المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلَّم أجمعين.
أما بعدُ: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات مع برنامجكم الأسبوعي المباشر "أُسس التربية" من قناتكم قناة "زاد" العلمية.
عنوان لقائنا لهذه الليلة هو "التربية في الزمن الصعب (تجارب ونماذج)"، وهو موضوعٌ مُثيرٌ وخطيرٌ، نستضيف فيه سعادة الأستاذ محمد بن صليم القحطاني، الخبير التربوي.
حياك الله أستاذ محمد.
الضيف: يا مرحبًا، حيَّاك الله يا أبا عبدالرحمن، وشكرًا لكم على هذه الاستضافة.
المحاور: الله يحفظك ويُبارك فيك، نحن دائمًا أول ما نسأل نسأل عن العنوان: لماذا هذا الاختيار؟
الضيف: أحسنت يا أبا عبدالرحمن.
سبب اختيار العنوان
كثيرٌ من الناس يشتكون من صعوبة التربية، ويشتكون من صعوبة الزمان، والشاعر يقول:
نَعِيبُ زماننا والعيبُ فينا | وما لزماننا عيبٌ سِوَانا[1]"ديوان الإمام الشافعي" (ص106). |
والصعوبة مسألةٌ نسبيةٌ، لكن يمكن أن نُجيب على تساؤلٍ.
المحاور: الزمن صعبٌ.
الضيف: الزمن، إذا لم يكن هناك استعدادٌ جيدٌ تكون هناك صعوباتٌ.
المحاور: فعلًا.
الضيف: نحن لا بد أن نستعد لأي مواجهةٍ نُواجهها.
المحاور: يعني: إذا لم تكن هناك مُعطياتٌ للقضايا المُرتبطة بالتربية في مقابل مُتغيرات ستكون هُوَّةً كبيرةً ستؤثر في هذا الموضوع.
الضيف: على مستوى الأشياء المادية اليسيرة لو أردنا أن نذهب إلى رحلةٍ سياحيةٍ لم نستعد لها ستتحول إلى قطعةٍ من العذاب، لكن إذا استعددنا لأي صعوبةٍ سيكون أداؤنا فيها رائعًا وجيدًا، والنتائج إيجابيةً بإذن الله تعالى.
لماذا صَعُبَت التربية في هذا الزمان؟
يمكن أن نُجيب عن هذا السؤال: لماذا صَعُبَ هذا الزمان حتى ثقلت علينا التربية وأصبحت همًّا لدى الأُسَر والمؤسسات التربوية ولدى المُربين؟
يعني: صعوبة تُواجهها في تربية طفلٍ واحدٍ مثل صعوبة تربية ثلاثين طالبًا في فصلٍ، مثل صعوبة تربية جيلٍ لدى أمةٍ من الأُمم، أو دولةٍ من الدول.
يمكن أن أذكر ثلاثة محاور أو أربعة تتعلق بهذا السؤال: لماذا صَعُب هذا الزمان؟
أولًا: شركاء التربية السلبيون
كان الشارع في السابق يُربي، وكان نظيفًا، الآن الشارع أصبح خطرًا؛ لذا لا نرى أطفالًا في الشارع.
والإعلام كان يُربي ويُوجه، وبعض الدول تعتز بإعلامها، وربما بعضهم عدَّ إعلامه أفضل من الجامعات، لكن الإعلام الآن -خاصةً في العالم العربي- ربما يُحطِّم القيم أو يهزُّها نوعًا ما.
فشركاء التربية أصبحوا سلبيين، يعني: المدرسة كانت تُربي، والآن كثيرٌ من الناس في التعليم يشتكون من أنَّ المدرسة فقط إنْ كانت جيدةً فهي تُعلم، والتربية أصبحت خاليةً من هذه المحاضن، فإذا لم يجد المنزل شريكًا في المدرسة، أو في الشارع، أو في الإعلام، فأين يجد هؤلاء الشركاء الآمنون؟
المحاور: في السابق كان الواحد في البيئة الأُسرية يقول: والله المعلم يُربي، والمدرسة تُربي، ويأتي ويقول: هذا ابني بين أيديكم.
الآن أنت تقصد أن هناك معادلةً إذا صارت بهذه الصورة، ولم يكن هناك إعادة بناءٍ لها؛ ستُصبح القضية عكسيةً تمامًا.
الضيف: وأنا لا أُريد أن أظلم الميدان التعليمي، توجد نماذج مُربية.
المحاور: بلا شكٍّ.
الضيف: وهناك قاعدةٌ في التعليم تقول: اختر المعلم، ولا تختر المدرسة. يعني: ابحث عن المعلم الجيد لأبنائك في هذا الميدان، لكن كقالبٍ عامٍّ هناك سلبياتٌ ربما تصل للطفل من خلال الميدان التعليمي.
ثانيًا: مزاحمة التقنية ومواقع التواصل في التربية
في السابق كان المسجد يُربي، والمنزل يُربي، والشارع يُربي، والجيران يُربون، لكن الآن جاء شيءٌ جديدٌ وهو التقنية والتربية عن بُعْدٍ، فأصبحت شريكًا في التربية، وهذا إن لم نستثمره استثمارًا صحيحًا واعيًا سيتحول إلى عنصرٍ سلبيٍّ أيضًا.
المحاور: أنت ذكرتَ ما يتعلق بالمحاضن المعروفة، المؤسسة التربوية المعروفة عمومًا، المقصودة أو غير المقصودة التي لها نظامٌ، أو ليس لها نظامٌ، ثم أشرتَ إلى القضية الحاسمة التي أصبحت هي قضية التحدي اليوم، وهي قضية التقنية.
وما يكاد يمر لقاءٌ، أو في استشاراتٍ في برنامجٍ ... إلى آخره إلَّا وهذا الموضوع يكون حاضرًا، وهو الذي يُؤكد الهُوَّة التي أشرت إليها.
وأعجبتني (تغريدةٌ) للدكتور مصطفى أبو سعد أمس تقريبًا، يتحدث عن المشاكل التي تأتيه كثيرًا فيما يرتبط بالتقنية، فيقول: أبناؤنا هؤلاء الأطفال في سن 14 لا تُعطوهم الأجهزة الذكية، فأنتم تعطونهم هذه الأجهزة ثم تحصل مشاكل، ثم تأتون إليَّ، وأنا ليس عندي إجابةٌ سحريةٌ.
الضيف: خاصةً إذا وقع الفأس في الرأس، لكن التقنية نحتاجها، ولعله يأتي في المُعالجة أننا نحتاج إلى شيئين: تعلق التقنين والتوظيف، أحتاج أن أُقَنِّن، ثم أُوَظِّف، ولعلنا نوضحها لكن بذكر نقطةٍ أخيرةٍ تتعلق بصعوبة الزمان، وهي: أن هناك جانبين خطيرين:
الأول: انفتاحٌ لهذا الجيل ما كان موجودًا قبل ثلاثين سنةً.
الثاني: أصبح الجيل مُغرقًا في الماديات، حتى توجيه المُربي كله مادي، والمدرسة مادية، واللغة والخطاب العام إغراقٌ في الماديات بعيدًا عن الروحانيات والمعاني السامية والقيم والمبادئ، يعني: يقوم الطفل وينام على تقديس المادة وتعظيمها، مع هذا الانفتاح الهائل والخطير سنُواجِه مشكلةً في عملية التربية، وتُصبح كل هذه الصعوبات تحدياتٍ خطيرةً يصعب على الأسرة البسيطة مُجاراتها.
المحاور: والحقيقة أستاذ محمد، أكبر تحدٍّ حينما يكون المُربي الذي تُنتظر منه التربية هو فريسة هذا التأثر السلبي في الزمن الصعب، حتى أصبح يُربي بالماديات، يعني: لغة القيم وإحياء القلوب لا تكاد تكون موجودةً إلَّا مَن رحم الله .
الضيف: بل أصبحت لغة الإعلام الآن هي: تحطيم هذا الخطاب الوعظي، أو الإيماني، أو السلوكي، أو الأخلاقي، وأنه ما يُؤَكِّل عيشًا، وينبغي أن تسعى لتحصيل مطالب ومناصب ورواتب أعلى، وتقديس هذا الجانب، مع أهمية جزء من هذا الجانب لإقامة الحياة، لكن ليس على حساب القيم والمبادئ والأخلاق.
المحاور: ولا شك أنَّ هذه الثمار نتيجة التأثر بالمناهج التربوية غير الإسلامية، ونحن في مجال التخصص نعرف أن النظريات غير الإسلامية -وهي النظريات الغربية- قائمةٌ على الفردية والمادية، وهذه القضية حاضرةٌ في كل نظريةٍ مهما كانت هذه النظرية قديمةً أو حديثةً.
المربي مُعانٌ من الله
طيب، جميلٌ، إذن نحن هنا نقول بأن هذا الزمن الذي نعيشه هو زمنٌ صعبٌ، يعني: يمكن أن تتكلم حتى عن المسارات المختلفة أيًّا كانت: فكرية، أو سلوكية، أو أخلاقية، أو قيمية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، ... إلى آخرها، فالزمن صعبٌ؛ ولذلك الأمر يستدعي هنا الوقوف عند أهل التربية.
إذن ما المطلوب؟ نترك التربية يا أستاذ محمد؟
الضيف: لا، أبدًا، أولًا: الحمد لله نحن مُعانون على التربية، فالله هو المُربي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، فالله هو الذي يُربي النفوس، ويأتي بها، ويجعل هذه القلوب تُقْبِل؛ ولذا ينبغي على الوالدين أن يدعوا الله أن يهدي ولدهما: الله يفتح قلبه، الله يشرح صدره، وهذا مؤثرٌ جدًّا، حتى إن المربي الذي يُواجه مجموعةً من الطلاب يُربيهم في حلقةٍ، أو محضنٍ، أو في المدرسة، أو في منشطٍ طلابيٍّ، أو نادٍ صيفيٍّ؛ ينبغي أن يدعو الله ، ويسأل الله المدد، مع هذه الفتن المُدلهمة التي لا يحمي منها إلَّا الله تبارك وتعالى.
الأمر الثاني: مما يدل على أن المُربي مُعانٌ: إقبال نفس الطفل عليه، عندما يُقبل الطفل عليك، وهذا التفاعل والانفعال من قِبَل الطفل تجاه برامجك التي تُقدمها؛ هذا نوعٌ من الإعانة، وأيضًا دعم المجتمع الواعي والراقي: الأبوان، والمعلمون، والمساعدون، والمساندون، وفي التعليم هناك مشرفون تربويون، والأنشطة التربوية الموجودة في المراكز الاجتماعية، وهناك مَن يُشْرِف على المربي، وبالتالي يكون هناك نوعٌ من عدم الشَّطط والانحراف في هذه الأنشطة، فتكون في المحيط الآمن بالنسبة لأبنائنا.
المحاور: لكن ننتبه إلى أن الكثير من المتابعين من خارج السعودية -للعلم-، من الشمال الأفريقي، ومن أوروبا، فنتنبه أيضًا فيما يتعلق بهذه الرسالة، خاصةً الذين يعيشون مستوى من الصعوبة أشد، وخاصةً الذين يعيشون في بيئاتٍ ليست إسلاميةً؛ فيريدون أن يُحافظوا على الهوية.
الضيف: لا أحد يُنازعك في تربيتك أنت، إذا كنت تُريد أن تُربي أبناءك، أو تُربي مجموعةً من الطلبة في حلقة قرآنٍ، مهما كان هذا المكان الذي تُربي فيه، ولو كان في بيتك، أو في الصحراء، أو في أي مكانٍ، أو في مرفقٍ راقٍ، التربية هي التربية في أي مكانٍ.
المحاور: إذن لا خيارَ لنا؟
الضيف: نعم، لا خيار لنا إلَّا أن نُمارس عملية التربية، والأُمم كلها الآن، ووزارات التعليم والتربية في الدول جميعًا تُصرف عليها مبالغ ضخمة جدًّا، أحيانًا أكثر من وزارة الدفاع، والعالم كله مجمعٌ على أن الخيار هو التربية.
فمَن أراد التميز في الحياة الدنيا، والتميز الدراسي والسلوكي، ومَن أراد النجاة من هذه الصعوبات في هذا العصر الصعب لا بد أن يُمارس عملية التربية.
وأنا يمكن أن أذكر أشياء تُسهل عملية التربية، بإذن الله تعالى.
المحاور: إذن نحن نناقش الآن: كيف سنُربي في الزمن الصعب؟
فلا بد لنا من محاولة تذليل هذه الصعوبات التي قد يتوهم الإنسان أن من الصعوبة بمكانٍ أن نُربي ولدينا هذه المُتناقضات، أو المُتعارضات، ونحن نقول هنا: لا نستسلم أيها الإخوة، ولا خيارَ لنا، نعم لسنا وحدنا، ولكن لا بد لنا أيضًا من الصبر والتَّحمل، ومن ذلك ما يتعلق بقضية الإرادة الإيجابية والفعل.
وهنا مداخلةٌ، ائذَن لي أستاذ محمد.
الضيف: تفضل.
نموذجان للتربية في الزمن الصعب
المحاور: معنا الأستاذ عبدالكريم الغامدي، معلم تربية إسلامية، ومهتم بالشأن التربوي.
مرحبًا بك أستاذ عبدالكريم.
المتصل: أهلًا وسهلًا فضيلة الدكتور، حيَّاك الله، وحيَّا الله الأستاذ محمد.
المحاور: أهلًا بك، تفضل حبيبنا، ووقتك محدودٌ، ووقتنا كله محدودٌ أصلًا، الله يحفظك.
المتصل: الله يُعطيكم الصحة والعافية.
أولًا: أنا أُحييك يا أستاذي الكريم وأُثني عليك، ولك فضائل كبيرةٌ على أهل المحافظة عندنا في رأس تنورة، فشكر الله لك يا شيخ، وأنقل لك سلام الزملاء عندنا هنا.
المحاور: الله يحفظنا وإياكم جميعًا.
المتصل: أسعدك الله، المداخلة يا أستاذي أقول فيها: صحيحٌ أن التربية في الزمن الصعب تُواجه مصاعب كثيرةً، ولكن أُبشركم، أنا سوف أعرض عليكم نموذجًا، ثم أعرض عليكم نموذجًا آخر يبين أن الموضوع بالإمكان -إن شاء الله- تجاوزه ببذل المُستطاع فيه وإحداث تغييرٍ، إن شاء الله.
النموذج الأول: كوني معلم تربية إسلامية لاحظتُ وجود عائلةٍ عندنا -ما شاء الله! تبارك الله!- متفوقة دراسيًّا، وهو نموذجٌ مُشرقٌ في الحقيقة، وعندها مبادئ وقيم وأخلاق عاليةٌ جدًّا، ولما بحثتُ عن الأسباب التي أدَّت إلى هذه التربية الجميلة والمُتوازنة في مثل هذا الزمان وجدتُ أن الأسرة لها دورٌ كبيرٌ جدًّا في تربية هؤلاء الشباب -بعد توفيق الله - في ضبط وسائل الترفيه، وكنتُ أتواصل مع أحد الخريجين الذين كانوا معنا، فقلت له: ما سبب تفوقكم؟
المحاور: هذا السؤال لأحد الأبناء؟
المتصل: نعم، أنا سألتُ أحد الأبناء الذين تخرَّجوا من عندنا، وهو الآن عندكم في الجامعة يا شيخ.
المحاور: حيَّاه الله، فماذا قال لك؟
المتصل: في العلوم الصحية.
المحاور: ماذا قال لك؟ أنت لما تقول: العلوم الصحية، فمعنى هذا أنه متميزٌ، ما شاء الله.
المتصل: متميزٌ جدًّا، ومتفوقٌ دراسيًّا.
المحاور: طيب، ماذا قال لك؟
المتصل: قلت له: أنت تخرجتَ من عندنا قبل سنتين، فما الأشياء التي أدَّت إلى تميزكم؟ فأخبرني.
المحاور: هذا من نفس الأسرة التي تتكلم عنها؟
المتصل: نعم، أنا ما أتكلَّم عن واحدٍ، فالأسرة خرَّجت لنا -ما شاء الله- أربعةً، ولا زال عندنا واحدٌ يدرس.
المحاور: ما شاء الله، طيب، فماذا قال لك حبيبي؟
المتصل: أخبرني أنَّ في البيت جوًّا أُسريًّا تربويًّا راقيًا جدًّا.
المحاور: طيب، هل يمكن التوضيح أكثر؟
المتصل: بالنسبة لوسائل الترفيه ووسائل التواصل يقول: أنا ما استلمت الجوال إلَّا يوم كنت في ثالث ثانوي. ويقول: أنا ما كنت أشعر أني محتاجٌ له أصلًا.
يقول: نحن في البيت عندنا اكتفاءٌ، وما نحس أننا نحتاج هذه الأشياء. قلت له: كيف؟ وضِّح. قال: عندنا الوالدة مُهتمة ومُعتنية بنا جدًّا: الوجبات في وقتها، وهي ثلاث وجباتٍ: إفطار، وغداء، وعشاء. قلت له: طيب، كيف وضع النوم؟ قال: النوم عندنا بشكلٍ مستمرٍّ من الساعة التاسعة أو العاشرة، وننام مبكرًا، ويمر علينا الوالد في الصالة أو في مكان كذا ويقول: يا أولادي، ما عندكم؟ لماذا تسهرون؟ ناموا، فغدًا عندنا -إن شاء الله تعالى- صلاة الفجر، والدوام، وكذا.
المحاور: واضحٌ، إذن أنت يا أستاذ عبدالكريم -على أساس الوقت أيضًا- تُبرِز عامل الضبط المتعلق بالجانب التربوي في الأسرة فيما يرتبط بقضية الوقت، وما ذكرت في الوجبات والنوم المبكر، وكذلك ما يتعلق بالقضية الحاسمة المهمة التي أشرنا إليها قبل قليلٍ، وهي: وسائل التواصل الاجتماعي والتقني. جميلٌ، فما هو النموذج الثاني، الله يحفظك؟
المتصل: أقول: دورنا كمعلمين في مثل هذه الحالة: دعم، وتحفيز، ونُخطط لدروسٍ عن العشرة المُبشرين بالجنة مثلًا، وإبراز هؤلاء القدوات أمامهم، والذي تعيشونه أنتم الآن عاشه قبلكم أناسٌ، ولما تصبروا أنتم ... غيركم لما صبر تفوق، وأصبح له أثرٌ كبيرٌ في الإسلام والمسلمين. فنحن دورنا دعم وتحفيز، وأما النموذج الثاني.
المحاور: سريعًا، الله يحفظك؛ لأن المداخل الآخر على الخط، تفضل.
المتصل: طالبٌ عنده مشكلةٌ، ودور المعلم أن يكتشف المشكلة.
المحاور: في أي مرحلةٍ حبيبي؟
المتصل: في المرحلة الثانوية، كان عندنا طالبٌ منعزلٌ ومنطوٍ، يجلس في آخر الصف، وينام، وكنتُ أُدرس مادة القرآن، فما حفظ ولا سطر من المقرر الذي عليه، فحاولت أن أعرف ما المشكلة؟ فدنوت منه في إحدى الحصص، واقتربت منه كثيرًا، وجلست إلى جوار كرسيه، وسألته: يا فلان، ما الذي جرى لك؟! لماذا لا تحفظ ولا صفحة، ولا آية من كتاب الله؟! انفجر بالبكاء، وتفاجأت أنا من الموقف، وأخذت الولد وأخرجته خارج الصف، وجلستُ معه في غرفة المعلمين، وما كان فيها أحدٌ، عسى خيرًا، ماذا بك؟ قال: والدتي تُوفيت منذ أربع سنوات، ولم أستطع أن أنساها.
ونحن لما عرفنا المشكلة مباشرةً بدأنا في العلاج والدعم النفسي، وقلنا له: نحن معك في مقام الوالد والوالدة بالدعم النفسي والمعنوي.
المحاور: أنت لست مُرشدًا طلابيًّا، ولكن معلمٌ.
المتصل: نعم.
المحاور: ما شاء الله! هذا ما يُسمَّى: بالمعلم المرشد، وهذا الذي نُطالب به حقيقةً، أحسنت يا أخي، تفضل.
المتصل: وبعد ذلك حوَّلناه للمرشد الطلابي، وبدأ في جلسةٍ سلوكيةٍ علاجيةٍ، والحمد لله تحسَّن حاله، وأصبح من أفضل الطلاب.
المحاور: هنيئًا لكم، أحسنت، شكرًا أستاذ عبدالكريم.
المتصل: شاكرٌ لكم يا دكتور، والله يُعطيكم الصحة والعافية.
المحاور: أشكرك شكرًا جزيلًا على هذا الأمر، ولا شك أنه مهما كانت الظروف -أيها الإخوة- فنحن قادرون -بإذن الله- إذا وُجدت -كما أشار الأستاذ محمد- الإرادة والعمل على النفع وإخراج مثل هذه النماذج، بإذن الله.
معنا مداخلةٌ أُخرى مع الأستاذ عبدالكريم أبي عبدالله، معلم وخبير في تربية المُراهقين.
تفضل، كيف نستثمر الزمن الصعب في التربية أستاذ عبدالكريم؟
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك.
المتصل: الله يُحييك، وشكر الله لكم على إتاحة الفرصة لهذه المُداخلة.
المحاور: يا مرحبًا.
المتصل: وأرجو ألا أُطيل عليكم، إن شاء الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا أولًا أبدأ مُستعينًا بالله في موضوع التربية، والحقيقة أن الله كتب الابتلاء على عباده في إقامة أنفسهم على أمر الله وطاعته وعبوديته، والله يقول: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2]، فكيف إذا جمعنا إلى ذلك -أي: إلى تربية أنفسنا- تربية غيرنا من الناس؟ فكما أن النفس تتنازعها أهواء وملذَّات وعادات؛ فتُبطئ في السير إلى الله ، فكذلك هم الناس ومَن نُريد تربيتهم.
فأقول: أحسنتم في اختيار مُسمى الحلقة: "التربية في الزمن الصعب"، ولكن أقول أيضًا: هل ظن الآباء والمُربون يومًا ما أن التربية سهلةٌ، يسيرةٌ؟ التربية دومًا ...
المحاور: إذن أنت تُعقدها أستاذ عبدالكريم، جزاك الله خيرًا.
المتصل: نعم.
المحاور: تفضل.
المتصل: التربية دومًا صعبةٌ، وبحاجةٍ إلى عونٍ من الله وتوفيقٍ.
المحاور: لا شك.
المتصل: ولكن أيضًا نحن بحاجةٍ إلى تصحيح المفاهيم لدينا كمُربين وآباء ومعلمين.
وتصور: ما هي القيم التي نحتاج إليها، والمهارات، والأدوات، مثل: الحوار، وحل المشكلات .. إلى آخره؟ وأيضًا نحتاج إلى شيءٍ مهمٍّ، وهو ما نُسميه نحن: المزاج التربوي.
المحاور: المزاج؟
المتصل: مع زحمة الحياة أصبح المربي يفتقد المزاج، ومُنهمكًا في أمور حياته اليومية، سواء كانوا آباء، أو معلمين، أو مُربين.
فأحيانًا السرعة التي نُشاهدها فيما حولنا فيما نسمع ونُشاهد تُعكر المزاج، وبالتالي يُريد الواحد أن يُربي كما يسلق البيض، وهذا لا يتأتى معه.
المحاور: يعني: يجعل التربية مزاجيةً.
المتصل: بالضبط، مزاجٌ، لا، نحن نُريد مزاجًا تربويًّا يتمكن من خلاله المُربي من النظر بشكلٍ جيدٍ في شؤون المتربي، ويكون لديه بُعْد نظرٍ فيما يُصلح حاله، فنحن نمتلك أحيانًا تصوراتٍ وأدواتٍ ومهاراتٍ، لكن نُريد أن نأخذ ما تعلمناه من هذه المهارات والقيم ... إلى آخره، ونُسقطها في كل واقعٍ تربويٍّ، أو على كل فردٍ نُريد أن نُربيه، يعني: كما يقول أحد المُربين: كالطباخ الذي لديه مقادير الطبخة، ولكن هناك فرقٌ بين طبخةٍ وأخرى، وهذا يُدركه الطباخ نفسه، يعني: متى يزيد ويُقلِّل في هذه المقادير؟ وكل موقفٍ له حالةٌ.
المحاور: وكل إناءٍ بالذي فيه ينضح.
المتصل: بلا شكٍّ.
المحاور: جميلٌ، إذن أستاذ عبدالكريم أنت هنا تُركز على ماذا؟
لو اختصرنا كلامك السابق حتى يكون واضحًا للمُستمعين وللمُشاهدين.
المتصل: هذه مقدمةٌ فقط لأُشير إلى أنه بإمكاننا أن نُحَسِّن ونُسَهِّل التربية على أنفسنا بامتلاك أدواتها، ومفاهيمها، ومهاراتها، وقِيَمها، ويكون لدينا المزاج الصالح للتربية.
المحاور: طيب، أنت أستاذٌ في المرحلة المتوسطة، وهي من المراحل الصعبة في التعامل، حتى من الناحية التقييمية في الخصائص، فهي مرحلةٌ عمريةٌ من أصعب المراحل، فكيف استطعت أن تُواجه مثل هذه القضية مع صعوبة المرحلة بخصائصها، وصعوبة الزمن؟
المتصل: منذ انخرطتُ في العمل التعليمي والتربوي في المرحلة المتوسطة كنتُ أظن أن جميع المراحل بنفس المستوى، لكن لما خرجت من هذا الإطار ومارست شيئًا مع مَن هم دون المرحلة المتوسطة -وهي الابتدائية-، وكذلك مع مَن هم أعلى في المرحلة الثانوية؛ وجدت أن المرحلة المتوسطة هي المرحلة الأصعب.
المحاور: قنطرة المراحل حقيقةً.
المتصل: بالضبط، أحسنتَ يا شيخ، هي المرحلة الأصعب في موضوع التربية.
المحاور: ماذا حصل أستاذ عبدالكريم؟ نختصر، حفظك الله.
المتصل: أنا أريد أن أُشير إشارةً إلى أنه من الضروري حتى نتغلَّب على الزمن الصعب هذا ...، وصعوبة الزمن في الحقيقة نحن الذين نقول عنها: صعبة، والبعض يقول: "زمنٌ صعبٌ" حتى يُعفي نفسه من التربية.
المحاور: صحيحٌ.
المتصل: ويقول: الزمن صعبٌ، والولد الآن الشارع والتقنية وغير هذه الأمور هي التي تُربيه، وهكذا، فيتخفف هو عن مسؤولية التربية.
والحقيقة أن هناك دوائر ومناطق كثيرةً لم نُجرب أن ندخلها في تربية أبنائنا ومَن تحت أيدينا، فعلينا أن نخوضها ونقتحمها، والزمن الصعب فيه تحدياتٌ، وفيه فرصٌ أيضًا.
المحاور: هل يمكن الإشارة إلى فرصةٍ أو فرصتين من هذه الفُرص؟
المتصل: من الفرص الآن البدائل الموجودة.
المحاور: لأننا في هذه الحلقة نُريد الجانب العملي والتجارب والمواقف؛ لأنها أكثر من الجانب النظري، إذا بالإمكان أستاذ عبدالكريم.
المتصل: الاختيارات والبدائل التربوية أصبحت متعددةً، واليوم يقولون: الانفتاح جلب إلينا بدائل كثيرةً، واقتصر النظر ربما إلى الجانب السيئ من هذا الانفتاح.
المحاور: تقصد مثلًا: استثمار وسائل التواصل والتقنية؛ ولذلك سنجد أن الطلاب يمكن أن يُجيدوا الاستثمار في هذه القضية، ويُنتجوا إنتاجًا جيدًا، وعندئذٍ نستطيع أن نصرفهم عن الجانب السلبي.
المتصل: نعم، هذا جانبٌ، وجانبٌ آخر: أن هناك محاضن -بفضل الله تعالى- تنوعت فيها المهارات؛ بدءًا من تعليم كتاب الله ، ومجاميع حفظ السنة، وكذلك المحاضن التي تُنمي المهارات الشخصية، سواء الرياضية، أو المهارات التطويرية الذاتية المتعلقة بجوانب العقل، ومهارات التواصل الكبيرة جدًّا.
المحاور: إذن نأخذ من كلامك أنه لا يأس حتى مع هذا الزمن الصعب، فإننا نستطيع بتوفيق الله أولًا ثم بجهدنا أن نرتقي بهذا الجيل مهما كانت صعوبة هذا الجيل، وما يتعلق بالمرحلة، وما يتعلق بالزمن.
شكرًا لك أستاذ عبدالكريم.
المتصل: إن أذنتَ لي في دقيقةٍ واحدةٍ.
المحاور: سريعًا، الله يحفظك.
المتصل: في دقيقةٍ واحدةٍ فقط أقول: ما معالم هذا الزمن الذي نعيش فيه والتي يتميز بها حتى نستثمرها؟
منها أولًا: التفاعل، فالابن اليوم لا يمكن ...
المحاور: صحيحٌ، يحتاج إلى بيئةٍ حواريةٍ.
المتصل: لا بد أن نتفاعل معه، فإنْ تركناه وحده سيتفاعل مع الأجهزة والتقنية، فلا بد أن نخرطه في محاضن نافعةٍ، بيئتها حسنةٌ تُغذيه، وبيئة الوالدين هذه طبعًا قبل أي بيئةٍ أخرى، وتُتاح له الفرصة لطرح تساؤلاته ومُناقشاته، واللعب معه ... إلى آخره.
الشيء الآخر -كما ذكرنا- تعدد البدائل والخيارات، أيضًا لا بد أن نُعطيه معايير حتى يُحْسِن اختيار البديل، وتقديم رضا الله ، وأن يعي مصلحة البديل الذي يختاره وعواقبه، خاصةً في الأمور الدنيوية، حتى تكون لديه أداةٌ يُحْسِن بها اختيار البديل الذي يختاره مع التعدد الموجود الآن.
المحاور: الله يُعطيك العافية أستاذ عبدالكريم.
المتصل: شكر الله لك.
المحاور: أفدتنا، أفادك الله، وشكرًا لك على هذه المُداخلة الطيبة.
من الرهاب الاجتماعي إلى الخطابة والتدريب
ننتقل الآن مع الطالب مشاري أبي حسن، وله تجربةٌ ربما مع ضيفنا.
فمرحبًا بك أخي مشاري، السلام عليكم.
المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله.
المحاور: حدِّثنا عن تجربتك مع أحد المعلمين، ويُدعى الأستاذ: محمد صليم القحطاني.
المتصل: أي نعم، وأنعم به، والله أستاذ محمد.
المحاور: تفضل حبيبي، واختصر لنا، الله يحفظك.
المتصل: من خلال تجربتي مع الأستاذ محمد كنتُ في بداية أول ثانوي ما أشعر أني حققتُ إنجازاتٍ كثيرةً، كان هو مدرسي في اللغة العربية، وكانت عندي مشكلتان: مشكلة في اللغة العربية، ومشكلة في اللغة الإنجليزية.
ففي اللغة العربية -وهي لغتنا- كنت أُعاني من التأتأة بشكلٍ غير طبيعيٍّ، ومن ناحية اللغة الإنجليزية كنت لا أُجيدها، لدرجة أن كل المواد أنجح فيها إلا هذه المادة، وكنت أحصل في كل المواد على "ممتاز" إلا الإنجليزي، فكنت ضعيفًا، وطبعًا العربي نوعًا ما وسطٌ.
المحاور: ماشي الحال.
المتصل: وكنت وقتها أقول: إلى متى أجلس على هذا الحال؟ لماذا لا آخذ دوراتٍ وألتحق بأناسٍ مستوياتهم عالية، وأُطور من مستواي؟
وكانت الدورات بالنسبة لي لا تُعطيني الدافع الكامل لأُحقق النجاح، كانت تُعطيني دافعًا بنسبة ثلاثين بالمئة، والسبعين بالمئة هذه اكتشفت أنها تنبع من داخل الواحد، وهي الإرادة والعزيمة.
المحاور: يعني: ما شاء الله عليك دخلت دوراتٍ، ومع ذلك رأيت أنَّك حققت ثلاثين بالمئة فقط.
المتصل: فقط.
المحاور: وهذه رسالةٌ للإخوة الذين يهتمون بهذا الجانب، مع أهميته، إلَّا أن الأمر المهم جدًّا مُتعلقٌ بالشيء الداخلي.
المتصل: نعم، وهناك سببٌ ثانٍ يمكن أن يستغرب منه البعض، وهو: انتقاد الناس، هو أكثر شيءٍ حفَّزني على الاستمرار في طريق النجاح، ففي مرةٍ من المرات أذكر -والحمد لله- أني حققت هذا الإنجاز، ويشهد عليه الأستاذ محمد الصليم، ألَّا وهو: أنني ألَّفت روايةً، وأحد الشباب لما عرضتُ عليه هذه الفكرة قام يضحك، ويقول لي.
المحاور: مَن أنت حتى تفعل ذلك؟!
المتصل: يعني: كالذي يريد أن يُحطمني، فقلت له: سأُريك. فقال لي: لك الذي تريد. فحققت هذا الإنجاز، والحمد لله، ألَّفتُ روايةً، لكن ما نشرتها؛ لأنها تحتاج إلى تطويرٍ.
المحاور: ما شاء الله! وعرضت الرواية على الأستاذ محمد؟
المتصل: نعم.
المحاور: أجل، عُد إلى مُذاكرتك، بارك الله فيك، وأنت نتاجٌ من نتائج البيئة الإيجابية في التربية في الزمن الصعب، بارك الله فيك، ونفع الله بك أستاذ مشاري.
الضيف: اسمح لي، الله يحفظك.
المحاور: تفضل حبيبي.
الضيف: يعني: الأخ مشاري -جزاه الله خيرًا- تم التركيز معه لإزالة ما يُسمى بـ: الرهاب الاجتماعي، ومعالجة التأتأة من خلال تمارين لغويةٍ، وتجاوز هذه الأزمة، وبدأ ينطلق؛ فحفظ شيئًا من القرآن، وصار يخطب الجمعة في مسجده، وصار يُلقي دوراتٍ تدريبيةً لزملائه وأقرانه، وصار يُواجه الجمهور بكل شجاعةٍ، ويخرج في الإذاعة الصباحية، وكان ذلك أشبه بالمُعاناة.
المحاور: طيب، اسمح لي قبل الفاصل بهذا السؤال: لماذا أشغلت نفسك يا أخي؟! كنت أرحتَ نفسك، وقدَّمتَ محاضرتك أو حِصصك يا أستاذ محمد، وتركت مشاري وأمثاله.
الضيف: لما تعرفت على مشاري لأول مرةٍ كنت أتمزق من الداخل، لو كان هذا ولدي، أو كنت أنا بنفس هذا الوضع، وأنا قادرٌ على إنقاذه، لماذا لا أُقدِّم له شيئًا؟ فالتفت إليه، وأعطيته جزءًا من وقتي، وهو جزءٌ قليلٌ لا يُذْكَر، لكن مشاري -ما شاء الله- أرضٌ طيبةٌ، وبدأ يُنبت نباتًا حسنًا.
المحاور: والدراسات أستاذ محمد دلَّت دلالةً كبيرةً جدًّا على أن الرعاية والاهتمام الذي يُظهره المُربي للمُتربي هي من أوائل القيم والأخلاق والجوانب التي تُؤثر بالجيل.
شكرًا لك أخ مشاري، ومُوفَّقٌ -إن شاء الله تعالى-، وشاكرين لهذه المُشاركات الجيدة.
معنا فاصلٌ أيها الإخوة، كونوا معنا.
الفاصل:
الكثير من الصراخ والصَّخب، ونوباتٌ من التَّسخط والغضب، وشجارٌ مستمرٌّ لا ينطفئ له لهبٌ، مظاهر واضحةٌ على عصبية الطفل، واختلال التوازن الشعوري لديه، وترجع أسباب ذلك إلى تحقيق رغبات الطفل كلها دون مُمانعةٍ، وقسوة الوالدين الشديدة، والتعنيف لأبسط الأسباب، والغيرة الناتجة عن التفريق في معاملة الأبناء، وتفضيل بعضهم على بعضٍ، والاضطراب الأُسري، وغياب الدفء والعطف الذي يحتاجه الطفل، وتقليد الوالد أو الوالدة، إذا كان كثير الغضب أو الانفعال، وقد يكون السبب مرضيًّا كما في حالات اضطرابات الغُدة الدَّرقية، واضطرابات الجهاز الهضمي.
ويُؤكد علماء التربية أن شخصية الفرد تتحدد في السنوات الأُولى من عمره؛ ولهذا كانت التربية على المشاعر المُتوازنة من أهم المفاهيم التي ينبغي تعلُّمها والتركيز عليها.
فمن وسائل مُعالجة عصبية الأبناء وإحداث التوازن الشعوري لديهم: تقوية العلاقة بين الطفل ووالديه، فكلما كان حُب الطفل لوالديه كبيرًا زاد تقبله لهما، واستجابته لمطالبهما، وتجنب القسوة ورفع الصوت، والابتعاد عن التوجيه المباشر بصيغ الأمر والنهي، والشرح والتفسير أثناء طلب فعلٍ ما من الطفل، فمعرفته بأسباب قيامه بهذا الفعل يجعله مستعدًّا لتنفيذه وهو سعيدٌ ومُتحمسٌ له، والاحتواء، وإتاحة المجال للطفل للنقاش، وعرض رأيه، والإصغاء إلى شكواه مهما كانت بسيطةً، وتدريب الطفل على التعبير عن مشاعره السلبية بالكلام بعيدًا عن الصراخ والبكاء وقضم الأظافر، فالحزم في التعامل مع غضب الطفل وصراخه، فلا يكون سببًا للعدول عن القرارات؛ لأن هذا سيُعزز سلوك الغضب لديه، ويُعوِّده على نيل مطالبه بكثرة البكاء والإلحاح، والحذر من مقابلة الصراخ بالصراخ، والغضب بالغضب، فالواجب مقابلة الغضب بالهدوء والاتزان، وتخلُّق الوالدين بالحلم وضبط النفس، فهما قدوة الطفل، فالثبات على المبدأ، فلا يتشدد الوالدان مرةً، ويتساهلان مرةً أخرى في الأمر نفسه، ومراعاة الفروق الفردية بين الأطفال، فلا يطلب الوالدان من الطفل أمرًا لا يتمكن من إنجازه، وتوضيح وشرح الآداب الشرعية الدافعة للغضب، وبيان أن القوة الحقيقية ليست في العصبية والغضب، بل في كبح جماح الإنسان لنفسه عند الغضب، قال النبي : ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب[2]أخرجه البخاري (6114)، ومسلم (2609)..
أهمية العبارات التربوية
المحاور: أيها الإخوة والأخوات، ما زلنا معكم نتحدث عن "التربية في الزمن الصعب"، ومعنا الأستاذ محمد صليم القحطاني، الخبير التربوي.
مرحبًا بك أستاذ محمد.
طيب، معنا مداخلةٌ من الدكتور عبدالله بن سليمان المرزوق، مدير مكتب التربية والتعليم في جنوب بريدة سابقًا.
مرحبًا بك دكتور عبدالله.
المتصل: السلام عليكم، وأهلًا بك ومرحبًا.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل، والوقت محدودٌ معك، الله يحفظك.
المتصل: بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا يا شيخ، وشكر الله لك ولضيفك الكريم الأستاذ محمد، وشكر الله لجميع المُداخلين وللمُستمعين والمُستمعات.
في الحقيقة الموضوع في غاية الأهمية، ولعلي أتناوله من زاويةٍ تفاؤليةٍ، فالتفاؤل مطلبٌ في كل وقتٍ، وخاصةً في مثل هذا الوقت الذي نحن فيه، نعم، هناك صعوبةٌ، وهناك زمنٌ صعبٌ نعيشه، وهناك أشياء تصرف الطلاب عن التحصيل في المجال العلمي والتربوي، لكن أيضًا هناك بذلٌ جيدٌ، وهناك أرضٌ خصبةٌ يمكن أن يستفيد منها أبناؤنا الطلاب والطالبات بشكلٍ إيجابيٍّ.
ولعلي أُشير أخي الكريم إلى موضوعٍ في غاية الأهمية، ألا وهو مسألة: دورنا كمُربين مع أبنائنا الطلاب وبناتنا الطالبات، ما هو دور المُربين والمُربيات في مثل هذا الجانب؟
دورٌ كبيرٌ جدًّا، أخي الكريم، والعبارات التربوية عنوانٌ عريضٌ مهمٌّ أن نُركِّز عليه في حديثنا مع المعلمين والمعلمات، والمُربين والمُربيات، والآباء والأمهات.
العبارة التربوية أن نعتني بها كثيرًا، فلها أثرها البالغ، ولعلي لا أُطيل في هذا الجانب، لكن سأذكر لك ما يتيسر من المواقف.
المحاور: يا ليتنا نُراعي الوقت دكتور عبدالله؛ لأننا في زحمةٍ من وقتنا، فلو نأخذ مثالًا واحدًا ونكتفي به لبيان ما لديك، وأيضًا ضبط النقاط، مع حاجتنا الكريمة لهذه المُداخلة.
المتصل: جميلٌ جدًّا، موقفٌ واحدٌ: حدثني أحد الزملاء، وهو مدير مدرسةٍ، يقول: كان عندنا معلمٌ يُحسن اختيار العبارة، ونكتبها للطالب.
والعبارة التربوية -كما هو معلومٌ- إما أن تكون مكتوبةً ومنطوقةً، والعبارة المكتوبة لا شكَّ أنها أعمق أثرًا؛ لأنها تبقى مع الطالب حين يحتفظ بها على مدى ثلاثين أو أربعين سنةً، فهذا أحد المعلمين كان يكتب العبارات التربوية الإيجابية، فيقول: كتب لأحد الطلاب اسمه عمرو: "عَمَرَ الله قلبك بالإيمان يا عمرو".
المحاور: ما شاء الله!
المتصل: يقول: من الغد جاء ولي الأمر -وهو الأب- إلى المدرسة يسأل: أين الأستاذ فلان؟ وحينما دلُّوه عليه أمسك به بقوةٍ، وسلَّم عليه بحرارةٍ شديدةٍ، حتى إن المعلم استغرب وهو يسمع الأب يقول: ماذا عملت لابني؟ يقول: أتذكر ماذا عملت؟ هل أخطأت في حقِّ أحدٍ؟ فقلت له: مَن ابنك؟ قال: ابني عمرو. فتذكرت الموقف، ثم قال الأب: هل تعلم يا أستاذ أن هذه العبارة التي كتبتها غيَّرت مجرى حياتنا في البيت كله؟ بسبب عبارةٍ واحدةٍ.
المحاور: ولم يحسب لها حسابًا، يعني: بالنسبة للأثر؟
المتصل: نعم، ما كان يحسب لها حسابًا، فليتنا فعلًا نتواصى جميعًا، سواء من المعلمين والمعلمات، أو حتى من الآباء والأُمهات، فالعبارة التربوية ليست فقط عبارة شكرٍ، أقول: أحسنتَ، وشكرًا، لا، ماذا أُريد من الطالب؟ ما الذي أتوقعه من الطالب؟ لو كتبنا مثلًا للطالب: أشكرك على كذا وكذا. أو: آمل أن أراك غدًا -مثلًا- طبيبًا.
المحاور: أن تكون العبارة ذات بصمةٍ تربويةٍ واضحةٍ ومفيدةٍ ونافعةٍ.
النقطة الثانية، حفظك الله.
المتصل: النقطة الثانية: أننا في هذا الوقت بحاجةٍ إلى أن نُركِّز في جانبنا التربوي على أبنائنا الطلاب والطالبات، وأيضًا يجب أن نضبط تصرفاتنا معهم، بحيث نُحسن التعامل مع أبنائنا وبناتنا، فيُحسن المعلم التعامل مع طلابه، والمعلمة مع طالباتها، فمشكلة كثيرٍ من الطلاب أنهم قد لا يجدون الأسلوب الأمثل الذي يُعالِج إشكاليتهم، فكل واحدٍ من الطلاب أو من الطالبات هو عالَمٌ مُستقلٌّ بذاته، له مشاكله، وإيجابياته، وسلبياته، فمَن الذي يستطيع أن يتعامل مع كل هذه المُعطيات التي عند الطالب بشكلٍ جيدٍ؟ هذا هو الذي ينجح، وأُبشركم أن الناجحين -بحمد الله- كثيرون.
المحاور: جميلٌ، جزاك الله خيرًا، هل بقي شيءٌ دكتور عبدالله؟
المتصل: بقي -إن شئتَ- موقفٌ أعتبره من المواقف الإيجابية لأحد زملائنا، كان مشرفًا، ثم عاد إلى الميدان معلمًا، وكان يطرح مع المعلمين أهمية أن يكتبوا عبارات، وطبَّق هذا عندما كان معلمًا، فعندما زرته في إحدى المدارس قال لي مدير المدرسة: اطلع على هذه الدفاتر. فإذا المعلم قد كتب للطالب: "أشكرك على حُسن ترتيبك وتنظيمك لدفترك، رزقك الله برَّ والديك، وأرجو أن أراك طبيبًا مسلمًا".
تعلم أخي الكريم أن الطالب تأثَّر بهذه العبارة التي كتبها له مُعلمه، وحرص فعلًا على أن يكون طبيبًا مسلمًا، والطالب يعرف أنَّ "مسلمًا" ليس مقابل "كافر"، وإنما "مسلم" أي: أنَّك تتمثل أخلاق الإسلام في دقة مواعيدك، وحرصك على مصلحة مرضاك، وعلى أن تقوم بعملك على الوجه الأكمل.
المحاور: شكرًا.
المتصل: هذه المواقف أرى أنها مُؤثرةٌ.
المحاور: وهي كما تفضلت عباراتٌ قليلةٌ، لكن ذات أثرٍ كبيرٍ.
المتصل: ذات أثرٍ كبيرٍ.
المحاور: فنحن قد لا نحتاج إلى المهارات العالية، والتقنيات الحديثة، والتجهيزات الكبيرة، نحتاج كما تفضلتم إلى التعامل الحسن، وإشباع الرَّغبات.
المتصل: والعبارة التربوية التي ننقل من خلالها رؤيتنا عن الطالب.
المحاور: أحسنت، وإشباع الجانب الوجداني، شكرًا لك دكتور عبدالله المرزوق على مُداخلتك الطيبة.
إذا كان عندك تعليقٌ سريعٌ دكتورنا.
الضيف: ذكر نقطةً جميلةً الدكتور عبدالله، فقال: كل طالبٍ يحتاج إلى دراسةٍ خاصةٍ، يعني: أي ابنٍ أو طالبٍ نُركز عليه، أنا أعتبر هذه العبارة: "كل طالبٍ حقيقةً يحتاج إلى قراءةٍ خاصةٍ" رسالة (ماجستير) أو (دكتوراة).
المحاور: يُضاف إليها مثال الأستاذ عبدالكريم الذي ذكر عن الطالب الذي تُوفيت أُمه، وكيف اهتموا به؟ وكيف استطاعوا أن يُغيروا من وضعه؟
الضيف: أحسنت.
المحاور: جميلٌ، نختم مع هذه المداخلة مع الأستاذ قاسم بن محمد الفارس، معلم المرحلة الثانوية في دورة التعليم.
مرحبًا بك أستاذ قاسم، حيَّاك الله.
المتصل: الله يُحييك، ويُبارك فيك.
المحاور: ويا ليت أن تكون خاتمةٌ بمُداخلاتٍ مُختصرةٍ، وتثبت لنا الجدارة بالنفع والاختصار، بارك الله فيك، تفضل.
المتصل: جزاك الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبينا محمدٍ، وجزاك الله خيرًا دكتور خالد، وجزى الله ضيفك الأستاذ محمد.
أثر الأم الصالحة على الأبناء
حقيقةً الموضوع حينما تقولون: "التربية في الزمن الصعب"، أقول: يعني: فعلًا زمنٌ صعبٌ، لكن هنيئًا للمُربين والآباء والمعلمين والمُوجِّهين، سيذهب التعب، ويبقى الأجر، وموضوع النماذج الجميلة التي لاحظت فيها تغيرات في بعض الشباب، ولدي نموذجٌ عندنا في المسجد منذ أكثر من 18 سنة تقريبًا: شبابٌ صغارٌ في المرحلة المتوسطة يُحافظون على صلاة الفجر، فاضطررت في يومٍ من الأيام إلى أن أُكرمهم تكريم هدايا وجوائز أمام الآباء والمصلين، لكن شدَّ انتباهي والدهم -رحمة الله عليه-، وهو رجلٌ عاديٌّ، ليس مُطوَّعًا كما يقولون، فبعد يومين من التكريم المُفاجئ لهم إذا بوالدتهم تُقدِّم تكريمًا وهديةً لمَن كرَّمهم إمام المسجد، فعلمت بعد ذلك أن هناك سرًّا في البيت؛ هناك أُمٌّ صالحةٌ ومُهتمةٌ وحريصةٌ على تربيتهم.
هذا الكلام منذ أكثر من 18 سنة، وتمر الأيام فإذا بأحد هذين الولدين يتصل بي قبل شهرٍ في مُناسبةٍ مُهمةٍ، فإذا بالشاب لم يتغير، بنفس الالتزام بسبب تربية الأم لولدها على الصلاة.
طبعًا هذا الموقف أيها الفضلاء المستمعون والمستمعات يُذكرنا بموقف الإمام أحمد -رحمة الله عليه-، ربما البعض يستغرب صنيع الإمام أحمد عندما يقول: "حفظتني أُمي القرآن وأنا ابن 10 سنين، وكانت تُوقظني قبل صلاة الفجر، وتُحمي لي ماء الوضوء في ليالي بغداد الباردة، وتُلبسني ملابس، ثم تتخمر وتتغطى بحجابها وتذهب معي إلى المسجد؛ لِبُعد بيتنا عن المسجد، ولِظُلمة الطريق".
المحاور: الأم المُربية.
المتصل: وبعض الناس ربما يتعجب ويقول: هذا في زمن الإمام أحمد. أقول: لا والله، هذا موجودٌ حتى في زمننا هذا، والله إنه يُعرف أناسٌ صنعوا مثل صنيع والدة الإمام أحمد، وغيرهم كثيرٌ من النماذج، هذا في موضوع التربية على الصلاة.
فنصيحتي للأمهات وللأخوات، وقبل ذلك للرجال والآباء والأزواج، نقول لهم: الله الله في الاهتمام بتوجيه الأبناء، والمحافظة على صلاة الفجر خاصةً.
المحاور: شكرًا.
المتصل: فقد حصلت نقاطٌ كثيرةٌ وتغيُّرٌ إلى الأفضل بسبب هذه النقطة.
المحاور: لا شك، شكرًا لك أستاذ قاسم على هذه المُداخلة الطيبة.
أستاذ محمد أيضًا يُؤكد السؤال التفاعلي، وما ذكره الإخوة في إجاباتهم يدور حول ما أشار إليه الأستاذ قاسم، وهو أهمية التربية المُتعلِّقة بعلاقة الأبناء بالله ، وقد أشار إلى عمود الإسلام، وهي: الصلاة وأثرها فيما يتعلَّق بهذا.
وسائل تُساعد في تربية الأبناء
طيب، بقي عندنا وقتٌ ضيقٌ جدًّا، هل تبقى شيءٌ سريعٌ حول ما نحتاجه في تسهيل مهمة التربية؟
الضيف: نعم، سأذكر ثلاثة أشياء ستُسهل علينا التربية -بإذن الله تعالى- في البيوت والمدارس والمحاضن:
الأول: نحتاج شيئًا اسمه: الصبر الإيجابي، الذي يمكن أن نُسميه: الهدوء الانفعالي، ألَّا تكون هناك ردَّة فعلٍ غير واعيةٍ.
المحاور: هل هناك شيءٌ سلبيٌّ؟
الضيف: نعم، قد يكون هناك رد فعلٍ سلبيٌّ تجاه خطأ الطفل.
المحاور: بالعنف، أو بالترك.
الضيف: بالعنف، أو الترك والإهمال واللامُبالاة، فينبغي أن يكون هناك هدوءٌ انفعاليٌّ، ويمكن أن نُعالج الموضوع فيما بعد، ونحتاج أن يملك الأبوان أنفسهما، فالغضب لا يُعالج شيئًا.
الثاني: يمكن أن نستغل الأوقات البينية، فإيصال الأبناء للمدرسة أفضل وقتٍ للتربية، خاصةً الآن مع ما يُسمى بـ: التَّشتُّت الوظيفي، فالأب يعمل، والأم تعمل، وما عندي وقتٌ كي أُربي! لا، توجد الأوقات البينية، مثلما قال الدكتور عبدالله المرزوق: "عبارته التربوية" يمكن أن تُقال في دقيقةٍ، فقط تكون مُجهزةً ومُرتبةً ومُركزةً.
المحاور: وهذه إشارةٌ مهمةٌ من الدكتور عبدالله.
الضيف: الأمر الثالث: ألَّا ننشغل بمُفردات برامج التربية؛ لأننا سنتعب.
المحاور: كيف؟
الضيف: يعني: ليس المهم أنني أعد برنامجًا لابني يملأ أربعًا وعشرين ساعةً.
المحاور: لا ننشغل بجانب التخطيط النظري.
الضيف: هذا لم يُكلِّف الله به، ولا يُطاق، لكن الذي يُطاق: أن نغرس في نفوسهم القيم.
المحاور: إذن الواقعية.
الضيف: ولذا نغرس ونلعب على وتر القيم: قيمة مُراقبة الله تبارك وتعالى، وقيم الأخلاق والعادات والتقاليد الجميلة والنبيلة نحرص عليها.
المحاور: جميلٌ، ما بقي عندنا إلا ثلاث دقائق، نجعلها سريعًا في الأشياء المُعينة للتربية لو تكرمت.
الضيف: طيب، من الأشياء المعينة على التربية ثلاثة أشياء: تقدير الذات، وتحمل المسؤولية بالنسبة للابن، والتاءات الأربع.
المحاور: تقدير الذات للمُربي، أو تقدير الذات للمُتربي؟
الضيف: المُتربي يُقدِّر ذاته، فكلما قَدَّر ذاته انطلق، لا تحتاج أنت للتربية إلَّا أنه يُقدِّر نفسه، ويعرف ماذا يُريد أن يفعل؟ وماذا يريد أن يكون؟ وحينئذٍ سينطلق ويُريحك.
المحاور: إذن لا بد من تقدير المُربي للمُتربي؟
الضيف: نعم، نُقدِّم له الدعم ليُقدِّر ذاته.
المحاور: هذه النقطة الأولى، والثانية؟
الضيف: نُحمله المسؤولية منذ نعومة أظفاره، وهناك برامج ومواقع تدلك: ماذا يجب على الطفل أن يفعل وعمره سنة؟ وفي عمر سنتين؟ وفي عمر ست سنوات؟ ... إلخ.
المحاور: يحتاج فقط إلى تنفيذه في الواقع.
الضيف: نجعله يتحمل مسؤولية قراراته.
المحاور: والثالثة؟
الضيف: ومسؤولية علاقاته، وهكذا.
الأمر الثالث: نحتاج إلى فئاتٍ أربعٍ نُمكِّن فيها أبناءنا:
أولًا: التحصين، نُحصِّنهم ونحميهم من الانحرافات، والتقنيات، والأفكار الهدَّامة، والمفاهيم المغلوطة المعاصرة التي بدأت الآن تُلبِّس الدين.
المحاور: التحصين في الجانب السلوكي والفكري.
الضيف: نعم، أحسنت، والجانب التقني، وجانب العلاقات أيضًا.
الأمر الثاني: التوجيه، فالتوجيه مُؤثرٌ وجميلٌ، لكن التوجيه ينبغي أن يكون في قالبٍ رحيمٍ، فليس صحيحًا أن تُقيمه للصلاة وتسبّه، وإنما تربت على كتفه، وتُذكره بالآخرة وبالغنائم التي سيكسبها إذا استيقظ باكرًا.
الأمر الثالث: التوفير؛ نُوفِّر لهم الأسباب المُعينة على التربية، ونُوفِّر لهم الصُّحبة الصالحة، والمحاضن، والبرامج، والدعم في هذا الاتجاه.
المحاور: يعني: لا يصلح توجيهٌ بدون توفيرٍ؟
الضيف: لا، لا بد أن نُوفر لهم بيئةً، فبعض الآباء يأخذ إجازةً يوم الاختبارات.
المحاور: وفَّرنا، ثم مكَّنَّا.
الضيف: أخيرًا: التمكين، أُمكِّنه أن يُربي نفسه تربيةً ذاتيةً، وأُمكِّن أخاه الأكبر من أن يُمارس جزءًا من التربية، والأخت الكبرى، وأُمكِّن المُحيط من أن يُمارس التربية: كالأعمام، والجيران، وإمام المسجد، وغير ذلك.
المحاور: إذن تاءاتٌ أربعٌ جميلةٌ، دعنا نختم بها لقاءنا: تحصينٌ، ثم توجيهٌ، ثم توفيرٌ، ثم تمكينٌ، والترتيب الظاهر مقصودٌ هنا؟
الضيف: نعم مقصودٌ.
المحاور: جميلٌ.
الإخوة أعطونا دقيقةً ونصفًا، ومعنا مُتصلٌ هو: أبو عاصم من السعودية، وليست مُداخلةً مُرتبةً معه، هو يقول: لديه تجربةٌ سريعةٌ.
تفضل، وأعانك الله على وقتنا الأخير، فأنت بعد الوقت الإضافي.
المتصل: جزاك الله خيرًا.
المحاور: أهلًا وسهلًا، تفضل يا أبا عاصم.
المتصل: هي تجربةٌ -يعني- في عُجالةٍ سريعةٍ.
المحاور: مباشرةً بدون مُقدماتٍ أعطنا التجربة التي عندك، أعانك الله.
المتصل: تعلم فيها المعلم من الطالب.
المحاور: المعلم تعلم من الطالب!
المتصل: في أيام الجامعة أعطانا درسًا قال: لا تستهن بمَن أمامك، فقد يكون الطالب يسأل السؤال وهو يعلم الإجابة، فتعلَّم ممن هو دونك، فقال: في يومٍ من الأيام سألنا أحد الطلبة سؤالًا فقال: النون في جمع المذكر السالم ما فائدتها؟ وما سبب حذفها؟ فأجبتُ إجابةً -قال- بعيدةً عن الإجابة الصحيحة، وبعد أنْ أجبتُ أجاب الطالب الإجابة الصحيحة، فقال: من ذلك اليوم ما شرحتُ درسًا إلَّا وجلستُ مع أستاذي الذي علَّمني؛ حتى أُتْقِن الدرس، ثم أشرحه للطلاب.
المحاور: جميلٌ، شكرًا لك أبا عاصم على تعليقك.
المتصل: شكرًا لكم جميعًا.
الضيف: والله لا شك أن التربية ليست فقط لأبنائنا، التربية مستمرةٌ حتى لنا، وأنت إذا نجحت في تربية أبنائك ستنجح في تربية نفسك، بإذن الله تعالى.
المحاور: يعني: يمكن أن يستفيد الآباء من الأبناء؟
الضيف: نعم، من أبنائك، قد ترى في ابنك من الصلاح وثمرات الخير ما يجعل قلبك يرق، وتعود إلى ربك -بإذن الله تبارك وتعالى-، وتحسن أحوالك الدنيوية والأُخروية كذلك.
المحاور: ما شاء الله! تبارك الله! ويمكن أن يستفيد المعلم من طلابه؟
الضيف: نعم، يستفيد المعلم من طلابه.
المحاور: وهذه حقيقةٌ لا شك فيها.
شكرًا لك أستاذ محمد على هذه الإطلالات الجميلة، وأسأل الله أن يبارك وينفع بهذا اللقاء.
شكرًا لكم أيها الإخوة والأخوات على متابعتكم في برنامجكم "أُسس التربية"، ونُبارك لكم مُقدمًا بقدوم شهر رمضان المبارك الذي سيتوقف فيه هذا البرنامج على أمل العودة معكم -بإذن الله - إن كنا من الأحياء بعد الشهر الفضيل، ودعواتنا لكم بالتوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.