المحتوى
مقدمة
الحمد لله، ونُصلي ونُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعدُ: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات مع حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم الأسبوعي "أسس التربية" من قناتكم قناة "زاد" العلمية.
في هذا البرنامج المباشر ما زلنا في "حاجات الأسرة بين الفرص والتحديات"، وقد تناولنا في الحلقة الماضية العديد من المحاور، واستمعنا إلى مُداخلاتٍ كريمةٍ لضيوفٍ أعزةٍ.
وهناك مجموعةٌ من المُشاركات وردت إلينا من الإخوة الأكارم عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول السؤال التفاعلي، وهو: ما هي أهم حاجات الأسرة من وجهة نظرك؟
ولعلنا نبدأ في هذه الحلقة بما كتبه الإخوة الأفاضل في الحلقة الماضية، أو قبل الحلقة الماضية:
مشاركات وآراء حول التحديات الأسرية
فهذا أبو صالح الطويرقي يقول: مع كثرة ألوان المُلهيات في العصر الحديث، مُضافًا إليها صور التعليم الهشَّة للنَّشء من ناحية تربية الفرد على أصول الإسلام وأهميتها، وخطورة عدم الانضباط فيها، ومضافًا إليها أيضًا انشغال الأسرة كلٌّ بما يخصُّ شأنه الفردي، واهتمامه بمصالحه الخاصَّة، وتربية الأطفال على هذا المفهوم، وأيضًا انشغال الوالدين بكيفية توفير حياةٍ رتيبةٍ، وتجاهلهم الدور التربوي الصحيح المبني على مفاهيم شرعيةٍ، ومُضافًا إلى ما سبق: تقلبات الأحوال الاجتماعية بما يدخل عليها من الثقافات الأخرى، كل هذه العوامل ونحوها تُفقد الأسرة كثيرًا من الترابط والتواصل والاهتمام الجماعي؛ وعليه فإن من أهم ما تحتاجه الأسرة اليوم في العصر الحديث:
- إعادة بناء الفرد حسب المفهوم الشرعي للحياة.
- وكذلك ما يتعلق بعلاقة الوالدين والأبناء.
- إعطاء مزيدٍ من الاهتمام بين أفراد الأسرة، وتوطيد العلاقة بينهم.
- التقليل من استعمال وسائل التواصل الاجتماعي التي قيَّدت عقول الناس.
- التقليل من وجود الأطفال أمام الألعاب الإلكترونية، وتقنينها.
- مُشاركة الأسرة فيما بينهم في أعمالٍ منزليةٍ واجتماعيةٍ.
- تثقيف الأسرة بما يحميها ويُحافظ عليها دينًا ودُنيا من الغزو الثقافي.
الدكتور خالد: شكرًا لك أخي أبو صالح الطويرقي على ما قدَّمت.
الأخت نور حسن تقول: الحاجات: وُدٌّ، وتفاهمٌ، ومحبةٌ، واحترامٌ بين الوالدين؛ يتعلم منه الأبناء، ويتخذونه قدوةً، وعلاقة الوالدين مع بعضهما تنعكس سلبًا أو إيجابًا على أبنائهم بلا شكٍّ.
الأخت دنيا فاتح تقول: الوقت الكافي والمُناسب للتلاقي وتبادل الحديث.
الدكتور خالد: وهذه نقطةٌ مهمةٌ جدًّا، وقد أشار إليها مجموعةٌ من الإخوة والأخوات كما سيأتي معنا.
الأخ يونس أزداج يقول: لكي تكون التربية تربيةً جيدةً يجب على الآباء إشباع الجانب العاطفي.
الدكتور خالد: هذه ملاحظةٌ مهمةٌ جدًّا، والدراسات قاطبةً فيما أعلم دلَّت عليها.
الأخ يونس أزداج يقول أيضًا: لا بد من إشباع الجانب العاطفي لدى الأطفال؛ لكي يتم التفاعل بشكلٍ سليمٍ لديهم؛ لكون نفور الأطفال مما يُقال لهم من أجل مصلحتهم راجعًا إلى طريقة التواصل معهم بشكلٍ غير عقلانيٍّ، وعدم معرفة الوقت والمكان المناسبين، وكذلك يجب التواصل مع الأطفال ومعرفة مشاكلهم؛ لكي لا تنتج سلبياتٌ كثيرةٌ جدًّا، وأن يُخصص الأبوان وقتًا للنزهة والمتعة واللعب مع أطفالهم؛ من أجل تفريغ الطاقة السلبية، وغير ذلك.
الدكتور خالد: كلامٌ جميلٌ يُشكر عليه.
الأخ غمدان يقول: خشية الله، ومن ثَمَّ القدوة الحسنة، وكذلك تثقيف هذه الأسرة وتعليمها دينها؛ لأنه في هذا العصر كثرت الفتن والشبهات.
الدكتور خالد: شكرًا للأخ غمدان.
الأخت تيم تقول: حقًّا الأسرة الآن محتاجةٌ لأمٍّ صالحةٍ، فبانحلال دور الأم في مُستنقع العصرية الغربية.
الدكتور خالد: تقصد المادية.
والأخت تيم تقول أيضًا: صارت الأسرة مجرد جسدٍ بدون روحٍ، ولم تعد تلك النواة الأولى لبناء المجتمع كما كنا ندرس.
الدكتور خالد: يعني: هنا وصفٌ للواقع، وقد لا تكون الأخت الكريمة ذكرت الحل، لكنها أشارت إشارةً عامَّةً إلى أهمية التربية الصالحة، فركزت على قضية الأم الصالحة، وهذا بلا شكٍّ كما جاء في الحديث: تُنكح المرأة لأربعٍ، ثم قال : فاظفر بذات الدين تَرِبَتْ يداك[1]أخرجه البخاري (5090)، ومسلم (1466)..
الأخ محلد مس -أو كذا، الاسم غير واضحٍ- يقول: تربية الابن تربيةً حسنةً، ومده بتعليم الإسلام؛ ليكون سويًّا في حياته الخاصة والعامَّة، فبدون الأخلاق لا تتقدم الأسرة.
الدكتور خالد: فهو يُركز على قضية الأخلاق، وهذه إشارةٌ أيضًا مُبدعةٌ ورائعةٌ.
ويقول الأخ أيضًا: والمجتمع عامةً في هذه الأيام قد تفسَّخت أخلاقه، وذهب كل ما يُشير إلى نخوة العرب حتى قبل مجيء الإسلام من رجولةٍ ومروءةٍ، والرسول جاء ليُتمم مكارم الأخلاق.
الأخت سارة ملك تقول: أكثر ما تحتاج إليه الأسرة اليوم هو: الرجوع إلى الله، والسيرة النبوية القيمة.
الأخت سميرة علي تقول: نحتاج امرأةً مُحترمةً، مُتدينةً.
الدكتور خالد: وهذا أيضًا تركيزٌ على قضية الأم:
الأم مدرسةٌ إذا أعددتها | أعددت شعبًا طيِّب الأعراق[2]البيت لحافظ إبراهيم كما في "جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب" (2/ 249)، و"مجمع الحكم والأمثال في الشعر … Continue reading |
الأخت سميرة علي تقول: أمٌّ محترمةٌ، مُتدينةٌ؛ لتكون أمًّا صالحةً، وزوجةً صالحةً، تعرفُ كيف تُقدر زوجها وتحترمه؛ لأن طاعة الزوج من رضا الخالق ، ورجلٌ مُتدينٌ؛ ليكون أبًا صالحًا، وزوجًا صالحًا؛ إذا أحبَّ المرأة أكرمها، وإذا أكرمها لم يُهنها، بل ليُسرحها بإحسانٍ، والمال حتى لو كان متوسطًا ليس مهمًّا، فليس الغنى هو كل شيءٍ، فالغنى غنى النفس والدين.
الدكتور خالد: وهذه الإشارة جيدةٌ فيما يتعلق بأهمية وجود صفة الصلاح والخيرية والتدين في الزوجين.
الأخ إحسان يقول: أكثر ما أصبحت تُعاني منه الأسرة المسلمة في هذا الزمان هو: الانعدام التام للحوار بين الشريكين أو الوالدين، واللجوء إلى الصمت؛ مما يُؤدي إلى تراكماتٍ مع مرور الأيام، والفقدان التام للغة المناقشة واستماع كل طرفٍ إلى آراء ووجهات نظر الآخر؛ وهذا يضع الأُسر بأكملها -وخاصةً الأولاد- في نطاق العيش في دوَّامةٍ وصراعٍ وتفككٍ لمشاعر المودة التي تربط بين أفراد الأسرة.
الدكتور خالد: وهذه إشارةٌ مهمةٌ، وإن كنتُ أختلف مع الأخ إحسان في التعبير، حيث يقول: انعدامٌ تامٌّ للحوار! فأنا كنتُ في لقاءٍ تربويٍّ قريبٍ، وموجود على (اليوتيوب) بعنوان: "بين جيلين"، وكنتُ أتوقع أن الدراسة التي عملناها لأجل هذا اللقاء أن تكون نسبة الحوار بين الآباء والأبناء منخفضةً جدًّا جدًّا، ووجدنا أن القضية ليست كذلك، بل بالعكس كانت مُبَشِّرةً، وفيها جوانب مُتقدمةٌ؛ نظرًا للنُّضج والوعي بنتيجة ما يُطرح في قضايا الحوار وأهميته والدورات، وما شابه ذلك، لكن ما تحدثتَ عنه أخي الكريم مهمٌّ جدًّا بلا شكٍّ في قضية الحوار، مع الإشارة إلى ما أشرنا إليه.
الأخ أحمد مجبل يقول: النقطة الأولى: تربية الأبناء على تحمل المسؤولية، ومعاملتهم على أنهم كبارٌ، مع عدم إهمال جانب العطف الذي يحتاجه الطفل، وكل ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة.
الدكتور خالد: وهذه هي قضية الجانب العاطفي.
والأخ أحمد مجبل يقول أيضًا: النقطة الثانية: تحتاج الأسرة إلى أن تجعل وقتًا خاصًّا للقرآن الكريم: قراءةً، وتعلُّمًا، وتعليمًا، مع تفسير الآيات، والتعلم على كيفية التطبيق في شتى مجالات الحياة.
وأيضًا تمنح الأسرة وقتًا خاصًّا لقراءة السيرة النبوية، وتعلم ما فيها من مبادئ وقيمٍ وأخلاقٍ، ودمجها في الأسرة، وتحبيب جميع أفراد الأسرة بالقرآن الكريم، وسنة النبي محمد بالحكمة والموعظة الحسنة، والشيء المهم جدًّا هو التطبيق.
الدكتور خالد: وهذه إشارةٌ جيدةٌ، وهو جانب التعليم، ولا نبخل بذلك، ولا نقول: إنهم يدرسون في المدارس، وإنما لا بد للأسرة أن تقوم بدورٍ في هذا الجانب، وخاصةً في الأماكن التي يقلّ فيها التعليم الديني، أو مثلًا في المدارس الأجنبية: كالناس الذين هم في المهجر، أو ما شابه ذلك، والقضية المهمة التي أيضًا أشرت إليها هي التطبيق.
ويقول الأخ أحمد مجبل أيضًا: عندها -بإذن الله- سينشأ جيلٌ يتَّقي الله في شتى جوانب الحياة، مما يُؤدي -بإذن الله- إلى تقدم الأمة الإسلامية.
النقطة الثالثة والأخيرة من الاحتياجات: الاحترام بين جميع أفراد الأسرة، وتبادل الآراء.
الدكتور خالد: وهذه قضيةٌ قد أُشير إليها.
الأخت مريم تقول: حاجة الأسرة اليوم هي: أن تجعل مشروع الزواج مشروعًا للآخرة، يعني: أن يظل الآباء يُذكِّرون أبناءهم بالآخرة.
الدكتور خالد: وهذه لفتةٌ جميلةٌ.
وتقول: وألا يجعل امتحانات الدنيا أكبر همِّه، وحديث فمه، أي: الأب مع أبنائه، فبدلًا من أن يقول الأب لابنه: هل دخلت إلى المدرسة؟ يسأله أولًا: هل صلَّى؟ وهل قام بورده من القرآن؟ وهكذا.
وتقول: لا أقول: أن ينسى الدنيا وحظَّه فيها، ولكن المهم ألا يكون الهدف الأساسي هو الدنيا، بل الآخرة والفوز بالجنة ونعيمها، إن شاء الله.
الدكتور خالد: وهذه لفتةٌ جيدةٌ، وهي التربية على ما يتعلق بالدوافع الأُخروية، وربط الأجيال بالآخرة، ولا شك أن الحياة المادية تُنْهِك في هذا الجانب، وتُضْعِف التربية الإيمانية والتربية المتعلقة بالآخرة، فتنبغي العناية بهذا الأمر جدًّا؛ ولذلك ستكون من أولوياتنا في الدراسة والوظيفة هي قضية الآخرة.
وأنا أذكر في حلقةٍ قديمةٍ سابقةٍ أمًّا لبعض الزملاء أعرفهم، والقصة قديمةٌ لهم، كانت هذه الأم صالحةً، وما زالت، أسأل الله أن يُبارك في عمرها، وأن يمدَّها بالخير.
كانت هذه الأم من صلاحها تحرص على أبنائها في مُقتبل أعمارهم في قضية الصلاة، فكانت تُعاني مع بعضهم فيما يتعلق بصلاة الفجر، لكن كانت ذكيةً؛ لأن قلبها حيٌّ، وعندها همُّ الآخرة أكثر من همِّ الدنيا، فكانت تقول لمَن عنده إشكالٌ في الاستيقاظ لصلاة الفجر: إن لم تستيقظ حينما آتيك وأُوقظك لصلاة الفجر لن أُوقظك للوظيفة. وفعلًا طبَّقت هذه القضية، فوجد الابن أن القضية جادَّةٌ، فكان هذا أسلوبًا جميلًا رائعًا من الأم في تعديل سلوك أبنائها من خلال الربط بالآخرة، وتقديم همِّ الآخرة على همِّ الدنيا.
نجم الليل يقول: التفاهم فيما بينهم، والتراحم، والكبير يعطف على الصغير، والصغير يحترم الكبير، والأب والأم يتحملان مسؤوليتهما بثقةٍ وحزمٍ، وعدم السماح لـ"تسييب" الأبناء نهائيًّا -يعني: تركهم-، وعدم الانجرار وراء الانفتاح الأخلاقي الذي سيجنون نتائجه حين يكبر الأبناء وقد فات الأوان، وكلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته[3]أخرجه البخاري (5200)، ومسلم (1829)..
الدكتور خالد: شكرًا لك يا أخي.
كفى بالله يقول أو تقول: الأسرة اليوم تحتاج إلى التَّفقه في الدين.
الدكتور خالد: نعم.
يقول: أولًا: القرآن: قراءةً، وحفظًا، وتدبرًا، والقرآن سوف يُعلمهم كل شيءٍ.
الدكتور خالد: بلا شكٍّ كتاب الله مُنطلقٌ مهمٌّ جدًّا؛ ولذلك الدراسات التي عُملت على الطلاب الذين وُفِّقوا لحفظ كتاب الله من خلال حلقات تحفيظ القرآن أثبتت أنهم تميَّزوا فيما يتعلق بالمستوى اللغوي والعقلي الإيماني والاجتماعي، وهذا لا شك أنه أمرٌ مهمٌّ يحتاج أن نقف معه.
الأخ علي يقول: أهم شيءٍ أن أفراد الأسرة يستمع بعضهم لبعضٍ في مناقشة اهتماماتهم ومشاكلهم اليومية، وهذا من واجب الوالدين: أن يُعلِّموا أبناءهم أسلوب التحاور الأُسري.
الدكتور خالد: وهذا تأكيدٌ على الحوار الأُسري وأهميته كحاجةٍ مُلحَّةٍ في هذا الزمن، ونقول: إنها مُلحَّةٌ أيها الإخوة والأخوات لأن وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت فرصًا كبيرةً للحوار، فإذا فقدها الابن في الأسرة سيذهب إليها في وسائل التواصل الاجتماعي.
ولعل هذه مناسبةٌ جيدةٌ حينما نقف مع وسائل التواصل الاجتماعي، وتكون مُداخلتنا مع الأستاذة الكريمة: نورة بنت مُسفر القرني، (ماجستير) في التوجيه والإرشاد التربوي، وباحثة تربوية مُهتمة بقضية وسائل التواصل الاجتماعي والتقنية.
وسائل التواصل الاجتماعي وسُبل مُواجهتها
المحاور: مرحبًا بكِ أخت نورة.
المتصلة: حيَّاكم الله.
المحاور: أعزَّكم الله، وبارك الله فيكم، نحن نتحدث عن "حاجات الأسرة بين الفرص والتحديات"، لو أسمعتُمونا ما عندكم حول هذا الموضوع مشكورين ومأجورين.
المتصلة:
بسم الله الرحمن الرحيم
في نظري الأسرة اليوم تحتاج بشدةٍ إلى إعادة التواصل بينها، خاصةً مَن كانوا تحت سقفٍ واحدٍ، فالتقنية سرقت الكبير قبل الصغير، وإعادة التواصل يكون مثلًا بتحديد أوقاتٍ عائليةٍ بدون استخدام أجهزةٍ إلكترونيةٍ.
يعني مثلًا: في الجلسة العائلية لا جوَّال، ولا (تليفون)، ولا هاتف، وإنما فقط كلامٌ، ويمكن ألعاب وألغاز بدون نقدٍ وعتابٍ ولومٍ، أو نصائح وتوجيهات من المُربين أو الوالدين.
طبعًا في البداية الأبناء قد يتذمَّرون -خاصةً مَن وصل إلى الإدمان الإلكتروني- من هذه الجلسات الخالية من الأجهزة الإلكترونية، لكن مع حزم الوالدين وجذبهم بالود والحب -بإذن الله- يحصل المقصود.
أيضًا التواصل الأُسري يفيد طبعًا الطرفين:
بالنسبة للمُربين: تكون قُدرتهم أكبر على التأثير والإقناع وغرس القيم والمبادئ الأخلاقية في ظل هذا الانفتاح الإعلامي.
وبالنسبة للأبناء: يجدون ملجأً بعد الله يُنقذهم من المشكلات التي تُواجههم أثناء استخدام الأجهزة الذكية وتصفح (الإنترنت)، فيستطيعون الإفصاح والتحدث عن هذه المشاكل.
وطبعًا هناك ما يُخفيه الأبناء عن أهلهم: إما خوفًا من الأهل، أو خجلًا منهم، أو عدم ثقةٍ، وهذا طبعًا من واقع التعامل مع الفتيات، وكذلك من الدراسات التي اطلعتُ عليها.
وأيضًا تحتاج الأسرة إلى الاطلاع على مخاطر وسلبيات التقنية؛ لمُواجهتها والتصدي لها وتقليلها قدر الإمكان، وأيضًا لمعرفة حلِّها في حال وقوع مشكلةٍ -لا سمح الله-، يقول الشاعر:
عرفتُ الشرَّ لا للشرِّ ولكن لتوقِّيه | ومَن لا يعرف الشرَّ من الخير يقع فيه[4]"ديوان أبي فراس الحمداني" (ص387). |
فهناك التَّنمر والابتزاز الإلكتروني، وهناك إدمانٌ إلكترونيٌّ، وهناك مشاكل صحية ونفسية واجتماعية، وآلام في الرقبة، وضعف النظر، واكتئاب وعُزلة اجتماعية، وانطواء، فكل هذه تُصيب حتى الأطفال، مع إدمانهم على الأجهزة الإلكترونية التي تُصيب الأطفال قبل الكبار.
المحاور: عفوًا أستاذة نورة، أنتم الآن تركيزكم على قضية التقنية، فمن الواضح أنكم تجدون أن هذه عقبةٌ فيما يتعلق بقضية التواصل الأُسري.
المتصلة: صحيحٌ، فأصبح التواصل داخل الأسرة كلٌّ على جهازه، فالوالدان أنفسهما مُدمنان إلا مَن رحم الله، والأبناء مُدمنون، فالتواصل بينهم ضعف وقلَّ، وبالتالي هناك مشاكل كبيرةٌ، فالأطفال -مثلًا- بحكم تعاملي معهم تُواجههم مشكلاتٌ: إما في أثناء تعاملهم في (الإنترنت) مع الغرباء، والإدمان والعُزلة الاجتماعية، فكل هذه مشاكل تُصيب الأطفال.
فمع جذب الوالدين لإعادة التواصل الأُسري بدون استخدام أجهزةٍ يُعينهم -بإذن الله- على التأثير والإقناع وغرس القيم والمبادئ الأخلاقية.
فأرى أن الحاجة كبيرةٌ إلى إعادة التواصل الأسري بدون تقنيةٍ، وتحديد وقتٍ معينٍ بدون استخدام أجهزةٍ، يمكن أن يكون -مثلًا- يومًا في الأسبوع بدون أجهزةٍ، أو ساعةً في اليوم، والجميع -الكبار والصغار- يكونون بدون أجهزةٍ؛ لإعادة الحوار بينهم.
وطبعًا هذا الوقت يكون بدون لومٍ أو عتابٍ، ويكون بودٍّ وحبٍّ وجلسة حوارٍ، وما شابه ذلك.
المحاور: يعني: لأجل إيجاد جانب العلاقات الحميمية والدافئة بين أفراد الأسرة.
المتصلة: نعم.
المحاور: إذن هذا الأمر الذي تُشيرون إليه هو من أكبر الحاجات بحكم مجال اهتمامكم، يعني: ما يتعلق بقضية التقنية، وخاصةً في مرحلة الطفولة، وأن تُعقد الاجتماعات المُقننة من غير وسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة الخاصة بهذا الجانب.
المتصلة: صحيحٌ.
المحاور: تجدون أن هذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا اليوم؟
المتصلة: مهمةٌ جدًّا، وهذا ما ألمسه من الفتيات، أو من الدراسات التي أطلع عليها، حتى الكبار أنفسهم يشتكون من هذا الأمر، ويسألون: كيف نُقنن استخدام الأبناء للأجهزة؟ وكيف نُكرِّههم في الأجهزة؟ وكيف نُبعدهم عنها؟
المحاور: إذن أصبحت عند البعض عبارةً عن جانبٍ عدائيٍّ، ويُحدثني أحد الآباء يقول: ابني الصغير الذي عمره خمس سنوات يقول لي: اترك الجوَّال يا والدي. كأنه ينظر إلى الجوَّال على أنه عدوٌّ له؛ لأنه يعرف أن أباه إذا حمل الجوَّال ينفك عن الأسرة، ولا يستمع إلى الطفل، ولا يلعب معه، وما شابه ذلك، فأصبح الطفل على صِغره يُدرك أن هذا الجهاز ما هو إلا عدو للتواصل والتماسك الأُسري.
المتصلة: صحيحٌ.
المحاور: هل هناك شيءٌ آخر، حفظكم الله؟
المتصلة: لا، شكرًا جزيلًا، والحاجة كبيرةٌ إلى إعادة العلاقات الدافئة الحميمية في الأسرة؛ لمواجهة المشكلات.
المحاور: طيب، أنتم كأنكم ركزتم على قضية الجانب المتعلق بالجانب الكمي المُرتبط بالوقت كمثالٍ، ولكن نريد أن نستفيد أيضًا من الجانب الآخر المُرتبط بالإجابة عن السؤال، وهو: أهم احتياجات الأسرة فيما يرتبط بالجانب الآخر الكيفي أو المضموني، فهل لكم لفتةٌ في هذا؟
المتصلة: جميلٌ.
بالنسبة للجانب الكيفي: طبعًا البعض يُركز على الجانب الكمِّي، فمثلًا: بعض الأُسر تُقنن استخدام الأجهزة، طوال الأسبوع بدون أجهزةٍ، يعني مثلًا: هذا الأسبوع: الخميس والجمعة والسبت الجهاز بيد الطفل، أو بيد الابن بشكلٍ مفتوحٍ، وهذا التقنين كمِّي، لكن بشكلٍ كيفيٍّ من المُفترض بالنسبة للأطفال أن تكون هناك فلترةٌ للبرامج الخبيثة، أو المواقع الإباحية، وأيضًا تعزيز الرقابة الذاتية، وتعزيز القيم الأخلاقية، وتعزيز أن الله مُطَّلعٌ على الطفل.
المحاور: أيها الأستاذة الكريمة، هل يحتاج الطفل إلى أن يكون بين يديه جوَّالٌ من أرقى الجوَّالات؟ وأن يكون بين يديه (آيباد) يتواصل من خلاله مباشرةً مع (الإنترنت)، فيدخل على (اليوتيوب)، ويذهب ذات اليمين، وذات الشمال؟ هل الطفل بحاجةٍ إلى ذلك؟
المتصلة: لا، أنا من وجهة نظري، وهي قناعةٌ وصلتُ إليها مُؤخرًا: أن الطفل قبل سبع سنوات المُفترض ألا يكون عنده أي جهازٍ إلكترونيٍّ، يمكن أن يُشاهد التلفاز من ساعةٍ إلى ساعتين في اليوم، هذا قبل سن المدرسة، وبعد سن المدرسة مثلًا يتعلم برامج (الأوفيس)، ويتعلم البرمجة وشيئًا مفيدًا، ويمكن أن يلعب ألعابًا تعليميةً وأشياء مُفيدةً.
وأما (اليوتيوب) فالمفروض أن يُحذف تمامًا، وتُحْجَب أي وسيلةٍ تُوصل الطفل إلى (اليوتيوب)؛ فمخاطره عظيمةٌ جدًّا، فالكبار تجذبهم التقنية، فما بالك بالأطفال؟! خاصةً أن الطفولة -مثلًا- من خصائصها.
المحاور: التقليد والمُحاكاة.
المتصلة: التقليد، وأيضًا الاستكشاف.
المحاور: صحيحٌ.
المتصلة: فمن خصائص مرحلة الطفولة: الاستكشاف، والتقنية مُثيرةٌ ومُغريةٌ، والطفل من خصائصه: الاستكشاف، يعني: يمكن -مثلًا- أن يتم فتح (يوتيوب) قرآن، وبعد خمس دقائق يكون الطفل في صفحةٍ ثانيةٍ وموقعٍ ثانٍ.
المحاور: صحيحٌ، والحقيقة أننا وجدنا هذا الأمر من خلال الاستشارات أيضًا، وأنه ينبغي عدم تمكين الأطفال خاصةً من الدخول إلى (الإنترنت) عمومًا؛ فهم لا يحتاجون إلى ذلك بحيث يُتاح لهم (اليوتيوب) وغيره، وإنما نقوم باختيار المواد المناسبة من الألعاب وغيرها، ونضعها على سطح مكتب (الآيباد)، ويستطيع هو أن يدخل؛ لأنه ليس له اتصالٌ (بالإنترنت)، فعندئذٍ المادة التي تُوجهه ويحتاج إليها نزَّلناها على (آيباد)، ويتعامل معها، وتنتهي القضية بالنسبة للأطفال.
ولو كانت هناك مادةٌ موجودةٌ في (الإنترنت) ويحتاج أن يراها، يكون هذا تحت إشرافي من خلال جوَّالي أنا مُباشرةً، وأنا الذي أدخل دون أن يرى ويحتاج إلى أن يطلع؛ لأن قضية التقليد عنده شديدةٌ جدًّا، فأُعطيه المادة ينظر إليها، وأكون معه، وأُوجهه فيما يتعلق باختيار هذه المادة وفوائدها، ثم بعد ذلك تنتهي القضية، فهل تُوافقون على هذا الاتجاه؟
المتصلة: جميلٌ، لكن هناك مشاكل أيضًا تظهر للأُسر من تأثير الأصدقاء، خاصةً في فترة عشر سنوات، وإحدى عشرة سنة، واثنتي عشرة سنة فما أعلى، فالألعاب الإلكترونية يكون فيها تأثير الأصدقاء على الأبناء، ويكون فيها ضغطٌ من الأبناء على الآباء.
وبالنسبة للألعاب الإلكترونية هناك مواقع -مثلًا- يتم الاتفاق بين الأهل والابن: إن الموقع هو الذي يُحدد هل هذه اللعبة صالحةٌ لتلعبها أو لا؟ فهنا يكون هذا الموقع هو الحكم في هذا الموضوع، وبالتالي يلعبها أو لا.
وأيضًا هناك -مثلًا- بعض الأُسر تقول: إن طفلي ما عنده جهازٌ، سيحس بالنقص إذا ذهب إلى أماكن أخرى ووجد الأطفال كلهم عندهم أجهزة، فهذه تُواجهني كثيرًا، وهم لا يعرفون المشاكل التي تُواجههم.
المحاور: صحيحٌ.
المتصلة: ولو عرفوها أتوقع -والله أعلم- أنهم سيُفكرون كثيرًا: هل يُعطون الطفل هذا الشيء أو لا؟ وهل يُعطونه الجهاز أو لا؟ وهل يُعطونه جهازًا مفتوحًا بـ(الإنترنت)؟
وبعض الأمهات -مثلًا- طفلتها أو بنتها أو ولدها ما عنده جهازٌ، لكن تُسلمه جهازها، وجهازها فيه (اليوتيوب) و(الإنترنت) مفتوحان، وكل حاجةٍ مفتوحةٌ، فهي قنَّنت من جهةٍ، ولكن من جهةٍ ثانيةٍ فتحت الجهاز على مِصْرَاعيه.
والأطفال عندهم حِيَلٌ ذكيةٌ، يعني: في البرامج التي أُقيمها يذكرون لي كيف يُلغون الصفحات فور دخول أحد الكبار عليهم؟ يعني مثلًا: الأطفال أنفسهم إذا دخل عليهم أحدٌ -سواءٌ كان كبيرًا أو صغيرًا- يُلغون الصفحة مباشرةً.
المحاور: إذن هذا أستاذة نورة يُعزز قضية ألا نجعل بين أيدي أطفالنا ما يتعلق بالوسيلة التي تكون متَّصلةً مباشرةً (بالإنترنت).
حقيقةً أشكركم شكرًا جزيلًا، وإن كنا نُحملكم أيضًا مزيدًا من المسؤولية -جزاكم الله خيرًا- لكونكم تهتمون بهذا الجانب: إعطاء الأُسر، والإعلان من خلال مواقعكم واهتماماتكم ودوراتكم إلى المواقع المفيدة النافعة، خاصةً ما يتعلق بالألعاب الإلكترونية بالنسبة لمرحلة الطفولة، وكثيرًا ما نُسأل نحن عن هذه المواقع النظيفة، والأُسر تحتاج فعلًا إلى مَن يُعينها على ذلك.
شكرًا لكم أستاذة نورة، وبارك الله فيكم.
المتصلة: جزاكم الله خيرًا، وشكرًا جزيلًا.
المحاور: بارك الله فيكم.
كانت معنا الأستاذة نورة القرني، الأخصائية في مجال التوجيه والإرشاد النفسي، والمُهتمة بشؤون التربية.
أيها الإخوة والأخوات، دعونا نخرج إلى فاصلٍ ونواصل معكم -بإذن الله-، فكونوا معنا.
الفاصل:
خلق الله الإنسان مدنيًّا بطبعه، يَألف ويُؤلَف، وتكوُّن العلاقات بين الناس يترتب عليه تأثير بعضهم ببعضٍ؛ لذا قالوا: الصاحب ساحب، ومَن جالس جانس وصار من جنس صاحبه، وقديمًا قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسَلْ عن قرينه | فكل قرينٍ بالمُقارن يقتدي |
وكثيرًا ما تدور في أذهان المُربين المُخلصين مجموعةٌ من الأسئلة المتعلقة بأسئلة: الولد مع مَن يمشي يا تُرى؟ مَن هو صاحبه؟ مَن هو جليسه؟ ماذا يفعلون الآن؟ في أي شيءٍ يشتركون؟
فقد ينشأ الولد بارًّا، طائعًا، حسن الخُلُق، فينقلب على إثر الصُّحبة والعلاقات عاقًّا، عاصيًا، سيِّئ الطبع، فاحش اللسان؛ لذا كان لزامًا على المُربي أن يتفحص علاقات أبنائه وبناته، وألا يغفل عنها بحالٍ، وأن يُؤسس في نفوس أبنائه معنى العلاقة، وعلى أي أساسٍ تقوم، وكيف يختارون أصدقاءهم؟
فليست القضية مجرد إِلْفٍ وصُحْبَةٍ، وإنما القضية دينٌ وإيمانٌ عليها تنعقد المصائر يوم القيامة، فكل العلاقات والصدقات والزمالات الناشئة في الدنيا ستنقلب إلى عداواتٍ في الآخرة إلا ما كان منها مبنيًّا على تقوى من الله ورضوانٍ، قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67].
فإذا رأى المُربي صُحبة خيرٍ دلَّ عليها، وشجَّعها، ورعاها، ودفعها إلى الطاعة، وإذا رأى صُحبة شرٍّ حذَّر منها، وبيَّن لأولاده سُوء عواقبها، وقُبح نتائجها، وذلك كله من طرفٍ خفيٍّ؛ لئلا يشعر الولد أنه مُساقٌ لا رأي له ولا اختيار.
فإذا لاحظ المُربي اتِّجاه الأبناء والبنات نحو تكوين صداقاتٍ عبر وسائل التواصل الحديثة، فمن الحسن توجيه هذه العلاقات بالدعوة إلى الله، والتواصي بالحق والصبر، والتَّزود من المعرفة واكتساب المهارات الجميلة، ونشر العلم النافع: كرفع مقالٍ جميلٍ، وتشجيع كاتبٍ مُتميزٍ، وغير ذلك، فإن: مَن دلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله.
الدكتور خالد: حيَّاكم الله أيها الإخوة والأخوات، ونُكمل معكم بعد هذه المُداخلة الكريمة من الأستاذة نورة القرني التي خصَّصتها حول قضية الحاجات التي تحتاجها الأسرة، وهو ما يتعلق بأهمية المُحافظة على التواصل الأُسري من خلال التعامل بالطريقة الصحيحة -وخاصةً مرحلة الطفولة- من حيث الجانب الكمِّي والوقتي، ومن حيث الجانب الكيفي والمضموني.
متابعة الإجابات عن السؤال التفاعلي
أبو محمد إسلام يقول في الإجابة عن السؤال التفاعلي: هو التواصل فيما بينها -أي: الأسرة- بالمودة والرحمة، واحترام تعاليمها، وتعلم دينها، وتربية الأبناء على توحيد الله، ومعرفة معناها -أي: الشهادة-، وحب رسول الله وأصحابه، وعلى القناعة في هذه الدنيا والنَّجاة منها، والفوز بالجنة.
الدكتور خالد: شكرًا لك أخي الكريم.
الأستاذ يحيى أحمد يقول: يا مسلمون، عودوا إلى دينكم وأخلاقه الفاضلة، إنما أنتم بدينكم وأخلاقه، كما يقول الشاعر:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت | فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا[5]البيت لشوقي كما في "شعر شوقي في ميزان النقد" (ص85)، ولم نجده في ديوانه. |
الدكتور خالد: نعم، وهذا تأكيدٌ على قضية الأخلاق، وحاجة الأُسر إلى المجال الأخلاقي والتربية عليه.
خطورة التحدي الفكري وكيفية مُواجهته
دعونا أيضًا نأخذ مُداخلةً ثانيةً للدكتورة: لمياء عبدالرحيم قاضي، مُستشارة مُعتمدة في الحوار الأُسري، والمُشرفة العامَّة على مركز "لميس" للاستشارات التربوية والتعليمية، والمُشرفة على مدارس "اقرأ" العربية، والمُشرفة بالتدريب كمُدربٍ مُعتمدٍ بإدارة التطوير المهني بتعليم منطقة عسير بأبهى، ودكتوراة في الفلسفة التربوية، وإدارة وإشراف تربوي.
مرحبًا بكم دكتورة لمياء.
المتصلة: حيَّاك الله، وأهلًا وسهلًا.
المحاور: حيَّاكم الله، وشاكرين لكم استجابتكم للمُداخلة، فتفضلوا في الحديث حول "حاجات الأسرة بين الفرص والتحديات"، فما هي أهم الحاجات من وجهة نظركم كمُختصين؟ بارك الله فيكم.
المتصلة: الله يُعطيكم العافية، وأشكر لكم قبول ذلك، وثقتكم فينا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
أما بعد: فأنا أرى أن الأسرة في المجتمع تُواجه تحدياتٍ ثقافيةً متعددةً ومُتداخلةً تؤثر في منظومة القيم الأخلاقية، فهناك تحدياتٌ كثيرةٌ، فهناك تحدٍّ ثقافيٌّ وتقليدٌ أعمى، وتحدٍّ اجتماعيٌّ وإعلاميٌّ وفكريٌّ واقتصاديٌّ.
وأعظم التحديات من وجهة نظري التي تُواجهنا فعلًا وتُواجه وطننا قاطبةً هو التحدي الفكري؛ لأن العولمة أثَّرت بشتى صورها وأحدثت تغييرًا جذريًّا في أنماط التفكير، وهذا التأثير إذا تغيَّر تغيَّرت معه القيم ومنظومة الأخلاق كلها.
المحاور: صحيحٌ.
المتصلة: ولذلك الأسرة هي اللَّبنة الأساسية، فمن أهم الحاجات الأسرية التي أراها بين الفرص والتحديات هي الأسرة، فهي تُعتبر لبنة الأساس، والنَّواة الأولى لصرح المجتمع نفسه، فتُعدّ خليةً اجتماعيةً لها وظائفها المُتباينة عن طريق العلاقات والتواصل.
ولذلك أنا أرى أن الأسرة تلعب دورًا كبيرًا في ترسيخ ذلك الأمن الفكري والحصانة الفكرية من خلال ثلاث محاور رئيسة، ولو اهتمَّت كل أسرةٍ بهذه المحاور الثلاث فعلًا ستكون قد عملت حصانةً فكريةً وعقديةً لأبنائها.
المحاور: ما هي؟
المتصلة: أولًا: مرحلة الوقاية من الانحراف الفكري: وهذه تبدأ في البداية بزرع القيم في الصِّغَر.
ثانيًا: مرحلة المناقشة والحوار: فنُعطي مجالًا للمناقشة والحوار، فالله قد أعطى لإبليس فرصة أن يُحاوره، فنفتح باب الحوار، وسياسة الباب المفتوح مع أبنائنا؛ حتى لا يتوجهوا إلى أُسَرٍ بديلةٍ، وأصحابٍ آخرين، أو يتأثروا بالتواصل الاجتماعي.
المرحلة الثالثة: مرحلة التقييم والعلاج.
وهذه المراحل الثلاث مُتداخلةٌ مع بعضها، وكل مرحلةٍ قد تكون في الصِّغر، أو في المُراهقة، أو في الكبر؛ ولكنها لا تستغني عن بعضها البعض، وخاصةً في ظل هذه العولمة التي نعيش فيها، والتواصل الاجتماعي، فنحن بحاجةٍ ماسَّةٍ فعلًا إلى أن نُواجهها بأساليب قويةٍ ورؤيةٍ استراتيجيةٍ.
المحاور: عفوًا دكتورة، أنتم أشرتم إلى المرحلة الوقائية والعلاجية، فهل المرحلة البنائية يمكن أن نُدخلها في الجانب الثاني؟
المتصلة: المرحلة الوقائية تدخل في الجانب البنائي، مثل: البرامج التي تُعنى بالتثقيف، فلا بد من وجود أشياء تُبين مساوئ ومحاسن ما يُعرض من ثقافات الأمم.
المحاور: يعني: أي مشروعٍ وبرنامجٍ بنائيٍّ هو في الحقيقة سيكون وقائيًّا بلا شكٍّ في ذلك.
المتصلة: كل مشروعٍ بنائيٍّ يُعتبر وقائيًّا.
المحاور: الحقيقة يا دكتورة كانت لنا قبل ثلاثة أسابيع تقريبًا حلقةٌ على الهواء مُباشرةً مع الأستاذ عبدالله العجيري، مشرف مركز "تكوين"، والمشرف على برنامج "صناعة المـحاور"، وكان اللقاء عن التربية الفكرية، فتمكن العودة إلى الحلقة كاملةً فيما يرتبط بالتربية الفكرية، تفضلوا، الله يحفظكم.
المتصلة: وأخيرًا في أكثر الأشياء يشعر الواحد أنه لم يأخذ بالأسباب والطرق المتعددة المتنوعة التي تتناسب مع هذا العصر، لكن صراحةً لا نُغفل الدعاء، فالدعاء هو أعظم شيءٍ: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74]، فإبراهيم قدوتنا في ذلك، فكيف دعا لولده وزوجته في مكة؟ فلا يوجد مثل الدعاء، فيجتهد الواحد في الدعاء، ويتحرى أوقات الإجابة لصلاح أبنائنا وبناتنا، وأن يُوفقهم الله لخدمة أنفسهم ودينهم ووطنهم، وهكذا، فنحن بحاجةٍ إلى الاستعانة بالله مهما أخذنا من مهاراتٍ وأشياء: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5].
المحاور: أحسنتم.
المتصلة: أيضًا أُلاحظ أن هناك أشياء مهمة جدًّا، وهي: أن نُبين مساوئ الشخصية الانهزامية، يعني: لا تُقلد كل ما ترى دون تمحيصٍ، لا بد أن نُبين لهم هُويتهم الشخصية، ويُعطون الثقة، وهذا لا يتم إلا عن طريق الحوار والمناقشة، وتعزيز الثقة، والقدرة على النقد البَنَّاء، فلا تصير عندهم شخصيةٌ تتبع كل شيءٍ، وإنما ترى ما يُناسبها فقط.
ونُكثف من دراسة السيرة، وإخراج ما فيها من كنوزٍ، وعرضها على الأسرة والمجتمع بصورةٍ مُشوقةٍ، لا بصورةٍ تقليديةٍ، وإنما بصورة ورش عملٍ، وألعابٍ تدريبيةٍ، وطرقٍ مُشوقةٍ، وقصصٍ مُؤثرةٍ، يعني: نضرب على الحديد وهو ساخنٌ في المواقف التعليمية عن طريق هذه الأشياء، فحين نُكثف دراسة السيرة ونُبين ما فيها من كنوزٍ؛ صدقني ستُعطي -إن شاء الله- لأبنائنا الثقة والقدرة على المواجهة مهما كانت الأمور؛ فيستطيع الابن أن يُفرِّق بين الصالح والطالح، وبين الخير والشر، وطبعًا سنحتاج لاستراتيجيةٍ مناسبةٍ، وتكثيف الجهود من قِبَل التعليم والأسرة.
ومعظم الفساد الذي جاءنا والأشياء التي وقعت على أبنائنا في الفكر، سواء كان فكرًا انحرافيًّا، أو إرهابيًّا، أو ما كان من هذا القبيل؛ كله جاء عن طريق التواصل الاجتماعي، وأساليب التقنية الجذَّابة في عرض الأمور بطريقةٍ ملموسةٍ؛ حتى أصبح الإيمان بالغيب مفقودًا، وكل شيءٍ محسوسٍ أمامهم هو الذي يُؤمنون به فقط!
فلا بد أن نُركز أيضًا على الجانب الغيبي بطريقةٍ مُشوقةٍ، ونُرجعهم إلى هذه الفطرة التي أنشأنا الله عليها، فكل مولودٍ يُولد على الفطرة.
فأتمنى أن نحاول تكثيف تلك الجهود، والدعاء، والتنسيق بين الأجهزة الأمنية، وتعزيز التعاون مع كل الجهات، ومثل قناتكم -ما شاء الله- ما قصَّرت في هذا المجال، الله يُعطيكم العافية ويحفظكم.
المحاور: شكرًا دكتورة لمياء.
كانت معنا دكتورة لمياء قاضي، المُختصة في فلسفة التربية، وإدارة وإشراف تربوي، وقد أكَّدت على مجموعةٍ من القضايا المتعلقة بالمرحلة الوقائية البنائية والعلاجية، وأكَّدت على الحوار والنِّقاش، وكانت لها لفتةٌ مهمةٌ جدًّا حول الدعاء، وأشارت إلى ما يتعلق بالهوية، وأثر تعلم السيرة النبوية في استخراج ما يربطنا بهذه الهوية؛ حتى يستطيع أن يُميز الجيلُ بين الحق والباطل، والصالح والطالح.
وأشارت إلى معنًى مهمٍّ في الحقيقة فقالت: مهما كانت لدى الإنسان من مهاراتٍ سيبقى أن الركن الشديد الذي نحن بأمس الحاجة إليه هو: أن نلجأ إلى الله .
وكان أحد المُربين مع أنه مُثقَّفٌ، ولديه فهمٌ وذكاءٌ واهتمامٌ وعنايةٌ ورعايةٌ وتجارب ... إلى آخره يقول: تنتهي بي السُّبُل تمامًا، وسبحان الله! حينما ألجأ إلى الله تنفك هذه العُقد التي نعيشها، فيكون الفرج من الله .
أهمية الاجتماع الأُسري
طيب، معنا اتِّصالٌ من الأخ بندر من السعودية.
حيَّاك الله يا أخ بندر.
المتصل: بارك الله فيكم، بارك الله في برنامجكم.
المحاور: يا مرحبًا، وبارك الله فيك، تفضل يا حبيبي.
المتصل: بصراحةٍ أنا أحببتُ أن أُشارك معكم في برنامجكم الجميل، وأتمنى من الله أن يُبارك لكم، ويكتب لكم الأجر أنت وكل القائمين على هذه القناة.
المحاور: شكرًا لك حبيبي مُشاركتك، الله يجزيك خيرًا.
المتصل: من منظوري الشخصي أن من احتياجات الأسرة: التواصل، واجتماعها على أساسيات الدين.
المحاور: يا سلام!
المتصل: في بناء اليوم لا بد قدر المُستطاع من الاجتماع للولائم اليومية، فهذا احتياجٌ أساسيٌّ في بناء البنية والعلم.
المحاور: تقصد الوجبات؟
المتصل: نعم؛ لأن هذا يُعينهم على الطاعة أساسًا.
المحاور: أنت كم عمرك بارك الله فيك؟
المتصل: خمسٌ وثلاثون سنةً.
المحاور: مُتزوج؟
المتصل: عجيبٌ هذا السؤال!
المحاور: أنا أريد أن أرى خبرتك، جزاك الله خيرًا.
المتصل: الله يُبارك فيك.
المحاور: متزوجٌ وعندك أسرةٌ؟
المتصل: نعم، أستاذي.
المحاور: كيف واقع التواصل بين أفراد أسرتك يا شيخ؟
المتصل: والله عندنا يقولون: مادح نفسه كذَّابٌ.
المحاور: لا، أنا سألتك لأجل أن نستفيد من تجربتك.
المتصل: الله يبارك فيك، تجربتي أني سعيدٌ جدًّا بكل جوانب حياتي، الحمد لله، وسعيدٌ بعطايا الرحمن بجميع الجوانب.
المحاور: جميلٌ، لكن أنا أتحدث في موضوع حاجات الأسرة التي أنت أشرتَ إليها في التواصل وغيره، كيف واقعك في التواصل مع أبنائك وأُسرتك، الله يحفظك؟
المتصل: أنا مع التزاماتي ومسؤولياتي خارج البيت إلا أني أُشارك أهلي في داخل البيت قدر المُستطاع في كل الأساسيات.
المحاور: تفتح لهم مجال الحوار والنقاش كما أشارت الدكتورة قبل قليلٍ؟
المتصل: أكيد، هذا من المُتطلبات، لو أنا قفلتُ هذا الباب خسرتهم.
المحاور: صحيحٌ، وهل وجدتَ من خلال الحوار والنقاش أن رأي الأبناء أو الزوجة كان أفضل من رأيك؟
المتصل: سبحان الله! النبي يقول: رُويدك سَوقًا بالقوارير[6]أخرجه البخاري (6149)، ومسلم (2323).، وهذا من باب أولى، فكلامنا كلام بشرٍ، لا منهجًا مُنَزَّلًا.
المحاور: جميلٌ، الله يُعزُّك، أنت نازلٌ لنا من السماء يا أستاذ بندر، أسأل الله أن يُسعدك مع أُسرتك، ويُبارك فيك، وهذا نموذجٌ جيدٌ.
المتصل: وفَّقكم الله.
المحاور: كان معنا الأستاذ بندر، شكرًا له على هذه الإضافة الطيبة.
متابعة قراءة إجابات السؤال التفاعلي
الأخ جمال عرف يقول في السؤال التفاعلي: أن تقوم الأسرة على عبادة الله، وأن تكون صادقةً فيما بينها، وألا ندع الخلافات تكبر، وألا نُثير المشاكل أمام أبنائنا؛ لأن هذا سيُعيقهم في حياتهم.
الدكتور خالد: هذا فيه إشارةٌ جيدةٌ إلى أنه ينبغي أن يُهتم بقضية تحجيم المشكلات، وعدم إثارة هذه القضايا، وهذا لا شكَّ أنه يلزم منه -بعد توفيق الله كما أشارت أيضًا الأخت الدكتورة- ما يتعلق بمهارات تعديل السلوك، وإن شاء الله ستكون لنا لقاءاتٌ في المستقبل حول هذه القضية فيما يتعلق بمهارات تعديل السلوك.
سالم يقول: تحتاج الأسرة الحب والاحترام من الزوجين، واحترام رأي الآخر من الطرفين، وحب الأولاد، والتربية الحسنة لهم.
أبو معاوية يقول: تربية الأبناء تربيةً دينيةً إسلاميةً على ما حثَّ عليه الله جلَّ وعلا ورسوله ، والدعاء لهم.
الدكتور خالد: وهذا تأكيدٌ على ما أشار إليه الأستاذ بندر في اتصاله وهو أهمية التربية على الدين، والدعاء للأبناء.
وفرقٌ كبيرٌ بين هذا وبين الدعاء عليهم، ومشكلتنا أننا حينما لا نضبط انفعالاتنا نقع في الفخ في هذا الجانب.
رانيا لميس تقول إجابةً عن السؤال: مسؤولية الرجل في تربية الأولاد، والمرأة لا تقدر وحدها، فالجميع مسؤولٌ أمام الله.
الدكتور خالد: وهذه إشارةٌ مهمةٌ، فأحيانًا يَتَخلَّى الأب عن مسؤوليته، وتتحملها المرأة إضافةً لما عليها من مسؤوليةٍ، مع أن المرأة بلا شكٍّ هي أساسٌ في التربية، لكن أيضًا الأب ينبغي ألا يَتَخلَّى عن مسؤوليته؛ فتكون القضية حملًا ثقيلًا على المرأة، وعلى قُدرتها وطاقتها.
الأخ مروان العاقل يقول: التربية، والوازع الديني، والتحاور، والتعاون، والعطف، والحنان، كل هذا تحتاجه العائلة.
الدكتور خالد: لا شك أن هذه إشارةٌ إلى إشباع الجانب العاطفي وما يتعلق بالقضايا الوجدانية، وأنها الجانب الأميز في التأثير، وقد أشرنا إليها كثيرًا.
واثقةٌ بكرم الله تقول إجابةً عن السؤال التفاعلي: حفظ الحقوق والواجبات، والاحترام، والمودة، والرحمة، والتسامح.
محمد بدر: يُؤكد على الأخلاق.
الدكتور خالد: وهذا أيضًا عودٌ إلى بعض ما ذكره بعض الأحبَّة.
الأخ مسعود فالح يقول: التفاهم فيما بينهم، وتبجيل المصلحة العامَّة للأسرة على المصلحة الخاصَّة.
الدكتور خالد: وهذه عبارةٌ جميلةٌ: "تبجيل"، وهي تأكيدٌ على ما أشار إليه الأخ بندر؛ لأنني سألتُه: هل يمكن أن تكون اتَّخذتَ قرارًا في الأسرة وأنت تتحاور مع أُسرتك وزوجتك وأبنائك غير الذي كنتَ أنت تريد أن يكون، فأخذتَ برأي الزوجة والأبناء، وما شابه ذلك؟ فقال: نعم، وأكَّد هذه القضية.
وهذا يؤكد أننا ينبغي أن نخرج من "الأنا" ومن المصالح الخاصة إلى المصلحة العامَّة، وهي مصلحة استقرار الأسرة وتماسكها، فهذا أكبر من مصلحتي ومن رغباتي الخاصَّة كأبٍ، وما شابه ذلك؛ ولذلك لا بد أن ننتبه لهذه القضية، وفعلًا هذا الموضوع -كما قال الأخ مسعود فالح- مهمٌّ جدًّا.
وبما ذكره الإخوة جميعًا نكون قد استوعبنا كل ما أجابوا به في سؤالهم التفاعلي، وشكرًا لمَن شارك ولم تُعرض مُشاركته، وإن كنا قد عرضنا الكثير من المُشاركات، لكن أيضًا ربما استبعدنا بعض المُشاركات التي قد لا تكون قريبةً من الإجابة، أو كان فيها شيءٌ من التكرار.
فنشكر الجميع عمومًا على تفاعُلهم في هذه الحلقة، ونعدكم -بإذن الله - ونحن في ختام حلقتنا الثانية: "حاجات الأسرة بين الفرص والتحديات" أن نُنهي هذا العنوان ومضمونه وما يتعلق به، وقد بقي معنا عددٌ من النقاط نتناولها في اللقاء القادم إن كنا وإياكم من الأحياء على خيرٍ، بإذن الله.
أسأل الله لكم التوفيق والسَّداد والسعادة في الدنيا والآخرة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | أخرجه البخاري (5090)، ومسلم (1466). |
---|---|
↑2 | البيت لحافظ إبراهيم كما في "جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب" (2/ 249)، و"مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي" (1/ 234)، ولم نجده في "ديوانه". |
↑3 | أخرجه البخاري (5200)، ومسلم (1829). |
↑4 | "ديوان أبي فراس الحمداني" (ص387). |
↑5 | البيت لشوقي كما في "شعر شوقي في ميزان النقد" (ص85)، ولم نجده في ديوانه. |
↑6 | أخرجه البخاري (6149)، ومسلم (2323). |