المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات مع حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم الأسبوعي "أسس التربية" من قناتكم قناة "زاد" العلمية.
ماذا يريد طلابنا وأبناؤنا منا؟
هذا هو عنوان حلقة الليلة -بإذن الله -؛ ولهذا الموضوع أهميةٌ، خاصَّةً أن معظم البلدان قد أشرف أبناؤهم وطلابهم على الدراسة، فلا بد أن نعرف ماذا يحتاجه طلابنا؟ وماذا يُريدون منا: كآباء، وأسرة، ومعلمين، ومدرسة، وبيئة تعليمية، وجامعة؟
فنحن بأمس الحاجة إلى أن ندرس احتياجات أجيالنا وأبنائنا وطلابنا من الجنسين.
"ماذا يريد طلابنا منا؟" هذا هو عنوان هذا اللقاء، وأسأل الله العون والتوفيق.
معنا أيها الأحبة في هذا اللقاء -بإذن الله - مجموعةٌ من التقارير أخذناها من المراحل الابتدائية الأساسية، يعني: من عمر إحدى عشرة سنة تقريبًا إلى المراحل الجامعية بعمر -تقريبًا- واحدٍ وعشرين سنةً، سنستمع سويًّا إلى مجموعةٍ من هذه التقارير التي يُجيب أبناؤنا وطلابنا عليها من خلال: ماذا تريدون من مُعلميكم وأُسركم وأهليكم وآبائكم؟
ولعلنا -بإذن الله - نستمتع بما سنسمعه، وسنحاول أن نُحلل في هذه الحلقة ما يتعلق بإجابات طلابنا -بارك الله فيهم-، وأيضًا نجمع المُتناثر، ونربط بين ما يذكرونه؛ حتى نخرج -إن شاء الله- بفائدةٍ، مع أن ما ذكروه هو بحد ذاته فائدةٌ عظيمةٌ.
ويا ليت آباءنا ومُعلمينا -ذكورًا وإناثًا- يتنبهوا لمثل هذا الذي سيسمعونه، وتتناقل هذه القضية في أوساط الأُسر والمحاضن التعليمية.
دعونا ننظر أولًا في تقريرٍ، وبإذن الواحد الأحد سنقرأ أيضًا بعض المُشاركات التي وصلت عبر وسائل التواصل حول نفس هذا السؤال، وأيضًا المجال مفتوحٌ عبر رقم الاتصال أو (الواتس) الذي يخرج لكم -إن شاء الله تعالى- في الشاشة من أجل التواصل معنا في هذه الحلقة، بإذن الله .
نبدأ معكم بأول تقريرٍ، وكونوا معنا، بارك الله فيكم.
تقرير (1):
- أريد من المدرس ألا يكون فقط مُدرسًا، بل يُدرس لي ويُربيني في نفس الوقت.
- أريد من المدرس أن يدعمني ويُثقفني زيادةً، وهو سيكون قُدوتي.
- ألا يكون عصبيًّا، ولا ينشغل بالجوال، ويكون قدوةً لي في الصلاة، ويُثقفني زيادةً.
- أن يكون لطيفًا معنا، ولا ينشغل بالجوال، أو يُخرج المسطرة ويضربنا، ويُخرج المواهب التي فينا، ويُعلمنا أكثر.
- أول شيءٍ أتمنى من المعلم الأسلوب الجيد والحسن، وثاني شيءٍ أن يكون الشرح مُفصلًا جيدًا، بحيث يفهم الطالب ما يقوله المدرس.
- أتمنى من أسرتي الدعم المادي والمعنوي، الحمد لله، الوالد والوالدة ما يُقصِّران في شيءٍ، فإذا طلبتُ منهما مثلًا شيئًا أحتاجه يُعطوني إياه، وإذا حصلتُ على درجةٍ ممتازةٍ يُكافئوني، ولله الحمد.
الشيخ: لعلنا أدركنا شيئًا مما يُطالِب به أبناؤنا في هذه المراحل المبكرة: المرحلة الابتدائية والمتوسطة، وهي أعمارٌ بين الحادية عشرة والخامسة عشرة تقريبًا.
ولا شك أن الجانب العلمي والمعرفي هو الأصل، ولا ينساه المعلم بحالٍ من الأحوال، لكن انظروا إلى العبارات التي ذكروها، ومنها: أن يكون الإنسان قدوةً في الصلاة والأخلاق، فهذه قضيةٌ من القضايا المهمة والتي نحتاجها حاجةً كبيرةً جدًّا.
وذكروا ما يتعلق بقضية الانشغال عن الأجيال بالجوال، وهذا أيضًا حتى في واقع الأُسَر، فإنه يشتكي العديد منها من مثل هذا الأمر؛ ولذلك فإظهار الاهتمام والعناية والرعاية -كما دلَّت عليه كثيرٌ من الدراسات، إن لم تكن كل الدراسات- من القضايا المهمة جدًّا للمُربي الفعَّال والمعلم الناجح.
حيث قالوا: أن يكون لطيفًا، وأن يُربيني -وهي كلمةٌ قالها الطالب الأول- لا أريد منه أن يُعلمني فقط، ولكن أريد منه أن يُربيني. فهذه يقولها طالبٌ -ما شاء الله، تبارك الله- في عمر إحدى عشرة سنةً، وكذلك حُسن الألفاظ من القدوة مطلوبٌ، وكذلك ما يرتبط بالعناية والاهتمام من المعلم.
فنحن نحتاج أن نكون مُربين، لا أن نكون فقط معلمين؛ نُعلم المعلومة وتنتهي، فقد يأتيك معلمٌ لديه المعلومة القوية والمُتميزة، ويكون أميز من غيره فيما يرتبط بالجانب المعرفي، ولكنه فيما يرتبط بجانب التربية ضعيفٌ، وهذه قضيةٌ خطيرةٌ جدًّا؛ لأن التربية شاملةٌ متكاملةٌ، ولا تقتصر على الجانب المعرفي فقط، بل حتى الجانب المعرفي في التربية ينبغي على المعلم والمُربي أن يصعد بالمُتربي والطالب إلى مستوى من الاستنباط والنقد والتحليل، فهل هذا موجودٌ لدينا؟
الذي ألحظه، وقد كنتُ في مناسبةٍ هذا اليوم وناقش الحضور هذه القضية، وكانوا يرون أن معظم المُربين داخل الأُسر والبيئات التعليمية -وكان التركيز على البيئات التعليمية- لا يُتيحون المجال والفرص في قضية الأخذ والعطاء والسماع والنقد وفتح مجال الحوار، وما شابه ذلك، فالتربية أن يُربي الأخلاق والأفكار السليمة، ويخرج طالبًا فعلًا يربط بين العلم والعمل، ولا يأخذ درجةً كاملةً وواقعه يُخالف كلامه!
والنبي -بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام- حينما تأتي الآية بعد غزوة أحدٍ؛ والآيات بعد غزوة أحدٍ مُربيةٌ، وكان منها: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]، فهذه تدل على أنه كان لأصحابه في قمة اللُّطْف واللِّين.
نُكمل -إن شاء الله تعالى-، ومعنا الآن الأخت أم شهد من السعودية.
كيف نُعوِّد أبناءنا المُذاكرة وحدهم؟
تفضلي يا أخت أم شهد.
المتصلة: السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصلة: أستاذ، الله يُسعدك، أنا أريد أن أسأل: كيف يتعوَّد الطفل على المُذاكرة وحده بدون تدخلٍ؟
المحاور: الصوت غير واضحٍ، أعيدي السؤال.
المتصلة: كيف يتعوَّد الطفل على المُذاكرة وحده بدون تدخلٍ؟
المحاور: كم عمره؟
المتصلة: ولدي في ثالث ابتدائي، ولكنه لما يرجع من المدرسة لا بد أن أفتح له الشنطة، وأفتح مُذاكرة الواجبات، وأنظر في واجباته، ثم يبدأ هو يحلُّ معي.
المحاور: جزاكِ الله خيرًا، على أية حالٍ هذه إشارةٌ مهمةٌ وطيبةٌ، وتحتاجها خاصةً الأمهات؛ لأنهن اللاتي -في الغالب- يحملن هذه المهمة فيما يرتبط بالمراحل المبكرة فعلًا، وهي قضية الاعتمادية.
هناك جزءٌ من هذا الموضوع طبيعيٌّ، فمن الطبيعي أن يحتاج الطفل في هذه المرحلة إلى شيءٍ من الاهتمام والمُعاونة، وشيءٍ من هذا القبيل، لكن ينبغي ألا نقوم بكل شيءٍ له، وننتبه من أن نبقى على وتيرةٍ واحدةٍ دون تغيرٍ في هذه الرعاية والاهتمام.
يعني: من أول ما تبدأ الدراسة يبدأ الاستنفار إلى آخر موعدٍ في الاختبارات، وتقوم الأم نفسها بفتح الشنطة، ومُتابعة الواجبات، والكلام، والتوجيهات، ونفس الكلام الذي يُقال، ونفس التحذيرات؛ لذلك ينبغي أن ينخفض مستوى القلق والتوتر لدى الأم بشكلٍ معقولٍ؛ لأن القلق الإيجابي نحن نحتاجه؛ لأن الطفل يحتاج لمُساندةٍ ولتأكُّدٍ، لكن أيضًا لا بد من هامشٍ فيما يُسمَّى: بمحاولة تعويده على تحمل المسؤولية.
وهنا تأتي بعض الأشياء التي تُعين على ذلك من خلال استخدام الحوافز، أو جداول التعزيز، أو استخدام النجوم؛ حتى يرتبط هو بشيءٍ يُحبه فيعمل الذي يُوجَّه إليه، ولا نتركه تمامًا، ولا نُصبح معه تمامًا في كل وقتٍ، وبدايتنا معه هي نفس نهايتنا معه، فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
ولذلك تحصل هناك زيادةٌ في منسوب القلق لدى الأمهات في المُتابعات، وزيادةٌ لمستوى الضيق لدى الأبناء، أو شيءٌ من زيادة الحرص والخوف من أي نقصٍ في الدراسة، أو ما شابه ذلك.
فينبغي حتى في التعامل مع أخطاء الواجبات، أو التعامل مع التأخر، أو حتى الخطأ في الاختبار، أو شيء من هذا القبيل؛ أن نكون طبيعيين.
ولا بد من المشاركة بين الأم والطفل، هي تُشارك، وهو يُشارك، ويمكن أن تُفوضه حتى لو قصَّر، ويمكن أن تحرمه من الجانب الذي يُحبه، أو تُشجعه.
وهذه القضية يمكن أن تكون لها ثلاثة مساراتٍ أو أربعة، هذا الجانب الإشرافي أو المتابعة، والمشكلة حين تكون الأم مركزيةً؛ تقوم بكل شيءٍ، وتتأكد من كل شيءٍ، وربما تجدها في بعض المرات تُمسك القلم والدفتر وتحلّ عن الطفل الواجب! وهذا خطأٌ كبيرٌ جدًّا؛ ليحلّ هو وليُخطئ، وتستخدم أساليب التصحيح المناسبة، وتتعود على الطرائق المتعلقة بالحوار والمناقشة، وتقول له: هل هناك خطأٌ؟ حاول مرةً أخرى، ... إلى آخره.
وأيضًا أهم شيءٍ وجود الأمن النفسي، وأنا أقول هذا الكلام حتى أُحمل المسؤولية للأمهات؛ لأن الطفل معذورٌ، فهو طفلٌ يحتاج أن نبنيه بما نستطيع أن نبنيه به، فإما أن نبنيه بطريقةٍ صحيحةٍ، أو نبنيه بطريقةٍ خاطئةٍ؛ ولذلك أنا أقول كما قالت الأخت الكريمة: ما الدور المطلوب منا نحن؟ ولعل جزءًا مما ذُكر يُعين الإخوة والأخوات -وخاصةً الأمهات- فيما يتعلق برعاية أبنائهم، وتعويدهم على المذاكرة.
ولنستخدم مع الطفل أساليب وجداول التعزيز، ولا نتعب من التعزيز مرتين وثلاثًا وأربعًا وخمسًا، وغيِّروا ونوِّعوا في أنواع التعزيز، واستخدموا النجوم، وكلما جمع مجموعةً من النجوم يُعزز.
فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، نعم هي مُتعبةٌ، لكن لها أثرٌ في المستقبل رائعٌ جدًّا، وإلا سنُصبح مَرْكَزيين، ولا بد أن نُعود أبناءنا على مثل هذه القضايا التي أشارت إليها الأخت الكريمة، وهي تحميلهم المسؤولية من وقتٍ مُبكرٍ، وهذا سلوكٌ لا بد أن يُربى عليه الابن في قضية المذاكرة، حتى فيما يرتبط بأعمال المنزل والتكاليف، وما يتعلق بذلك.
أهمية اللُّطف في معاملة الأبناء
نرجع إلى قضية اللُّطف، فكذلك المعلم والمعلمة لا بد أن يكون كل واحدٍ منهما لطيفًا ومحبوبًا؛ ولذلك يتمنى الطلاب أن هذا المعلم يأتيهم مرةً أخرى.
وانظروا أيضًا في مقابل هذا المعلم الذي يستخدم قضية التخويف، يعني:
أنا ابن جَلَا وطلَّاعُ الثَّنايا | متى أضع العمامةَ تعرفوني[1]البيت لسُحيم بن وثيل الرِّياحي كما في "جمهرة اللغة" (2/ 1044)، و"الشعر والشعراء" (2/ 629). |
فبعض المعلمين يظن أن استخدام التخويف في العلاقة التربوية يضبط الفصل، بينما لو استخدمنا الشق الآخر المتعلق بالتعزيز -كما ذكرنا قبل قليلٍ- سنجد شيئًا آخر.
ثم هناك اختلافٌ بين قضية الحزم والقسوة والشدة، وقد تكلمنا كثيرًا عن مثل هذا الأمر.
ولاحظوا أن هؤلاء الطلبة بمستوياتهم المختلفة من إحدى عشرة سنةً إلى خمس عشرة -وهذا النموذج الأول، وبعد قليلٍ سنأتي للنموذج الثاني- لم يهتموا بالجانب المعلوماتي، مع أن الحصول على المعلومات أمرٌ طبيعيٌّ، ولكنهم قالوا: أن يُربيني، ويكون قدوةً لي، ويهتم بي، ولا ينشغل بالجوال عني، وأن يكون لطيفًا، ولا يُخوفني، وأن يكون أسلوبه حسنًا، ولا يكون عصبيًّا، كما قال الله في حق نبيه : وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]، فالإنسان ينجح عندما يُجيد تلبية مثل هذه الاحتياجات.
دعونا ننظر للمجموعة الأخرى، وهي من سن -تقريبًا- ست عشرة سنة إلى سن واحدٍ وعشرين سنةً، في المراحل الثانوية والجامعية، حتى نرى أيضًا ماذا يقولون؟ وماذا يريدون؟ وماذا يطلبون؟ وهل هناك تقاطعٌ بينهم وبين السابقين، أم هناك اختلافٌ، أم ماذا بالضبط؟
تقرير (2):
- بالنسبة للأستاذ: أنا لا أطلب منه المستحيل، بحيث يجعل جميع الطلاب يأخذون امتيازًا، لكن لا بد أن يكون مُحبًّا للمادة، مُطَّلعًا عليها، فاهمًا لها، فهذا يُؤثر في تعليمي وفهمي للمادة، خاصةً أنني أُقابل الأستاذ بشكلٍ شبه يوميٍّ، فإذا أثَّر فيَّ من هذه الناحية فسوف يُؤثر في تعليمي ودرجاتي.
- إن كان لي طلبٌ من معلمي فأريد منه أن يتعاون معي، ويأخذ ويُعطي معي، ويُلبي حاجاتي، ويثق بي كطالبٍ، ويُعطيني سبل الأريحية في الحصة، وإذا وصلنا لهذه المرحلة فسيُحب الطالب المنهج، ويكون معي كأخٍ وصديقٍ وأبٍ قبل أن يكون معلمًا.
- أريد من المعلم أن يكون أخًا وصديقًا مع الطلاب، ويُراعي مشاعرهم وظروفهم، ويحاول أن يُنهي المنهج الدراسي لهم، وإن كان جادًّا -ولا بد من الجدية- ولكن أيضًا في المجتمع الآن بصراحةٍ نحن بحاجةٍ إلى معلمٍ يكون قريبًا من الطلاب: يفهم مشاعرهم، ويُراعي ظروفهم، ويُعينهم على منهجهم.
- أريد من المعلم أن يُعطي ثقةً للطالب، وأن ينظر إليه كولده، ويكون قدوةً له، فبمعاملته له كولده يرتاح الطالب، ويُعطيني أفضل ما عنده، سواءٌ قسا عليَّ، أو أعطاني الراحة الكافية، فأريد أن يكون قريبًا مني، وقدوةً لي، ويُراعي الفروق الفردية، ومشاعر الطلاب.
- من أهم الأشياء التي ينبغي أن تتوافر في معلمي وأستاذي: أن يمنحني الثقة، فمتى منح المعلم الطالب الثقة فإنه يفتح له آفاقًا بعيدةً وواسعةً في مستويات التعلم كافَّةً، هذا الأمر الأول، والأمر الآخر: أتمنى من معلمي أن يمنحني فرصة الخطأ مرةً ومرتين وثلاثًا وأربعًا، وأن يأخذ بيدي لتصحيح الخطأ، حتى أتعلم أنا بنفسي؛ لأنه متى سمح المعلم للطالب أن يُخطئ أصبحت عنده حريةٌ وتحررٌ وإقدامٌ ومُبادرةٌ أكثر، وبالتالي ينعكس إيجابيًّا على شخصية الطالب وسلوكه دراسيًّا، وفي سائر أمور حياته.
- يجب على المعلم أن يتقي الله في جميع أموره: في تدريسه، ومعاملته للطلاب الذين هم أبناؤه في الحقيقة، وأريد من المعلم أن أكتسب منه الثقة، فلا أريد منه التحطيم، ولو أخطأتُ المرة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، فمَن مشى على الطريق بلغ هدفه الذي يريده.
- أحتاج من معلمي أن يحترمني، هذا أقل ما أطلبه منه، وأحتاج أيضًا مُساعدتي في اكتساب مهاراتي، فأنا قد أغفل عن المهارات التي قد أتميز فيها، فقد تكون عنده المهارة التي تكتسب، أو يتعرف على مهارتي، وأحتاج منه أن يُعطيني وقتًا للحديث والحوار والمناقشة خلال الحصة.
- كلمتي أُحب أن أُوجهها إلى أعضاء هيئة التدريس في كليتي، وأطلب منهم بعد تقديمهم للمادة الأكاديمية أن يُنَمُّوا لدي القُدرة على الفصاحة والإلقاء؛ لأنها تُساعدني وتُعينني في مستقبلي الوظيفي.
الشيخ: عودًا حميدًا مع هذه الجمل من المشاركات التي قالها طلابنا، بارك الله فيهم.
الحقيقة: حينما نجد هذه النماذج من أجيالنا وطلابنا في هذه المراحل العمرية المختلفة، وحديثهم بهذه الطريقة، مع أنهم لم يُلقَّنوا شيئًا منها، وأنا حضرتُ بعض هذه التسجيلات، وبعضها كان في الجامعة عندنا، فكانت من تلقاء أنفسهم.
فالمخزون الكبير الذي سمعناه قبل قليلٍ، وأنا أتمنى أن تُشاركونا الآن، ويا ليت تكون هناك اتِّصالاتٌ ومشاركاتٌ عبر (الواتس) لتحليل هذه المشاركات في هذه التقارير، وبقي معنا تقريران آخران فيما يتعلق بالأسرة.
فدعونا نتحدث عن قضية المعلم والبيئة المدرسية والجامعية والتعليمية عمومًا، ونجد أن الحديث والتأكيد والتركيز على القضية التعليمية أو المعرفية أقلّ ما يكون، وليس هذا تقليلًا منها.
المشاريع التعليمية
نسمع الأخت الكريمة (منى) معنا على الهاتف من السعودية، وهي طالبةٌ.
حيَّاكِ الله، تفضلي.
المتصلة: السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضلي.
المتصلة: أنا اسمي منى، طالبةٌ في المدرسة الثانوية.
المحاور: تفضلي.
المتصلة: أنا أُحب أن أتكلم عن شيءٍ يأخذ منا وقتًا ولا يُفيدنا في العلم، وهو موضوع المشاريع، نعم المشاريع شيءٌ طيبٌ يفيد الطلاب من ناحية رفع درجتهم، لكن أحيانًا يأخذ الوقت، والمعلمة عندما تتكلم عن المشروع ربما لا تقدر أن تشرح الدرس؛ ولهذا لا نستفيد من المشاريع، فأتمنى من كل المعلمين أن يأخذوا الأصل من المادة، فالمادة هي العلم، وبعد ذلك ننظر في الأشياء الأخرى إذا كان عندنا وقتٌ.
المحاور: ماذا تقصدين من المشاريع يا ابنتي منى -الله يُعافيكِ- حتى نفهم؟
المتصلة: لا أدري، هم يتكلمون عن البحوث والنماذج العلمية، وهذه الأشياء أحيانًا يمكن أن تفيد، وهي شيءٌ مفيدٌ يُثبت المعلومة، لكن بعض المعلمات لما تأتي وتتكلم عن المشاريع لا تشرح الدرس، تتكلم عن المشاريع فقط.
المحاور: واضحٌ، أكملي يا أخت منى.
المتصلة: أتمنى من المعلمات أن يُساعدن الطالبات، ولا يُكلفوهن الكثير من المشاريع.
المحاور: أنتِ تقصدين أن في هذا زيادةً للتكاليف؟
المتصلة: نعم، وغير هذا لما أرجع إلى البيت -مثلًا- أشتغل على المشروع والبحث، وأنسى باقي المواد، ومراجعة الدرس.
المحاور: الفكرة واضحةٌ، طيب، بقي سؤالٌ نُوجهه إليكِ، وهو: ماذا تريدين من مُعلمتك، أي مُعلمةٍ كانت؟
المتصلة: أتمنى من المعلمات أن يكن قدوةً حسنةً للطالبات، فتنصح المعلمة الطالبات بالخير، وتكون هي أول مَن يفعله.
المحاور: ممتازٌ، وأيضًا؟
المتصلة: وأيضًا أن تكون رحيمةً، رقيقةً، يقول الله: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]، فبعض الطالبات من شدة عصبية المعلمة لا يُحبونها، ولا يُحبون مادتها.
المحاور: حتى لو كانت مُتميزةً في الجانب العلمي؟
المتصلة: نعم، حتى لو كانت مُتميزةً، فأتمنى من المعلمات أن يكون عندهن من المودة والرِّقة التي تجعل البنات يُحبونهن، ويُحببن البنات في المادة.
المحاور: ابقي معنا يا أخت منى.
ولاحظوا التشابُهات الموجودة بين كلام الطالبة منى والتقرير الأول، وما سيأتي في التقرير الثاني، فهذه تشابُهاتٌ مهمةٌ جدًّا، فقد تكون هناك أمورٌ صادَّةٌ عن الجانب المعرفي، حتى لو كان المعلم متميزًا، وأكَّدت الأخت أيضًا على قضية التعامل والفظاظة والقسوة، فهل هناك شيءٌ آخر أُختي؟
المتصلة: لا، شكرًا.
المحاور: شكرًا للأخت منى -طالبة من السعودية- على هذه المشاركة الجيدة.
ولا شك أن قضية مراعاة أوضاع الطلاب والطالبات من القضايا المهمة جدًّا التي ينتبه لها المعلم، وأنا هنا أتكلم عن المعلم الجاد، ولا أتكلم عن الفئة الأخرى التي لا يكون لديها أي اهتمامٍ ولا واجباتٍ، وتنتهي الحصة في نصفها، ويذهبون ولا يعرفون المقرر إلا بعد أسبوعٍ، ولا تكون هناك أنشطةٌ، وما شابه ذلك.
وكلام الأخت منى له علاقةٌ بكلامٍ لإحدى الأخوات المُشاركات معنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولعله يكون وقته الآن، وسنعود إلى كلام أختنا مع المواصفات التي ذكرها طلاب الثانوية والمرحلة الجامعية.
فالأخت عائشة الكعبي تقول: الطلاب والطالبات يريدون أن يكون المعلم قريبًا منهم في الطرح، ويُقوِّم خطأهم، ولا يزيدهم نفورًا منه، ويريد الطالب قلبًا طيبًا يتلمس تعبه وجهده، ويُشعره بالأمان.
لاحظوا، وأريد منكم أن تقفوا مع هذا؛ فهذا هو محور الحلقة اليوم، وهذا -كما قلتُ لكم- من بنيات أفكارهم وأفكارهن، وهي تتوافق مع حقيقة المفاهيم التي جاءت في كتاب الله وسنة نبيه ، وأشرنا إلى بعضها، ويتناغم كذلك مع الدراسات العالمية والإقليمية والمحلية.
اهتمام المعلم بطلابه ومراعاته لأحوالهم
هنا لفتةٌ مهمةٌ جدًّا من الأخت عائشة، تقول: يريد الطالب من أستاذه أن يُلقي تراكُمات المهام والمشاغل خارج القاعة الدراسية، ويسأل عن حاله.
وانظروا هنا إلى العناية والاهتمام، والدراسات دلَّت على ذلك بلا شكٍّ، وفي الحديث: تبسمك في وجه أخيك لك صدقةٌ[2]أخرجه الترمذي (1956)، وصححه الألباني.، وهذه مشاركةٌ جيدةٌ.
والأخت هالة الخنيني تقول: نريد تفاعلًا مع الأستاذ بطرح أسئلةٍ؛ فيُشغِّل الطالب تفكيره ويُحلل، وهذا الذي أشرنا إليه قبل قليلٍ، وقلنا: حتى لو كانت القضية معرفيةً، فأين المعلمون الذين يُربون على قضية الاستنباط والتحليل والنقد البنَّاء والتفكير، وما شابه ذلك؟
ويتجاوب الطالب مع الأستاذ، فإن أخطأ يُصحح له، وإن أصاب يُشجعه على ذلك؛ وبذلك تحصل المتعة والفائدة بشكلٍ أكبر لكلا الطرفين.
ولا شك أن هذا نابعٌ من واقعٍ عاشوه ويعيشونه في التعليم.
تقول: وأيضًا لعل الرِّفق بهم والتخفيف عليهم في بعض الأمور -خاصةً وقت الضغط- أمرُ جيدٌ ومُستحسنٌ.
وأقول للأخت منى والأخت هالة: أنا أُوافقكما في تجنب الإغراق في التكاليف الكبيرة، ويمكن أن نقول هنا: إن هذه القضية اجتهاديةٌ، ولا مانع أن يحصل اجتهادٌ ويكون فيه خطأٌ من المعلم أو المعلمة، ويتراجع عن اجتهاده، وكذلك لا يلزم أن يكون رأي الطالبة أو الطالب صحيحًا دائمًا فيما يتعلق بتقديراته.
ويقول النفسيون فيما يتعلق بقضايا الحوافز: إن من الخطورة بمكانٍ أن نُحمل الأجيال فوق طاقتهم. وهذا يختلف عن أننا نأخذهم بالعزيمة حتى يُحققوا فعلًا ما يستطيعون تحقيقه، وهذه قضايا على أية حالٍ اجتهاديةٌ.
يقول الأخ مصطفى الأسطى: أن نكون قدوةً صالحةً للطلاب، وأن نُنير لهم الدَّرب، وأن نُعاملهم كما نُحب أن يُعامِل أبناءنا مُعلموهم.
وهذا كأنه أبٌ يتحدث بلسان الآباء، وهذه رسالةٌ جيدةٌ، والآباء دائمًا يقولون: يا ليت أخي المعلم يفعل كذا، ويفعل كذا، ويا ليت المعلم يكون قريبًا منهم، ويُعطيهم الوقت.
طيب، أنت أيها الأب هل تُعطي من وقتك؟ وهل تُعطيهم الاهتمام والعناية والقدوة وإنارة الطريق بالمساعدة والاهتمام؟
وهذا الأخ محمد يقول: لا بد من تسهيل العملية التعليمية على الطلاب.
وهذا يتوافق مع ما ذكرته الأخت منى والأخت هالة فيما يتعلق بالجانب المعرفي وأهميته، ولا شك أن الجانب المعرفي مهمٌّ جدًّا، ولكن كما سنُشير في نهاية هذه الحلقة، وقد سبقت لنا حلقاتٌ جميلةٌ ارجعوا إليها، وستجدونها على قناة "زاد" في (اليوتيوب)، وهي ثلاث حلقاتٍ:
الحلقة الأولى: قواعد مهمة للمُربي.
الحلقة الثانية: مجالات مهمة للمُربي.
الحلقة الثالثة: خصائص المُربي.
وقد كانت الحلقة الثالثة بمشاركة أستاذنا الدكتور عبدالعزيز النغيمشي، وفَّقه الله.
سخرية المعلم من الطلاب
معنا الآن الأخ عثمان من السعودية.
مرحبًا بك.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلًا.
المتصل: معك الأخ عثمان من مجلس المدينة المنورة بالدمام.
المحاور: ما شاء الله، أهلًا بكم أهل المدينة، تفضل.
المتصل: أنا في المرحلة الثانوية، وأُواجه مشكلةً معينةً في داخل نطاق الفصل.
المحاور: نعم.
المتصل: وهي: أن المعلم أحيانًا لما يأتي سؤالٌ معينٌ أو مشاركةٌ معينةٌ يسخر من الطلاب، فمثلًا يقول: أيها المطوع، أجب. أو مثلًا: يا صاحب كذا، أجب. وهذه صراحةً تجرح كثيرين، وأنا منهم.
المحاور: هل هذه حصلت لك يا أخي؟
المتصل: نعم؟
المحاور: هل حصلت لك -مثلًا- أو لغيرك؟
المتصل: نعم، اليوم حصلت لي تقريبًا.
المحاور: طيب، ممتازٌ، ماذا كان دورك يا أخي الكريم؟ أنت في الثانوية؟
المتصل: نعم، أنا في ثاني ثانوي.
المحاور: أنت عمرك تقريبًا 17 سنة الآن؟
المتصل: تقريبًا، وأنا كلمتُ المدرس، وقلتُ له: أنا اسمي عثمان، ولستُ مُطوعًا!
المحاور: كلَّمته أمام الطلاب؟
المتصل: نعم أمام الطلاب؛ لأن الموضوع استفزني، وهذا طبعًا خطأٌ، فالمفروض أن آخذه على جانبٍ.
المحاور: ما دام أنك قد كلَّمته أمام الطلاب فأريد أن أعرف كيف كان ردُّه؟
المتصل: أحس أنني ألجمته قليلًا، فسكت وحُرج من الموضوع.
المحاور: في ظني أنك لو أخذته بعد الحصة لكان أولى وأفضل لك.
المتصل: صحيحٌ، لكنه كررها أكثر من مرةٍ، وقد نبَّهته خارج الفصل.
المحاور: يعني: قد نبَّهته من قبل؟
المتصل: نعم، كثيرًا.
المحاور: عمومًا رسالتك تلك عبر الفضاء، وسيسمعها هو وغيره، جزاك الله خيرًا، هل عندك شيءٌ آخر أخي عثمان؟
المتصل: الله يُسعدك دكتور.
المحاور: شكرًا حبيبنا، ولا شك أن ما ذكره الأخ عثمان هو تأكيدٌ لأهمية العلاقة الحميمية بين المُربين والطلاب، وقد تحدث مواقف لهؤلاء الطلاب من المعلمين فلا ينسونها، سواءٌ كانت إيجابيةً أو سلبيةً، خاصةً إذا تكررت، وكان هناك شيءٌ من محاولة تعديلها في المعلم: إما بكلامٍ مباشرٍ مثلًا بين الطالب والمعلم، أو بمحاولة تدخل أحدٍ، ومع ذلك يستمر المعلم؛ لذلك أقول: أيها الإخوة المعلمون والمُربون، عليكم أن تتنبهوا لهذه القضية، والله يقول: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]، والرسول لم يكن فاحشًا، ولا مُتفحشًا، ولا سبَّابًا، ولا شتَّامًا عليه الصلاة والسلام، وإنما كان عليه الصلاة والسلام ينتقي أطايب الكلام.
ومن المواصفات التي ذكرت قبل قليلٍ في التقارير: التعاون، يعني: أن يأخذ المعلم ويُعطي مع الطلاب، ويُلبي حاجاتهم، ويفتح مجالًا للتعبير عن آرائهم، وأن تكون هناك أريحيةٌ، حتى ذكروا: حب المنهج.
ولاحظوا أن المقصد الأساسي -وهو الجانب المعرفي أو التعليمي- لا بد له من طُعْمٍ، وهذا الطُّعْم هو تلبية الحاجات النفسية كما قالوا، وهناك ما يُسمى: بالخصائص الأسلوبية، وهذه تحدثنا عنها في الخصائص في حلقة الدكتور عبدالعزيز النغيمشي، ويمكن أن ترجعوا إليها فهي مهمةٌ جدًّا، وذكرنا الخصائص الوجدانية والمهارية، وقد فاقت بعض هذه الخصائص غيرها كما سنختم، إن شاء الله تعالى في نهاية اللقاء.
أهمية قُرب المعلم من طلابه
مما قاله الطلاب: أن يكون المعلم لي كأخٍ وصديقٍ وأبٍ. يعني: ليكن جادًّا، ما عندنا إشكالٌ، ولكنه قريبٌ.
هذا من أجمل ما يكون فيما يتعلق بالجمع بين الود والحزم، وقد أعجبني هذا الوصف الذي نادرًا ما يُتنبَّه له، والبعض يظن وجود تعارضٍ، وليس هناك تعارضٌ أبدًا، بل إن وصف هذا الطالب أفضل ما يكون؛ وهو أن يكون المعلم جادًّا، ويُربي على الجدية، ولكن في نفس الوقت يكون قريبًا من الطلاب.
ولذلك لن يُستجاب للمعلم والمربي إذا لم يكن قريبًا من الطالب، مهما كانت جودته في الجانب التخصصي، ولو كان غزير العلم والمعرفة، وربما يكون موسوعةً في الجانب المعرفي، فالقريب يُراعي الظروف ويُؤثر أكثر من غيره.
ومن الصفات: المرونة، بأن يكون المعلم مَرِنًا، والرسول تقول عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ما خُيِّر رسول الله بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه[3]أخرجه البخاري (3560)، ومسلم (2327).، فما دامت عندي في البيئة التعليمية طرقٌ متعددةٌ توصل للهدف، فآخذ الطريق الأيسر للطلاب، ويُحقق الهدف.
ومن الصفات: الثقة، وقد كررها عددٌ من الإخوة الطلاب، وهي من القضايا المهمة جدًّا، وهي أن يعرف الإنسان حقيقة ذاته وقيمته وقدره، ويشعر بتقدير الذات، وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا بالاحترام، وأن يُدرك الإنسان مواهبه وقُدراته، وأن يُثنى عليه ويُعزز، وتُراعى الفروق الفردية.
وذكروا القدوة، وقد كُررت أكثر من مرةٍ، وأشاروا إلى تعديل الخطأ، وذكر أكثر من واحدٍ أنه لا بأس من أن نُخطئ مرةً ومرتين وثلاثًا، ويصبر علينا حتى نستطيع أن نُحقق الصواب.
وهذا حقيقةً هو الهدف من العملية التعليمية التربوية، والأخطاء واردةٌ، وفي الحديث: كل ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التَّوابون[4]أخرجه الترمذي (2499)، وابن ماجه (4251)، وحسنه الألباني.، ولكن نحتاج من المعلم أن يُعدل السلوك الخاطئ، لا أن يزيده.
ابني يحتاج إلى تعديل سلوكٍ، فماذا أفعل؟
معنا الأخ أبو نواف من السعودية.
حيَّاك الله.
المتصل: الله يُحييك، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: حيَّاك الله يا أستاذي، الصراحة نشكرك على جهدك من ناحية موضوع الطرح.
المحاور: يا مرحبًا.
المتصل: الله يجزيك خيرًا، عندي ابنٌ في المرحلة الابتدائية، ويُعاني من خوفٍ لكثرة التصاقه بي، فلا يرغب في البقاء بالمدرسة إلا أثناء وجودي بها، فأريد أن أعرف العلاج أو الحاجة التي تُساعده على البقاء في المدرسة.
المحاور: أنت في أي منطقةٍ، حفظك الله؟
المتصل: في المنطقة الشرقية.
المحاور: ممتازٌ؛ لأنه يوجد أحد الإخوة الأخصائيين في الخدمات الإرشادية الطلابية، فأرجو أن تتواصل معي، وسأربطك -بإذن الله - بهذا الأخ المختص في إدارة التعليم في المنطقة الشرقية، وفي مركز الخدمات الإرشادية الطلابية، وهو من الناس المتميزين جدًّا في هذه القضية خاصةً؛ حتى نكسب الوقت، وأبشر يا أبا نواف، هذا الأمر سهلٌ.
المتصل: وعندي سؤالٌ آخر.
المحاور: طيب، لكن بسرعةٍ أخي أبا نواف، الله يحفظك.
المتصل: أنا أشعر أن سلوك الابن بدأ يتغير، فبدأ يتشيطن ويتلفظ بألفاظٍ ما كان يقدر أن يقولها من قبل، فهل هذا من بيئة المدرسة؟ وهل من التخوف أو الانفعالية؟ أنا أريد أن أعرف كيف أُرجعه لوضعه السابق؟
المحاور: جيدٌ، جزاك الله خيرًا، هذا يعتمد أولًا على طريقة تعاملكم مع هذا الابن من جهةٍ، وأرجو ألا تكونوا أنتم قاسين عليه، وإنما تأخذونه بالرفق والتدرج، مع أيضًا الإجراءات المهارية التي يقوم بها الإخوة الأخصائيون، وعندهم هذه القضية من القضايا المهمة جدًّا في أول ابتدائي.
أتمنى أخي الكريم أن يُعطيك الإخوة الهاتف الاستشاري، وتتواصل معي، ولعلنا نذكر لك أيضًا بعض الأشياء المتعلقة بالسؤال الأخير، وأيضًا تستفيد أكثر من بعض الإخوة، وفي ذهني أحد الإخوة الجيدين في هذا الجانب.
بقي لنا وقتٌ قصيرٌ، ولا نستطيع أخذ الأسئلة المتعلقة بخارج الموضوع، والمتصلون أيضًا أجبرونا على ذلك؛ ولذلك أحلناهم إلى أشياء معينةٍ.
فدعونا الآن بسرعةٍ نأخذ التقريرين؛ حتى نستطيع أن ننتهي من حلقة اليوم، بارك الله فيكم، تفضلوا.
التقرير (3):
- أريد من الأهل أن يُطوروا شخصيتي وعقلي وأشياء كثيرةً فيَّ.
- أن يُوفروا لي الحماية، ويدعموني في الدراسة.
- أن يدعوا لي أن أتفوق وأنجح وتزيد موهبتي.
- ألا يُكثروا من الصراخ، فأنا أُحب الجو الهادئ، ولا يسحبوا مني السوني والجوال.
- أنا آمل من الأهل أولًا: الدعم المادي والمعنوي، والتحفيز بالكلمات والمادة.
- أسرتي أتمنى منها الدعم المادي والمعنوي، والحمد لله الوالد والوالدة لا يُقصِّران في شيءٍ، فإذا طلبتُ منهما -مثلًا- شيئًا يحتاجه المعلم يُعطياني، ويُكافآني إذا حصلت على درجةٍ ممتازةٍ، ولله الحمد.
الشيخ: طيب، حياكم الله أيها الإخوة والأخوات.
ونحن في نهاية دقائق هذه الحلقة نقول: إن البيئة التعليمية دائمًا تفرض نفسها، لكن لا ننسى البيئة الأسرية، فهي المحضن التربوي الأول الذي نحن بأمس الحاجة إليه.
فاسمعوا أيها الآباء -ونحن معكم- ماذا تقول أجيالنا وأبناؤنا؟ وماذا يطلبون منا؟
لكن قبل هذه القضية دعوني أيضًا أكرر بعض الجوانب المهمة جدًّا: كإعطاء الوقت الذي قاله بعض الطلاب -بالنسبة للمعلمين- للحوار والنقاش، وإن كان الذي يُقال بحق المعلمين قد يُقال كثيرٌ منه في حق الآباء، وهذه قضيةٌ أيضًا مشتركةٌ ينبغي الاهتمام بها.
فإعطاء مجالٍ للحوار والنقاش والتعبير عن الرأي هذه من القضايا المهمة، وخاصةً كلما كبر الجيل في المرحلة الثانوية والجامعية، فهم يحتاجون إلى ما يُسمى: بالاستقلال الذاتي، وأن يُعبر الابن عن رأيه، فإن كان خطأً يُقوَّم، وإن كان صوابًا يُعزَّز، وما شابه.
وكذلك اكتشاف المهارات، وإعطاء فرصٍ إضافيةٍ، مثل: الفصاحة، كما قال أحدهم، والإلقاء، فربما يكون مُعلمًا ويحتاج إلى مثل هذه الجوانب وما يتعلق بها.
هذا تقريبًا معظم ما ذُكر في التقرير الذي وقفنا عنده.
الأسرة المحضن والسند الأول
أما التقرير الأخير فهو عن المرحلة الثانوية والجامعية والأُسرة:
أيتها الأسرة الكريمة، لا بد أن تُدركوا أنكم أنتم المحضن الأول، وأنكم سندٌ للمدرسة، ولا بد أن تُدرك المدرسة أن الأسرة سندٌ لها؛ ولذلك فإن البيئة الأسرية الإيجابية هي التي تعرف فعلًا كيف تستطيع أن تتجانس وتتوافق مع المدرسة؟ والبيئة الإيجابية التعليمية هي التي تعرف كيف تتوافق مع الأسرة؟
قالوا: على الأسرة أن تُكوِّن شخصيتي وتُساعدني أيضًا على تكوين عقلي. وهذه من القضايا المهمة جدًّا التي يقولها هؤلاء الطلاب في المرحلة الابتدائية، وهذا معناه: أن جيل اليوم جيل التقنية ووسائل التواصل بدأ يفتح كثيرًا من هذه القضايا؛ ولذلك فإن النمو العقلي ربما يحصل حتى في المراحل الأساسية والابتدائية، لكنه يحتاج إلى مُثيراتٍ وإلى بيئاتٍ تساعد على هذا النمو، فإذا وُجدت هذه البيئات ووسائل التواصل والألعاب الإلكترونية فإنها تساعد على هذا، لكن المشكلة حين تكون المضامين سلبيةً، أو تكون قضايا الوقت مُؤثرةً على الجانب الآخر؛ ولذلك فإن الضبط هنا يتعلق بالمضامين والمحتوى ... إلى آخر هذه القضايا، فلا بد أن نتنبه لها.
لكن دعونا نتكلم عن البيئة السليمة في التعامل داخل الأسرة، فإنها تحتاج إلى البناء العقلي لمثل هؤلاء الأبناء، والحماية والشعور بالأمن النفسي لأبنائنا؛ بأن يشعروا بأنهم مرتاحون نفسيًّا، وأن هناك حمايةً، لكن لا تكون حمايةً زائدةً ودلالًا واهتمامًا زائدًا.
وقد دلَّت الدراسات على أن الحماية الزائدة والدلال والدلع يُعطي نتائج سلبيةً، مثل: القسوة والشدة؛ فنخاف من أبنائنا أن يهربوا منا إذا استخدمنا معهم الشدة، وسيهربون منا حتى مع قضية الدلال والدلع؛ ولذلك فإن الحماية هي ألا يُؤْذَى بالجانب المعنوي، ولا بالجانب الجسدي.
وقالوا: ينبغي الاهتمام بالدراسة. وهذه مهمةٌ جدًّا؛ ولذلك فإن الأُسر ينبغي ألا تكون وسيلةً لفشل الأبناء، وبعض الأُسر قد يكون فيها آباء غير متعلمين، وهذه قضيةٌ خطيرةٌ جدًّا، وهم يحتاجون أن يُعوِّضوا هذه القضية بروافد أخرى قدر المُستطاع.
وذكروا الدعاء، وهذه لفتةٌ رائعةٌ جدًّا، فالدعاء مهمٌّ جدًّا، ودعاء الآباء لأبنائهم من الدعوات المُستجابة.
وذكروا كثرة الصراخ، يقول: أحب الهدوء.
من حقِّك أن تُحب الهدوء أخي الطالب، فأنا أحب الهدوء، فكيف لا تُحبه أنت؟!
فأن تتحول الدراسة إلى صراعٍ وصراخٍ وتشنجٍ هذا من أخطر ما يكون، خاصةً في الاختبارات.
وأنا أقول بعد ذلك: أبناؤنا عندهم قلق ما يُسمَّى: بالاختبارات، ونحن الأُسر السبب، فكم نحن بأمس الحاجة للتنبه لمثل هذه القضايا.
وذكروا ما يتعلق بالدعم المادي، مع اختلاف الفروق الفردية الموجودة في البيئات، والفروق الفردية ينبغي مراعاتها، وقد ذكرنا ذلك في اللقاءات السابقة المتعلقة بقضية المعلم.
وذكروا قضية الجوَّالات، والأبناء يُحبون مثل هذه القضايا، لكن أقول: لا بد من ضبطٍ أُسريٍّ مجتمعيٍّ لتعامل أبنائنا مع الجوالات، خاصةً في مثل هذه الأعمار، وقد يغضب علينا الأبناء حين يسمعون هذا الكلام، لكن نقول: هذه أمانةٌ، والمستشار مُؤتمنٌ؛ حتى يكون هناك ضبطٌ، فيستفيدون من التقنية إيجابيًّا، وما لا يحتاجون إليه ينصرفون عنه، حتى لو كان شيئًا مباحًا؛ لأن إتاحة كل هذه الأشياء بين أيديهم وهم في مثل هذا العمر قد لا يحتاجون إليه أبدًا، فيتنبه لمثل هذه القضايا، وهذه قد نُوقشت في بعض البرامج الموجودة في القنوات في (اليوتيوب).
دعونا ننظر لآخر تقريرٍ -بارك الله فيكم-، فكونوا معنا.
التقرير (4):
- الأهل دورهم توفير سبل الراحة، والأماكن التي يُدرس فيها، والتحفيز، وزرع قيمة أن الدراسة هي الأساس، وليست شيئًا ثانويًّا، فهم مَن يزرع هذه القيمة، وليس المعلم، المعلم فقط دوره أنه يشرح.
- أريد من الأسرة أن يُوفروا لي سبل الراحة بأريحيةٍ، وأن يأخذوا ويُعطوا معي، وأن يستخدموا التحفيز المعنوي والمادي، وأن يكونوا معي قلبًا وقالبًا.
- أريد من أُسرتي أولًا وقبل كل شيءٍ الدعاء، والشيء الثاني: توفير سُبل الراحة في الدراسة، وأيضًا نشر التوعية بأهمية الدراسة لدى الطالب، بحيث يفهم أن هذه الدراسة هي مُستقبله كله، ونحن في عصرٍ إذا لم تكن عندك دراسةٌ وشهادةٌ فلن تستفيد أبدًا.
- في المراحل الابتدائية التعويد على المُذاكرة والجُهد، وكلما كبر الطالب لا بد أن يُعطى فرصةً بأن يعتمد على نفسه أكثر؛ لأنه إذا وصل الجامعة ما تستطيع أن تكون معه، فلو لم تُعوده دائمًا على المذاكرة بنفسه فإنه في الجامعة غالبًا لن يكون من الطلاب المتميزين، فكلما جعلته يعتمد على نفسه أحسسته برجولته كطالبٍ، وأنه كبر، وسيكون أفضل في المستقبل.
- أتمنى رغم تقصيري والأشياء التي قصرتُ فيها أن يبقى حب الأسرة في كياني شيئًا أعتز به وأفتخر به، وأتمنى من أسرتي أن تدعمني وتُحفزني بالدعاء بالتوفيق والتيسير، وتعلم ظروف المرحلة التي من الممكن أن يمر بها أي طالبٍ، وبالتالي تأخذ بيدي، ونصل جميعًا -إن شاء الله- إلى أعلى المستويات، وأحسن الأماكن.
- طبعًا الأهل هم البيت الذي نشأتُ فيه، ولولا الأب والأم بعد فضل الله لما وُجِدْتُ على هذه الدنيا، فصراحةً حقهم عليَّ كبيرٌ قبل أن آخذ حقِّي منهم، فأطلب من الله ثم منهم الدعوة الطيبة، والكلام الطيب، وكسب الثقة، والدعوة بالصلاح والتوفيق، والحقيقة أن الأهل هم الداعم الأول والأخير بعد الله ، فهم المرجع لي، فأطلب منهم شيئًا واحدًا، وهو الدعوة الطيبة، وحُسن الثقة بالله، ثم بي.
- أحتاج من أهلي أن يحتووني في هذه المرحلة خاصةً، وأن يُقدِّموا لي الدعم المادي والمعنوي بشكلٍ كبيرٍ: ككلمات الثناء والتحفيز، فإنني أحتاجها بشكلٍ كبيرٍ في هذه المرحلة التي أمر بها.
- توفير البيئة المُلائمة لي كطالبٍ لدراسة المرحلة الجامعية من خلال السنوات الأربع القادمة، وأجدهم قادرين على ذلك، بإذن الله.
كيف تُفكر أجيالنا؟ وما مطالبهم واحتياجاتهم؟
الشيخ: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات، ولا عطرَ بعد عروسٍ، ما شاء الله! تبارك الله! كلامٌ جميلٌ، وأظن أنكم وجدتم التَّشابُهات الكبيرة في كلامهم، ووجدتم كيف تُفكر أجيالنا؟ وما هي مطالبهم واحتياجاتهم؟ ووجدتم الحقيقة السر الكبير المهم الذي يصدق أن نختم به، وهو: أن الخصائص المعرفية -أيها المعلمون والآباء- ليست هي الخصائص الأساسية، وإنما الخصائص الأساسية هي تلكم التي تحتوي هؤلاء، وتُلبي حاجاتهم، وتجعلكم قريبين منهم؛ بأن نحترمهم ونُقدرهم، ونجعلهم يشعرون بذواتهم، ونتعاطف معهم، ونُحبهم ونودهم.
وتجدون أن معظم هذه الأشياء مرتبطةٌ بالجوانب النفسية؛ ولذلك فإن الخصائص الوجدانية -كما دلَّت على ذلك الدراسات قاطبةً- هي رقم واحدٍ فيما تحتاجه الأجيال من المُربين، ثم تأتي الأمور الأخرى في بعض الجوانب الضبطية، وبعض الجوانب المتعلقة بالجانب المالي، والمعرفي، والعلمي ... إلى آخره، نعم، هي مهمةٌ، لكن ليست أهميتها مثل أهمية الجانب المُرتبط بالخصائص الوجدانية، وإشباع الجانب العاطفي، وما يتعلق بالأساليب والتعامل، وكما جاء في الحديث: حَرُمَ على النار كُلُّ هَيِّنٍ، لَيِّنٍ، سهلٍ، قريبٍ من الناس[5]أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة (3938)، وقال مُحققو "المسند": حسنٌ بشواهده..
جعلنا الله وإياكم من هؤلاء، ووفقنا وإياكم لتعزيز هدف هؤلاء الأجيال، وأن نكون مُعينين لهم على إدراك أهمية الدراسة والمعرفة والعلم وتقديره، وكذلك التعامل معهم بطريقةٍ سليمةٍ -كما أشار أحدهم- فيما يتعلق بقضية التعويد من وقتٍ مُبكرٍ على قضية المُذاكرة؛ حتى لا يُصبح اعتماديًّا.
فأسأل الله أن يُوفقنا وإياكم لكل خيرٍ، وأن يُبارك في جهود الجميع، والاعتذار لمَن لم نأخذ سؤاله، لكن -بإذن الله- نعدهم في حلقاتٍ قادمةٍ.
والشكر موصولٌ لجميع الذين شاركونا في التقارير وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك الذين شاركونا في المُداخلات، والشكر للجهات التي ساعدتنا في قضايا التقارير.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وتحياتي لكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | البيت لسُحيم بن وثيل الرِّياحي كما في "جمهرة اللغة" (2/ 1044)، و"الشعر والشعراء" (2/ 629). |
---|---|
↑2 | أخرجه الترمذي (1956)، وصححه الألباني. |
↑3 | أخرجه البخاري (3560)، ومسلم (2327). |
↑4 | أخرجه الترمذي (2499)، وابن ماجه (4251)، وحسنه الألباني. |
↑5 | أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة (3938)، وقال مُحققو "المسند": حسنٌ بشواهده. |