المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات مع حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم الأسبوعي: "أسس التربية"، ومن قناتكم قناة "زاد العلمية".
هذا اللقاء لقاءٌ نشرف به؛ لأننا سنتحدث عن "التربية بالقرآن"، فهذا هو عنوان هذه الحلقة، وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن، اللهم آمين.
المحاور: معنا في هذا اللقاء فضيلة الشيخ خالد محمد الرياعي، المشرف العام على المجمع القرآني في جامع الشبلان في أبها.
حيَّاك الله يا أبا عمر.
الضيف: سلَّمك الله، حيَّاك الله.
المحاور: سُعداء بك والله.
الضيف: الله يُسعد أيامك، ويُضاعف سعادتك.
المحاور: الله يُكرمكم، ويُبارك فيكم.
الضيف: والمشاهد الكريم.
المحاور: يا رب، اللهم آمين.
نحن في عالم التخصص نطرح أنواعًا كثيرةً ومجالاتٍ متعددةً في التربية، منها: التربية القرآنية، أو التربية بالقرآن، فماذا يعني هذا للشيخ خالد؟
معنى التربية بالقرآن
الضيف: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ، ونسأل الله أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا.
حقيقةً ننطلق من كتاب الله، لا سيما أننا نتكلم عن التربية بالقرآن، يقول الله : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ [الإسراء:82]، ويقول أيضًا: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44]، ويقول: وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [التوبة:14].
المحاور: ألحظ أن الآيات الثلاث الجميلة والرائعة فيها قضية الشفاء؛ فلماذا هذا الاختيار؟ وما علاقة هذا بقضية التربية بالقرآن؟
الضيف: سبحان الله!
القرآن سمَّاه الله: "شفاءً" بلا شكٍّ، فمَن استشفى بالقرآن، وتربَّى بالقرآن؛ عاش مع القرآن، وتغيرت أحواله.
المحاور: يا سلام!
الضيف: وأيضًا مع هذا القرآن العزيز الذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42]، فمَن يقرأ هذا القرآن ويتربى به فهو في الحقيقة يستشفي به، قال الله: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ [الإسراء:82]، و"شفاء" نكرة في سياق العموم، فهو شفاءٌ لكل مرضٍ.
أخي، أريد أن أتربى بالقرآن، تعالَ وعِشْ مع القرآن، وتستشفي بالقرآن، وتستدعي القرآن في كل وقتٍ وحينٍ، وفي كل ظرفٍ، ومع كل سلوكٍ.
المحاور: يعني: الأمور الحسية، والمعنوية، والبدنية، والعقلية، والنفسية، كلها.
الضيف: شيخي الحبيب، أليس الله يقول: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]؟ كل شيءٍ موجودٌ في كتاب الله ، كما يقولون:
داؤنا فينا ولو أن اعتصمنا | بكتاب الله ما استفحل داءُ[1]من قصيدةٍ بعنوان: "أبشري يا أمتي" د. عبدالرحمن صالح العشماوي، مجلة "البيان" (186/ 48). |
المحاور: فأين الذين يستقون قضاياهم التربوية من خارج المعين في المنهج الإسلامي؟!
أقول: هؤلاء الذين أنشأوا نظرياتٍ وكتبًا وجامعاتٍ، لكنهم والله بعيدون جدًّا؛ لأنهم محرومون من مثل هذا المعنى الذي بدأت به شيخ خالد، هذا المعنى العظيم: الأخذ من كتاب الله، وأنه شفاءٌ لكل شيءٍ، فهذا لا يفقهه الذين ربما أسَّسوا تلك النظريات، وأصبحت معروفةً ومعلومةً، لكنهم يتخبَّطون من نظريةٍ إلى نظريةٍ، ويأتي هذا وينقض هذا، ويأتي هذا وينقض هذا!
يعني: (فرويد) كمثالٍ ليست نظريته مُعتبرةً، لكن يأتي تلميذه (إيدلر) ويُخالفه؛ لأنها من بشرٍ إلى بشرٍ.
لكن الشيء الثابت هو الأخذ من هذا المعين، وهو القرآن، ولا شك أن هذا مما يعني أننا بأمس الحاجة إليه في منهجنا التربوي الأسري والتعليمي والمجتمعي، هل تُوافقني على ذلك؟
الضيف: بلا شكٍّ، تأمل ما قاله : إني قد خلفت فيكم اثنين لن تضلوا بعدهما أبدًا: كتاب الله وسنتي[2]أخرجه البزار (8993)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3232).، لن تضلوا لا في تربيةٍ، ولا في سلوكٍ، ولا منهجٍ.
المحاور: الله أكبر!
الضيف: يعني: الآن تقول: أريد أن أُربي أبنائي وطلاب الحلقات، وأربي المجتمع، وأدل الناس على الله.
أقول: أخي الحبيب، بكل هدوءٍ علِّمهم القرآن، وسلِّم قلوبهم وأرواحهم لهذا القرآن.
المحاور: في أي مكانٍ كان، وفي كل وقتٍ.
الضيف: في كل مكانٍ، وفي كل وقتٍ، وفي كل ظرفٍ، وفي كل حينٍ، ومع كل سلوكٍ.
المحاور: تأتينا أسئلةٌ كثيرةٌ واتِّصالاتٌ هنا، وفي برامج الاستشارات، ... إلى آخره: نحن نعيش في بلدانٍ غير إسلاميةٍ، ونُمثل أقليةً، ونعيش مُعاناةً، فكيف نُربي أبناءنا؟ فهل سيكون هذا اللقاء مُعينًا لمثل هؤلاء الذين يُعانون؟
الضيف: والله يا شيخي الحبيب، الذي أنزل هذا القرآن هو أعلم بأحوالنا، وهو الذي سمَّى هذا القرآن: "شفاء".
تعالَ أيها الأب وحاول أن تستدعي أحوال الآباء في القرآن؛ فيعقوب أبٌ، ولقمان أبٌ، وحاول أن تُمارس هذه التربية بالقصة، فتقول: يا بني، أرجو الله أن تكون كيوسف في الإحسان، وكيعقوب في حُسن ظنه بربه، ثم تبدأ في سرد قصص القرآن له، فالقصص القرآني جندٌ من جنود الله ، وسيُؤثر في القلوب بلا شكٍّ.
أيضًا شيخنا الحبيب المُتأمل في القرآن يجد أن القرآن يُركز على الصفات الذاتية للأنبياء؛ فنوحٌ عليه السلام قال الله عنه: إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا [الإسراء:3]، فكلما اعتنى الأب بهذه الصِّفات الذاتية، وأصبحت حاضرةً في حياته، وسلوكًا عمليًّا في بيته؛ فإنه يُرجى أن يبني عابدًا شاكرًا لربه.
المحاور: سيكون أبناؤه مثله عندئذٍ.
الضيف: بمشيئة الله: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90]، فالله لن يُخيب أحدًا.
وكذا التربية بالحالة الصامتة، فلا ينفع أن تُلقي كل يومٍ ألف موعظةٍ على أبنائك، لكن حينما تُصلي في غرفتك المُتواضعة، ويراك أبناؤك تُصلي، هذا وحده سلوكٌ يؤثر بمشيئة الله .
وتكلم الله عن أيوب فقال: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا [ص:44]، وتكلم عن إسماعيل فقال: إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ [مريم:54].
كل هذه صفاتٌ ذاتيةٌ مُلازمةٌ للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولن تُؤثر في قلوب أبنائك وطلابك إلا أن تكون كمحمدٍ .
المحاور: إذن نحن نقرأ القرآن حتى نتمثل هذه القُدوات.
الضيف: نُفتِّش في صفاتهم، ونسير على خُطاهم.
المحاور: دعنا شيخ خالد -الله يحفظك- ندخل في هذا المعنى العظيم، وهو: كيف نتربى بالقرآن؟
هلَّا حلَّقت بنا مع بعض هذه المجالات التي تحتاجها الأُسَر المسلمة اليوم؛ حتى تُدرك فعلًا حقيقة حاجتها للقرآن في قضايا الاستشفاء الحسية والمعنوية.
أنواع هجر القرآن
الضيف: دكتور خالد -رفع الله قدرك- أستأذنك قبل هذا.
المحاور: تفضل.
الضيف: ابن القيم -رحمه الله- تكلم عن هجر القرآن، والبعض قد يقتصر فهمه على أن هجر القرآن يكون في عدم تلاوته!
فتكلم ابن القيم كلامًا جميلًا رائعًا، فقال: "فائدة: هجر القرآن أنواعٌ:
أحدها: هجر سماعه، والإيمان به، والإصغاء إليه.
والثاني: هجر العمل به، والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به.
والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقاد أنه لا يُفيد اليقين، وأن أدلته لفظيةٌ لا تحصل العلم.
والرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المُتكلم به منه.
والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به.
وكل هذا داخلٌ في قوله: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30]، وإن كان بعض الهجر أهون من بعضٍ"[3]"الفوائد" لابن القيم (ص82)..
فهذه خمسة قضايا، فإذا قرأت القرآن لكن لم تعمل به نخشى أن تكون ممن هجر القرآن.
الآن يا دكتور خالد سأروي لك قصةً، وأنت تخصصك علم النفس، الله يرفع من قدرك.
المحاور: جزاك الله خيرًا، نحن نحتاج إلى هذا المنحى.
وأنا أقول من هذا المكان لأحبتي المُختصين: لا بد أن نستحضر هذا المنهج أثناء إرشادنا وتوجيهنا وعلاجنا.
الضيف: يقول مدير مستشفى الأمراض النفسية في الطائف: بقيت في إدارة هذه المستشفى أكثر من خمسةٍ وعشرين عامًا، وفي فترة بقائي في هذه المستشفى زارني جميع طبقات المجتمع إلا شريحةً واحدةً. مَن هم يا دكتور؟
قال: هم أهل القرآن، ومَن عاشوا مع القرآن.
وعقَّب بكلمةٍ تُكتب بماء الذهب، فقال: نحن في هذه المستشفى ومع هؤلاء المرضى إذا يئسنا وسئمنا من هذه الأدوية والعقاقير لجأنا إلى القرآن.
المحاور: هل تعرف شيخ خالد، حتى في الغرب يُعالجون بالقرآن في مستشفياتهم؟
الضيف: سبحان الله!
المحاور: نعم، وهذا قد ذكره بعض أهل الاختصاص، وما شابه ذلك، وهم ليسوا مسلمين، ووجدوا نسبة القلق تخفُّ، مع أنهم يسمعونه ولا يفهمون ما فيه، وهذا حقيقةً سرٌّ عظيمٌ جدًّا في كلام الله .
الضيف: سبحان الله! يعني: القرآن له سطوته؛ ولهذا لو أنزله الله على جبلٍ لتصدع، وهو جبلٌ! فكيف بقلبي وبقلبك؟!
فالقرآن كفيلٌ بأن يكتسح كل معاناةٍ، ويُنهي كل مشكلةٍ بمشيئة الله، المهم أن تفهم هذا القرآن، وتستحضر أنك أنت المُخاطب بالقرآن، وأنك في القرآن، وأسرتك في القرآن، كما قال الله: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ [الزخرف:44].
إذن يا دكتور خالد استدعاء القرآن مع كل سلوكٍ، وكل ظرفٍ، وكل موقفٍ يجعلنا نتربى بالقرآن، فكم من شخصٍ غيَّر الله حياته بآيةٍ، وكفارٌ تغيرت أحوالهم بآيةٍ من كتاب الله: طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه:1، 2]، قيل: إنها نزلت في عمر . فكيف يشقى مَن يقرأ القرآن؟!
المحاور: لن يشقى.
الضيف: وكيف يحزن؟! وكيف يبتئس؟! والله يقول في نهاية سورة طه: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى [طه:123]، وابن عباسٍ رضي الله عنهما يقول: "لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة"[4]"تفسير الطبري = جامع البيان" ت: شاكر (18/ 389).، فيُلهمك الله ويهديك حتى في التربية، فإذا علَّمت ابنك القرآن سيتعلم كل شيءٍ، وتختصر كثيرًا من قضايا التربية.
المحاور: هذا على أساس أنه ليس فقط مجرد التلاوة.
الضيف: نعم.
المحاور: لا بد من التدبر والعمل، وما شابه ذلك.
الضيف: فنقول للناس: اقرؤوا، وتدبروا، واستشفوا، واعملوا بالقرآن، وتحاكموا إلى القرآن.
المحاور: يا سلام!
إذن هناك خمس وظائف مطلوبة في التعامل مع كتاب الله، وليست القضية أن أقرأ، فرُبَّ قارئٍ للقرآن والقرآن يلعنه.
الضيف: وهذه العبارة مُقلقةٌ ومُزعجةٌ لمَن كان له قلبٌ، هكذا يقول أحد السلف: "رُبَّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه"[5]من قول أنس بن مالك كما في "إحياء علوم الدين" (1/ 274)..
المحاور: لا حول ولا قوة إلا بالله.
الضيف: لأنه قد يُخالف مراد الله ؛ إذن اقرأ القرآن كأنه أُنزل عليك، يقول الله عن نبيه : فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ [البقرة:97]، لا على لسانك، ولا سمعك، فالقرآن يقصد قلبك بلا شكٍّ، ومَن يقرأ القرآن ويستحضر أن هذا القرآن هو الشفاء والسكينة والطمأنينة؛ والله لن يجد إلا شفاءً وسكينةً وطمأنينةً، فالله قضى وحكم وقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].
لو أنك شعرتَ بلوعةٍ وقلقٍ وكآبةٍ، ثم جلستَ وحدك وكررتَ هذه الآية -ولو مئة مرة-: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ لطمأنَّ قلبك، وإذا لم تطمئن القلوب بالله فبأي شيءٍ تطمئن؟! وإذا لم تسعد بالله فبأي شيءٍ تسعد؟! وإذا لم تستأنس بالله فبأي شيءٍ تستأنس؟!
وابن القيم -رحمه الله- يقول: "إذا استغنى الناس بالدنيا، فاستغنَ أنت بالله، وإذا فرحوا بالدنيا، فافرح أنت بالله، وإذا أنسوا بأحبابهم، فاجعل أُنسك بالله، وإذا تعرَّفوا إلى ملوكهم وكُبرائهم وتقرَّبوا إليهم لينالوا بهم العزَّة والرفعة، فتعرف أنت إلى الله، وتودد إليه؛ تنل بذلك غاية العزِّ والرفعة"[6]"الفوائد" لابن القيم (ص118)..
المحاور: الله أكبر!
الضيف: ولهذا يقول الله: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ [الذاريات:50]، لماذا لا تفرُّ إلى الله من خلال هذا القرآن؟ قَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ [الصافات:99]، سيهديك، ويُعطيك، ويقف معك، ويُغيثك، ويجعل لك بعد العسر يسرًا، ويُلهمك ويُعطيك حلولًا، حتى كيف تسعد بأبنائك؟ وكيف تدلهم على الله ؟
المحاور: إذن هناك تفسيرٌ لقضية الشقاء: بأن البُعد عن هذا الطريق هو سبب ذلك.
الضيف: بلا شكٍّ.
المحاور: كما قال الله : وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا [طه:124].
الضيف: سبحان الله! وهذا في سورة طه، قال الله: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا، وقال الله في سورة الزخرف: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36]، وقال الله: فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ [الحديد:16]، فكلما ابتعدت عن القرآن، وابتعدت عن العيش مع القرآن؛ قسا قلبك، وجفَّت مدامعك، وشعرت بكآبةٍ لا يعلمها إلا الله .
فالقرآن هو الذي يليق بقلوب المؤمنين، وهو الذي يُسْكِن آلامهم، وهو الذي يُذهب أحزانهم، وليس هناك حلٌّ آخر.
الصبر في القرآن
المحاور: حينما تقول: يُسْكِن آلامهم، فالناس بلا شكٍّ في هذا الزمن الحاضر يُعانون معاناةً شديدةً، فكيف نستطيع أن نستلهم هذه القضايا من معاني القرآن فيما يتعلق بالصبر كمثالٍ؟
الضيف: طبعًا لو تأملنا قضية الصبر في القرآن نجد أن الصبر ذُكر في القرآن في أكثر من تسعين آيةً، فأكثر من تسعين موضعًا يتكلم عن الصبر: صبر على طاعة الله، وصبر على المعاصي والشهوات، وصبر على أقدار الله المُؤلمة، هذا الصبر يُؤهلك إلى النعيم والسعادة، ولو لم يكن من صبرك إلا أن تنال محبة الله وتنال جنةً عرضها السماوات والأرض لكفاك، والدليل قول الله : وَالَّذِينَ صَبَرُوا[الرعد:22]، اللهم اجعلنا منهم.
المحاور: اللهم آمين.
الضيف: وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ [الرعد:22]، فمَن يصبر لأجل الله وفي ذات الله يشعر بمددٍ من الله، ويُصبِّره الله، قال: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127]، وقال الله : وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَؤونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ [الرعد:22]، حتى لو زلَّت بك القدم، وضعفت نفسك؛ فالقرآن يُعطيك حلولًا، لا يحزنك الشيطان، ولا يُيَئِّسك من رحمة الله ، قال تعالى: وَيَدْرَؤونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:22]، يا رب، ما هي عُقبى الدار؟ الكل يتمنى هذه العُقبى، وكل مؤمنٍ في هذه البسيطة يعبد الله عشرين سنةً، أو ثلاثين سنةً، ويُربي أبناءه أربعين سنةً، أو خمسين سنةً؛ يريد جنةً عرضها السماوات والأرض.
عُقبى الدار هي كما قال الله : جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ [الرعد:23]، لماذا هذه الحفاوة يا رب؟
قال: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:24]، لحظات صبرك أيها الأب، وأيها المُربي، والله لن يُخيبك الله، وإن لك معها موعدًا لن تُخلفه، ألا تكفيك الجنة؟ بلى والله.
المحاور: إذن حينما نسمع مثل هذه الآيات ونعيشها ليس لنا إلا أن نصبر الصبر الجميل، والذي يُلاحظ شيخ خالد بالنسبة لمَن يُمارس الاستشارات الأسرية: أن هناك انفعالاتٍ وغضبًا، وليس هناك ضبطٌ للنفس بالصبر والتَّحمل، فهذه المعاني العظيمة ليست فائدتها فقط في الدنيا، بل هناك الجزاء العظيم في الآخرة.
الضيف: هذا الذي يُسليك يا شيخ، والوقود الذي يجعلك تتصبر: الجنة تُناديك.
المحاور: الله أكبر!
الضيف: اصبر، ولسان حالك يقول:
سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري | وأصبر حتى يحكم الله في أمري |
سأصبر حتى يعلم الصبر أنني | صبرتُ على شيءٍ أَمَرِّ من الصبر[7]البيتان ضمن أبياتٍ أخرى في كتاب "ألف ليلة وليلة" (ص85)، ولم يظهر مَن القائل، ومنهم مَن ينسبهما إلى علي بن أبي … Continue reading |
تقوى الله طريقك إلى الجنة
وإذا جئتَ عند تقوى الله ، فتقوى الله لا يقبل غيرها، ولا يُحب إلا أهلها، ولا يُثيب إلا عليها، بل تقوى الله أيضًا -كما ذكرنا في الصبر- تُؤهل إلى الجنة.
وفي التقوى أيضًا قال الله: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63].
الآن البعض يقلق على مستقبله ومستقبل أبنائه، وماذا سيصنعون بعدي؟
يقول الله مُطمئنًا لنا ولكل أبٍ: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ، ما الحل يا رب؟ قال: فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [النساء:9]، هذا تأمينٌ شاملٌ: فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ، إن اتَّقينا الله قُضيت حوائجنا، وسال الماء، والله يقول لنبيه : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:1].
وتأمل يا شيخ حينما ذكرت البلاءات التي تمر علينا، فمن أعظم أدوات العيش في هذه الدنيا: الصبر والتَّصبر.
يقول الله تعالى: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا [آل عمران:186]، وما الحل يا رب؟
قال: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمران:186]، ويقول الله: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران:120]، وقال: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ[الروم:60].
المحاور: التوجيه بالتقوى مع الصبر ماذا نستشف منه؟
الضيف: يعني: اتَّقِ الله، وسيجعل الله لك مخرجًا؛ لأن التقوى ليست سهلةً.
المحاور: هذا ارتباطٌ بأن الصبر لله.
الضيف: نعم.
المحاور: لا شكَّ.
الضيف: يعني: الصبر لله، فالله يقول: اصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127]، حتى في صبرك تستعين بالله أن يُصبرك.
والتقوى شيخنا الحبيب هي المُؤهلة للجنة، فيجب أن نتقي الله، لا يوجد حلٌّ آخر، قال النبي : اتِّقِ الله حيثما كنتَ، فهذه فيما بينك وبين الله.
طيب، يا رب، نفسي التي بين جنبي؟ قال: وأتبع السيئة الحسنة تمحها، والناس من حولي؟ قال: وخالق الناس بخلقٍ حسنٍ[8]أخرجه الترمذي (1987) وقال: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ"، وحسنه الألباني.، فالتقوى في كل وقتٍ وحينٍ.
وسبحان الله! المتأمل شيخنا الحبيب في آيات الطلاق في سورة البقرة يجد أن الله ختمها بقوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:231]، وقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:233]، وقال: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة:235]، فكلها قضايا متعلقةٌ بالقلب، فالله الذي يعلم ما في قلبك، والكل يزعم أنه يتقي الله، لكن ما الذي بينك وبين الله؟
المحاور: نعود إلى الآية الأخيرة، الله يحفظك.
الضيف: يقول الله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ يعني: ماذا يعلم الله من قلبك؟ إن علم الله من قلبك خيرًا في كل شؤون حياتك؛ لن يُخيبك .
في سورة الطلاق -والتي تُسمى: النساء الصغرى- قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا[الطلاق:2]، فما علاقة التقوى بالطلاق؟
إذا أردتَ سعادةً أسريةً فاتَّقِ الله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، قد يكون الذي أفسد بين الزوجين من مودةٍ وسعادةٍ ووئامٍ معصيةٌ وبُعْدٌ عن الله، قال الله: مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق:5].
المحاور: إذن يمكن أيضًا من خلال سورة الطلاق أن نُعالج مشكلاتنا؟
أثر سورة الطلاق في حلِّ المشكلات
الضيف: أحكي لك هذه القصة يا شيخي الحبيب، وهي لرجلٍ حصل بينه وبين زوجته خلافٌ، فيقول: بقيتُ ستة أشهرٍ تقريبًا.
المحاور: هناك خلافٌ بينه وبين زوجته؟
الضيف: نعم، يقول: ومعي من الأبناء خمسٌ، ووصلت الأمور إلى أنه لا يوجد حلٌّ إلا الطلاق، ثم فكرتُ في أبنائي: سيصيرون وكأنهم أيتامٌ، والأم حيةٌ، والأب حيٌّ!
فاتَّصل هذا الرجل بأحد الذين يعنون بعلاج الناس بالتدبر، وليس بالرقية الشرعية، فقال له: كيف أنت والقرآن؟
المحاور: العلاج بالتدبر.
الضيف: العلاج بالتدبر.
المحاور: يا سلام!
الضيف: قال: كيف أنت والقرآن؟ قال: ولله الحمد، الآن نحن في رمضان، ولي وردٌ معينٌ من القرآن، وأُبشرك أني ختمتُ القرآن مرتين. قال: طيب، مرتان وما وجدتَ حلًّا لمشكلتك؟! قال: والله ما وجدتُ حلًّا، لكني أبحث. قال: أنا أُعطيك الحلَّ الآن. قال: ما هو؟ قال: سورة الطلاق. قال: "فأل الله ولا فألك"! كل شيءٍ إلا الطلاق. فقال: والله سورة الطلاق مَن عاش معها وأعادها وجد خيرًا، الآن لك ستة أشهرٍ ما وجدتَ حلًّا، صحيحٌ؟ أنا أطلب منك أسبوعًا واحدًا تترك فيه كل أحدٍ وترتبط بالله الواحد الأحد، وعِشْ مع سورة الطلاق وكأنها أُنزلت عليك، الآن اتَّفقنا كما قلت وذكرت أن الزوجة ذهبت، يقول الله: لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [الطلاق:1]، تفكيرنا محدودٌ.
المحاور: وفي بعض الأحيان كأننا نسمعها لأول مرةٍ.
الضيف: ما تدري ما الذي يُرتبه الواحد الأحد؟ قد يكون هذا فراقًا لتعود المودة من جديدٍ، وتسعدان من جديدٍ، قال الله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2] يعني: يوجد شرطٌ، ويوجد وعدٌ، متى تحقق الشرط جاء الوعد: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4].
المحاور: الوصفة كانت أن يقرأها باستمرارٍ؟
الضيف: يعيش معها، ويقوم بها بين يدي الله في جوف الليل.
والليل أيها الحبيب المبارك له أسراره، في جنح الظلام حينما ينزل الرب إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، ويراك سبحانه، وهو العليم؛ يعلم حالك، وفقرك، وحاجتك، وعوزك، وألمك، ثم تُناجيه، فهل الله ينساك؟!
لا، والله لن ينساك، يقول الله: وإن تقرَّب إليَّ بشبرٍ تقرَّبتُ إليه ذراعًا[9]أخرجه البخاري (7405)، ومسلم (2675).، فالله لا ينسى مَن عصاه، فكيف بمَن أطاعه، وعاش معه، واستشفى بهذا القرآن؟!
أيضًا وهو يقرأ القرآن يجب أن يكون في قلبه يقينٌ، ولا يقل: أقرأ وأُجرب. لا، الله يرفع من قدرك.
المحاور: وقد لا يجد أثرًا.
الضيف: البعض يقول: أقرأ القرآن لكن لم يتغير شيءٌ.
المحاور: المحل اختلف.
الضيف: القضية دكتور خالد باليقين الذي في قلبك.
المحاور: لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ [ق:37].
الضيف: المحل القابل هو القلب، لكن لا تأخذ القرآن وتقل: أُجربه وأنظر! القرآن ليس طبًّا شعبيًّا، هذا القرآن شفاءٌ، المشكلة في يقينك وتناولك لهذا القرآن.
المحاور: وحقيقة "أُجرب وأنظر" هذه قد لا ينطقها بلسانه، لكن قد تكون داخل نفسه.
الضيف: تسمح لي يا شيخ أُكمل القصة؟
المحاور: جميلٌ، أنا أريد أن أرجع إلى القصة فأقول: هل المقصود من العيش مع هذه السورة أن يقرأها مرةً واحدةً، أو باستمرارٍ يقوم بها كل ليلةٍ مثلًا؟
الضيف: التدبر هو التأمل والتكرار، والدليل قول أبي ذرٍّ : قام النبي بآيةٍ في ليلةٍ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118][10]أخرجه ابن ماجه (1350)، وحسنه الألباني..
المحاور: يعني: التطبيق العملي الآن أنك تأخذ آيةً من كتاب الله تُلامس وجعك ومشكلتك الأُسرية، وتقوم بتكرارها؟
الضيف: تتناسب مع القضية.
المحاور: تتناسب مع الحدث الذي يمر بك.
الضيف: وتقوم بتكرارها.
المحاور: أعدها.
الضيف: كما كان النبي يفعل في: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ، فهذا الرجل شيخي الحبيب.
المحاور: صاحب سورة الطلاق.
الضيف: قال: بقيتُ مع هذه السورة أسبوعًا، والله في اليوم الخامس أرسلتُ إلى هذا الرجل الذي أوصاني بهذه السورة، قلت: أخي الحبيب -وفَّقك الله- والله إن سورة الطلاق صنعت في خمسة أيامٍ ما لم يصنعه مَن تدخل في الصلح خلال ستة أشهرٍ.
المحاور: سبحان الله!
الضيف: والله إن زوجتي وأولادي معي، وإننا في سعادةٍ لا يعلمها إلا الله؛ لماذا شيخنا الحبيب؟
المحاور: نعم، لماذا؟
الضيف: لأن المعاصي ظُلماتٌ، وتُفسد ولا تُصلح؛ تُفسد البيوت والقلوب، فيأتي نور القرآن فيكتسح هذه الظلمات ويُخرجها ويُزيلها، أليس الله يقول عن بيوت النبي : وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب:34]؟
فمتى تُلِيَ القرآن في البيوت، واطمأنت البيوت بالقرآن، واطمأنت النفوس؛ تغيَّرت أحوالها، ولن يشقى أحدٌ بهذا القرآن، وتنتهي الأحزان، بمشيئة الله، نسأل الله أن يرزقنا به كل بركةٍ.
المحاور: اللهم آمين، هو كلامٌ في غاية الجمال والعظمة، يكفي أنه كلام الله .
لعلنا قبل أن نخرج إلى الفاصل شيخ خالد، إذا كان هناك شيءٌ فيما يتعلق بالنقطة الأخيرة وهي: الصبر.
وأيضًا كأنك وضعتَ قاعدةً، وهي: الانتقاء من القرآن بما يُناسب الحال، فالإنسان إذا كانت عنده مشكلةٌ، أو كانت حاجةٌ معينةٌ ... إلى آخره؛ لا بد أن يعيش مع آيةٍ، أو مع سورةٍ مثلًا بشكلٍ مُستمرٍّ؟
الضيف: طبعًا دكتور خالد، حينما تُؤمن وتُوقن وتُصدق أن كل جرحٍ شفاؤه في قراءة القرآن بتدبرٍ؛ فالقرآن يُرشدك ويُلهمك ويُعينك، بمشيئة الله.
يعني: تأمل في الحياة الزوجية حينما ذكرنا الصبر والتصبر، قال الله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [التغابن:15]، ما الحل يا رب؟
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا [التغابن:16]، يا شيخي، مفردة: "وأنفقوا" هذه ما ارتباطها بالأسرة؟
المحاور: سبحان الله! فعلًا.
الضيف: يعني: الإنسان قد يُنفق حتى يقضي الله حاجته، ويعلم أنها من أحب الأعمال إلى الله، يُنفق ليُنفق الله عليه، لكن يُنفق ليسعد بأهله، ويُقاوم الأزواج الذين قال الله عنهم: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ، مَن تصدق بنية أن الله يُسعده ويُسعد زوجته، هذا هو: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن:16]، فالإنفاق سعادةٌ وأُنْسٌ.
المحاور: سبحان الله!
الذي يغرق في الواقع السلبي أو المشكلات، ولا يخرج منها إلى هذه المُعطيات الأخرى في إشغال الذات والأسرة والخروج منها يقع في الفخ، يعني: كثيرٌ منا ربما يقف عند قضية الفتنة، لكن لا يقف عند التوجيهات الأخرى التي ذُكرت بعد ذلك في الآية.
الضيف: شيخي الحبيب، كلمة "وأنفقوا" تأييدٌ وتعزيزٌ لهذه القضية.
يقول أحد الإخوة: أنا وزوجتي شعرنا بكآبةٍ مرَّت علينا في حياتنا، فاتفقنا على أن نُنفق في سبيل الله.
المحاور: سبحان الله!
الضيف: تُنفق هي، وأُنفق أنا، والله هذا الإنفاق وجدنا أثره الإيجابي في حياتنا.
المحاور: الله أكبر!
الضيف: هذا كلام الله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا [التغابن:16].
المحاور: وبهذا نتربى بالقرآن، ومن القرآن، ومع القرآن.
جزاك الله خيرًا شيخ خالد.
أيها الإخوة والأخوات، فاصلٌ ونُواصل.
الفاصل:
أمانةٌ عظيمةٌ، ومسؤوليةٌ كبيرةٌ: إنها تربية الأهل والأولاد، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6]، قال علي بن أبي طالب : "أدِّبوهم وعلِّموهم"[11]"تفسير ابن كثير" ط. العلمية (8/ 188).، فنُعلمهم العقيدة الصحيحة.
وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].
وقال لابن عباسٍ: يا غلام، إني أُعلمك كلماتٍ: احفظ الله يحفظك[12]أخرجه الترمذي (2516)، وصححه الألباني..
ونُعلمهم حب النبي ، وحب أصحابه، فقد كان السلف يُعلمون أولادهم حب أبي بكرٍ وعمر كما يُعلمونهم السورة من القرآن.
ونُعلمهم الصلاة، قال : مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشرٍ[13]أخرجه أبو داود (495)، وقال الألباني: حسنٌ صحيحٌ..
ونُعلمهم مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، قال لعمر بن أبي سلمة: يا غلام، سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك[14]أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022)..
ونُعلمهم شيئًا من القرآن بأنفسنا، أو نُلحقهم بحلقات التحفيظ، ونُعلمهم الحلال والحرام بالتدريج.
ونُعلمهم لغة القرآن قبل أن نُعلمهم اللغات الأخرى، قال نافع: "كان ابن عمر يضرب ولده على اللَّحْن"[15]"الآداب الشرعية والمِنَح المرعية" (2/ 129)..
فاحرص على تعليم أهلك، واعلم أن غذاء الروح أهم من غذاء البدن، قال : والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤولٌ عنهم[16]أخرجه البخاري (2554)، ومسلم (1829)..
المحاور: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات، وعودًا حميدًا مع التربية بالقرآن، مع فضيلة الشيخ خالد الرياعي.
حيَّاك الله أبا عمر.
الضيف: الله يرفع مقامك.
الحوار بين الآباء والأبناء
المحاور: الحقيقة: كان الفاصل يُشير إلى قضية لقمان مع ابنه، فربما نستلهم منها ما يرتبط بالتربية بالقرآن: حول الحوار بين الآباء والأبناء، فهذه القضية مهمةٌ جدًّا، فماذا يمكن أن نستفيد؟
الضيف: جميلٌ أن نستدعي القرآن، ونستدعي سورةً من كتاب الله فيها أبٌ وابنٌ، فما أجمل أن يحصل حوارٌ مُتألقٌ بين أبٍ وابنه! فيقول الأب: يا بني، إني لأرجو الله أن أكون كيعقوب عليه السلام في الثقة بالله، وحُسن الظن به؛ لأن الأب المُتشائم يا دكتور خالد يعيق حركة البيت.
المحاور: بلا شكٍّ.
الضيف: ويعيق حركة الأسرة، ويُشتت، ولا يجمع.
المحاور: أين اليقين والثقة في قصة يعقوب؟
الضيف: يعقوب عليه الصلاة والسلام احدَودَب ظهره، ورقَّ عظمه، وابيضت عيناه من الحزن، ومع هذه الأحداث الأليمة قال: أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [يوسف:96].
المحاور: الله أكبر!
الضيف: تأمل؛ قال الله : وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا، و"عسى" من الله مُتحققةٌ: إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ [يوسف:82- 85].
فلا بد من التفاؤل وحُسن الظن بالله، حتى في ساعات العُسرة في الأحداث الأليمة، وفي لوعة الفراق: قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ، حُسن الظن بالله: وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ[يوسف:86]، كيف يعلم يعقوب من الله ما لا يعلم غيره؟ بحُسن الظن بربه، وما زال بلسان التفاؤل وحُسن الظن بالله يقول: يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87].
المحاور: يا سلام!
الضيف: ويقول الأب: إني لأرجو من الله أن تكون كيوسف في الصفاء والنقاء والإحسان، فهي مُراودةٌ مكشوفةٌ، وصاحبها تغليق الأبواب، وتغليق الأبواب لا يكون إلا في اللحظات الأخيرة، لكنه يوسف، وأنت يا بني تسير على خُطاه، فقل كما قال، واصرخ بها في داخلك: قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ [يوسف:23]، معاذ الله، اكتبها في قلبك يا بني، واكتبها في مشاوير حياتك، واكتبها في أعماق أعماقك: معاذ الله ، وهكذا، يوسف يا بني حاز على أعلى مراتب الدين، وهي: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
المحاور: هذا الإحسان.
الضيف: هذا الإحسان، وهو أعظم قضيةٍ، فإذا كان الله حاضرًا في قلبك أيها الأب، وقلبك أيها الابن؛ فإنك لا تحتاج إلى مراقبةٍ، إلا المراقبة الذاتية، فإذا أيقن الإنسان أن الله معه هل سيعصي الله ؟!
وتأمل في مشهدٍ آخر لأبٍ في القرآن: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ [لقمان:16]، كل معصيةٍ يأتي بها الله، وكل شيءٍ يُزعجك ويُربكك ولا يليق بمقامك يأتي به الله: إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان:16]، جميلٌ هذا الحوار بين أبٍ وابنه، وهذا من التربية بالقرآن.
المحاور: الله أكبر! كم نحن بأمس الحاجة إلى هذا الأمر، وهذه المعاني.
آيات السكينة في القرآن
طيب، أيضًا قد يختل توازن الواحد منا شيخ خالد، ويحتاج إلى ما يُسكنه ويُهدئه، فماذا عن آيات السكينة، الله يحفظك؟
الضيف: ابن القيم -رحمه الله- يقول: مرَّت على شيخ الإسلام -قدَّس الله روحه- مِحَنٌ وآلامٌ، يقول: لا تكاد القوة تثبت معها.
المحاور: من شدتها؟
الضيف: من شدتها وهولها، فقال شيخ الإسلام -رحمه الله- لمَن هم حوله: اقرؤوا عليَّ آيات السكينة.
المحاور: شيخ الإسلام يطلب؟
الضيف: نعم، قال: "فلما اشتد عليَّ الأمر قلتُ لأقاربي ومَن حولي: اقرؤوا آيات السكينة. قال: ثم أقلع عني ذلك الحال، وجلستُ وما بي قلبةٌ"[17]"مدارج السالكين" (2/ 471).؛ لأنه فرَّج الله عنه، وسكن قلبه.
المحاور: سبحان الله! فما آيات السكينة؟
الضيف: قيل: ست آياتٍ. وقيل: خمس آياتٍ: آيةٌ في سورة البقرة، وآيتان في سورة التوبة، وثلاث آياتٍ في سورة الفتح.
المحاور: هلا استمعنا لها؟
الضيف: يقول الله -وتأمل-: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ [الفتح:4] في قلوب المؤمنين فقط، أما غيرهم فلا تليق بهم هذه السكينة، ولا يستحقونها أصلًا، أما المؤمن فهو الذي يستحق السكينة من الله، والله يُكافئه على إيمانه بالسكينة والطمأنينة والهدوء والوقار.
المحاور: هذا المحل.
الضيف: نعم، قال الله : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ يعني: غير المؤمن لن يحظى بهذه السكينة.
وقال الله في موضعٍ آخر: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح:18]، جميلٌ، ماذا يعلم الله من قلبك حتى يُسكن قلبك؟ إذا علم الله من قلبك إخلاصًا وإنابةً وتوكلًا وتقوًى وصبرًا؛ سكَّن قلبك، وربط على قلبك.
قال الله: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح:18]، فالسكينة هي الهدوء والوقار.
يقول أحد الإخوة يا شيخنا الحبيب: زوجتي بعد أن وضعت مرَّت بها حالةٌ أصبحت فيها تبكي من أي سببٍ.
المحاور: ما يُسمَّى: بالاكتئاب بعد الولادة.
الضيف: تُسمونه يا شيخ: الاكتئاب بعد الولادة، سبحان الله!
قال: فأخذتُ أقرأ عليها آيات السكينة، وأعدتها، وكررتها، حتى قلت: اقرئي أنت آيات السكينة. فقرأتها، واطمأنت تلك الليلة، وفرَّج الله عنها، وأغاثها.
المحاور: سبحان الله!
الضيف: نعم.
داؤنا فينا ولو أن اعتصمنا | بكتاب الله ما استفحل داءُ[18]من قصيدةٍ بعنوان: "أبشري يا أمتي" د. عبدالرحمن صالح العشماوي، مجلة "البيان" (186/ 48). |
وبقية الآيات: آيةٌ في سورة البقرة، وآيتان في سورة التوبة، وثلاث آياتٍ في سورة الفتح، تأملوها.
المحاور: جميلٌ.
إذن الوقوف عندها وتكرارها لا شكَّ أنه سيُساعد في تهدئة هذه النفس وسكينتها.
الضيف: بلا شكٍّ.
المحاور: جميلٌ جدًّا.
أثر القرآن في دفع الخوف والقلق
طيب، أيضًا قد تأتي للإنسان مخاوف وقلقٌ، واليوم يقولون: مرض العصر هو القلق النفسي، فهو رقم واحدٍ، والقلق مما يرتبط بالمستقبل، والخوف من أشياء معينةٍ، سواءٌ كانت جزئيةً، أو كليةً، أو قليلةً، أو كثيرةً، فكيف يمكن أن نتربى بالقرآن حتى ندفع عنا هذا الخوف؟
الضيف: الإيمان إذا وقر في القلب اطمأن الإنسان، والقرآن هو الذي يُحقق الأمان والحماية بمشيئة الله ، ويُروى أن رجلًا خاصم زوجته فقال لها في غضبٍ وحنقٍ وتهديدٍ: والله لأُشقِينَّكِ. فقالت له: إن كانت سعادتي في حُليٍّ وذهبٍ ستحرمني منه، لكن سعادتي فيما هو أبعد من هذا كله؛ سعادتي في إيماني، وإيماني في قلبي، وليس لأحدٍ سلطانٌ على قلبي إلا ربي. فقد تجاوزت كل المخاوف والتهديدات بهذا الإيمان الذي وقر في قلبها.
يعني: الخائف القلق المُنزعج حينما يقرأ ما قاله الله في سورة آل عمران: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا [آل عمران:173].
تخيل يا دكتور خالد واحدًا تُخوفه وتُهدده، فقد يضطرب إيمانه، لكن واحدًا في الوجه المقابل تُهدده فيزداد إيمانه، أي قلبٍ هذا؟!
قال: فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173]، النتيجة: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ [آل عمران:174، 175]، فالخوف والقلق والحزن الذي يأتيك كله من الشيطان، قال الله: لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المجادلة:10].
إذن إذا كنت خائفًا قلقًا فقل: حسبي الله ونعم الوكيل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ [الأنفال:64] يعني: سيكفيك من كل خوفٍ وعدوٍّ ومحنةٍ وبلاءٍ.
نسأل الله أن يكفينا وإياكم.
المحاور: آمين.
الاعتصام بالقرآن يقي من ذنوب الخلوات
يعاني كثيرٌ من الناس اليوم في ظل وسائل التواصل الاجتماعي والتقنية مما يرتبط بقضية ذنوب الخلوات، ولا شك أن العناية بالقرآن في هذا الجانب نحن بأمس الحاجة إليها، فماذا يمكن أن يقول الشيخ خالد؟
الضيف: استدعاء القرآن في الخلوات، وترديد بعض الآيات في الخلوات -نسأل الله أن يرزقنا وإياكم به من كل بركةٍ-، فالقرآن -بلا شكٍّ- هو الذي يُعينك على نفسك التي بين جنبيك، فإذا همَّت نفسك بمعصيةٍ في الخلوات فذكِّرها، يعني كما يقولون: ألقِ خطبةً على منبر روحك، وعِظْ نفسك.
المحاور: اخطب لنفسك.
الضيف: عِظْ نفسك وذكِّرها.
المحاور: بماذا؟
الضيف: بآي القرآن، يعني: تأمل إذا كنت وحدك الآن، والشيطان يَؤُزُّك أزًّا، والخواطر السيئة تأتيك، فتُدافعها ولا تسترسل معها، وكرر بعض الآيات.
المحاور: كيف؟
الضيف: كرر.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: يقول الله : أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14]، يراك ويُشاهدك ، ولا يخفى عليه أمرك، وأعد هذه الآية ولو مئة مرة، بل ألف مرة، كما قال ابن القيم -رحمه الله-: "فإذا قرأه بتفكرٍ حتى مرَّ بآيةٍ هو مُحتاجٌ إليها في شفاء قلبه كررها ولو مئة مرة، ولو ليلة، فقراءة آيةٍ بتفكرٍ وتفهمٍ خيرٌ من قراءة ختمةٍ بغير تدبرٍ وتفهمٍ، وأنفع للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان، وذوق حلاوة القرآن"[19]"مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة" (1/ 187)..
أيضًا آية: أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ [البلد:7]، وأيضًا: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[الحديد:4]، وقول الله تعالى أيضًا: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7]، فإذا استشعر أن الله يراه ويُراقبه لن يعصيه .
المحاور: جميلٌ.
وأيضًا هذا يمكن أن يكون رافدًا للآباء والمُربين في تذكير الأجيال بهذا، يعني: الإتيان بهذه الآيات والتذكير بها ستُخالط بشاشة القلوب، بإذن الله .
الضيف: نعم دكتور خالد، يعني: ما أحسن وما أجمل أن يقول الأب لابنه: يا بني، الجوال بين يديك، أنا منحتك الجوال ثقةً بك، لكن يا ولدي لا أُوصي عليك أحدًا إلا الله، فإن كنتَ صالحًا، فإن الله يتولى الصالحين، يا بني، تذكر أن الله يراك إن كنتُ لا أراك، وقد أغلقتَ على نفسك الأبواب، فإن الله يراك، ولا يخفى عليه شيءٌ، يا بني، اصنع وضع في هذا الجوال ما يُقربك إلى الله، يا بني، تذكر قول الله تعالى: قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأنعام:15]، وتذكر يا بني أن كل لذَّةٍ دون الجنة فانيةٌ، وكل عذابٍ دون النار عافيةٌ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [المائدة:28]، يا بني، قد يستفزك مقطعٌ أو رابطٌ وأنت وحدك، فقل: إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ!
متى وقر هذا في القلوب، ووُجدت المراقبة الذاتية؛ اطمأنَّ القلب، ومَن خاف الله في الدنيا أمَّنه الله في الآخرة.
المحاور: جزاك الله خيرًا يا شيخ خالد، وبارك فيك.
الاستلهام من القرآن في تربية الأبناء
بقي معنا أيضًا -حفظك الله- تربية الأبناء، هذا الهم الكبير الذي تأتي الأسئلة والاستشارات عنه، فكيف يمكن للآباء والأمهات أن يستلهموا من القرآن ما يُساعدهم في هذه القضية؟
الضيف: علم الله سبحانه معاناة الأنبياء والصالحين، وتأمل مشهدًا يخص الصلاة التي ذكرها الله، حيث قال : وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ [طه:132]، ما قال: واصبر، وزيادة المبنى تدل على زيادةٍ في المعنى، وَاصْطَبِرْ ضاعف الصبر، فقد علم الله مُعاناتك، وأنك تُوقظ أبناءك لصلاة الفجر، لكن اصبر في تربيتك لأبنائك.
يا أبنائي، ما أريد منكم شيئًا، أريد أن أُعبِّدكم لله، وأن تُحبوا الله، وأن يكون الله حاضرًا في قلوبكم، أما أنا فقد أغناني الله عنكم.
المحاور: إذن اليأس ورفع راية الاستسلام غير واردٍ.
الضيف: لا تستسلم وتصبَّر؛ وسيُصبرك الله، قال الله: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا، فيجب أن تصبر، لا يوجد حلٌّ آخر.
وأذكر أحد الإخوة قال: إن كنتُ سأُوصي أحدًا سأُوصيه بثلاث كلماتٍ. فقلت: ما هي؟ قال: الصبر، ثم الصبر، ثم الصبر.
المحاور: سبحان الله!
الضيف: لا يوجد حلٌّ آخر يا شيخ؛ ولهذا لا بد أن تلجأ إلى الله كي يُعينك على تربية الأبناء، فإن لم يكن من الله عونٌ والله ستُخذل، فالتوفيق من الله، والمُعين هو الله، والمُوفق هو الله، لكن ابذل سببًا، وأري الله من نفسك خيرًا.
المحاور: نحن نذهب إلى المُستشارين، ونذهب إلى البشر، وقد نغفل عن الذهاب إلى ربِّ البشر، والأخذ من كلام ربِّ البشر !
فنحن أيها الإخوة والأخوات الأكارم بأمس الحاجة إلى تفعيل التربية بالقرآن.
الضيف: أيضًا تأمل: قد يبذل الأب الصالح المُصلح الأسباب، ثم لا يرى شيئًا، ولا بركة، فلنا أسوةٌ، والله يُسلي هؤلاء.
المحاور: يا سلام! ماذا يقول الله؟
الضيف: مثل: إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أبوه كافرٌ، ولا يضر إبراهيم أن أباه كافرٌ، ونوحٌ عليه الصلاة والسلام إلى آخر لحظةٍ يترفق بابنه: يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا [هود:42].
فإذا بذل الوالد الأسباب، واستعان بالله ، وبذل الأسباب الأرضية، ثم لم يرَ بركةً، فاعلم أن هذا البذل عند الله ذخرٌ، ولن يُضيعك، لكن ابذل الأسباب، أما التهاون والتواكل فهذا لن يرى بركةً.
المحاور: إذن يبقى قول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6] ففيه معانٍ تبقى، حتى لو كان هناك نفورٌ وعدم استجابةٍ من الأبناء.
الضيف: أيضًا -يا شيخ- هروب الآباء من البيوت، والتَّنصل من التربية، فمَن يسمع من الأبناء إذا لم تبقَ أنت معهم؟! فهل جلستَ مع أبنائك فقلتَ: يا ولدي، مَن هو الله سبحانه الذي خلقك وشقَّ سمعك وبصرك؟ تدري يا ولدي أن الله بيده كل شيءٍ، وأن الله حرَّك سمعك وقلبك، وأنه قادرٌ على أن يُعطيك، يا ولدي، سأبتعد عنك، لكن يبقى الله معك في كل مكانٍ، الله الله في الصلاة، ما أوصى مُحبٌّ حبيبه يا ولدي بمثل تقوى الله والصلاة، مهما ارتكبتَ من الأخطاء تبقى الصلاة هي رقم واحدٍ؟
هذه رسائل جميلةٌ تبقى في القلوب.
المحاور: لا شك أن القرآن مليءٌ بالرسائل، وأظن أن قضية الشباب هي محور العناية والاهتمام، وربما مصدر القلق، فقد تُقَصِّر بعض الأُسَر في مرحلة الطفولة -وهذا خطأٌ كبيرٌ عندما نُقصر في مرحلة الطفولة- ثم تأتي مرحلة الشباب، وهي من المراحل المهمة والخطيرة جدًّا، فهلَّا حلَّقتَ بنا حول القرآن ورسائله في هذا الجانب.
الضيف: يعني: تأملوا في قصة: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف:13]، فتيةٌ صغارٌ، وهذه قضية التوحيد ويقظته في قلوبهم، يعني: هذا الكهف أصبح آمنًا لهم، فهم فرُّوا بدينهم لأجل الله ، فقال الله عنهم: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ [الكهف:13، 14]، ماذا في قلوبهم؟ توحيدٌ وإيمانٌ ويقينٌ: وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ وهم فتيةٌ صغارٌ، لم يكن في تلك الدولة الوثنية مؤمنون إلا هم، فربط الله على قلوبهم، وفرُّوا بدينهم إلى الكهف، فأصبح هذا الكهف ملاذًا وجنةً وسرورًا: فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ [الكهف:16]، يَنْشُرْ يعني: يملأ المكان .
فالشاب يجب أن يأوي إلى كهف العبودية، وكهف الانكسار بين يدي الله، وأن يعود إلى الله من جديدٍ، وإن دنَّس حياته بأي معصيةٍ.
المحاور: وشابٌّ نشأ في عبادة الله[20]أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031)..
الضيف: بلا شكٍّ، وإن زلَّت به القدم يجب أن يعود إلى الله من جديدٍ؛ لأن الله يقول: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82].
أنا مُذنبٌ أنا مُخطئٌ أنا عاصِ | هو غافرٌ هو راحمٌ هو كافِ |
قابلتهنَّ ثلاثةً بثلاثةٍ | فلتَغْلِبَنْ أوصافه أوصافي[21]من الأبيات الوعظية المشتهرة التي لا يُعرف لها قائلٌ. |
لا تيأس من رحمة الله، أقدم ولا تخف، فإن الله أمان الخائفين.
المحاور: في مرةٍ من المرات اتَّصل بي واحدٌ من الشباب وتحدث بلغة أن الله لن يغفر له.
الضيف: يائسٌ.
المحاور: يائسٌ تمامًا، وتحدث أن الله لن يغفر له، فلو اتَّصل بك ماذا تقول له يا شيخ؟
الضيف: والله إن اتَّصل بي لقلتُ له ما قاله الله : قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
وأقول له: إن الملائكة سيدعون لك إذا قررتَ أن تعود إلى الله: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ [غافر:7]، الملائكة يدعون لك! قرارٌ ما هو بسهلٍ، قرارٌ يحتاج إلى رجالٍ وتحدٍّ: وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [غافر:7].
وأقول له: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا [الفرقان:70]، ليس يغفر، بل يُبَدِّل، هذه رحمته: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156]، فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:70].
المحاور: مليون مقابلها مليون.
الضيف: سبحان الله! وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261].
المحاور: سبحان الله! ذكرتني: مرةً كنتُ في قاعة الدراسة -لعلكم تُعلِّقون على هذه القصة، ونختم بها الوقت- وكنتُ في مقرر التوجيه والإرشاد أتحدث عن قضيةٍ مُرتبطةٍ بالإنسان، وهي: استقراره النفسي، فعرَّجتُ على قول الله : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97]، ثم أردفتُها بقول الله في المقابل: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا [طه:124]، وأثناء خروجي من القاعة لحقني أحد الشباب وهو يقول هذه الآية التي قرأتها: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا كأنها تصف حالي! وأخذته إلى المكتب، وبدأ يتحدث عما يُعانيه واقعيًّا، فماذا تقول لمثل هؤلاء ونحن في ختام هذه الحلقة المباركة؟
الضيف: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ [ق:45]، البعض يشعر بحنقٍ لا يعلمه إلا الله، فيسمع آيةً أو جزءًا من آيةٍ فتتغير حياته، ويتغير مساره.
أذكر شابًّا يا شيخ قال: كنت أعاني من علاقاتٍ مُحرمةٍ، وحبٍّ زائفٍ، فوالله ما غيَّر حياتي إلا تدبر جزءٍ من آيةٍ من سورة البقرة.
المحاور: ما هي؟
الضيف: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165].
المحاور: كيف تعرَّض لها؟
الضيف: يقول: اتَّصل بأحد الدُّعاة وذكر مشكلته، وأنه مُكوِّنٌ علاقةً، وأنه يُحب الشهوات والعلاقات المُحرمة، فقال له: كيف أنت والقرآن؟ قال: أنا بعيدٌ عن القرآن أصلًا. فقال: أريد أن أسمع منك هذه الآية. قال: أنا أقرأها، وأنت تقرأها. يقول هذا الداعية: فقرأها وأنا أسمع على الجوال. قال: فأعادها عشرين مرةً: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ، يقول: في المرة العشرين سمعتُ نشيجًا، فقلت له: ما بك؟ قال: أقول لك شيئًا: والله لا يستحق هذا البكاء والدَّمع والحب إلا الله .
تاهَ لُبِّي وذاب قلبي لربي | فهو حبي وسلوتي وحياتي[22]من قصيدةٍ بعنوان: "أهل الثناء والمجد" للأديب الشيخ الدكتور ناصر بن مسفر الزهراني على الشبكة العنكبوتية. |
المحاور: الله أكبر! الله أكبر!
جزاك الله خيرًا شيخ خالد، سعداء جدًّا بك في هذه الحلقة عن التربية بالقرآن، فإذا كنت تريد أن تختم بخاتمةٍ نهائيةٍ في هذا اللقاء المبارك فتفضل، ونحن في الحقيقة نتمنى ألا نقف، لكن لا بد أن نقف.
الضيف: الله يُثيبك.
المحاور: فماذا تقول -حفظكم الله- في نهاية هذا اللقاء؟
الضيف: نقول: نحن أحوج ما نكون إلى عودةٍ صادقةٍ إلى كتاب الله؛ لتنتهي أحزاننا وآلامنا، وأُبشركم أن الله لن يُضيعنا، ولن يُضيع أهله، وأن الله قد وعدكم وعد الحق، فتشبَّثوا بهذا القرآن، وعيشوا مع القرآن.
فهذه عائشة -رضي الله عنها وعن أبيها- كانت تتكلم عن أخلاق محمدٍ ، فما خطبت خطبةً، ولا أطنبت، ولا أسهبت، بل قالت: "كان خلقه القرآن"[23]أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة (25302)، وقال مُحققو "المسند": إسناده صحيحٌ على شرط الشيخين..
فالكلمة الطيبة قُلْها لمَن تُحب: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء:53]، فإذا لم تقل كلمةً طيبةً سيحضر الشيطان فورًا، فقل كلمةً طيبةً، وأسعد مَن حولك، وأنت في هذه اللحظات تعبد الله ، والقرآن يُعلمك سلامة المنطق، وعِفَّة اللسان، فالحل في أيدينا لو أفقنا من غفلتنا.
داؤنا فينا ولو أن اعتصمنا | بكتاب الله ما استفحل داءُ[24]من قصيدةٍ بعنوان: "أبشري يا أمتي" د. عبدالرحمن صالح العشماوي، مجلة "البيان" (186/ 48). |
المحاور: جزاك الله خيرًا، وعودةً إلى كتاب الله .
كنا أيها الإخوة والأخوات في حلقةٍ جميلةٍ مع فضيلة الشيخ خالد الرياعي حول التربية بالقرآن.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء الذين وُفِّقوا إلى التربية بالقرآن، وكان خلقُهم القرآن.
نسأل الله للإخوة التوفيق والسداد، وموعدنا الأسبوع القادم، بإذن الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | من قصيدةٍ بعنوان: "أبشري يا أمتي" د. عبدالرحمن صالح العشماوي، مجلة "البيان" (186/ 48). |
---|---|
↑2 | أخرجه البزار (8993)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3232). |
↑3 | "الفوائد" لابن القيم (ص82). |
↑4 | "تفسير الطبري = جامع البيان" ت: شاكر (18/ 389). |
↑5 | من قول أنس بن مالك كما في "إحياء علوم الدين" (1/ 274). |
↑6 | "الفوائد" لابن القيم (ص118). |
↑7 | البيتان ضمن أبياتٍ أخرى في كتاب "ألف ليلة وليلة" (ص85)، ولم يظهر مَن القائل، ومنهم مَن ينسبهما إلى علي بن أبي طالب ، وبعضهم إلى الشافعي، والله أعلم. |
↑8 | أخرجه الترمذي (1987) وقال: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ"، وحسنه الألباني. |
↑9 | أخرجه البخاري (7405)، ومسلم (2675). |
↑10 | أخرجه ابن ماجه (1350)، وحسنه الألباني. |
↑11 | "تفسير ابن كثير" ط. العلمية (8/ 188). |
↑12 | أخرجه الترمذي (2516)، وصححه الألباني. |
↑13 | أخرجه أبو داود (495)، وقال الألباني: حسنٌ صحيحٌ. |
↑14 | أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022). |
↑15 | "الآداب الشرعية والمِنَح المرعية" (2/ 129). |
↑16 | أخرجه البخاري (2554)، ومسلم (1829). |
↑17 | "مدارج السالكين" (2/ 471). |
↑18 | من قصيدةٍ بعنوان: "أبشري يا أمتي" د. عبدالرحمن صالح العشماوي، مجلة "البيان" (186/ 48). |
↑19 | "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة" (1/ 187). |
↑20 | أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031). |
↑21 | من الأبيات الوعظية المشتهرة التي لا يُعرف لها قائلٌ. |
↑22 | من قصيدةٍ بعنوان: "أهل الثناء والمجد" للأديب الشيخ الدكتور ناصر بن مسفر الزهراني على الشبكة العنكبوتية. |
↑23 | أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة (25302)، وقال مُحققو "المسند": إسناده صحيحٌ على شرط الشيخين. |
↑24 | من قصيدةٍ بعنوان: "أبشري يا أمتي" د. عبدالرحمن صالح العشماوي، مجلة "البيان" (186/ 48). |