المحتوى
مقدمة
الحمد لله، ونُصلي ونُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعدُ، حياكم الله أيها الإخوة والأخوات في حلقةٍ مباشرةٍ جديدةٍ من حلقات برنامجكم الأسبوعي "أسس التربية" من قناتكم قناة "زاد العلمية".
وكنا معكم في لقاءٍ سابقٍ نتحدث فيما يتعلق بالمنهج النبوي في تعديل السلوك، وكانت تلكم الحلقة تُناقش الخصائص والسمات التي تميز بها المنهج النبوي في تعديل سلوك الآخرين، وذكرنا مجموعةً من تلكم الخصائص والسمات الربانية، منها: العبودية، والشمولية، والتكاملية، والتوازن، والمثالية، وكذلك أن يكون السلوك قابلًا للتعديل، ومُراعاة الفروق الفردية، ومعرفة القُدرات والميول، واستغلال الفرص، وأن الانحراف الديني سببٌ للانحراف السلوكي، وأن الإنسان خَيِّرٌ بطبعه، ثم ختمنا بقضية المُعايشة والاقتداء التي تمثَّل فيها منهج النبي في قضية تعديل سلوك الآخرين.
ولعلنا في هذه الحلقة -بإذن الله - نُناقش بعض الخصائص والسمات والمهارات والأساليب التي كانت واضحةً في منهج النبي من خلال مواقفه عليه الصلاة والسلام.
قصة الشاب الذي استأذن النبي في الزنا
دعونا نأخذ مثالًا على ذلك: ما يتعلق بقصة الشاب الذي استأذن النبي في الزنا.
فهذه القصة مشهورةٌ، ونحتاج أن نقف معها أيها الإخوة والأخوات، ودائمًا نحن نستحضر في قضية تعديل السلوك وحلِّ المشكلات مثل هذه القصة المهمة جدًّا، وأهميتها تبرز في الآتي:
أولًا: أنها بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام.
ثانيًا: أنها في هذه المرحلة، وهي مرحلة الفُتوة والشباب، والعاطفة والوجدان.
ثالثًا: وجود بعض الصحابة في هذه القصة وموقفهم.
إلى آخر تلك الأشياء التي ستظهر لنا من خلال هذه القصة المشهورة التي يمكن أن نسوق مُختصرًا لها كما جاءت في الحديث المروي عن النبي ، وهو: أن هذا الشاب أتى النبي عليه الصلاة والسلام بمَحْضَرٍ من بعض الصحابة وقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا.
وهذا واضحٌ جدًّا في أن هذا الشاب يعرف أن الزنا حرامٌ، ويتصور أن النبي سيأذن له، وهذه من الغرائب والعجائب حقًّا أيها الإخوة، ووصفٌ لحال هذا الشاب، وربما للضغط الذي يعيشه هذا الشاب من خلال المُعاناة حتى وصل ربما بجهله وبسبب هذه الحالة العاطفية والنفسية إلى أن يتصور أن النبي سيأذن له في الزنا.
فالصحابة لما سمعوا هذا الموقف استغربوا أيّما استغرابٍ؛ ولذلك نَهَرُوه وزجروه وقالوا: "مَه، مَه"، فقال : ادنُه، فدنا منه قريبًا، ثم بدأ النبي عليه الصلاة والسلام يُحاوره ويُناقشه فيقول له: أتُحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فِداءك. قال: ولا الناس يُحبونه لأمهاتهم، قال: أفتُحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فِداءك. قال: ولا الناس يُحبونه لبناتهم، قال: أفتُحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فِداءك. قال: ولا الناس يُحبونه لأخواتهم، قال: أفتُحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فِداءك. قال: ولا الناس يُحبونه لعمَّاتهم، قال: أفتُحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فِداءك. قال: ولا الناس يُحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه، قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيءٍ[1]أخرجه أحمد في "المسند" (22211) وقال مُحققوه: "إسناده صحيحٌ، رجاله ثقاتٌ رجال الصحيح"..
فوائد من هذه القصة
في هذا الحديث أو القصة مجموعةٌ من المهارات والأساليب التي نحتاج أن نقف عندها أيها الإخوة حتى نستلهم من خلالها تلكم المهارات في تعديل السلوك.
القضية الأساسية التي نلحظها من هذه القصة وقصصٍ أخرى -لكن في هذه القصة-: كون هذا الأمر مشينًا جدًّا ومذمومًا من النفوس والفِطَر السليمة والعقول الراجحة، وهي قضية طلب فعل فاحشة الزنا، فمجرد مجيء هذا الشاب إلى النبي يُعطينا دلالةً كبيرةً على شعور هذا الشاب بأثر هذا المرجع؛ ولذلك هو يشعر بالأمن النفسي.
ولن نستطيع أحبتي في بيوتنا ومدارسنا وشركاتنا ومجتمعنا وإعلامنا أن نُؤثر تأثيرًا إيجابيًّا إلا إذا كان هناك شعورٌ بالأمن النفسي؛ ولذلك يأتي الشاب إلى النبي ويتحدث بهذا الأمر الشديد على النفس -بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام- الذي أوجد لهذه النفوس أمنًا وشعورًا بالطمأنينة.
فالآباء لا بد أن يُشعروا أبناءهم بالطمأنينة، والأزواج لا بد أن يُشعروا زوجاتهم بالطمأنينة، وهكذا العكس، والمدير يحتاج أن يُشعر مَن يعمل معه بالطمأنينة والراحة والأمن النفسي، حتى يأتي الموظف ويتكلم بما في نفسه، وكذلك الطالب مع الأستاذ، وهكذا في علاقات الناس بعضهم مع بعضٍ.
فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، فلا تنجح البيئة غير الآمنة في تعديل سلوك الآخرين مهما أُوتي المُعدِّل من مهاراتٍ وقوةٍ علميةٍ، فالقضية الأساسية في البيئة الآمنة؛ ولذلك أحيانًا نسمع في الاستشارات الأسرية والتعليمية مثلًا مَن يقول: بذلنا واستخدمنا أساليب عديدةً جدًّا ولم نجد قبولًا.
هذا يمكن أن يحصل عمومًا حتى لو استفرغنا جهدنا في كثيرٍ من الأشياء المطلوبة، فقد يكون من الأسباب: عدم وجود الأمن النفسي.
ولاحظوا مثلًا حينما يكون تعامل الأب والأم مع الأبناء تعاملًا سلبيًّا: إما قسوةٌ وشدةٌ وغِلظةٌ، أو دلالٌ ودلعٌ وتسيُّبٌ، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، فهذا لا يُشْعِر بالأمان النفسي، مع أن الجانب الأخير قد يُشْعِر بالأمان النفسي بالمحبة، وما شابه ذلك، لكن أيضًا له مردودٌ سلبيٌّ، ولكن الجانب المتعلق بالأمان النفسي هو المتعلق بالشدة والغِلظة.
ولذلك من خلال الممارسة البسيطة في جانب الإرشاد الأُسري كمثالٍ نسأل هذا السؤال، ونجد -سبحان الله العظيم!- أحيانًا أن العناد والتَّمرد الموجود مثلًا سببه عدم الشعور بالأمن؛ ولذلك الشعور بالأمن النفسي وإيجاد البيئة الآمنة نفسيًّا ووجدانيًّا قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
وقد ذكر الأستاذ الدكتور: عبدالكريم بكار في كتابه "التواصل الأُسري" -ضمن سلسلته الرائعة التي أدعو الجميع إلى الاطلاع عليها، وهي سلسلة "التربية الرشيدة"- أن الدراسات دلَّت على أن هروب الأبناء من عالم الواقع الحقيقي مع الأسرة إلى العالم الافتراضي بالجوال، أو ربما تجاوز الخطوط الحمراء في استخدام الجوال هو بسبب ضعف إشباع الجانب العاطفي في الأسرة؛ لذلك تنبغي العناية بهذا الأمر.
وسبق أن تحدثنا عن هذه القضية المتعلقة بأن الدراسات دلَّت وأثبتت أن الجانب الوجداني من أهم الخصائص الأساسية التي تتميز بها الشخصية المُؤثرة والمُربية والمُعدِّلة للسلوك؛ ولذلك فإن الدراسات التي اطلعتُ عليها قاطبةً في كتب علم النفس التربوي وفي مراحل التعليم المختلفة: ابتدائية، ومتوسطة، وثانوية، وجامعية، تجدون أن هذه الخصائص احتلت المراكز الأولى لدى أجيالنا في التأثير الذي يُمثله المعلم أو المعلمة.
فنحن بأمَسِّ الحاجة إلى هذه القضية والعناية بها، ألا وهي: ما يرتبط بالشعور بالأمان النفسي.
القضية الأخرى: أنه من الطبيعي أن يكون موقف الصحابة هو هذا الموقف؛ ولذلك نتوقع أن يكون هناك في ظلِّ تعديل السلوك الذي نرغب فيه أطرافٌ أخرى تَنْفِر من أشياء معينةٍ؛ ولذلك لا نستغرب من وجود هذه القضية؛ لأنها مُخالفةٌ للفطرة، لكن هذا الموقف ليس صوابًا، وهو نَهْر هذا الشاب، فالشاب يحتاج إلى التَّقبل والاحتضان والاستقبال، وهذا الذي ربَّى عليه النبي في هذا الموقف أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، فقال: دعوه، ثم قال له: ادْنُ، فدنا الشاب من النبي ، وهذا أيضًا يتعلق بمهارةٍ تُسمى بقضية: القُرب الحسي وأثره، وقد دلَّت الدراسات على أثر مثل هذا الجانب، فنحتاج إلى رعاية مثل هذه الأمور.
ويُفرقون بين التَّقبل والقبول، يعني: الشخصية المُؤثرة المُعدِّلة للسلوك لا بد أن تكون شخصيةً لديها تقبُّلٌ للجميع، كما تقبَّل النبي هذا الشاب على حالته، لكنه لم يقبل فعله أو طلبه.
وكذلك النبي في قصصٍ أخرى ستأتينا: كشريب الخمر، وقضية الأعرابي الذي تبول في المسجد، أو قصة عتبة بن ربيعة الذي ناقشه ويريد أن يترك النبي النبوة والرسالة، فناقشه في قضية كفرٍ وشركٍ، ومع ذلك الرسول كان يستمع له، حتى قال له: أَفَرَغْتَ يا أبا الوليد؟[2]"البداية والنهاية" ط. هجر (4/ 159).، هذا هو التَّقبل، فنتقبل الإنسان على حالته حتى نُؤثر فيه، وليس قبولًا بما هو عليه.
لذلك هناك فرقٌ بين الأب والمُربي والمعلم الذي يكون مُنحازًا إلى قبول أي تصرفٍ أمامه، فيقبله كما هو، وهذه -في الغالب- طبيعة الناس الذين لديهم التَّسيب والانفلات، فتحصل عندهم هذه الإشكالية، ولكن الصحيح أن يكون عنده التَّقبل لحالة الشخص الذي أمامه ثم يُعالجه؛ لأنه لا يقبل التَّصرف أو الفكرة التي يطلبها الطرف الآخر، ففرقٌ بين التَّقبل والقبول؛ فالتَّقبل هو المطلوب، والقبول بالشيء الخطأ مرفوضٌ بلا شكٍّ.
ثم بدأ النبي عليه الصلاة والسلام يُناقشه، وهذه من المهارات المهمة جدًّا أيها الإخوة، وعليكم أن تُجربوها، خاصةً في زمن الشهوات -وقانا الله وإياكم هذه الشهوات-، حتى أيضًا في جانب الانحراف الفكري المُرتبط بالشبهات، وهو ما يُسمَّى في مجال تعديل السلوك عند النفسيين: الأسلوب العقلاني الانفعالي.
فلاحظوا هنا أن النبي قال: أتُحبه لأمك؟ فالشاب يتصور لحظتها أن أمه يُزنى بها -والعياذ بالله-، فقال: لا، فداك أبي وأمي. قال: ولا الناس يُحبونه لأمهاتهم، ثم لاحظوا نفس الأمر لكن مع مَحْرَمٍ آخر وهو الأخت، ثم العمَّة، ثم الخالة، وربما يكون هذا التنوع بنفس السياق لحاجة الشاب، حتى تحصل هنا إذابةٌ لما أتى من أجله؛ نظرًا لشدة الوطأة لدى الشاب، فالشاب يختلف عن غيره، والنبي كان مُدْرِكًا لحالة هذا الشاب؛ فلذلك استعمل معه هذا الأسلوب العقلاني الانفعالي، وهو من الأساليب الرائعة جدًّا.
ولاحظوا قول الله في قضية الغيبة: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ... الآية [الحجرات:12]، فهنا لا يتكلم عن الغيبة صراحةً، وأنها مُحرَّمةٌ، وإنما تكلم عن ذمِّ هذه الغيبة والتَّنفير منها من خلال هذه الصورة: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ، فيقول المسلم: آكُل لحم أخي؟! أعوذ بالله! لا يتصور هذا، وهو أن يأكل الإنسان لحم أخيه الذي معه في بيته، وميتًا -والعياذ بالله-؛ ولهذا يقول: فَكَرِهْتُمُوهُ، فهي صورةٌ تنطبع في العقل، وتُؤثر في الوجدان، وهذا يُسمَّى: الأسلوب العقلاني الانفعالي، ويمكن أن يُستفاد منه فيما يرتبط بمحاولة تعديل السلوك في قضايا العلاقات المُحرمة، والتَّعرض للجنس الآخر، والنظر في المواقع الإباحية، وفي أشياء عديدةٍ جدًّا، حتى في الأمور الفكرية ... إلى آخره، فهل ترضى هذه القضية يا أخي لابنك، ويا أختي لابنتك ولأمك؟ ... إلى آخره، وقد جربتُ هذه الصورة، ولا شكَّ أنها تهزُّ الوجدان.
ومعنا الآن مُداخلةٌ كريمةٌ من الشيخ: عبدالله بن سالم الحربي، إمام وخطيب جامع الرضوان بمدينة الدمام.
مرحبًا شيخ عبدالله.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلًا وسهلًا بك يا شيخ.
المتصل: حيَّاكم الله يا دكتور خالد، وحيَّا الله الإخوة المشاهدين والمشاهدات.
المحاور: أهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم، معكم -حفظكم الله- إحدى هذه القصص التي يمكن أن نستفيد منها ونستلهم منها ما يرتبط بتعديل السلوك كما في المنهج النبوي، فتفضل، بارك الله فيك.
المتصل: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد، حقيقةً هدي النبي في كل أفعاله وأقواله إنما هو تعديلٌ لسلوك الأمة؛ أمة محمدٍ الذين يتبعونه؛ ولذلك يا أخي الكريم ويا أختي الكريمة إذا سمعتَ بقال الله أو قال رسوله فانظر إلى سلوكك، وقيِّم حالك، فإن كان هناك خللٌ فاعرض حالك على قول الله وقول رسوله .
هناك قواعد أساسيةٌ قالها النبي هي في الواقع تعديلٌ لسلوك الأمة بأكملها، سواءٌ كان داخل البيت، أو المدرسة، أو الشارع، أو في مُجتمعٍ عامٍّ.
ولاحظوا أن النبي حينما يأتي بهذه القواعد -وهي من جوامع كَلِمه عليه الصلاة والسلام- يربطها بالإيمان: ومَن غشَّنا فليس منا[3]أخرجه مسلمٌ (101).، والغشّ هذا مصيبةٌ في المجتمع كله؛ ولذلك ربطه النبي بتعديل السلوك: ومَن غشنا فليس منا، وليس من شأن المؤمنين أنهم يغشُّون.
ويقول : مَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم[4]أخرجه أبو داود (4031)، وقال الألباني: "حسنٌ صحيحٌ".، فالمؤمن له شخصيته وسلوكه وهيئته وأقواله وأفعاله: مَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم، وليس من أهل هذه المِلة، وإنما هو منهم، وقيسوا على هذا أشياء كثيرةً جدًّا.
وأذكر لكم مثالًا واحدًا رواه البخاري ومسلم، والذي يروي لنا هذا المثال هو صاحبه: حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه وأرضاه، قال حكيم: سألتُ رسول الله -أي: مالًا- فأعطاني، ثم سألتُه فأعطاني، ثم سألتُه فأعطاني، ثم قال عليه الصلاة والسلام: يا حكيم، إن هذا المال خضرةٌ حلوةٌ، فمَن أخذه بسخاوة نفسٍ بُورك له فيه، ومَن أخذه بإشراف نفسٍ لم يُبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العُليا خيرٌ من اليد السُّفلى[5]أخرجه البخاري (1472)، ومسلم (1035)..
فلاحظوا هذا السلوك في تعامل المسلم مع المال، وكثيرٌ من الناس يفتتن بهذا المال، والنبي يضع لنا قاعدةً عظيمةً جدًّا وهي: كيف نتعامل مع هذه الأموال؟
المحاور: عفوًا شيخ عبدالله، النبي يريد أن يُعدل السلوك عند الصحابي الجليل حكيم فيما يتعلق بسؤال المال؟
المتصل: نعم، فحكيم بن حزام سأل، وفي بعض الروايات: أن النبي لما أعطى الصحابة استقلَّ حكيمٌ ما أعطاه النبي له، ثم سأل، والنبي يُعطي، وهو كريمٌ عليه الصلاة والسلام، ثم سأل حكيمٌ، ثم أعطاه، فهنا النبي رأى هذا الإقبال النفسي البشري، وهو إقبالٌ جِبِليٌّ على المال، كما قال تعالى: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر:20]، وهذا موجودٌ لدى البشر عمومًا، فأراد النبي أن يُبيّن حقيقة هذا المال بالنسبة لك أيها المسلم، فلا يكون المال مَذَلَّةً لك، أو سببًا في انحرافك.
وانظر ما ذكر النبي من قواعد في هذا الحديث:
القاعدة الأولى: إن هذا المال خضرةٌ حلوةٌ، فمَن أخذه بسخاوة نفسٍ بُورك له فيه، هذه قاعدةٌ ينبغي أن يعتبرها المسلم في نفسه، وهي: أن يأخذ المال بسخاوة نفسٍ، ولا يكون عنده أَشَرٌ وبَطَرٌ ورغبةٌ فيه، ومَن أخذه بإشراف نفسٍ لم يُبارك له فيه، وشبَّه النبي حاله بحال الذي يأكل ولا يشبع.
القاعدة الثانية: اليد العليا خيرٌ من اليد السُّفلى.
ماذا قال حكيم بعد هذا مباشرةً؟
قال: "قلتُ: يا رسول الله، والذي بعثك بالحقِّ لا أَرْزَأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أُفارق الدنيا" أي: لا أطلب من أحدٍ مالًا حتى أُفارق الدنيا.
المحاور: حصل المقصود.
المتصل: نعم، حصل المقصود، بل إن حكيم بن حزام لما جاءت خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه كان أبو بكر يدعو حكيمًا للعطاء ويقول له: "خذ"، فيأبى حكيم، ولما جاءت خلافة عمر رضي الله تعالى عنه كان يدعوه ليُعطيه فيأبى أن يقبل منه شيئًا، يقول عمر: "إني أُشهدكم يا معاشر المسلمين على حكيم، إني أعرض عليه حقَّه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه"، يعني: تربية إلى أن مات حكيم بن حزام ولم يطلب من أحدٍ مالًا، ولم ينقص من أحدٍ ماله.
أسأل الله أن يجعلنا ممن يقتدي بهدي النبي .
المحاور: آمين، جزاك الله خيرًا يا شيخ عبدالله، وبارك الله فيك، أحسنتَ في المُداخلة والاستدلال، بارك الله فيك، ونفع الله بك، وشكرًا لك.
كان معنا الشيخ الأستاذ عبدالله بن سالم الحربي، إمام وخطيب جامع الرضوان بالدمام، وقد أشار لهذه القصة الجميلة الرائعة.
نرجع إلى قضية الأمن النفسي، وكيف كان الرسول يُلبي حاجات أصحابه، وهذه واضحةٌ حتى في قصة الشاب، فلا يمكن أن يكون هناك أمنٌ نفسيٌّ حتى يُلبي الحاجات، فيُعطيه المال مرةً وثانيةً وثالثةً، مع أن النبي في قرارة نفسه يريد شيئًا آخر، لكن هذه وسيلةٌ لما بعدها.
ثم يأتي التوجيه الرائع الجميل المُتعلق بقوله: اليد العُليا خيرٌ من اليد السُّفلى، وكذلك بأن المال حلوةٌ خضرةٌ، ونحن بأمس الحاجة لهذا، ثم ما ترتب عليه من نتيجةٍ، فبعد أن سأل حكيمُ بن حزام النبيَّ في موقفٍ واحدٍ ثلاث مراتٍ أصبح لا يسأل المال أبدًا، حتى في عهد أبي بكر وعمر، حتى بعد أن مدَّ الله على المسلمين من الخيرات، وهو يأبى ذلك، ولا شكَّ أن هذا أثرٌ واضحٌ وجليٌّ لتعديل النبي لسلوك أصحابه.
فهذه من القضايا المهمة يا جماعة، فحينما نقرأ في السيرة والتاريخ والمواقف العِظام لرسول الله ، ونستلهم من منهجه هذه الأساليب، والله نحتاجها بشكلٍ كبيرٍ؛ ولذلك أنا أقول أيها الإخوة: من القضايا المتعلقة بالانعكاسات التربوية لمثل موضوعنا هذا وما يتعلق به أهمية أن تكون للأسرة مُشاركةٌ في هذا الأمر من خلال التحاور بين الزوجين في هذه الأساليب، وقراءة هذه القصص على الأسرة والأبناء حتى يستفيدوا منها في حياتهم.
دعونا نعود إلى قضية الشاب، ونضع هذه القضية في الذهن، وأثر هذا الأسلوب مع تكرار الوصف باستخدام صورٍ متعددةٍ، وهي: الأم، والأخت، والعمة، والخالة، حتى تكسر ما لدى هذا الشاب من رغبةٍ.
ثم يضع النبي يده على صدر هذا الشاب، ويربط القضية بالله وبالإيمان كما ذكر الأستاذ الشيخ عبدالله قبل قليلٍ فيما يتعلق بقضية الإيمان وربط سلوك الإنسان به، وهذا من أهمية التربية الإيمانية، فيدعو له أن يُطهر الله قلبه، ويُحصن فرجه، ومن ثم يذهب وليس في نفسه حاجةٌ في الزنا، كما أتى في القصة.
فنحن بأمس الحاجة إلى هذا القُرب الحسي والمعنوي، والنظر في الأساليب الأكثر تأثيرًا، والصبر والتَّحمل؛ لأنه سيكون لذلك أثرٌ في تعديل سلوك الآخرين.
أما الذي يريد النتيجة سريعةً فقد تتأبَّى عليه مثل هذه المواقف ويَنْفِر منها، أو ربما يجد أنه يفعل شيئًا هو يرى أنه يُعدل السلوك، وقد يكون مهارةً، لكنها ليست ناجحةً في وقتها ومكانها.
قصة شارب الخمر
دعونا أيها الإخوة والأخوات ننتقل إلى قصةٍ أخرى وهي: قصة الرجل من صحابة النبي الذي كان مُبتلًى بكثرة شُرب الخمر، فيُؤتى به ويُجلد -يُقام عليه الحد-، وهذا من الحزم بلا شكٍّ، ولا توانٍ في هذا الجانب، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا أيضًا نضعها في بالنا، وأن جانب الحزم ظاهرٌ في القصص كما سيأتي معنا، وكما سبق في قصة الشاب الذي كان يريد الزنا، فعلمه النبي وذكر له الأم والأخت والعمَّة والخالة، وهذا من الحزم، فلم يتركه على ما هو عليه.
وهذا الشخص الذي كان كثيرًا ما يُؤتى به وهو يشرب الخمر، فذات مرةٍ وهو يُجلد قال له أحد الصحابة الذين كانوا ينظرون لهذا الحدث: أخزاه الله! أو لعنه الله! ما أكثر ما يُؤتى به! وهذا الوصف صدق في جزءٍ منه، وهو أنه يُؤتى به كثيرًا، فذكره في وقت إقامة الحدِّ، وأضاف الدعاء عليه بقوله: أخزاه الله! أو لعنه الله! وكان النبي موجودًا.
ولا يستقيم كي نُعدل سلوك هذا الذي ابتُلي بشرب الخمر أن نقول: لعنه الله! أو نقول: أخزاه الله! وما أكثر ما يُؤتى به! حتى لو كان الوصف حقيقيًّا وصحيحًا، فقال النبي : لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم[6]أخرجه البخاري (6781).، يعني: ما ذُكِر سابقًا وبخاصةٍ اللعن والخزي والدعاء عليه، وكذلك ما يتعلق بوصفه بأنه كثيرًا ما يُؤتى به، فهذا من إعانة الشيطان على أخينا.
ثم قال: لا تلعنوه، فوالله ما علمتُ إنه يُحب الله ورسوله[7]أخرجه البخاري (6780)..
فالتَّقبل واضحٌ أيضًا في هذا الحديث، وكذلك الحزم مع الودِّ، فالحزم كان في إقامة الحدِّ، والودُّ في قول النبي : لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم؛ سدًّا لباب الشيطان، حتى لا يتأثر هذا الذي وقع في المشكلة، ثم قال: لا تلعنوه، فوالله ما علمتُ إنه يُحب الله ورسوله، وهذا كذلك من الودِّ.
الأمر الآخر: ينبغي أن نضبط انفعالاتنا حينما تحصل مواقف أو مشكلةٌ نريد أن نُعدلها، فينبغي أن ندرك أن القضية ليست مُرتبطةً بتنفيس ما في نفوسنا من خلال كلامٍ، ولو وصف الواقع، ولكن لا بد أن نتأمل الأسلوب الذي يُساعدنا على حلِّ مشكلة الابن، أو الزوجة، أو الطالب، أو الموظف، أو ما شابه ذلك، فنحتاج إلى أن ندرك كيف نستطيع أن نُؤثر؛ ولذلك يقولون في بعض الأحيان: الانتظار في ثوانٍ معينةٍ للتفكير تُنقذك من قضية اتِّخاذ قرارٍ غير سليمٍ.
أمرٌ آخر يظهر في هذه القصة أيها الإخوة وهو ما قاله النبي في حديثٍ آخر، وهو أيضًا من الأحاديث التَّوجيهية المهمة جدًّا في تعديل السلوك: لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنةً، إن كَرِهَ منها خُلُقًا رضي منها آخر، أو قال: غيره[8]أخرجه مسلم (1469).، أي: لا يُبغض مؤمنٌ مؤمنةً، أو لا يُبغض شخصٌ زوجته، وهذا ليس خاصًّا بعلاقة الزوجية فقط كما قال شُرَّاح الحديث، وإنما هذا مثالٌ يظهر في العلاقة الزوجية، ولكنه أيضًا في كل العلاقات الإنسانية.
وقد أشار لذلك العلامة الشيخ ابن سعدي في شرحه لهذا الحديث في "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة" حيث يقول: "الإرشاد إلى مُعاملة الزوجة، والقريب، والصاحب، والمُعامل، وكل مَن بينك وبينه علقةٌ واتِّصالٌ، وأنه ينبغي أن تُوطن نفسك على أنه لا بد أن يكون هناك عيبٌ أو نقصٌ أو أمرٌ تكرهه، فإذا وجدتَ ذلك فقارن بين هذا وبين ما يجب عليك أو ينبغي لك من قوة الاتصال والإبقاء على المحبة بتذكر ما فيه من المحاسن والمقاصد الخاصة والعامة، وبهذا الإغضاء عن المساوئ ومُلاحظة المحاسن تدوم الصُّحبة والاتصال، وتتم الراحة وتحصل لك"[9]"الوسائل المفيدة للحياة السعيدة" (ص28)..
فنحتاج إلى الانتباه إلى أنه حينما نجد شيئًا نكرهه في الطرف الآخر: الابن، والزوجة، والزوج، والمعلم، والطالب، وهكذا بقية الشرائح: كالصديق مع صديقه، وكما قال العلماء: إن هذا الحديث يُعطينا توقع وجود المشكلات ووجود النواقص ووجود ما نكرهه من الناس، فهذا أمرٌ طبيعيٌّ، فأنا قد أفعل فعلًا طبيعيًّا، والطرف الآخر يكره مني هذا الفعل؛ لأنه كما قال النبي : كل بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التَّوابون[10]أخرجه ابن ماجه (4251)، والترمذي (2499)، وحسنه الألباني..
إذن نحتاج إلى أن نُدرك أن الخطأ واردٌ بلا نقاشٍ؛ لأن هناك أناسًا مثاليين، فعند أي خطأ تقوم قيامته؛ ولذلك لا يُحسنون قضية تعديل السلوك؛ ولذلك لا بد أن نتوقع الخطأ.
وتوقع الخطأ لا يعني أن أرضى به، بل نرجع إلى التَّقبل والقبول، فلا أرضى به، وإنما أسعى لتعديله، ومن التعديل كما يقولون: النظر إلى إيجابيات هذا الإنسان حتى تُعطينا الفأل ونُساعده، كما قال النبي في قصة شريب الخمر: لا تلعنوه، فوالله ما علمتُ إنه يُحب الله ورسوله.
بالله عليكم، حينما يسمع مَن كان يشرب الخمر رضي الله عنه وأرضاه هذا القول من أخيه، هل هو مثل سماعه: أخزاه الله! ولعنه الله! وما أكثر ما يُؤتى به؟! لا شكَّ أن الفارق كبيرٌ جدًّا.
أيها الإخوة والأخوات، فاصلٌ ونواصل، فكونوا معنا.
الفاصل:
التوبة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التحريم:8]، فالتوبة مِمْحَاةٌ للذنوب، وسبيل المغفرة والرحمة، بها تتنزل البركات، وتُبدل السيئات إلى حسناتٍ.
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "التوبة من أفضل مقامات السالكين؛ لأنها أول المنازل وأوسطها وآخرها، فلا يُفارقها العبد أبدًا، ولا يزال فيها إلى الممات، وإن ارتحل السالك منها إلى منزلٍ آخر ارتحل بها ونزل بها، فهي بداية العبد ونهايته، وحاجته إليها في النهاية ضروريةٌ، كما حاجته إليها في البداية كذلك"[11]"مدارج السالكين بين منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" (1/ 196) بتصرفٍ..
وحكم التوبة أنها واجبةٌ على الفور من جميع الذنوب والمعاصي، قال النووي -رحمه الله-: "واتَّفقوا على أن التوبة من جميع المعاصي واجبةٌ، وأنها واجبةٌ على الفور، لا يجوز تأخيرها، سواءٌ كانت المعصية صغيرةً أو كبيرةً"[12]"شرح النووي على مسلم" (17/ 59)..
وللتوبة الصادقة شروطٌ، أهمها:
- أن تكون خالصةً لله تعالى، فإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه.
- ترك الذنب والإقلاع عنه بالكلية.
- ندم القلب على ارتكاب الذنب.
- العزم على عدم العود.
- رد المظالم إلى أهلها، أو طلب البراءة منهم.
- المُبادرة بالتوبة قبل الغَرْغَرة، وقبل طلوع الشمس من مغربها.
ومن أهم ما يُعين المسلم على التوبة النَّصوح: استشعار قُبْح الذنب وضرره، والتَّفكر في عواقبه الوخيمة في الدنيا والآخرة، والتَّعرف على الله، والتَّدبر في أسمائه وصفاته مما يُورث في القلب خشيةً وتعظيمًا له سبحانه، وتذكير النفس بالموت والدار الآخرة، وشغل الأوقات بالأعمال النافعة، واجتناب رُفقاء السُّوء، ومُصاحبة أهل الدين والصلاح، ومُفارقة مواطن المعاصي، فالإقامة بها قد تجرُّ إلى المعصية مرةً أخرى، واستدراك ما فات من حقِّ الله إن كان مُمكنًا: كأداء فوائت الصلاة والزكاة، والاستكثار من الحسنات، وفعل الطاعات، فالله تعالى يقول: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114].
وقال : إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مُسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مُسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها[13]أخرجه مسلم (2759)..
الدكتور خالد: حيَّاكم الله أيها الإخوة والأخوات، وعودًا حميدًا.
معنا اتِّصالٌ من الأخ عبدالله من السعودية.
حيَّاك الله أخ عبدالله.
المتصل: الله يُحييك يا شيخنا، بارك الله فيك.
المحاور: نختصر، الله يُعطيك العافية، تفضل، بارك الله فيك.
المتصل: بخصوص التواصل الاجتماعي: فإن الوالدين -للأسف الشديد- لا يُهيِّئان الأجواء التي تُساعد على التواصل معهما؛ ولهذا يذهب الأبناء إلى هذا العالم الافتراضي المليء بمَن ليس لهم دينٌ، فيكون الأطفال ضحيةً، فمثلًا: عندك قصة لوطٍ ، يكبر الأبناء ولا يعرفونها، وفجأةً يرون قوم لوطٍ في هذا العالم الافتراضي، والفِطَر عندهم غير مُشبَّعةٍ بكُره هذا الفعل -وهو فعل قوم لوطٍ- فيكونون ضحيةً، بل ربما يُدافعون عن هذا الخلق الدَّنيء؛ لأنهم لم يطلعوا مُسبقًا على هذه القصة، وكذلك قصة مريم ابنة عمران يُمثلونها في التماثيل المُدبلجة على أنها زانيةٌ، ولها ابنٌ غير شرعيٍّ، والأهل لا يعلمون ذلك!
المحاور: إذن أنت أستاذ عبدالله تؤكد على قضية وجود التواصل حتى يوجد الأمن النفسي لهذه البيئة التي تُساعد على تعديل السلوك؟
المتصل: نعم.
المحاور: جزاك الله خيرًا، شكرًا أستاذ عبدالله على مُشاركتك في إيجاد التواصل حتى لا يذهب الأبناء لعالمٍ آخر، وعندئذٍ تحصل مشكلةٌ، فكما نحتاج إلى تعديل السلوك نحتاج إلى وقايةٍ قبل ذلك مع البناء.
ومعنا الأستاذ حمزة الزبيدي، المُحاضر في كلية الدراسات العليا بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة.
مرحبًا بك أستاذ حمزة.
المتصل: الله يُحييك يا دكتور، حيَّاك الله.
المحاور: حيَّاك الله، مرحبًا بك، تفضل -الله يحفظك- بمُشاركتك الكريمة في المنهج النبوي في تعديل السلوك، بارك الله فيك.
المتصل: الله يُسلمك، ويُبارك فيك.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.
أما بعدُ، شكر الله لكم طرح مثل هذا الموضوع القيّم التربوي، وهو ما يتعلق بالمنهج النبوي في تعديل السلوك.
المُتأمل والمُتبصر في السنة النبوية -على صاحبها أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم- يتبين له منهجٌ مُتكاملٌ في التربية، ومن ضمنها ما يتعلق بمنهجيةٍ واضحةٍ في تعديل السلوك.
وبما أن اللقاء عبارةٌ عن الإشارة إلى موقفٍ نبويٍّ، وتَبيُّن هذا المنهج النبوي، والتَّبصر به فيما يتعلق بتعديل السلوك، فسوف أذكر الحديث الذي رواه أبو داود في "السُّنن" والإمام أحمد في "مسنده" من حديث أبي ثعلبة الخشني قال: كان الناس إذا نزل رسول الله منزلًا -يعني: في السفر- تفرَّقوا في الشِّعاب والأودية، فقام فيهم رسول الله فقال: إن تفرُّقكم في الشِّعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان، قال أبو ثعلبة الخشني: فكانوا بعد ذلك -أي: الصحابة- إذا نزلوا انضمَّ بعضهم إلى بعضٍ، حتى إنك لتقول: لو بسطتَ عليهم كِساءً أو ثوبًا لعمَّهم، أو نحو ذلك[14]أخرجه أبو داود (2628)، وأحمد (17736)، وصححه الألباني..
فهذا الحديث يحمل سلوكين:
السلوك الأول: كان سلوكًا غير مرغوبٍ فيه، وهو التَّفرق.
والسلوك الثاني المرغوب فيه: وهو الانضمام والاجتماع وعدم التَّفرق.
ولو تأملنا هذا الحديث وقلنا: ما خطوات تعديل هذا السلوك؟ لظهر لنا الأمر التالي:
أولًا: كان الناس إذا نزل رسول الله منزلًا تفرَّقوا.
أول نقطةٍ مهمةٍ جدًّا في موضوع تعديل السلوك: ملاحظة السلوك الذي يحتاج إلى تعديلٍ، فالمُلاحظة مهمةٌ جدًّا.
هذه رسالةٌ للآباء والأمهات، والمُربين والمُربيات، والمعلمين، والأزواج والزوجات، كل مَن أراد أن يُعدل سلوكًا لا بد أن يُلاحظ هذا السلوك الذي يحتاج إلى تعديلٍ.
المحاور: وأحيانًا المُربي يغفل، مع أن الفرصة مُواتيةٌ لمُلاحظة السلوك ومُتابعته.
المتصل: صحيحٌ؛ ولذلك هذه من أهم القضايا في موضوع التربية، وسنأتي إليها في موضوع استثمار المواقف في التربية، سواءٌ في غرس القيم، أو في تعديل السلوك، والمُلاحظة هي خطوةٌ أوليةٌ وجوهريةٌ مهمةٌ جدًّا في موضوع تعديل السلوك.
ثانيًا: فقام فيهم.
إذن لاحظوا معي: أول شيءٍ لاحظ هذا التَّفرق، فقام، والفاء هنا تعقيبية، يعني: هنا يمكن أن نقول: التَّدخل الإيجابي المُبكر لتعديل السلوك، والتَّدارك مُبكرًا.
وذلك يا دكتور خالد لا يخفى على مثلك من التربويين والمُختصين أيضًا: أن كثيرًا من المشكلات في السلوكيات تتفاقم بسبب التأخير، وهذه فيها خطورةٌ، سواء في تربية الأبناء، أو تربية البنات، فيُلاحظ السلوك السيئ ومع ذلك لا يتدخل تدخلًا إيجابيًّا في وقتٍ مُبكرٍ.
فأنا أقول: تدخلٌ إيجابيٌّ، وقد يكون أحيانًا التدخل سلبيًّا، فنريد تدخلًا إيجابيًّا، وأن يكون مُبكرًا؛ لأن تبعات المُعالجات المُتأخرة كبيرةٌ وكثيرةٌ.
ثالثًا: فقال: إن تفرقكم في الشِّعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان.
ولاحظ أخي الكريم هنا التركيز على السلوك السلبي، ووضع السلوك تحت المجهر دون الأشخاص.
وبعض الناس عندما يريد أن يُعدل سلوكًا يتوجه مباشرةً إلى الناس: أنتم فيكم، وأنتم فيكم، وأنتم فعلتم، وأنتم صنعتم!
لاحظوا معي هنا أنه توجه إلى الشخص الذي وقع في السلوك السلبي، فيجعل دائرة اهتمامه مُوجهةً لشخصٍ، بينما المطلوب في تعديل السلوك وتقبل الطرف الآخر للمُعالجات ولتعديل السلوك: أن تُركز على السلوك السلبي الذي تراه في ابنتك، وابنك، وزوجك، وزوجتك، وطلابك، وطالباتك، بعيدًا عن شخص صاحب هذا السلوك؛ حتى يتقبل.
المحاور: هذه النقطة واضحةٌ جدًّا.
المتصل: رابعًا: تكوين اتجاهٍ سلبيٍّ نحو السلوك المرغوب في تعديله؛ ولهذا قال هنا مثلًا: إن تفرقكم في الشِّعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان، فهنا كوَّن اتجاهًا سلبيًّا تجاه هذا السلوك، وهو أن التَّفرق من الشيطان، وبيَّن خطورة هذا السلوك، ونفَّر منه.
فيجب إذا أردنا أن نُغير الكثير من السلوكيات السلبية لدى أبنائنا وبناتنا أن نُبيّن لهم خطورة هذا السلوك وشناعته، سواء من الجوانب الدينية، أو الصحية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، فنُبيّن لهم خطورة هذا السلوك وأثره عليهم.
المحاور: أحسنت أستاذ حمزة، الحقيقة خطواتٌ جميلةٌ، والله نحتاجها، وما أدري هل بقيت نقطةٌ خامسةٌ أو لا؟
المتصل: أقول: إن ثمرة هذه الخطوات الإيجابية أنها أوصلت إلى السلوك المثالي، وكانوا إذا نزلوا انضموا إلى بعضهم حتى إنك لتقول: إنك لو بسطتَ عليهم كساءً أو ثوبًا لعمَّهم.
إذن تحقق وعُدِّل السلوك السلبي إلى سلوكٍ إيجابيٍّ نتيجة القناعة والفهم والأسلوب المُؤثر في عملية تعديل السلوك.
المحاور: أحسنت، وجزاك الله خيرًا، إطلالةٌ جميلةٌ، واستنباطٌ -في ظني- رائعٌ من خلال مثل هذا الموقف النبوي، حتى نستطيع أن نصل فعلًا إلى سلوكٍ مُعدَّلٍ إيجابيٍّ، ويستمر كذلك هذا السلوك عند الإنسان.
أشكرك شكرًا جزيلًا أستاذ حمزة، وبارك الله فيك، أفدتنا.
كان معنا الأستاذ حمزة الزبيدي، المُحاضر في كلية الدراسات العليا في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، نشكره على هذه الإطلالة الجيدة.
إجابات السؤال التفاعلي
نُنبه إلى أنه كان هناك سؤالٌ تفاعليٌّ ورد وأُطلق من خلال القناة، والأخت سعدية علي ذكرت حديث: البِرُّ حُسن الخُلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهتَ أن يطَّلع عليه الناس[15]أخرجه مسلم (2553).، وقالت: كلماتٌ قليلةٌ قالها تُعدل بعض سلوك المسلم العاقل.
وفعلًا الواحد بسهولةٍ يستطيع أن يُدرك ما يتعلق بقضية الإثم، فواضحٌ أن الإثم معياره: لو أن هناك شيئًا يحوك في نفسك، وتكره أن يطلع عليه الناس، فهذا في حدِّ ذاته يمكن أن نقول: إنه تغييرٌ ذاتيٌّ وتعديلٌ وإقناعٌ ذاتيٌّ.
شكرًا لك أستاذة سعدية.
والأخ تامر عبدالحليم تحدث عن: تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقةٌ، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقةٌ ... إلى آخر الحديث الذي ذكره[16]أخرجه الترمذي (1956)، وصححه الألباني..
وهذا لا شكَّ أنه كذلك توجيهٌ من النبي لمثل هذه.
والأخت شيرين الحديد ذكرت التَّبسم، كما قال الرسول : تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقةٌ، فالبسمة تقول: لها أثرٌ كبيرٌ واضحٌ، خاصةً عند الأطفال.
وهذا صحيحٌ في الأطفال والكبار، ولا شكَّ أن هذا أيضًا من الأمور التي تُساعد على تعديل السلوك.
والأخ عبدالله داخلي تحدث في قدوته عندما هاجر إلى المدينة، حيث آخى بين المهاجرين والأنصار، فأخذ بيد سعدٍ وقال: هذا أخي، وقلَّده المسلمون عامةً، فلا شكَّ أن مجال القدوة هنا واضحٌ، وكان يُمارسها النبي ، فنحتاج أن نفعل كما فعل.
والأخ محمد عبدالناصر ذكر وصية النبي : لا تغضب[17]أخرجه البخاري (6116)..
والأخت شيماء غالي ذكرت في تعديل سلوك التواكل حديث: اعقلها وتوكل[18]أخرجه الترمذي (2517)، وحسنه الألباني..
فبكل بساطةٍ وسهولةٍ فعلًا أحيانًا يقول الواحد: ماذا أفعل؟
فليست هناك كبسولةٌ في الصيدليات نأخذها حتى نُعدل سلوكنا، لو كانت هذه موجودةً لكنا ذهبنا للصيدليات حتى نُعدل سلوكنا، لكن فعلًا اعقلها وتوكل، ولا تتردد، فقم ومارس ما دام الطريق واضحًا وبيِّنًا؛ ولذلك عددٌ من هؤلاء المُترددين -خاصةً كما قلتُ في جانب الاتجاه الإيجابي- لا شكَّ أن هذا من التواكل حقيقةً، فنحتاج إلى: تَغْدُو خِمَاصًا، وتَرُوح بِطَانًا كما جاء في الحديث[19]أخرجه ابن ماجه (4164)، والترمذي (2344)، وصححه الألباني..
وهذه مُشاركةٌ لم يذكر صاحبها اسمه، وربط السلوك السلبي بالجاهلية، وذكر حديث أبي ذرٍّ : أن المعرور بن سويد قال: لقيتُ أبا ذرٍّ بالرَّبَذَة وعليه حُلَّةٌ، وعلى غلامه حُلَّةٌ، فسألتُه عن ذلك، فقال: إني سابَبْتُ رجلًا فعيَّرتُه بأمه، فقال لي النبي : يا أبا ذر، أعيَّرتَه بأمه؟ إنك امرؤٌ فيك جاهليةٌ، إخوانكم خَوَلُكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمَن كان أخوه تحت يده فليُطعمه مما يأكل، وليُلبسه مما يلبس، ولا تُكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلَّفتُموهم فأعينوهم[20]أخرجه البخاري (30) واللفظ له، ومسلم (1661)..
والأخ محمد ذكر عدم عقوبة النبي للرجل الذي تبول في المسجد، فلا صرخَ عليه، ولا قطعَ بوله.
وهذه كنا سنأخذها أيضًا من القصص على أية حالٍ، فجيدٌ أن هذا الأخ شاركنا في هذه القصة، يقول: إنما انتظر عليه الصلاة والسلام حتى أفرغ الرجل، ثم بيَّن له خطأه بهدوءٍ، بينما الصحابة نَهَروه؛ لأن من طبيعة النفس البشرية أنها تأبى هذه القاذورات، لكن كان موقف النبي هو الموقف الأكمل الذي يُعدل سلوك مثل هذا الأعرابي الذي فيه جهلٌ؛ ولذلك قال : لا تُزْرِمُوه، ثم دعا بدَلْوٍ من ماءٍ فصَبَّ عليه[21]أخرجه البخاري (6025)، ومسلم (284).؛ لأن هذا أفضل لنفسيته ولجانبه العضوي، وحتى للنَّجاسة حتى لا تنتشر؛ فلذلك تركه على حاله، ثم علَّمه النبي .
وأم حارث ذكرتْ قول النبي في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما المشهور: احفظ الله يحفظك[22]أخرجه الترمذي (2516)، وأحمد (2763)، وصححه الألباني.، وقوله لرَبِيبه عمر بن أبي سَلمة: سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك[23]أخرجه البخاري (5377)، ومسلم (2022)..
وهذا جمعٌ جيدٌ من الأخت أم حارث لما يتعلق بقضية توجيه النبي للأطفال: مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبعٍ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع[24]أخرجه أبو داود (495)، وصححه الألباني..
والأخت عُلا محمد ذكرت العَصْف الذهني، وذكرتْ أيضًا شيئًا جميلًا وهو: أن النبي سأل الصحابة عن شجرةٍ لا يسقط ورقها في حديث ابن عمر المشهور، وإنها مثل المسلم، فلم يعرفها الصحابة، وأتوا بأفكارٍ مختلفةٍ، وتوصلوا إلى أنها النخلة[25]أخرجه البخاري (61)، ومسلم (2811)..
وحديث الرسول : أتدرون ما المُفلس؟[26]أخرجه مسلم (2581).، فهذا السؤال للاستثارة، فالرسول يريد أن يُحذر من هذه الصفات، فهذا أيضًا جانبٌ وقائيٌّ لمَن لم يقع في هذه القضية، أو جانبٌ علاجيٌّ لمَن وقع.
ولما بعث النبي معاذًا إلى اليمن قال له: كيف تقضي إذا عرض لك قضاءٌ؟ قال: أقضي بكتاب الله. قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله . قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله ، ولا في كتاب الله؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله صدره وقال: الحمد لله الذي وفَّق رسول رسول الله لما يُرضي رسول الله[27]أخرجه أبو داود (3592)، وأحمد في "المسند" ط. الرسالة (22061)، وقال مُحققوه: "إسناده ضعيفٌ؛ لإبهام أصحاب معاذ"..
والأخ محمد كانوتشي يقول: مهارة بناء العلاقات مع الآخرين، والتعامل مع الناس. وتحدث عن هذه القضية وأهميتها في الإدارة وما يتعلق بها، وذكر حديث الرسول أنه دخل على خديجة فقال: زَمِّلوني، زَمِّلوني، فزَمَّلوه حتى ذهب عنه الرَّوع، وأخبر خديجة الخبر فقال: لقد خشيتُ على نفسي، فقالت خديجة: كلا، والله لا يُخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتُعين على نَوَائب الحق[28]أخرجه البخاري (3)، ومسلم (160)..
يعني: الأخ الكريم يقصد هنا: كيف أنَّ العلاقات الاجتماعية أثَّرت في هذا الجانب وما يتعلق به؟ فخديجة ذكرتْ هذه القضية حتى تُسلِّي النبي ، وأنه منصورٌ، وأنه لا يمكن أن يُخدع عليه الصلاة والسلام، فهذه القضايا من الأمور المهمة بلا شكٍّ.
والأخت حبيبة المالكي ذكرتْ كذلك قصة عمر بن أبي سلمة وقوله: كنتُ غلامًا في حجر رسول الله ، وكانت يدي تطيش في الصَّحْفَة ... إلى آخره[29]أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022).، وتوجيه النبي له بأن يذكر الله عند تناول الطعام، وأن يأكل بيده اليُمنى، لا اليُسرى.
وهذا من الأشياء المهمة جدًّا حقيقةً، فنحن قد نغفل، والنبي هنا لم يُوبخ ويُعنف الطفل الصغير، وفي نفس الوقت لم يسكت كما يفعل البعض!
وبعضنا يُعنِّف ولا يُعلم الطفل، ولو علَّم الطفل علَّمه بعنفٍ! وبعضنا يسكت ويقول: إنه طفلٌ! فلا هذا، ولا ذاك، إنما قال لهذا الغلام في روايةٍ: ادْنُ[30]أخرجه أبو داود (3777)، والترمذي (1857)، وأحمد (16339)، وصححه الألباني.، وهذا القُرب الحسي الذي ذكرناه، ثم قال: سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك، فهذا تعليم التسمية، وأن يأكل بيمينه، ويأكل مما يليه، فهذه ثلاث مهاراتٍ نحتاجها.
والأخ هاني يقول: الرفق واللين، حيث قال النبي : ما كان الرفقُ في شيءٍ إلا زانه، وما نُزِعَ من شيءٍ إلا شانه[31]أخرجه مسلم (2594)..
وقال النبي في إحدى الغزوات حينما انتهت الحرب، ووقف بعض الصحابة يتلاومون لما خلَّفته الحرب من خسائر بشريةٍ، فشعروا أن ذلك ظلمٌ في حق الأبرياء من النساء والأطفال، وكأنهم تمنوا لو كان هذا الدين بلا حربٍ، فكأن النبي رأى ذلك في أعينهم.
وكانت هناك امرأةٌ تجري وتبحث عن ابنها، ومن شدة احتراق قلبها عليه لما وجدتُه ضمَّته إلى صدرها، وأقبلت عليه تُرضعه، والنبي والصحابة يتأملون هذا المشهد، فقال لصحابته: أترون هذه طارحةً ولدها في النار؟ قلنا: لا، وهي تقدر على ألا تطرحه. فقال: لله أرحم بعباده من هذه بولدها[32]أخرجه البخاري (5999)، ومسلم (2754)..
فلا شكَّ أن هذه صورةٌ عظيمةٌ في تعديل النبي لسلوك أصحابه، فانظر كيف استغلَّ الموقف والحدث والواقعة حتى يُعدل هذا الاتجاه الذي قد يكون سلبيًّا.
فنحن بأمس الحاجة أيها الإخوة إلى مثل هذه المعالم الرائعة والمهمة، فلو استقرأنا هذه النصوص العظيمة لاحتجنا إلى أن نقف معها بصورةٍ عظيمةٍ جدًّا.
وكتاب "أساليب نبوية في التعامل مع أخطاء الناس" الذي أصدرته مؤسسة "زاد" الإعلامية كتابٌ رائعٌ جدًّا، أشار إلى مجموعةٍ كبيرةٍ من مواقف النبي -فوق 30 موقفًا أو طريقةً ومهارةً وأسلوبًا- من خلال مواقف النبي المُتعددة، وهذا الكتاب جديرٌ بالقراءة والاطلاع، وهو موجودٌ في الشبكة العنكبوتية بنسخة (pdf).
ولاحظوا كذلك الغلام الصغير الذي كان يريد أن يسلخ شاةً، فرآه النبي فقال: تَنَحَّى، ثم بدأ النبي يُمارس سلخ الشَّاة ويُعلمه[33]أخرجه ابن ماجه (3179)، وصححه الألباني.، وهذه أهمية الممارسة العملية لتعليم الأجيال الطريقة السليمة.
ولما ركب النبي الدابة قال لابن عباسٍ رضي الله عنهما: احفظ الله يحفظك[34]أخرجه الترمذي (2516)، وأحمد (2763)، وصححه الألباني.، فكان يستغل المواقف، وأيضًا يُربي الأطفال منذ نعومة أظفارهم على مثل هذه المعاني.
فنحن بأمس الحاجة إلى استلهام مواقف النبي واستخراج الأساليب والمهارات في تعديل السلوك.
أيها الإخوة والأخوات، هذا هو المنهج النبوي في تعديل السلوك.
أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن اتَّبع طريقة النبي في ذلك.
وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وتحياتي لكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | أخرجه أحمد في "المسند" (22211) وقال مُحققوه: "إسناده صحيحٌ، رجاله ثقاتٌ رجال الصحيح". |
---|---|
↑2 | "البداية والنهاية" ط. هجر (4/ 159). |
↑3 | أخرجه مسلمٌ (101). |
↑4 | أخرجه أبو داود (4031)، وقال الألباني: "حسنٌ صحيحٌ". |
↑5 | أخرجه البخاري (1472)، ومسلم (1035). |
↑6 | أخرجه البخاري (6781). |
↑7 | أخرجه البخاري (6780). |
↑8 | أخرجه مسلم (1469). |
↑9 | "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة" (ص28). |
↑10 | أخرجه ابن ماجه (4251)، والترمذي (2499)، وحسنه الألباني. |
↑11 | "مدارج السالكين بين منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" (1/ 196) بتصرفٍ. |
↑12 | "شرح النووي على مسلم" (17/ 59). |
↑13 | أخرجه مسلم (2759). |
↑14 | أخرجه أبو داود (2628)، وأحمد (17736)، وصححه الألباني. |
↑15 | أخرجه مسلم (2553). |
↑16 | أخرجه الترمذي (1956)، وصححه الألباني. |
↑17 | أخرجه البخاري (6116). |
↑18 | أخرجه الترمذي (2517)، وحسنه الألباني. |
↑19 | أخرجه ابن ماجه (4164)، والترمذي (2344)، وصححه الألباني. |
↑20 | أخرجه البخاري (30) واللفظ له، ومسلم (1661). |
↑21 | أخرجه البخاري (6025)، ومسلم (284). |
↑22 | أخرجه الترمذي (2516)، وأحمد (2763)، وصححه الألباني. |
↑23 | أخرجه البخاري (5377)، ومسلم (2022). |
↑24 | أخرجه أبو داود (495)، وصححه الألباني. |
↑25 | أخرجه البخاري (61)، ومسلم (2811). |
↑26 | أخرجه مسلم (2581). |
↑27 | أخرجه أبو داود (3592)، وأحمد في "المسند" ط. الرسالة (22061)، وقال مُحققوه: "إسناده ضعيفٌ؛ لإبهام أصحاب معاذ". |
↑28 | أخرجه البخاري (3)، ومسلم (160). |
↑29 | أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022). |
↑30 | أخرجه أبو داود (3777)، والترمذي (1857)، وأحمد (16339)، وصححه الألباني. |
↑31 | أخرجه مسلم (2594). |
↑32 | أخرجه البخاري (5999)، ومسلم (2754). |
↑33 | أخرجه ابن ماجه (3179)، وصححه الألباني. |
↑34 | أخرجه الترمذي (2516)، وأحمد (2763)، وصححه الألباني. |