مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، حياكم الله أيها الإخوة والأخوات في حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم المباشر: "أُسس التربية" من قناة "زاد العلمية".
نحن اليوم في موضوعٍ بالغ الأهمية، وكثيرٌ ما ترد إلينا أسئلةٌ، ونرى أمام أعيننا حالة مَن يقوم ويُصلي ويُكبر تكبيرات عديدة شاكًّا بأن صلاته لم تُقبل، فيُعيد التكبير مرةً أخرى، وقد يُعيد الصلاة!
والذي يدخل -أكرمكم الله- دورة المياه ويجلس الساعة والساعتين والثلاث!
وكل هذه الحالات قد رأيتُها ووقفتُ عليها، والذي يقوم ويتوضأ، وربما جلس للمرة الأولى والثانية والثالثة والرابعة من أجل صلاةٍ واحدةٍ! وهكذا الذي يقوم بالاغتسال، وهكذا الذي يقوم بترتيب أوراقه، والذي يهتم بالنظافة الزائدة إلى مستوى من الدِّقة في النظافة، بل مستوى إجهاد النفس في النظافة، وغير ذلك من الأمور.
معنا في هذه الحلقة ضيفٌ عزيزٌ كريمٌ، سعادة الدكتور: أحمد بن صابر الشركسي، أستاذ الإرشاد والعلاج النفسي المُشارك بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، جامعة الدمام سابقًا.
مرحبًا بك يا دكتور أحمد.
الضيف: الله يحفظك يا دكتور، مرحبًا بك.
المحاور: نحن سُعداء بحضورك معنا في هذه الحلقة الخاصة عن "الوسواس القهري"، هذا الموضوع الذي أتعب الكثير، وعانت منه الكثير من الأُسَر، ناهيك عن الأفراد الذين ابتُلوا بهذه القضية.
لو حدَّثتنا عما يتعلق بهذا الموضوع من حيث: ما هو الوسواس القهري؟ وما هي نسبة انتشاره؟ بارك الله فيكم يا دكتور أحمد، تفضَّلوا، الله يحفظكم.
تعريف الوسواس القهري
الضيف: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
بدايةً أشكر قناة "زاد العلمية" لطرحها هذا الموضوع، وأشكر سعادة الدكتور: خالد على هذه الاستضافة الكريمة، وأشكر المُشاهدين، وإن شاء الله يُشاركونا في هذا الموضوع؛ لأنه موضوعٌ حيويٌّ ومهمٌّ مثلما تفضَّلتَ وذكرتَ.
وعندما نتكلم عن "الوسواس القهري" نتكلم عن نِعَم الله التي وهبنا إياها، والتي لا تُعدّ ولا تُحصى، وأن الإنسان دائمًا -خاصةً المسلم- لا بد أن يكون مُتفائلًا، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يُحب التفاؤل، وهذه بُشرى لكل مسلمٍ متفائلٍ: أن يبتعد عن كل ما يُكدِّر حياته.
وبالتالي هذا أمرٌ غايةٌ في الأهمية؛ لأن له تأثيرًا فيما بعد، فمَن يتعرَّض أو لا يستطيع أن يتغلب على الضغوط النفسية التي تُواجهه ستُكبله، وتُصبح كالأغلال التي قد تكون مدخلًا للوسواس القهري، أو أي مرضٍ من الأمراض.
المحاور: يعني: يا دكتور أحمد، أي واحدٍ عاقلٍ في هذه الحياة يريد أن يكون سعيدًا، ويريد أن يكون مُستقرًّا.
الضيف: بالتأكيد.
المحاور: أي نعم؛ ولذلك أي شيءٍ يأتي ويُنَغِّص ...، أنا أذكر لما صلَّى بجواري واحدٌ ووجدتُ المُعاناة، فقلتُ له: يا أخي الكريم، كم لك في هذه الحال؟ -أذكر اثنين، واحدٌ مرةً، والثاني في صلاةٍ أخرى- قال لي: سنتان على هذه الحال. فقلتُ: هل ذهبتَ إلى أحدٍ؟ هل تعالجتَ؟ هل حاولتَ؟ قال لي: لا. والآخر قال: ستة أشهر على هذه الحالة.
فهناك مُعاناةٌ كبيرةٌ جدًّا تُخالف ما يتعلق بفطرة الإنسان بأن يكون سعيدًا، وهو يستسلم لمثل هذه الضغوطات، ولمثل هذه الاضطرابات الشديدة، وهو يُدرك.
كما في مجال التخصص "الوسواس القهري" أن الإنسان أصلًا مُستَبْصِرٌ بنفسه، وليس مثل الشخص الآخر الذي عنده انفصامٌ وغيره، فهو مُسْتَبْصِرٌ بأنه ماذا؟
الضيف: أنه يُعاني.
المحاور: هو يُعاني وعلى خطأ، وأيضًا لا ينفك عن المجتمع، هو مع المجتمع مثل الأمراض الأخرى العقلية، أو الانفصامية، أو ما شابه ذلك.
الضيف: بالتأكيد، وهذا هو الفرق بين المرض النفسي والمرض العقلي، والوسواس القهري يُصنف تحت الاضطرابات والأمراض النفسية، وواقع الحال أن الحالات التي ذكرتَها بين سنتين وستة أشهر يمكن أوقات قليلة جدًّا في مقابل حالاتٍ أخرى تصل لعشر سنواتٍ، وخمس عشرة سنة، وأكثر من ذلك بكثيرٍ، والمُعاناة تكون شديدةً جدًّا.
وبالتالي إذا تحدثنا عن الوسواس القهري سنتحدث عن شِقَّين أساسيين: الأفكار الوسواسية، ثم الأفعال القهرية.
والأفكار الوسواسية أفكارٌ مُلِحَّةٌ مُعاودةٌ، تُعاود الإنسان المريض، وتُسبب له كربًا نفسيًّا شديدًا.
المحاور: ونرجع ونقول: هو يعلم بأنها خطأٌ.
الضيف: نعم، ولكنه لا يستطيع أن ينفكَّ عنها، تُعاوده بشكلٍ مُتكررٍ، وبصورٍ مختلفةٍ، وتُسبب له كربًا نفسيًّا شديدًا، وهذه هي الأفكار، والأفكار لا شكَّ أنها أشد تأثيرًا على المريض بهذا المرض من الأفعال القهرية؛ لأن الأفعال القهرية واقعها هي أفعالٌ أو أنماط سلوكية مُتكررة يقوم بها الشخص، مثل: غسيل اليد المُتكرر -على سبيل المثال- لتخفيف حِدَّة القلق والمُعاناة التي يشعر بها نتيجة الأفكار، وبالتالي حسبما يعتقد المريض تُخفف لديه مستوى القلق، ومن ثمَّ عندما يُمارس هذه الطقوس يخفّ القلق بشكلٍ تدريجيٍّ، ثم يُعاوده مرةً أخرى، فيقوم بنفس الطقوس مرةً أخرى، وهكذا، وهكذا.
المحاور: إذن هناك ارتباطٌ يا دكتور بين جانب القلق والاكتئاب وغيره مع قضية الوسواس القهري؟
الضيف: لا شكَّ أن مَن يُعاني من الوسواس القهري يرتبط معه ارتباطًا شديدًا جدًّا القلق والاكتئاب، طبعًا بنِسَبٍ مُتفاوتةٍ بين مريضٍ وآخر، لكنه لا ينفك، وخاصةً القلق بدرجةٍ كبيرةٍ جدًّا، وهناك أنواعٌ كثيرةٌ من الوسواس سنتحدث عنها -إن شاء الله- بالتفصيل.
نسبة انتشار الوسواس القهري
المحاور: طيب، نسبة الانتشار يا دكتور؟
الضيف: نسبة الانتشار حسب الدراسات العلمية عند الراشدين تتراوح بين 2- 2,5% في أغلب المجتمعات.
المحاور: عندما تقول: "الراشدين" ماذا تقصد يا دكتور؟
الضيف: الذي هو فوق الثلاثين سنة تقريبًا، إذن نسبته خمسة وعشرين في الألف، أو من 2 إلى 2,5%، يعني: نستطيع أن نقول مثلًا: واحدٌ إلى كل أربعين أو خمسين حالة يُعاني في وقتٍ ما من أوقات حياته بأعراض الوسواس القهري.
المحاور: لا يلزم أن يكون بمستوى عالٍ؟
الضيف: ليس بالضَّرورة أن يكون بمستوى عالٍ، فهو يتفاوت بين فردٍ وآخر.
أما بالنسبة للأطفال: فطفلٌ من بين كل مئتي طفلٍ تقريبًا يُعاني من أعراض الوسواس القهري، والنِّسَب بين الذكور والإناث تكاد تكون مُتساويةً، لكنها تميل في الكبار -في الراشدين- إلى الإناث قليلًا، وفي الأطفال إلى الذكور.
المحاور: المُراهقون يا دكتور؟
الضيف: بدايةً من المُفترض أن نتكلم عن: متى يبدأ الظهور؟
هنا عندما نتكلم عن الذكور تحديدًا فإنه يبدأ في مرحلة المُراهقة المُبكرة، يعني: نستطيع أن نقول: من سِنِّ ثلاث عشرة سنة إلى سِنِّ خمس عشرة سنة.
المحاور: المُتوسطة تقريبًا.
الضيف: تقريبًا المُراهقة المُبكرة.
المحاور: المرحلة المتوسطة مثل الذي عندنا في السعودية.
الضيف: يمكن أن تبدأ هذه الأعراض عند الذكور، أما عند الإناث فتبدأ حسب الدراسات العلمية بين عشرين إلى أربعٍ وعشرين سنةً.
أعراض الوسواس القهري
المحاور: طيب، دكتورنا الكريم، عندما نأتي إلى قضية الأعراض حتى نستطيع أن نقول: إن هذا فعلًا ماذا؟
الضيف: يُعاني من الوسواس.
المحاور: يُعاني من الوسواس القهري؛ لأن البعض قد يُدخل أشياء ويقول: إنه وسواسٌ قهريٌّ، وهو ليس كذلك.
الضيف: جميلٌ، هذا السؤال مهمٌّ جدًّا، وأنا أشكرك يا دكتور خالد؛ لأن واقع الحال أن كل الناس بشكلٍ عامٍّ يُعانون من بعض الوساوس، وتُراودنا أفكارٌ ووساوس من وقتٍ لآخر، لكننا نستطيع أن نُسيطر عليها ونتغلب عليها.
المحاور: بل هذا ثابتٌ في كتاب الله .
الضيف: نعم.
المحاور: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ [الناس:1- 5] يعني: من الإنس، ومن الجن.
الضيف: جميلٌ، ويمكن أن يوسوس الإنسان لنفسه بعض الأفكار، لكن إذا لم يستطع الإنسان أن يتخلص من هذه الوساوس وسيطرت عليه لدرجة أنه لا يستطيع أن ينفكَّ عنها، وأنها تُؤثر تأثيرًا شديدًا على أدواره الحياتية، إذا كان يعمل يتأثر عمله، وإذا كان يدرس تتأثر دراسته، وينخفض التحصيل الدراسي.
المحاور: لا بد من تدخلٍ.
الضيف: فلا بد من تدخلٍ طبيٍّ أو علاجيٍّ من أي نوعٍ من الأنواع التي نتحدث عنها، إن شاء الله.
لكن بشكلٍ عامٍّ الفارق بين مَن يحتاج للإرشاد ومَن يحتاج للعلاج هو فكرة توقف أدواره الحياتية أو الاجتماعية عن المُمارسة، أو تأثرها بشكلٍ كبيرٍ.
المحاور: إذا كان هو مُستمرًّا في أدواره، لكنه يُعاني من شيءٍ من الوسواس، هذا يكفيه الإرشاد؟
الضيف: يكفيه الإرشاد.
المحاور: وإذا كان لا؟
الضيف: أما إذا توقف عن ممارسة أدواره، أو تأثر تأثرًا شديدًا لدرجة أنها تُعوّق حياته الزوجية، أو تُعوّق عمله، وتأثر تأثرًا سلبيًّا، أثَّرت على التحصيل الدراسي مثلًا؛ فلا بد هنا من التدخل بالعلاج.
المحاور: جميلٌ، يعني: هذا الذي ترك الصلاة من شدة المُعاناة، قال: أريد أن أرتاح فأترك. فترك الصلاة في المسجد من أجل هذه القضية، والناس يُصلون، وهو ما زال في المَوَاضِئ، فهذه صورٌ لاحظناها ورأيناها، إذن لا بد من تدخلٍ علاجيٍّ.
الضيف: لا بد.
المحاور: لا بد من تدخلٍ علاجيٍّ.
الضيف: وفي هذه الحالات تحديدًا -فيما يتعلق بالأفكار الوسواسية تحديدًا- لا بد من تدخلٍ دوائيٍّ، من المهم جدًّا أن يبقى هناك تدخلٌ دوائيٌّ، أما إذا كانت أفعال قهرية فقط فمن الممكن أن نلجأ إلى ما يُسمى: بالعلاج المعرفي السلوكي.
المحاور: لو أخذنا مثالًا على الأفكار الوسواسية، وأخذنا مثالًا على الفعل القهري يا دكتور؛ لتتضح الصورة للجميع.
الضيف: جميلٌ، عندما نقول مثلًا: التلوث، فإن الفكرة التي تطرأ على الذهن: أن كل الأماكن التي أذهب إليها فيها تلوثٌ، وفيها جراثيم، وبالتالي إذا لمست هذا انتقلت الجراثيم إليَّ.
المحاور: انتقلت الجراثيم إليَّ.
الضيف: انتقلت الجراثيم إليَّ، وبالتالي يمكن أن تُسبب لي بعض الأمراض.
المحاور: ومثلها: قضية أنا صلاتي لم تُقبل، ووضوئي لم يُقبل، نفس الكلام.
الضيف: نفس الفكرة، الفعل القهري وهو ممارسة غسيل اليد، أو غسيل كل مُحتويات المنزل تقريبًا عند بعض الحالات، وهناك حالةٌ أعرفها عن قُربٍ تقوم بغسيل الجوال! واشترت عدَّة جوَّالات؛ لأن هناك جوَّالات لا تعمل مع الماء فخَرِبَت، واضطرَّت في النهاية أن تشتري جوَّالًا ضد الماء، ومع هذا تُمارس هذا بدافع القهر.
المحاور: هذا فعلٌ قهريٌّ، لماذا لا نقول: إنه فكرةٌ أصلًا؟
الضيف: لأنه في الحقيقة في تعريفنا للفعل القهري ذكرنا أنه يقوم بهذا الفعل القهري عدَّة مراتٍ حتى يُخفف من تأثير الفكرة الوسواسية، وبالتالي يهدأ القلق.
المحاور: لكن الفكرة باقيةٌ.
الضيف: الفكرة باقيةٌ، لكن تَخِفُّ وطأتها قليلًا نتيجة ممارسة الفعل القهري عدَّة مراتٍ؛ فينخفض القلق بشكلٍ تدريجيٍّ وبشكلٍ كبيرٍ عندما تتكرر ممارسة هذا الطقس.
المحاور: هذا سيظهر -إن شاء الله- في العلاج.
الضيف: بالتأكيد.
المحاور: بإذن الله.
الضيف: ثم بعد أن يُمارس ويهدأ القلق يُعاوده مرةً أخرى، تُعاوده مرةً أخرى الفكرة الوسواسية، ثم يضطر أن يُمارس الفعل القهري عدة مراتٍ، وبالتالي نجد بعض المرضى يمكن أن يتكرر غسيل اليد عندهم مئة مرة.
المحاور: وُجِدت حالات يا دكتور -ذكرها أحد الذين درسوا لنا في الدراسات العليا- كانت تسرق من (السوبر ماركت)، تأتي دائمًا وتسرق.
الضيف: مع أنها ليست بحاجةٍ.
المحاور: هي غنيةٌ، والله مُعطيها الخير، ولكنه فعلٌ قهريٌّ؛ تجد نفسها تخرج من البيت وتذهب إلى البقالة أو (السوبر ماركت) وتسرق، ثم تعود إلى البيت.
الضيف: تعود إلى البيت.
المحاور: صورةٌ من صور العناء.
الضيف: إي نعم؛ لأن هذا الفعل القهري هو مَن يُخفف حِدَّة القلق؛ لأن القلق فيه مُعاناةٌ شديدةٌ جدًّا، وقد اتَّفقنا وقلنا في البداية: إنه قلقٌ وكربٌ نفسيٌّ شديدٌ، وقد يُصاحبه اكتئابٌ في بعض الحالات، وبالتالي عندما يكون هناك اكتئابٌ وقلقٌ زائدٌ بدرجةٍ كبيرةٍ، وكربٌ نفسيٌّ شديدٌ، ومُعاناةٌ شديدةٌ، وكأن هموم الدنيا فوق رأسه، فإذن يحتاج لبعض الطقوس لتخفيف حِدَّة هذا القلق، وهذا ما يقوم به.
المحاور: جميلٌ يا دكتور أحمد، سنستمر معك في هذا الكلام الجميل الرائع -بارك الله فيك- ولكن بعد إذنك معنا مُداخلةٌ كريمةٌ من الأستاذ الدكتور: ناصر بن يحيى الحنيني، وهو مُختصٌّ بالدراسات الشرعية تخصص عقيدة، والمشرف على مركز الفكر المعاصر.
مرحبًا دكتور: ناصر.
المتصل: أهلًا وسهلًا، حيَّاكم الله، وحيَّا الله ضيفك الكريم، والإخوة المشاهدين والمشاهدات.
المحاور: الله يحفظك، وأنت خارج المملكة ومع ذلك -جزاك الله خيرًا- تأبى إلا أن تُشاركنا، فجزاك الله عنا خيرًا.
المتصل: وإياك، بارك الله فيك.
المحاور: الله يحفظك، نظرًا لاهتمامكم ومجال تخصصكم فيما أعرفه عنكم -بارك الله فيكم- هلا حدَّثتُمونا عن عنوان هذه الحلقة: "الوسواس القهري" برؤيةٍ شرعيةٍ، بارك الله فيكم.
الوسوسة من كيد الشيطان
المتصل: بسم الله الرحمن الرحيم.
أولًا: لا شك أن أشكال وصور عداوة الشيطان للإنسان كثيرةٌ جدًّا، من ضمنها: أن يُؤذيه في بدنه، أو -وهي أضعف- كما قال عليه الصلاة والسلام: الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة، وهو جزءٌ من كيد الشيطان.
ولا يلزم من حديثي هذا عندما أقول: إنه قد يكون، بل هو قطعًا من كيد الشيطان وأذيته لبني آدم: أن يكون مَسًّا في داخل بدنه، أو سحرًا، أو حسدًا، لا.
المحاور: لا يلزم ذلك.
المتصل: لا يلزم، قد تكون أذيَّة خاصة في جسده، أو في تفكيره، أو غير ذلك؛ لأن الشيطان عدوٌّ، لا يريد لابن آدم أن يكون سويًّا حتى يُنتج ويكون صالحًا في دينه ودُنياه، فالشيطان عدوٌّ ولا يريد الخير لابن آدم، والله قال: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [آل عمران:175]، وفي الآية الأخرى قال: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ النَّجوى مثل: حديث النفس: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا [المجادلة:10]، فهو شيءٌ من الحزن، ومن الهمِّ والقلق، فهو من الحُزونة والهم والقلق الذي قد يُصيب الإنسان، وأيضًا هو من الشيطان.
والنبي عليه الصلاة والسلام اشتكى إليه الصحابة وقالوا: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: وقد وجدتُموه؟ قالوا: نعم. قال: ذاك صريح الإيمان، وأن الشيطان يأتي لابن آدم ليُوسوس له: حتى يقول للرجل: مَن خلق كذا؟ مَن خلق كذا؟ حتى يقول: مَن خلق الله؟، نعوذ بالله من كيده ووسوسته.
فالوسوسة التي قد تكون في أمر الدين: في الوضوء، في الصلاة، أو في أمر الدنيا: في أمر العلاقات الاجتماعية، في الشك في الناس، في الشك في الزوجة، في الأبناء، له صورٌ كثيرةٌ، لكن الذي يهمنا أنا أقول: بما أننا نتفق على أنه جزءٌ من كيد الشيطان وأذيَّته، أنا أدعو إخواني وأخواتي إلى أن يكونوا أكثر صِلةً بكتاب الله -جلَّ وعلا-، والشيطان إذا أكثر الإنسان من تلاوته لكتاب الله، وذكره، وشكره، والصِّلة بالله ، فهذا يُبعد عنه الشيطان، ويُخفف أثره، ويُخفف أذيَّته؛ لأنه كلما كان أكثر قراءةً للقرآن كلما كان الشيطان أبعد عنه.
كذلك يقوم بالأعمال الصالحة، وبالدعاء، وبطلب الدعاء من والديه، وأيضًا الصَّدقة، وغيرها من الأمور التي ترفع البلاء.
ولكن أنا أرى أن العلاج الأول لإضعافه -حتى لو لم يُشْفَ تمامًا- ألا يترك أذكار الصباح والمساء وعند النوم، وكذلك قراءة القرآن، وأن يختم ويُكثر من القرآن.
المحاور: دكتور ناصر، عفوًا، بالنسبة لقراءة القرآن: هل هناك أشياء مُحددة أكثر أهميةً، أو عموم تلاوة كلام الله وقراءته؟
المتصل: ورد في السنة التي وردت عن النبي : أنه رَقَى ورُقِيَ، والفاتحة، وأوصى بها النبي ، وأنها علاجٌ قويٌّ، وكذلك المُعوذات، وآية الكرسي، كلها من أنواع العلاج، وآخر البقرة.
وكذلك كان ينفُث على نفسه ، وأمر بذلك وقت النوم، كل هذه من العلاجات، والنبي أخبر أن البقرة لها ميزةٌ، وأن أخذها بركةٌ، والبركة: الخير الكثير الذي يعمُّ: وتركها حَسْرة، ولا تستطيعها البَطَلة، والبَطَلة قيل: السَّحرة. وقيل: كل مُؤذٍ.
هذا بالنسبة للرقية، ولا أريد أن أُفصل فيها، ولكنها لها صِلةٌ، فيرقي نفسه.
صاحب الوسوسة معذورٌ
الأمر المهم أيضًا الذي أريد أن أُؤكد عليه: أن الإنسان يعلم أنه معذورٌ على حسب البلاء، وهناك قاعدةٌ شرعيةٌ بالنسبة للوسواس القهري وغيره من الأمراض: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، إذا وصل الإنسان إلى مرحلة أنه يستحيل أن يقوم بالعبادة فإنها تسقط عنه.
المحاور: أنت الآن تتحدث يا دكتور ناصر حول ما يتعلق بمتى يُرفع عنه القلم؟
المتصل: نعم.
المحاور: متى يُرفع عنه التكليف؟
المتصل: التكليف منوطٌ بالاستطاعة.
المحاور: وهذه قضيةٌ مهمةٌ، نعم، جميلٌ.
المتصل: النبي عندما أخبر أنه إذا ما استطاع أن يُصلي قائمًا فليُصلِّ جالسًا، فإن لم يستطع فعلى جنبٍ، كذلك الوسواس، فنقول للذي يقول: والله أنا أتوضأ عدة مرات ولا أستطيع. فنقول: صلِّ على أي حالٍ. قال: أنا أشعر أنه يخرج مني ريحٌ، ويخرج مني بولٌ. نقول: صلِّ على حالك؛ لأن هذا لا يمكن أن يتجاوز.
وبعضهم يقول: أنا لا أستطيع أن أُصلي. نقول: تسقط عنك، إذا ما استطاع ووصل لمرحلة عدم الاستطاعة فهذا يُرفع عنه التكليف، وهنا يحكم الشخص المريض على نفسه، وهناك فرقٌ بين المشقة، وبين عدم الاستطاعة؛ فالمشقة بأن نقول له: لا يُكلفك الله أن تتوضأ ألف مرةٍ، ولا مئة مرةٍ، ولا عشر مرات. قال: توضأتُ ولكن أشعر أني قد خرج مني ريحٌ، أو أني كذا. فنقول: صلِّ على الحالة التي أنت عليها، ولا تلتفت، حتى لو قال: أنا شعرتُ بخروج البول. فنقول: صلِّ على الحالة التي أنت عليها. إذا جاء يُكبر نقول له: كبِّر، فإذا قال: أن لا أشعر بالتكبير، لا بد أن أُكبر عدة مراتٍ. نقول: كبِّر ولو تكبيرة واحدة.
المحاور: عفوًا يا دكتور ناصر، أنت كأنك ذكرتَ نقطةً أريد أن أتأكد منها، أنت تقول: لو قال: "لا أستطيع أن أُصلي" يُعذر في ذلك؟
المتصل: إذا قال: أنا وصلتُ إلى مرحلة أني لا أستطيع. ومَن حوله يرونه أشبه بالمجنون.
المحاور: لا يستطيع أن يُصلي بأي حالٍ من الأحوال.
المتصل: لا يستطيع تمامًا، هذا ذهاب العقل، يقول: ما أعقل. هناك حالة أنه لا يُصلي، لكن مع مشقةٍ، نقول له: أنت: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].
بعض المُفتين يُخطئ عندما يتصل عليه ويقول: أشعر -إذا كان هذا مريضًا- أنه خرج مني بولٌ أو ريحٌ، أو: أنا ما أدري هل كبَّرتُ أو لا؟ نقول له: صلِّ على أية حالٍ. قال: ما أدري ركعة أو عشر؟ نقول: صلِّ الذي تراه صليت، لكن لا تُعد. يقول: أُعيد؟ نقول: لا تُعد الذي أنت فيه؛ لأن هذا معذورٌ، فلا يمكن أن تقول له: أعد الصلاة، أو تأكد من الوضوء؛ لأن هذه مشكلته، فمشكلته أنه يشكُّ في الوضوء، فلا تزده بلاءً فوق بلاءٍ.
المحاور: لو أعادها سيبقى يُعيد.
المتصل: إي نعم.
المحاور: جزاكم الله خيرًا، هل بقي شيءٌ يا شيخ ناصر؟
المتصل: جزاك الله خيرًا، وشكرًا لك.
المحاور: أقول: لو بقي شيءٌ تفضل، الله يحفظك.
المتصل: لا أبدًا، ما في شيء.
المحاور: أسعدتنا وأفدتنا وأتحفتنا، بارك الله فيكم.
المتصل: وإياكم.
المحاور: ولنا لقاءٌ -بإذن الله - في لقاءاتٍ أخرى تنفعنا بها، جزاك الله خيرًا.
أشكرك وجزاك الله خيرًا على هذه المُداخلة الطيبة.
كان معنا الشيخ الدكتور: ناصر الحنيني، المشرف على مركز الفكر المعاصر، وقد تحدث حول ما يتعلق برؤيةٍ مُختصرةٍ تشخيصًا وعلاجًا فيما يرتبط بقضية الوسواس القهري من الناحية الشرعية، مع الإشارة حول التكليف وما يرتبط به، ومتى يُرفع عنه التكليف؟
هل هناك شيءٌ يا دكتور حول المُداخلة؟
الضيف: أنا أشكر سعادة الدكتور الشيخ: ناصر؛ لأنه ألقى الضوء على نقاطٍ مهمةٍ جدًّا، وخاصةً ما يتعلق بأذكار الصباح والمساء والقرآن، فلها تأثيرٌ كبيرٌ جدًّا على درجة إيمان المسلم وارتباطه ...
المحاور: أنتم يا دكتور أحمد، هل تُمارسون هذا في التوجيه والإرشاد والعلاج؟
الضيف: لا شكَّ يا دكتور، هذا شيءٌ أساسيٌّ؛ لأنه غايةٌ في الأهمية في مجتمعنا الإسلامي أن ننطلق منه، وننطلق من القرآن والسنة، وهذا الأساس.
ثم يأتي بعده كل ما يتصل بالعلم الذي يستطيع أن يخدم هذا التوجه، وبالتالي حتى الدراسات العلمية التي تحدثت عن درجة الإيمان وعلاقتها بالصحة النفسية عند البشر تقول: إن نسبة الذين يتعرضون لأي اضطرابٍ نفسيٍّ ممن عندهم درجةٌ عاليةٌ من الإيمان وعلاقتهم بالله قوية أقلّ بكثيرٍ مُقارنةً ...
المحاور: بل إن الغربيين يستخدمون العلاج بالقرآن، وهم أصلًا لا يفقهون كلام الله ، وهذا ثبت.
الضيف: بالضبط، وقد سمعنا بعض الأشخاص المُهمين جدًّا يرتاحون لسماع القرآن الكريم، دون أن يعرفوا الأسرار.
المحاور: صحيحٌ، يُحدثني شخصٌ كان في الخارج وسمع صوت قرآنٍ من بيتٍ كانوا يسمعون آياتٍ، فاستغربوا وطرقوا الباب، فقالوا: مسلمين؟ قالوا: لسنا مسلمين، لكننا نأتي بعناء من العمل ولا نجد شيئًا يُريحنا إلا هذا الصوت الجميل الرائع.
عودًا يا دكتور إلى قضية الأعراض، هل بقي شيءٌ فيما يتعلق بالأعراض؟
الضيف: إذا كنا نتكلم عن الأعراض فإضافةً إلى الأفكار التي تظهر بشكلٍ كبيرٍ جدًّا: إما تظهر نتيجة الأفعال القهرية، أو أن هناك سلوكيات التَّجنب، يعني: عندما نتكلم عن التلوث.
المحاور: يعني: لا يلزم الفعل فقط، نُجنب أيضًا؟
الضيف: نعم، تجنب الأماكن التي يمكن أن يكون فيها تلوثٌ.
أذكر حالةً من الحالات كان صاحبها يُعاني من الخوف من الإصابة بأنفلونزا الطيور على سبيل المثال، فكان يتجنب تمامًا كل الأماكن التي فيها طيور، وأن يتعامل معها، أو يذهب إليها، ويتجنب الذهاب للمحلات القريبة من الطيور وخلافه؛ خوفًا من أن يتعرض للإصابة بأنفلونزا الطيور.
وكان دائم الغسيل لليد بشكلٍ مُتكررٍ، وكان حريصًا جدًّا على أن يتجنب كل ما له علاقة بالطيور بشكلٍ أو بآخر.
فهذا هو سلوك التجنب، وهو أحد السلوكيات التي يُمارسها مَن يُعاني من الوسواس القهري، وبالتالي هو داءٌ ثلاثيٌّ، يعني: يبدأ من الأفكار الوسواسية، ثم الأفعال القهرية، ثم سلوك التجنب.
هذه أعراضٌ ظاهرةٌ وواضحةٌ للعيان، ورغم أنها تكون واضحةً للمُقربين إلا أن المريض بالوسواس قد يُخفيها لدرجة أنه قد يستطيع أن يُخفي أعراضه عن المُقربين إليه عدة سنوات، ولا يتحدث، ولا يبوح بها؛ لأنه يعتقد أن الآخرين أو المُحيطين به -حتى لو كانوا من أقرب الناس إليه- قد يرون أن هذا تفكيرٌ غير منطقيٍّ وتفكيرٌ ساذجٌ، وبالتالي لا يُحب أن يُحدِّث به الآخرين إلا عندما يشعر بمُعاناةٍ شديدةٍ جدًّا يبدأ في الحديث، ويبدأ في طلب العون والمُساعدة.
وفيما يتعلق بالأعراض نقول: الأعراض المتنوعة التي لها علاقةٌ بأنواع الوساوس المختلفة: إذا كانت وساوس نظافة، أو وساوس ترتيب، أو وساوس لها علاقةٌ بالصلاة أو الوضوء، أو وساوس تتعلق بالعدِّ.
المحاور: هذه ظاهرةٌ.
الضيف: نعم، الشخص الوسواسي يُعاني من كثيرٍ من هذه الأعراض مع بعضٍ، وتكون هذه الحالة أشد، ومَن يُعاني من عرضٍ واحدٍ من هذه الأعراض، وفي مرحلة ...
المحاور: وأيضًا مُتفاوتةٌ في العَرَض الواحد يا دكتور.
الضيف: حتى في العَرَض الواحد مُتفاوتةٌ.
المحاور: مُتفاوتةٌ، يعني: أنا أعرف مثلًا أحد الأشخاص -من باب ضرب المثال- لا يكاد يهدأ باله إذا كانت هذه الورقة ليست في وضعها المُستقيم.
الضيف: نعم، في وضعها الصحيح.
المحاور: وإذا لم تكن في وضعها الصحيح يأخذ ويُعطي، ويكون في هذه اللحظة قد خرج إلى نطاق القلق، وما تهدأ نفسه إلا كذلك، وهذا لا شكَّ أنه ليس سواء.
الضيف: بالتأكيد، ونستطيع أن نقول كما في هذه الجزئية: هناك فرقٌ بين اضطراب الوسواس القهري والشخصية الوسواسية؛ فالشخصية الوسواسية تبدأ عند الإنسان منذ الميلاد، وتتطور معه، والشخصية الوسواسية لها بعض السِّمات.
المحاور: هي أخفُّ من الوسواس القهري.
الضيف: هي نمطٌ من أنماط الشخصية العادية التي تتعايش مع الناس بشكلٍ عامٍّ، لكن له بعض الخصائص والسِّمات.
المحاور: ليس اضطرابًا.
الضيف: نعم، لكن ثبت أن حوالي 15% ممن يتَّسمون بالشخصية الوسواسية عانوا من الوسواس القهري فيما بعد.
المحاور: فيكون هناك استعدادٌ للإصابة بالوسواس القهري؟
الضيف: نعم.
المحاور: وأيضًا يا دكتور، هل الجانب المتعلق بحساسية النفس -نقول: هو حسَّاسٌ- له علاقةٌ بهذه القضية؟
الضيف: يمكن أن تكون عَرَضًا واحدًا، لكن لا أستطيع أن أقول: إن هذه الحساسية لو كانت موجودةً عند أناسٍ كثيرين يمكن أن تكون واحدةً من الأسباب، لكن إذا ترافقت مع بعض الأعراض الأخرى يمكن أن أقول هذا.
المحاور: جميلٌ، جميلٌ.
لنا -بإذن الله - تواصلٌ أكثر يا دكتور مع هذا الموضوع الشَّيق والمهم والخطير لكن بعد الفاصل.
أيها الإخوة والأخوات، فاصلٌ ونواصل -بإذن الله- فأهلًا ومرحبًا بكم.
الفاصل:
معلومةٌ طبيةٌ في دقيقةٍ
الدكتور عبدالله الملحم: الحمد لله، الكثير يسأل: هل الوسواس المذكور في قوله تعالى: مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس:4] مرض الوسواس القهري؟
في الحقيقة هناك تشابه أسماء، وليس هناك علاقةٌ بين مرض الوسواس القهري والمرض النفسي الذي سببه الرئيس سببٌ وراثيٌّ، وسببٌ جينيٌّ، وخللٌ في الناقلة العصبية (السيترونين)، ويحتاج إلى دواءٍ وعلاجاتٍ نفسيةٍ حتى يُعالج.
أما وساوس الشيطان فهي عبارةٌ عن أفكارٍ يُلقيها الشيطان في نفس الإنسان، وتذهب بالمعوذات، وبالفاتحة، وغيرها من الأذكار الشرعية.
فهناك فرقٌ، والوسواس القهري له أعراضٌ معروفةٌ تحتاج إلى الدواء والعلاج النفسي، فإذا كانت عندك أي وساوس فلا تتردد أن تذهب إلى الطبيب النفسي، وبإذن الله ليس هناك تضادٌّ، فعليك أن تذهب إلى العلاج النفسي، وفي نفس الوقت ترقي نفسك بالأذكار الشرعية، فلا تعارض بينهما.
الدكتور خالد: مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات، وعودًا إلى موضوعنا الحسَّاس وهو: الوسواس القهري، ومع أستاذنا الدكتور أحمد بن صابر الشركسي.
حيَّاكم الله يا دكتور.
الضيف: أهلًا ومرحبًا بكم.
المحاور: الدكتور عبدالله الملحم صاحب المقطع استشاري طب نفسي -أنعم وأكرم به من أستاذٍ ودكتورٍ مُباركٍ- وقد ختم الفاصل بكلمةٍ مهمةٍ جدًّا: لا تعارض بين جانب الرقية وجانب العلاج الطبي، وهو كذلك يا دكتور أحمد؟
الضيف: نعم، وهو كذلك.
المحاور: قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
الضيف: بالتأكيد، يعني: اتَّفقنا أننا نعيش في مجتمعٍ إسلاميٍّ، أساسنا القرآن والسنة النبوية، وهو انطلاقنا الحقيقي، وأي علمٍ يتعارض مع القرآن والسنة يُعتبر إشكالًا، لكن لا تعارض أبدًا بين أن تكون هناك نظرياتٌ أو أشكال علاجٍ مختلفة إلى جانب القرآن الكريم والرقية الشرعية، فلا تعارضَ.
المحاور: جميلٌ، قبل أن ندخل إلى الأسباب يا دكتور، معنا الأخ محمد من مصر.
مرحبًا أخ محمد.
العلاج الدوائي وحده لا يكفي مع الوسواس القهري
المتصل: السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: معك محمدٌ من مصر، كنتُ أريد أن أُكلم الدكتور عن مشكلةٍ حصلت لي عن الوسواس القهري.
المحاور: تفضل، لكن بسرعةٍ.
المتصل: أنا لي أكثر من عشر سنوات أُعاني من الوسواس القهري، فأتعبني وأثَّر عليَّ، وفي نفس الوقت أيضًا له فترةٌ يأتيني بشكلٍ قويٍّ، فيأتي لي بأفكارٍ متكررةٍ كل مرةٍ، وهناك أفكارٌ كانت تأتي لي كذا، وفي نفس الوقت أتخيل أني لو لم أعمل طقوسًا مُعينةً فإن الحاجات والأفكار التي تأتي لي تحصل فعلًا.
الضيف: هل سبق أن راجعتَ طبيبًا؟
المتصل: لو يُفيدني أحدٌ في هذا الموضوع.
الضيف: هل سبق أن راجعتَ طبيبًا خلال العشر سنوات التي تتكلم عنها يا أستاذ محمد؟
المحاور: واضحٌ سؤال الدكتور يا أستاذ محمد؟ هل ذهبتَ إلى دكتورٍ أو إلى مُختصٍّ؟
المتصل: لأكثر من دكتورٍ.
المحاور: نعم؟
المتصل: ذهبتُ لأكثر من دكتورٍ.
المحاور: هل أعطوك علاجًا؟ هل استخدمتَ العلاج الدوائي عن طريق الطب النفسي أو شيءٍ آخر؟
معنا أخ محمد؟
المتصل: أدوية.
المحاور: أدوية، وما نفعتْ أو كيف؟
الضيف: أدوية فقط يا أستاذ محمد؟ لم تتلقَّ علاجاتٍ أخرى: علاج معرفي سلوكي؟
المتصل: نعم، أعطوني أدويةً فقط.
الضيف: أدوية فقط، طيب يا أستاذ محمد.
المحاور: طيب، تسمع -إن شاء الله- التوجيه من الدكتور.
شكرًا لك يا أخ محمد، وأسأل الله أن يُعافيك ويشفيك وجميع مرضى المسلمين.
نحتاج أن نُجيب على الأستاذ محمد -الله يحفظك- تفضل.
الضيف: العلاج الدوائي له درجةٌ من الفاعلية، لكن حتى الدراسات العلمية تؤكد على أنه وحده لا يكفي، يمكن مع بعض الحالات يأتي بنتيجةٍ طيبةٍ، لكن مع هذه الفترة التي فيها امتدادٌ وفيها تاريخٌ مرضيٌّ لمدة عشر سنوات يحتاج المريض أن يأخذ معه علاجًا معرفيًّا سلوكيًّا، وهذا سيُحسِّن من حالته جدًّا.
المحاور: وهذا مهمٌّ جدًّا.
الضيف: مهمٌّ جدًّا في حالته، طالما أن عنده رغبةً شديدةً في أن يتخلص من هذا الاضطراب وهذه المُعاناة، وبالتالي لا بد أن يُراجع أحد المُعالجين النفسيين إلى جانب الطبيب النفسي، الاثنان يسيرا جنبًا إلى جنبٍ، ولا حرج في قراءة القرآن، لكن مبدئيًّا العلاج الدوائي مع العلاج المعرفي السلوكي تكون فيهما درجةٌ عاليةٌ جدًّا من الفاعلية.
وفي الوقت الحالي نسب الشفاء من هذا المرض ...، وهذا كان الاعتقاد القديم: أن مرض الوسواس القهري صعبٌ جدًّا شفاؤه، وأن فيه مُعاناةً شديدةً جدًّا.
المحاور: إذن نحتاج إضافةً إلى الدواء نحتاج علاجًا معرفيًّا سلوكيًّا، مع الاهتمام بالرقية الشرعية والقراءة.
ونحن نُوجه هنا دعوةً للأطباء النفسيين إلى العناية بالجانب المعرفي السلوكي بجانب الدواء في مثل هذه الحالات؛ لأنه قضيةٌ مهمةٌ؛ ولأن المجال المعرفي والسلوكي سيكون مُساندًا للشخص نفسه، يعني: هو تفعيل ما يرتبط بقضية الإنسان وإرادته الذاتية، وما يرتبط بقضية تفعيل الجانب المُرتبط بقضية القناعات، والمُرتبط بقضية الإرادة، وما شابه ذلك.
طيب، عندنا مُداخلتان، نبدأ بمَن؟
الأخ إبراهيم من تشاد.
حيَّاك الله يا أخ إبراهيم، لو تُكلمنا من الهاتف.
المتصل: يا دكتور، السلام عليكم.
المحاور: تفضل يا أخ إبراهيم، حيَّاك الله أخي، تفضل، مرحبًا، لو تُخفض صوت (التلفاز) وتُكلمنا من الهاتف.
المتصل: هل يمكن أن أتكلم مع الدكتور؟
المحاور: الدكتور أحمد معك، تفضل.
المتصل: أنا عندي قلقٌ من سنتين.
المحاور: طيب.
المتصل: وتأتيني شكوكٌ كذلك، وأحسّ أن نفسي ليست موجودةً، أمشي في الأرض وكأن نفسي مثل حاجز الإسمنت في الشوارع.
المحاور: شكوكٌ في ماذا؟
المتصل: شكوكٌ في شخصيتي، شخصيتي ليست مُكتملةً عندي، عندما يخطر عندي الوسواس انتهى الأمر، يُعيد الشعور وأُحسّ بالغلط.
المحاور: الوسواس الذي عندك عن ماذا؟ وفي ماذا؟
المتصل: وسواسٌ عندي في شخصيتي.
الضيف: في الشخصية.
المحاور: في شخصيتك، تفضل يا دكتور.
الضيف: انقطع؟
المحاور: نعم انقطع، طيب، لو هناك تعليق سريع يا دكتور.
الضيف: الفكرة ليست واضحةً، كنا نحتاج أن نستوضح منه بعض الأمور.
المحاور: طيب، عفوًا يا دكتور، نأخذ أنسًا من المغرب، فهو ينتظر منذ فترةٍ.
تفضل أخي أنس، حيَّاك الله.
المتصل: بارك الله فيك.
المحاور: مرحبًا أخي أنس، حيَّاك الله.
المتصل: سمعتَ السؤال؟
المحاور: كيف الصوت؟ تفضل.
المتصل: العلاج النفسي، الدواء هل له أضرار؟
المحاور: أضرار؟
الضيف: جميلٌ.
المحاور: شكرًا لك يا أخ أنس، وإن شاء الله تسمع من الدكتور أحمد.
المتصل: بارك الله فيك.
المحاور: الدكتور أحمد يجمع بين الإرشاد والعلاج النفسي -بارك الله فيه-، له جانبٌ (إكلينيكي)، نسأل الله أن ينفع به.
تفضل يا دكتور أحمد.
الضيف: الله يُبارك فيك يا دكتور.
لا بد من مُراجعة الطبيب النفسي
الحالة الأولى.
المحاور: إبراهيم.
الضيف: إبراهيم من تشاد، الحقيقة كان من المُفترض أن نستوضح منه بعض الأمور، وخاصةً أنه تكلم عن قلقٍ، وكنا نحتاج أن نعرف: هل تمَّ تشخيصه بالفعل بالوسواس القهري أو لا؟ لأن هناك بعض الأعراض المُتشابهة بين القلق والوسواس القهري، وبعض الأمراض الأخرى والوسواس القهري، وبالتالي هنا ما يُسمَّى بتشخيص الفرق.
المحاور: يكون القلق نتيجةً لوسواسٍ، ليس قلقًا أساسيًّا؟
الضيف: نعم، أو يمكن أن يكون القلق فقط، وليس له علاقةٌ بالوسواس، وبالتالي الأخ إبراهيم هنا يحتاج أن يُراجع طبيبًا حتى نقف على التشخيص الصحيح، ثم إذا كان يحتاج أن يتلقى العلاج الدوائي إلى جانب العلاج المعرفي السلوكي، وبإذن الله وضعه يتحسن كثيرًا.
المحاور: يعني: هناك دعوةٌ يا دكتور لقضية أهمية قيام الناس بالمُراجعة.
الضيف: المراجعة.
المحاور: المُراجعة، كما أشار إليها الدكتور عبدالله الملحم -استشاري الطب النفسي- أيضًا في الفاصل، وهو تحرجهم من ذهابهم وتأخرهم، أيش تعليقك على هذه القضية يا دكتور؟
الضيف: لأن الأفكار التي يعتقد أنه سوف يبوح بها للآخرين هو يعتقد أنه غير مُقتنعٍ بها، وبالتالي كيف يُقنع بها الآخرين؟ هذا تفكيره، فهو يدور حول هذه الفكرة، ويقلق، ويُفضِّل أن يكتفي بها بينه وبين نفسه إلى أن يجد أنه في مُعاناةٍ شديدةٍ جدًّا لا يستطيع أن يستمر فيها.
المحاور: فليس له إلا الذهاب.
الضيف: بالضبط.
المحاور: إذن هذه القضية ربما تكون جزءًا من المشكلة.
الضيف: جزءٌ من المشكلة بالتأكيد.
المحاور: غير قضية الثقافة التي هي مُرتبطةٌ مثلًا بـ: أنت مريضٌ نفسيٌّ، وإذا ذهبتَ إلى طبيبٍ تفضح نفسك ... إلى آخره.
الضيف: طبعًا هذا جزءٌ.
المحاور: هذا جزءٌ من القضية.
الضيف: هذا جزءٌ في مجتمعاتنا العربية، لكنه لم يعد الجزء الكبير، خاصةً أن هناك تطورًا واهتمامًا فيما يتعلق بهذا الجانب، وصار هناك مُستوى من الوعي فيما يتعلق بمثل هذه الأمور، لكن القضية المُرتبطة بالشخص نفسه في هذه الفكرة: أن الفكرة غير منطقية فكيف يبوح بها؟ وغير ذلك.
المحاور: جميلٌ، أنس من المغرب.
الضيف: بالنسبة لأنس فيما يتعلق بالدواء: العلاج الدوائي طالما أنه تحت إشرافٍ طبيٍّ ...، كان يُعتقد قديمًا ويُوجد في الكتب بعض المخاوف من أنه يمكن أن يُؤدي إلى إدمانٍ أو شيءٍ من هذا القبيل، لكن هذا كلامٌ عارٍ تمامًا من الصحة.
فطالما أنه تحت إشرافٍ طبيٍّ لا خوفَ أبدًا من تأثير الدواء، فيمكن أن يُجرب الطبيب نوعًا من أنواع الدواء لفترةٍ، مثلًا: من خمس إلى ثماني أسابيع، ومن ثَمَّ يجد التأثير خفيفًا فيُغير نوع الدواء، ويمكن أن يُغير الجرعة حسب نسبة التَّحسن، وحسب ما يرى الطبيب، لكن أبدًا لا توجد أي مشكلةٍ ولا أي مخاوف تتعلق بالتأثير الدوائي على المريض.
المحاور: إذن التأكيد هنا على أهمية مُراجعة الطبيب الحاذق.
الضيف: بالتأكيد.
المحاور: يعني: الناس ليسوا سواء، بغض النظر عن التَّخصصات، لكن كما أن هناك معلمًا ناجحًا، ومعلمًا غير ناجحٍ.
الضيف: هناك أيضًا طبيبٌ ناجحٌ، وطبيبٌ يُخطئ في التشخيص، وهو نصف العلاج.
المحاور: دكتورنا الكريم، لم يبقَ معنا إلا دقائق معدودة حقيقةً، ولا زلنا في الأسباب إلى الآن.
وقد نحتاج إلى لقاءٍ في الأسبوع القادم يا دكتور أحمد إذا كان يُناسبكم، وتكون هذه هديةً منكم لقناة "زاد" وللجمهور، فهل يُناسبكم بإذن الله؟
الضيف: إن شاء الله.
المحاور: شكرًا لك يا دكتور أحمد على هذا التجاوب حتى نأخذ راحتنا؛ لأنا لم ندخل إلى الآن في قضية العلاج وما يرتبط بالإرشاد ... إلى آخره.
أخونا أحمد من السودان.
مرحبًا بك يا أخ أحمد.
المتصل: السلام عليكم.
المحاور: مرحبًا بـ(الزُّول)، حيَّاك الله، تفضل يا شيخ.
المتصل: الله يُكرمك.
المحاور: اخفض صوت (التلفاز) واسمع من الجوال يا شيخ أحمد.
المتصل: طيب، السلام عليكم.
المحاور: تفضل، هاتِ سُؤالك.
المتصل: الوسواس يجعلني أمشي في حاجاتٍ تافهةٍ، وحاجاتٍ ما هي بنافعةٍ، وكل مرةٍ أدعو الله ، كل مرةٍ يقول لي: اعمل كذا، وافعل كذا. وصِرتُ تابعًا لهواه، يُوسوس لي في أي حاجةٍ، فكيف التعامل معه؟
الضيف: أنت تستجيب يا أحمد للوساوس بمجموعةٍ من الأفعال القهرية، وتُمارس بعض الطقوس؟
المحاور: أنت تستجيب لها؟
المتصل: نعم، يجعلني أمشي في حاجاتٍ تافهةٍ كل مرةٍ.
المحاور: تسمع التوجيه من الدكتور أحمد، هل هناك شيءٌ يا دكتور أحمد؟
الضيف: جميلٌ، لا.
المحاور: شكرًا يا شيخ أحمد، ونسأل الله أن يُعافي الجميع ويشفيهم.
الضيف: طبعًا ما عرفنا المدة التي قضاها أحمد في المُعاناة؛ لأن لها مُؤشرًا، واتَّفقنا أن الأمور التافهة التي تكلم عنها أحمد تقوده الأفكارُ لها.
المحاور: يعني: مثل ماذا الأفكار التافهة يا دكتور؟
الضيف: مثل: أن يمشي في الشارع يجمع الحصى الصغير؛ ظنًّا منه أنها يمكن أن تُؤذي الآخرين، هذا يمكن أن يكون.
المحاور: وهو مُسيطرٌ عليه في هذه القضية، يمكن أن تكون وظيفةً يوميةً؟
الضيف: بالتأكيد، ومُعاناةٌ شديدةٌ جدًّا، ويمرُّ، ويمكن أن يرجع من أول الطريق الذي مشى فيه؛ لأنه ظنَّ أنه ترك حصاةً أو اثنتين أو ثلاثة.
المحاور: الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به، وفضَّلنا على كثيرٍ من خلقه، هل هناك توجيهٌ آخر للأخ محمد؟
الضيف: أنا أقول: فكرة الوسواس بشكلٍ كاملٍ تحتاج إلى تشخيصٍ أدقّ، وتحتاج إلى معلوماتٍ أكثر، ولا يتسع الوقت، والفترة الزمنية شيءٌ مهمٌّ جدًّا فيما يتعلق بهذا الأمر.
المحاور: والتأكيد على قضية مُراجعة المُختص، فهذه قضيةٌ مهمةٌ أيضًا.
الضيف: بالتأكيد.
المحاور: في نهاية هذه الحلقة أيضًا، وقد أعطانا الدكتور أحمد -جزاه الله خيرًا- من كرمه لقاءً آخر في الأسبوع القادم في هذا الموضوع المهم.
الوسواس القهري قد يصل إلى درجة المرض العقلي
معنا في نهاية هذه الحلقة فضيلة الشيخ: محمد المنجد.
المحاور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخ محمد.
المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وحيَّاكم الله، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص، وأن يتقبَّل منا.
المحاور: جزاك الله خيرًا، آمين، سعداء جدًّا جدًّا بمُشاركتك معنا في هذه الحلقة حول الوسواس القهري، وهذا الموضوع المهم، وأنتم لكم في ذلك دروس ومُحاضرات في هذا الجانب خاصةً وما يتعلق به، فتفضلوا بما فتح الله به عليكم.
المتصل: موضوع الوسواس القهري، موضوع الوسوسة، والوسواس: هو حديث النفس، والوسواس: هو الشيطان الرجيم الذي يُوسوس في صدور الناس.
الوسواس: ما يقع في النفس مما ينشأ من المُبالغة في الاحتياط والتورع أحيانًا، فيفعل الشيء، ثم تغلب نفسه فيعتقد أنه لم يفعله بوسوسة الشيطان، فيُعيده مرارًا وتكرارًا، وقد يصل إلى حدِّ أن يكون مغلوبًا على عقله ولا يشعر بما يفعل.
الوسواس القهري أو اضطراب الوسواس القهري نوعٌ من الاضطرابات المُرتبطة بالقلق، ويتميز بأفكارٍ وخواطر سيئةٍ تتوالى وتتكرر على ذهن الإنسان رَغْمًا عنه من وسوسة الشيطان، ومخاوف تُؤدي إلى تصرفاتٍ قهريةٍ لا سببَ صحيحًا لها، ولكن صاحبها لا يستطيع إزالتها ولا الانفكاك عنها إلا أن يشاء الله.
ويتسبب هذا في مُعاناةٍ كبيرةٍ وحرجٍ عظيمٍ، والشيطان يريد من وراء ذلك تكريه الناس في العبادة.
فبعضهم مثلًا يزيد عن ثلاث مراتٍ في غسل أعضاء الوضوء إلى عشرين مرة أو أكثر، وإضاعة الوقت، وإضاعة الماء، وتعذيب النفس، ويَتَنَطَّع بعضهم في إدخال الماء في قاع عينيه.
وبعضهم يقول: الوضوء عندي يستغرق ساعةً أو ساعتين!
وبعضهم يقول: يخرج الوقتُ وتفوت صلاة الجماعة!
وبعضهم أدَّى به إلى ترك الصلاة بالكلية، انقطع، ما عاد يتحمل!
ويُوقع الإنسان نفسه في آصارٍ وأغلالٍ نتيجة استجابته للشيطان في الوسواس، وأحيانًا يأتي بتصرفاتٍ مُضحكةٍ، يعني: في قضية مسك مقابض الأبواب، ومسك النقود، ومُصافحة الناس، وتورعات فاسدة.
وبعض النساء تترك غسل الأطباق في رمضان خشية أن يدخل الماء المُتطاير إلى حلقها فتُفطر!
وبعضهم في الصيام يُبالغ في البصق بعد الوضوء والمضمضة والاستنشاق حتى يكاد يجفّ حلقه.
وبعضهم يشكُّ مرارًا أنه طلَّق زوجته.
وبعضهم يُعيد تكبيرة الإحرام عشرات المرَّات.
وبعضهم يصير في التأتأة: تتتتت التحيات! ككككك أكبر! وسسس السلام! وهكذا عذابٌ تلو عذابٍ.
ومنهم مَن إذا قضى حاجته شدد على نفسه، وأتى بتصرفاتٍ ما شُرِعت في دين الله، فيقوم ويقعد، ويمشي ويقفز، ويتنحنح، وينزل درجات السلم، ويفعل، ويحتشي، ويُعذب نفسه، ويُؤدي به إلى أن يُصاب أحيانًا بالسلس، ويُصاب بالتهاباتٍ نتيجة هذه التَّصرفات.
ومَن سمع قصص أصحاب الوسواس القهري يُصاب بالعجب العُجاب على تَنَطُّعٍ، وعلى استجابةٍ للشيطان، وعلى جهلٍ بالعلم بالأحكام الشرعية.
ولذلك يصل الوسواس القهري لدرجة أن يكون مرضًا عقليًّا وقوعًا في وسوسة الشيطان؛ ليُوقعهم في الحرج، ويُحزنهم، ويُشدد عليهم ويُضيق، وهذا نوعٌ من الغِواية: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:82]، لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ [الأعراف:16]، يعني: يحول بينهم وبين العبادات، ولذلك قال الله: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [فاطر:6].
علاج الوسواس القهري
والاستعاذة بالله من الشيطان باستمرارٍ من أنفع العلاجات، والعلاج منه شرعيٌّ:
أولًا: الاعتصام بذكر الله، والاستعانة بالله على دفع الوسواس، والتضرع إلى الله، وسؤال الله العافية، والمُحافظة على أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، والمُعوذات، وآية الكرسي، والرقية الشرعية، والمُداومة على تلاوة القرآن، والاستعاذة من الشيطان.
ثانيًا: الإعراض التام عن مُقتضى الوسواس، وعدم الالتفات إليه، فمهما حاول الشيطان أن يقول لك: ما كبَّرتَ للإحرام، ما سلَّمتَ بطريقةٍ صحيحةٍ، أنت طلَّقتَ زوجتك، الفاتحة ما قرأتها، ما انتهى غسل النَّجاسة، أعد، يُعيد ويزيد! الوضوء: ما وصل الماء إلى كل العضو، طيب، انتهى، غسلتُ ثلاث مرات، ماذا تريد أكثر من ذلك؟! فمَن زاد عن الثلاث في الوضوء جاء في الحديث: فقد أساء وتعدَّى وظلم، فهل يريد المسلم الإساءة والتعدي والظلم؟
يتوضأ ويغسل يده ثلاث مرات، ثم يُوسوس له الشيطان: ما غسلتها. لا تلتفت، يَشرع في الصلاة يقول: خرج منك ريحٌ. طيب، أنت الآن لا سمعتَ صوتًا، ولا وجدتَ ريحًا، لماذا تقطع الصلاة؟!
يقول: شعرتُ بصوتٍ خفيٍّ في بطني. يا أخي، ليس له حكمٌ حتى يخرج، يعني: هذه الأصوات التي في البطن لا يترتب عليها حكمٌ: لا فساد الطهارة، ولا شيء، هذه داخليةٌ.
النجاسة في جوفك في الداخل لها حكمٌ؟
ما لها حكمٌ حتى تخرج، وإلا فالأمعاء والمثانة فيها بولٌ، وفيها من الغائط موجودٌ، لكن ليس له حكمٌ، هناك نجاسةٌ في الداخل، لكن ليس لها حكمٌ حتى تخرج.
فحركة البطن، وسمعت حركةً في البطن، طيب، هناك غازات تنتقل، وهناك اضطرابات تحدث، ولها صوتٌ، لكن ما خرج شيءٌ من الدبر، ما خرج ريحٌ، ما خرج بولٌ ولا غائط، فالطهارة باقيةٌ على حالها.
وكذلك ما يُوسوس به الشيطان: ما غسلتَ رأسك. لا تلتفت، (المروز) شغَّال فوق رأسك، والماء ينهمر، فهل بعد ذلك يشك الواحد أن رأسه انغسل أو لا؟!
وكذلك بعض الناس يتوهم فيقول: لعله تطاير شيءٌ، لعل الكرسي كذا، لعل الشَّفاط، لعل كذا! كلها لعل، ولا يوجد يقينٌ، فلا تلتفت إلى لعل.
والنبي عليه الصلاة والسلام قال في شأن الوسوسة: فليستعذ بالله ولينتهِ عن التفكير في هذا، ينتهي عن مُتابعة الشيطان فيه، ينتهي عن الاستمرار في هذا الأمر.
وهناك صحابي جاء للنبي وقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يَلْبِسها عليَّ. فقال رسول الله : ذاك شيطانٌ يُقال له: خِنْزِب، فإذا أحسستَ فتعوذ بالله منه، واتْفُلْ على يسارك ثلاثًا، قال: ففعلتُ ذلك فأذهبه الله عني. رواه مسلمٌ.
فانظر كيد الشيطان! لدرجة أن هناك شياطين مُتخصصة في أعمالٍ معينةٍ فيها الكيد لبني آدم: خِنْزِب هذا: ذاك شيطانٌ يُقال له: خِنْزِب، هذا في الوسوسة في الصلاة.
إذن لا استرسال مع الوسوسة، ولا طاعة للأفكار الشيطانية: لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [النور:21]، لا تُطعه، والإعراض عن ذلك جملةً وتفصيلًا، فأعرض عن ذلك.
ومُراجعة الطبيب المسلم الثقة مفيدةٌ ومهمةٌ.
نسأل الله أن يشفي مَن ابتُلي، وأن يُعافي مرضى المسلمين، وصلى الله على محمدٍ.
المحاور: اللهم صلِّ وسلم عليه.
شكرًا شيخ محمد، وجزاكم الله عنا خيرًا على هذه المُداخلة الرائعة الجميلة، أسأل الله أن يُبارك فيك.
كان معنا فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد -المشرف على مجموعة "زاد"- في هذه المُداخلة.
تعليقكم يا دكتور أحمد.
المُوسوس يسعى للكمال
الضيف: فضيلة الشيخ أفاض من علمه في الصميم، وتكلم فضيلة الشيخ فيما يتعلق بالكمالية، فالمُوسوس يرغب في الوصول إلى الكمال في كل شيءٍ.
المحاور: مِثالِي.
الضيف: نعم، إما أن يكون الشيء صحيحًا 100% أو لا يكون، وأن هناك مُعاناةً شديدةً، أو مُشكلات قد تحدث نتيجة أنه قد لا يصل إلى 100%، وبالتالي الوصول إلى الكمالية هي أحد الأعراض الأساسية للوسواس القهري.
المحاور: والشيخ ذكر قضيةً مهمةً جدًّا، وهي ما يتعلق بقول النبي -وهو حديثٌ بالنسبة إليَّ في جانب الإرشاد أستخدمه كثيرًا، وأرى أنه مهمٌّ جدًّا لنا كأشخاصٍ فيما نتعامل به مع أنفسنا ومع غيرنا-: فليستعذ بالله ولينتهِ، فالاستعاذة بالله قطع دابر الشيطان، ثم الانتهاء وعدم الاسترسال.
وابن القيم يا دكتور أحمد -وأنت أعرف بذلك، ولكننا نُفيد الجمهور- عندما تحدث عن الخواطر ذكر أنه كلما استرسل بها انتقلت إلى أفكارٍ، فقال -رحمه الله-: "فدافع الفكرة، فإن لم تفعل صارت شهوةً، فحاربها، فإن لم تفعل صارت عزيمةً وهمَّةً، فإن لم تُدافعها صارت فعلًا، فإن لم تتداركه بضده صار عادةً، فيصعب عليك الانتقال عنها"، فلا إشكالَ إذا كانت هذه الأمور مُتَّجهةً إيجابيًّا، يعني: الخواطر إيجابية، فتصير العادات إيجابية.
المشكلة عندما تكون وسوسةً سلبيةً؛ لذلك فدفع الخواطر أهون من دفع الأفكار، ودفع الأفكار أهون من دفع الإرادات، ودفع الإرادات أهون من دفع الأعمال، ودفع الأعمال أهون من دفع العادات، فالذي تمكن منه الوسواس القهري أصبح في وضعٍ لا نقول: مستحيل، لكنه صعبٌ وشاقٌّ عليه، كان بإمكانه أن يتعوذ بالله ابتداءً، ويُجاهد نفسه على هذه القضية؛ ولذلك فإن قابلية استقبال الوسواس قضيةٌ خطيرةٌ جدًّا.
ولذلك هناك قاعدةٌ شرعيةٌ أنا دائمًا أذكرها، وكنتُ أسمعها من الفقيه المشهور الشيخ: محمد بن صالح ابن عثيمين وهو يتحدث عن قضايا الشك في العبادات، فكان يقول قاعدةً جميلةً جدًّا مُصاغة ببيت شعر:
والشك بعد الفعل لا يُؤثر | وهكذا إذ الشكوك تكثر |
يقول: لا قيمةَ للشك في العبادات بعد الفعل، فإذا أنت أنجزتَ المهمة انتهى.
الضيف: اليقين.
المحاور: أحسنت، اليقين تمَّ، فلماذا تأتي بشكٍّ فيُلغي اليقين؟ لا، اليقين لا يُلغى بالشك.
الضيف: اليقين لا يُلغى بالشك.
المحاور: بالضبط، اليقين لا يلغيه شكٌّ.
الضيف: اليقين لا يُلغى بالشك.
المحاور: قال: "وهكذا إذ الشكوك تكثر"، لماذا؟
لأنه يكون في محلٍّ شخصٌ يقبل بالشكوك الكثيرة؛ لذلك لا اعتبارَ مع كثرة الشكوك بالنسبة للإنسان، ولا اعتبارَ مع الشك بعد أن ينتهي من العمل، فيُرح نفسه بمثل هذا.
الضيف: ولذلك يا دكتور خالد هنا نصيحةٌ أُوجهها للناس بشكلٍ عامٍّ: فكرة التدخل المُبكر، وأبدًا لا تتردد في أن تذهب للطبيب بشكلٍ مُباشرٍ إذا أحسستَ ببداية هذه الأعراض، لا تنتظر سنوات أو شهورًا؛ لأن حجم المُعاناة سيزيد، وبالتالي ستأخذ وقتًا أطول في العلاج، ويكون عبئًا نفسيًّا أكبر على مَن يُعاني من هذا الأمر، وبالتالي لا بد، وأعتقد أن الأسرة لها دورٌ كبيرٌ جدًّا، ويمكن أن تُتاح لنا الفرصة لنتكلم عنها في الحلقة القادمة.
المحاور: بإذن الله ، والشيخ أشار إلى قضية الدعاء والرقية، وأشار إلى الإعراض، وأشار إلى مُراجعة الطبيب.
يا دكتور، إذا كان يمكن أن نختم بما لديك في هذه النقطة، ونُؤجل ما بقي للقاء القادم فيما يتعلق بالأسباب.
الضيف: جزءٌ من الأسباب مرجعه -حسب الدراسات العلمية- لجوانب وأمورٍ طبيةٍ تتعلق بالنَّواقل العصبية، مثل: العوامل التي يُسمونها: العوامل الحيوية (السيترونين) وهو أحد النَّواقل العصبية في الدماغ.
المحاور: ولذلك لا بد من الكشف العضوي؟
الضيف: نعم، بالتأكيد الكشف العضوي، والأشعة، وإجراء بعض الفحوصات الطبية أمرٌ غاية في الأهمية؛ لأن هذا الأمر يُساعد في تحديد سبب التَّشخيص.
المحاور: وهذا السبب في أنه يُصنَّف على أنه اضطرابٌ عصبيٌّ؟
الضيف: نعم، اضطرابٌ، طبعًا هو في دليل تصنيف الأمراض النفسية والعقلية يُصنَّف على أنه اضطرابٌ وليس مرضًا، ولكن الدَّارج عند الأطباء النفسيين استخدام مصطلح: مرض الوسواس القهري، وفي دليل التَّصنيف: اضطرابٌ.
لكن بشكلٍ عامٍّ النَّواقل العصبية -وخاصةً (السيرتونين)- عندما تقلّ هنا العلاج بزيادة (السيرتونين) في الدماغ يحلّ كثيرًا من المشاكل التي تكون عند مَن يُعاني من الوسواس القهري، خاصةً إذا ثبت أن المشكلة مُتركزة في هذه النقطة بالتحديد، وبالتالي فالعلاج الدوائي مفيدٌ جدًّا في هذا الأمر، إضافةً للعلاجات الأخرى، لكن العلاج الدوائي هنا يأتي في المقدمة؛ لأنه يُزود المريض بـ(السيرتونين) الذي هو عنده نقصٌ فيه.
المحاور: في أي المجالات والأقسام الطبية والعضوية هذا الموضوع يا دكتور؟ الأعصاب؟
الضيف: الطب النفسي عمومًا.
المحاور: الطب النفسي هو الذي يُوجه.
الضيف: نعم، بالتأكيد.
المحاور: يعني: يبدأ به؟
الضيف: يبدأ به بالتأكيد؛ لأنه هو الذي يطلب هذه الفحوصات ليتأكد من أنه إذا كان في أشعة الرنين ثبت أن هناك مشكلةً في النَّواقل العصبية، وخاصةً ما يتعلق بـ(السيرتونين).
وهناك أيضًا ما يتعلق بدراسات تصوير الدماغ -المخ-، وهناك أمورٌ كثيرةٌ سنتحدث عنها في هذا السياق؛ لأنه يمكن أن تكون هناك زيادةٌ في تدفق الدم في المنطقة الأمامية في الدماغ، وهذه تكون واحدةً من الأسباب إلى جانب موضوع (السيرتونين) أيضًا؛ إما أن يكون هذا، وإما أن يكون هذا، وهذه بعض الأسباب وليست كل الأسباب.
المحاور: وهذه يُمارسها الأطباء النفسيين؟
الضيف: نعم، يُمارسونها.
المحاور: يعني: كجانب التأكد من التشخيص؟
الضيف: نعم، أكيد؛ لأن جزءًا كبيرًا جدًّا من العلاج يأتي من التشخيص الدَّقيق والصحيح.
المحاور: بلا شكٍّ.
الله يُعطيك العافية يا دكتور أحمد، في الحقيقة نحن سعداء جدًّا جدًّا بهذه الحلقة، وأسعد بأنك أعطيتنا حلقةً قادمةً، خاصةً أننا نعتذر جدًّا جدًّا جدًّا، فقد أبلغنا الإخوة في (الكنترول) أن الاتصالات كثيرةٌ، ولكن بسبب المُداخلات في الحلقة -خاصةً المُداخلة الأخيرة- لم نتمكن من الإجابة، لكن نعدكم -بإذن الله- أن نُجيب عن مُداخلاتكم، وأن نستقبلها في الحلقة القادمة الاستثنائية أيضًا؛ لاستكمال الموضوع: الوسواس القهري.
آخر ما لديك يا دكتور في هذا الجزء الأول من "الوسواس القهري" نختم به معك يا دكتور أحمد.
الضيف: حفظك الله يا دكتور، ناقوس خطرٍ يدقّ؛ لأننا في عصرٍ يُسمَّى: عصر القلق، والضغوط كثيرةٌ.
المحاور: وهو مرض العصر.
الضيف: نعم، هو مرض العصر، والضغوط كثيرةٌ، والمُعاناة كثيرةٌ، لا تترك نفسك لأن تُكبل بالأغلال ومزيدٍ من الضغوط التي تثقل عليك، تُثقل كاهلك، وبالتالي تستطيع أن تتحرك من كاهل هذه الضغوط، فلا بد كما بدأنا الحلقة بالتفاؤل، لا بد أن نكون حريصين على أن يكون هناك جهازٌ نفسيٌّ قويٌّ بالإيمان، وبقراءة القرآن، وبالذكر، وبالأذكار؛ لأن هذه تُعطي حصنًا كبيرًا للمسلم.
المحاور: بارك الله فيكم، خاتمةٌ مُباركةٌ وطيبةٌ، شكرًا لك يا دكتور أحمد، شكرًا جزيلًا، وقد استفدنا منك، بارك الله فيك، وأسأل الله أن ينفع بك.
أيها الإخوة والأخوات، كان معنا الدكتور أحمد صابر الشركسي، أستاذ الإرشاد والعلاج النفسي المُشارك بجامعة الدمام، أشكركم شكرًا جزيلًا.
وهذه هي الحلقة الأولى أو الجزء الأول من حلقة "الوسواس القهري"، نُشارككم الأسبوع القادم -بإذن الله- في أخذ الحلقة الثانية، ونشكر دكتورنا على التجاوب معنا، جزاه الله عنا خيرًا.
أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من السُّعداء في هذه الدنيا وفي الآخرة، ويُبعد عنا وعنكم ما يُنغص حياتنا، وأن يرزقنا وإياكم الحياة السعيدة في الدنيا والآخرة.
تقبَّلوا تحياتي، ولقاؤنا الأسبوع القادم، بإذن الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.