المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات مع حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم الأسبوعي "أسس التربية" من قناتكم قناة "زاد" العلمية، وكنا قد بدأنا في الحلقة السابقة حول التربية بالقيم، وتحدثنا حول ما يتعلق بهذا المصطلح من الناحية اللغوية والاصطلاحية، ومن خلال المنهج الإسلامي، وكانت هناك مُداخلاتٌ كريمةٌ حول هذا الموضوع وما يتعلق به، وتمَّ التأكيد على أهمية مُطابقة القول العمل من أجل زرع قضية القيم، كما كانت هناك مُداخلةٌ للدكتور عبدالله الصبيح -وفَّقه الله-، وكانت هناك كذلك مُداخلةٌ للأستاذة الكريمة نورة القرني حول ما يتعلق بقضية زرع القيم من خلال التعامل مع أجهزة التواصل الاجتماعي، وعرفنا ما هي القيم التي تنبغي العناية بها؟ وأخذنا أهم قيمةٍ وهي: الرقابة الذاتية، وأُسرنا بأمس الحاجة إليها.
إجابات السؤال التفاعلي
دعونا نقف وقفةً سريعةً حول ما يتعلق بالسؤال التفاعلي الذي تم السؤال عنه عبر وسائل التواصل المُختلفة، وهو: كيف نزرع القيم في نفوس أجيالنا؟
وتلقينا مجموعةً من المُشاركات، ونشكر أصحابها شكرًا جزيلًا، والحقيقة أننا سنجد فيها عناصر مُتقاطعةً حينما نستعرض هذه الإجابات:
فالأخت منال تقول: لزرع القيم في نفوس أولادنا يجب على الآباء والمجتمع والدولة ككل أن يُقدِّموا لهم المناخ المُناسب لذلك، فبدلًا من عرض المسلسلات المُخلة بالآداب أو العنيفة التي تُنمِّي السلوك العدواني عندهم نُقدم لهم أفلامًا دينيةً وتاريخيةً تحكي تاريخنا الديني والإسلامي، فلا يمكن للآباء أن يتمكنوا من تربية أولادهم على القيم الأخلاقية إذا كان المجتمع يدفعهم لكل ما هو سلبي.
فهذه المُشاركة تُؤكد على دور الآباء والمجتمع والدول في زراعة القيم بلا شكٍّ، فحينما نقف عند ما ذكرته الأخت الكريمة الأستاذة منال فيما يرتبط بقضية الجوانب التي تُخلّ بالآداب واللاأخلاقية وبعض المواد الإعلامية، وما يرتبط بالسلوك العدواني وبرامج العنف، وما شابه ذلك، لا شك أن هذه القضايا ستكون مُضادةً لما تحدثنا عنه من زراعة القيم في هؤلاء الأجيال؛ ولذلك الآباء مسؤولون، والمجتمع والجهات الإعلامية بالدرجة الأولى مسؤولة، والكيانات التي في الدول تحتاج أيضًا إلى أن تهتم بقضية ما يُقدم للأجيال؛ ولذلك كلما كان المجتمع أقرب إلى الفضيلة كان أقرب إلى زراعة القيم الفاضلة والجيدة التي يرضاها الله .
والأخت سارة تقول: القرآن الكريم والسنة النبوية يشتملان على كل الأخلاق التي يحتاجها المسلم، فإن ربيناهم على القرآن والسنة فنكون بذلك قد زرعنا فيهم أعظم قيمٍ، ويحتاج المرء لتكوين صُحبةٍ صالحةٍ لأبنائه؛ لتشد من أزره، ويثبت على ما ربَّاه عليه والداه، ويدعو لأبنائه بالهداية والثبات.
وهذه المشاركة أيضًا فيها معانٍ جيدةٌ:
أولًا: كما قال الشاعر:
وحسبكمو هذا التفاوت بيننا | وكل إناءٍ بالذي فيه ينضح[1]البيت بلا نسبةٍ لقائلٍ في "حياة الحيوان الكبرى" (1/ 127)، وهو في "مجاني الأدب في حدائق العرب" (5/ 182) بلا نسبةٍ أيضًا، … Continue reading |
فمَن زرع حصد، وما تتم زراعته إن كان من خلال معين الكتاب والسنة ستكون قضية القيم التي سنجدها في أبنائنا وأجيالنا، وإن كان غير ذلك ستكون النتيجة أيضًا غير ذلك؛ ولذلك تنبغي العناية بما تتم زراعته من وقتٍ مبكرٍ، ومنذ نعومة الأظافر.
وقد أشار ابن القيم -رحمه الله- إلى هذه القضية وما يتعلق بها، وأن ما يحصل من انحرافٍ، أو ما يحصل من سلوكٍ في الكِبَر مُرتبطٌ بما ربَّاه الآباء في الأبناء منذ وقت الصِّغر، وهذه القضية أي عاقلٍ يُدركها؛ فلذلك تنبغي العناية بالمواد الإعلامية -كما قالت الأخت التي تحدثت قبل قليلٍ- المُوجَّهة، وكذلك ما يرتبط بمصدرية بناء القيم داخل الأسرة والمدرسة والمجتمع، فكم نحن بأمس الحاجة إلى ذلك.
أثر الصُّحبة في الأبناء
وقد أشارت الأخت الكريمة سارة أيضًا إلى قضية الصُّحبة، ولا شك أن هذه القضية مهمةٌ جدًّا، خاصةً فيما يتعلق بمرحلة الطفولة، وفي مرحلة المُراهقة بعد سن الثانية عشرة وما شابه ذلك تظهر القضية بشكلٍ كبيرٍ جدًّا؛ ولذلك فإن أعظم انحرافات الأحداث في مرحلة المُراهقة المُبكرة وما بعدها مُرتبطٌ -كما دلَّت عليه الدراسات- بانحراف أصدقاء السُّوء؛ ولذلك من الدور الأُسري المطلوب -كما أشارت الأخت الكريمة- اختيار الأصدقاء المُناسبين والصُّحبة التي تُساعد الأسرة على ما تقوم به من زراعة القيم من الكتاب والسُّنة، وإذا كان الأصدقاء غير ذلك سيُصبح هناك صراعٌ، وعندئذٍ سيكون الأقوى هو الذي يتمكن من الأجيال.
وفي بداية مرحلة المُراهقة -وخاصةً ما يتعلق بآخر مرحلة الطفولة، وعند قُرب البلوغ- لا شك أن هناك ما يُسمى بالحاجة إلى قضية الانتماء وبناء الصداقات، وتكون الصداقات مُؤثرةً جدًّا؛ ولذلك تنبغي العناية بالاختيار منذ نعومة الأظافر.
ولا شك أن الذين يعيشون في بلدان تقلّ فيها الصداقات الإيجابية -كالبيئات المُنفتحة، أو البيئات غير المسلمة- يحتاجون إلى أن يُكوِّنوا لأبنائهم منذ نعومة الأظفار محاضن تربوية داخل البيوت، أو من خلال مراكز اجتماعية أو تعليمية؛ حتى يتعوَّدوا على أصدقاء إيجابيين، ثم بعد ذلك تُصبح القضية أسهل في مرحلة المُراهقة.
وتأتينا أسئلةٌ كثيرةٌ متعلقةٌ بخطورة مثل هذه القضية، وخاصةً في مرحلة المُراهقة، وفي الغالب يكون التقصير في مرحلة الطفولة هو السبب في هذا الجانب، والهادي هو الله ؛ ولذلك إشارة الأخت سارة بالدعاء للأبناء بالهداية والثبات رائعةٌ جدًّا.
والذي يُثبِّت ما تربَّى عليه الابن من قيمٍ من القرآن والسنة هم الأصدقاء والصُّحبة؛ ولذلك لا بد من العناية بقضية اختيار الصُّحبة، وكما قيل: صديقك مَن صدَقك، لا مَن صدَّقك[2]"المدهش" (ص225)، و"مجاني الأدب في حدائق العرب" (4/ 140).، وهذا المعنى ليحفظه كل الآباء والأمهات وكل الأفراد: صديقك الذي يصدقك، حتى لو كان يُخالف رأيك؛ لأنه هو الذي يُعزز الجانب الإيجابي فيك، وهو الذي ينصحك حتى لا تقع في الجانب السلبي، وإن وقعتَ فهو الذي يُوجِّهك، لا الذي يُصدِّقك على كل حالٍ بأي صورةٍ كنت أنت عليها؛ ولذلك لا بد من الدعاء للأبناء، مع اتِّخاذ التدابير المتعلقة بالتربية من الكتاب والسنة، ومحاولة بذل الجهد في اختيار الصُّحبة الطيبة، والمتعلقة بالعلاقة بين الآباء والأبناء، فهذا نافعٌ جدًّا، ويبقى الأمر بيد الله: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ [الشورى:48]، فلا بد أن نفهم هذا، وليس بيدنا نحن هداية أبنائنا، لكن بيدنا نحن أن ندلهم على الخير، وهي هداية الدلالة، أما هداية التوفيق فهي بيد الله ، ولكن الدعاء من الوالدين للأبناء بهذه الصورة هو الأولى؛ لأننا كثيرًا ما ندعو لأبنائنا: أن الله يُوفقهم في اختباراتهم، وفي حياتهم، وأن الله يُزوجهم، ويرزقهم ... إلى آخره، ولا بد من العناية بقضية هدايتهم، وبأن يحفظهم الله ويُعينهم على ألا ينحرفوا في انحرافات المجتمعات أو الأُسر ذات اليمين وذات الشمال، خاصةً في زمن الانفتاح الإعلامي والثورة الاتصالاتية المعلوماتية.
أهمية القدوة في التربية والبناء
وأيضًا هنا زهير حسين يقول: نكون قدوةً لأبنائنا في مُعاملتنا وكلامنا وتصرفاتنا معهم، وليس بالكلام والتوجيهات فقط، فحين سُئلت أمُّنا عائشة عن خُلُق الرسول قالت: "كان خلقه القرآن"[3]أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة (24601)، وقال محققو "المسند": "حديثٌ صحيحٌ".، فهكذا نغرس حب القيم في نفوس الجيل.
وهذه إشارةٌ مهمةٌ، وهو تأكيدٌ على ما ذكرناه وما أشار إليه الدكتور عبدالله الصبيح فيما يتعلق بالحلقة الماضية حول ما يرتبط بقضية التطابق التربوي بين النظرية والتطبيق، فلا يمكن أن نكون مُعينين لأجيالنا في زراعة القيم الإيجابية إلا حينما نكون قدواتٍ بتعاملنا وطريقتنا وكلامنا وتصرفاتنا، فليست التربية بالكلام، فيقول الأب: والله أنا تكلمتُ ووجَّهتُ. وتقول الأم: أنا قلتُ لها ووجَّهتها. لكن المهم هل الأم قدوة للبنت؟ وهل الأب قدوة للأبناء؟ هذه القضية المهمة التي تنبغي العناية بها.
وهذا الشاهد الذي ذُكر، وهو قول عائشة رضي الله عنها وأرضاها لما سُئلت عن خُلُق رسول الله : "كان خلقه القرآن"، فهو فعلًا كان قرآنًا يمشي على الأرض؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان يأخذ بالتوجيهات ويقوم بتطبيقها؛ لأنه المثل الأعلى في قضية القيم وما يتعلق بها .
وفي قصة التَّحلل من العمرة في صُلح الحُديبية، لما أمر النبيُّ أصحابَه أن يتحللوا، وكانت نفوسهم توَّاقةً إلى أداء العمرة، وبسبب ما حصل في الصلح ضاقت نفوسهم، فأمرهم أن يتحللوا من إحرامهم، وعندئذٍ لن يعتمروا، فأُصيبوا بما يُصاب به بنو البشر من ضيقٍ ونكدٍ، فلم يستجيبوا لأمر النبي ، وهذه بشرية الإنسان تظهر، فذهب النبي إلى زوجه أم سلمة، فدلَّته رضي الله عنها وأرضاها على ما نحن بصدده فيما يتعلق بجانب الاقتداء في مجال العمل، وأن أثره أكثر من أثر القول؛ فطلب النبي الحلَّاق دون أن يُحدِّث أصحابه كما حدَّثهم في المرة الأولى، فحلق رأسه، فرأى الصحابةُ النبيَّ قد حلق رأسه، فبدأ الصحابة يحلق بعضهم رؤوس بعضٍ حتى كاد يقتل بعضُهم بعضًا من شدة الضيم والضيق، وتحللوا عندئذٍ[4]أخرجه البخاري )2731).، فإذن الاستجابة التي أرادها النبي قد حصلت بالفعل، ولم تحصل بالقول، مع أنه نبيٌّ.
وهكذا تنبغي العناية بموضوع القدوة العملية التي يعتبرها أهل الاختصاص وأهل التربية من الأساليب غير المباشرة، فهي ليست أسلوبًا مُباشرًا، أو توجيهًا بالكلام -كما قال الأخ أو الأخت- كما هو فعل كثيرين منا، نعطي التوجيهات بالكلام والحديث، والقضية الأهم هي الفعال، فالفعل هو أكثر وأبلغ أثرًا من قضية الأقوال، فنحتاج إلى العناية بمثل هذا الأمر.
نأخذ مثالًا آخر: محسن الصالحي يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور خالد: وعليكم السلام ورحمة الله.
محسن الصالحي: أولًا: يجب على الآباء أن يكونوا قدوةً حسنةً لأطفالهم من خلال توفير الجو المُلائم لهم؛ لينشؤوا نشأةً صالحةً.
ثم يجب على المُدرسين أن يقوموا بدورهم في ترسيخ المبادئ الحسنة من خلال تعليمهم الأدب في الكلام والحوار والاستماع، وتعليمهم الأخلاق الحسنة.
ثم يأتي دور المجتمع، وهو الحاضن الذي بصلاحه يكون الخير، ويسود الاحترام، فمن واجب المجتمع أن يسمو ويرتقي، ويُعالج ما به من خللٍ ليُصبح نافعًا، والله أعلم.
الدكتور خالد: وهذا تأكيدٌ على ما ذُكر، واعذرونا على الأخطاء اللغوية، فالإخوة في القناة نقلوها كما جاءت من باب الأمانة في النقل، وكم نحن العرب بأمس الحاجة إلى أن نُراجع أنفسنا فيما يتعلق بالجانب اللغوي، فلا القناة ولا نحن نرغب في أن تكون بهذه الصورة التي فيها أخطاء إملائية ولغوية، لكن ننقلها كما هي موجودة في الأصل؛ ولذلك اعذرونا على هذا الجانب.
هذا تأكيدٌ على ما يتعلق بقضية القدوة الحسنة، وهذا ما اتَّفقت عليه معظم الإجابات، وهذا تأكيدٌ لأمرٍ مهمٍّ، وإلزامٌ للمُربين والآباء والمجتمعات بموضوع القدوة، ولو أننا نجحنا في إبراز القدوات الإيجابية، وكنا نحن قدواتٍ حيةً لأجيالنا؛ لاستطعنا أن نغرس فيهم القيم.
هذا باختصارٍ شديدٍ جدًّا، نعم القراءة والدورات والتوجيه كل ذلك مطلوبٌ، وهذه الحلقات وأمثالها مطلوبةٌ بلا شكٍّ، لكن القضية كما قلنا قبل قليلٍ: الأفعال أبلغ من الأقوال في التأثير.
وهكذا تنشأ وتُرسخ قضية المبادئ، ويُعلم الجيل ما يتعلق بهذا الجانب، وما يرتبط بهم، فالابن الذي ينشأ في أسرةٍ تهتم بالوقت سيكون في الغالب مهتمًّا بالوقت، ولا يمنع أن يكون هناك شذوذٌ، أو عدم اهتمامٍ في هذا الجانب من البعض، ولكن الأصل أنه سيحصل اهتمامٌ، والأب والأسرة التي عندها -مثلًا- قيمة القراءة ستجد الأبناء عندهم قيمة القراءة، وهكذا في قضايا العبادات، والمُعاملات، والعقائد، والأفكار، والاهتمامات، فتجد أشياء عديدةً جدًّا مبنيةً على أساس وجود القدوة، فالأب المُبكر للصلاة أبناؤه الأصل أنهم تعوَّدوا على هذه القضية، والأم الحريصة على الحجاب كذلك بناتها تعودن على هذه القضية، ووجدن أثر القدوة من أمهم حينما كانت على حجابٍ وسترٍ وعفافٍ.
أسأل الله أن يُوفقنا إلى أن نكون معينين لأبنائنا على زرع هذه القيم الإيجابية في نفوسهم ونفوس أجيالنا، اللهم آمين.
فاصلٌ أيها الإخوة ونواصل، حيَّاكم الله.
الفاصل:
أساليب تربوية لاستقلال شخصية الأبناء
- ضعف الشخصية.
- الاعتماد على الآخرين في أداء الواجبات.
- انخفاض مستوى الثقة.
- تقبل الإحباط.
- ارتفاع نسبة الحساسية للنقد.
كلها مظاهر سلبية مرضية ناتجة عن إفراط الوالدين في تدليل الطفل والقيام بمسؤولياته، والتدخل في كل شؤونه، وعدم إعطائه فرصة الاستقلالية في بناء شخصيته.
وقد أوضحت الدراسات النفسية أن الاعتمادية والخوف من الاستقلال في سنِّ الرشد يتناسب طرديًّا مع الاعتمادية في سن الطفولة، ومن المُسلَّم به أن اعتماد الطفل على غيره يقلّ تدريجيًّا كلما جاوز الطفل مرحلة الطفولة، ولكن إذا كانت هذه الاعتمادية ثابتةً مع كبر سنِّ الطفل فإن هذا يُنذر بكارثةٍ ويُهدد بخطرٍ كبيرٍ.
فعلى الوالدين مراعاة الأساليب التربوية اللازمة لضمان استقلال شخصية أبنائهم، ومنها:
- احترام قراراتهم وإنفاذها إن كانت صحيحةً ولا تُسبب لهم ضررًا، وعدم إلغائها أو إهمالها، ومناقشتها، مع بيان سلبياتها إن كانت خاطئةً.
فالطفل يجب أن يشعر أن رأيه ذو قيمةٍ، وانفراد الوالدين بالقرار واستخدام أسلوب التوجيه المباشر دائمًا يُدمر شخصية الطفل.
- منحهم مساحة من الحرية في الاختيار بما يتناسب مع أعمارهم: كاختيار الملابس، والطعام، والألعاب، وتعويدهم على تحمل تبعات اختياراتهم.
- تشجيعهم وتحفيزهم على إنجاز الأعمال بصورةٍ متكاملةٍ تتناسب مع قُدراتهم وأعمارهم.
- تشجيعهم على التعبير، والاستماع إليهم، وإظهار الاهتمام بما يقولون، فاحترام الطفل واحترام آرائه مهما كانت بسيطةً أو ضيقة الأفق سيجعل منه إنسانًا يتمتع بالثقة، وقادرًا على طرح رأيه بشجاعةٍ دون خوفٍ من انتقاد الآخرين.
- السماح لهم بالمشاركة في تخطيط مستقبل الأسرة، خاصةً في الأمور التي يهتمون بها.
- تعليمهم كيفية التعامل مع النجاح والفشل، وأن الحياة فيها الربح والخسارة، وأن الإخفاق والتَّعثر لا ينبغي أن يكون نهاية المطاف.
ربما تُحب أحد الأبناء أو البنات أكثر من إخوتهما: إما لبرِّه، أو أدبها، أو غير ذلك، ولكن هل يجوز أن تُفضل مَن تُحب في العطية، وتخصه بالهدايا دون الآخرين؟
لنستمع إلى هذه القصة التي جرت للصحابي الجليل النعمان بن بشير، يقول : سألتْ أمي أبي بعض الموهبة من ماله، فوهبها لي، فقالت: لا أرضى حتى تُشهد النبي . فأخذ بيدي وأنا غلامٌ فأتى بي النبي ، فقال له: يا بشير، ألك ولدٌ سوى هذا؟ قال: نعم. فقال: أكلهم وهبتَ له مثل هذا؟ قال: لا. قال: فلا تُشهدني إذن؛ فإني لا أشهد على جورٍ.
ففي هذا الحديث تحذيرٌ من تفضيل أحد الأبناء على إخوته، وأنه من الجور والظلم، ولم يُفرق بين الذكر والأنثى؛ وذلك لما يُؤدي إليه من الكراهية والنفور بينهم، ولا حرج في الميل القلبي لأحد الأولاد دون غيره؛ لأن ذلك أمرٌ ليس في مقدور العبد، وإنما الذي يحرم أن يُفضل المحبوب على غيره بالعطايا دون سببٍ شرعيٍّ، فإن حصل مثل هذا التفضيل وجب ردُّ العطية، أو إعطاء الآخرين مثل أخيهم.
ويجوز التفضيل بين الأولاد إذا كانت هناك أسبابٌ وجيهةٌ تدعو إلى ذلك: كأن يخصَّ أحد أولاده لمرضٍ أصابه، أو فقرٍ وحاجةٍ ألمَّت به، أو لاشتغاله بطلب العلم ونحوه من الفضائل.
وللوالد أن يمنع العطية عمَّن يستعين بها على معصية الله تعالى، ويُعطيها لمَن يستحقها، قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2].
ثبات القيم في مقابل تغيُّرات الزمان والمكان
في هذه الحلقة الثانية من التربية بالقيم يُسعدنا في هذه اللحظة استضافة الأستاذ الكريم شوقي بن سالم باوزير إمام وخطيب جامع نورة المعجل بالدمام، والمُشرف على مجلة "أنس" المهتمة بالأطفال وقيمهم.
حيَّاكم الله أستاذ شوقي.
المتصل: أهلًا وسهلًا يا دكتور خالد.
المحاور: يا مرحبًا، حيَّاكم الله.
المتصل: حيَّاك الله.
المحاور: التربية بالقيم، ماذا تعني لك هذه القضية يا دكتور، حيَّاك الله؟
المتصل: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله.
التربية بالقيم تعني: مشكلة المشاكل في هذا العصر يا دكتور خالد.
المحاور: مشكلة المشاكل؟!
المتصل: نعم.
المحاور: إي.
المتصل: التربية كلها تدور على القيم: أدناها القيم، وبناها القيم، فهي حديث المُربين.
المحاور: هو فعلًا موضوعٌ مُقلقٌ، وهذا ظاهرٌ في إجابات الإخوة والأخوات عبر السؤال التفاعلي، وهو: كيف نزرع القيم في نفوس أجيالنا؟ فهو موضوعٌ مُقلقٌ لدى الجميع فعلًا.
المتصل: السبب في ذلك: أن هناك مُتغيرات في كل عصرٍ، فلو كانت مداخل البيئة ومخارجها في كل عصرٍ واحدةً ما جاء هذا القلق عند الناس، فالبيئة تتغير من وقتٍ لآخر، فهناك مُتغيراتٌ تطرأ من وقتٍ لآخر.
في القديم ما كانت عندنا وسائل التواصل الحديثة هذه، فطرأت حديثًا، ورافق وجودها تغيراتٌ كثيرةٌ في البيئة والمجتمع، فهذه التغيرات لا بد أن تتواكب، ولا أقول: تغيرات في القيم؛ لأن القيم لا تتغير، لكن يتم تسليط المزيد من الأضواء على بعض القيم عند هذه التغيرات، أو مع هذه التغيرات الطارئة الجديدة.
المحاور: أنت تؤكد على قضية ثبوتية القيم، وهذا أكَّدناه بالنسبة للحلقة الماضية فيما يتعلق بالمنهج الإسلامي والفرق بينه وبين المناهج الأخرى فيما يرتبط بثبوتية القيم.
المتصل: لا شك.
المحاور: لكن نضيف أيضًا يا أستاذ شوقي أهمية العناية من المُربين في تربية الأسرة وغيرها في ظلِّ هذه المُتغيرات، فالبعض يكاد يستسلم فيضعف؛ لأن قضية المُتغيرات تكون أقوى من عطائه في التربية، فيتراخى أكثر، بينما المطلوب أن يُعطي أكثر، أليس كذلك؟
المتصل: صحيحٌ، القيم لا شك أنها في ديننا الإسلامي ثابتةٌ، ولكن يتم تسليط المزيد -مثلما ذكرت- من الأضواء على بعضها عند الحاجة، فتظهر هناك حاجةٌ ماسَّةٌ ومُلحَّةٌ للتأكيد عند بعض المُربين على بعض القيم في بعض الأوقات لسببٍ أو لآخر، لكن القاعدة في القيم ثابتةٌ، وهناك مجموعةٌ من القيم لا تتغير بتغير الزمان والمكان.
المحاور: جميلٌ، هل يمكن أن تُحدثونا عن بعض هذه القيم التي تجدونها مهمةً للأُسر اليوم في قضية البيئات والمجتمعات التربوية بناءً أيضًا على اهتمامكم وعنايتكم بالجانب التربوي، وخاصةً في مرحلة الطفولة من خلال تجربتكم فيما يتعلق بزرع القيم في الأطفال من خلال مجلة "أنس"؟
المتصل: خلِّنا نبدأ من أسفل إلى أعلى مثلما يقولون، فنقول مثلًا: إن القيم الثابتة ثبوت الزمان والمكان لا تتغير الحاجة الماسة إليها باختلاف عمر الإنسان، فمثلًا: قيمة بر الوالدين هناك حاجةٌ ماسَّةٌ إليها لدى مرحلة الطفولة، والمرحلة الابتدائية، والمتوسطة، والثانوية، وما بعد الثانوية "الجامعة"، وما بعد ذلك، فتبقى هذه القيمة ثابتة، لها قيمتها ووزنها في التربية، وكذلك قيمة الصدق تبقى الحاجة إليها ماسةً في كل المراحل، لكن بعض القيم تزداد الحاجة إليها باختلاف الظروف الزمانية أو المكانية، ففي وقتنا الحاضر هناك قيمة المشورة أو الاستشارة مثلًا، هذه القيمة أعتقد أنه ينبغي للمُربين إعطاؤها المزيد من العناية، وزرعها في نفوس الناشئة وغيرهم.
المحاور: لماذا يا أستاذ شوقي اخترتَ مثلًا هذه القيمة كقيمةٍ مُلحَّةٍ في ظل الوقت المعاصر؟
المتصل: لأن المُتغيرات الحالية، خاصَّةً ما يُسمَّى: بالجو أو الفضاء الافتراضي، والكم الهائل من المعلومات، وسهولة الوصول إليها عن طريق (الآيباد) والجوَّالات، فبضغطة زرٍّ كما يقولون تصل إلى ما تشاء، كل هذا يجعل الإنسان -خاصَّةً الصغير، أو حتى الذي في المرحلة المتوسطة أو الثانوية- في حيرةٍ أحيانًا؛ لأن المعلومة التي تأتيك في الغالب غير مُحكمةٍ، وإنما الذي يحكم على صحتها ومُناسبتها هو الإنسان نفسه، فقد يفتح صفحةً في (الإنترنت) ويطَّلع على معلومةٍ يظهر له من الوهلة الأولى أنها معلومةٌ واقعيةٌ وصالحةٌ له؛ فينجذب لها، ثم يفتح صفحةً ثانيةً فيجد العكس.
المحاور: إذن تقصد ضرورة الاستشارة أستاذ شوقي في ظل الثورة المعلوماتية وتناقل المعرفة؛ لأجل التمييز بين الحق والباطل، وبين الصواب والخطأ.
المتصل: صحيحٌ.
المحاور: جميلٌ.
المتصل: يحتاج الإنسان -حتى الكبير- إلى أن يستشير مَن هو أكبر وأعلم وأخبر منه، فما بالك بالذين هم أصغر من ذلك؟
يعني: عندما يتربى الأطفال في المرحلة الابتدائية على قيمة الاستشارة والسؤال والاستفسار، وأنه ليس كل ما يسمعه ويقرأه صحيحًا 100%، فيحتاج أن يتريث ويسأل ويستفسر.
المحاور: جميلٌ، طيب، غيرها من القيم -أستاذ شوقي- المُلحة أيضًا في هذه الفترة، وخاصةً مع الأجيال الصاعدة -بارك الله فيك- سريعًا.
المتصل: ممكن قيمة المُثابرة، وقيمة الثقة بالنفس.
المحاور: جميلٌ، في مقابل الكسل.
المتصل: أحسنت.
المحاور: وعدم الثقة بالنفس.
المتصل: نعم، فكثيرٌ من الشباب يعزفون عن العمل الجاد في مقابل رغبتهم في الحصول على وظيفةٍ سهلةٍ ومُيسرةٍ، في حين أن فرص العمل والكسب الحلال كثيرةٌ جدًّا ومتنوعةٌ، فهي تحتاج إلى زرع قيمة المُثابرة، وبذل الجهد، والصبر، والثقة بالنفس، بحيث يشعر الإنسان أنه إذا أراد أن يحصل على شيءٍ سيحصل عليه -بإذن الله تعالى- متى ما بذل الأسباب.
المحاور: جميلٌ، واضحٌ يا أستاذ شوقي، وهل هناك أيضًا قيمٌ حرصتم عليها ووجدتم أيضًا أثرها بالنسبة لجيل الأطفال من خلال تجربتكم في مجلة "أنس" بالنسبة للأطفال؟
المتصل: ممكن في هذه المرحلة تظهر أهمية قيمة التفكير.
المحاور: التفكير.
المتصل: هذه القيمة تنسحب مع الولد الصالح عندما يكبر، لكنها في هذه المرحلة تظهر من وقتٍ مبكرٍ، فالطفل في هذه المرحلة عنده خيالٌ كبيرٌ جدًّا، فعندما يُوظف هذا الخيال في التفكير لمصلحة هذا الطفل الخاصة والعامَّة؛ فإنه يتربى وينمو ويكبر وتكبر معه هذه القيمة.
المحاور: بارك الله فيكم أستاذ شوقي، وشكرًا لكم على هذه المُشاركة، وأسأل الله أن يُبارك فيكم ويجزيكم خيرًا.
كان معنا الأستاذ شوقي بن سالم باوزير، المُختص التربوي، وإمام وخطيب جامع، وله اهتمامٌ بالمجالات التربوية، وقد أكَّد مشكورًا على قضية ربط القيم الثابتة بالمراحل، مثل: قيمة بر الوالدين، وقيمة الصدق، وأبرز أن القيم مع ثبوتها تستدعي عناية المُربين ببعض القيم بناءً على الواقع الذي نعيشه.
ونؤكد على أن الأسرة على حسب وضع أفرادها، وعلى حسب المدرسة والمركز التعليمي والمجتمع والحارة، فلا بد من مراعاة الفروق الفردية والأُسرية والمجتمعية، فقد تهتم بعض الأُسر ببعض القيم، وتؤكد عليها، بينما أُسرٌ أخرى هذه القيم موجودةٌ ومتوفرةٌ لديها، لكن تحتاج إلى العناية بقيمٍ أخرى، وهكذا.
فينبغي الاهتمام بما يحتاجه الجيل على حسب احتياجات أفراده، واحتياجات أُسَرِه، حتى الأنبياء -عليهم السلام جميعًا- كانت دعوتهم كلهم إلى التوحيد، ولكن اهتمَّ بعض الأنبياء بمجالاتٍ مُعينةٍ في دعوتهم أكثر من غيرهم؛ نظرًا لحاجة المجتمع الذي أُرسلوا إليه، ووجِّهوا إلى التأثير فيهم، وإصلاح أحوالهم.
وأكَّد مثلًا على قضية المُثابرة، والاستشارة، والثقة بالنفس، والتفكير، فهذه من القضايا المهمة جدًّا اليوم في ظل اختلاط الأفكار، ووجود الشبهات والمصادر المختلفة التي لم تكن من قبل موجودةً.
والنبي يأتيه عمر بن الخطاب ويقول له: إنا نقرأ في التوراة أحاديث تُعجبنا، أفلا نكتبها يا رسول الله؟ وهو الذي يهرب الشيطان خوفًا منه، ويسلك طريقًا غير طريق عمر رضي الله عنه وأرضاه، ومع ذلك يقول له الرسول : أَمُتَهَوِّكُون أي: شاكُّون مُتحيِّرون فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بها بيضاء نقيةً[5]أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة )15156)، وقال محققو "المسند": "إسناده ضعيفٌ".، فأراد النبي أن يحفظ عمر ومَن وراء عمر في قضية الأخذ من مصدرٍ واحدٍ؛ حتى لا يُشوش من مصادر أخرى.
وهذه الاستشارة والتفكير والتمييز بين الحق والباطل قضيةٌ مهمةٌ جدًّا للجيل، ومن القيم المهمة في ظل الثورة المعلوماتية.
أيها الإخوة، فاصلٌ ونواصل، حياكم الله.
الفاصل:
المراهقة
"التمرد– الاندفاع– حدة الطباع– شدة الميل إلى الجنس الآخر" ردود فعلٍ طبيعيةٌ للتحولات الهرمونية والتغيرات الجسدية التي يمر بها المُراهقون؛ لذا ينبغي أن يكون تعامل الوالدين والمُربين مُحاطًا بالحكمة والتعقل، ومُركِّزًا على إشباع حاجات المُراهق النفسية مع تلك المرحلة العمرية الخطرة، ومنها: حاجته إلى إثبات الذات، وحاجته إلى الحب والانتماء، وحاجته إلى التوجيه والترفيه، وحاجته إلى الاحترام والتقدير.
وقد جاءت الشريعة الإسلامية بأحكامٍ غايةٍ في الحكمة للوقاية مُقدَّمًا من أخطار تلك المرحلة، منها:
- التربية على حُسن الأخلاق، وتحفيظ الطفل القرآن في أوائل عمره؛ فإدخال كلام الله تعالى في صدر الطفل من شأنه أن يُطهر قلبه وجوارحه.
- تعليمه الصلاة وتوجيهه إليها في سنِّ السابعة، وتأديبه ولو بضربٍ يسيرٍ على التفريط فيها في سنِّ العاشرة، ففي إقامة الصلاة تهذيبٌ له وصيانةٌ.
- التفريق بين الأولاد في فراش النوم إذا بلغوا العاشرة.
- اختيار الصُّحبة الصالحة، وقد قيل: الصاحب ساحب، ومتى اعتنى الوالدان بصُحبة أولادهما وأحسنا اختيارها وفَّر ذلك عليهما وقتًا وجهدًا عظيمين.
- إلزام الأولاد في تلك المرحلة بالاستئذان عند الدخول على الوالدين، وبعد البلوغ يحسُن المُبادرة بتزويجهم إن تيسر؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج.
- الدعاء بالهداية والصلاح؛ فإنه من أهم ما يُساند به الوالدان أولادهما في القيام بمهام تلك المرحلة المهمة والخطيرة، قال رسول الله : ثلاث دعواتٍ يُستجاب لهن، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده.
الدكتور خالد: نستكمل معكم ما يتعلق بكيفية زرع القيم في نفوس أجيالنا، وهذا هو نص السؤال التفاعلي، وما كتبتُموه مشكورين، ويبدو أن هذه الحلقة حلقةٌ إثرائيةٌ منكم وإليكم، مع الإطلالة الجميلة للأستاذ شوقي باوزير حول ما ذكره فيما يتعلق بالقيم وحاجة المجتمعات والأُسر إليها.
أيها الإخوة والأخوات، يمكنكم عبر وسائل التواصل للقناة ورقم (واتس آب) الذي يخرج أمامكم أن تُثروا بتجاربكم والإجابة عن هذا السؤال، وفَّقنا الله وإياكم.
الأخت أم يحيى تقول في الإجابة عن هذا السؤال: بالتربية على المنهاج الإسلامي، وأن نجعل الرسول وصحابته الكرام القدوة، وأن نكون نحن أولياء الأمور أيضًا القدوة، لا بالقول فقط، بل بالفعل، فأفضل طريقةٍ للإقناع هي الفعل والموعظة الحسنة والدعاء، والله المستعان.
وهذا أيضًا تأكيدٌ -أيها الإخوة والأخوات- على قضية القدوة، فهناك مجالان في القدوة كما أشار الدكتور عبدالعزيز النغيمشي، وهي قضية القدوة الحية، وأن نكون نحن -كما قالت- قدواتٌ لأبنائنا، وكما ذُكر أيضًا في الرسائل السابقة، وكذلك القدوة المتعلقة بالنبي عليه الصلاة والسلام: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ [الأحزاب:21]، وكذلك الصحابة، فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، والإشارة إلى أهمية هذه القدوة في زرع القيم من خلال أثر العمل والفعل.
وأشارت الأخت أم يحيى إلى قضيةٍ مهمةٍ جدًّا، وهي الموعظة الحسنة، فهي من أساليب وفنيات التأثير التي قد نغفل عنها في ظل ماديات العصر الحديث، فنحتاج إلى الموعظة الحسنة، فالنفوس أصلًا حينما تُلاقي فطرتها تؤوب وتعود وتتأثر مهما كانت القلوب قاسيةً؛ ولذلك تنبغي العناية بقضية الموعظة الحسنة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج:1] إلى آخر الآيات، فهذه النفوس تهتز بالموعظة الحسنة، ثم أيضًا أشارت إلى قضية الدعاء كما أشار مَن قبلها.
وهذه أم أيمن تقول: أنْ نُعلِّم أولادنا أخلاق الرسول الكريم والخلق العظيم.
فهذا تأكيدٌ أيضًا على مرجعية القيم، وأهمية ربط الأبناء بسيرة النبي ، بحيث يكون النبي عليه الصلاة والسلام قدوةً للأولاد، وكذا البيئة المُحيطة بنا وزياراتنا لها التأثير الأكبر على سلوك الأبناء والبنات، وكذلك أخلاق الوالدين وسلوكهم ينتقل للأولاد، والصُّحبة في المدارس والجامعات أيضًا لها تأثيرٌ على أخلاق الأبناء والبنات، والتربية على الدين والخُلُق والتعليم.
وهنا أيضًا تأكيداتٌ مهمةٌ جدًّا على ما ذكرناه من قضية القدوة، والاهتمام بقضية الجانب السلوكي والخلقي، فمهمٌّ جدًّا العناية بهذا الجانب من الناحية العملية في الأُسر والمدارس والجامعات، وفعلًا صدقت أم أمينة حينما قالت: "التربية ثم التعليم"، فالتربية أولًا، وخطأٌ أن نُعلم من غير تربيةٍ؛ ولذلك فرقٌ بين المعلم المُربي والمعلم غير المُربي، والمعلم المُرشد والمعلم غير المُرشد، والمعلم المُؤثر والمعلم غير المُؤثر، وبين الأب فقط والأب الذي هو مُؤثرٌ ومُوجِّهٌ ومُربٍّ ومُرشدٌ أيضًا، حتى إنه في البيئات الخارجية هناك ما يُسمَّى بالمعلم المُرشد في غير تخصصات الإرشاد (counseling teacher)، فهذه مهمةٌ جدًّا، وحتى الآباء والأمهات والمعلمين في غير التخصصات النفسية والإرشادية هم بحاجةٍ إلى أن يتعلموا كيف يكونون مُرشدين؟ من خلال دوراتٍ تدريبيةٍ وقراءاتٍ ومحاولة الدراسات عن بُعدٍ، أو الدراسات الحاضرة عبر ما يُسمَّى بدبلوم التوجيه والإرشاد الذي ربما تقوم به بعض الجامعات هنا وهناك.
استثمار وسائل التواصل في زرع القيم
معنا اتِّصالٌ من الأستاذ علي العواد، ويذكر أنه مستشارٌ أُسري.
حيَّاك الله أستاذ علي، الله يحفظك.
المتصل: الله يُحييك أستاذي، كيف صحتك يا شيخ؟
المحاور: يا مرحبًا بك، سعيدون باتِّصالك، وشكرًا على إيجابيتك، في دقيقةٍ واحدةٍ، تفضل.
المتصل: الله يجزيك خيرًا، الشاشة مُنورة بك يا شيخ.
المحاور: الله يحفظك، والله يغفر لي، تفضل حبيبنا.
المتصل: في هذا البرنامج والقناة الطيبة التي ترفع معنويات الأسرة.
المحاور: الله يرفع قدرك يا حبيبنا، من خلال معيشتكم في البيئات الأسرية والاستشارات الأسرية، ماذا تقولون في قضية القيم وأهمية التربية عليها؟
المتصل: بالنسبة لقضية القيم وأسس التربية: لو لاحظنا نحن في مجتمعات دول الخليج -مثلًا- وتعاملهم وظروف حياتهم القديمة قبل أربعين أو ثلاثين سنةً، كان الإنسان يعيش ظروفًا تُجبره على أن يُصارع الحياة لأجل أن يُربي فيه -مثلًا- عادةً أو قيمةً معينةً؛ لأن حياتهم وظروفهم كانت صعبةً، ولكن الأب يزرع القيمة من الحياة التي يعتمد عليها رب الأسرة قديمًا، وأما حاليًّا فالجيل الحديث يعتمد على (التكنولوجيا)، واستغلالها بطريقةٍ ليست إيجابيةً، وإنما سيئة.
المحاور: جيدٌ، لكن ما توجيهك لما يرتبط بقضية التربية بالقيم في ظل التشخيص الذي ذكرته من خلال تجربتك ورأيك؟ سريعًا في نصف دقيقةٍ، بارك الله فيك.
المتصل: أنا أقول: لو تُستغل (التكنولوجيا) الحديثة في زرع القيمة وتوصيلها بطريق الشاشات وإرسال رسائل معينة في تعليم الأبناء.
المحاور: يعني: استثمار وسائل التواصل في زرع القيم؟
المتصل: نعم.
المحاور: رائع.
المتصل: الأمر الآخر: أن كثيرًا من أولياء الأمور -للأسف- ما عنده وقتٌ للاهتمام بتثقيف أبنائه، وبعضهم مشغولٌ في الحياة، وزرع القيمة ليس شرطًا أن تكون من الأب والأم.
المحاور: واضحٌ يا أستاذ علي.
المتصل: في المساجد والدورات وغيرها.
المحاور: جزاكم الله خيرًا.
هل يمكن أن تُشير بكلمةٍ واحدةٍ إلى القيمة التي تؤكد عليها كمستشارٍ أُسريٍّ؟ باختصارٍ شديدٍ جدًّا؛ لأن الوقت ضيقٌ أستاذ علي، وإن كنا نتمنى طول الوقت معك، لكن اتِّصالك كان مُفاجئًا، وحيَّاك الله عمومًا على المشاركة.
المتصل: القيمة الأولى: القدوة الحسنة.
المحاور: يعني: أنت تؤكد ما ذكره الإخوة والأخوات في الإجابة عن سؤالهم.
شكرًا لك يا أستاذ علي، وبارك الله فيك على هذه المُشاركة.
وهذه مشاركةٌ من إسلامي عزتي وغايتي يقول: لا يمكن أن نزرع القيم في نفوس الأطفال ما دام الآباء والأمهات يجهلونها.
الدكتور خالد: وهنا تظهر أهمية التعلم بالنسبة للآباء والأمهات في غرس القيم المطلوبة، فالتعلم مطلوبٌ في بعض الأشياء المهمة، لكن أيضًا التثقيف الموجود في هذه الحلقات، وما شابه ذلك مهمٌّ كما أشار إلى ذلك الأستاذ علي، وقبله الأستاذ شوقي، والجانب التثقيفي والتعليمي يكون من خلال قراءاتٍ ودوراتٍ، والاعتناء بسيرة النبي ، وما شابه ذلك.
تقول صاحبة السعادة: بالرجوع إلى كتاب الله وسنة النبي .
وأبو محمد يقول: بتعليمهم كتاب الله وسنة رسوله .
ومحمد المجاوي يقول: بالقدوة الصالحة.
الدكتور خالد: ولاحظوا أن الجميع يؤكد على المرجعية المتعلقة بالكتاب والسنة، والمحافظة على هذه الهوية، وهذا شيءٌ يُشكرون عليه حقيقةً، وكذلك ما يتعلق بالوسيلة أو الأسلوب التربوي، وما يتعلق بالقدوة الحسنة.
وكذلك محمد السوسي يُؤكد على القدوة الحسنة.
ويقول إياس: من خلال أن يكون الوالدان أصحاب قيمٍ: كالصدق، والأخلاق الطيبة، والقول الحسن، فالأولاد لوحةٌ ترتسم عليها أخلاق الأبوين، ومن خلال المدرسة والمعلمين، فلهما دورٌ مهمٌّ جدًّا.
الدكتور خالد: وهذا تأكيدٌ لما سبق.
وتقول أم أمونة: يا ليت يكون هناك حلٌّ لفقدان الأب أو الأم للقدوة؛ لأنني أُعاني من هذه الحالة كثيرًا.
الدكتور خالد: وهذا هو الذي نتناقش فيه الآن، وفي الحلقة السابقة والحلقات القادمة التي ستستمر معنا فيما يتعلق بقضية التربية بالقيم، ولعل هذا يكون مما يُساعد الأخت الكريمة، وكما ذكرنا قبل قليلٍ في مُداخلة الأستاذ شوقي أن هذا موضوعٌ مُقلقٌ للجميع.
وأنا أرى أنه لا بد أن نعطي لأنفسنا رسائل إيجابيةً قدر ما نستطيع، ولا نقف عند الإحباط، بل نحاول أن نتجاوز هذا الإحباط، ونفكر كيف نستطيع أن نتخلص منه؟
وهذا يحتاج إلى جانبٍ ذاتيٍّ من الإنسان في تعامله مع نفسه، فبدل الرسائل السلبية يُعطي رسائل إيجابيةً، وبدل الكسل لا بد من المُثابرة، وقد أكَّد الأستاذ شوقي على قيمة المُثابرة.
وكذلك لو أن المُربي فتَّش عن نفسه -كما قال الأستاذ علي- سيجد أن قضية القدوة -وهو ما ذكره عددٌ من الإخوة- والتركيز عليها ومُراجعة الأم والأب والمعلم لنفسه هو أفضل علاجٍ لقضية القدوة للأجيال؛ ولذلك مهمٌّ جدًّا أن نفهم قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]، فأهم فرصةٍ مُواتيةٍ في التغيير أن أقول: أين أنا من هذه القيم؟ ثم ما الوسائل التي أُؤثر بها في أجيالي حتى أستطيع أن أُكْسِبَهم هذه القيم؟ وذلك من خلال العلاقة المباشرة والمُحيطات المختلفة التي يتعاملون معها: كالمدرسة، والأصدقاء، والجيران، والأقارب، والحي، وما شابه ذلك.
فنحن بأمس الحاجة إلى التعلم وفرض النموذج الواقعي العملي أكثر من النموذج الكلامي، أو كما يُسمَّى: الظاهرة الصوتية، وكذلك الاستفادة من هذه الوسائل، والتأكيد على بعض هذه القيم فيما يتعلق بمرحلتنا الحالية، عندئذٍ تكون هذه الحالة التي أشارت إليها الأخت أم أمونة أنها حالةٌ صعبةٌ للغاية أخفَّ بإذن الله .
وهكذا ينبغي كما قال النبي : لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً، إن كره منها خُلُقًا رضي منها آخر، أو قال: غيره[6]أخرجه مسلم (1469).، وهذا ليس فقط في علاقة الزوج بزوجته، بل حتى في العلاقات الإنسانية، كما أشار بعض الشراح، منهم الشيخ ابن سعدي -رحمه الله- في شرحه لهذا الحديث[7]"الوسائل المفيدة في الحياة السعيدة" لعبدالرحمن السعدي (ص13(.، وكذلك علاقة الآباء بالأبناء، وعلاقة المعلمين بالطلاب، وعلاقة المسؤولين بمَن تحتهم، وعلاقة الناس بعضهم مع بعضٍ، والأصدقاء بعضهم مع بعضٍ، فينظر إلى الجانب الإيجابي الموجود حتى يُخفف وطأة الجانب السلبي، وهذا سيُساعد من الناحية النفسية بإيجاد رسائل إيجابيةٍ؛ حتى نستطيع أن نُغير ونُؤثر، ولن نُغير ونُؤثر إلا إذا استفدنا من كتاب الله وسنة النبي كمرجعيةٍ، وكذلك إذا كنا قدوةً، ثم اجتهدنا وعملنا في زرع هذه القيم المُتناثرة، وقدمنا الأولويات بناءً على الفروق الفردية والأُسرية والمجتمعية والحضارية.
فهذه كلها قيمٌ لا بد من العناية بها، وقد تبرز بعضها في أوقاتٍ، وتبرز أخرى في أوقاتٍ أخرى، وهكذا يكون الإنسان مرنًا من خلال تعامله التربوي الإيجابي.
أشكر شكرًا جزيلًا كل مَن داخل معنا: كالأستاذ شوقي، والأستاذ علي، وأشكر كذلك قبل هذا وبعده الذين شاركونا عبر حسابات (الفيس بوك) و(تويتر) للإجابة عن السؤال التفاعلي، وما زالت الفرصة مُواتيةً كي نسمع ونستفيد أكثر منهم، خاصةً مَن كانت لديه تجارب فيما يتعلق بزرع القيم، وأتمنى أن تكون الكتابة لأجل الأسبوع القادم وما بعده مرتبطةً بقضية التجارب، فالنقاط الأساسية التي ركزنا عليها: مرجعية الكتاب والسنة، والقدوة، وأيضًا نحن نستقبل أي شيءٍ يكون في أذهانكم ونفوسكم؛ حتى نستفيد منه.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن نكون مُباركين أينما كنا وكنتم.
ولقاؤنا في الأسبوع القادم على خيرٍ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | البيت بلا نسبةٍ لقائلٍ في "حياة الحيوان الكبرى" (1/ 127)، وهو في "مجاني الأدب في حدائق العرب" (5/ 182) بلا نسبةٍ أيضًا، برواية: فقلت: ذروه ما به وطباعه *** فكل إناءٍ بالذي فيه ينضح |
---|---|
↑2 | "المدهش" (ص225)، و"مجاني الأدب في حدائق العرب" (4/ 140). |
↑3 | أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة (24601)، وقال محققو "المسند": "حديثٌ صحيحٌ". |
↑4 | أخرجه البخاري )2731). |
↑5 | أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة )15156)، وقال محققو "المسند": "إسناده ضعيفٌ". |
↑6 | أخرجه مسلم (1469). |
↑7 | "الوسائل المفيدة في الحياة السعيدة" لعبدالرحمن السعدي (ص13(. |