المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات مع حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم الأسبوعي "أسس التربية" من خلال قناتكم قناة "زاد" العلمية.
سنُحلِّق في هذا اللقاء حول ما يخصّ التعليم: ماذا نُعلِّم؟ وكيف نُعلِّم؟ وسنتحدث عن الإيمان والعلم.
ونسعد باستضافة أستاذنا الدكتور: عبدالله بن ناصر الصبيح، أستاذ علم النفس المشارك بجامعة الإمام سابقًا.
حياكم الله دكتور عبدالله.
الضيف: الله يُحييك، وأشكركم على هذه الفرصة.
المحاور: فرصةٌ طيبةٌ وسعيدةٌ.
الضيف: وأنا سعيدٌ جدًّا بهذا اللقاء، بارك الله فيك.
المحاور: ونحن أسعد، الله يحفظك ويُبارك فيك.
ماذا يعني لك العنوان دكتور عبدالله؟ ولماذا؟
اقتران العلم بالإيمان والعمل
الضيف: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: هناك إشكاليةٌ ذكرها الله في كتابه في عددٍ من الآيات، يقول الله : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [آل عمران:19]، ويقول في آيةٍ أخرى: وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ [يونس:93]، وفي آيةٍ ثالثةٍ: وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [الشورى:14]، وفي آيةٍ رابعةٍ: وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [الجاثية:17].
شيءٌ مفاجئٌ جدًّا وصادمٌ، هذا الاختلاف حصل عند هؤلاء من بني إسرائيل من بعد ما جاءهم العلم، فبعد أن جاءهم العلم حصل أمران: اختلافٌ، وتفرُّقٌ.
والتفرق كان تفرُّقًا في الأجساد، مُباينة، فأصبحوا فِرَقًا، واختلافًا في الأفكار، أو العقائد والمذاهب.
المحاور: مع كونهم من المُفترض أن يكونوا مُؤتلفين.
الضيف: مع أن المُتبادر إلى أذهان الناس الفضلاء أن الحلَّ لكل مشكلةٍ هو العلم، وإذا رأوا مُبتدعًا أو ضالًّا أو مُخطئًا قالوا: ينقصه العلم، وإذا رأوا أناسًا عندهم جهالةٌ قالوا: ينقصهم العلم، بينما في كتاب الله الأمر مُختلفٌ، وهذا يجعلنا نبحث.
المحاور: لماذا هذا الشيء؟
الضيف: لماذا؟ وما المشكلة؟ وأين الخلل؟ هل الخلل في هذا العلم الذي تعلَّموه؟ حتمًا لا.
المحاور: بالتأكيد.
الضيف: وإلا لمَّا سمَّاه الله علمًا في آياتٍ أخرى، فالله قال لهم: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ [البقرة:111]، يقولون: نحن عندنا علمٌ، وعندنا كذا، فيقول: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ، ما عندهم علمٌ.
المحاور: هؤلاء ينقصهم العلم.
الضيف: هؤلاء لا ينقصهم العلم.
المحاور: أقول: أولئك الذين قيل لهم: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ينقصهم العلم.
الضيف: ينقصهم العلم، لكن هؤلاء الذين تحدث الله عنهم وقال: جَاءَهُمُ الْعِلْمُ [الشورى:14]، ثم بعد ذلك "العلم" مُعرَّفٌ بـ(أل) أي: العلم الصواب الصحيح، فأين الخلل؟
المحاور: يعني: يمكن يا دكتور أن تكون مع الإنسان شهادةٌ عُليا، ويملك علمًا، ويقع في هذا الفخ؟
الضيف: نعم؛ لذلك لا تستغرب حينما تجد عالمًا أو طالب علمٍ يُصدر فتاوى مُناقضةً لعلمه، أو يدعو إلى شيءٍ يتناقض مع ما تعلَّمه.
المحاور: جميلٌ، هذا وصفٌ: لماذا هذا الموضوع أصلًا؟
الضيف: نعم.
المحاور: نحن نتكلم عن بيئة العلم وبيئة أهل العلم أيًّا كان المجال.
الضيف: أيًّا كان المجال، فهناك علمٌ يناله الإنسان، لكن هناك أيضًا صفاتٌ نفسيةٌ تملأ القلب، هذه إذا لم تملأ القلب ضلَّ الإنسان بعلمه، فالعلم وحده مظنةٌ للتأول، يُعطي الإنسان قدرةً عاليةً على أن يتأول ويُخالف العلم الذي عنده.
المحاور: ذكرتني دكتورنا الكريم بعبارةٍ كان يُطلقها شيخ الإسلام ابن تيمية حين يتحدث عن أناسٍ أعطاهم الله من القدرات العالية، فيقول: "أوتوا ذكاءً، ولم يُؤتوا زكاءً"[1]"مجموع الفتاوى" ط. مجمع الملك فهد (71/ 123)..
الضيف: وهذا ذكره الله في سورة الفاتحة، ونحن نُكرره كلما قرأنا سورة الفاتحة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6-7]، فهؤلاء الذين أنعم الله عليهم اكتمل المنهج عندهم، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] عندهم ضلالٌ في العلم، وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] ضلالٌ في العبادة والعمل.
فالعلم وحده -كما قلتُ لك- مظنةٌ لأن يتأول الإنسان العلم؛ كي يتفق مع ما يُريد، أو ما يُريده مجتمعه، أو ما يُريده الناس.
وغياب العلم، ووجود العبادة فقط مظنةٌ للوقوع في البدعة؛ بأن يقع الإنسان في عبادةٍ لا يسندها علمٌ.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: فلا بد من أمرين: من علمٍ وإيمانٍ، من علمٍ وعبادةٍ، أو من تعظيم الله .
يمتلئ القلب بتعظيم الله ، ورسوله ، وشرائعه، وهذه القضايا الثلاث جاء بها القرآن، وجاءت بها السنة.
المحاور: تعظيم الله، وتعظيم الرسول ، وتعظيم الشرائع.
الضيف: تعظيم الشرائع: تعظيم الأمر والنهي.
المحاور: أنت تُشير الآن يا دكتور -فيما أفهم- إلى أن المشكلة التي نُناقشها في هذه الحلقة هي العلم الذي لا يتحقق في تلك الأمور المشار إليها من تعظيم الله، وتعظيم الرسول ، وتعظيم الشرائع.
الضيف: الذي سوف نُناقشه في هذه الحلقة هو التنبيه على ضرورة نقل تعظيم الله وتعظيم الرسول وتعظيم الشريعة إلى قلوب المتعلمين.
المحاور: هذه إذن إجابةٌ عن سؤال: لماذا نريد أن نُعلم؟
الضيف: أوصل للطلاب العلم الصحيح، لكن أُعلمهم أيضًا تعظيم الله .
وأذكر لك قضيةً.
المحاور: عفوًا دكتورنا، هل يمكن أن نقول: إن ما يحصل من انحرافٍ سلوكيٍّ وفكريٍّ مع وجود أرضية العلم هذا سببه؟
الضيف: هذا سببٌ كبيرٌ، بل من أعظم الأسباب؛ ولذلك الله ذكر في فاتحة الكتاب "المغضوب عليهم" لماذا؟
المحاور: مع أن لديهم العلم.
الضيف: مع أن عندهم العلم.
خذ مثلًا ما ورد في السيرة عن حيي بن أخطب وأخيه أبي ياسر لما جاءا إلى الرسول في المدينة، تروي الحديث أمنا صفية رضي الله عنها، تقول: هي صغيرةٌ ولطيفةٌ، يُحبَّانها ويُقدِّرانها، ويأنسانِ بمُداعبتها وباللعب معها، صغيرةٌ في السن.
المحاور: حيي وأخوه؟
الضيف: نعم، تقول: كنتُ أحبّ ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولدٍ لهما إلا أخذاني دونه.
قالت: فلما قدم رسول الله المدينة، ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مُغَلِّسَين، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس.
قالت: فأتيا كالَّين، كسلانين، ساقطين، يمشيان الهُوَينى.
قالت: فهشَشْتُ إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إليَّ واحدٌ منهما، مع ما بهما من الغمِّ، وسمعتُ عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: أهو هو؟ قال: نعم والله، قال: أتعرفه وتُثبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيتُ[2]"سيرة ابن هشام" ت: طه عبدالرؤوف سعد (2/ 119).، والعياذ بالله! فلو كان قلبه ممتلئًا بتعظيم الله ما قال ذلك.
المحاور: مع أنهما وصلا إلى علم اليقين.
الضيف: وكذلك من المسلمين مَن يقرأ القرآن والسنة، ولكن لا يمتلئ قلبه بتعظيم الله ، فربما استغلَّ ما تعلمه، أو ربما لم يُؤدِّ ما طلبه الله منه في حقِّ العلم، ولم يُؤدِّ حق العلم من عبادةٍ وتزكيةٍ.
المحاور: قلَّ أو كثُر.
الضيف: قلَّ أو كثُر.
المحاور: قال الله تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14] فهذا من هذا القبيل.
الضيف: نعم، ما الذي دفعهم إلى ذلك؟
الظلم ورغبة العلو في الأرض، وظلم الناس، مع أنهم استيقنت أنفسهم أن هذا هو الحق.
أهمية توحيد الربوبية
المحاور: طيب، دكتور، نحن أدركنا الآن مقصود العنوان وتشخيص حقيقة الوصف: ماذا نُعلِّم؟ فهل بقي شيءٌ فيه تريد أن تُشير إليه؟ فلا شكَّ أن هذا من الموضوعات البالغة الأهمية: لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل وذكر: وعن علمه فيمَ فعل؟[3]أخرجه الترمذي برقم (2417)، وصححه الألباني.، فأظن أن هذا أيضًا نحتاج إليه، وسيكون الحساب يوم القيامة عنه، فإذا كان هناك شيءٌ مُتبقٍّ حول هذا السؤال قبل أن ننتقل إلى الوسائل.
الضيف: نعم، من المفاهيم التي تسربت إلينا، وهو مفهومٌ فيه جزءٌ من الصواب، وفيه شيءٌ من الخطأ.
المحاور: ما هو؟
الضيف: هو تركيز المعلم على توحيد الألوهية فقط، باعتبار أن الخلاف بين الرسل وأممهم هو في هذا التوحيد، والغفلة عن توحيد الربوبية، باعتبار أن توحيد الربوبية قد سلَّم به الجميع، بينما إذا رجعت إلى القرآن تجده يُعلِّم الناس توحيد الربوبية مقدمةً لتوحيد الألوهية.
المحاور: صحيحٌ.
الضيف: وينتقل من هذا المُستقر عندهم -لأنه حقٌّ- ليُطالبهم بهذا الأمر، وهو توحيد الألوهية.
المحاور: ومَن يتصور الجانب المُتعلق بتوحيد الألوهية إلا إذا تمكَّن الجانب المتعلق بتوحيد الربوبية؟!
الضيف: توحيد الربوبية تَمكُّنه في القلب هو تزكيةٌ، فانظر مثلًا قول الله : وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى [الأنعام:91]، الإشكال أين؟ أنهم أنكروا الرسالة، لكن لماذا أنكروا الرسالة؟ لأنهم ما قدروا الله حقَّ قدره.
المحاور: وهذا جانبٌ متعلقٌ بتوحيد الربوبية.
الضيف: انظر: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح:13]، لماذا أنكروا الرسالة؟ لأنهم لا يرجون لله وقارًا.
وانظر إلى قول الله : وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر:67]، تصور أن الله يُخبر أن الأرض سوف تكون قبضته، يقبضها في يده: وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67]، هذه عظمةٌ، وكيف يكون ذلك؟ الله أعلم، نحن لا نُكيف، لكن الله أخبرنا أن هذه الأرض المأهولة بالسكان العظيمة سوف تكون قبضته يوم القيامة، وهذه السماوات العظيمة ستكون مطوياتٍ كما يطوي أحدُنا الأوراق.
فحينما يمتلئ القلب بهذا الأمر يمتلئ بعظمة الله .
وانظر إلى قول الله : تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ [مريم:90] قال الضحاك بن مزاحم في تفسير هذه الآية: "يتصدَّعن من عظمة الله "[4]"تفسير الطبري = جامع البيان" ت: شاكر (21/ 501).، وقال: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ [طه:111] خضعت، فكلها آيات تعظيمٍ لله .
المحاور: الله أكبر!
الضيف: هذا التعظيم لا بد أن ينال حظَّه في المنهج الدراسي، وفي التربية، وفي تعليم المعلم لطلابه، ولا بد أن يتلقَّاه الطلاب، وتمتلئ قلوبهم بعظمة الله ، ولا بد أن ينقل الشيخ والمعلم والمُربي هذه العظمة إلى قلوب طلابه، فإذا ذكروا الله يذكرونه بتعظيمٍ، وإذا تذكَّروه في خلواتهم يتذكَّرونه بالتعظيم، وإذا سجدوا له شعروا أنهم يسجدون أمام العظيم .
هذه المعاني لا بد أن يمتلئ بها القلب، وإذا لم يمتلئ بها القلب فلا عبرةَ بالعلم، ولا قيمةَ له.
المحاور: أظن دكتورنا أن هذه القضية ظهرت الحاجة إليها في المواد الشرعية والدينية بلا نقاشٍ.
الضيف: لا شكَّ في ذلك.
المحاور: لكن هل كذلك في المواد الأخرى؟
الضيف: أيضًا في المواد الأخرى.
المحاور: دعني أقول: أستاذ في الفيزياء مثلًا، كمثالٍ.
العلم يدل على عظمة الله
الضيف: الله يقول: فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ [الواقعة:75-76]، فحينما يشرح مُعلم العلوم: الفلك وتباعد النجوم والأفلاك، يُخبر الطلاب أن بعض هذه النجوم يصلنا ضوؤها بعد أن تحطمت منذ آلاف السنين، نرى ضوء النجم بينما هو قد تحطم، يصلنا ضوؤه خلال فترةٍ طويلةٍ من الزمن!
فحينما يعلم الطالب -دارس العلوم- سعة هذا الكون وعظمته، هل يمكن أن يأتي ويُقرر أن هذا العلم لا يدل على الله؟ أو يتَّجه في علمه إلى الإلحاد؟ لا يمكن.
يروي مؤلف كتاب الإسلام يتحدى وحيد الدين خان موقفًا لأحد طلاب العلم الهنود، وكان يدرس في إحدى الجامعات البريطانية، فيقول: "كان ذلك يوم أحدٍ من أيام سنة 1909م، وكانت السماء تُمطر بغزارةٍ، وخرجتُ من بيتي لقضاء حاجةٍ ما، فإذا بي أرى الفلكي المشهور (السير جيمس جينز) الأستاذ بجامعة (كمبردج) ذاهبًا إلى الكنيسة، والإنجيل والشمسية تحت إبطه، فدنوتُ منه، وسلَّمتُ عليه، فلم يرد عليَّ، فسلمتُ عليه مرةً أخرى، فسألني: ماذا تريد مني؟ فقلت له: أمرين يا سيدي:
الأول: هو أن شمسيتك تحت إبطك رغم شدة المطر!
فابتسم (السير جيمس)، وفتح شمسيته على الفور.
فقلت له: وأما الأمر الآخر فهو: ما الذي يدفع رجلًا ذائع الصيت في العالم مثلك إلى أن يتوجه إلى الكنيسة؟
وأمام هذا السؤال توقف (السير جيمس) لحظةً، ثم قال: عليك اليوم أن تأخذ شاي المساء عندي.
وعندما وصلتُ إلى داره في المساء خرجتْ (ليدي جيمس) في تمام الساعة الرابعة بالضبط وأخبرتني أن (السير جيمس) ينتظرني، وعندما دخلتُ عليه في غرفته وجدتُ أمامه منضدةً صغيرةً موضوعةً عليها أدوات الشاي.
وكان (البروفيسور) مُنهمكًا في أفكاره، وعندما شعر بوجودي سألني: ماذا كان سؤالك؟ ودون أن ينتظر ردِّي بدأ في إلقاء محاضرةٍ عن تكوين الأجرام السماوية، ونظامها المدهش، وأبعادها، وفواصلها اللامتناهية، وطرقها، ومداراتها، وجاذبيتها، وطوفان أنوارها المذهلة؛ حتى شعرتُ بقلبي يهتزُّ من هيبة الله وجلاله.
وأما (السير جيمس) فوجدتُ شعر رأسه قائمًا، والدموع تنهمر من عينيه، ويديه ترتعدان من خشية الله، وتوقف فجأةً، ثم بدأ يقول: يا عناية الله، عندما أُلقي نظرةً على روائع خلق الله يبدأ وجودي يرتعش من الجلال الإلهي، وعندما أركع أمام الله وأقول له: إنك لعظيم، أجد أن كل جزءٍ من كياني يُؤيدني في هذا الدعاء، وأشعر بسكونٍ وسعادةٍ عظيمين، وأحس بسعادةٍ تفوق سعادة الآخرين ألف مرةٍ، أفهمتَ يا عناية الله خان لماذا أذهب إلى الكنيسة؟"[5]"الإسلام يتحدى" (ص180)..
المحاور: الله أكبر!
الضيف: مَن امتلأ قلبه بعظمة الله لا يمكن أن يُقرر نظريةً تدحض وجود الإله الخالق، بل سوف يستخدم العلم في تعظيم الله في نفسه وفي نفوس الآخرين.
المحاور: وردنا سؤالٌ دكتورنا الكريم، لتأذن لنا، وهو عن قضية: هل هناك تنافٍ بين ربط القرآن بين شرك التوحيدين معًا -توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية-، مع التركيز على شرك الألوهية فقط؛ لكونه هو الطاغي في الزمن المعاصر؟ هل هناك تنافٍ بين هذين الأمرين؟
الضيف: تنافٍ بين ماذا وماذا؟
المحاور: بين أن القرآن ربط بين شرك الربوبية وشرك الألوهية، في مقابل التركيز في الوقت المعاصر على الألوهية؛ لكونه هو الطاغي. هكذا ورد السؤال من أحد السائلين، فهل ترى هذا فيه تنافٍ أو أن الأمر طبيعيٌّ؟
الضيف: تنافٍ بين؟
المحاور: بين المنهج الذي في القرآن.
الضيف: هذا قصورٌ في التعليم تنتج عنه ثمارٌ.
المحاور: يعني: مهما كان الزمن المعاصر يحتاج إلى التركيز على توحيد الألوهية فلا بد ألا ننسى أن هذا الأمر أصلًا نابعٌ من ضعفٍ في توحيد الربوبية، هذا المقصد.
الضيف: نعم، ينبغي أن نُدرس للناس: أن الله واحدٌ لا شريكَ له، وأيضًا نُدرس أن الله عظيمٌ.
تعظيم الرسول
وكذلك أيضًا بالنسبة للرسول ، فنحن نُعلِّم الطلاب أن الله أرسل رسوله ، وأن الرسول وُلد في مكة، وهاجر إلى المدينة، ونزل عليه الوحي، لكن أيضًا لا بد أن نُدرس للطلاب عظمة الرسول ، وهذا هو المقصود من التعليم؛ لأن الطالب إذا امتلأ قلبه من عظمة الرسول لا يمكن أن يترك طاعته.
المحاور: ويجعله قدوةً، إذن القضية التي تُناقشها هي قضية الاستسلام والانقياد؟
الضيف: نعم، هذا الاستسلام والانقياد الله يقول فيه: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ[الفتح:9].
ويقول عن الرسول مُبديًا جوانب من عظمته: مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:2-4]، فصاحب الخلق العظيم هذا ينبغي أن ننقل إلى الطلاب والمتعلمين شيئًا من عظمته الخلقية؛ حتى تنقاد القلوب إليه.
المحاور: حتى لا تبقى قضية محبة النبي عبارة عن مجرد أُمنياتٍ.
الضيف: يقول الله : لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور:63].
الآن أنا أقول لك: يا خالد، يا أبا عبدالرحمن، إذا أردتُ أن أُكرمك، لكن الرسول أُناديه بدعاءٍ آخر: يا رسول الله، يا نبي الله، ما أقول: يا محمد.
المحاور: لأن هناك التعظيم.
الضيف: نعم.
بعض المُتحدثين يأتي ويتحدث عن الرسول ويقول: وقال محمدٌ! هل محمدٌ هذا ابن جاركم، أو جارك، أو صديقك؟! هذا رسول الله ، فلا بد أن تُناديه كما ناداه الله .
المحاور: ولا يمكن أن يتأتى ذلك إلا من خلال هذا المعنى العظيم، وهو: غرس التعظيم في التعليم.
الضيف: نُعلِّم المُتعلم عظمة الرسول ، يقول الله: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النور:63]، ويقول في آيةٍ أخرى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات:1]، كيف نُقدِّم بين يدي الله ورسوله؟
يُقدِّم رأيه على قول الله، وقول الرسول ، وهذا الذي يفعله كثيرون الآن بحجة التأول والمصلحة، وغير ذلك.
ويقول الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2].
أنا أُناديك: يا خالد، تعالَ، ولا يصح أن أُنادي الرسول بهذه الطريقة، اخفض صوتك.
المحاور: ذكرتني دكتورنا الكريم حين ذكرتَ قول الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ... [النور:63] إلى آخره بقصةٍ حصلت في الجانب الأسري، وهي: أن امرأةً متزوجةً كانت تُعين زوجها على ما لا يرضاه الله بناءً على طلبه وإلحاحه، حتى وقعت عند هذه الآية، فتقول: كانت هذه الآية بالنسبة إليَّ هي آية الفصل، وكانت هذه الآية عند تذكيرها لزوجها هي آية الفصل أيضًا، فحصل الرضوخ والتعظيم بعدما استسلمت لقول الله : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.
الضيف: لذلك مهمة المعلم أن يذكر هذا المعنى لطلابه، والله يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ [الحجرات:3]، هذا الغضُّ ليس فقط أنك لا تتقدم على قوله، لا، وإنما غضّ الصوت الفيزيائي، فلا ترفع صوتك وتقول: يا محمد، يا فلان، بل تخفض صوتك عند رسول الله ، كما تجد الإنسان المُؤدب يفعل مع والديه، أو رفيق الأمير مع الأمير، لا يمكن أن يرفع صوته، وإنما يقرب ويهمس في أذنه همسًا، هذا نوعٌ من التعظيم، وينبغي أن يكون لرسول الله في حياته وبعد وفاته.
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [الحجرات:3-4]، جاءوا إلى حجرات النبي وبيوته، وأرادوا أن يخرج إليهم، فنادوه: يا محمد، اخرج إلينا. فنهاهم الله عن ذلك.
المحاور: اللهم صلِّ وسلم عليه، جزاك الله خيرًا دكتورنا.
ونظرًا لمضي الوقت -وقد انتصف تقريبًا- فإذا كان هناك من ختامٍ لهذا السؤال: ماذا نتعلم؟ حتى نبدأ في قضيةٍ مهمةٍ أيضًا، وهي: كيف نُعلِّم؟
تعظيم الشرائع
الضيف: بقيت النقطة الثالثة التي ذكرتها لك، وهي: الشرائع، فأيضًا هذه لا بد منها، ما يكفي أن تُعطي الناس الأحكام، فلا بد أن تُعطيهم معها تعظيم الأحكام، يقول الله : ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [الحج:30]، ويقول: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ[الحج:32]، فلا بد من تعظيم الصلاة، والعبادة، والشعائر، وقراءة القرآن؛ ولذلك يقول العلماء: هذا القرآن لا تلمسه إلا وأنت على وضوءٍ وطهارةٍ.
وحينما تقرأ سيرة مالك بن أنس تجد أنه كان لا يُحدِّث الحديث إلا وهو على طهارةٍ، وتجد في سِيَر العلماء والصحابة الشيء الكثير الذي يتعلق بهذا الأمر، سواء كان في تعظيم الله، أو في تعظيم الرسول ، أو في تعظيم الشرائع.
هذه المعاني ينبغي أن ينقلها المعلمُ إلى طلابه، ولا يكفي أن تقول: علَّمتهم تعليمًا صحيحًا، وما يفعله البعض مثلًا من التقليل من شأن الواعظ، هذا غلطٌ، لا ينبغي أن تُقلل من شأنه.
المحاور: وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
الضيف: نحن نطلب من الواعظ ألا يستدل إلا بشيءٍ صحيحٍ، وألا يُرقق القلوب بالموضوعات والأكاذيب والخرافات، لكن لا يُقلل من شأنه.
المحاور: تزهيد الناس في هذا مشكلةٌ.
الضيف: هذا خطأٌ، وليس كل الناس يمكن أن يكونوا مُكتفين في الفقه، أو في العقيدة، أو في الحديث، أو في كذا، فيكفي أن تستقر في قلب الإنسان عظمة الله ، ولو أشكل عليه شيءٌ يذهب ويستفتي، لكن إذا كان قلبه خاليًا من تعظيم الله وتعظيم شرعه فلن يذهب، ولن يستفتي.
المحاور: صحيحٌ، وابن الجوزي كان في "صيد الخاطر" يتحدث عن العلماء العاملين، فيقول: "ولقيتُ عبدالوهاب الأنماطيَّ، فكان على قانون السلف؛ لم تُسمع في مجلسه غيبةٌ، ولا كان يطلب أجرًا على سماع الحديث، وكنتُ إذا قرأتُ عليه أحاديث الرقائق بكى، واتصل بكاؤه، فكان -وأنا صغير السن حينئذٍ- يعمل بكاؤه في قلبي، ويبني قواعد، وكان على سَمْت المشايخ الذين سمعنا أوصافهم في النقل"[6]"صيد الخاطر" (ص158)..
الضيف: صحيحٌ، فنحن نقول: علِّم وانقل للمتعلمين العلم بدليله، وليشعر الطلاب منك بتعظيم النص، وانقل إليهم هذا التعظيم، وحدِّثهم أيضًا عن عظمة الله، ولا يكفي مثلًا في مقرر السيرة أن نُحول أحداث السيرة إلى معلوماتٍ حسابيةٍ: وُلِدَ عام كذا، لا.
المحاور: عظمة النبي .
الضيف: لا تُدرس لهم سيرته كما تُدرس لهم سيرة أي عظيمٍ من العظماء، لا، هذا رسول الله ، النبي الخاتم الذي أنقذ الله به البشرية، والذي رسالته ستبقى حتى قيام الساعة.
المحاور: يا سلام، جزاك الله خيرًا يا دكتورنا، وقبل أن نخرج إلى الفاصل أتحفتنا بهذه المعاني الجميلة حول السؤال الكبير: ماذا نُعلِّم؟ وكم نحن بأمس الحاجة في تعليمنا إلى مثل هذه المعاني، وسيبقى السؤال -بإذن الله - بعد الفاصل دكتورنا الكريم: كيف نُعلِّم؟
أيها الإخوة والأخوات، كونوا معنا، ونعود إليكم بإذن الله.
الفاصل:
هل تظن العلم وجبةً سريعةً تُجَهَّز وتُؤكل في لحظاتٍ؟! بل إن طالب العلم يحتاج إلى صبرٍ طويلٍ، قال يحيى بن أبي كثير: "لا يُستطاع العلم براحة الجسم"[7]"تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم" (ص17).، فيصبر على حضور مجالس العلم ودوراته، أو مُتابعتها عبر الشبكة، أو الفضائيات العلمية.
ويصبر على المراجعة حتى يثبت الحفظ، قال أبو بكر الصبغي عن بعض مسائل العلم: "كررتُها على نفسي ألف مرةٍ حتى تحققتُها"[8]"طبقات الشافعية الكبرى" (3/ 184)..
ويصبر على السهر في تحصيل العلم، فإن في النهار أشغالًا، قال بعض الفُضلاء: "متى تبلغ من العلم مبلغًا يُرضى وأنت تُؤثر النوم على الدرس، والأكل على القراءة؟!"[9]"الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه" للعسكري (ص77)..
ويصبر على النَّصَب والتعب في تحصيل العلم، قال تعالى في قصة خروج موسى : فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا [الكهف:62].
ويصبر على إنفاق المال في طلب العلم، وشراء الكتب، ونحو ذلك، قال إسماعيل بن عياش: "ورثتُ من أبي أربعة آلاف دينارٍ أنفقتُها في طلب العلم"[10]"تذكرة الحفاظ" (1/ 254)..
فاصبر على طلب العلم حتى تنال طرفًا منه، واسأل الله المزيد، قال تعالى: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا[طه:114].
المحاور: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات، وعودًا حميدًا مع: ماذا نُعلِّم؟ وكيف نُعلِّم؟ وقضية الإيمان والعلم.
حياك الله دكتور عبدالله.
الضيف: الله يُحييك.
المحاور: كيف إذن نُعلِّم هذه القضية المتعلقة بتعظيم الله، وتعظيم النبي ، وتعظيم الشرائع؟
التدرج والصبر في التعليم
الضيف: جميلٌ، هذا يُوضِّحه لنا حديث عائشة رضي الله عنها، تقول: "إنما نزل أول ما نزل منه سورةٌ من المُفَصَّل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيءٍ: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا، لقد نزل بمكة على محمدٍ وإني لجاريةٌ ألعب: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ [القمر:46]"[11]أخرجه البخاري برقم (4993)..
المحاور: رضي الله عنها.
الضيف: رضي الله عنها وأرضاها.
المحاور: واضحةٌ جدًّا.
الضيف: أيضًا في حديثٍ آخر رواه ابن ماجه، وصححه الألباني -رحمهما الله- عن جندب بن عبدالله قال: "كنا مع النبي ونحن فتيان حَزَاورة -أي: مُقاربين للبلوغ- فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانًا"[12]أخرجه ابن ماجه برقم (61)، وصححه الألباني..
المحاور: كما جاء في الأثر عن ابن مسعودٍ أيضًا: "إن قومًا يقرؤونه -أي: القرآن- يَنْثُرونه نَثْرَ الدَّقَل، لا يُجاوز تراقيهم"[13]أخرجه الترمذي برقم (602)، وصححه الألباني..
الضيف: وعن ابن عمر قال: "لقد عشنا برهةً من دهرنا وإن أحدنا يُؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمدٍ فيتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يُوقَف عنده فيها، كما تعلمون أنتم القرآن، لقد رأيتُ رجالًا يُؤتى أحدهم القرآن، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته، ما يدري ما آمره، ولا زاجره؟ ولا ما ينبغي أن يُوقَف عنده منه، يَنْثُره نَثْرَ الدَّقَل". رواه الحاكم في "المستدرك"[14]أخرجه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" برقم (101).، وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، ولا أعرف له عِلَّةً. ووافقه الذهبي.
المحاور: مع أن الإنسان مأجورٌ على تلاوة القرآن، ومع ذلك يُؤكد على هذا.
الضيف: مأجورٌ على تلاوته، والقرآن إذا تعلمته تستفيد منه عظمة الله ولا بد، ولكن لا بد أن يُنَبَّه على هذه المعاني التي وردت في الآيات.
المحاور: التي هي معاني الإيمان وتعظيم الله.
الضيف: معاني الإيمان، فهذا الإيمان إنما يتعلم بشيءٍ من الممارسة والقدوة، فترى شيخك يُعظِّم القرآن والسنة والنصَّ والشريعة، ويُعظِّم الله ، فينتقل هذا التعظيم إليك بما ترى من عمله، أما إذا كان ينقل إليك المعلومات فقط من غير مشاعر، ولا ترى تعظيمًا ..!
وأذكر أحد العلماء وقد تُوفي رحمه الله، وكنت أتحدث معه، فقال: بعض الناس يدرس العقيدة كما يدرس الجغرافيا، وبعض المعلمين يدرس الجغرافيا كما يدرس العقيدة، ينقل إلى الطلاب عظمة الله من خلال الجغرافيا، وذاك يدرس العقيدة من غير أن ينقل إلى قلوبهم عظمة الله ، وهو يُحدِّثهم عن الله .
فهذه المعاني لا بد أن تنتقل إلى الطلاب؛ حتى نُوجد جيلًا مُتوازنًا ومُتربِّيًا وزكيًّا.
المحاور: إذن نحتاج إلى منهجيةٍ يا دكتور، يعني: أبا عبدالرحمن السلمي رحمه الله لما قال: "حدثنا مَن كان يُقرئنا من أصحاب النبي أنهم كانوا يقترئون من رسول الله عشر آياتٍ، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قالوا: فعلمنا العلم والعمل"[15]أخرجه أحمد ط. الرسالة برقم (23482)، وقال مُحققو "المسند": "إسناده حسنٌ"..
وعن مالكٍ أنه بلغه أن عبدالله بن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها[16]"موطأ مالك" ت: الأعظمي برقم (695)..
يقظة القلب
الضيف: ابن القيم رحمه الله تحدث في "مدارج السالكين" عن عددٍ من المنازل، أظنه بلغ أكثر من مئة منزلةٍ، أوَّلها: منزلة اليقظة؛ أن يستيقظ القلب، كيف يستيقظ القلب؟ يقول: "وهي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين"[17]"مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" (1/ 142)..
المحاور: يا سلام!
الضيف: ينزعج، لماذا؟ لإدراك عظمة الله، ونِعَم الله النازلة على العبد، وعجزه عن الوفاء بشُكره.
المحاور: يا سلام! هذه منزلة اليقظة.
الضيف: نعم، يقول عن مُوجب اليقظة: "لحظ القلب إلى النعمة على اليأس من عدِّها"، نِعَمٌ عظيمةٌ، لكن لا يستطيع أن يُحصيها: "والوقوف على حدِّها، والتفرغ إلى معرفة المِنَّة بها، والعلم بالتقصير في حقِّها ... فأوجب له شهود تلك المِنَّة والتقصير نوعين جليلين من العبودية: محبة المُنْعِم، واللَّهْج بذكره، وتذكر الله وخضوعه له، وإزراؤه على نفسه"[18]"مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" (1/ 161).، أي: لومه لنفسه في التقصير في حقِّ الله .
المحاور: شهود المِنَّة لله، وشهود التقصير على النفس.
الضيف: فهل إذا شهد الإنسان مِنَّةَ الله عليه، وشهد عجزه عن شُكرها، يستخدم العلم في غير مجاله؟
المحاور: أبدًا.
الضيف: فهذا ما نُريده من المعلم، وما نُريده من الطالب.
المحاور: معناه: أن هناك غفلةً لا بد من مُراجعة النفس فيها.
تجربة الغزالي
الضيف: هناك خللٌ في التعلم حينما نُحوِّل العلم إلى نوعٍ من الجدل، وهذا شعر به أبو حامد الغزالي رحمه الله، وهو من أذكياء الدنيا، ورجلٌ خاض في الكثير من المجالات العلمية، وأُوتي لسانًا قوَّالًا، وقلمًا سيَّالًا، حينما تقرأ ما يكتبه، وترى جمال أسلوبه، لكنه في قمة عزِّه وشُهرته هجمت عليه حالةٌ نفسيةٌ لم يستطع لها دفعًا، فشعر أنه في خطأ، فبدأ يشعر بشيءٍ من القلق، وهو أن هذا العلم الذي حصَّله إنما غرضه منه الجدل والانتصار على الآخرين، لكنه لا يجد لذَّةً للعبادة، فبدأ يشعر بقلقٍ، فتزايد القلق عنده حتى انحبس لسانه.
المحاور: سبحان الله!
الضيف: فتجرد من هذا كله، وخرج عشر سنوات سائحًا على وجهه من أجل هذه القضية، وكتب فيها كتابه «المُنقذ من الضلال»، شرح فيه كل هذه الأحوال، وهو كتيبٌ صغيرٌ تحدث فيه عن نفسه، والشعور الذي عاشه.
المحاور: لاحظ أنه وصفه بالضلال، وهو قد أُوتي ما أُوتي!
الضيف: والبعض يقول: إن هذه حالة شكٍّ عند الغزالي. وهو ليس شكًّا في العلم، لم يشكّ في وجود الله، ولا في الرسول ، ولا في القرآن، وإنما شكَّ في الطريقة التي حصَّل بها العلم، فكتب كتابه «إحياء علوم الدين» لتلافي هذه المشكلة.
فمشكلة الغزالي رحمه الله أنه لما ألَّف كتابه «إحياء علوم الدين» في المرحلة التي هو فيها كان مُركِّزًا على قضية العمل، ووجد العمل والمشاعر عند الصوفية، فامتلأ كتابه بالتصوف.
وكان نصيب الغزالي رحمه الله حتى تُوفي من التحقيق في السنة ضعيفًا؛ ولذلك أورد في كتابه كثيرًا من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة، لكن المنهجية التي سار عليها في كتابه من تعظيم الله وربطه بجانب العلم عملٌ عظيمٌ؛ ولذلك اعتنى العلماء بكتاب "إحياء علوم الدين"، وحاولوا تخليصه من الأخطاء الصوفية، ومن الموضوعات التي فيه.
المحاور: بعد أن كان يُمثل المنهج الفلسفي.
الضيف: بعد أن كان يُمثل المنهج الكلامي، وهو شيخ المدرسة النظامية في بغداد، وبعد المسيرة الطويلة رجع إلى بلده، وبدأ في التعليم، وفي آخر حياته كان يقرأ في "صحيح البخاري" ويدرسه، وربما لو عاش لكتب لنا كتابًا في هذا الموضوع يكشف بعض الزَّيف الذي تلبسه في حالة الغُربة.
المحاور: ونظير ذلك دكتورنا الكريم ما حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الفتوى الحموية الكبرى" عن الرازي، وعن أبي المعالي الجُوَيني، فقد كانا كذلك على هذه الصورة من الضياع والتيه، حتى إذا كانا في أواخر حياتهما رفعا راية الاستسلام لله والانقياد، وتراجعا عما كانا عليه من قبل.
الضيف: صعبٌ أن نقول: في ضياعٍ، عندهم خطأٌ في الأسماء والصِّفات، لكن الجُويني رحمه الله حينما تقرأ في كتبه تجده أخفَّ من الغزالي.
المحاور: أخفّ من الغزالي؟
الضيف: نعم، الغزالي رحمه الله حالةٌ نادرةٌ، وحاول أن يُعدِّل ويُصحح الكثير، ولا أريد أن أُشخص الموضوع في الغزالي.
المحاور: لكن في النهاية كانت قضية التعظيم أمرًا مهمًّا للجميع.
الضيف: لا بد أن يمتلئ القلب بتعظيم الله ، وتعظيم الرسول .
المحاور: كانت بالنسبة لهم هي المُنقذ.
الضيف: والبعض من إخواننا ممن هو على منهج السنة حينما يتحدث عن الأسماء والصِّفات كأنه يتحدث عن شيءٍ جافٍّ.
المحاور: إذن نحن الآن تحدثنا عن قضية الممارسة دكتورنا الكريم، وتحدثنا عن قضية القدوة كذلك، وتحدثنا عن هذه النماذج التي ذكرتَها، كنموذج أبي حامد الغزالي.
الاهتمام بأصول العلم قبل فروعه
وأنا حينما يأتيني شابٌّ يافعٌ قد يكون يحمل كتاب الله ، وربما قدَّم رأي الإنسان والفرد والمخلوق على الخالق!
الضيف: أو حينما أشغل الشاب بالردِّ على فلانٍ وفلانٍ، بدلًا من أن أُدرِّس له أصول العلم، أو أشغله بالحديث عن الفِرَق، مع أن هذا ليس وقته، وليس كل العلماء يردون على الفِرَق، إنما يردّ عليها هؤلاء القادرون على ذلك.
فلا بد من العناية بأصول العلم وأُسسه، والربط بين العلم والعمل، وتعظيم الله ، وتطبيق ما تعلَّمه.
وقال أبو عصمة: "بتُّ ليلةً عند الإمام أحمد أطلب الحديث، فوضع لي إناءً فيه ماءٌ للتهجد، فجاء إلى صلاة الصبح فوجد الإناء بحاله، فقال لي: لماذا جئتَ؟ فقلتُ: جئتُ أطلب الحديث، فقال: كيف أُعلِّمك الحديث وليس لك تهجُّدٌ في الليل؟! اذهب لحال سبيلك"[19]"العهود المحمدية" للشعراني (ص266)..
المحاور: الله يرحم حالنا.
الضيف: نسأل الله ذلك.
المحاور: وأن يُبَصِّرنا، اللهم آمين.
ولا شك أن هذه المعاني معانٍ عظيمةٌ جدًّا، وفي الرأي التربوي يُسمونه: التطابق التربوي، إن لم يكن أمره كذلك، فكيف سيكون الحال؟!
ونأخذ نموذجًا مثلًا دكتورنا بشيخ الإسلام ابن تيمية في تعليمه في "العقيدة الواسطية"، وهو يستقرئ نصوص الشريعة من الكتاب والسنة حول الاستدلال في قضية الأسماء والصفات، ثم بعد ذلك يختم في أواخر الكتاب بما يتعلق بمواصفات هؤلاء القوم في صِلتهم للرحم، وبرِّهم لوالديهم، وقضية التعامل مع الآخرين، وأبحر في هذا الجانب، وكأنه يقول: إن الذي يُؤمن بهذه العقيدة لا يمكن أن يكون إيمانه حقيقيًّا ونافعًا له ومفيدًا في الدنيا والآخرة إلا إذا أتى بهذه الصِّفات في حياته العملية، وما شابه ذلك.
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: نحن نحتاج إلى هذا الأمر حقيقةً، ولا يمكن أن يتأتى هذا الأمر إلا بتعظيم الله، وتعظيم رسول الله ، وتعظيم الشريعة التي ننتمي إليها.
أيضًا دكتور هل هناك شيءٌ آخر ترغبون في الحديث عنه؟
العناية بعظمة الله في مناهج التعليم
الضيف: فقط الذي آمله: أن يعتني طلاب العلم والمُربون ومَن يدرسون مناهج التعليم ويُشرفون عليها بجانب الإيمان وعظمة الله ، وينبغي أن تكون عظمة الله شاغلةً لأذهانهم وقلوبهم، مُمتلئةً بها نفوسهم، ينقلونها إلى طلابهم.
المحاور: يا سلام! إذن لا بد ألا ننسى الأهداف التي نضعها في تعليمنا.
الضيف: ما في شكٍّ.
المحاور: حتى أهل الأهداف السلوكية حين يتحدثون عن الأهداف الثلاثة: المعرفية، والوجدانية، والمهارية، يقولون: إن الهدف المعرفي ليس مقصودًا لذاته، وإنما لا بد أن يُؤدي إلى الهدف الوجداني والمهاري. وأظن أن هذا أيضًا له علاقةٌ بما نطرحه الآن.
دور الأسرة في التربية والبناء
طيب، دكتورنا، نحن تكلمنا عن التعليم، وبقي معنا القليل من الوقت، فهل للأسرة نصيبٌ من هذه التربية الأسرية؟ وهل لها نصيبٌ من هذا المفهوم؟ وهل القضية نحتاجها فعلًا في بيئة الأسرة؛ حتى ينشأ نَشْءٌ رائعٌ كما هو المنتج التربوي المراد؟
الضيف: ورد حديث: لا تجعلوا بيوتكم قبورًا[20]أخرجه أبو داود برقم (2042)، وصححه الألباني.، وذلك بأن يكون للإنسان نصيبٌ من صلاته في بيته؛ لماذا؟
حتى تراه الأسرة، ويرى الأطفال -البنين والبنات- والديهم يُصليان، فتنتقل إليهم هذه المعاني.
فينبغي أن يشعر الأبناء بذلك، وأن تكون ثقافة الأسرة ممتلئةً بتعظيم الله وشرعه، وتعظيم مفهوم الحلال والحرام، وينبغي أن ينتقل ذلك إلى هؤلاء.
فيُقال للابن: لا، يا ولدي، هذا حرامٌ، وهذا حلالٌ، وهذا الله يجزيك عليه الجنة.
فنحن في كثيرٍ من الأحيان نقول له: ذاكر من أجل أن تنجح، فتُصبح الدراسة والنجاح في ذهنه لها منزلةٌ عاليةٌ جدًّا، وهذا جميلٌ.
المحاور: لا إشكالَ فيه.
الضيف: لا إشكالَ فيه، لكن أيضًا ينبغي أن يقول له: ادرس حتى تُثاب، وصلِّ حتى تُثاب وتدخل الجنة، وإذا صليتَ يُحبك الله. فتنتقل إليه هذه المعاني: محبة الله، والرسول ، والشريعة، والعبادة، فكل هذا ينبغي أن ينقله الأبوان.
المحاور: ويظهر دورٌ كبيرٌ للأبوين يا دكتور حينما يكون الابن في موقفٍ معينٍ، ويحتاج إلى توجيهٍ، فيقول له الوالد: إن الله قال كذا، أو أن الفتوى الشرعية المُعتبرة كذا، أو يقول: إذا كان هذا يُرضي الله فنحن على ما يُرضي الله ، فيستجيب الأب في مثل هذا الموطن، فيكون مُؤثرًا جدًّا في تربية أبنائه.
الضيف: صحيحٌ.
المحاور: نعم، جميلٌ جدًّا، وجزاكم الله خيرًا، وشكر الله لكم.
وإذا كان هناك ختامٌ لهذا اللقاء دكتورنا تريد أن تختم به فتفضل، بارك الله فيكم، ونحن سعداء جدًّا بوجودكم، ونتمنى والله أن يمتد اللقاء أكثر وأكثر.
الضيف: الله يُبارك فيكم، ويُسلِّمكم، وجزاكم الله خيرًا.
هذه المعاني التي ذكرناها ينبغي أن تكون في المدرسة، ومع الصُّحبة، فأنت مع أصحابك وزملائك تُفكرون بهذه المعاني، فإذا كانت عظمة الله موجودةً في التربية والإعلام والمجتمع سوف يسعد الناس بها، ولن يتنازعوا ويتنافسوا على الحقوق، وسوف يكون عندهم نوعٌ من التنازل والإيثار؛ لأنهم آثروا ما عند الله ، وحينما تظلمني أتخلَّى عن الانتقام، وأعلم أن الله سوف يُؤتيني خيرًا مما فقدتُ، فأنا أرضى، فيُمكن أن أتنازل.
فهذه المعاني ينبغي أن يُذكِّر بها الإمام في مسجده، والمعلم، والمدير، وتكون قيمةً إعلاميةً كبيرةً جدًّا.
بعض المُدربين يتحدثون عن تحقيق الذات واحترام الذات، ونسوا المعاني الإيمانية التي نحن بحاجةٍ إليها.
المحاور: يعني: دوراتنا تحتاج إلى أن نهتم فيها بهذا الجانب.
الضيف: حينما يقول: كرر عبارة: أنا أثق في نفسي، أنا أثق في نفسي. ما هذا؟!
المحاور: أثق في الله.
الضيف: أنت تثق في الله .
المحاور: هذه إشارةٌ رائعةٌ دكتورنا الكريم، ولعلك تسمح لي بإشارةٍ أخرى.
الضيف: تفضل.
المحاور: في محَكَّات ضرب المثال: حينما تلتزم المرأة بحجابها في وقتٍ أو في بيئةٍ مُنفلتةٍ، أو مثلًا يكون الإنسان في بيئةٍ ليست مسلمةً، ويأتي وقت الصلاة فيقوم ويُصلي أمام الناس في المطار، ... إلى آخره، لا شك أن هذا يجعل الناس يلتفتون إلى أن هؤلاء يفعلون هذا الفعل تعظيمًا لأمر خالقهم، وهذا لا شكَّ أنه سيكون مؤثرًا جدًّا.
الضيف: وسوف ينطبع على سلوك الأبناء، وسلوك الذي علَّمه.
يُحدثني إمام مسجدٍ كنت التقيتُ به في أمريكا في أثناء الدراسة، وهو رجلٌ فاضلٌ جدًّا من الصالحين، يقول: لنا جارةٌ أمريكيةٌ تُرسل أولادها الصغار ليلعبوا مع أولادنا، وأولادها عندهم من اللعب أكثر مما عندنا، يقول: نحن على باب الله. حالتهم المادية مستورةٌ، يقول: فسألتُها، فقالت: لأني أرى عند أولادك شيئًا ليس عند أولادي.
المحاور: الله أكبر!
الضيف: أنا أريد أن يكون أولادي مثل أولادك.
المحاور: ماذا رأت؟
الضيف: رأت الهدوء والسكينة، واحترام الأطفال لأبويهم، ورأت واقعًا ليس موجودًا في أولادها.
المحاور: والأب حريصٌ على هذه القضية؟
الضيف: جدًّا.
المحاور: ما شاء الله!
الضيف: وذكر لي آخر: أن امرأةً جاءت بأولادها إلى مدرسةٍ إسلاميةٍ أهليةٍ حتى يدرسوا، تقول لها المدرسة: أنت غير مسلمةٍ، ونحن نُدرِّس لأولادنا الإسلام! قالت: ما عندي مشكلةٌ، درِّسوه لهم إذا كانوا سيحترموني ويُقدِّروني، ولا يقعوا في المُخدرات والمشاكل التي يقع فيها الناس.
المحاور: ما أعظمه من دينٍ! يا له من دينٍ لو كان له رجالٌ!
شكرًا لك دكتور عبدالله، ونحن سُعداء بك، وأسعدتنا بهذا الطرح الرائع لهذا الموضوع المهم والشائك.
أيها الإخوة والأخوات، كان معنا سعادة الدكتور: عبدالله بن ناصر الصبيح، أستاذ علم النفس المُشارك في جامعة الإمام سابقًا، وقد تحدثنا حول: ماذا نُعلِّم؟ وكيف نُعلِّم؟ كما تحدثنا عن قضية الإيمان والعلم، ولله الحمد والمِنَّة.
نختم هذا اللقاء، ولقاؤنا في الأسبوع القادم على خيرٍ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | "مجموع الفتاوى" ط. مجمع الملك فهد (71/ 123). |
---|---|
↑2 | "سيرة ابن هشام" ت: طه عبدالرؤوف سعد (2/ 119). |
↑3 | أخرجه الترمذي برقم (2417)، وصححه الألباني. |
↑4 | "تفسير الطبري = جامع البيان" ت: شاكر (21/ 501). |
↑5 | "الإسلام يتحدى" (ص180). |
↑6 | "صيد الخاطر" (ص158). |
↑7 | "تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم" (ص17). |
↑8 | "طبقات الشافعية الكبرى" (3/ 184). |
↑9 | "الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه" للعسكري (ص77). |
↑10 | "تذكرة الحفاظ" (1/ 254). |
↑11 | أخرجه البخاري برقم (4993). |
↑12 | أخرجه ابن ماجه برقم (61)، وصححه الألباني. |
↑13 | أخرجه الترمذي برقم (602)، وصححه الألباني. |
↑14 | أخرجه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" برقم (101). |
↑15 | أخرجه أحمد ط. الرسالة برقم (23482)، وقال مُحققو "المسند": "إسناده حسنٌ". |
↑16 | "موطأ مالك" ت: الأعظمي برقم (695). |
↑17 | "مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" (1/ 142). |
↑18 | "مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" (1/ 161). |
↑19 | "العهود المحمدية" للشعراني (ص266). |
↑20 | أخرجه أبو داود برقم (2042)، وصححه الألباني. |