المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ، حياكم الله أيها الإخوة والأخوات في حلقةٍ جديدةٍ مباشرةٍ من برنامجكم الأسبوعي "أُسس التربية"، ومن قناتكم قناة "زاد" العلمية في موضوعٍ بعنوان: "ثلاثيات".
وكان هناك سؤالٌ تفاعليٌّ حول: ما الثلاثيات التي تقترحها في النفس البشرية وتربيتها؟
والحقيقة وردت اجتهاداتٌ رائعةٌ، وأشكر الإخوة والأخوات جميعًا الذين شاركوا، فانتقينا ما له علاقةٌ بما سنطرحه -بإذن الله - في هذه الساعة المُباركة، وأسأل الله أن يُبارك لنا ولكم في أوقاتنا وأعمالنا.
عرض بعض المشاركات
الأخت شيرين الحديد تقول: النفوس هي: النفس المُطمئنة، والنفس اللَّوَّامَة، والنفس الأمَّارة.
وتقف الأخت شيرين عند قضية النفس المُطمئنة وتقول: هي النفس التي تأمر صاحبها بالخير مع أسرته والمجتمع، وتنهاه عن الشرِّ، اللهم ارزقنا النفس المُطمئنة، اللهم آمين.
الدكتور خالد: وهذا لا شكَّ أنه تقسيمٌ صحيحٌ، وعددٌ من الإخوة والأخوات قد قسَّموا هذا التقسيم المعروف والمشهور، وفيه أيضًا تأكيدٌ على قضية النفس المُطمئنة، وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أصحاب النفوس المطمئنة.
الأخ محمد علي النجار يقول: كي تستوي النفس البشرية وتصير مُبحرةً في طُمأنينةٍ وسلامٍ، وتُربى تربيةً سويَّةً تستقيم معها الأحوال لا بد من توافر ثلاثة مُقومات أساسية.
الدكتور خالد: الحقيقة في مُشاركات الإخوة اجتهادات رائعة حتى في وصف الأثر التربوي، فأشكرهم على هذا الأمر؛ ولذلك ارتضيتُ -كما أبلغتُ الإخوة الكرام- أن نبدأ بالمُشاركات، والعادة أن تكون المُشاركات في أثناء الحلقة أو في نهايتها، ولكن لجودتها بدأنا بها، ولعلنا ننطلق -إن شاء الله تعالى- من خلال ثلاثياتنا في هذه الحلقة، نسأل الله أن يُبارك فيها.
يقول: وهذا اجتهادي الشخصي، فلا بد من توافر ثلاثة مُقومات أساسية:
الأول: الحب: حب الذات، وحب الآباء لأبنائهم، وحب الله ، فبالحب تكسب ما لا تستطيع الحصول عليه بدونه، لا بقوةٍ، ولا بعنفٍ.
الثاني: الثواب والعقاب، فهذا المبدأ إن طُبِّق بعدلٍ وحكمةٍ في الثواب، وبحبٍّ ورحمةٍ في العقاب؛ جنى ثماره في التربية.
الدكتور خالد: ولا شكَّ أن هذا حسٌّ تربويٌّ من الأخ محمد، وواضحٌ أنه يقرأ ومُهتمٌّ بهذا الجانب.
الثالث: هو الخوف من الله في كل قولٍ وعملٍ، وزرع هذا الخوف من الصِّغر في النَّشء أمرٌ هامٌّ وضروريٌّ، وله تأثيرٌ كبيرٌ في كل منحًى من مناحي الحياة، والله ورسوله أعلى وأعلم.
الدكتور خالد: أشكرك أخي الكريم على لفتتك الجيدة، وربما تُذكرنا باللفتة التي يذكرها علماء السلف حول ما يتعلق بالمحبة والرجاء والخوف في حقِّ الله .
والأخ أيضًا أتى بهذه المحاور الثلاثة أو الأقسام الثلاثة فيما يتعلق بالجانب التربوي بعباراتٍ جميلةٍ ورائعةٍ، ونحن بأمس الحاجة إليها: المحبة المُتبادلة الموجودة، وعلى رأسها: حب الله ، وحب الآباء للأبناء.
والمحبة بلا شكٍّ مهمةٌ: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]، فلا يمكن أن يكسب الناس إلا بهذه المودة والرحمة.
والجانب الآخر مُتعلقٌ بالثواب والعقاب، وهذا مُرتبطٌ في جزءٍ منه بالرجاء من خلال ما يرجو من الثواب، وفي المقابل عكس ذلك: وهو العقاب، وكذلك الخوف من الله .
والأخ صهيب قاسم يقول: النفس المطمئنة، والنفس اللوَّامة، والنفس الأمَّارة بالسوء -نفس الأقسام السابقة-، وباقي الأنفس التي ذكرت إنما هي تبعٌ لهذه الأنفس الثلاث، وأعلاهم المطمئنة، وقد أثنى عليها الله تعالى في أواخر سورة الفجر.
أما الثانية -وهي اللوَّامة- فهي النفس التي لامتك على الخير والشر، فإذا عملتَ خيرًا لامَتْك: لِمَ لَمْ تُكثر منه؟ -وهذه لفتةٌ جيدةٌ أيضًا في قضية اللوم- وإن عملتَ شرًّا لامَتْك: لِمَ لَمْ تتَّقِ الله ؟ أتتجرأ على الله بنِعمه عليك؟!
وأما الثالثة: فهي الأمَّارة بالسُّوء، وهي الهوى، فتُفضل هذه النفس الأمَّارة -ولاحظوا المثال الجميل الذي ذكره الأخ- النوم على أن تستيقظ إلى الفجر.
الدكتور خالد: إنسانٌ نائمٌ ويُدرك أن الصلاة في الجماعة فرضٌ، ولكنه يُقدم النوم على الاستيقاظ للعبادة، فلا شكَّ أن هذا هوًى، وهذا من النفس الأمَّارة بالسُّوء.
ويقول: أو التعصب -هذا مثالٌ آخر- بعدما تبين لك الحق؛ نصرًا لهواك، أو أي شيءٍ من المعاصي.
الدكتور خالد: وهذا تقسيمٌ جميلٌ، وأمثلةٌ أجمل من الأخ الكريم، جزاه الله خيرًا.
ففعلًا الإنسان قد يكون في دائرة النفس الأمَّارة بالسوء بهذه الأمثلة، وقد عمَّمها حينما قال: أو أي شيءٍ من المعاصي، فإن النفس اللوَّامة ... وذكر اللوم في الخير؛ لأن الإنسان قد يندم فعلًا أنه لم يعمل الخير، أو يزداد منه، وكذلك من باب أولى اللوم على الشر والمعصية.
ولا شكَّ أن النفس اللوَّامة أعظم عند الله من النفس الأمَّارة بالسوء، ولكن خيرٌ من ذلك كله: النفس المُطمئنة، رزقنا الله وإياكم ذلك.
والأخ فيصل عوض يقول: النفس اللوَّامة التي تلوم صاحبها على فعل المعصية، والنفس الأمَّارة بالسوء، والنفس المُطمئنة، والنفس السَّوية.
الدكتور خالد: على أية حالٍ النفس السَّوية يمكن أن تكون هي نفسها النفس المُطمئنة.
والأخ عبيدة قنبر يقول: هنا ثلاث حالاتٍ: النفس المُطمئنة.
الدكتور خالد: والأخ قسَّم نفس التقسيم، لكن -جزاه الله خيرًا- أجاد في ضبط ذكر الأدلة.
قال: والدليل قوله تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ [الفجر:27]، وهذه خاصَّةٌ -يقول- بالمؤمنين.
والثانية: النفس اللوَّامة، وهذه فيها أقوالٌ؛ منها -يقول-: أنها تلوم صاحبها على فعل الطاعة.
الدكتور خالد: والقول الثاني: أنها تلوم صاحبها على فعل المعصية، كما أشار أحد الإخوة قبل قليلٍ.
ثم النفس الأمَّارة بالسوء، كما جاء في قول الله : وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ [يوسف:53]، وأما هذه فيقول: فتُهلك صاحبها إن لم يحذر منها، ويصطفيه الله برحمةٍ منه.
وتوت شامي يقول أو تقول: النفس الأمَّارة بالسوء التي ذُكرت في سورة يوسف، والنفس اللوَّامة التي ذُكرت في سورة القيامة، والنفس المُطمئنة التي ذُكرت في الفجر.
والأخ الدكتور زاكي: أنا أظن حسب رأيي: الفطرة الإلهية، ثم الوالدان والعائلة، ثم البيئة المُحيطة.
الدكتور خالد: على أية حالٍ أيضًا هذا اجتهادٌ جميلٌ وجيدٌ؛ لأن الإنسان يعيش بين هذه: بين التَّلقي من خلال فِطرة الله التي فطر الناس عليها، ومن خلال بيئة الوالدين، والتَّوجيه منها، والبيئة المُحيطة، اجتهادٌ مأجورٌ ومشكورٌ.
والأخ أسامة السّناني يقول: للإنسان نفسان: نفسٌ أمَّارةٌ بالسوء، ونفسٌ مُطمئنةٌ؛ فالنفس المُطمئنة تأمره بالخير، وتنهاه عن الشر، والنفس الأمَّارة بالسوء تأمره بالسوء، وتُلِحُّ عليه.
وهناك نوعٌ آخر للنفس، وهو جامعٌ بين النفسين: وهو النفس اللوَّامة، وهي التي تقود الإنسان إما إلى خيرٍ، أو إلى شرٍّ.
الدكتور خالد: أشكر الإخوة الأكارم، وأسأل الله لي ولهم التوفيق والسَّداد، ومُشاركاتٌ جيدةٌ، وأسأل الله أن يُبارك فيما قدَّموه، وأسأل الله أن يجعل نفوسنا ونفوسكم من النفوس الراضية، المُطمئنة، السَّوية، السعيدة، اللهم آمين.
يقول الله : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].
يمكن أيضًا أيها الإخوة عبر ما ترون من أرقام التواصل الاتصال المُباشر، أو عبر (الواتس)، مشكورين، مأجورين، والمُشاركة بالاتصال فيما يتعلق بموضوع حلقة اليوم، أو إذا كانت هناك قضايا نستطيع أن نُجيب عنها من القضايا الأُسرية والنفسية والتربوية.
أقسام النفس البشرية
نقول -وبالله التوفيق-: أولى هذه الثلاثيات أيها الإخوة الأكارم، وأنا أريد قبل أن أدخل في الثلاثيات الاجتهادية كما اجتهد الإخوة، واجتهد قبلهم العلماء وغيرهم؛ أن أُبين أن هذه الاجتهادات التي جمعتُها لها علاقةٌ مهمةٌ جدًّا فيما يرتبط بالجانب النفسي للنفس البشرية، وكذلك الجانب التربوي في التربية الفردية والجماعية، وكذلك الجانب المُتعلق بالجانب الأُسري والاجتماعي.
وستلحظون أن هذه القضية وهذه الأنواع التي سنذكرها بعد قليلٍ أنها شمولية، فهي تُبين أن تربيتنا التي نريد أن نُحققها في أجيالنا، والتي يدعو إليها المنهج الإسلامي في كتاب الله وسنة النبي ، ومن خلال التراث الإسلامي، وكلام العلماء -أنها تربيةٌ شاملةٌ، وليست مقصورةً على جانبٍ دون جانبٍ.
وكذلك هي تربيةٌ مُتكاملةٌ؛ فهي يرتبط بعضها ببعضٍ، ويُؤثر بعضها في بعضٍ: ألا وإن في الجسد مُضْغَةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجسد كله[1]أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599).، وكذلك تكون التربية مُتوازنةً، بحيث يُعطى كل ذي حقٍّ حقَّه.
دعونا نبدأ بثلاثياتنا، وسنجد جزءًا منها مُتقاطعًا مع ما ذكره الإخوة الأكارم والأخوات في اجتهاداتهم.
الثلاثية النفسية
أولى هذه الثلاثيات -أيها الإخوة الأكارم- نستطيع أن نُسميها: الثلاثية النفسية، وهي ما ذكره الإخوة والأخوات قبل قليلٍ، وركّزوا عليه بشكلٍ كبيرٍ، وهو الذي يظهر، أو يكون أقرب إلى الذهن فيما يتعلق بتقسيم النفس إلى: النفس المُطمئنة، والنفس اللوَّامة، والنفس الأمَّارة بالسوء.
والإنسان حينما يُجاهد النفس حتى ينتقل من النفس الأمَّارة بالسوء -أسأل الله أن يتوب علينا ويغفر لنا- إلى أن تكون نفسًا مُطمئنةً فهذا هنيئًا له، وهذا الذي في الغالب تكون الصلاة قُرَّة عينيه، ويشعر بلذَّة العبادة والأُنس والراحة، حتى وقت الابتلاء يكون صبورًا، بل شكورًا، ويحمد الله .
وهذه من القضايا التي نحتاجها؛ لأن نفسه مُطمئنةٌ، فهو يتنقل بين منازل العبودية: من صبرٍ، إلى شكرٍ، إلى رضًا، الله يجعلنا وإياكم من هؤلاء.
والنفس اللوَّامة هي مُستوى أدنى، ولكنها أيضًا كذلك؛ ولذلك فرَّق الله بين السابقين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال، وهناك أيضًا فروقاتٌ في هذه القضايا، وربما أنها تتوازى مع النفس المطمئنة والنفس اللوَّامة والنفس الأمَّارة تقريبًا.
ولذلك ينبغي أن يكون من أهدافنا التربوية أيها الإخوة: أن نُوصل أجيالنا قدر ما نستطيع إلى أن يكونوا في وضعٍ مُطمئنٍّ في كثيرٍ من أحوالهم وأوقاتهم، وربما يكون هذا الأمر معيارًا لنا في قضية الأثر الإيجابي في تربية أجيالنا في البيت والمدرسة والمجتمع عمومًا؛ ولذلك إذا كان المدخل التربوي في الأسرة أو المدرسة أو الشارع أو المجتمع أو الإعلام أو في استخدام التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي يُسبب الاطمئنان والراحة والسعادة التي تُمثل النفس المطمئنة، ولا يُمثل القلق والتوتر، فلا شكَّ أن هذا أمرٌ رائعٌ جدًّا.
وهذا معيارٌ جميلٌ، وهو تحقيق المطمئنة، ولا شكَّ أن النفس تضعف، ويكون عندها جانبٌ من اللوم، لكن -كما قلتُ- هي نسبةٌ وتناسُبٌ، فقد تجد شخصًا عنده جانبٌ من الاطمئنان في نفسه، وقد يكون عنده جانبٌ من اللوم أيضًا في نفسه، لكن نسبة الاطمئنان عنده أكثر من نسبة اللوم، وفي مقابله شخصٌ آخر عكس ذلك، وكما يقول الشاعر:
وحسبُكموا هذا التفاوت بيننا | وكل إناءٍ بالذي فيه يَنْضَح[2]البيت بلا نسبةٍ لقائلٍ في "حياة الحيوان الكبرى" (1/ 127)، وهو في "مجاني الأدب في حدائق العرب" (5/ 182)بلا نسبةٍ … Continue reading |
وهذا الأمر وما سيأتي من الثلاثيات يجعلنا نُركز على سؤالٍ مهمٍّ وهو: كيف تكون أهدافنا؟ وكيف يكون محتوى التربية؟ وكيف تكون طرائقنا في التربية؟ حتى نُوجد النفس المطمئنة التي تشعر بالطمأنينة: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، فما أعظم حينما تدخل جنة الله راضيةً ومرضيَّةً!
هل يمكن أن يُتوقع هذا في النفس الأمَّارة بالسوء التي كثيرًا ما تأمر بالسوء، وتقع في فخِّ غضب الله ، والقلق، والتوتر الناتج عن الانحراف فيما يتعلق بحقِّ الله، أو بحقِّ الناس، أو حتى فيما يتعلق بقضية الكسل وعدم العمل في الحياة والجدية فيها؟!
النفس اللوَّامة خيرٌ وأفضل من النفس الأمَّارة بالسوء، ففي الغالب أن صاحبها مُستسلمٌ لإرضاء الشيطان، وقد يقع الإنسان، وكل بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التَّوابون[3]أخرجه ابن ماجه (4251)، والترمذي ت: شاكر (2499)، وحسنه الألباني..
وهذا دليلٌ على قضية اللوم، فعندما يلوم الإنسان نفسه فيما يتعلق بقضية الشرع، أو حتى في التقصير في العمل في الخير، أو فوات فرصٍ للعمل بالخير؛ لا شكَّ أن هذه القضية تجعلنا ننتقل لمراحل أفضل إنتاجية في حق الله، وحق الناس، وحق النفس ذاتها.
إذن هذه هي الثلاثية التي نُسميها: الثلاثية النفسية المُرتبطة بالنفس المُطمئنة، واللوَّامة، والأمَّارة بالسوء.
يسأل كل واحدٍ منا نفسه -وأولكم مُحدِّثكم-: من أي هذه الأنواع أنا؟
فقد يكون الإنسان -كما قلتُ قبل قليلٍ- عنده نفسٌ أمَّارةٌ بالسوء ولوَّامةٌ ومُطمئنةٌ، لكن كم نسبة هذا؟ وكم نسبة هذا؟
وأيضًا كيف هي القضية في مستقبل الأيام وتقدم الأعمار والساعات؟ هل هي أقرب إلى الجانب الإيجابي من أمَّارةٍ إلى لوَّامةٍ، ومن لوَّامةٍ إلى مُطمئنةٍ؟ وهل نسبة المُطمئنة تزداد ونسبة اللوَّامة تزداد في مقابل الأمَّارة كمثالٍ؟
فهذه من القضايا المهمة التي ينبغي أن نعتني بها، فتُساعدنا جدًّا في التعامل مع أنفسنا ومع الآخرين، والتربية الأُسرية والمجتمعية والتعليمية عمومًا.
الثلاثية العلاقاتية
الثلاثية الأخرى نستطيع أن نُسميها: الثلاثية العلاقاتية، وهي: العلاقة مع الله، والعلاقة مع النفس، والعلاقة مع الآخرين.
فهذه أيضًا من الثلاثيات التي يمكن أن نقف عندها، ونحتاج أن نتنبه لها -كما قلتُ- بنظرةٍ شموليةٍ وتكامُليةٍ ومُتوازنةٍ، حتى تكون تربيتنا سليمةً، ولها مُخرجات إيجابية.
وينبغي أن ننظر في كيفية علاقتنا بالله ، وأثر ذلك على قضية التربية وتحقيقها، فالكثير منا ربما يكون عنده حرصٌ شديدٌ جدًّا على قضية علاقته بالآخرين والنجاح فيها، لكن تجده مُقصرًا في علاقته بالله كمثالٍ، وقد يكون العكس؛ فعنده حرصٌ على العلاقة بالله في العبادة والاهتمام بالطاعات والعبادات، ولكنه مُقصرٌ في حق الآخرين في التواصل معهم، وربما لا يكون مُؤثرًا إيجابيًّا، بل يكون مُؤثرًا سلبيًّا، أو مُنفِّرًا، أو ما شابه ذلك.
ولذلك ينبغي أن نُوجد الشخصية التي تُجيد علاقتها بالله من خلال الإتيان بما يُحبه الله ، والانتهاء عما ينهى الله عنه، وجعل الله نُصْبَ عينيه.
هكذا يُربى الأجيال على حُسن علاقتهم بالله ، وأن يُقال لهم: أهم علاقةٍ يا أبنائي وطلابي، ويا موظفين، ويا صديقي، ويا أيتها النفس هي العلاقة بالله ؛ ولذلك ينبغي أن تكون الأنفس مُروَّضةً لله، وفي الله، وبالله.
وهكذا تميز جيل السلف الصالح والصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين-، فقد كانوا يحرصون جدًّا على العلاقة بالله ، مع حرصهم على جانب دعوة الآخرين، ورعاية هذه النفس البشرية وما يتعلق بها.
إذن هذا هو جانب العلاقة بالله باختصارٍ شديدٍ، وهو واضحٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
وأما الجانب المتعلق بالنفس فبعضنا لا يدري مَن هو؟
ولن أقول ما قاله إيليا أبو ماضي عن أناسٍ يضيعون في هذه الحياة:
جئتُ لا أعلم من أين؟ ولكني أتيتُ
ولقد أبصرتُ قُدَّامي طريقًا فمشيتُ
وسأبقى سائرًا إن شئتُ هذا أم أبيتُ
كيف جئتُ؟ كيف أبصرتُ طريقي؟ لستُ أدري[4]"ديوان إيليا أبي ماضي" (ص193)..
إلى آخر هذه الطلاسم كما سمَّاها، حتى سمَّى القصيدة: قصيدة الطلاسم، وديوان الطلاسم بالنسبة إليه، فهذا ضياعٌ وتِيهٌ!
فكيف نقول: إن الإنسان لا يُدرك مَن هو، ولا يُدرك هُويته؟!
فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا: أن نُدرك مَن نحن، وما هُويتنا، وميولاتنا، وإمكاناتنا، وقُدراتنا؟
وبعض الناس -مثلًا- في التخصصات الأكاديمية تسأله: لماذا اخترتَ هذا التخصص؟ لا يعرف لماذا! قال: سمعتُ، أو هذا الذي تيسر، أو مع زملائي، ... إلى آخره، فهذا خطيرٌ؛ ولذلك يحتاج الإنسان أن يتعرف على نفسه، وعلى نمط شخصيته.
ولمُحدِّثكم محاولة في ذلك توجد على موقع الشبكة العنكبوتية في قناة (اليوتيوب) الخاصة بي بعنوان: "أنماط الشخصية"، و"بوصلة الشخصية"، وأسأل الله أن يتقبل.
ويمكن للإنسان من خلال النظر في هذه المُواصفات التي بُنيت من خلال نظرية (هولاند) العالمية في أنماط الشخصية والميول المهنية أن يتعرف على شخصيته، حتى يعرف مَن هو؟ فيتوافق مع ذاته والآخرين والمجتمع، ومع والديه، وأبنائه، وزوجته، وأحبابه، وأعدائه، فيتعامل مع الأعداء بطريقةٍ صحيحةٍ، ويتعامل مع الناس بطريقةٍ صحيحةٍ: المؤمن الذي يُخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرًا من المؤمن الذي لا يُخالط الناس ولا يصبر على أذاهم[5]أخرجه ابن ماجه (4032)، والترمذي ت: شاكر (2507)، وصححه الألباني.، وهذه القضية أيضًا لها دورها التربوي والنفسي والمجتمعي.
الثلاثية الإنتاجية
الثلاثية الأخرى هي الثلاثية التي يمكن أن نُسميها: الإنتاجية، وهذه كل واحدٍ منا يحتاجها، وقد أفردنا بعضها، وسنُفرد بعض هذه الأشياء في المستقبل، بإذن الله .
وهذه القضايا من المهم جدًّا أن نضعها -كما قلنا- أهدافًا لتربيتنا الأسرية، والتعليمية، والمجتمعية، والإعلامية، ... إلى آخره.
والجانب الآخر: اختيار المحتوى المُناسب الذي يُحقق العلاقة بالله، والنفس، والآخرين، وهكذا بالنسبة للأمور التي قبل ذلك، وهي النفس المطمئنة.
وفرقٌ بين الذي يملك مهارات التواصل مع الذات، وبين الذي لا يملك ذلك، وأُعطيكم مثلًا -وهذه من القضايا النفسية الواضحة-: بعض الناس ربما يُركز على جانب السلبية بالنسبة إليه؛ ولذلك تجد أنه -في الغالب- قد يُحطم نفسه بنفسه، فينظر دائمًا بالنظرة السوداوية السلبية: بأنه لا يُساوي شيئًا، وليس عنده القدرة، ولا يستطيع أن يفعل، مع أنه يستطيع أن يفعل، وعنده القدرة، ... إلى آخره؛ ولذلك الرسائل السلبية عنده تطغى على الرسائل الإيجابية، أو أنه يتحدث عن ماضٍ انتهى، وربما كان هذا الماضي سلبيًّا، وكان فيه ما فيه، ولكن يقف عنده ولا يتجاوزه! مع أن القضية بسهولةٍ تُتجاوز بتوبةٍ من الله ، وببذل الجهد في الوقت الحالي بما ينفع الإنسان في أمور دينه ودنياه.
كيف تكون الثلاثية الإنتاجية؟
حتى أُنتج لا بد أن أُنتج من خلال -كما يُقال- ثلاثة برامج، وهذه الثلاثية هنا:
البرنامج الأول: هو البرنامج النَّمائي الذي فيه زيادةٌ ونَماء، فهنا اتِّجاهٌ إيجابيٌّ مع قاعدةٍ إيجابيةٍ.
البرنامج الثاني: هو البرنامج الوقائي، ففيه خوفٌ من الوقوع في المشكلة، فأنا أَقِي نفسي أو مَن أُربِّيه -كابني وزوجتي- أن يقع في المشكلة.
وهذا برنامجٌ وقائيٌّ ومُنتجٌ، كما أن البرنامج النَّمائي مُنتجٌ.
والثالث: البرنامج العلاجي: فكل إنسانٍ مُعرَّضٌ إلى أن يقع في مشكلةٍ، طيب، ما الذي سنفعله؟ هل سنتفرَّج؟
لا، وإنما نقوم بعلاجها بطريقةٍ صحيحةٍ، ونتعلم أساليب ومهارات تعديل السلوك، ومهارات وطرائق حل المُشكلات، وما شابه ذلك، وهذه من القضايا المهمة جدًّا.
وحين أضع هذه القضية سأستحضر الأهداف التي تهمُّني في الأسرة أو البيئة التربوية أيًّا كانت: أسرة، أو مدرسة، أو غيرها، وأستحضر الأهداف من خلالها، فلا بد أن تكون عندي أهدافٌ نَمائيةٌ ووقائيةٌ وعلاجيةٌ، وعلى إثر ذلك يكون المحتوى والطرائق.
فهؤلاء ليسوا بمستوًى واحدٍ، كما أن النفوس الثلاثة ليست بمستوًى واحدٍ، والعلاقات الثلاثية ليست بمستوًى واحدٍ، وإنما هي أيضًا بمستوياتٍ مختلفةٍ.
ما المشكلة في البيئات؟
أنا أرى أننا حين ننسى الله في العلاقات فهذه مشكلةٌ ضخمةٌ جدًّا، وحينما ننسى العلاقات بالناس والإجادة في ذلك فهذه مشكلةٌ أخرى، ولا شكَّ أن حق الله أعظم من حق الناس.
وحينما نقف عند النفس الأمَّارة بالسوء دون أن نسعى إلى الزيادة فهذه مشكلةٌ، وحينما يكون عندنا تمحورٌ حول النفس الأمَّارة فهذه مشكلةٌ أكبر.
فكل هذه القضايا نحتاج أن نقف عندها.
نكمل -إن شاء الله تعالى- الثلاثية الإنتاجية وما نقصد بها بالدرجة الكبرى، وأيّهما أولى؟ وكيف تكون هذه الدوائر؟ بعد أن نستمع للأخ الكريم إسلام من مصر.
مرحبًا أخي إسلام.
المتصل: السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك.
المتصل: أهلًا وسهلًا بك، كان عندي تعليقٌ لو تسمح لي به.
المحاور: تفضل.
المتصل: بالنسبة لموضوع النفس: أنا أرى -من خلال قراءاتي ومُعاشرتي للناس- أنه من الصعب تغيير النفس، لكن القرآن الكريم والسنة النبوية وضَّحا لنا طريقًا واضحًا لتغيير النفس، يعني: لو بدأتُ بالآية القرآنية التي تقول: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11].
المحاور: يا سلام.
المتصل: وقد يسأل سائلٌ: كيف يكون تغيير النفس؟ أو كيف أُغير نفسي؟
فتردّ علينا السنة النبوية بقول الرسول : إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومَن يتحرَّ الخير يُعْطَه، ومَن يتوقَّ الشر يُوقَه[6]أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (2103)، وأبو نعيم في "الحلية" (5/ 174)، وابن عبدالبر في "جامع بيان العلم وفضله" (903)، … Continue reading.
المحاور: يعني: أنت أخي إسلام تُؤكد على قضيةٍ مرتبطةٍ بالنفس البشرية، ألا وهي: الإرادة الذاتية، كما قال الله : وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، أو كما قال: حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.
المتصل: نعم، فالواحد يحاول ويتصبر ويحلم ويحاول أن يُغير نفسه، وإن فشل فالآية القرآنية تقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا، فيجب على الإنسان أن يُجاهد ويُقاوم، ويكون عنده يقينٌ في الله أنه سيتغير، ولا ييأس أبدًا، ويتذكر قول الرسول في الحديث القدسي: أنا عند ظنِّ عبدي بي، فليظنَّ عبدي بي ما شاء[7]أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (1235)، وهو عند أحمد في "مسنده" (16016) بلفظ: فليظن بي ما شاء، وصححه الألباني في … Continue reading، ويقول الله تعالى: فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ[الصافات:87].
فميزة الإسلام أنه يُعطي الإنسان يقينًا في التغيير، يعني: أنا أشعر من الآية القرآنية: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ، والأحاديث التي منها: إنما العلم بالتعلم باليقين من التغير، وأي إنسانٍ في الدنيا يريد أن يتغير سيتغير.
المحاور: ولذلك قول بعضهم: إن هذا مستحيلٌ، وأنا لا أستطيع! كلامٌ غير صحيحٍ.
المتصل: في الإسلام عندنا لا يوجد مستحيلٌ، سبحان الله! فالإسلام وضع لنا كل شيءٍ للتغيير، وبيَّن لنا النماذج التي استطاعت أن تتغير وتتخلص من عاداتٍ سيئةٍ، أو تُضيف عاداتٍ إيجابيةً لحياتها.
فصراحةً هذه الآيات أنا أشعر أنها نِبْراسٌ لحياتنا، وتُعطينا أملًا في التغيير.
المحاور: جزاكم الله خيرًا، أشكرك يا أستاذ إسلام على هذه اللَّفتة الجميلة فيما يتعلق بتهيئة النفس للتغيير.
وهذه لفتةٌ مهمةٌ نحتاجها في كل الثلاثيات التي ذكرناها وسنذكرها -بإذن الله - بعد الفاصل.
فكيف أُغير ذاتي؟ موضوعٌ مهمٌّ، وبالغ الأهمية، ولعله تكون لنا حلقاتٌ في هذا، وتجدون أيضًا في (اليوتيوب) حلقةً بعنوان: "كيف أُغير ذاتي؟" ديوانية المربي، باسم مُحدِّثكم، وهي مادةٌ مهمةٌ جدًّا في هذه القضية من خلال ما ذكره العلماء المُختصون، وفيها أكثر من طريقٍ واستراتيجيات نحتاجها، بارك الله فيكم.
أيها الإخوة الأكارم، فاصلٌ ونواصل -بإذن الله-، فكونوا معنا.
الفاصل:
لا تأكل نفسك!
لا تحاسدوا[8]أخرجه البخاري (6065)، ومسلم (2559). توجيهٌ نبويٌّ لعلاج أخطر الآفات الاجتماعية والأخلاقية، فالحسد وإن كان أصله في القلب من بُغْضٍ لنعمة الله على المحسود، وتَمَنٍّ لزوالها عنه، فإنه غالبًا ما تكون له امتداداتٌ في الخارج تدفع الحاسد إلى البغي، والظلم، والاعتداء، والإيذاء، والإيقاع بالمحسود.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "فالحاسد يحمله بُغْض المحسود على مُعاداته، والسعي في أذاه بكل ممكنٍ، مع علمه بفضله وعلمه، وأنه لا شيء فيه يُوجب عداوته إلا محاسنه وفضائله؛ ولهذا قيل: الحاسد عدوٌّ للنِّعَم والمكارم"[9]"مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/ 95)..
وكما نهى ديننا عن الحسد فقد وجَّه إلى علاجه، فأمر الله تعالى بالاستعاذة به من شرِّ الحاسدين فقال في سورة الفلق: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:5]، وجعل الإيمان بالقضاء والرضا بما قدَّره من تفاوت الأرزاق والمَلَكَات ركنًا من أركان الإيمان فقال: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا [الزخرف:32].
كما حضَّ المؤمنين على البذل والعطاء والإيثار والتراحم، وهي المعاني التي تستأصل هذا الداء من القلوب، فعِلَّة الحسد ترجع إلى إفراطٍ في الأنانية، وحبٍّ للذات، مع ضعفٍ في الإيمان بكمال حكمة الله تعالى في توزيع الأرزاق بين عباده.
وعلى المسلم إذا أحسَّ في نفسه بحسدٍ تجاه أخيه ألا يرضى بغيبته أو ظلمه، بل عليه أن يُدافع عن عِرْضِه ما استطاع، وأن يُكثر من الدعاء له بالخير والبركة.
وإذا كان الحسد خُلُقًا مذمومًا، فإن الغِبْطَة صفةٌ محمودةٌ، وهي: تمني مثل ما للمغبوط من النعمة، من غير أن يتمنى زوالها عنه، فإن كانت في أمور الدنيا فهي مُباحةٌ، وإن كانت في أمور الآخرة فهي مما حثَّنا الشرع على المُنافسة فيه والمُسابقة إليه، قال تعالى: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26]، وقال : لا حسدَ إلا في اثنتين: رجلٍ آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجلٍ آتاه الله مالًا فهو يُنفقه آناء الليل وآناء النهار[10]أخرجه البخاري (7529)، ومسلم (815)..
الدكتور خالد: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات، وعودًا إلى الثلاثيات.
هذه الثلاثية الإنتاجية نحتاج فقط أن نقف فيها مع الدائرة المتعلقة بالجانب النَّمائي، فينبغي أن تكون هي الدائرة الأوسع، بمعنى: أن نُعطيها الأهمية، فالوقت الذي نبذله في الجانب النَّمائي أكثر من الجانب الوقائي والعلاجي، والاهتمام بالجانب النَّمائي أكثر من الجانب الوقائي والعلاجي؛ ولذلك إذا اهتممنا بالجانب النمائي فبنينا الأبناء والتلاميذ بناءً سليمًا فإننا لن نحتاج كثيرًا إلى البرامج الوقائية، ومن باب أولى البرامج العلاجية، وستقلّ المشكلات، فالمشاكل تكثر حينما نكون مُعطَّلين أو مُقصِّرين في قضية الجانب النَّمائي، وعندئذٍ تجد في الغالب الأعم -حتى ربما في الجانب الوقائي- ما نفتح مع الأبناء ومع الطلاب موضوع التعامل مع الآخرين إلا عندما تحصل المشكلة، وهذه قضيةٌ صعبةٌ جدًّا في الحقيقة.
ولذلك نحن في تخصصاتنا نُعاني من أكثر الذين يأتون إلينا أو يتَّصلون بنا في الاستشارات أنهم يُركزون على قضية المشكلات.
أنا أقول: لا يقل عن 95% مما يأتينا مشكلات، وقليلٌ مَن يتحدث أو يسأل: كيف أُطور نفسي؟ أو كيف أُنمِّي جانبًا معينًا في القراءة؟ أو كيف أُنمِّي -كما ذُكر قبل قليلٍ- جانب تغيير الذات؟ أو كيف أَقِي نفسي من أن أقع؟ وما شابه ذلك.
فالنَّمائي أقلّ القليل، والوقائي قليلٌ، وأما العلاجي فهو الذي عليه الكلام، وحتى العلاجي ينبغي -كما قلنا- أن نتدرب على الأساليب الرائعة في قضية حل المشكلات.
الثلاثية التربوية
الثلاثية الأخرى -أيها الإخوة- نستطيع أن نُسميها: الثلاثية التربوية، وهي مرتبطةٌ بعناصر ثلاثةٍ نحتاجها، وهي: التربية الذاتية، والتربية الفردية، والتربية الجماعية.
وكما عرَّفوا التربية: أن الإنسان يتدرج فيها إلى أن يصل إلى مستوى الكمال؛ لأن القُدرات تختلف من واحدٍ لآخر، وكذلك الفروق الفردية.
والمقصود بالجانب الذاتي هو: كيف يُربي الإنسان نفسه؟
وهناك أناسٌ يستطيعون أن يتعاملوا ويُربوا ذواتهم بطريقةٍ صحيحةٍ، وهذا مستوًى عالٍ، وهذا الذي أشار إليه قبل قليلٍ الأخ الكريم إسلام من مصر فيما يرتبط بقضية: حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.
والجانب الفردي هو علاقة الإنسان المُربي بمُتربٍّ واحدٍ، والجماعي هو علاقة الشخص المُربي بمجموعةٍ من المُتربين، وهذه من الثلاثيات التربوية.
ومعنا الآن الأخ الطيب من الجزائر.
مرحبًا بك أخي الطيب.
المتصل: السلام عليكم، كيف حالك يا شيخنا الكريم؟
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله، مرحبًا بك، الله يحفظك.
المتصل: إني أُحبك في الله يا شيخ.
المحاور: أحبَّك الله الذي أحببتنا فيه، الله يحفظك، تفضل بما عندك، ولو تختصر؛ لأنه بقي معنا وقتٌ بسيطٌ.
المتصل: بالنسبة لموضوع السبب الرئيس لسوء التعامل في الأسرة والمجتمع مع الأبناء والزوجة هو: الغضب، كما قال الصحابي: يا رسول الله، أوصني. قال: لا تغضب، وردَّد ذلك مرارًا، قال: لا تغضب[11]أخرجه البخاري (6116).، وفي روايةٍ: دُلَّني على عملٍ يُدخلني الجنة. قال: لا تغضب ولك الجنة[12]أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2353)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7374).، أي: أن الغضب هو السبب الرئيس في المشاكل الأسرية والاجتماعية والزوجية.
المحاور: جميلٌ، شكرًا لك يا أستاذي.
المتصل: شكرًا، بارك الله فيك.
المحاور: مشاركةٌ جيدةٌ، ولا شكَّ أن الجانب الانفعالي -وخاصةً ما يتعلق بالغضب- له أثره الكبير في قضية العلاقات.
نعود لبعض المُشاركات والأسئلة لاحقًا، ونرجو من الإخوة أن يُنبهونا لها في نهاية الحلقة.
فدعونا الآن نُكمل ما يتعلق بثلاثياتنا -حفظكم الله-، وهي: الثلاثية التربوية، وهي ما يرتبط بالجانب الذاتي والفردي والجماعي.
وكما قلنا قبل قليلٍ هناك تركيزٌ عند كثيرٍ من الناس على الجانب العلاجي، فيقلّ عندهم الجانب الوقائي والنَّمائي من باب أولى، والعكس.
والمفترض أن يكون العكس؛ فنهتم بالنَّمائي حتى يكون الوقائي تبعًا له، والعلاجي سيكون قليلًا؛ لقلة المشكلات.
ونفس الشيء هناك أناسٌ يميلون إلى التربية الجماعية: كخطيبٍ يُقدِّم خُطبته، ومُحاضرٍ يُقدِّم مُحاضرته، وأستاذٍ وأبٍ يُقدِّم توجيهاته العامَّة، لكن ليس هناك علاقةٌ فرديةٌ بين الأب والابن مثلًا، وهذه مهمةٌ جدًّا لأجل مراعاة الفروق الفردية، وكذلك ما يتعلق بهذا الإنسان، وهو أن يكون فعلًا كما قال الله : كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف:3]، فهو مُرَبٍّ لذاته، فما يُوجه فيه الآخرين في الجانب الجماعي أو التربية الفردية يمتثله، بإذن الله .
ثلاثية المفسدة
ولدينا كذلك الثلاثية التي نستطيع أن نُسميها: ثلاثية المفسدة:
إنَّ الشباب والفراغ والجِدَهْ | مفسدةٌ للمرء أيُّ مفسده[13]البيت في "الدر الفريد وبيت القصيد" (4/ 422)، و"التمثيل والمحاضرة" (ص76) لأبي العتاهية، ولم نجده في ديوانه. |
وثلاثية المفسدة هذه تكون أكثر في مرحلة الشباب؛ ولذلك قال الشاعر: "إن الشباب"، والتركيز على الشباب كما قال النبي : سبعةٌ يُظلهم الله في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظله، وذكر منهم: وشابٌّ نشأ في عبادة ربه[14]أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031).، وكما قال الله : إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ [الكهف:13].
فالشباب مرحلةٌ ليست مرحلة طيشٍ كما يقول البعض: المُراهقة مرحلة طيشٍ! ولهذا يعذرهم البعض في طيشهم، لا، ليس كذلك، نعم المُراهقة لها خصائص، وقد يُصبح المُراهق طائشًا، ولكنه قد يضبط نفسه، أو يضبطه المجتمع، أو يُساعده، وكذلك الشاب قد يستطيع أن يستثمر مرحلة الشباب بشكلٍ إيجابيٍّ، وقد يكون في مرحلةٍ حرجةٍ؛ ولهذا عناية الأمم والحضارات بالشباب من القضايا المهمة.
وكثيرٌ من الدراسات المتعلقة بانحراف الأحداث -ذكورًا وإناثًا- في عمر الشباب تُعطي مُؤشرًا على أن السبب في ذلك -إضافةً للأصدقاء- هو الفراغ، فلدى الشاب شعورٌ بالفراغ فلا يُمْلأ، وهنا يبرز دور المؤسسات التربوية والمُوجهين التربويين والبيئات التربوية في العناية بالشباب بالدرجة الأولى، وإن كانوا بحاجةٍ إلى العناية قبل ذلك في مرحلة الطفولة حتى يتهيؤوا بشكلٍ أفضل لمرحلة الشباب، وكذلك ينبغي إشغال أوقات فراغهم.
وأنا أقول للأُسَر: أين دوركم في إشغال أوقات الفراغ؟ وأين اهتمامكم بالشباب؟
فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
قال: "والجِدَه" وهي التَّرف، ولما يجتمع مع الشباب والفراغ يُصبح قضيةً مُخيفةً جدًّا.
الثلاثية السلوكية
الثلاثية التي بعدها: الثلاثية السلوكية، وهي ما يتعلق بالجانب المعرفي، والوجداني، والمهاري، وهذا تعريف السلوك عند أهل السلوك وعلم النفس.
والجانب المعرفي يُقصد به هنا: الاهتمام بالجانب العقلي، والجانب الوجداني أي: الاهتمام بالمشاعر، والمهاري: الاهتمام بالجانب الحركي.
فينبغي أن تكون تربيتنا مُرتبطةً بهذه الأمور الثلاثة، ولا نهتم بالجانب العقلي وننسى الجانب الوجداني، ولا نهتم بالجانب الوجداني وننسى الجانب المهاري، ولا نهتم بالجانب المهاري وننسى الجانب المعرفي، وهكذا، فالإنسان عقلٌ ومشاعر وجسدٌ، فلا بد من تلبية هذه الحاجات الثلاثة بمساراتٍ ثلاثةٍ، فنضع أهدافنا ومحتويات تربيتنا بناءً على هذه القضية، فما الأشياء التي نُعلمها أجيالنا؟ وما المشاعر والاتجاهات والقيم التي اكتسبها أجيالنا؟ وما السلوكيات الظاهرة والمهارات وبناء الجسد الجيد وما يتعلق بالبنية الجسدية التي اكتسبها كذلك أجيالنا؟
الثلاثية المنهجية
الثلاثية الأخرى هي: الثلاثية المنهجية، فلدينا في منهجنا الإسلامي: إفراطٌ، وتفريطٌ، ووسطٌ، "وكلا طرفي قصد الأمور ذميم"، فلا إفراطَ، ولا تفريط، ولا زيادة عن الحد، ولا نقصان عن المطلوب، وإنما المطلوب التوسط، وهذا في موضوع الأفكار والمُعتقدات والتوجهات والاهتمامات والسلوكيات، وما شابه ذلك، والله يقول: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143]، فالتوسط في كل شيءٍ نعمةٌ ورحمةٌ، لكن التوسط ليس بالهوى والرغبة، وإنما لا بد له من مرجعيةٍ، كما في كل الأمور الأخرى، وهذه المرجعية الوحي: الكتاب، والسنة، وكلام العلماء في الأمور الاجتهادية وما يتعلق بذلك.
لذلك نجد مثلًا أنَّ هناك إفراطًا وتفريطًا بالفكر، كما في الغلو، والتطرف، والتكفير، والتفجير، هذا في جهةٍ، وهناك الليبرالية، والعلمانية، والإلحاد، وما شابه ذلك، والتوسط في أخذ الأفكار الصحيحة كما جاء بها كتاب الله وسنة النبي .
وهكذا ينبغي أن نُربي أنفسنا على قضية الأفكار السليمة، فنكون مُتوسطين في الأفكار، وفي قضايا التعامل، فلا نكون اجتماعيين في كل أوقاتنا، ونعيش مع الناس كيفما شاءوا، وهم الذين يُديروننا، وليس لنا خلواتٌ مع الله، ولا قراءات خاصَّة، ولا عناية بأنفسنا، وربما نهتم بالناس وننسى أُسرنا! وربما نكون مُنعزلين عن الناس، فكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
والتوسط أن نأتي بالجانب الفردي والجماعي في بناء الإنسان والنفس، كما قال الله : وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العصر]، وكما قال العلَّامة الشيخ عبدالرحمن بن سعدي -رحمه الله-: "فبالأمرين الأولين يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة يكون الإنسان قد سَلِمَ من الخسار، وفاز بالربح العظيم"[15]"تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن" (ص934).، يعني: أن قوله: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ هذا تكميل الإنسان لنفسه، وقوله: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3] هذا تكميل الإنسان لغيره، ففيها الإشارة إلى التربية المتعلقة بالذاتية، والتربية المتعلقة بالجانب الجماعي.
الثلاثية الزمانية
وهي متعلقة بالماضي والحاضر والمستقبل، وما أهمية هذه القضية بالنسبة للنفس البشرية والتربية؟
الماضي قد انتهى، فلا مجالَ لعودته، طيب، ما العمل؟
إن أحسنا فنحمد الله ، وإن أسأنا فنتوب إلى الله ، لكن لا نغرق فنجعل الحاضر عبارةً عن فتح ملفات الماضي، ونعيش الحاضر بدون إنجازٍ، وإنما بتحسرٍ وحزنٍ واكتئابٍ؛ لذلك تعوذ النبي من الحزن.
وكذلك المستقبل لم يأتِ بعد، وليس هذا وقته، فنحن ننتظره، فلا نقلق ونتوتر؛ ولذلك فقد تعوذ الرسول من الهمِّ فقال: اللهم إني أعوذ بك من الهم الذي هو من المستقبل، والحزن[16]أخرجه البخاري (2893). الذي هو من الماضي.
ولذلك ذكر العلامة ابن سعدي -رحمه الله- في كتابه الجميل: "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة" أن الإنسان حتى يكون سعيدًا فيما يتعلق بزمانه ووقته: أن يُنجز المهمة الحاضرة الحالية، واستدلَّ الشيخ عبدالرحمن -رحمة الله عليه- بقول النبي في الحديث المشهور: واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلتُ كان كذا وكذا[17]أخرجه مسلم (2664).، فقال: استعن بالله ولا تعجز يعني: في وقته الحاضر، فيجعل الحاضر إنجازًا لأمور دينه ودنياه التي يرضاها الله ، ولا يقف عند الماضي في الوقت الحاضر؛ فيُصبح الحاضر ماضيًا بعد ذلك، أو يُصبح الحاضر مُستقبلًا بسبب الخوف أو التفكير في المستقبل، والمستقبل لما يأتِ بعد.
إذن لا بد من الاستعانة بالله ، وإنجاز المهمة الحالية في قضية الوقت الحاضر، وعندئذٍ نستطيع أن نجمع بين هذه الأزمنة الثلاثة: الماضي، والحاضر، والمستقبل بطريقةٍ صحيحةٍ.
الثلاثية المكانية
أخيرًا: الثلاثية المكانية: البيت، والمسجد، والمدرسة.
والنفس البشرية أول ما تعيش في بيئتها التربوية الأولى وهي البيت؛ لأنها نشأت فيه؛ ولذلك البيئات الآمنة والمُتماسكة والأُسَر الآمنة والمُتماسكة تُنتج للمدرسة وللمسجد وللمجتمع بشكلٍ إيجابيٍّ كبيرٍ؛ ولهذا فالبيت أول محضنٍ للتربية، وينبغي أن نَعَضَّ عليه بالنَّواجِذ، وأن نحرص عليه.
ومن الخطأ الكبير أن يُقال: التربية مسؤولية المدرسة، أو مسؤولية الإعلام، أو مسؤولية المسجد، وإنما كل هؤلاء مسؤولون ومُؤثرون، لكن أول مُؤثرٍ هو الأسرة، فهي التي تستطيع من خلال العناية ببيئتها التربوية أن تجعل ابنها مُحافظًا على الصلاة في المسجد، وأن تجعل ابنها فعلًا مُنتجًا إيجابيًّا في المدرسة، ويتعلم بطريقةٍ إيجابيةٍ، ويختار الأصدقاء الإيجابيين، وينتقي المادة الإعلامية الصحيحة، ويُبعد عنه المواد السلبية.
فهذه ثلاثيات هذه الحلقة، وأسأل الله التوفيق والسداد.
ولعلنا ننظر في الوقت المُتبقي -وهي دقائق بسيطة- في سؤال الأخت رقية عبر (الواتس) حيث تقول: كيف نتعامل مع طفل الأربع سنوات حين يعتدي بالضرب على طفلٍ أصغر منه إذا شعر بالغضب؟ وكيف نتعامل معه إذا ضرب والديه غضبًا منهما؟
ج: على أية حالٍ قضية الضرب والغضب لا بد أن نعرف ونُفتش عن سبب ذلك، فهناك احتمالاتٌ عديدةٌ فيما يتعلق بمثل هذه المرحلة العمرية.
وأنا أرى أن هذه المشكلة في مثل هذه المرحلة العمرية سهلةٌ وعاديةٌ، ولكن لا نغضّ الطرف عنها، وإنما نتنبه لها، خاصَّةً إذا كان الضرب مُؤذيًا له، أو مُؤذيًا لغيره، لكن المهم من هذا كله أولًا: نسأل أنفسنا عن طريقة تعاملنا مع أبنائنا -كما يقول أهل الاختصاص- فقد تكون طريقة تعاملنا قاسيةً، أو بزيادة الحماية والدلال والدلع، وكلا الأمرين يُنتج الغضب والضرب، فينبغي أن تكون طريقة تعاملنا جامعةً بين الحنان والودِّ والرحمة، وكذلك الحزم الذي ليس هو الشدة والغلظة.
فعلى الآباء أن يُراجعوا أنفسهم في تعاملهم مع أبنائهم.
وقد يكون السبب: الغيرة المتعلقة بوجود ابنٍ صغيرٍ، وما شابه ذلك، وأخذ وقتًا من الأم والأب في الاهتمام به؛ لذلك ينبغي الانتباه لهذه القضايا، فنُعطيه مزيدًا من العناية والاهتمام، ونحاول أن نعدل قدر الاستطاعة.
وهناك بعض الأمهات خاصَّةً ينشغلن بأمرٍ لا بد من الانشغال به، لكن لا بد من الانتباه للابن الذي قبله حتى لا يشعر بأنه قد سُحب منه البساط تمامًا، فيُتنبه لمثل هذه القضية وما يتعلق بها.
وقد يكون السبب: هو محاولة لفت النظر؛ لإشباع قضيةٍ معينةٍ عنده، فيفعل ذلك للتنبيه: كالحرمان من شيءٍ يُحبه: كاللعب الجماعي، وما شابه ذلك.
وهذه مُشاركةٌ من الأخ محمد البجيري عبر (الواتس) يقول: من علاج احتقار النفس: راعِ لُغة بدنك، والتي هي مصدر إيحاءاتٍ لعقلك الباطن، ولا يكن جلوسك أو مشيك كالواثق من خُطواته يمشي ملكًا، وليكن بدنك مشدودًا، ونظرك أفقيًّا.
والله -ما شاء الله- هذه كلماتٌ مُعقدةٌ، وأنا دائمًا أقول: لا بد أن نأخذ القضايا بالتَّبسيط قدر ما نستطيع.
ثم ذكر قول الله : أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[الملك:22]، وليكن منهجك في حياتك هو نُصرة دينك، ولا تحقرنَّ ما تفعله، فرُبَّ كلمةٍ أدخلتك الجنة، ورُبَّ ماءٍ سقيته لدابَّةٍ أبعدك عن النار.
جزاك الله خيرًا، مشاركةٌ -على أية حالٍ- آخرها واضحٌ جدًّا، وعبارتها الأولى ربما لا نحتاج إليها كثيرًا، ولكن مشاركةٌ جيدةٌ، شكرًا لك، ولكن هذا أيضًا من التعزيز فيما يتعلق بالنفس البشرية وما يرتبط بها.
في نهاية هذه الحلقة أسأل الله أن يجعل هذه الثلاثيات منهجًا لنا يُعيننا على استحضار أهدافنا التربوية ومحتوياتنا التربوية من خلال البرامج التي نُقدمها والأنشطة، وكذلك وسائلنا وطرائقنا من خلال أساليب التعلم والتربية والتوجيه.
وقد ذكرنا من الثلاثيات: الثلاثيات النفسية، والعلاقاتية، والإنتاجية، والتربوية، والمفسدة، والسلوكية، والمنهجية، والزمانية، والمكانية.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، ولكم تحياتي، ونلتقي على خيرٍ في مثل هذا الموعد قبله بساعةٍ من الأسبوع القادم، وأسأل الله أن يجمعنا وإياكم على خيرٍ، وأن ينفعنا، ويُوفقنا، وينفع بنا جميعًا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599). |
---|---|
↑2 | البيت بلا نسبةٍ لقائلٍ في "حياة الحيوان الكبرى" (1/ 127)، وهو في "مجاني الأدب في حدائق العرب" (5/ 182)بلا نسبةٍ برواية: فقلتُ: ذروه ما به وطباعه *** فكل إناءٍ بالذي فيه يَنْضَح |
↑3 | أخرجه ابن ماجه (4251)، والترمذي ت: شاكر (2499)، وحسنه الألباني. |
↑4 | "ديوان إيليا أبي ماضي" (ص193). |
↑5 | أخرجه ابن ماجه (4032)، والترمذي ت: شاكر (2507)، وصححه الألباني. |
↑6 | أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (2103)، وأبو نعيم في "الحلية" (5/ 174)، وابن عبدالبر في "جامع بيان العلم وفضله" (903)، وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (342). |
↑7 | أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (1235)، وهو عند أحمد في "مسنده" (16016) بلفظ: فليظن بي ما شاء، وصححه الألباني في "الصحيحة" (1663). |
↑8 | أخرجه البخاري (6065)، ومسلم (2559). |
↑9 | "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/ 95). |
↑10 | أخرجه البخاري (7529)، ومسلم (815). |
↑11 | أخرجه البخاري (6116). |
↑12 | أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2353)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7374). |
↑13 | البيت في "الدر الفريد وبيت القصيد" (4/ 422)، و"التمثيل والمحاضرة" (ص76) لأبي العتاهية، ولم نجده في ديوانه. |
↑14 | أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031). |
↑15 | "تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن" (ص934). |
↑16 | أخرجه البخاري (2893). |
↑17 | أخرجه مسلم (2664). |