وتُصبح طاقته مُركزةً على الشيء الذي يُوسوس فيه، لكن لو أفرغ الطاقة في جانبٍ آخر سيُخفف على نفسه الجانب المُتعلق بالجانب الوسواسي، ألا تُوافق على ذلك؟
الضيف: نعم، بالتأكيد، فكرة أن يكون مُستغرقًا استغراقًا شديدًا جدًّا في الأفعال القهرية الناتجة من الأفكار التي تجيء له -الأفكار القهرية- وبالتالي فكرة الإرادة هنا والتحويل، وأيضًا الاستعانة بطبيبٍ أو مُعالجٍ نفسيٍّ يُحدد جوانب القوة التي عند هذا المريض، ويُوظفها من خلال جلسات العلاج، وهذه حاجةٌ مهمةٌ جدًّا: أن يتعرف على نقاط الضعف، ويُحدد المشكلات الموجودة فعليًّا ويشتغل في علاجها واحدةً واحدةً.
والجانب الآخر هو الاستفادة من جوانب القوة في حياة المريض نفسه: كالجوانب الإيجابية، سواءٌ التي تتعلق بالتحصيل الأكاديمي، أو التي تتعلق بأنه يعيش في أسرةٍ مُستقرةٍ، أو أشياء كثيرة جدًّا تُساهم في عملية العلاج وفي فاعليته.
المحاور: إذن أنت يا دكتور ترى من علاجات هذا الاستغراق الحاصل في اتِّجاه الوسواس: أن يُوجه من خلال توظيف هذه الاهتمامات، أو ما لدى الإنسان من ميولٍ، ويكون لديه استفراغ الطاقة في هذا الجانب، وعندئذٍ ستكون هناك مُزاحمة، وسيكون هناك تحويلٌ من الوضع الذي هو فيه إلى وضعٍ آخر يطمئن إليه ويرتاح، فعلى أية حالٍ سيكون هذا سببًا في تخفيف هذه الوطأة.
الضيف: نعم، وهذا جانبٌ سلوكيٌّ.
المحاور: هذا جانبٌ سلوكيٌّ بلا شكٍّ.
الضيف: طبعًا هناك جوانب أخرى مثل: جانب العلاج المعرفي، وعلاجات أخرى مُرتبطة، وعندما نتكلم في البداية لا بد أن نعمل تقييمًا لشدة الكرب الذي يُعاني منه المريض؛ لأن الانطلاق من هنا، يعني: إذا كان التقييم -على سبيل المثال- خمسة من عشرة، نقول: متوسط، وإذا كان التقييم تسعة من عشرة، نقول: مرتفع، وبالتالي هنا الخطوة الأولى في العلاج.
المحاور: وهذه تُعرف من خلال المقاييس، ومن خلال ...
الضيف: من خلال الجلسات التشخيصية الأولى من خلال دراسة الحالة.
المحاور: نريد أن تكون عندنا خارطةٌ واضحةٌ، ونخرج من نقطةٍ إلى نقطةٍ، فنحن تحدثنا عن العلاج الدوائي، فهل بقي شيءٌ حول العلاج الدوائي؟
الضيف: العلاج الدوائي لا يتعلق بمَن يُعاني من الأفكار فقط، فالعلاج الدوائي مهمٌّ جدًّا بالنسبة له، فهو قضيةٌ أساسيةٌ وجوهريةٌ، فالمريض يشعر أنه يتحسن، وبعد فترةٍ من الوقت يتوقف عن تناول العلاج، وهذا أمرٌ خطيرٌ جدًّا؛ لأنه يُفترض أن يكون عنده مرجعٌ: الطبيب المُعالج، فهو الذي يُحدد متى يخفض الجرعة؟ أو متى يزيد الجرعة؟ أو متى يُغير نوع العلاج؟ لأنه قد لا يتناسب مع نوع العلاج الدوائي الفلاني، فيمكن أن يُغير الصنف، وبالتالي حسب الحالة.
المحاور: الحقيقة يا دكتور أنت تُشير إلى قضيةٍ أنا أمُرُّ عليها، فأنا أرى بعض الاستشارات الآن تأتيني تكون الحالة قد أخذت مثلًا توجيهًا من الطبيب، نعم، طيب، ماذا حصل؟ يقول: والله جرَّبتُه وما ارتحتُ إليه فوقفتُ. طيب، لماذا؟ ولم يرجع إلى الطبيب ليستشيره، ثم يسأل ويظن أنني طبيبٌ نفسيٌّ مثلًا، فيسألني عن دواءٍ آخر كمثالٍ!
فأقول: لا، أنا لستُ طبيبًا نفسيًّا، لكن لماذا تسأل ما دام لديك طبيبٌ؟!
فهو مُستعدٌّ أن يُغير من رأي طبيبٍ لرأي طبيبٍ آخر، فيكون في دوَّامةٍ وفي حالٍ مُزعجٍ جدًّا.
الضيف: فهو إما أن يشعر أن فاعلية العلاج تأخرت فيترك الدواء، أو يشعر أنه تحسن في وقتٍ سريعٍ فيترك الدواء، وهذا خطأٌ شديدٌ جدًّا، وبعضهم يعتقد أيضًا أنه قد يكون هناك اعتمادٌ أو إدمانٌ كما يُقال على الدواء في المستقبل.
المحاور: وهذا أشار إليه الدكتور موسى.
الضيف: أشار إليه الدكتور موسى، نعم.
المحاور: جميلٌ، انتهينا من العلاج الدوائي.
الضيف: انتهينا من العلاج الدوائي.
المحاور: طيب، العلاج السلوكي، نحن ذكرنا إلى الآن تقريبًا -يعني: ذكرني يا دكتور- ما ذكره الدكتور ممدوح في تفريغ الطاقة، وما ذكره الدكتور موسى فيما يتعلق بقضية منع الاستجابة لما ذكر: حتى تسمع صوتًا، أو تجد ريحًا فيما يتعلق بقضية الصلاة ... إلى آخره، يبقى إذا كان هناك شيءٌ حول هذا الجانب.
الضيف: نحن طبعًا بدأنا بأننا نحتاج أولًا كي ندخل في سياقٍ دقيقٍ في مسألة العلاج إلى أن نُحدد مستوى الكرب، واتَّفقنا أن الكرب الشديد معناه: أنه لا بد أن يكون هناك برنامجٌ مُكثَّفٌ لعلاج الوسواس القهري، ثم يبدأ بحصر الأفكار الوسواسية، ثم تُرتب هذه الأفكار وفقًا لمستوى الشدة، والشدة معناها: أن يُعطيها كم من عشرة؟ كم من مئة؟ حسب مستوى المُعاناة التي يشعر بها نتيجة الأفكار.
المحاور: وهذه تُعرف من خلال اللقاءات الإرشادية.
الضيف: وبالتالي نبدأ بالأفكار الأكثر إزعاجًا بالنسبة له، وكلما بدأنا بالفكرة المُزعجة الأكثر بالنسبة له كانت هناك فاعلية بالنسبة له، ومعنى ذلك: أن بقية الأفكار الأخرى يمكن أن تنحسر تدريجيًّا حين تحصل فاعلية عالية جدًّا فيما يتعلق ...
المحاور: لماذا لا يكون العكس يا دكتور؟
الضيف: هذا فيما يتعلق بالتعرض ومنع الاستجابة.
المحاور: لأن أمامنا يا دكتور عشر دقائق فقط.
الضيف: جميلٌ.
المحاور: سنُجمل السُّلوكي مع المعرفي.
الضيف: الكلام الذي أقوله فيما يتعلق بحصر الأفكار هذا في المعرفي.
المحاور: جميلٌ، بالتأكيد لأنها أفكارٌ.
الضيف: نعم، هناك طرقٌ وأساليب واستراتيجيات أثبتت فاعليتها في الدراسات العلمية وعند الأطباء المُمارسين العياديين بدرجةٍ عاليةٍ جدًّا وصلت إلى 85% و87% من الفاعلية، وبعضها قد يصل إلى 90%، ويمكن أن نتطرق إليها إذا كان هناك وقتٌ.
أما ما يتعلق بالجزء المهم جدًّا: وهو الجانب السلوكي الذي هو فكرة التعرض ومنع الاستجابة، وهو هنا غاية في الأهمية؛ لأنه هو الذي أثبت فاعليةً عاليةً جدًّا، حتى إن الدراسات العلمية أشارت إلى أن 75% نسبة الفاعلية فيما يتعلق بالانتكاس مرةً أخرى، وهذا يكون قليلًا جدًّا فيما يتعلق بعلاج التعرض ومنع الاستجابة.
ما المراد بالتعرض ومنع الاستجابة؟
ببساطةٍ شديدةٍ التعرض للأمور التي يخشى منها المريض فيما يتعلق بالأمور التجنبية، يعني: من الأمور التي يمكن أن تُسبب له مزيدًا من التلوث.
المحاور: إذن الوقاية هنا؟
الضيف: لا، لا بد أن يتعرض لها.
ما معنى أن يتعرض لها؟
يعني: إذا كان يخشى أن يلمس بعض ...
المحاور: قصدك أنه يُواجهها؟
الضيف: يُواجهها ويلمسها، وتحت ضوابط معينةٍ دقيقةٍ، وبالتدريج حسب المُمارسات القهرية، أو الأفعال التجنبية، نبدأ نُرتبها، ونبدأ بالأقل، لماذا؟
لأننا هنا لما نطلب من المريض أن يُمسك -مثلًا- سلة المهملات التي يخاف أن يلمسها بدرجة سبعة من عشرة، يبدأ لما نطلب منه أن يلمسها وما يغسل يديه لفترةٍ زمنيةٍ معينةٍ، يبدأ مستوى القلق يرتفع بشكلٍ كبيرٍ جدًّا، ثم عندما يتكرر هذا الفعل من خلال الجلسات العلاجية يبدأ القلق ينخفض بشكلٍ تدريجيٍّ.
المحاور: صار ما هناك شيءٌ.
الضيف: جميلٌ؛ لأنه بدأ يُواجه، فالفكرة في التعرض.
المحاور: وهو أيضًا لم يرَ أي نتيجةٍ سلبيةٍ حسبما كان يتوقع.
الضيف: وبعض الدراسات العلمية التي تكلمت عن التعرض فقط أشارت إلى أنه لا يكفي وحده في قضية العلاج، فإذا منع الاستجابة فهذا شيءٌ مهمٌّ جدًّا كي يكون التأثير أكثر فاعلية.
ومنع الاستجابة معناه: أن المريض يتوقف عن ممارسة الطقوس القهرية والأفعال القهرية مثل: غسيل اليد المُتكرر، أو إعادة الصلاة المتكررة، أو الوضوء المتكرر، وما شابه ذلك.
المحاور: إذن أنت تتحدث يا دكتور هنا عن نقيضين، يعني: حتى لا يُفهم أنهما شيءٌ واحدٌ: أمرٌ هو يفعله ويُواجهه؛ لأنه الشيء الطبيعي الصحيح، مثل: الرهاب الاجتماعي، والخجل الاجتماعي، يقول: والله هناك مناسبات معينة، فالتوجيه أنه يذهب ويقتحم المناسبات حتى لو بدأ يُعاني، حتى لو صار يُعاني؛ لأنه عندئذٍ سيُثبت أنه قد تقدَّم خطوةً ... إلى آخره.
فنقول نفس الكلام في الوسواس: إذا كانت عنده إشكاليةٌ في هذه القضية يقتحم.
الضيف: في قضية التعرض ومنع الاستجابة.
المحاور: أما منع الاستجابة فهي ماذا؟ ترتبط بقضية الاستجابة ...
الضيف: للمُمارسات أو الأفعال القهرية التي يُمارسها، سواءٌ غسيل اليد المُتكرر، أو إعادة الصلاة، أو إعادة الوضوء.
المحاور: يعني: يكفّ عن الجانب السلبي.
الضيف: أو عملية التأكد من الشيء.
المحاور: فليَسْتَعِذْ بالله وليَنْتَهِ[3]أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134).، فليَتَعَوَّذ بالله، حديث النبي كما جاء في الأثر: فليستعذ بالله، قال: وليَنْتَهِ، مثل حديث: حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا، جميلٌ جدًّا.
وهذا أظن يا دكتور -والله تعالى أعلم- أنه بمقدور مَن يملك عقلًا وإرادةً.
الضيف: الإرادة مهمةٌ طبعًا.
المحاور: بالضبط، تأتي قضيةٌ في بعض الأحيان يقول لك: أنا حاولتُ وما استطعتُ. عندئذٍ نقول له: أنت تحتاج إلى التدخل الدوائي.
الضيف: الاثنان مع بعضٍ.
المحاور: في الغالب، أنت تقول: الاثنان مع بعضٍ في وقت العلاج؟
الضيف: نعم؛ لأن العلاج الدوائي يخفض من شدة الأعراض، وبالتالي عندما يدخل هنا العلاج المعرفي السلوكي يكون التأثير أكبر فاعليةً.
المحاور: أنت تقصد يا دكتور ...
الضيف: ويستطيع أن يتحكم أكثر مما لو لم يكن هناك علاجٌ دوائي.
المحاور: هذا لو كان تعرض للعلاجين في بيئةٍ معينةٍ، لكن لو كان مثلًا في الاستشارات التي تأتي ونحن نُعطيهم الاستشارات مثلًا عبر (الواتس آب)، أو عبر أي وسيلةٍ من الوسائل، ونحن في الغالب نُركز على الجانب السلوكي المعرفي، فإذا قوَّاه الله وأعانه على التعرض ومنع الاستجابة -فالحمد لله- ستنخفض عنده النسبة، لكن نحن نقول له: إذا لم تستطع أن تجد القوة في هذا الجانب وشعرتَ أن القضية عندك مستواها عالٍ فيما يُسمَّى: بالوسواس القهري مثلًا، بحكم أنه يكون شديدًا، فعندئذٍ لا بد أن تذهب إلى الطبيب النفسي حتى تستفيد، فبالإضافة للعلاج السلوكي المعرفي تستفيد أيضًا من العلاج الدوائي، هل تُوافق على هذه القضية يا دكتور؟
الضيف: نعم، لكن أُؤكد على قضيةٍ مهمةٍ وهي المُستويات؛ فمستويات الشدة العالية من الوسواس القهري تحتاج بالتأكيد لطبيبٍ ومُعالجٍ نفسيٍّ، على أساس أنه يرسم له خطوةً من خطواتٍ مهمةٍ جدًّا في العلاج، والتي تعتمد على المريض نفسه؛ لأنه يبقى له دورٌ فعَّالٌ جدًّا، والمُعالج النفسي هنا يُعلمه سلوكيات، نستطيع أن نقول: إنه يُعلمه نمط حياةٍ جديدًا.
المحاور: هل الوقت الطويل الباقي يا دكتور هو كذلك على هذه الحالة ويقول عبارات: حاولتُ ولا أستطيع؟ هل يمكن أن تُعطي مُؤشرًا لقضية مستوى الوسواس القهري الشديد؟
الضيف: طبعًا كلما زادت الفترة -المدة- والأخت الكريمة التي قالت: خمس سنوات، وعند البعض سبع سنوات وشيء من هذا القبيل، هذا معناه: أننا نتكلم عن فكرة الكشف المُبكر، فكلما كانت هناك فرصة ليتم الكشف المبكر عن هذا الاضطراب أثَّر كثيرًا في عملية العلاج بالتأكيد.
المحاور: طيب، بين أيديكم الدقائق المُتبقية يا دكتور حول العلاج، وما زلنا نريد أن نختم بهذا الموضوع إذا كان هناك شيءٌ يا دكتور؟
الضيف: الجزء المهم جدًّا فيما يتعلق بقضية الإرادة؛ فلها دورٌ غاية في الأهمية للمريض؛ لأنه يكون على المريض أو مَن يُعاني من هذا الاضطراب أن يبذل جهدًا وتكليفات معينة وواجبات منزلية يطلبها منه المُعالج، وهذه التي تُساعده بشكلٍ كبيرٍ جدًّا في أن يتخطى هذه المحنة الكبيرة.
المحاور: لا بد منها؟
الضيف: لا بد منها.
المحاور: حتى لو كان العلاج دوائيًّا؟
الضيف: حتى لو كان العلاج دوائيًّا.
المحاور: وهذه قضيةٌ مهمةٌ، وهي تُفهم يا دكتور من أدبيات الشريعة: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]، وقال الرسول : إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم[4]أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2663)، وفي "الكبير" (929)، وابن عبدالبر في "جامع بيان العلم وفضله" (903)، والخطيب … Continue reading، فالاستسلام، ولا أستطيع، هذا مُستحيلٌ؛ هي في الحقيقة إيحاءات سلبية للنفس البشرية، نعم يا دكتور.
الضيف: وبالتالي هنا نقطةٌ مهمةٌ جدًّا: أولًا: هناك جانبٌ مُساندٌ لا بد أن نتكلم عنه، وهو دور الأسرة؛ لأن دور الأسرة مُساندٌ بشكلٍ كبيرٍ جدًّا؛ لأنه تبقى لهم أدوارٌ، حيث يطلب المُعالج النفسي بعض الأدوار، على سبيل المثال في قضية التعرض ومنع الاستجابة لا بد أن يكون هناك شخصٌ مُساندٌ مُحددٌ من قِبَل المُعالج، ومُساندٌ للمريض في عملية منع الاستجابة، والتأكيد على فكرة منع الاستجابة.
المحاور: لأنه معه في البيت.
الضيف: نعم، منع مُمارسة الطقوس أو الأفعال القهرية، وبالتالي هو دورٌ مهمٌّ جدًّا للأسرة، لا بد إن تكلمنا عنه ألا يقع ضغطٌ شديدٌ على المريض، لا بد من الصبر واحتوائه، والتأكيد على الذهاب للطبيب بوقتٍ مبكرٍ؛ لأنه يُساعده كثيرًا.
لو قلنا مثلًا: إن الأسرة قالت للمريض: توقف عن ممارسة الأفكار والطقوس، هو نفسه يريد أن يتوقف عنها قبل أن تقول له، فلا تُفيده كثيرًا، لكن الذي يُفيده كثيرًا أننا نذهب للطبيب المُعالج ونستمع تحديدًا للنصائح التي يقولها على أساس أننا نتكلم عن أن للأسرة دورًا مهمًّا جدًّا في الأدوار العلاجية؛ فكرة البيئة التي يعيش فيها المريض لا بد أن تكون مُهيأةً بشكلٍ جيدٍ جدًّا؛ لأنها تُؤثر على ...
المحاور: خاصةً إذا كانت هي سببًا من أسباب الوسواس القهري.
الضيف: قد تكون واحدًا من الأسباب.
المحاور: توصيات للأسرة -يعني- غير قضية التوجيه إلى الذهاب للمُعالج، هل هناك توصياتٌ أخرى أنت تُؤكد عليها يا دكتور فيما يتعلق بالتعامل مع حالات الوسواس القهري؟
الضيف: نعم، لا بد من الصبر على المريض، ولا بد من التأكيد على فكرة دعم الجوانب الإيجابية عند المريض، واستغلالها، ودعمها بشكلٍ كبيرٍ، وتشجيعه لها؛ لأن هذا يُساعده بدرجةٍ كبيرةٍ جدًّا على أن يتخطى هذه المحنة.
المحاور: دعم الجوانب الإيجابية لديه؟
الضيف: لديه.
المحاور: لأنه يشعر بالإحباط وما شابه ذلك من خلال قضية الوسواس القهري، يعني: هي قريبةٌ من نقطة الدكتور ممدوح صابر في تفريغ الطاقة في الجانب الإيجابي؟
الضيف: استغلال مواطن القوة، وهذه يعرفها جدًّا المُعالج ويستطيع أن يُوظفها في عملية العلاج، يعني: لا تقم الأسرة وحدها بعمل هذا الشيء إلا بتوجيهات من المُعالج؛ لأنه طبعًا خبيرٌ في هذا الأمر بدرجةٍ كبيرةٍ جدًّا.
المحاور: إذن موضوع المُعالج قضية لا نقاشَ فيها البتَّة، وقضية أن أسكت ولا أفعل شيئًا، وأبقى في حالتي قضية مرفوضة تمامًا.
الضيف: سيزيد الأمر تعقيدًا بلا شكٍّ.
المحاور: وقضية أني أتصل هاتفيًّا، أو من خلال رسائل الجوال، ... إلى آخره، وأخذ التوجيه؟
الضيف: لا تكفي.
المحاور: ولذلك أنا قد مررتُ بحالاتٍ عديدةٍ واجهتها في مناسباتٍ اجتماعيةٍ، أو من خلال الصلاة، وما شابه ذلك؛ تجد أن هناك تقصيرًا في هذه الجزئية خاصةً وما يتعلق بها، أين دور الأسرة؟
يعني: هنا يُحتاج إلى الدور الإيجابي من الأسرة حتى نُخفف من الضغط، فالبعض يظل سنةً، أو سنتين، أو خمس سنوات، أو عشر سنوات يُعاني! هذه مشكلةٌ كبيرةٌ جدًّا.
الضيف: جزءٌ مهمٌّ أيضًا في هذه القضية: هو دعم الجانب الإيماني؛ لأنه غاية في الأهمية أن الأسرة لا بد أن تعمل عملية وقاية من البداية في تنمية الجوانب الإيمانية فيما يتعلق بالصلاة والأدعية والأذكار؛ لأنها حصنٌ للمسلم بلا شكٍّ.
المحاور: وخاصةً إذا كانت القُدوات موجودةً، والتوجيه لمثل هذا الأمر، وأيضًا ألا تكون الأسرة مُعرَّضةً لما هو عكس هذا الاتجاه المتعلق بالقضية الإيمانية.
تبقت نصف دقيقةٍ يا دكتور، ونحن مُستمتعون معك، فإن تفضَّلتَ بخاتمةٍ مُباركةٍ لهذه الحلقات نكن لك من الشاكرين.
الضيف: أنا أدعو الأُسَر -سواء التي عندها مرضى يُعانون من مرض اضطراب الوسواس القهري، والمرضى أنفسهم- إلى أن يعرفوا أنه لا بد من عملية التفاؤل، ولا بد من الإرادة، ولا بد أن نعلم أن لكل داءٍ دواءً.
المحاور: جميلةٌ جدًّا كلمة التفاؤل يا دكتور.
الضيف: طبعًا لأن هناك تطورًا كبيرًا جدًّا فيما يتعلق بفاعلية العلاج، فيحصل تحسنٌ كبيرٌ جدًّا فيها، على عكس ما يُقال من أن اضطراب الوسواس القهري مرضٌ أو اضطرابٌ لا يُعالَج، هذا غير صحيحٍ على الإطلاق، لا بد أن نتفاءل، وأن الله قادرٌ على كل شيءٍ، والاستعانة بالله في كل أمرٍ.
المحاور: والرسول كان يُحب التفاؤل في أموره كلها عليه الصلاة والسلام.
شكرًا يا دكتور أحمد، شكرًا جزيلًا، وما أدري كيف نرد لك الجميل؟ لكن لك منا حقّ الدعاء، ومن الجمهور كذلك.
أسأل الله أن يُبارك فيك وفي علمك، وأن يجزيك عنا خيرًا.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من السُّعداء في الدنيا والآخرة، وأن يُخفف عنا وإياكم همومنا وغمومنا.
تقبَّلوا تحياتنا، ولقاؤنا في الأسبوع القادم في هذا الوقت، بإذن الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | أخرجه البخاري (137)، ومسلم (361). |
---|---|
↑2 | انظر: "منظومة في أصول الفقه وقواعد فقهية" للشيخ -رحمه الله- (ص10). |
↑3 | أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134). |
↑4 | أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2663)، وفي "الكبير" (929)، وابن عبدالبر في "جامع بيان العلم وفضله" (903)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" ت: بشار (6/ 442)، وحسنه الشيخ الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (342)، وفي "صحيح الجامع" (2328). |