المحتوى
مقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: حيَّاكم الله أيها الإخوة والأخوات مع حلقةٍ جديدةٍ مباشرةٍ من برنامجكم "أسس التربية" من قناتكم قناة "زاد" العلمية، وما زلنا معكم حول "حاجات الأسرة بين الفرص والتحديات"، وهذه هي الحلقة الأخيرة من الحلقات الثلاث حول هذا الموضوع البالغ الأهمية.
وكنا سابقًا قد تحدثنا عن بعض المُقدمات حول الأسرة: كأهمية الأسرة؛ لكونها المحضن الأول الذي يتخرج الجميع من خلاله، إلا مَن فقد هذا المحضن، وأيضًا لكونها الرابطة التي ربطت بين الدنيا والآخرة، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21].
ثم تحدثنا عن مسؤولية وقاية الأسرة من النار، وذلك عند قول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6]، وأحاديث الرسول ، كقوله: كلكم راعٍ[1]أخرجه البخاري (2554)، ومسلم (1829)..
ثم تحدثنا بعد ذلك حول ما يرتبط بقضية الفرص في التربية، ووجود الأبناء والوالدين في الأسرة، وأن الوقاية خيرٌ من العلاج، فكيف بالبناء؟!
وتحدثنا عن استثمار الوقت والعمر قبل فواته، وخصائص الطفولة والمُراهقة والكِبَر، وربما قد وقفنا عند هاتين النقطتين.
الفرص المتاحة في التربية
الفرصة الأولى: وجود الأبناء في الأسرة
ذكرنا في البداية أن لدينا فُرَصًا، ومنها: كون الأبناء والوالدين موجودين في الأسرة، فهذا بحد ذاته نعمةٌ عظيمةٌ جدًّا؛ ولذلك تبقى الأسرة كما هي حتى لو تزوج الابن وخرج إلى مكانٍ آخر، وتختلف الأُسر في هذا الجانب، لكن لا شك أن قضية وجود الأبناء في الأسرة ومع الوالدين هذا من أكبر الفرص الثمينة المتعلقة بهذا الموضوع؛ ولهذا لا بد من الوقاية قبل أن تقع المشكلة، فالوقاية خيرٌ من العلاج، فكيف بقضية البناء؟! فهي مطلبٌ مُلِحٌّ.
الفرصة الثانية: استثمار الوقت والعمر قبل فواتهما
ومن الفرص أيضًا استثمار الوقت والعمر قبل فواتهما، وهذه من القضايا التي ينبغي التنبه لها، فأعمارنا بيد الله ، ولا ندري: متى تكون نهايتنا؟ ولذلك ولات حين مَنْدَم.
فالإنسان بحاجةٍ إلى أن ينظر: هل قام بالواجب الذي عليه في أسرته وتربية أبنائه أم لا؟
فإن شعر بذلك فسيحتاج إلى أن يستثمر ما أمكن في ذلك أيما استثمارٍ.
فحينما نحرص على أن نستغلَّ العمر ووجودنا مع أبنائنا فهذا دافعٌ لنا على استثماره في التربية، وكما قلنا: بعض الأحيان يكون وقت الأب ضيقًا بسبب الانشغال بالوظيفة، وقد تختلف وظائف عن وظائف، لكن مع ذلك تجد الحريص يستثمر الوقت قبل فواته.
وأذكر أحدهم -وربما ذكرنا هذا سابقًا- يقوم بأخذ أبنائه في الصباح الباكر إلى المدارس، مع وجود سائقٍ عنده، إلا أنه يقول للسائق: ابقَ مكانك. فهو يريد أن يكون مع أبنائه في هذه النصف الساعة؛ ليُعوض الوقت الذي لا يُمضيه معهم؛ نظرًا لكثرة انشغالاته، وهذا من استثمار الوقت.
الفرصة الثالثة: استثمار ميزات وخصائص الطفولة والمُراهقة والكبر
ومن الفرص أيضًا: استثمار مرحلة الطفولة والمراهقة والكبر، وعندما نأتي إلى الحديث عن المراحل وما يتعلق بها، فهناك جوانب وميزات عديدة أيها الإخوة والأخوات.
ولعلنا نُكمل -إن شاء الله تعالى- بعد الفاصل القصير، ونكون معكم، بإذن الله .
الفاصل:
أمانةٌ عظيمةٌ، ومسؤوليةٌ كبيرةٌ: تربية الأهل والأولاد، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6]، ويقول علي بن أبي طالب : "أدِّبوهم وعلِّموهم"[2]"أدب المُجالسة وحمد اللسان" (ص106)..
فنُعلمهم العقيدة الصحيحة، قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:12، 13]، وقال النبي لابن عباسٍ : يا غلام، إني أُعلمك كلماتٍ: احفظ الله يحفظك[3]أخرجه الترمذي ت: شاكر (2516)، وصححه الألباني..
ويجب أن نُعلم الأجيال حب النبي ، وحب أصحابه، فقد كان السلف يُعلمون أولادهم حب أبي بكر وعمر كما يُعلموهم السورة من القرآن.
ونُعلمهم أيضًا الصلاة، يقول : مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشرٍ[4]أخرجه أبو داود (495)، وصححه الألباني..
ونُعلمهم مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، قال لعمر بن أبي سلمة : يا غلام، سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك[5]أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022)..
ونُعلمهم شيئًا من القرآن بأنفسنا، أو نُلحقهم بحلقات التحفيظ، ونُعلمهم الحلال والحرام بالتدريج، ونُعلمهم لغة القرآن قبل أن نُعلمهم اللغات الأخرى، قال نافع: "كان عبدالله بن عمر يضرب ولده على اللَّحن"[6]"أدب المُجالسة وحمد اللسان" (ص59)..
فاحرص على تعليم أهلك، واعلم أن غذاء الروح أهم من غذاء البدن، قال : والرجل في أهله راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيته[7]أخرجه البخاري (2554)، ومسلم (1829)..
الدكتور خالد: عودًا حميدًا أيها الإخوة، نُكمل معكم ما يتعلق بقضية الفرص، وقد أشرنا إلى بعض الفرص التي ينبغي أن نتنبه لها، ومن ذلك ما يتعلق باستثمار ميزات وخصائص المراحل العمرية، فمرحلة الطفولة لها ميزاتٌ، ومرحلة المُراهقة لها ميزاتٌ، ومرحلة الكبر لها ميزاتٌ، وغير ذلك.
مميزات مرحلة الطفولة
تتميز مرحلة الطفولة بقوة التقليد والمُحاكاة، وسرعة القابلية والتشكيل، فالطفل مثلًا يُقلد ما يراه أمامه؛ ولذلك نحتاج إلى النماذج الإيجابية الرائعة، فالطفل يتوجه بما يُقال له أو يُوجَّه إليه؛ فلذلك لا بد أن تُستثمر هذه الميزات في هذه المرحلة المهمة من العمر.
مميزات مرحلة المراهقة
المُراهقة فيها الفتوة والنشاط والحيوية، والارتقاء والارتباط بالمُثُل، وهذا أيضًا يمكن استثماره استثمارًا جيدًا؛ وذلك عندما نُدرك هذه الميزات والخصائص في هذه المرحلة العمرية.
مميزات مرحلة الكبر
الكبار هم أصحاب الخبرة والحكمة، وما شابه ذلك؛ ولذلك حتى نستثمر أجيالنا في بيوتنا لا بد من أن نطلع على خصائص هذه المراحل العمرية المختلفة على الأقل بمجملها، وإلا فهناك تفصيلاتٌ في كتب علم النفس والنمو، حتى في مرحلة الطفولة، والطفولة المبكرة، والمتوسطة، والمُتأخرة، وكل مرحلةٍ من هذه المراحل لها خصائصها الجسدية، والعقلية، والاجتماعية، ... إلى آخره.
وقد لا يحتاج الواحد إلى أن يأخذ مثل هذه القضية بشكلٍ تفصيليٍّ، ولكنه يحتاج إلى بعض المعالم المهمة، مثلما ذكرنا قبل قليلٍ في خصائص الطفولة، وسرعة القابلية والتشكيل، والتقليد والمُحاكاة، وقوة الحفظ فيها، ... إلى آخره.
وقد أشار إليها الدكتور السيد عبدالعزيز النغيمشي في كتابه "علم النفس الدعوي" في فصل الطفولة، وكذلك في فصل المُراهقة، وأشار إليها أيضًا في كتابه الآخر "المُراهقون" وغيرهما.
وأيضًا أشار الدكتور عمر المُفَدَّى في كتابه الرائع "علم النفس في المراحل العُمرية" إلى مرحلة الطفولة والمراهقة وغيرهما من المراحل.
على أي حالٍ، المقصود هنا أن نعرف هذه المراحل وخصائصها، وعندئذٍ نحاول أن نستثمر هذه الفرص، والمشكلة أن هذه الفرص تضيع عندما نجهلها، ولا نُدرك أن هناك مُميزاتٍ وخصائص يمكن أن تُستثمر؛ ولذلك الاطلاع والمعرفة لهذه القضية مهمٌّ جدًّا.
ولا بد أيضًا من استثمار مُعطيات التقدم عمومًا، فهناك أشياء مُفيدة -ولا شك- في الثورة المعلوماتية والمعرفية والاتصالية، يعني: في الجوانب المادية والحضارية، فلا بد من استثمارها من خلال هُويتنا، وهناك فرصٌ في التخصصات لم تكن موجودةً من قبل، وفي مجال التأثير في الآخرين، فهناك إمكانية أن نستثمر هذه الفرص من خلال رعايتنا لأبنائنا وأُسرنا، وسيفتح لنا ذلك مجالًا في قضايا اهتماماتهم، وميولاتهم، وتخصصاتهم، ودراساتهم، ووظائفهم ... إلى آخره.
اتصال:
نسمع لهذا الاتصال من الأخ أيمن من السعودية.
تفضل أخ أيمن، حفظك الله.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل يا أخي.
المتصل: أنا عندي بنتٌ عمرها سنة ونصف حاليًّا، ولدي سؤالان بخصوصها:
السؤال الأول: هي عندما تعمل شيئًا خطأً: فتكسر شيئًا، أو تذهب ناحية الغاز أو النار الموجودة في المطبخ، وأنا أريد أن أمنعها، فهل لو زجرتُها ستستوعب ولن تعمل هذه الحركة مرةً أخرى؟ يعني: هل الطفل في سن سنة ونصف يستوعب المنع؟ ولو كان يستوعب هل أسلوب الصُّراخ عليها مناسبٌ؛ لأنها أصبحت عصبيةً جدًّا وعنيدةً؛ تسمع وتخاف، ثم تُكرر الموقف مرةً أخرى؟
السؤال الثاني: نحن لا نُسمعها أي شيءٍ إلا قناة "زاد"، فهل هناك أشياء أخرى يمكن أن يسمعها الطفل ذو السنة والنصف؛ لأني أُلاحظ أنها مُتعلقةٌ بـ(الموبايل) عندما تراه، وتُشاهد (الفيديوهات).
المحاور: واضحٌ.
المتصل: فهل أمنعها من (الموبايل)؛ لأني أُلاحظ أنها تسرح معه؟ وهل وسيلة المنع مناسبةٌ؟ وإلا فما هو الأنسب لطفلٍ في عمر سنة إلى أن يبدأ الطفل يقرأ ويكتب؟
المحاور: شكرًا.
المتصل: أو يحصل له شتاتٌ في ذهنه، أو يبقى طبيعيًّا، أو يحصل له -لا قدَّر الله- كما كنا نسمع: التوحد؟
المحاور: واضحٌ جدًّا أستاذ أيمن، شكرًا لك حبيبنا، وأسأل الله أن يُصلح لنا ولكم النية والذرية، وأن يُبارك في أبنائنا وأبنائكم، اللهم آمين.
اتصالٌ آخر:
أم مالك من السعودية.
حيَّاكِ الله.
المتصلة: السلام عليكم.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصلة: يُعطيك العافية يا شيخ.
المحاور: تفضلي.
المتصلة: أريد أن أسأل: كيف نتعامل مع المُراهقات؟ وهل كان مُسمَّى "المراهقة" موجودًا في عهد النبي ؟ يعني: حينما ولَّى النبي أسامة على جيشٍ وعمره سبع عشرة سنة، هل كان هذا المُسمَّى موجودًا، أم نحن الذين غرسنا وأنشأنا هذا المُسمَّى وبررنا أفعال المراهقين وتصرفاتهم؟ وهل هو خللٌ فينا نحن، أم مبدأٌ موجودٌ في نهج النبي في التعامل مع المراهقين؟
المحاور: شكرًا لكم يا أم مالك.
المتصلة: الله يُعطيك العافية، وشكرًا لك.
المحاور: بارك الله فيكم.
أشكر الأخ أيمن، والأخت أم مالك.
كيفية التعامل مع الأطفال الصغار
بالنسبة لسؤال الأخ أيمن، وهو ما يتعلق بمرحلة السنة والنصف: اعلم أخي الكريم أن الطفل في هذا السن لديه إدراكٌ بالمستوى العقلي المُناسب له، والنبي قال لطفلٍ: كخ[8]أخرجه البخاري (1491).؛ ليُبعده عن أمرٍ ما.
فيوجد شيءٌ من هذا الإدراك بلا نقاشٍ، لكن رفع الصوت على هذا الطفل في هذا السن لا نحتاج إليه، بل بالحركة وبالتوجيه اللَّطيف، وهذه في ظني كافيةٌ جدًّا ومُجرَّبةٌ بلا أدنى إشكاليةٍ، وربما يكون هذا الابن -أو البنت- هو الابن الأول بالنسبة لكم، والذين كان عندهم الطفل الأول يعرفون هذه القضية.
فالطفل في هذا السن يُدرك، لكن الأسلوب فعلًا يحتاج إلى انتباهٍ، والعصبية التي لدى مثل هذه البنت أو الولد تتولد، أو الصراخ الذي يحصل ربما لا يكون عصبيةً، وإنما صُراخٌ القصد منه التنبيه، أو لفت الانتباه له، أو شيءٌ من هذا القبيل.
وما يتعلق بقضية (الموبايل) ... إلى آخره: فأنا أُحذر تحذيرًا شديدًا من ذلك، وقد سبق أن ذكرنا ذلك في الحلقة الماضية، ويمكن أن ترجع إليها في الحلقة الثانية؛ وذلك عندما شاركتنا الأستاذة نورة القرني المُختصة بقضية التقنية الأسبوع الماضي، فقد ذكرنا شيئًا مُتَّفقًا عليه، وهو: أن هذه الأجهزة لا ينبغي أن تكون بين أيدي الأبناء؛ لما يتعلق بارتباطها بـ(الإنترنت)، أيًّا كانت نوعية الهواتف الذكية: (الآيباد) أو غيره، وإنما نختار لهم المناسب ونضعه مُباشرةً دون ارتباطٍ بـ(الإنترنت)، وإن كان هناك شيءٌ يتطلب وجود ارتباطٍ بـ(الإنترنت) فيكون فتحه وإغلاقه عن طريقنا، والذي يراه يكون بإشرافنا مباشرةً.
وأما: هل تكفي هذه القناة أو تلك؟
أبدًا، بل على حسب ما تطرح هذه القناة أو تلك، فمثلًا: هناك قنواتٌ لا تطرح برامج تُناسب المرحلة العمرية كما ذكرت، وربما لا توجد هناك برامج تُناسب هذه المرحلة فيما ذكرته من المُتابعة التي عندكم، لكن هناك قنواتٌ مُحافظةٌ تختار الشيء المفيد والنافع، فيُمكن أن يُستفاد منها: كقناة الروضة، فابحث عنها في منظومة قنوات المجد، أو غيرها من القنوات، فستجد أن هناك لمثل هذه المرحلة العمرية قنواتٍ مفيدةً ونافعةً، بإذن الله .
ولا شك أن هذا البديل أرحم من البديل الذي ذكر فيما يتعلق بقضية (الموبايل) أو الجوَّالات والأجهزة الذكية.
مصطلح "المراهقة"
وبالنسبة لسؤال الأخت أم مالك: فالحقيقة لا أريد أن أدخل فيما يتعلق بهذا المصطلح، وهو "المراهقة"، فأهل الاختصاص يذكرون هذا المصطلح، وأصبح شائعًا، وأنا وجهة نظري أنه لا مُشاحة في الاصطلاح إذا عرفنا المصطلح.
وواضحٌ من كلام أم مالك أن تعريف المصطلح عندها فيه إشكالٌ من خلال المعنى السلبي، ولا شك أن هذا ليس مُرادنا أبدًا، فمُرادنا هنا مرحلة المراهقة المتعلقة بقضية المرحلة العمرية، وفيها خصائصها ومميزاتها، ومميزات هذه المرحلة إن استُغلت أتت بنتائج إيجابيةٍ، وإن لم تُستغل أتت بنتائج سلبيةٍ، وهذا مقصودنا تمامًا، وهو الذي ذكره المُختصون.
يبقى: هل هذا المصطلح كان معروفًا من قبل؟
لما نأتي إلى الجذر اللغوي "رهق" نجد أنه بمعنى: الذي بلغ أو شارف على البلوغ، كما في معاجم اللغة؛ ولذلك البعض يستند على أنها كلمةٌ لها أصلها اللغوي، والبعض يرفض ذلك، على أي حالٍ، لكن أهم شيءٍ أن نفهم المصطلح فهمًا صحيحًا.
وما ذكرته الأخت لا شك أنه ليس مقصودًا، فبعض الناس يقول: هو مُراهقٌ، اتركوه. كأنه يقول: اتركوه بطيشه! وهذا غير صحيحٍ، فمرحلة المُراهقة فيها الفتوة والنشاط والحيوية والتَّعلق بالمُثُل، وما شابه ذلك، كما ذكرنا ذلك قبل قليلٍ في قضية المُميزات، فنتنبه لمثل هذه الأشياء.
وبعضهم يذكر مصطلحاتٍ أيضًا مثل: الفتوة، ومرحلة الشباب المبكر، أو شيئًا من هذا القبيل.
وعلى أي حالٍ، أنا أرى أنه لا مُشاحة في الاصطلاح، وأرى أن هذا له أصلٌ في اللغة، وإن اختلف معنا بعض المُختصين في هذا الجانب، المهم أن نُحرر المصطلح.
الفرصة الرابعة: الأُسَر الإيجابية
ومن الفرص أيضًا أيها الإخوة والأخوات: وجود نماذج الأُسر الإيجابية، وهذه القضية من الأشياء المهمة جدًّا في الفرص، فينبغي أن نهتم بها، ونقف في حواراتنا مع الأُسر الإيجابية التي فعلًا استفادت من تلكم الفرص، وقامت بأشياء إيجابيةٍ في تربية أبنائها.
ولا بد أن نُبرز هذه القضية إعلاميًّا واجتماعيًّا وأُسريًّا، وما شابه ذلك، وكذلك نبحث عن هذه الأُسر الإيجابية، خاصةً فيما يتعلق بقضية التعامل مع الجانب التقني.
على أي حالٍ، هذه من الفرص التي ينبغي أن نستثمرها ونحرص عليها قدر ما نستطيع؛ حتى نُلبي حاجات الأسرة، وعندئذٍ نكون قد استثمرنا الفرص، ولم تضع علينا.
وأيضًا يجب أن نجعل من التحديات فرصًا؛ لأن التحديات تحمل في طيَّاتها معنى الفرص، وتحمل كذلك المعنى الآخر المتعلق بالمخاطر، فهي تحدٍّ، ولكن في طيَّاته فرصٌ، فعندما نأتي إلى التقنية فهي تحدٍّ، ولكن فيها فرصٌ يمكن أن نستثمرها حتى مع الأطفال والكبار، بغض النظر عن الآليات التي ذكرناها.
ونحن عندما نقول: سلِّم جوَّالك والأجهزة الذكية للأبناء، ليس هذا مقصودنا، ويجب أن ننتبه إلى هذه القضية، فالبعض -سبحان الله!- يفهم إما أسود أو أبيض فقط، ولا يفهم الألوان الأخرى، وهذه قضيةٌ خطيرةٌ جدًّا أيها الإخوة والأخوات.
التحديات والمخاطر
التقنية والثورة المعلوماتية الاتصالية
بعد الفرص نأتي إلى التحديات والمخاطر، وبالأخص ما يتعلق بالتقنية والثورة المعلوماتية الاتصالية، وما يتعلق بهذا الجانب، وهذا لا نحتاج إلى أن نقف معه كثيرًا، فقد وقفنا معه كثيرًا من قبل.
وأظن -أيها الإخوة- أن هذا الموضوع بالذات مشكلته ليست في إدراك أهميته، أو أنه تحدٍّ، أو أن فيه فرصًا يمكن أن نستثمرها، فليست هذه هي المشكلة، وإنما المشكلة في الآليات والاهتمام بهذا الموضوع، وما ينبغي علينا تجاه الأبناء.
فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، مع أن البعض قد يغفل عن بعض القضايا المتعلقة بالمخاطر، ولا يفقه بعض الجوانب المتعلقة بالألعاب الإلكترونية؛ ولذلك من الأهمية الاطلاع: إما المباشر، أو عن طريق بعض المُستشارين، أو ما شابه ذلك من المعنيين بمثل هذه القضايا.
إذن المقصود هنا التقنية والثورة المعلوماتية الاتصالية ووسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية، فهي من التحديات الرهيبة جدًّا اليوم والتي من المُفترض أن تكون مجالًا للفرص، وليس للمخاطر.
وأنا أقول: يأتي إلى الذهن أول ما يأتي من خلال ما يأتينا من استشاراتٍ وما نسمع من مشكلاتٍ، ومن خلال ما قرأنا من إحصائياتٍ ودراساتٍ: أنها من المخاطر الشديدة، وهذه إشكاليةٌ كبيرةٌ جدًّا تستوجب من الأسرة أن تُراجع نفسها فيما يتعلق بالتعامل مع هذه الثورة المعلوماتية والاتصالية والتقنية، وكيف تستطيع بطريقةٍ ما التعامل مع أبنائها فيما يتعلق بقضية التقنية والاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي.
ومن طبيعة النفس البشرية -أيها الإخوة والأخوات- أنها ضعيفةٌ، وحينما تكون ضعيفةً يتحقق فينا قول الشاعر:
ألقاهُ في اليَمِّ مكتوفًا وقال له: | إيَّاكَ إيَّاكَ أنْ تَبْتَلَّ في الماء[9]البيت في "نفح الطيب" (5/ 292)، و"الدر الفريد وبيت القصيد" (4/ 146) بدون نسبةٍ لقائلٍ. |
فنحن نعتمد على النية الطيبة، ونقول: نحن نريد الخير لأبنائنا، ولا نريد أن نُقدم لهم الشر والمخاطر.
وكذلك نقول في نفس الوقت: أبناؤنا ليست عندهم إرادة الشر والسوء.
نعم يمكن أن يكون هذا الكلام صحيحًا، لكن هذا لا يكفي؛ لأن النفس بطبيعتها ضعيفةٌ، وأمَّارةٌ بالسوء، وحينما يردها المُثير تتغير هذه النفس من وضعها الإيجابي إلى الوضع السلبي، وهذه قضيةٌ ينبغي أن نتنبه لها، فنحن لا نتعامل مع جماداتٍ، وإنما نتعامل مع نفسٍ بشريةٍ فيها من الضعف والعجائب ما الله به عليمٌ.
هذه النفس التي ينبغي للإنسان أن يقف معها، وأن يُدرك أنه يتعامل مع مخلوقٍ عجيبٍ، كما يقول بعض أهل الاختصاص، يعني: فيها خطوطٌ مُتقابلةٌ، فهذه النفس البشرية نفسٌ مُقبلةٌ، وفي نفس الوقت مُدبرةٌ، نفسٌ مُحبَّةٌ، وفي نفس الوقت كارهةٌ.
فهذه الخطوط المُتقابلة المُتعارضة تجتمع في النفس البشرية العجيبة؛ ولذلك صاحب كتاب "الإنسان ذلك المجهول" (ألكسيس) الطبيب الفسيولوجي يتحدث عما وصل إليه الطب في الجوانب المتعلقة بالهرمونات والغدد ووظائف الأعضاء فيقول: وفيه أشياء عديدةٌ جدًّا لم نستطع أن نُجب عنها؛ لأن جهلنا بالإنسان مُطبقٌ، وأن وراء هذا الإنسان خالقٌ سبحانه .
طبيعة الولد
وأيضًا من المخاطر -أيها الإخوة- التي لا بد أن نضعها بين الفرص والتحديات ما جاء في الحديث: إن الولد مَبْخَلَةٌ، مَجْبَنَةٌ، مَجْهَلَةٌ، مَحْزَنَةٌ[10]أخرجه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (5284)، والطبراني في "المعجم الكبير" (614)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" … Continue reading، وكما قال الله قبل ذلك: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ [التغابن:14].
فأين نحن من هذه القضية؟!
وليس معنى "عدو" أنهم يتسلحون ويُحاربوننا، وإنما قد يكونون سببًا لشقائنا إذا لم نُحسن تربيتهم، فإذا لم نتنبه، ولم نَعِ، ولم نُدرك، ولم نأخذ ما يلزمنا في قضية القيام بتربيتهم وتلبية الحاجات المطلوبة لديهم؛ فقد نكون من المُقَصِّرين.
ولاحظ قوله: الولد مَجْبَنَةٌ أي: بسببه يجعلنا نجبن ونخاف، فلا نجعله يتربى بسبب الخوف، أو نُربي أبناءنا على الخوف، وينتقل الخوف من الآباء إلى الأبناء.
وقوله: مَبْخَلَةٌ نخاف عليهم فلا نتصدق ونبذل، أو نخاف أنهم لا يعيشون، وكأننا لو أنفقنا من المال في مشاريع الخير ومصاريفه للفقراء والمساكين أنهم سيموتون جوعًا، وكذلك: مَجْهَلَةٌ، مَحْزَنَةٌ.
فكل هذه الجوانب السلبية من مُعوقات الحياة والإنتاج فيها؛ فالجبن مقابل الشجاعة، والبُخل مقابل الإحسان والكرم، والحزن مقابل الفرح والإيجابية، والجهل مقابل العلم، فمثلًا: ربما كان الأب ممن يقرأ من قبل ويطلع، وربما كان يحرص على الدروس العلمية عبر هذه الشاشة المباركة قناة "زاد"، أو في المساجد، أو غيرها من الوسائل أيًّا كانت، ثم بعد ذلك ينشغل بأبنائه ويقول: والله ما عندنا وقتٌ، أو نريد أن نطلع على الجوانب التي ينبغي أن نطلع عليها، ولكن ما عندنا وقتٌ. فأبناؤنا سيكونون مجهلةً لنا عندئذٍ، كما يكونون مَبخلةً ومحزنةً ومجبنةً.
طيب، كيف نستطيع أن نتعامل مع مثل هذه المُؤشرات التي قد تقود إلى أن يُصبح الأبناء والأزواج أعداءً لنا بهذه الاعتبارات؟
لا شك أن ذلك يكون من خلال تلبية الحاجات الصحيحة التي أرادها الله وأرادها النبي ، والتي ينبغي أن يتنبه لها؛ حتى تنشأ الأسرة على بيئةٍ مُستقرةٍ إيجابيةٍ.
كثرة الصوارف الفكرية والسلوكية
ومن المخاطر أيضًا: كثرة الصوارف الفكرية والسلوكية: كالكفر، والشرك، والبدع، والتطرف، والانحلال، والمخدرات، والجنس، ... إلى آخره، فهذه من القضايا الخطيرة جدًّا، والواضحة المعاني اليوم.
وكما يصف أحد الأطباء النفسيين، وهي عبارةٌ سمعتها منه مُباشرةً، وهو من المُبدعين -جزاه الله خيرًا-، حيث يقول: "نحن في عصر تفجر الشهوة"، هذا مثالٌ يذكره، وهو شخصٌ مُختصٌّ.
وهكذا الصوارف السلوكية: كالمخدرات وغيرها، وكذلك الصوارف الفكرية، وقد تناقشنا مع الأستاذ عبدالله العجيري فيما يتعلق بالتربية الفكرية للأسرة والأبناء والأجيال، وهي قضيةٌ ربما تقودنا إلى الكفر والشرك والبدع والتطرف في جميع الاتجاهات، فهذه كلها من القضايا التي أصبحت من المخاطر التي تستدعي منا اليوم عنايةً أكبر بقضية الأسرة.
أبناؤنا والصلاة
لعلنا نسعد في هذه اللحظات بمُداخلةٍ كريمةٍ مع الأستاذ: فلاح المطيري، وهو أخصائي اجتماعي.
مرحبًا بك سيد فلاح.
المتصل: مرحبًا، حيَّاكم الله شيخ خالد.
المحاور: أهلًا وسهلًا، وجزاك الله خيرًا، وبارك الله فيك.
المتصل: سلَّمك الله، وجزاكم الله خيرًا على هذا البرنامج المُتميز.
المحاور: جزاك الله خيرًا، نحن اصطدناك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ومُشاركتك اللَّطيفة، تفضل.
المتصل: بارك الله فيك.
لا شك أن الأسرة تحتاج إلى تلبية احتياجاتها، ومن أهم الاحتياجات للأسرة عند الأبناء خاصةً: الحنان والعطف والتربية الحقَّة؛ حتى يتربى الابن على الإيمان والقرآن، وأن يتعرف على الله جلَّ جلاله، وعلى سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، ويتمسك بآداب الإسلام وأخلاقه، ويحرص كل الحرص على القيام بشرائع الإيمان، وأهمها: الصلاة في المسجد، وأيضًا يعتاد الصلاة مع المسلمين، ولا يتخلَّف عن الصلوات، بل يكون اهتمام الأب والأم كذلك: أن يتعاونا على أن يهتمَّا بأولادهما، وأن يُعوِّداهم على الصلاة، كما قال النبي : مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع[11]أخرجه أبو داود (495)، وصححه الألباني..
فهذا توجيهٌ تربويٌّ من النبي للآباء وللأمهات، وهو: أن يُربوا أولادهم على الصلاة، ويُنَشِّئوهم عليها، ويحرصوا على أن يكون الولد حريصًا كل الحرص على آداب القرآن والسنة، وعلى أن يُصاحب أيضًا الجُلساء الصالحين الناصحين، وهذا أهم شيءٍ في هذا الزمان، وفي ظل طُغيان المادة، ومع الغفلة الموجودة الآن عند كثيرٍ من الناس، فالحرص كل الحرص على أن يهتم الولد بالأخلاق القرآنية والآداب الإسلامية.
أسأل الله جلَّ وعلا أن يُبارك في هذا البرنامج المبارك.
المحاور: الله يُعطيك العافية.
المتصل: والذي سعدنا به حقيقةً، وأنا مُتابعٌ له منذ فترةٍ طويلةٍ، وأسعد كثيرًا، وأنتظر يوم الاثنين متى يأتي؟ حتى تطلَّ علينا.
المحاور: الله يُكرمك، هذا من طِيبك، ونحتاج إلى أمثالكم، وأنا كأني قرأتُ مُسمًّى لك عبر (تويتر): مؤسس.
المتصل: رئيس وحدة التأسيس.
المحاور: تأسيس ماذا؟
المتصل: في مركز التنمية الاجتماعية، تأسيس اللجان والجمعيات والمؤسسات.
المحاور: في وزارة الشؤون الاجتماعية؟
المتصل: في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية.
المحاور: نفع الله بكم أستاذنا الكريم، وبارك الله فيكم، وأنتم إذن لُصقاء بالأُسر والعناية بهذا الموضوع.
المتصل: ما في شك.
المحاور: كلامكم في محلِّه، وأسأل الله أن يُبارك فيكم، وينفع بكم.
شكرًا لك سيد: فلاح المطيري، الأخصائي الاجتماعي، وقد حلَّقتَ بنا نحو قضايا عديدةٍ جدًّا، ولخصتَ لنا ما يرتبط بالتربية الإيمانية والتعلق بالله ، وما يرتبط بهذه الجوانب، ثم عرَّجتَ إلى ما يتعلق بالجانب الأخلاقي والتربية الأخلاقية.
ترصُّد الأعداء
ومن المخاطر التي تُواجهنا في تربية الأسرة والعناية بتلبية الحاجات المهمة: ترصد الأعداء، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، فالأعداء يُحاولون تفكيك الأسرة، وأن يجعلوا هذه الأسرة مُتفككةً؛ ولذلك نحن بأمس الحاجة إلى إدراك هذا الخطر.
الفرصة الخامسة: توفر نماذج الأسرة السالبة
ومن الفرص: توفر نماذج الأسرة السالبة، فهذه من القضايا المهمة جدًّا، وكما ذكرنا أن الدراسات الكثيرة قامت بدراسة انحرافات الأحداث: كالدراسة التي قُدِّمت حول الشباب، والقنوات الفضائية، والهوية الوطنية، والأولويات والاهتمامات، وأيضًا دراساتٌ أشار إليها الدكتور: عبدالكريم بكار في سلسلة "التربية الرشيدة"، وإحصائياتٌ متعلقةٌ ببعض برامج القنوات الفضائية وأثرها الخطير على أجيالنا، و"بروتوكولات حكماء صهيون" التي أثاروها.
فكلها تُعطي دلالاتٍ بأن القضية فيها مخاطر ضخمة، ونحتاج أن نتنبه لهذه المخاطر؛ حتى نقوم بالواجب الذي أشار إليه الأستاذ فلاح وغيره من الإخوة والأخوات، وكما أشرنا إليه سابقًا.
والأستاذ فلاح المطيري -جزاه الله كل خيرٍ- قبل قليلٍ شارك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فقال: لا بد من تلبية الأسرة لحاجاتها الفطرية، وضرورتها البشرية، والتي تكون مُوافقةً لطبيعة الحياة الإنسانية، مثل: إشباع الرغبة الفطرية، وهي الميل الغريزي في أن تكون له ذُريةٌ ونسلٌ، وإشباع حاجة الرجل إلى المرأة، وعكسها، وإشباع الحاجات الجسمية والمطالب النفسية والروحية والعاطفية.
دعونا في الوقت المُتبقي من هذه الحلقة نتحدث حول الحاجات التي نريد أن نزرعها في أُسرنا، وسنُقسم الوقت -بإذن الله - إلى ثلاثة أقسامٍ:
إجابات السؤال التفاعلي
القسم الأول: إجابات السؤال التفاعلي: حيث سنقرأ ما قاله الإخوة من الحلقة الماضية إلى هذه الحلقة، وهي إضافاتٌ جديدةٌ من خلال الإجابة على السؤال التفاعلي للحلقة، والذي تكرر خلال ثلاثة أسابيع.
وكان السؤال -كما هو معهودٌ-: ما أهم حاجات الأسرة المعاصرة من وجهة نظرك؟
الأخت حياة حورية تقول: "أن يشعر الطفل بالأمان والحب تجاه أبويه، وأن يُعاملا أولادهما كأصدقاء".
الأخت سعاد تقول: "حفظ المودة والرحمة بين الزوجين؛ لتكوين أسرةٍ مُستقرةٍ، وكذلك السَّهر على تربية الأبناء بدلًا من الاهتمام بتوفير الأكل والشرب فقط".
الأخت حنان تقول: "من وجهة نظري: إن أهم حاجات الأسرة اليوم هي: الحوار".
الأخ أحمد محمد بدر يقول: "أظن أنها تحتاج لأبٍ وأمٍّ مُؤهلين للقيام بمهام التربية على الوجه الصحيح"، وكأنه يُشير إلى قضية إعداد زوجين مُؤهلين لذلك.
الأخت أمة الله المسلمة تقول: "أظن أن أهم أساسٍ يُربى عليه النَّشء هو: مُراقبة الله وحده، فلو تحقق هذا فلن يتعب الوالدان من تتبع أبنائهم حيثما كانوا".
الأخت ملاك تسنيم تقول: "الحوار بين أفراد الأسرة".
الأخ أو الأخت بيتي مملكتي تقول: "المحبة والمودة ما تحتاجه الأسرة".
الأخ عبدالسلام يقول: "تقوى الله".
الأخت مريم تقول: "الحب، والاهتمام، والاحترام، والعدل"، مواصفاتٌ.
الأخ أحمد ريان: "التفاهم بين الزوجين".
المشتاق يقول: "عِشرةٌ بالمعروف، وتعاملٌ بإحسانٍ من جميع جوانب الأسرة".
أيها الإخوة والأخوات، دعونا نأخذ فاصلًا، ونعود معكم، بإذن الله .
الفاصل:
زاد القلوب كلام الله تعالى، وخير زادٍ يُقدمه الوالد لولده، فإنه سبيل الهداية والاستقامة: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا [الإسراء:9].
وسائل تُعين المُربي على ربط النَّشء بكتاب الله:
هناك العديد من الأفكار والوسائل التي تُعين المُربي على ربط النَّشء بكتاب الله تعالى، منها:
1- الإكثار من قراءة القرآن أمام الأبناء، فالقدوة من أقوى المُحفِّزات في توجيه السلوك.
2- التحفيز من خلال سرد وشرح الآيات والأحاديث في فضل قراءة القرآن وحفظه.
3- إلحاقهم بحلقات تحفيظ القرآن، فهي تُدخل الطفل في تنافسٍ مع أقرانه، وتُعينه على ضبط القراءة والتجويد، وتربطه بالمسجد والبيئة الصالحة.
4- قص ما ورد في القرآن الكريم من قصصٍ بأسلوبٍ سهلٍ ومُشوقٍ، فالحكي مُحبَّبٌ إلى الأطفال، ويُسهم في تعلُّقهم بالقرآن، كما يُنَمِّي الرصيد اللغوي والقرآني لديهم.
5- أهدِ ولدك مُصحفًا، فحُب التَّملك غريزةٌ يمكن استثمارها بشكلٍ إيجابيٍّ يجعله مُرتبطًا بمُصحفه الخاص، يقرأه ويقلبه متى شاء.
6- التشجيع بالمُكافأة، والتحفيز على المشاركة في المسابقات، فقد يعجز الطفل عن الحفظ بمفرده، لكن ربما يكون مُنافسًا قويًّا وحافظًا مُتقنًا إذا كان الأمر في شكلٍ جماعيٍّ، وخصوصًا إذا رصدت بعض الجوائز.
7- استعمال الجوائز الحديثة في الحفظ، فهي تُلبي رغبتهم في استعمال هذه التقنيات التي غالبًا ما تُوظَّف في أشياء أخرى، ويُستحسن أن يكون بها خاصية: تسجيل القراءة، والاستماع إليها، ومعرفة أخطاء القراءة، قال رسول الله : مَن قرأ القرآن وتعلَّمه وعمل به أُلبس يوم القيامة تاجًا من نورٍ ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويُكسى والديه حُلَّتان لا يقوم بهما الدنيا، فيقولان: بما كُسينا؟ فيُقال: بأخذ ولدكما القرآن[12]أخرجه الحاكم في "المستدرك" (2086) وقال: "صحيحٌ على شرط مسلمٍ"، وقال الألباني في "صحيح الترغيب" (20): "حسنٌ لغيره"..
الدكتور خالد: حيَّاكم الله أيها الإخوة والأخوات، ونحن في نهاية هذه الحلقة لعلنا نُكمل معكم في ختام هذه الحلقات الثلاث بالتركيز حول ما يتعلق بقضية الحاجات التي نحتاجها.
وشكرًا للإخوة والأخوات الذين شاركونا قبل قليلٍ من الحلقات الماضية حول السؤال التفاعلي، وجميع مَن شاركنا عمومًا، ولو لم نذكر مُشاركته، فنشكر الجميع على ما ذكروه.
أهم ما تحتاجه الأسرة
القسم الثاني: إبراز الحاجات الأسرية: من أهم ما تحتاجه الأُسرة:
1- إعادة بناء الفرد حسب المفهوم الشرعي، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا في ظل الصراعات الحاصلة اليوم فيما يتعلق بقضية الاتفاقيات الدولية التي خالف عددٌ منها الفطرة، ناهيك عن مُخالفة الشرع أصلًا.
2- إعطاء مزيدٍ من الاهتمام بين أفراد الأسرة، والتقليل من استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، والألعاب الإلكترونية، والمشاركة بأعمالٍ منزليةٍ واجتماعيةٍ بين أفراد الأسرة، وكذلك تثقيف الأسرة بما يحميها دينًا ودُنيا.
3- الود والتفاهم، والمحبة والاحترام، وإشباع الجانب العاطفي لدى الأطفال، وكذلك الكبار، والقدوة الحسنة، وربط الأبناء بالله وبالسيرة النبوية، وتربيتهم على توحيد الله، وحبِّ رسول الله وأصحابه، وعلى القناعة في هذه الدنيا.
4- الحوار بين الوالدين وبين جميع أفراد الأسرة، وتبادل الآراء، وهذه النقطة تتقاطع مع النقطة السابقة المتعلقة بالقضايا الإيمانية والارتباط والتعلق بالله والتربية الدينية الشرعية، وتكرارها عند كثيرٍ من الإخوة والأخوات المُشاركين والمُشاركات.
بالإضافة إلى النقطة المتعلقة بإشباع الجانب العاطفي، والود، والاحترام، والتعاطف، والجانب المُرتبط بالقضايا التَّعامُلية التي فيها إشباعٌ للعاطفة التي تحمي الجيل كي يبقى في منظومة الأسرة، ولا يُغادر هذه الأسرة باحثًا عن الجانب العاطفي؛ نظرًا لضعف إشباع هذا الجانب داخل الأسرة.
6- تربية الأبناء على تحمل المسؤولية.
إخواني وأخواتي، هذه المُشاركات التي شاركتم بها والمُداخلات من الإخوة والأخوات من المُختصين والمُختصات، وكذلك المُشاركات بالاتصالات، والإجابة عن السؤال التفاعلي، وما حاورنا به خلال هذه الحلقات الثلاث؛ أرجو أن تكون نصب أعيننا، فالقضية جديرةٌ بالعناية والاهتمام.
مُلخصٌ ما سبق في نقاطٍ مهمةٍ
القسم الثالث: مُلخصٌ لما سبق في نقاطٍ مهمةٍ جدًّا:
الحاجات الإيمانية والروحية والعبادية والحاجة للتدين هي أكبر قضيةٍ تُساعد على الوقاية من الشهوات ودفعها، وفي الحديث: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تُجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله[13]أخرجه الترمذي ت: شاكر (2516)، وصححه الألباني.، فالصحابة كانوا يُعلِّمون أبناءهم الصغار ما يتعلق بأشراط الساعة؛ حتى تتعلق قلوبهم بالعظيم الجبَّار سبحانه .
والنبي كان يقول: سبعةٌ يُظلهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظله، وذكر منهم: وشابٌّ نشأ في عبادة ربه[14]أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031).، وكذلك قال : حُفَّت الجنة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات[15]أخرجه مسلم (2822).، وقال : ألا إن سلعة الله غاليةٌ، ألا إن سلعة الله الجنة[16]أخرجه الترمذي ت: شاكر (2450)، وصححه الألباني..
ونحتاج أيضًا أن نعي ما جاء في الآية: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ [التحريم:5]، إلى آخر تلك المُواصفات التي نحن بأمس الحاجة إليها، سواء كنا أزواجًا، ذكورًا وإناثًا.
والنبي يقول: لأعلمنَّ أقوامًا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسناتٍ أمثال جبال تهامة بيضًا، فيجعلها الله هباءً منثورًا فقيل: مَن هم؟ قال: أقوامٌ إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها[17]أخرجه ابن ماجه (4245)، وصححه الألباني.، فإشكاليتهم أن مُراقبتهم لله ضعيفةٌ، وهذا كله يُعطي حاجةً كبيرةً جدًّا إلى أهمية التربية الإيمانية، والوازع الديني، ومُراقبة الله؛ حتى لو خلا بمحارم الله لا ينتهكها، ولو ضعف رجع سريعًا بالتوبة النَّصوح، وما شابه ذلك.
وخذوا مثالًا: ما ذكره صاحب كتاب "ماذا خسر العالم من انحطاط المسلمين؟" حيث ذكر أن أمريكا قامت بحملةٍ إعلاميةٍ أنفقوا فيها أموالًا ضخمةً جدًّا لمنع الخمر، وأوجدوا سجنًا للمُخالف، ومع شدة تلك الإجراءات إلا أن عدد شاربي الخمر ازداد، وهذا يُعطينا دلالةً -كما ذكر صاحب هذا الكتاب باستنتاجه الجميل- على أنهم لم يُربوا على قضية المُراقبة الذاتية لله .
وفي إحدى السنوات في الثمانينيات في إحدى الولايات الأمريكية، كما أشار إلى ذلك الدكتور عبدالله الخاطر -رحمه الله- وهو استشاري الطب النفسي في إحدى رسائله: أن التيار الكهربائي قُطِعَ ثماني ساعات، فأُحصي في الساعات الثماني خمسة آلاف حالة سرقة، وما كانت موجودةً من قبل؛ لأن (الكاميرات) كانت تُشرف على الوضع، لكن لما ذهبت (الكاميرات) بذهاب الكهرباء أصبح لا رقيبَ، وليست هناك رقابةٌ ذاتيةٌ، ولا خوف من الله .
إذن الحاجة إلى الجانب الأخلاقي والقِيَمي والاجتماعي والسلوكي، وإشباع الجانب العاطفي -كما أشرنا إليها- مهمةٌ جدًّا؛ ولذلك نحن أيها الإخوة في أزمة إيمانٍ وأخلاقٍ، والأُسر تحتاج إلى العناية بالجانب الإيماني والسلوكي الأخلاقي.
وانتبهوا لهاتين القضيتين، فعندنا أزمة إيمانٍ؛ إذن لا بد من التربية الإيمانية، وأزمة أخلاقٍ؛ إذن لا بد من التربية الأخلاقية، ولا بد لنا في هذا وذاك من التربية العلمية؛ وعندئذٍ نبني أبناءنا علميًّا، وإيمانيًّا، وأخلاقيًّا، ونقيهم من الانحرافات والشهوات والشبهات، ونُعالجهم إذا حصل منهم الخطأ والخلل، وهذا لا بد منه، كما قال : كل ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التَّوابون[18]أخرجه الترمذي ت: شاكر (2499)، وابن ماجه (4251)، وحسنه الألباني..
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يُعيننا وإياكم على تلبية حاجات أُسرنا على مُراد الله ، ومُراد رسوله ، وهذه فرصٌ وتحدياتٌ ومخاطر فلننتبه لها أيها الإخوة.
وأسأل الله أن تكون هذه الحلقات الثلاثة في ميزان حسناتنا جميعًا، وأن يُوفقنا وإياكم، وأن ينفع بنا وبكم، وينفع بهذه الحلقات، اللهم آمين.
لقاؤنا القادم -بإذن الله- في الأسبوع القادم على خيرٍ مع التربية من خلال سورة الحجرات مع ضيفنا الدكتور: طارق الفارس، فكونوا معنا، بإذن الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | أخرجه البخاري (2554)، ومسلم (1829). |
---|---|
↑2 | "أدب المُجالسة وحمد اللسان" (ص106). |
↑3 | أخرجه الترمذي ت: شاكر (2516)، وصححه الألباني. |
↑4 | أخرجه أبو داود (495)، وصححه الألباني. |
↑5 | أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022). |
↑6 | "أدب المُجالسة وحمد اللسان" (ص59). |
↑7 | أخرجه البخاري (2554)، ومسلم (1829). |
↑8 | أخرجه البخاري (1491). |
↑9 | البيت في "نفح الطيب" (5/ 292)، و"الدر الفريد وبيت القصيد" (4/ 146) بدون نسبةٍ لقائلٍ. |
↑10 | أخرجه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (5284)، والطبراني في "المعجم الكبير" (614)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1990). |
↑11 | أخرجه أبو داود (495)، وصححه الألباني. |
↑12 | أخرجه الحاكم في "المستدرك" (2086) وقال: "صحيحٌ على شرط مسلمٍ"، وقال الألباني في "صحيح الترغيب" (20): "حسنٌ لغيره". |
↑13 | أخرجه الترمذي ت: شاكر (2516)، وصححه الألباني. |
↑14 | أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031). |
↑15 | أخرجه مسلم (2822). |
↑16 | أخرجه الترمذي ت: شاكر (2450)، وصححه الألباني. |
↑17 | أخرجه ابن ماجه (4245)، وصححه الألباني. |
↑18 | أخرجه الترمذي ت: شاكر (2499)، وابن ماجه (4251)، وحسنه الألباني. |