المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ، حياكم الله أيها الإخوة والأخوات في حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم الأسبوعي المباشر "أسس التربية"، ومن قناتكم قناة "زاد" العلمية.
وما زلنا معكم حول التعليم، وكون معظم البلاد العربية حاليًّا قد بدأت في هذا المشوار، وفَّق الله أبناءنا وبناتنا في حياتهم العلمية، ووفَّق المعلمين والمعلمات في أداء رسالتهم.
كنا في حلقةٍ سابقةٍ قد تحدثنا عن: ماذا يريد الطلاب من المعلمين؟
واليوم سيكون الكلام عن المعلم، وماذا يريد من الطلاب؟
ونسعد في هذا اللقاء باستضافة الأخ الأستاذ الكريم: صالح بن يوسف المقرن.
حيَّاك الله أستاذ صالح.
الضيف: الله يُحييكم.
المحاور: ومرحبًا بك في هذا اللقاء.
أستاذ صالح خبرةٌ في التعليم خمسًا وثلاثين سنةً: اثنتين وعشرين سنةً مُعلم في المراحل الثلاث: الابتدائية، والمتوسطة، والثانوية، وثلاث عشرة سنةً مُشرفٌ تربويٌّ، منها ثماني سنوات مشرفٌ في مواد الدراسات الاجتماعية بإدارة التعليم بالإحساء، وثلاث سنوات عضو فريق خبراء التطوير المهني لمعلمي مواد الدراسات الاجتماعية في المشروع الشامل لوزارة التعليم، وسنتان رئيس فريق خبراء التطوير المهني لمعلمي مواد الدراسات الاجتماعية في النظام الفصلي للتعليم الثانوي في وزارة التعليم.
مرحبًا بك أستاذ صالح، وسعداء بك، وإضافةٌ -إن شاء الله تعالى- طيبةٌ للقائنا، بإذن الله .
الضيف: حيَّاك الله، وأنا سعيدٌ أكثر بك وبالمشاهدين.
المحاور: الله يحفظك، لكن يقولون: إنك مشرفٌ تربويٌّ مُتقاعدٌ، فأخشى أنك ستأخذ راحتك بعد التقاعد في الكلام عن المعلمين، أسأل الله أن يُوفقك.
الضيف: بل ما زلتُ أُكِنُّ لهم المودة، وما زلتُ أعتبر نفسي واحدًا منهم وقريبًا منهم.
المحاور: أكرمك الله، حيَّاك الله، وأسأل الله أن يُبارك في هذه الحلقة، وأن ينفع بك.
اسمح لنا أن نأخذ مُوجزًا للحلقة السابقة المتعلقة بـ: ماذا يريد الطلاب من المعلمين؟ لنسمع تعليقك.
فتفضلوا إخواني، الله يحفظكم.
الحلقة السابقة:
أظن أنكم وجدتم التَّشابهات الكبيرة في كلام الطلاب، ووجدتم كيف تُفكر أجيالنا؟ وما مطالبهم واحتياجاتهم؟ ووجدتم السر الكبير المهم الذي يصدق أن نختم به، وهو: أن الخصائص المعرفية أيها المعلمون والآباء ليست هي الخصائص الأساسية، وإنما الخصائص الأساسية هي تلكم التي تحتوي هؤلاء، وتُلبي حاجاتهم، وتجعلكم قريبين منهم: بأن نحترمهم، ونُقدرهم، ونجعلهم يشعرون بذواتهم، ونتعاطف معهم، ونُحبهم، ونودهم.
وتجدون أن معظم هذه الأشياء مُرتبطةٌ بالجوانب النفسية؛ ولذلك الخصائص الوجدانية -كما دلَّت على ذلك الدراسات قاطبةً- هي رقم واحد فيما تحتاجه الأجيال من المُربين، وتأتي الأمور الأخرى في بعض الجوانب الضبطية، وبعض الجوانب المتعلقة بالجانب المالي، والمعرفي، والعلمي ... إلى آخره.
نعم هي مهمةٌ، لكن ليست مثل أهمية الجانب المُرتبط بالخصائص الوجدانية وإشباع الجانب العاطفي، وما يتعلق بالأساليب والتعامل، وكما جاء في الحديث: حُرِّمَ على النار كلُّ هَيِّنٍ، لَيِّنٍ، سهلٍ، قريبٍ من الناس[1]أخرجه أحمد ط. الرسالة (3938)، وقال مُحققو "المسند": حسنٌ بشواهده.، جعلنا الله وإياكم من هؤلاء، ووفَّقنا وإياكم لتعزيز هدف هذه الأجيال، وأن نكون مُعينين لهم على إدراك أهمية الدراسة والمعرفة والعلم وتقديره، وكذلك التعامل معهم بطريقةٍ سليمةٍ، كما أشار أحدهم فيما يتعلق بقضية التعويد من وقتٍ مبكرٍ على قضية المُذاكرة، حتى لا يُصبح اعتماديًّا.
فأسأل الله أن يُوفقنا وإياكم لكل خيرٍ، وأن يُبارك في جهود الجميع، والاعتذار لمَن لم نأخذ سؤاله، لكن -بإذن الله- نعدهم في حلقاتٍ قادمةٍ.
والشكر موصولٌ لجميع الذين شاركونا في التقارير، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك الذين شاركونا في المُداخلات، والشكر للجهات التي ساعدتنا في قضايا التقارير.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسَّداد، وتحياتي لكم.
المحاور: حيَّاك الله أستاذ صالح، ومرحبًا بك.
الضيف: الله يُحييك.
المحاور: لعلك تبدأ هذه الحلقة -جزاك الله خيرًا- من خلال تعليقكم على ما وصلنا إليه في الحلقة السابقة العكسية، وتُثَنِّي بما يتعلق بالدراسة التي تنتشر بين الفينة والأخرى مع بدايات الأعوام الدراسية، وهي دراسة (جون هيتي) فيما يتعلق بقضية: مَن المعلم الذي نريد؟
فتفضل، بارك الله فيكم.
الضيف: أولًا: الحديث عما يريد الطالب من المعلم هو محور أساسٍ ينبغي أن يَعِيَه كل معلمٍ؛ لأن احتياج الطالب داخل الصف هو المجال الذي من خلاله يستطيع المعلم أن يُدير الصف من خلال: ماذا يحتاج أبناؤنا الطلاب؟
ولهذا ينبغي على جميع المعلمين أن يُراعوا احتياجات الطلاب وطلباتهم من خلال معرفتهم بخصائص الطلاب واحتياجاتهم النفسية المرحلية.
ولهذا إذا كان المعلم يُؤدي مادته الدراسية بعيدًا عن احتياجات الطلاب الواقعية الحقيقية فإنه لن يُحقق الهدف من أدائه كمعلمٍ داخل الصف، مع مُراعاة أن احتياجات الطلاب تختلف من مرحلةٍ إلى مرحلةٍ، بل من صفٍّ إلى صفٍّ، يعني: ليس فقط من صفٍّ دراسيٍّ سادسٍ وخامسٍ، بل داخل الصف؛ فمثلًا: طلاب سادس (أ) قد تكون احتياجاتهم تختلف عن سادس (ب)، وهنا يحتاج المعلم أن يكون عنده استعدادٌ لاستيعاب هذه الجزئية، وكيف يتعامل معها كمعلمٍ في داخل ...؟
المحاور: إذن يمكن أن نقول: الرابط هنا واضحٌ جدًّا بين الحلقة السابقة التي نعتبرها عكسيةً لهذه الحلقة -أقصد من حيث المُخاطَب-، فكان الطلاب في المرة الماضية، والآن المعلم.
وفي هذه الحلقة سيُشاهد الإخوة والأخوات تقارير ليست مع الطلاب، وإنما مع المعلمين في هذه المرة، فلقاؤنا يرتبط بأسس نجاح المعلم.
دراسة المراحل العمرية وجانب النمو المُتعلق بالشخصية
ونطلب من الإخوة أن يعرضوا ملخص دراسة (جون هيتي) التي عمل فيها خمس عشرة سنةً، وهي من الدراسات المسحية في دراسة المراحل العمرية وجانب النمو المُتعلق بالشخص نفسه، فنُؤكد أكثر على النتائج التي توصل إليها.
فقد وضع عدة عناصر، وهذه العناصر مرتبطةٌ بمدى نجاح المعلم مع طلابه، وهناك عناصر مُؤثرةٌ جدًّا، يعني: تحتل المراكز الأولى في سُلم الاهتمام، فهو الذي يشعر بالمسؤولية تجاه طلابه، فهذه قضيةٌ من القضايا المهمة جدًّا التي وصل إليها، فليست القضية -كما قال- مُرتبطةً بمبانٍ، وإنما مُرتبطةٌ بجوانب أخرى.
وأنا أذكر هنا ما ذكره صاحب كتاب "التربية الحرة"، وقد أشار الأستاذ صالح إلى المشكلات التعليمية، ولا يمكن أن نقول: إننا نستطيع أن نحلَّها إذا كنا بمعزلٍ عن المعلم الكُفْء.
يقول: لو قلت ما قلت في الطلاب والمناهج والمباني والإدارات، سيبقى المعلم الكُفْء هو الحل.
فهل يمكن الكلام حول هذه الدراسة؛ لكونها أخذت حيِّزًا طويلًا، وكانت العينة ضخمةً جدًّا، حوالي مئتين وخمسين مليون طالبٍ؟
الضيف: نعم، أولًا: إذا أردنا أن نكون واقعيين وعمليين، فالحقيقة أن المُقارنة بين أي دراسةٍ -خاصةً إذا كانت خارج بلدنا- أحيانًا قد تكون من باب جلد الذات.
المحاور: نعم.
الضيف: لاختلاف البيئات والاستعدادات، بل حتى الثقافة السائدة في بعض المجتمعات الأخرى التي تُطبق عليها بعض الدراسات؛ ولذلك أنا أريد أن أُؤكد هنا في بداية هذه الحلقة على أننا هنا لسنا بصدد جلد ذاتنا كمعلمين أو مسؤولين عن العملية التعليمية، ولا بصدد إصدار أحكامٍ.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: على المُقصر، سواء كان معلمًا، أو إدارة مدرسة، أو إدارة تعليم، فضلًا عن الوزارة.
المحاور: ولكن تشاورٌ.
الضيف: بالضبط؛ ولهذا أرجو أن يستفيد المشاهد والمستمع، وخاصةً زملائي المعلمين الذين هم هدف هذه الحلقة؛ لكوننا سنتحدث عن دور المعلم في العملية التعليمية، بحيث يستبصر زملائي المعلمين أدوارهم في العملية التعليمية، مع كثيرٍ من الإشكالات الناشئة في واقع التعليم.
ودعني أُشير إلى بعض النقاط الرئيسة التي جاءت في هذه الدراسة وأُحب أن أُؤكد عليها.
المحاور: جميلٌ، لو الإخوة في (الكنترول) يعرضون الملخص، تفضلوا.
الضيف: كون الدراسة تستغرق خمس عشرة سنةً هذا أمرٌ ليس بالسهل.
المحاور: خمس عشرة سنة!
الضيف: نعم خمس عشرة سنة، فقد صدرت في عام 2008م، وشملت ثمانمئة نتيجة تحليل لخمسين ألف دراسةٍ، وهذه الدراسة شارك فيها مئتان وخمسون مليون طالبٍ، فهذا شيءٌ غير عاديٍّ، بحيث أعتقد أنه يمكن أن تكشف عن أسرار مكنون ماهية العملية التعليمية لدى أبنائنا الطلاب، وهم المُستهدفون.
وكانت الدراسة تعتمد على عنصرٍ واحدٍ، أو على سؤالٍ واحدٍ، وهو: ما العناصر التي تجعل التدريس جيدًا؟
المحاور: نعم.
الضيف: وقد حددت الدراسة مئةً وستةً وثلاثين عنصرًا مُؤثرًا، ووضعت مقياسًا مُحددًا لكل عنصرٍ، هذا ما أثَّر في إحداث مقدار التقدم الذي تحقق في العملية التعليمية.
المحاور: "مئةً وستةً وثلاثين" هذه عبارةٌ عن عناصر.
الضيف: بالضبط.
المحاور: مبنيةٌ على الدراسة.
الضيف: بالضبط، ومرَّت بتحليلٍ حتى جاءت النتائج التي أشار إليها.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: يعني: الدراسة توصلت إلى هذه النتائج المهمة التي أرجو أن يَعِيَها زملائي المعلمون، وهي دراسةٌ على البشر، ونحن جزءٌ من البشر، وما لدينا من استعداداتٍ هي لدى الآخرين، فعندما تنتهي الدراسة إلى أن العنصر الرئيس المُؤثر في العملية التعليمية هو المعلم، وليست الهياكل الخارجية، مثل: المناهج المتطورة أو المُتقدمة، والمدارس الحكومية، أو المدارس الأهلية، وأيضًا ليس المُؤثر هو الصفوف القليلة العدد أو المُكتظة، وليست أيضًا الوسائل التقنية الحديثة، على الرغم من أن هذه كلها بدون شكٍّ لها أثرٌ في العملية التعليمية.
المحاور: لكن ليست المُؤثر.
الضيف: نعم، فالعنصر الحاسم الذي لا يُضاهيه في أهميته شيءٌ هو عنصر المعلم الكُفْء الذي هو الآن محور حديثنا.
دعني فقط أُشير أيضًا إلى بعض ما انتهت إليه الدراسة.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: شدد (جون) في دراسته أو خلاصة دراسته على أن المعلم يحتاج في أدائه إلى الاهتمام بالجانب الكيفي، لا الكمي.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: لذلك المدرس عندما يُؤدي أداءه داخل الصف، ويجد أن هناك نوعًا من القصور ينبغي أن يبحث عن وسائل أخرى أقرب إلى الطلاب.
المحاور: يكون الجانب الكمي قد أوفى به.
الضيف: بالضبط.
المحاور: الجانب المعلوماتي.
الضيف: الكيفي.
المحاور: نعم، أقصد: قد يكون الجانب الكمي -وهو جانب المعلومات وأمثاله- قد أوفى به، لكن المشكلة في الجانب الكيفي.
الضيف: الكيفي الذي يُوصل هذه الأهداف السلوكية.
أيضًا الدراسة انتهت إلى استغرابٍ خطيرٍ في تقديري.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: وهو: أن الدراسة تستغرب إصرار كثيرٍ من المعلمين على التقليل من دورهم في التغيير للأفضل.
المحاور: وهذه قضيةٌ خطيرةٌ.
الضيف: جدًّا، فهم يقولون: إنهم غير قادرين على تغيير الواقع المُحيط. وأنا أقول: الواقع المُحبط.
أيضًا الدراسة ذكرت: متى تبدأ عملية القصور في أداء المعلم؟
تبدأ من سنوات إعداده في كليات المعلمين.
المحاور: للعلم: هذه الدراسة عام 2008م.
الضيف: نعم.
المحاور: يعني: ليست بعيدةً.
الضيف: لا، ليست بعيدةً.
القصور يبدأ من إعداد المعلم في كليات المعلمين، وهذه الدراسة تُطالب بأن يُعوض هذا القصور في السنوات الأولى من سنوات المعلم: السنة الثانية والثالثة.
المحاور: وهذا يا أستاذ صالح نداءٌ لكليات التربية أو الكليات التربوية -وأنا أحد أعضائها على أية حالٍ- بأن على الإدارات في كليات التربية مسؤوليةً، وكذلك الأساتذة الكرام فيما يتعلق بقضية المُخْرَج والمُنتج التربوي.
الضيف: نعم، وتقول الدراسة: إنه ينبغي أن نُعوض هذا القصور بالاهتمام بالمعلم في السنتين أو الثلاث الأولى التي تُعتبر أهم وأخطر مراحل التعليم التي تحكم الثلاثين سنةً اللاحقة إلى سنِّ المعاش.
وإذا أذنتَ لي يا دكتور خالد دعني أختم بجزئيةٍ.
المحاور: إي والله، يا ليتك تختم الدراسة؛ لأن عندنا محاور كثيرةً.
الضيف: هناك نقطةٌ في غاية الأهمية، وهي: أن الدراسة تعترف أن هناك معلمين جيدين، وهناك معلمون غير جيدين.
المحاور: طبيعي.
الضيف: المعلمون غير الجيدين ينبغي أن يُقدم لهم تحفيزٌ، وأن يُجبروا على تطوير ذواتهم من أجل أن يتواكبوا مع أداء العملية التعليمية.
المحاور: هؤلاء المعلمون؟
الضيف: المعلمون غير الجيدين.
المحاور: غير الجيدين.
الضيف: وتقول الدراسة بالنص: فإن لم يستجيبوا كان عليهم أن يبحثوا عن عملٍ آخر!
المحاور: وضحت الرسالة.
الضيف: وسيأتي -بإذن الله تعالى- في معرض حديثنا إشباعٌ أكثر لمثل هذه الجزئية.
المحاور: جميلٌ، وأنا أريد أن تبقى معنا يا أستاذ صالح خلال اللقاء -الله يُعطيك العافية-؛ لأننا أيضًا نحتاج إلى أن نُبرز ما توصلت إليه في بعض البنود.
الضيف: بإذن الله تعالى.
المحاور: طيب، لعلك تأذن لنا الآن، فعندنا تقريرٌ بعنوان: ماذا يريد المعلم من الطالب؟
لنرى هذا التقرير معًا، فكونوا معنا، بارك الله فيكم.
تقرير (1):
- أولًا: الحرص على أداء الواجبات، فنحن بحكم تخصصنا يهمنا بشكلٍ كبيرٍ جدًّا تفاعل الطالب معنا في أداء الواجبات المنزلية، وهذا شرطٌ كبيرٌ جدًّا، ويُساعدهم فيه الوالدان بلا شكٍّ.
النقطة الأخرى: الحرص على النوم باكرًا؛ لأن الكثير من الطلاب يأتون إلى المدرسة وفي عيونهم النوم، ولا أستطيع أن أجذبهم قدر الإمكان، فهذه تُعتبر نقطةً سلبيةً.
بالإضافة إلى ذلك: احترام المعلم، فإذا كان هناك احترامٌ بين المعلم والطالب ستُؤدي العملية التربوية إلى نتيجتها المطلوبة، لكن إذا فُقد الاحترام فلا تأمل كثيرًا في النتائج.
النقطة الأخيرة: التفاعل مع المعلم أثناء الحصة، فهو دليل وَعْي الطالب معك في الحصة نفسها.
- طبعًا هناك أمرٌ مُجمعٌ عليه من جميع المدرسين، وهو: الاحترام المُتبادل بين الطالب والمعلم.
والأمر الآخر داخل الصف: المعلم يحتاج من الطالب أن يكون مُستمعًا جيدًا، ومُنصتًا، ويُركز في المعلومات التي يذكرها المعلم، وأن يكون مُتفاعلًا وسؤُولًا، فكثيرٌ من الطلاب يتحرج أو يستحي أن يسأل، وهذا في الحقيقة لا يتعلم، فالإنسان الذي يريد أن يتعلم ويُطور نفسه هو الإنسان الذي يبحث عن المعلومة ويسأل.
فهذه النِّقاط أتوقع أنها النقاط المهمة التي يريدها المعلم من الطالب.
ولا بد أيضًا أن ينظر الطالب إلى المعلم نظرة الأخ الكبير أو الأب، لا ينظر نظرة النِّد، وأن يُحسن الظن إذا بدر أي تصرفٍ من المعلم؛ لأنه أحيانًا قد يبدر من المعلم تصرفٌ يُؤوله الطالب بسوء ظنٍّ، والمعلم -يعني- بعيدٌ عن هذا التصرف، أو بعيدٌ عن توقعات الطالب حول هذا التَّصرف.
النقطة الأخرى: ماذا يريد المعلم من الطالب داخل المنزل؟
وهي نقطةٌ مهمةٌ في ظل وجود المُشتتات والمُلهيات، وهي: أن يُرتب الطالب ويُوزع وقته، فيجمع بين المعرفة والعلم، وأيضًا الترفيه.
والأمر الآخر: النوم المُبكر، حتى يكون الطالب مُتهيئًا للدراسة في اليوم الآخر، ومُستعدًّا ذهنيًّا وبدنيًّا، ويخرج بنتيجةٍ طيبةٍ.
- طبعًا المعلم في المرحلة الابتدائية في العادة لا يطلب من الطالب أشياء لا يَعِيها؛ ولذلك من واجب ومسؤولية أهل الطالب عند دخوله في المرحلة الابتدائية أو الابتدائي أن تكون عنده فكرةٌ عن وضعه في المدرسة؛ لأنه طالبٌ في مرحلة التنشئة، ولن يُطالبه المعلم بشيءٍ أكبر من قُدراته.
وفي المقام الأول لا بد أن يعتبر المعلم هذا الطالب بمثابة ابنه، ويستذكر المعلم كيف كان في المرحلة الابتدائية؟ وماذا كان يرجو من المعلم أن يُقدم له؟ فيُقدم ما كان هو يريده من المعلم أثناء الفترة الابتدائية لهذا الطالب الذي هو عنده الآن.
- يريد المعلم من الطالب: الهدوء والانضباط وقت الدرس، وأيضًا ترك المزاح باليد في الفصل وخارج الفصل، فأحيانًا المزاح يُسبب مشاكل.
وأيضًا كل حصةٍ لها طبيعةٌ؛ ففي الحصة الأولى غالبًا يُطالب الطلاب بالهدوء، وكذلك في الثانية، لكن في الثالثة والرابعة يحتاج الطالب إلى أن يضبط انفعالاته، وخاصةً في الرابعة بعد الفطور، وأيضًا أتمنى ترك السِّباب واللَّعن بين كثيرٍ من الطلاب، وأيضًا الحرص على المادة وحلِّ الواجبات.
- والله أريد من الطلاب -وخاصةً في المرحلة الثانوية- التقدير والاحترام، هذا أولًا.
والأمر الآخر: يريد المعلم أيضًا أن يستفيد الطالب من المعلومات التي يُقدمها؛ لأن بعض المعلمين يجتهد ويبحث في الكتب ويُعِدُّ إعدادًا عظيمًا، فيريد المعلم أن يُقدر الطالب هذا الجهد المبذول.
هذا باختصارٍ ما يريده المعلم.
- حقيقةً أنا أطلب عدة أمورٍ من الطالب، لكن أهم شيءٍ بالنسبة لي كمعلمٍ هو الانضباط؛ بأن يكون الطالب مُنضبطًا معي في الحضور، ومُنضبطًا في الالتزام بمواعيد المحاضرات؛ لأن هذا الانضباط يُؤثر بشكلٍ مباشرٍ على استفادة الطالب من عدمها من المادة العلمية.
وكذلك أطلب منه الالتزام، وأقصد بالالتزام: الالتزام بتسليم الأعمال في أوقاتها؛ لأنه غالبًا إذا التزم الطالب بتسليم العمل في موعده ينعكس ذلك على فهمه للمادة العلمية، وينعكس ذلك على الفهم المُتراكم للمادة، لكن إذا وُجِدَ عدم انضباطٍ أو عدم التزامٍ بتسليم الأعمال يكون هناك تقصيرٌ، أو يكون الفهم غير كاملٍ.
أهمية تفاعل الطالب مع المعلم
وكذلك تفاعل الطالب مع المعلم أو مع أستاذ المادة يُعطيه شعورًا إيجابيًّا، ويكون أستاذ المادة أكثر حرصًا على تقديم المُفيد للطالب.
الدكتور خالد: حيَّاكم الله أيها الإخوة والأخوات، وعودًا حميدًا بعد هذا التقرير.
نشكر الأساتذة الفُضلاء من مراحل التعليم المختلفة على ما أبدوه حول سؤال: ماذا يريد المعلم من الطالب؟ وهو ضمن حلقتنا التي هي بعنوان: "أسس نجاح المعلم".
وقد كانت هناك مُشاركاتٌ عبر وسائل التواصل الأخرى العديدة، وأيضًا كانوا قد أكَّدوا على كثيرٍ من المعاني التي أشار إليها الفضلاء، وكما هي تظهر لكم الآن في الشاشة.
أستاذ صالح -بارك الله فيكم- سمعتم هذا التقرير، فما واقع المعلم من وجهة نظرك؟ وأيضًا بناءً على ما سمعت من التقرير، فهناك بعض الإحصائيات الجديدة كما ذكرتم ربما نحتاج إلى الوقوف معكم حول هذا الأمر.
الضيف: قبل أن ندخل إلى موضوع الواقع التعليمي، دعني أُعلق على بعض ما ذكره الزملاء في تقريرهم.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: أريد أن أُشير إلى نقطةٍ في غاية الأهمية، فكل ما طلبه الزملاء المعلمون في هذا التقرير من الأهمية بمكانٍ، لكن على زملائنا المعلمين أن يُدركوا أن هذه الطلبات هم الذين يستخرجونها من الطلاب من خلال جداراتهم والكفاءات التي يتمتعون بها.
المحاور: يا سلام! فالأصل هو المعلم.
الضيف: نعم، فهو الذي يُوجِد لدى الطلاب احترامهم له، والتفاعل داخل الصف، والالتزام والانضباط في الحضور، فالمعلم هو الذي يُوجد هذا ويُنميه لدى أبنائنا الطلاب.
المحاور: يعني: هذا تأكيدٌ لما وصلت إليه الدراسة.
الضيف: بالضبط.
المحاور: وتأكيدٌ على ما ذكره صاحب كتاب "التربية الحرَّة" وغير ذلك، فما يطلبه الطلاب من أساتذتهم، فالمعلم ابتداءً ينبغي أن يكون المُؤثر في هذا الجانب.
الضيف: الحقيقة الدراسة أكَّدت على أهمية دور المعلم، وأنه قادرٌ على التحديث والتغيير في كل الظروف، فكان (جون) يُؤكد على هذه القضية، وأنه أحيانًا -بل غالبًا- في مجموعةٍ من المدارس تجد فيها مجموعة معلمين في نفس الظروف والإمكانيات.
المحاور: والنتائج مختلفةٌ.
الضيف: مختلفة! فهناك معلمون أداؤهم أكثر تميُّزًا، وهذا يُؤكد على أن المعلم يستطيع أن يكون أكثر فاعليةً.
المحاور: بلا شكٍّ.
الضيف: طيب، فقط إشاراتٌ سريعةٌ لبعض ما أشار إليه الزملاء، وتأكيدٌ على هذه النقطة، فمثلًا: عندما يُطالب المعلم أبناءه الطلاب بالاحترام المُتبادل، الحقيقة أنا دائمًا أُشير إلى هذه النقطة: مَن يبدأ بالاحترام؟ المعلم يحترم الطلاب أولًا، أو الطلاب يبدؤون باحترام المعلم؟
في تقديري: لنا في النبي أسوةٌ، فقد كان النبي دائمًا يزرع القيم والأخلاق في صحابته وفي الأمة من خلال التزامه بهذه القيم، فتَنْبُت فيهم، وهنا مكمن القدوة، فالطالب عندما يأتي إلى الصفِّ هو خامة؛ لذلك تجد هذا الطالب يحترم (س) من المعلمين، وقد لا يحترم (ص) من المعلمين بنفس المستوى، بل أحيانًا قد تقول: لماذا (س) يحترمه؟ فالمعلم (س) هو الذي أوجد فيه هذا الاحترام.
المحاور: نعم.
الضيف: ونقطةٌ مهمةٌ أيضًا: وهي قضية أن يكون الطالب سؤولًا، وأيضًا هذا فيه سؤالٌ وهو: هل الطلاب يسألون جميع المعلمين؟
المحاور: يا سلام! أنا قمتُ بدراسة أربع سنوات مسحية يا أستاذ صالح، سألتهم من أول ابتدائي إلى ثالث ثانوي -اثنتا عشرة سنة- وأكبر نسبةٍ وصلت إليها في الطلاب أن 5% من الأساتذة فقط يفتحون لهم مجال الحوار والمُناقشة.
الضيف: هو ليس فتحًا يا دكتور خالد، هو إيجاد بيئةٍ مُحفزةٍ أن الطالب يسأل.
المحاور: يا سلام!
الضيف: عندما يبسط المعلم المعلومات للطلاب ويُعطيهم المعلومات كاملةً دون أن يستفز أذهانهم لمحاولة التفكير.
المحاور: إذن لا بد من بيئةٍ تعليميةٍ جاذبةٍ.
الضيف: جاذبةٍ ومُؤثرةٍ، وموضوع السؤال: هناك مهارةٌ في طرح السؤال.
المحاور: نعم.
الضيف: وهناك نقطةٌ أخرى ذكرها أحد الزملاء، أظن الأستاذ خالد.
المحاور: العزمان.
الضيف: نعم، وهي قضية: عدم مُطالبة الطلاب بأكثر من قُدراتهم، فأنا لدي وجهة نظرٍ أخرى فأقول: الطالب عندما يضعه المعلم في مكانٍ يصعب معه الوصول إلى الإجابة سيُحفز استعداداته وطاقته؛ لذلك أحيانًا كلما كان السؤال أصعب كلما كانت الاستثارة لدى الطلاب والتَّحدي أكثر.
المحاور: جميلٌ، هذه وجهة نظرٍ، وأيضًا هو يتحدث بحكم أنه معلمٌ في المرحلة الابتدائية، فيقصد أنه ربما لا يُطيقه الطالب، لكن ما ذكرته حقيقةً.
الضيف: نعم.
المحاور: ظهر من خلال الواقع أننا كلما استنهضنا القُدرات الكامنة لدى الطالب سنجد شيئًا ما كنا نتخيله.
الضيف: دعني أُعطيك فكرةً يا دكتور خالد والزملاء، نحن نُطالب طلابنا بأكثر من طاقاتهم بما يتلاءم معهم، لكن دون أن نُحاسبهم عليه، فما أُحاسب الطالب عليه إذا ما أدَّاه، لكني أُتيح له الفرصة وأجعله يحاول أن يُبْدِع.
المحاور: جميلٌ، وجزاك الله خيرًا.
الضيف: نقطةٌ أخيرةٌ مهمةٌ ذكرها الأستاذ أحمد السرحان: وهي قضية الحصة الأولى والثانية والثالثة والرابعة.
المحاور: نعم.
الضيف: أنا في تقديري أن المعلم هو الفيصل في هذه القضية، فيستطيع المعلم أن يكون في الحصة الأخيرة فعَّالًا، بحيث يجعل أداء الطلاب ومُشاركتهم لا تقلّ عن الحصة الأولى.
المحاور: إذن أنت الآن يا أستاذ صالح ما الذي تريد أن تصل إليه في الحلقة؟ أن المحور الرئيس في التغيير هو المعلم؟
الضيف: بالضبط.
المحاور: ولذلك ما نطلبه من المعلم سيكون طبيعيًّا جدًّا وأكثر مما نطلبه من الطالب، كما أن ما نطلبه من الآباء أكثر مما نطلبه من الأبناء في البيوت.
الضيف: دعني أقول لك شيئًا.
المحاور: باختصارٍ.
الضيف: المعلم إذا أعطى الطلاب ما يحتاجون سيأخذ أضعاف ما يريد.
المحاور: يا سلام!
الضيف: فما طلبه الزملاء من الطلاب أنا متأكدٌ أنهم عندما يتعاملون مع الطلاب في بيئةٍ صفيةٍ صحيحةٍ سيأخذون منهم أضعاف أضعاف ما يريدون.
المحاور: جزاك الله خيرًا، إذن أنت تُؤكد على قضية أهمية البيئة الصحية الآمنة التي يشعر الطالب فيها أنه فعلًا يستطيع أن يُشارك ويكون إيجابيًّا، وإخراج ما لديه من قُدراتٍ وطاقاتٍ وميول، بارك الله فيكم.
طيب، نرجع إلى قضية الواقع، وذكرتم قبل قليلٍ أن لديكم إحصاءات لدراسةٍ جديدةٍ حديثةٍ متعلقةٍ بواقع المعلم اليوم في المملكة كمثالٍ، فلو أخذنا هذا بشكلٍ سريعٍ من أجل الوقت، الله يحفظك.
الضيف: بإذن الله تعالى.
المحاور: ونريد أيضًا أن نجعل لنا وقتًا لآخر عنصرٍ، وهو: أُسس نجاح المعلم، وهو النظرة الاستشرافية لمستقبل مُعلمينا بناءً على الواقع الذي تُشير إليه، بارك الله فيك.
الضيف: الحقيقة أن الحديث عن واقع المعلم اليوم في تقديري أشعر أنه جُرحٌ.
المحاور: وما المشكلة؟
الضيف: المشكلة أن هناك نوعًا من الإحباط.
المحاور: أنا أقصد: ما المشكلة في أن نتحدث ونكون واضحين؟
الضيف: سنتحدث، وأنا قلتُ في البداية: نحن لا نريد هنا جلد الذات، ولا إصدار الأحكام، وإنما نريد أن نستبصر.
المحاور: جميلٌ، لكن -عفوًا أستاذ صالح- هل حين أستمع لهذه الحلقة وأنا أستاذٌ أشعر أو أتحسس من التلقي من هذا البرنامج أو منك؟
فينبغي يا إخوة أن نشعر أن هذه قضيةٌ طبيعيةٌ جدًّا في النفس البشرية، وأنه ينبغي للإنسان أن يستفيد ما دامت جاءت في قالبٍ حكيمٍ، فأشعر أنني المُخاطَب ابتداءً، وليس غيري هو المُخاطَب.
الضيف: الآن هناك شعورٌ لدى معظم المعلمين أن التقصير تتحمله الأنظمة والوزارة والبيئة والثقافة السَّائدة اليوم.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: وهذا الذي أُؤمن به، وكنتُ أُمارسه كمعلمٍ، وأُمارسه كمشرفٍ تربويٍّ.
فأنت يا زميلي المعلم لديك الإمكانيات والقُدرة كي تُحْدِث نَقْلَةً.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: وعندما نتحدث عن واقع التعليم في أيامنا هذه انظر إلى عدد الطلاب والطالبات في المملكة مثلًا، فهم أكثر من ثلاثة ملايين، والطالبات قريبات من ذلك، وعدد المعلمين يتجاوز النصف مليون، ومدارسنا قريبةٌ من ثلاثين ألف مدرسةٍ.
فالحقيقة عندما نتحدث نحن عن واقع المعلم في بلدنا نتحدث عن هذا الحجم الهائل، فأنا لا أتحدث عن مدرسةٍ محددةٍ، ولا شريحةٍ محددةٍ، وإنما أتحدث عن التعليم بهذا الكم الهائل.
المحاور: خاصةً أن مجتمعنا مجتمعٌ فَتِيٌّ!
الضيف: فعلًا.
المحاور: والمراحل الجامعية تمثل أكثر من 50% من مجتمعنا من عدد السكان.
الضيف: لكني في الحقيقة يا دكتور خالد مع كل الإشكالات التي يُتحدث عنها في التعليم عندنا اليوم أنا مُتفائلٌ إذا استشعر زملاؤنا المعلمون دورهم.
المحاور: يا سلام!
الضيف: دورهم الفاعل والحقيقي، فلا ينتظرون أحدًا يُحركهم، لا بد أن يتحركوا.
هذه الدراسة -وهي دراسة (جون)- هي حديثنا نحن وحديث غيرنا في عشرات المواقع، وأنت زميلٌ معلمٌ تمتلك ما تمتلك الوزارة بأجهزتها وأرصدتها.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: أنا سأُشير إلى قضيةٍ أعتقد أنها مهمةٌ لزملائي المعلمين، وهي: أننا نحتاج أن نعرف أين مكامِن قوتنا كمعلمين؟ وأين مكامِن ضعفنا ومصادر الإحباط الناشئة؟
المحاور: هذا بناء على الواقع الآن.
الضيف: أقول: بناء على استقرائي أنا شخصيًّا.
المحاور: استقرائي؟
الضيف: ليست لدي دراسةٌ ونِسَبٌ، لكني أتوقع أن ما سأذكره قريبٌ من الواقع.
نحن إذا أردنا أن نحاول أن نُصنف زملاءنا المعلمين في الميدان، وعندما أقول: "المعلمين" طبعًا كل مَن كان في كادر التعليم، سواءٌ كان معلمًا، أو مُديرًا، أو مُرشدًا، أو مُشرفًا، أو إدارةً، أو مدير إدارةٍ، أو في قسم إدارة التعليم، فكل كادر التعليم يُمثلون المحور المعلم، وليس حديثنا فقط عمَّن كان داخل الصف، وإن كان هو الذي له النصيب الأكبر.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: نحن عندنا معياران في تصنيف مُعلمينا.
المحاور: نعم.
الضيف: هناك معيارٌ يقول: عادةً أي صفٍّ دراسيٍّ أو مجموعة إذا أردتَ أن تُميز بين المُتميز والمُبدع والضعيف والوسط يمكن أن تقول: هؤلاء الثلاثة عشر مُبدعون، ويُقابلهم ثلاثة عشر ضِعافٌ، العكس تمامًا.
المحاور: يعني: بناءً على مُنحنى اعتدالي.
الضيف: بالضبط، ثلاثة عشر، وثلاثة عشر، في الوسط عندك اثنان وثلاثون، واثنان وثلاثون، واثنان وثلاثون، فهؤلاء نقدر أن نقول: إنهم جيدون، قريبون من المُبدعين، ولكن لم يصلوا لدرجة الإبداع، وعندك اثنان وثلاثون مقبولٍ، قد يكونون قريبين من هؤلاء.
فعندك هذه النسبة عندما نتحدث عن واقع المعلمين.
المحاور: قصدك أن تكون مرجعيةً؟
الضيف: نعم، وفي نسبةٍ ثانيةٍ يمكن أن أقول: 30% هؤلاء لديهم طموحٌ وإبداعٌ، ونقدر أن نقول: 35% هؤلاء مُكافحون يحاولون أن يصلوا إلى درجة الطموح، وأن يكونوا مُبدعين، لكن عندنا 30% مُحْبَطون ومُحتارون، وعلى دراسة (جون) هناك معلمون غير جيدين.
فالحقيقة أن معايير الترشيح عندنا في التعليم تفتقد كثيرًا إلى الأسس التي فعلًا تختار المعلم الذي لديه الجدارات التي تُؤهله ليكون معلمًا كُفْئًا، ويستطيع أن يرتقي بالعملية التعليمية.
المحاور: هل أفهم أن الواجب الذي ينبغي أن نكون عليه هو ما وزعته من مُنحنى اعتدالي، وإلا هذا الذي تراه أنت واقعًا؟
الضيف: الذي أراه واقعًا؛ ولذلك هناك شريحةٌ من المعلمين ليس مكانها التعليم كما ذكرت دراسة (جون)، فهؤلاء ينبغي أن يبحثوا عن أماكن أخرى، فالخطورة في هذه القضية يا دكتور خالد.
المحاور: لكن ليست عندك نسبةٌ مُؤكدةٌ من دراساتٍ؟
الضيف: مُنحنى اعتدالي فقط.
المحاور: نعم، لكن المُنحنى الاعتدالي مشكلته أنه ربما يُبرر وجود شيءٍ من هذا القبيل في بعض الأحيان، يعني: إذا وضعنا المنحنى الاعتدالي هو الشكل الطبيعي للمجتمع فأنا سأدخل في قضايا اصطلاحيةٍ، لكن هل ترى أن الواقع يتوافق مع المنحنى الاعتدالي من وجهة نظرك؟
الضيف: تقريبًا.
المحاور: ممتاز.
الضيف: لكن -عفوًا- الآن الإحباط يجيء ممن؟ هل من المُبدعين؟ هؤلاء الذين يُمثلون 13% هم الذين يُحبطون، وهم الذين دائمًا يعترضون ويتَّهمون، فيُؤثرون على الآخرين؛ ولذلك ينبغي أولًا أن أُوجه رسالةً إلى زملائي المعلمين: لا تتأثروا بالمُحبطين.
المحاور: ممتاز، هذه توصيةٌ جيدةٌ.
الضيف: وأيضًا الجهات المسؤولة ينبغي أن تتعامل مع هذه الشريحة بطريقةٍ حاسمةٍ، فهذا بناء جيلٍ نُعوِّل عليه في المستقبل -بإذن الله تعالى-، ونحن نتعامل مع عقولٍ.
المحاور: جيدٌ، أنت أعطيتنا الآن تفاؤلًا طيبًا، وهذا الفأل نحتاجه بلا شكٍّ.
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: خاصةً إذا لم تكن هناك دراساتٌ مُتوفرةٌ أو مُمكنةٌ مثل هذه الدراسة العريقة -دراسة (جون)-، وخاصةً أنها أخذت فترةً زمنيةً طويلةً.
على أية حالٍ، أنت الآن كأنك تريد أن تُشير إلى أننا ما زلنا نمتلك أناسًا مُبدعين؟
الضيف: من المعلمين، صحيحٌ.
المحاور: وما زلنا نمتلك أناسًا مُتميزين، ومعلمين قادرين على العطاء، لكن المشكلة في الفئة الأخرى التي قد تكون -كما صنَّفها (جون) في دراسته- غير جيدةٍ، والتي قد تبقى في مثل هذا الوصف دون التأثير فيها بحيث إنها تنتقل من حالةٍ غير جيدةٍ إلى حالةٍ جيدةٍ، أو قريبةٍ من الجيدة، أو أنها تبحث عن شيءٍ آخر، وعندئذٍ لا يمكن أن يتأثر الأوائل في التصنيف الإيجابي بمثل هؤلاء.
الضيف: نعم.
المحاور: ولذلك أنا أقول: ليس المعلمون فقط، بل حتى المجتمع، ففي المجالس واللقاءات ينبغي ألا تكون الصورة المتعلقة بالحديث عن التعليم هي الصورة المُرتبطة بقضية الإحباط والمواقف السلبية، فأنا أذكر عندما كنا صغارًا كنا نسمع في مجالسنا عكس ذلك: المعلم الكُفْء الذي يُحترم ويُقدر، والذي كان له شأنٌ وهيبةٌ ... إلى آخره.
النظرة الاستشرافية لمستقبل مُعلمينا
عندنا تقريرٌ، ونريد قبل التقرير أن نعرف: ما النظرة الاستشرافية لمستقبل مُعلمينا أستاذ صالح، الله يحفظك؟
الضيف: ذكرت قبل قليلٍ الاستشرافية، وهي: التركيز على هذه الشريحة المُبدعة، وأنه ينبغي على الشريحة المُبدعة أن تستوعب دورها، وتُؤمن به، ولا تنتظر؛ لأن في وزارة التعليم حجم العمل كبيرٌ، وذكرت نِسَبًا منه، وقد لا يُتاح القدر الكافي لهذه الشريحة المُبدعة كي تأخذ حظَّها من التحفيز والتعديل، ولديهم استعدادات أن يُحدثوا التغيير في الميدان.
المحاور: يا سلام!
الضيف: أقول: الاستشراف من خلال هذه الشريحة نسبتان: الأولى التي ذكرت سابقًا: ثلاثة عشر، واثنان وثلاثون، أو التي نقول: ثلاثون، وعلى الأقل نصف الخمسة والثلاثين، وهي نسبةٌ ليست قليلةً.
المحاور: دعني أيضًا أُشارك في التحليل من الناحية النفسية، فالتحليل من الناحية النفسية يقولون: إن النفس البشرية لديها ضبطان: الضبط الذاتي الذي هو (self-control)، وهو الضبط الداخلي (eternal-control)، والضبط الخارجي (external-control)، فالشخص الذي لديه الضبط الداخلي أقوى هو الشخص الأكثر صلابةً وعودًا، وأما الشخص الذي يُسمونه: الغيري، والذي ينتظر غيره، وغالبًا تجد أنه يقول: فلانٌ هو الذي قصَّر، والجهة الفلانية هي المُقصرة ... إلى آخره.
ولذلك كلما استطعنا استنفار الجانب الذاتي في الإنسان، وأن يشعر بالمسؤولية ...، وكما تعلم فالله يقول: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]، والنبي يقول: إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم[2]أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (2103)، وأبو نعيم في "الحلية" (5/ 174)، وابن عبدالبر في "جامع بيان العلم وفضله" (903)، … Continue reading.
فلا بد من تفعيل جانب الإرادة الذاتية لدى المعلمين كما ذكرت -جزاك الله خيرًا- إلى الدور المطلوب منهم؛ حتى يستطيعوا الإبداع مهما كانت الظروف، فهذا الذي نريد أن نصل إليه.
دعنا أستاذ صالح قبل أن نبدأ بأسس نجاح المعلم نسمع هذا التقرير ونُتابعه، فكونوا معنا أيها الإخوة.
التقرير (2):
- على كل معلمٍ ألا يقف عند حدٍّ معينٍ في العلم والمعرفة، وإنما لا بد أن يُطور نفسه ويرتقي، وليعلم أن هذا الطالب يعلم ويُميز بين المعلم المُتمكن وغير المُتمكن؛ لذلك لا بد ألا يقف عند حدٍّ ومستوًى معينٍ، بل الطالب يحتاج إلى إثراءٍ ومزيدٍ من المعلومات الخارجة عن الكتاب الذي يملكه الطالب.
الأمر الآخر -وهذا نحتاجه كثيرًا، ويحتاجه الطالب من المعلم- هو: أن يستمع المعلم للطالب، وكثيرٌ من الطلاب يفتقد هذا الأمر، وهو: الاستماع والإنصات له، فكثيرٌ من الطلاب لديهم همومٌ ومشاكل وأسئلةٌ، ولا بد أن يتجاوب المعلم، فهو في المقام الآخر كالأب؛ لذلك على كل معلمٍ أن يضع ذلك الأمر في الحُسبان، وأن يعتبر الطالب أخًا صغيرًا له، وابنًا يريد أن يرتقي به ويُطوره ويزيد من معرفته.
- أول شيءٍ: على المعلم أن يُعطي الطالب أريحيةً ومساحةً في الحصة ليأخذ راحةً، فأنا في العادة إذا أتيتُ إلى طلابي أترك أول خمس دقائق أو آخر خمس دقائق لمَن عنده شيءٌ يريد أن يُنهيه: كواجبٍ، أو الدرس إذا كان طويلًا، فيحاول المعلم أن يترك فاصلًا للطلاب.
وأيضًا التنويع في شرح الدرس، ولا يكون كل مرةٍ هو المُلقي، والطالب فقط مُستمعٌ، فالتنويع في الدرس مطلوبٌ.
وأيضًا الابتسامة، فبعض المعلمين -هداهم الله- إذا دخل الفصل يريد ألا يسمع صوتًا ولا نَفَسًا، فيكتم الطلاب! والطالب يريد أن يأخذ راحته، فأنت لا بد أن تُعطي الطالب في كل حصةٍ مُتنفَّسًا، وخاصةً حين تكون ثلاث حصصٍ وراء بعضٍ، فمتى يأخذ الطالب راحته؟!
فتلبية الاحتياجات، والتنويع في الشرح، وأيضًا عدم الإكثار على الطلاب بالواجبات والضغط عليهم؛ لأن مادتك ليست هي المادة الوحيدة بالنسبة للطلاب، وإنما عندهم موادٌّ كثيرةٌ، والابتسامة تصنع كثيرًا في قلوب الطلاب.
- طبعًا في المرحلة الابتدائية -مثلما قلت- من الصعب أن نطلب من الطالب، ولكن كيف نُحبب الطالب في تقبُّل المعلومة من المعلم؟ وخاصةً أنه في المرحلة الابتدائية يحتاج إلى التعليم بأساليب وطرقٍ واستراتيجياتٍ معينةٍ، غير تعليم الطالب الذي في المرحلة المتوسطة والثانوية، فمثلًا: التعليم عن طريق اللعب، وعن طريق الجلسات النِّقاشية بين الطلاب الذين هم في مستواه من سبع سنوات إلى عشرٍ، وبإذن الله يحصل التوفيق لكل المعلمين بتقديم الذي يُفيد الطالب.
- أُوصي نفسي أولًا، وكل معلمٍ ثانيًا باستشعار رقابة الله في تأدية العمل الذي كُلف به، واستشعار أن هؤلاء الطلاب هم أبناؤه، فكيف سيُعاملهم؟ هل سيُعاملهم بغلظةٍ، أم سيُعاملهم بلينٍ وحُنوٍّ؟ وكذلك في تثقيفهم وتوعيتهم، فيجب على المعلم أن يُثقف نفسه، خاصةً في الجوانب التربوية؛ لأنها مناط عمله بالدرجة الأولى، ومن ثَمَّ تأتي بعد ذلك الأمور الأكاديمية البحتة من معلوماتٍ عامَّةٍ وغيرها، خاصةً في المادة المطروحة وغيرها.
- يحتاج المعلم إلى وقتٍ كثيرٍ يقضيه مع الطالب في غير وقت الدراسة؛ لأن وقت الحصة الدراسية يكون في الغالب وقت تغذية العقل بالمعلومات، لكن عندما يكون الوضع في غير حصةٍ دراسيةٍ -سواء في المدرسة أو غير المدرسة- يكون هناك تعرفٌ على شخصية الطالب، فالمعلم يعرف شخصية الطالب، ويعرف ماذا يحتاج؟ وأيضًا الطالب يعلم ماذا يريد المعلم منه؟ فبذلك تكون هناك تلبيةٌ لاحتياجات الطالب والمعلم.
- بالنسبة لي كمعلمٍ أطلب من نفسي كما أطلب من الطالب: الانضباط في حضور المُحاضرات في مواعيدها، هذا أول شيءٍ.
والشيء الثاني: أن أطَّلع على أحدث ما توصلت له الدراسات في جانب المادة العلمية التي أُقدمها للطالب، فالطالب ينتظر مني أحدث شيءٍ في هذا الموضوع، ولا ينتظر مني مواضيع قديمةً جدًّا ومُستهلكةً، بل تقديم كل ما هو جديد ونافع فيما يتعلق بالمادة العلمية.
الدكتور خالد: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات، وشكرًا لأساتذتنا الكرام الذين أجابوا عن سؤال: كيف يُلبي المعلم احتياجات الطالب؟ بهذه الإجابات الرائعة.
أُسس نجاح المعلم
أستاذ صالح -حفظك الله- يتبقى معنا قُرابة عشر دقائق ونختم معك في أهم محورٍ، وهو "أُسس نجاح المعلم"، فما الكفايات الأساسية للمعلم؟
الضيف: أنا أظن أن كل مهنةٍ لها جداراتٌ وكفاياتٌ، وفي العمل المُؤسسي في جميع قطاعات الدولة -سواء القطاع الخاص أو القطاع الحكومي- هناك جداراتٌ لكل مهنةٍ، ومنها جداراتٌ للمعلم.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: وفي ظني أن إدراك هذه الجدارات ومعرفتها يُريح المعلم والمسؤول عن عملية التعليم، فهناك خمس جداراتٍ.
المحاور: ممتازٌ.
الضيف: ولي قصةٌ في كيفية وصولي إلى هذه الجدارات، وكيف عرفتها أصلًا؟
فأنا خريج مدرسة وكلية غير تربوية، كانت آداب، ولم أحصل على أي مادةٍ في التربية، ولا تطبيق، ولما التحقتُ بالتعليم أول ورشةٍ دُعيت لها أو برنامج لتطويري كمعلم بعد تقريبًا ثلاث عشرة سنة، وكانت في كلية المعلمين.
المحاور: قبلها كنت معلمًا؟
الضيف: مجرد معلم، ولم أحصل على درسٍ تطبيقيٍّ.
المحاور: كنتَ تُعلِّم بالبركة.
الضيف: الحمد لله، بفضل الله -جلَّ وعلا- كانت لدي ميولٌ، وفي أول برنامج حضرته أول مرة أسمع في حياتي هذه الكفايات الأساسية.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: والحقيقة سعدتُ كثيرًا بها.
المحاور: وأصبحت بالنسبة لك معيار تقييم ذاتك؟
الضيف: ليس هذا العجيب، كنتُ سعيدًا بها لأنني كنتُ أمارس عددًا من الممارسات داخل الصف، وكنت أشكُّ: هل هي مناسبة، أم غير مناسبة؟ فكانت بالنسبة لي لا أقول: صدمة، ولكن كانت مُفاجئةً، وجعلتني أزداد قناعةً بها.
المحاور: لأنها حفَّزتك.
الضيف: حفَّزتني؛ لأنني لم آخذها كطالبٍ في الجامعة.
المحاور: شوَّقتنا لهذه الخمس، حفظك الله.
الضيف: الخمس هي: جودةٌ، واتِّجاهٌ، وقيمةٌ، ومهارةٌ، ومعرفةٌ.
المحاور: جميلٌ، لو نُلاحظ الوقت أستاذ صالح يكون جيدًا.
الضيف: طيب، أنا أقول: الجودة هي جودة الإعداد الأكاديمي للمعلم في مادته التي يدرسها.
المحاور: التي هي الجانب المعرفي.
الضيف: الجانب المعرفي، وهذا يحصل عليه من مصدرين: الكلية التي درس فيها، واطلاعه الشخصي.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: وكلاهما كفَرَسي رِهانٍ، يمكن أن تُعطي للمعلم جودةً أكاديميةً للاطلاع تفوق الجانب الدراسي الأكاديمي، وقد يكون العكس، ولكن أحيانًا منهم مَن يجمع بين الاثنين.
وبالمناسبة: هذه الكفايات أو الجدارات على قدر تمكن المعلم منها على قدر قوته وأدائه داخل الصف والكفاءة التي يحملها، فكلما كان حظُّه أوفر فيها كان ناجحًا، وبعض هذه الكفايات إذا فُقدت قد يتعذر أن يكون هذا المعلم كُفْئًا، أو يستطيع أن يُقدم لأبنائنا الطلاب الهدف المُراد.
المحاور: إذن الإعداد الأكاديمي الذي يُعطي الكفاية الأساسية الأولى التي هي الجودة.
الضيف: ثانيًا -وهي في تقديري من أخطرها-: الاتجاه والميول.
المحاور: نحو التعليم؟
الضيف: نحو التعليم، بأن يكون لدى هذا المعلم -سواءٌ كان خريجًا حديثًا من الجامعة، أو الآن هو في إعداد المعلمين- فهل لديه اتِّجاهٌ وميولٌ نحو العملية التعليمية؟ وهل يُحب هذه المهنة وهذا العمل؟
وإذا أذنتَ لي يا دكتور خالد سأطرح مثالًا، وبالمثال يتَّضح المقال.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: وسأطرح مثالًا يُجمع عليه الجميع أنه مثالٌ دالٌّ على ما تريده.
الآن عندنا معلمٌ يريد أن يخوض غِمار التعليم، أو أنه موجودٌ في غِمار التعليم، ويريد أن يعرف أن لديه اتجاهًا أم لا؟ فسأُعطي مثالًا يتَّفق الجميع على أنه لا بد من وجود هذا الاتجاه وما يتبعه من كفاياتٍ أخرى، فمثلًا: لاعب كرة قدمٍ يريد أن يحترف في نادٍ، فهل أي خريج جامعة أو أي شابٍّ يصلح أن يكون لاعبًا مُحترفًا في الأندية؟
المحاور: أبدًا.
الضيف: لا بد أن توجد فيه عدة مُؤشرات، منها: أن تكون عنده ميولٌ، واضح؟
المحاور: واضح.
الضيف: فنقول: لاعب الكرة إذا لم تجتمع فيه مواصفاتٌ لا يمكن أن يكون لاعبًا مُحترفًا.
المحاور: إذن لا بد من تشخيصٍ سابقٍ لأجل أن نعرف هل أتَّجه للتعليم أم لا؟
الضيف: نعم، لا بد أن يُعرف هذا، والناس الآن يعرفون مَن يصلح لكرة القدم أو لا؟
المحاور: لكن المشكلة أنه موجودٌ على رأس العمل، ولا يستطيع أن يُغير مهنته، فكيف يوجد هذا الاتِّجاه؟ وبعد أن كان سلبيًّا كيف يكون إيجابيًّا؟
الضيف: الاتِّجاه يمكن أن يُولد.
المحاور: الميول تتغير بقضية التَّحفيز والتَّشجيع.
الضيف: بالضبط، لكن المشكلة أنه كان مع شُحِّ الوظائف في السنوات الماضية كان الدخول في التعليم سهلًا في السنتين الأخيرتين، ثم بدأت المعايير تتشدد، وهذا سيظهر أثره على الأقل بعد عقدٍ من الزمن في ظني، لكن الاتِّجاه له مُؤشرات، منها: الميل، ويحدث أثرٌ كبيرٌ لدى المعلم، وسأذكر مقولةً للدكتور عبدالمجيد البيانوني، فله مقالٌ بعنوان: "أسرار نجاح المعلم".
المحاور: نعم.
الضيف: ذكر فيه قضية الحب، هو يقول في جزءٍ من مقاله: ما منا إلا ويذكر أن هناك معلمًا أثَّر فيه.
المحاور: يعني: أنت انتقيتَ عنوان هذه الحلقة من مقالته إذن؟
الضيف: والله يبدو أنه كان عندي العنوان.
المحاور: أسرار نجاح المعلم.
الضيف: والمقال أكَّدها، فيقول: هذا المعلم كان له أثرٌ وبصمةٌ في حياتنا، فلما صرتُ أتأمل في عددٍ ممن درَّسوا لي، أو سمعتُ عنهم، أو قرأتُ عنهم بعد بحثٍ ونظرٍ. يقول بالحرف الواحد: إن سرَّ نجاح هؤلاء وتألقهم والأمر المُشترك الذي يجمع بينهم: أنهم كانوا يُحبون مهنتهم حبًّا جَمًّا.
المحاور: يا سلام!
الضيف: وهذا دفعهم إلى إتقان العلم وتحصيله، وإتقان فن توصيله إلى طلابهم بصورةٍ مُميزةٍ إلى درجةٍ يشهد بها القريب والبعيد.
المحاور: فيشعر بالانتماء للمهنة.
الضيف: نعم، ثم يقول: بل كان هذا الحب سببًا في استهانتهم بما يعترضهم من عقباتٍ أمام أداء رسالتهم على أحسن وجهٍ وأتمّه.
المحاور: وأنا أُؤكد على أن هذه القضية فعلًا قضيةٌ حاسمةٌ ومهمةٌ جدًّا.
الضيف: وأقول لك يا دكتور خالد أنا كمعلم: يوجد عددٌ غير قليلٍ من هؤلاء.
المحاور: فعلًا، وقد اختبرتُ بعض الذين ينتمون لكليات التربية، وهم طلابٌ، وليس عندهم اتِّجاهٌ إيجابيٌّ نحو التعليم، وهم طلابٌ، وسيكونون معلمين.
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: لو انتقلنا للنقطة الثالثة.
الضيف: وهي القيمة، وهي: أن يوجد لدى المعلم القدرة على إقامة علاقات ودية مع أبنائه الطلاب.
المحاور: تقصد: قضية القيم والعلاقات والتواصل؟
الضيف: نعم، لديه قُدرة على إقامة العلاقات.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: فبعض الناس ليس عنده قُدرةٌ، وأنت تعرف أن التواصل الاجتماعي والذكاء الاجتماعي مهمٌّ جدًّا.
المحاور: وهذا مهمٌّ للمعلم.
الضيف: طبعًا، فإذا كان غير قادرٍ على أن يُقيم علاقة وُدٍّ فكيف سيُؤثر؟!
المحاور: صحيحٌ.
الضيف: والله تعالى يقول: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].
المحاور: وقبلها قال: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران:159].
الضيف: نعم، بالضبط، وفي هذه سأذكر موقفًا.
المحاور: سريعًا، حفظك الله.
الضيف: بإذن الله تعالى.
وهو موقفٌ حقيقيٌّ واقعيٌّ، ففي إحدى المدارس الثانوية كثرت الشكوى من أحد الفصول، فكلَّف مدير المدرسة المُرشد الطلابي بأن يستقصي ويعرف ما المشكلة في هذا الصف؟ فبدأ بالمعلمين، فالتقى بجميع معلمي هذا الصف، وكان كل المعلمين يُجمعون على أن هذا الصف مُزعجٌ ومُتعبٌ، والطلاب الذين فيه في وضعٍ لا يُحتمل، إلا معلمًا واحدًا أثنى عليهم وقال: بالعكس، أنا مبسوطٌ من هذا الفصل. فاستغرب المدير! وسجَّل بياناته، ثم أراد أن يعرف ما السر لدى هذا المعلم؟ فذهب وسأل الطلاب عن المعلمين، فتكلموا عن المعلمين، فلما وصل عند هذا المعلم قالوا: هذا نُحبه.
المحاور: يا سلام!
الضيف: فقال: لماذا؟ قالوا: لأنه يُحبنا.
فأنا في ظني أن المعلم لا يستطيع أن يكسب طلابه إلا إذا كان لديه الاتجاه السابق الذي ذكرتُه قبل قليلٍ.
المحاور: ومديرٌ جديدٌ في مدرسةٍ من المدارس أعطاه طالبٌ في المرحلة الابتدائية هديةً، فقال: ما رغبتُ أن أردَّ هذه الهدية، فاستغربت! يقول: فلما سألتُه بعد ذلك قال: لأننا أحببناك أكثر من الذي قبلك.
الضيف: طبعًا.
المحاور: رابعًا: المهارة.
الضيف: نعم، فالمعلم يحتاج إلى مهاراتٍ، والنَّجار، والبَنَّاء، وغيرهم.
المحاور: فما مهارات المعلم؟
الضيف: مهارات المعلم كثيرةٌ جدًّا، وينبغي على المعلم أن يبحث عن مجموعةٍ من المهارات المهمة.
المحاور: التي هيا طرق التدريس؟
الضيف: ليست فقط طرق التدريس، طرق التدريس هي إحدى المهارات، لكن مثلًا من المهارات: الاستحواذ على اهتمام الطالب طوال الحصة، وهذا طبعًا يعرفه أهل الفن.
المحاور: إدارة الصفِّ من المهارات.
الضيف: ومهارة شدِّ الانتباه، والمهارات الاستراتيجية في التدريس كلها تدخل في المهارات.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: ولا نتصور أن المعلم يستطيع أن يُلِمَّ بجميع المهارات، ففي ظني أن بعض المعلمين لديه مهارتان أو ثلاثة أو أربعة.
فأنا أُوصي زملائي المعلمين أن يُركزوا على المهارات التي هم ناجحون فيها.
المحاور: إي، نعم.
الضيف: وحاول أن تُنَمِّي نفسك في اكتساب مهاراتٍ أخرى.
المحاور: وأخيرًا: المعرفة.
الضيف: المعرفة بخصائص واحتياجات الطلاب، وهذا شغلك يا دكتور خالد.
المحاور: وهذا كما أشرتُ إليه في بداية الحلقة الماضية: ماذا يريد الطلاب من المعلمين؟
الضيف: في تقديري يا دكتور خالد أن الإشكال في نقص معرفة الزملاء المعلمين للخصائص والاحتياجات، فهي التي تُؤدي للصدام بين المعلم وطلابه.
المحاور: يا سلام!
الضيف: هو لا يعرف احتياجاتهم في المرحلة الابتدائية، ولا يعرف خصائصهم؛ فيتصادم معهم.
المحاور: بل يحتاج أيضًا أن يعرف الفروق الفردية.
الضيف: بالضبط، هذه داخلةٌ فيها، بالإضافة إلى بقية المراحل: المتوسطة والثانوية، كلهم لهم خصائص، فمعرفته بالخصائص تجعله معلمًا، وهذه الجدارات أو الكفايات كلما كانت أمكن في المعلم كان أكثر جدارةً، وأحدث تغييرًا.
وأنا أقول بمِلْء فيّ: قد لا تستطيع جميع أجهزة الدولة أن تُوجدها في المعلم إذا كان هو نفسه لا يسعى إليها.
المحاور: شكرًا لك أستاذ صالح على هذه الإضافات والخبرة الجميلة في التدريس، وأسأل الله أن يكون ذلك حُجَّةً لك لا عليك.
الضيف: اللهم آمين.
المحاور: أسأل الله أن يجعلنا وإياكم مُباركين، وأن يُبارك في إخواننا وأخواتنا المعلمين والمعلمات في هذا الدور الكبير الذي ينبغي أن يكونوا عليه.
وأسأل الله أن يجعل هذه الأسرار "أسرار نجاح المعلم" حاضرةً في أذهاننا جميعًا، وأن يكون لها أثرٌ على أبنائنا وطلابنا الأكارم الأفاضل.
أيها الإخوة، في نهاية هذه الحلقة لا ننسى أن نترحم على الشيخ الفاضل الدكتور: سعيد بن وهف القحطاني -رحمه الله- الذي أسأل الله أن يتقبله في الصالحين، وقد كان من أعمدة هذه القناة في تقديم برامج نافعةٍ مُفيدةٍ، ولعله من نماذج المعلمين الذين يُنتفع بعلمهم، وقد ترك وخلَّد مجموعةً من الكتب، يكفي منها "حصن المسلم" الذي لا أظن مسلمًا في هذا العالم إلا ويعرف هذا الكتاب، ناهيك عن كتبه الأخرى.
فأسأل الله أن يغفر له، ويرحمه، ويتقبله في الصالحين، ويجمعنا به في جنات النعيم وموتانا وموتاكم، اللهم آمين.
ولنا لقاءٌ -بإذن الله - في الأسبوع القادم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.