المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات مع حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم الأسبوعي "أُسس التربية" من قناتكم قناة "زاد" العلمية.
وعنوان حلقة هذه الليلة: "الرقابة الذاتية في عصر التقنية".
أسأل الله أن يجعل البركة في هذا اللقاء.
وسيكون ضيف هذا اللقاء الأستاذة: نورة بنت مسفر القرني، ماجستير توجيه وإرشاد تربوي، والباحثة التربوية، وصاحبة كتاب "تعزيز الرقابة الذاتية للأطفال في عصر الأجهزة الذكية".
مرحبًا بكِ أستاذة نورة، حياكم الله.
الضيف: حياكم الله، وأهلًا وسهلًا.
المحاور: الله يحفظكم، ويُبارك فيكم.
من خلال ما ذكرتم في كتابكم في الصفحة الحادية والستين عن السؤال الذي طرحتُموه على مجموعةٍ من الفتيات بين التاسعة والثانية عشرة: ما حلّ مشكلة الأطفال الذين يدَّعون أنهم يدرسون، وفي الحقيقة هم يلعبون في (الآيباد)؟
فكان غالب هؤلاء الفتيات يطلبن تقنين الأجهزة واستخدامها، مثل: تحديد وقت اللعب بـ(الآيباد)، وسحب (الآيباد)، وعمل جدولٍ لكل عملٍ على الأطفال القيام به، وتحديد عقوبةٍ في حال اللعب وقت المُذاكرة، وتشجيع الطفل حتى يُركِّز في مذاكرته، ... إلى غير تلكم الإجابات التي تنمّ عن مطالباتٍ ومناشداتٍ من هؤلاء الأطفال -ذكورًا وإناثًا- لأولياء أمورهم.
فهيا بنا أستاذة نورة في خِضَمِّ ما طرحتُموه في رسالتكم في (الماجستير)، وطبعتُموه في هذا السِّفر المُوفَّق نتحدث حول هذا الموضوع الكبير والشائك: "الرقابة الذاتية في عصر التقنية".
ونحن أيها الإخوة والأخوات نعيش هذا العصر الذي أصبح جيله هو جيل التقنية، ولا شك أن التحديات كثيرةٌ، ونلحظ ذلك من خلال الاستشارات والأسئلة، ومنها: كيف أستطيع ضبط تعامل الأبناء فيما يتعلق باستخدامات التقنية؟
فلعلكم أستاذة نورة تبدؤون باستعراض ما بين أيدينا من محاور ونقاطٍ في هذا الكتاب المُوفق، فتفضلوا -بارك الله فيكم- بالحديث فيما يتعلق بمحوركم الأول حول الرقابة الذاتية: ماذا تعنون بها؟ ولماذا تُؤكدون على أهمية الرقابة الذاتية بالنسبة للتعامل مع التقنية في مرحلة الطفولة؟
الرقابة الذاتية: التعريف، والأهمية
الضيف: بسم الله الرحمن الرحيم،
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
تعريف الرقابة الذاتية: هي شعورٌ يأتي من داخل الطفل يجعله يضبط تصرفه، ينبع من إيمانه بالله، وأن الله يسمعه ويراه؛ ليطمع الطفلُ بهذا التصرف في الثواب من عند الله في حال فعل هذا الفعل، ويبتعد عن السلوك السيئ؛ لأنه معصيةٌ لله، هذا معنى الرقابة الذاتية.
فلماذا الرقابة الذاتية؟ ولماذا زادت أهميتها في الوقت الحالي؟
لأن العالم كله أصبح مثل القرية الصغيرة، وعندنا التقنية، والانفتاح الإعلامي، وتطورٌ هائلٌ ومُذهلٌ، وأصبح الكثير من الأطفال يمتلك أجهزةً مثل الكبار، وبعض الأطفال يرى أن من حقِّه الحصول على الجهاز، ويُطالِب به بشتى الطرق، ويضغط على الأهل كي يحصل على جهازٍ؛ فزادت أهمية الرقابة الذاتية.
وإذا لم يحصل الطفل على جهازٍ يمكن أن يفتح جهاز الأم، أو جهاز الأب، أو أي جهازٍ آخر، ويمكن أن يفتح مواقع التواصل بضغطة زرٍّ، وقد يظهر له -على سبيل المثال- مقطعٌ مُخِلٌّ، ويمكن أن يطلع على ثقافات الآخرين؛ فيتأثر بمُعتقداتهم، فيُصبح الطفل في صراعٍ داخليٍّ بين ما تربى عليه في أُسرته من أخلاقٍ إسلاميةٍ، وما يطلع عليه من خلال هذه الأجهزة.
وتزداد أهمية ذلك أيضًا من خلال ما يُغرس في الطفولة، فإذا غرست الرقابة الذاتية في الطفولة فبإذن الله ستستمر عند الكِبَر، وأيضًا تجعل الطفل هو المسؤول عن نفسه بالدرجة الأولى، فيُصبح عنده ضابطٌ داخليٌّ، ويقلّ الضبط الخارجي، فيُحاول مثلًا فعل الخير، ويبتعد عن الشر.
هذا بالنسبة للرقابة الذاتية: تعريفها، وأهميتها.
المحاور: ممتازٌ، إذن أنتم تتحدثون حول قضيةٍ منبعها الإنسان نفسه: أن يكون هناك جانبٌ ذاتيٌّ، وهذا الجانب الذاتي خاصةً في مرحلة الطفولة سيحتاج مَن يُساعده في تعزيزه، والقيام به.
وأيضًا أفهم من كلامكم أن مَن يقول بأن هؤلاء الأطفال قد لا يَعُون مثل هذه القضايا، وقد تكون القضية من الصعوبة بمكانٍ، وأن الأصل في مرحلة الطفولة اللعب والترفيه، وما شابه ذلك؛ أن هذا القول ليس واقعيًّا، وإنما الذي يُدرك خصائص المرحلة العمرية -كما أشرتم إليها في كتابكم حول الخصائص والمراحل العمرية في الطفولة المبكرة والمتوسطة والمُتأخرة- يُدرِك حقيقةً أننا بإمكاننا أن نُوجِّه ونُعلِّم، وأنْ نغرس لو استطعنا ذلك، بل إن هذه مراحل مهمةٌ جدًّا.
والنبي يركب مع ابن عباسٍ رضي الله عنهما وهو غلامٌ، ويُردفه خلفه، ويقول: إني أُعَلِّمُك كلماتٍ: احفظ الله يحفظك[1]أخرجه الترمذي برقم (2516)، وصححه الألباني.، فهذه قضيةٌ كبيرةٌ.
ومع عمرو بن أبي سلمة، ويده تطيش في الصَّحْفَة، ويُعلِّمه: سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك[2]أخرجه البخاري برقم (5376)، ومسلم برقم (2022)..
إذن نحن في مضمارٍ يمكن فيه القيام بالتعليم والتربية، بل الزراعة فيه واجبةٌ، ولا شك في أهمية أن نقف عند الرقابة الذاتية، وإحياء ما في داخل هذا الطفل، والتَّعود عليه؛ لأن ما سيكون في مرحلة ما بعد الطفولة مبنيٌّ على مرحلة الطفولة.
وقد ذكر أهل الاختصاص في التربية من علماء المسلمين وغيرهم من علماء الغرب: أن ما يحصل من إشكالٍ واضطرابٍ في مراحل المُراهقة مبنيٌّ على إشكالاتٍ حصلت في مرحلة الطفولة، والعكس صحيحٌ، فنُؤكد على العناية بمرحلة الطفولة؛ حتى يُقْبَل على مرحلة المُراهقة بشكلٍ ثابتٍ.
ونشكركم على هذه اللفتة حول هذا الموضوع الذي قد يغيب في خضم الماديات، وهي قضية التركيز على الرقابة الذاتية، وكذلك ذكر الأسباب التي لا شك أنَّ كل عاقلٍ يُدرك الواقع الذي نعيشه في ظل التقنية والانفتاح والثورة المعلوماتية الضخمة يعرف أهميتها.
وأنا أعرف أُسَرًا لغير المسلمين لديهم جزءٌ من هذه الرقابة الذاتية، ولو لم تكن مرتبطةً بقضية الجانب الديني، لكن عندهم التربية على الضبط الذاتي والداخلي مهمةٌ، فلا شك أن هذا أيضًا يُعطي هذا الجانب أهميةً شرعيةً وعقليةً وواقعيةً.
تعزيز الرقابة الذاتية عند الطفل
تحدثنا أيها الأستاذة الكريمة عن الرقابة الذاتية والدور المطلوب من الأُسرة، فكيف نستطيع فعلًا أن نُعزِّز هذه الرقابة الذاتية، وأن نُوجِدها؟ ولو لمسنا بداياتها وأولياتها كيف نستطيع أن نُبقيها ونزيدها؟
لو كانت لكم إطلالةٌ حول هذا الموضوع نكن لكم من الشاكرين.
الضيف: نعم، هناك ضوابط عند تعزيز الرقابة الذاتية لدى الأطفال لا بد أن يَعِيَها المُربي ويضعها في ذهنه، منها:
أولًا: أن تعزيز الرقابة الذاتية يحتاج إلى وقتٍ طويلٍ، فمن الممكن أن يمتد إلى أربع سنواتٍ، أو خمسٍ، أو أكثر، أو أقلّ، فهي كالشجرة، وبعض الأشجار تأخذ وقتًا طويلًا حتى تنمو.
المحاور: إذن القضية تحتاج إلى نفسٍ طويلٍ، وليست عبارةً عن أمرٍ عاجلٍ أو ردَّة فعلٍ في التربية: أننا نُريد شيئًا عاجلًا نُسْكِت به أبناءنا أو نشغلهم، فالقضية التي بين أيدينا هي قضية تربيةٍ، والتربية الصحيحة دائمًا تحتاج إلى وقتٍ وبناءٍ وهدفٍ واضحٍ وتحمُّلٍ، هذه قضيةٌ لا شك أنها مهمةٌ.
طيب، جميلٌ، هل هناك شيءٌ آخر؟
الضيف: أيضًا تعزيز الرقابة الذاتية في الطفولة أسهل من تعزيزها بعد ذلك.
طبعًا البعض يمكن أن يُهمل الطفولة -خاصةً السنوات الأولى- بحجة أنه صغيرٌ ما يفهم، أو إذا كبر يعرف، وإذا كبر الطفل ولم يُعزَّز عنده هذا الخلق الجميل -وهو الرقابة الذاتية- يمكن أن تظهر في المُراهقة المشكلات، فيتذكر المُربي تفريطه في مرحلة الطفولة.
فتعزيزها في مرحلة الطفولة أسهل لعدة أسبابٍ:
أولًا: قاعدة البيانات لدى الطفل فارغةٌ، فالمُربي هنا يملأها بالأخلاق الحسنة، مثل: الرقابة الذاتية، وغيرها.
ثانيًا: من المُفترض أن يستغلَّ الوالدان هذه الفرصة ويُعزِّزان عنده الرقابة الذاتية.
ثالثًا: لا بد من وجود قدوةٍ للطفل، فالأم مثلًا تُحافظ على صلاتها في البيت، فيقتدي بها أطفالها، والأب فور الأذان يذهب إلى المسجد، فيقتدي به أبناؤه.
الضابط الرابع: مراعاة المراحل العُمرية.
أهمية القدوة في تعزيز الرقابة الذاتية
المحاور: ما علاقة موضوع القدوة أيتها الأستاذة الكريمة بموضوع التقنية ووسائل التواصل؟
لو نُركِّز على هذه النقطة أيضًا لأهميتها.
الضيف: جميلٌ، هنا بالنسبة للقدوة: مثلًا الأم إذا كانت عندها مكالمةٌ وأمسكت جوَّالها، وأذَّن المُؤذن، من المُفترض أن تقفل وتذهب للصلاة، والأب كذلك، وغيرهما، فهذه قدوةٌ لا بد من وجودها.
المحاور: إذن تقصدون الصور والوقائع التي تُعطي للأطفال انطباعًا عن تعامل آبائهم وأُمهاتهم بشكلٍ صحيحٍ مع التقنية؛ لأنَّ الطفل أيها الإخوة والأخوات عنده ركيزتان أساسيتان:
الأولى: قوة التقليد والمُحاكاة.
والثانية: ما يتعلَّق بسرعة القابلية والتَّشكيل.
فالطفل لديه هذه السِّمة، فأكبر سمةٍ يتمثلها الأطفال مقارنةً بالمراحل العمرية الأخرى: قوة التقليد والمحاكاة، وأقوى من يُقلدهم الطفل ويُحاكيهم مَن هم في البيت، فالوالدان هم أقوى مَن يُقلدهم الأبناء في البيت، وكذلك سرعة التَّشكيل من خلال زرع القيم، وما شابه ذلك.
فينبغي على الآباء والأمهات أن يُدركوا أهمية هذه القضية، ويضبطوا أنفسهم فيما يتعلق بالتعامل مع التقنية من أجل تربية أبنائهم، أليس كذلك يا أستاذة؟
الضيف: صحيحٌ، وفي إحدى التجارب تقول أمٌّ: "أنا أُمسك جوَّالي وأُلاحظ أن أطفالي يُمسكون الأجهزة، ويُطالبون بحصولهم على جهاز والدتهم، وحين أُمسك كتابًا أو القرآن يبدأ أولادي في إمساك كتبهم أو يرسمون"، فهذه تجربةٌ واقعيةٌ، وفعلًا الأطفال يتأثرون بالوالدين في الأسرة.
المحاور: هذه حقيقةٌ، والمشكلة الأكبر حينما يكون المَنْفَذ الأول لدى الطفل في تعامله مع التقنية هو الأب والأم، قد يكون وراء ذلك منافذ كثيرةٌ يقتدي بها الأطفال، فالطفل حينما يدخل إلى (اليوتيوب) أو عبر الروابط، ويدخل يمنةً ويسرةً، بطبيعة الطفل وخياله وتقليده وسرعة التشكيل ربما أصبح في عالمٍ آخر ذات اليمين وذات الشمال، خاصةً أنه لا يُدْرِك تفسير هذه القضايا وتحليلها، وعندئذٍ يكون المنفذ الأول السلبي هو قدوةٌ سيئةٌ، وربما تكون ليست سيئةً في مضامينها، وإنما في التعامل، وإذا بالابن يأخذ من أبيه: كيف يُحرِّك الجهاز؟ وكيف يُدخل الرقم السري ويدخل على (اليوتيوب)؟ وأصبحت حركة اليد حركةً مُقلدةً تمامًا عند الطفل الذي ليس لديه نضجٌ في الوعي بالمستوى المعقول، لكنه يبدأ في التعامل مع هذه القضية، وشيئًا فشيئًا تُصبح القضية خطيرةً جدًّا مع النضج المستقبلي، وكذلك الأمور الأخرى المتعلقة بالجوانب الفسيولوجية للمرحلة العمرية في المستقبل، ألا تُوافقين على هذا الكلام؟
الضيف: نعم، صحيحٌ.
المحاور: جميلٌ، طيب، نُكْمِل ما يتعلق بالضوابط.
ملاحظة المراحل العمرية للطفل
الضيف: الضابط الرابع: ملاحظة المراحل العمرية للطفل أثناء تعزيز الرقابة الذاتية، فمثلًا: مِن عمر الميلاد حتى عمر ستة أشهرٍ أو سنة يُكرَّر على الطفل: الله يرانا، الله يسمعنا، الله معنا، فيكبُر شيئًا فشيئًا، ونبدأ نشرح له أسماء الله الحسنى: السميع، والبصير.
ويمكن أن نستخدم النجوم لنُشجِّعه في عمر ثلاث سنوات، وقتها يبدأ التمييز بين الخير والشر، وبين الأفعال الحسنة والسيئة.
ويمكن أن نستخدم لوحة نجومٍ خاصَّةً بالطفل بدون مُقارنةٍ، ونستخدم المدح والثناء، ونُراعي المراحل العمرية، وفي عمر سبع سنوات نبدأ في حثِّه على الصلاة، ونُراعي المراحل العمرية؛ فما يُناسِب الطفل في عمر عشر سنوات لا يُناسِبه في ستِّ سنوات، وهكذا.
المحاور: وهذه أيضًا نُؤكِّد عليها فيما ذكره أهل الاختصاص، وأشار إلى ذلك أستاذنا الدكتور: عبدالعزيز النغيمشي فيما يتعلق بمرحلة الطفولة في كتابه الرائع "علم النفس الدعوي"، أشار إلى المراحل المتعلقة بقضية التقليد، ثم بعد ذلك تبدأ قضية التمييز من الشخص بين هذا وذاك، ثم بعد ذلك يُصبح أكثر نُضْجًا.
ففي هذا الجانب الأولي حتى لو أتى من غير وعيٍ كما يعي الكبار، وأتى من غير تصورٍ كما يتصوره الكبار، وإنما أتى بتقليدٍ، هو يُقلِّد شيئًا صحيحًا وإيجابيًّا، وهذا مرادٌ ومطلوبٌ، يعني: هو حين يلعب يُقلِّد غيره في طريقة اللعب، فلا نستصغر هذا الزرع وهذا الغرس الذي يكون في وقتٍ مبكرٍ، وسيكون له أثرٌ في مرحلة التمييز في سنِّ سنةٍ وما بعد ذلك، ثم بعد ذلك في المراحل الأخرى يكون لها أثرٌ كبيرٌ جدًّا.
نُكمل، حفظكم الله.
علينا الأخذ بالأسباب والتوفيق من الله
الضيف: الضابط الخامس والأخير: أن يضع المُربي في ذهنه أن التوفيق من الله قبل كل شيءٍ، فنحن علينا بذل السبب، لكننا غير مسؤولين عن النتيجة، فالمُوفِّق هو الله ، فنُحْسِن الظنَّ به، ونتوكل عليه، ومن المهم أن نبذل السبب، والمُوفِّق هو الله تعالى.
المحاور: هذه لفتةٌ مهمةٌ، جزاكم الله خيرًا، وأصلًا عنوان "الرقابة الذاتية" على المفهوم الإسلامي مهمٌّ، وإن كان هذا اللفظ "الرقابة الذاتية" يطرحه غير المسلمين أيضًا، لكن الفرق في استحضار مراقبة الله ، وأيضًا إسناد الأمر لله: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي [غافر:44]، فلا بد من اللجوء إلى الله : أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62].
فمَن يستشير ويتصل ويضع إشكاليته وهمَّه عند المستشار، لا بد ألا ينسى أن يضع همَّه ومشكلته بين يدي الله ، خاصةً فيما يتعلق بهذا الموضوع المرتبط بالتقنية والأجهزة الذكية التي أصبحت فوق قُدرة الإنسان في الضبط، ناهيك بالضغط واتخاذ القرارات، فتوفيق الله مهمٌّ.
واسمحي لي يا أستاذة نورة أن أذكر قصةً أو قصتين، أذكرهما سريعًا جدًّا:
القصة الأولى: أتيتُ إلى أحد المُربين -وفَّقه الله وبارك فيه- وكنا نتناقش في بعض القضايا المتعلقة بالأبناء، فذكر من عُمق ثقافته واطِّلاعه وما لديه، ثم قال: لكن تأتي قضية الأبناء فيجد الإنسان أنه لا قراءته نفعت، ولا الدورات التي حضرها نفعت، ولا ما لديه من تخصصٍ نفع، وإنما حينما يطرح نفسه بين يدي الله : أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ يُفرجها الله .
وهذه هي قضية الخصائص التي ذكرها الدكتور عبدالعزيز النغيمشي، أو الجانب الوجداني المتعلق بعلاقة الإنسان بربه، فليست النائحة الثَّكْلى كالنائحة المُستأجرة.
فلا بد ألا تغيب عنا هذه القضايا في عصر الماديات أيها الإخوة والأخوات، ولا تكن الشكليات والماديات هي الحاضرة، فنحن أسباب، وغيرنا أسباب، بل إننا نحن المستشارون نحتاج إلى مَن نستشيرهم أيضًا، لكننا كلنا نحتاج إلى الله ، وكلنا نحتاج إلى هذه القضية؛ ولذلك لا بد أن نستحضر هذا الأمر في موضوع الضابط الأخير الذي ذُكِرَ، وكذلك المفهوم من الناحية الشرعية والإسلامية فيما يتعلق بقضية الرقابة الذاتية.
فهذه لفتةٌ مهمةٌ جدًّا، وآخر الدَّواء الكي، وهناك من الناس ابتداءً مَن يلجأ إلى الله ، ويسأله حتى من الناحية الوقائية، ناهيك بالناحية البنائية، يلجأ إلى الله حتى يكون عونه هو الله ، وليست ذاته أو غيره، ثم بعد ذلك يستفيد من الآخرين.
عدم الخضوع لرغبات الطفل المُضِرَّة
القصة الثانية: ذات مرةٍ أتى إليَّ في (البرودكاست) في (الواتس آب) صورة طفلٍ وجوَّال، والجوال موضوعٌ عليه (إكس)، والطفل كان يبكي، ومكتوبٌ: لِيَبْكي قبل أن يُبْكَى عليه، فأعجبتني هذه الرسالة جدًّا، وقمتُ بإرسالها (برودكاست) للذين معي، وبعد يومين أو ثلاثة إذا بأحد الأقارب يتواصل معي، ويقول: جزاك الله خيرًا يا أبا عبدالرحمن، قلت له: خيرًا، قال: والله أنا وأم العيال ابننا الصغير في سنِّ الخامسة أو السادسة، وقد اتخذنا قرارًا بألا يُمَكَّن من الجوال -ومن باب أولى الأجهزة الذكية- أبدًا، وإنما هذا سنُؤخره إلى سنٍّ متقدمةٍ، ولكن ضغط علينا الابن بسبب العلاقات مع الأقارب، وربما في المدرسة، ومع الناس، فكان يبكي بُكاءً مُرًّا شديدًا.
يقول: بدأنا ننكسر بطبيعة الأبوة والأمومة، وبدأنا نشعر بأننا ربما نتنازل، فأصبحت النقطة بداية التنازل: فما رأيك أن نُعطيه؟ يقول: فجاءت رسالتك، وكانت والله بلسمًا.
فلاحظوا أن الذي أرسلها وأنشأها وصمَّمها كيف وصلت إلى مثل هذا الانتشار؟ وكان لها الأثر الكبير؛ لذلك لا نبخل بكلمةٍ، ولا برسالةٍ نافعةٍ ومفيدةٍ، ولا نبخل بصورةٍ مُؤثرةٍ نحن بأمس الحاجة إليها.
يقول: فاتخذنا القرار بأن نبقى على ما كنا عليه، وفعلًا لِيَبْكي الآن قبل أن نبكي عليه ويُفاجئنا من خلال ما يتربى عليه، ولا نستطيع أن نضبطه في المستقبل.
قلت له: بالله كم أخذ في البكاء؟ قال: أخذ دقائق، ثم سكت بعد ذلك، وكأن شيئًا لم يكن.
فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، وهي: ألَّا يغلب الجانب العاطفي على العقل السليم والضبط الذي ينبغي أن يكون من خلال التوجيهات الشرعية.
هل لكم تعليقٌ على هذا أستاذة نورة؟
الضيف: هناك تجارب كثيرةٌ، بعضها مثلما ذكرتم: الخضوع للطفل بسبب بكائه، وطبعًا الطفل إذا رأى أن الأم أو الأب يمكن أن يُوافق فإنه يستمر في البكاء لمدة ستِّ ساعاتٍ، وقد يكون المُربي غير ثابتٍ أساسًا في قراره، فالطفل يبدأ بالضغط والبكاء والصُّراخ، ويمكن بالتكسير، أو بأي حركةٍ تصير من أجل أن يضغط على المُربي كي يُوافق.
فمن المفترض أن تكون هنا قاعدةٌ، فالطفل مثلًا قبل سبع سنوات ما يستخدم الأجهزة، التلفاز فقط، هذه قاعدةٌ عامَّةٌ ثابتةٌ، سواءٌ في البيت، أو في السوق، أو في السيارة، أو في أي مكانٍ، قاعدةٌ ثابتةٌ مهما كانت ظروف الوالدين؛ لأن الوالدين يمكن أن يذهبوا إلى مكانٍ أو (عزومةٍ)، فالطفل يكون وحيدًا، ما عنده جهازٌ، فيمكن مثلًا أن يحنوا عليه، ويشعروا بانكساره مثلًا بين الأطفال، فيُعطونه جهازًا؛ فهنا انكسرت القاعدة، فالطفل هنا يستغل هذه الثغرة ويبدأ بالضغط على والديه.
فبالنسبة للبكاء يمكن أن يستمر الطفل في البكاء لمدة ستِّ ساعاتٍ إذا رأى أن المُربي سينكسر ويستسلم للطفل.
المحاور: طيب، أنتم أكَّدتم على هذه القضية، وفعلًا البكاء قد يمتد ويكون أكثر من ذلك؛ ولذلك فإن قضية الإهمال والإغفال والتطنيش من الوسائل المهمة في تجاوز هذه المشكلة، ومثل هذه القضايا تتطلب أيضًا قلبًا قويًّا، وكذلك عدم إعمال الجانب العاطفي وجعله هو المُرتكز في توجيه البوصلة.
ولعلي أُخالفكم أستاذة نورة فيما يتعلَّق بقضية السن، فأنا أرى أن السبع سنوات تُعتبر سنًّا مبكرةً فيما يتعلق بقضية الأجهزة، وينبغي أن تكون عند الأسرة خطةٌ لتجاوز قضية عدم التمكين من الأجهزة إلى هذا العمر، بل إن الأستاذ عبدالعزيز الحمادي صاحب التقنية ومُتابعاتها، وحصل على مركزٍ كبيرٍ من خلال (جوجل)، وكنا في مُلتقى "صناع الأثر" في جمعية "قافلة الخير" اقترح أن يكون ذلك إلى سنِّ ستة عشر، يعني: مرحلة الطفولة خاصةً، وإذا أمكن إدخال مرحلة المُراهقة المبكرة كذلك إلى السنة التي ذكرها الأستاذ عبدالعزيز تقريبًا.
وفي بعض الأُسَر -وإن كانت نادرةً- أكثر من ذلك؛ إلى سن 18، لكنه يحتاج إلى تعويضٍ من خلال برامج تربويةٍ حضاريةٍ داخل الأسرة، وعلاقاتٍ حميميةٍ، وبدائل قويةٍ.
وأنا أعرف أبناء من هذه البيئات رأيتهم وناقشتهم، ويشعرون بانتماءٍ كبيرٍ لهذا الاتجاه في أُسرتهم.
فبالنسبة للأطفال في ظني -والله تعالى أعلم- أقل شيءٍ في المرحلة الابتدائية، فنستطيع أن ندفع ونُجابِه قضية البكاء وما شابه ذلك، وأي منعٍ أو توجيهٍ أو شيءٍ نُريد أن نغرسه إذا لم يكن في بيئةٍ تربويةٍ ناضجةٍ أيها الإخوة والأخوات لن يكون هناك استقبالٌ.
ولا يظن أن القضية عبارةٌ عن أوامر وتوجيهاتٍ، أو منعٍ وحرمانٍ، وما شابه ذلك، وأن ذلك سينفع، وإنما لا بد من بيئةٍ تربويةٍ ناجحةٍ.
وقد ذكر بعض المُربين هذه القضية في بدايات التقنية، فما بالكم بهذا الامتداد الكبير الذي أصبح أثره ذات اليمين وذات الشمال؟! والطفل بطبيعة خصائصه لا بد من انتقاء المادة والمضامين، وجعلها في (آيباد)، وليس مربوطًا بـ(الإنترنت)، وهو ينظر إليها، ولها وقتها.
فهذه مسؤوليةٌ كبيرةٌ، ومن المهم جدًّا ألا يدخل على (الإنترنت)، وأنا أرى أنه لا يرى حتى طريقة دخولنا، وإنما ندخل ثم نضع هذه القضية بين يديه ينظر إليها، ثم نصرفه.
وقد رأيت بأم عيني مَن يذهب من الأطفال ذات اليمين وذات الشمال، ورأيت أن الآباء لا يستطيعون أن يكونوا على رؤوس أبنائهم.
فحقيقةً لن نخسر شيئًا إذا استطعنا أن نُلبي حاجاتهم النفسية بطريقةٍ سليمةٍ، فنُؤجِّل قضية امتلاك الجهاز بين أيديهم.
أسأل الله أن يُوفِّق الجميع لما يُحبه ويرضاه.
نستأذنك أستاذة نورة في فاصلٍ.
أيها الإخوة والأخوات، فاصلٌ ونواصل، فحياكم الله.
الفاصل:
هل تشعر بالقلق حيال تصفح أولادك لشبكة (الإنترنت)، وإبحارهم عبر وسائل الاتصال الحديثة؟
وهل ينتابك الخوف من أن تتصيدهم الشياطين الإلكترونية؛ فتنحرف بهم عن النهج القويم المستقيم؟
وهل لا زلتَ حائرًا بين منعهم من ذلك، أو السماح لهم به؟
إن كنت كذلك فكن مُطمئِنًّا، كل ما عليك هو الالتزام ببعض النصائح التربوية والقوانين الإلكترونية التي تجعلك مطمئنًّا لتصفُّح أولادك لشبكة (الإنترنت)، لا تمنع أولادك من تصفح (الإنترنت)، ولكن كُنْ واضحًا معهم بوضع قوانين في التعامل معه: لا تسمح لهم بتصفح الشبكة ليلًا، واحرص على أن تقطع الاتصال بالشبكة وقت النوم، واحرص على تفعيل برامج الأمان في أجهزة الاتصال؛ كي لا يقع أبناؤك فريسةً للمواقع المُخلَّة بالآداب، أو المواقع المُدمرة للفكر والاعتقاد، وصادِق أبناءك على شبكة التواصل الاجتماعي، وتابع حواراتهم ومشاركاتهم مع أصدقائهم.
وتحدث مع أبنائك حول سلبيات (الإنترنت)، وما قد يُرتَكب فيه من جرائم إلكترونيةٍ وأخلاقيةٍ، وألَّا يُصدِّقوا كل ما يقرؤونه عبر (الإنترنت)، وأن يتثبتوا منه إن أمكنهم ذلك، فعلى صفحات الشبكة الكثير من المعلومات والأخبار غير الصادقة، وألَّا يستجيبوا لمَن يطلب منهم الصداقة عبر شبكات التواصل الاجتماعي إلَّا إذا كانوا يعرفونه جيدًا، وألَّا يقوموا بنشر أو إفشاء أي معلوماتٍ تخصُّهم، أو تخص عائلتهم: كأسمائهم الكاملة، أو أرقام هواتفهم، أو حساباتهم البنكية، أو غير ذلك من معلوماتٍ قد يقع الضرر بانتشارها، وألَّا ينقروا أي رابطٍ إلكترونيٍّ غير مألوفٍ قد يجدونه في حسابهم أو بريدهم الإلكتروني، خاصةً إذا كان المُرسِل مجهولًا، وألَّا يُمارسوا عبره بيعًا أو شراءً إلَّا بعد إبلاغ الوالدين بهذا القرار، وألَّا يخرجوا للقاء أحدٍ من أصدقاء (الإنترنت) خارج المنزل إلَّا بمُوافقتكم أو صُحبتكم.
حفظ الله أبناءنا وجنَّبهم كل سوءٍ ومكروهٍ.
المحاور: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات، وعودًا حميدًا مع الأستاذة نورة القرني حول ما يتعلق بالرقابة الذاتية في عصر التقنية.
حياكم الله أستاذة نورة.
الضيف: حياكم الله.
المحاور: دعونا نُكمل معكم -حفظكم الله- هذا المشوار من خلال ما استعرضتُموه في كتابكم المُوفَّق الذي أنصح بالاطلاع عليه وقراءته ولزومه، وقد حمل مجموعةً من الأمور التوجيهية المهمة، وكذلك القصص والمواقف، وكذلك الاستشارات المهمة جدًّا، وهو يُبَاع في معارض الكتب، أسأل الله أن يُبارك في هذا الكتاب.
فما طرق وأساليب تعزيز الرقابة الذاتية؟
طرق وأساليب تعزيز الرقابة الذاتية
الضيف: على المربي أن يُنوّع في الطرق والأساليب حتى يُعزِّز لدى الطفل هذه الرقابة الذاتية.
تعليم الطفل أسماء الله الحسنى
فأولًا: أن نشرح للطفل أسماء الله الحسنى، أو بعض أسماء الله الحسنى، مثل: السميع، والعليم، والبصير، ونعود للآيات التي فيها هذه الأسماء.
المحاور: يعني: تُذكرونا بقول النبي : احفظ الله يحفظْك، احفظ الله تجدْه تِجاهك[3]أخرجه الترمذي برقم (2516)، وصححه الألباني..
الضيف: نعم، سنعود لتفسيرها وشرحها حتى يسهل على الطفل فهمها، ونبدأ مع الطفل من سنواته الأولى، والفطرة -سبحان الله!- تُساعدنا في ذلك.
المحاور: قالت الأستاذة الكريمة: الفطرة تُساعد في ذلك، كما في الحديث: ما من مولودٍ إلا يُولد على الفطرة يعني: أن الأصل في هذا الطفل أنه على الفطرة، ثم قال: فأبواه يُهودانه، أو يُنصرانه، أو يُمجِّسانه[4]أخرجه البخاري برقم (1358)، ومسلم برقم (2658).، فتأتي البيئة فتُؤثر؛ لذلك رعاية الفطرة وحمايتها هو دورٌ مهمٌّ جدًّا، ومن ذلك: أن نبني فيه مثل هذه النقاط والطرق والأساليب، ومنها ما يتعلق بقضية تعليقه بأسماء الله ، وقد كان السلف الصالح -كما قيل- يُعلِّمون أبناءهم علامات الساعة الكبرى؛ حتى يُدرِكوا عِظم قوة الله وقُدرته من صغرهم.
طيب، ما الثاني؟
علِّم طفلك ضبط النفس
الضيف: تعليم الطفل كيف يضبط نفسه؟
فمثلًا: الطفل أمامه خياران: حضر وقت الصلاة، وعنده وقتٌ للعب مع أصدقائه؛ نُعلِّمه أنه وقت الصلاة، وبإمكانك أن تُؤجل وقت اللعب، وتلعب بعد قليلٍ، أو غدًا، أو أي وقتٍ، فاللعب ما ينتهي، لكن وقت الصلاة ينتهي.
فهنا نُعلِّمه كيف يضبط نفسه؟ وكيف يختار الاختيار الصحيح؟
مساعدته في اختيار الصديق الصالح
الطريقة الثالثة: نُساعد الطفل في اختيار الصديق الصالح؛ لِمَا له من تأثيرٍ كبيرٍ جدًّا على الطفل، وفي البداية نُبين له صفات الصالح، ويمكن أن نُساعده في ذلك، مثلًا: تسجيله في نوادٍ معينةٍ، أو مراكز تربويةٍ، أو دور تحفيظٍ، أو في مكانٍ نظن وجود الصالحين فيه.
المحاور: وفي الأُسَر التي تُقيم في أوروبا، مثلًا: أعرف أُسرًا ناجحةً يُنشئون هذه البيئة الصالحة في نفس العمارة، أو من خلال مسجدٍ صغيرٍ، فيربطون أبناءهم بأبناء بعضهم، ومن خلال مُعلمين ناجحين، وبالنسبة للبنات من خلال مُعلمات ناجحات، والاهتمام بهذه القضية أيضًا، فهذا أمرٌ مقدورٌ عليه إذا وُجِدَت الإرادة.
مساعدته في الحفاظ على الوقت
الضيف: نعم، النقطة الرابعة: مساعدة الطفل في كيفية الحفاظ على وقته، فنُعلِّمه أن هناك وقتًا للعب، ووقتًا للأكل، ووقتًا للنوم والراحة.
والبعض -للأسف- يترك الطفل مثلًا يلعب بالجهاز، وأثناء وجودي مع الفتيات لما أسألهنَّ عن أوقاتهن لا أجد مساعدة الأهل.
المحاور: إذن أستاذة نورة لا بد من نظامٍ في الأسرة.
الضيف: نعم.
المحاور: ولكي تنشأ الرقابة الذاتية لا بد من النظام.
الضيف: فالوقت هو الحياة، ونحن مسؤولون عنه يوم القيامة؛ ولذلك نُعلِّم الطفل كيف يحفظ وقته؟ وكيف يُوازِن؟ إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حقٍّ حقَّه[5]أخرجه البخاري برقم (1968).، فنُعلِّم الطفل من صغره.
تعزيز السلوكيات الإيجابية
النقطة الخامسة: نُعَزِّز السلوكيات الإيجابية التي ظهرت فيها الرقابة الذاتية، فمثلًا: الطفل رأى قلم صديقه الجميل والرائع -الذي ما عنده مثله- مُلقى على الأرض، فأخذ القلم وأعاده لصديقه، هنا نمدح هذا التصرف.
المحاور: لكن ما علاقة هذا بقضية التقنية والرقابة الذاتية في التقنية؟
الضيف: يمكن أن تظهر للطفل صورةٌ، فيقفل الصورة مباشرةً.
المحاور: وهذه حصلت، حدَّثني أحد طلابي في الكلية عن أخيه الصغير، وهذا الطالب ليس مُتزوجًا، وهو أخٌ له، يقول: فأتاني أخي الصغير فقال لي: والله هذا غصبٌ عني. وكان مُنزعجًا جدًّا، وكان في غرفةٍ، أو في مكانٍ آخر، فقلت له: والله يا صالح هذه منقبةٌ لك، قال: أنا قريبٌ جدًّا من أخي، وأتعامل معه وكأني أنا والده، فقلتُ: هذا مُؤشرٌ كبيرٌ على أنه يشعر بالرقابة الذاتية.
فيقول لي هذا الطالب: فرحتُ لما جاء أخي الصغير مُنزعجًا من هذا الموقف.
ولذلك أيها الإخوة والأخوات هذا جزءٌ من نتاج الرقابة الذاتية.
وأيضًا أُريد أن أُؤكد للأستاذة نورة وهي تتكلم عن عددٍ من القضايا المتعلقة بالطرق الأثرية، والدكتور خالد المنيف -وفَّقه الله- له مقالٌ تجدونه أيها الإخوة والأخوات عبر (الإنترنت) بعنوان: "في بيتنا قانون"، وقد أشاروا جميعًا إلى عددٍ من القضايا: كوجود النظام داخل البيت، فهذا يُساعد جدًّا في ضبط التعامل مع التقنية، حتى يكون الإنسان فعلًا في بيئةٍ ناضجةٍ سليمةٍ تُساعده بشكلٍ جيدٍ، أمَّا ترك الحبل على الغارب، ثم نشتكي أو نُعاني، كما قال لي أحد الآباء: ماذا أفعل: ابني أو بنتي جالسٌ أو جالسةٌ في الغرفة أربعًا وعشرين ساعةً، وقد أقفل على نفسه مع الجوال؟!
فكيف لا تكون هذه النتيجة إذا كنا لا نقوم بمثل هذه الممارسات المتعلقة بإيجاد نظامٍ تربويٍّ ناجحٍ في الأسرة؟
مساعدته في نشر ما تعلمه
الضيف: من الطرق أيضًا أن نُساعده في نشر ما تعلم، فمثلًا: يمكن أن يتعلم معلومةً، أو قصةً، فنُساعده ونحثُّه على إرسال هذه القصة لأصدقائه عن طريق رسالةٍ نصيةٍ أو (الواتس آب).
وأذكر هنا تجربةً لطفلةٍ صغيرةٍ -ما شاء الله- عمرها 5 سنواتٍ.
المحاور: يا ليتنا نسمع تجارب، نعم، تفضلي.
الضيف: كانت الأم تتحدث معها عن الله، وأنه الرازق، وتشرح لها عن الجنة وما فيها من أشجارٍ، وتُعلِّمها بعض الأدعية، فسبحان الله! بدأت الطفلة وعمرها خمس سنواتٍ تُخْبِر الأطفال الآخرين، وتُعلِّمهم الدعاء، وتُخْبِرهم عن الجنة.
فالأطفال لديهم قدرةٌ هائلةٌ متى ما ربطناهم بالله، وعلَّقناهم به سبحانه، فلديهم قدراتٌ هائلةٌ وعجيبةٌ بفطرتهم وبراءتهم، فهم يستطيعون نقل هذه الأمور إلى غيرهم.
المحاور: طيب، هل بقي شيءٌ حول الطُّرق والأساليب؟
الضيف: نعم.
المحاور: تفضلي، وبقيت معنا دقيقةٌ، الله يحفظكم.
الحوار الهادئ بين المُربي والمُتربي
الضيف: حسنًا، الحوار الهادئ، الحوار بين المُربي والطفل.
المحاور: مهمٌّ جدًّا.
الضيف: يكون بدون أوامر أو نواهٍ، وبدون استخدام السلطة، وأيضًا استثارة القدرة على التفكير.
المحاور: القضية أن يكون بدون أوامر، وبدون استخدام السلطة، معروفٌ مقصدكم، لكن لا بد أن ينظر إلى القضية؛ لأن الأوامر أصلًا لا بد منها، والسلطة حاصلةٌ وموجودةٌ.
الضيف: أثناء الحوار فقط.
المحاور: بالضبط، حتى لا يفهم الناس أن الأوامر والسلطة لا يجوز أن تُعْمَل، فالقضية خارجةٌ من نطاق: افعل، أو لا تفعل، وأني أنا أبٌ، وأنت ابنٌ، وإنما نحن إخوان.
هذه العبارة تُذكر أستاذة نورة من أجل إنجاح الحوار، فقط أردتُ التنبيه حتى لا يفهم الناس شيئًا آخر فيما يتعلَّق بكلامكم، تفضلوا، الله يحفظكم.
تعزيز الرقابة الذاتية بالقصة
الضيف: أيضًا القصص من أجمل الأساليب والطرق التي يمكن أن نُعزِّز بها الرقابة الذاتية، فعندنا قصص الأنبياء: قصة أيوب عليه السلام لما سمع الله دعاءه، وقصة يونس لما كان في ظُلماتٍ ثلاثٍ: ظلمة البحر والليل والحوت، وقصة بائعة اللبن في عهد عمر بن الخطاب .
فهذه قصصٌ نقرأها للطفل، ونربطها بواقعه أثناء استخدام التقنية، وأيضًا من الممكن استخدام وسيلة تمثيل الأدوار، وهذه استخدمتها في برامجي مع الفتيات، وكنت أطلب منهن تمثيل دور الأم حين تدخل على بنتها وهي تتصفح مقطعًا جميلًا.
المحاور: ممتاز.
الضيف: وأخرى -مثلًا- تدخل على بنتها وهي تتصفح مقطعًا سيئًا.
المحاور: ممتازٌ جدًّا.
الضيف: فكانت تظهر لي طرقٌ عجيبةٌ لإخفاء الكثير من الأطفال عن الأهل، وخاصةً ما يتعلَّق بفتح مواقع سيئةٍ، وغالبًا المواقع السيئة تظهر للطفل بطريقةٍ مُفاجئةٍ، وبفضول الطفل وحُبِّ الاستكشاف يبدأ في البحث.
ومن الطرق التي يستخدمونها: مسح عمليات البحث، وطبعًا عندنا مثلًا في (الإنستجرام) و(تويتر) إذا تم مسح عمليات البحث ما أتوقع أن المُربي يقدر أن يعرف المكان الذي دخله الطفل، فهنا أيضًا يمكن إلهاء الأم أو الذي دخل على الطفل حتى يتم إغلاق الصفحة، وهنا تمثيل الأدوار مهمٌّ؛ لأنه يُبيِّن للمُربي طريقة تفكير الطفل وقناعاته، فيُمكن عن طريقها توجيه الطفل للتصرف الصحيح من خلال تمثيل الأدوار.
المحاور: طيب، أستاذة نورة، أظنكم أيضًا تُؤكدون على قضية الوعي لدى الآباء والأمهات في قضية التقنية والثقافة المتعلقة بهذا الجانب، ومعرفة ما يرتبط ببعض برامج الحماية، وخاصةً فيما يتعلَّق بالأطفال، وسؤال أهل الاستشارة في هذا الجانب.
وأنا أُؤكد على الأمهات الرجوع لمثل الأستاذة نورة؛ حتى يستفدن من الخبرة، وكذلك الناس الذين هم مهتمون بالتقنية، مثل: الأستاذ عبدالعزيز؛ لمعرفة ما يرتبط بقضية مثل هذه البرامج ونفعها.
فالأستاذ عبدالعزيز مثلًا لديه تعليقاتٌ يوميةٌ في استثمار التقنية بطريقةٍ سليمةٍ، فيُمكن أن يُستفاد منها، وسؤاله هو أو غيره.
وأنا أفهم أستاذة نورة أن لديكم دوراتٍ تدريبيةً، وهذه جاءت من خلال المُعطى الذي أنتم تقدمتم به في (الماجستير)، ثم الكتاب، وكذلك لديكم فيما أفهم استعدادٌ لتقديم هذه البرامج، إضافةً لهذا الكتاب المُوفَّق، فإذا كان لديكم شيءٌ أستاذة نورة قبل أن تُغادروا؛ لأننا سنستضيف أستاذةً أخرى تُكمل المحورين المتبقيين، فهل لديكم شيءٌ أستاذة نورة نكن لكِ من الشاكرين؟
الضيف: بالنسبة لرأيي حول استخدام الأطفال للأجهزة: أنا ضد استخدام الأجهزة بشكلٍ مفتوحٍ، وقبل سبع سنوات (التلفاز) فقط، وبعد السبع سنوات يكون استخدام الأجهزة استخدامًا مُقننًا جدًّا: كتعليم (البوربوينت)، و(الورد)، وتعليم الشيء النافع والمفيد للطفل.
المحاور: ممتاز.
الضيف: وأنا ضد أن يكون للطفل جهاز (كمبيوتر) شخصي، وإنما جهازٌ للجميع موجودٌ في مكان العائلة: في الصالة، أو في أي مكانٍ، بدون (إنترنت) و(يوتيوب)، والدروس مثلًا يتم تحميلها على الجهاز، ولا بد من تركيب برامج الحماية وحظر المواقع السيئة، فهذه لها برامج مُتخصِّصةٌ.
المحاور: حقيقةً توضيحٌ مهمٌّ، وجزاكم الله خيرًا، وأسأل الله أن ينفع بكم، ويُبارك فيكم.
الضيف: وإياكم.
المحاور: ويجزيكم عنَّا خيرًا، وينفع بكتابكم وباهتمامكم في هذا الجانب.
ونقول: استمروا على ما أنتم عليه، فأجيالنا -وخاصةً الفتيات والأُمهات- بحاجةٍ إلى هذه الجوانب التدريبية والتوعوية، وشكرًا لكم أستاذة نورة، ونسأل الله لكم التوفيق والإعانة.
الضيف: جزاكم الله خيرًا.
المحاور: شكرًا جزيلًا.
أيها الإخوة، حلَّقنا حول الرقابة الذاتية في عصر التقنية مع الأستاذة نورة -وفَّقها الله- صاحبة هذا الكتاب المهم، والتي يُمكن أن تستفيد منها الأمهات والأخوات عبر حساب (تويتر) الفاعل عندها، ومن خلالها أدركنا مفهوم الرقابة الذاتية، وأسباب هذا الأمر وطرحه، وكذلك الضوابط، ثم الطُّرق والأساليب العملية المهمة التي تحتاجها الأسرة.
ولعلَّ معنا في نهاية هذه الحلقة الأستاذة أسماء الجراد، كاتبةٌ وخبيرةٌ تربويةٌ.
حياكم الله أستاذة أسماء.
الضيف: حياكم الله يا دكتور.
المحاور: جزاكم الله خيرًا على المشاركة، ونحن في الدقائق الأخيرة المتبقية من هذا البرنامج، وكانت معنا الأستاذة نورة كما تعرفون، وقد اختارتكم للتعليق حول موضوعها المهم: "الرقابة الذاتية في عصر التقنية"، وكتابها الأهم.
بقيت معنا هذه الدقائق المعدودة جدًّا، ونريد تعليقًا سريعًا حول المُعوِّقات كرمًا منكم، ثم الختام حول الرقابة الذكية والأجهزة الذكية، تفضلوا، بارك الله فيكم.
الضيف: جزاكم الله خيرًا.
شمولية الرقابة الذاتية
في البداية نقول: إن الرقابة الذاتية ليست فقط على الحلال والحرام، وإنما تكون الرقابة شاملةً لجميع الجهد المبذول والوقت المُستثمر، أو المفروض أن يُستثمر في حياة الإنسان استثمارًا جيدًا.
المحاور: ممتاز.
الضيف: الرقابة الذاتية أيضًا هي قدرة الإنسان على اتخاذ قرار الاستمرار، أو ترك الشيء وعدم الاستمرار فيه، والتحرك وإنجاز المهام المطلوبة منه، فإذا لم تكن لدى الطفل هذه القدرة، ومعلومٌ أن الطفل لا يملك القدرة على التحكم، أو ليس لديه قدرةٌ عاليةٌ على التحكم، ولا يملك أدوات النقد، ولا يستطيع تقييم الأفضل؛ فمن الواجب على الأسرة كما يُقال: "علِّموا أبناءكم السباحةَ والرمايةَ وركوب الخيل"[6]بنحوه في "معرفة الصحابة" لأبي نعيم (1/ 441)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" ط. الهند (1/ 170).، يُقال: علِّموا أبناءكم السباحة في بحر التكنولوجيا.
المحاور: صحيحٌ، وهذه نقطةٌ مهمةٌ جدًّا، وتستدعي استنفارًا كبيرًا جدًّا للقائمين على الأسرة من الوالدين، فإنهم لا يتعاملون مع مرحلةٍ عاديةٍ، وإنما -كما ذكرت الأُخت الكريمة- هي مرحلةٌ لا يستطيع فيها الطفل التمييز، وتحتاج إلى وقتٍ من النُّضج شيئًا فشيئًا؛ فلذلك أصبحت القضية أكثر عناية، ومسؤولية ضخمة، وكما جاء في الحديث: كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته[7]أخرجه البخاري برقم (893)، ومسلم برقم (1829)..
مراعاة الوعي والإدراك لدى الطفل
الضيف: نقول: ألَّا نتعامل أيضًا مع الطفل على أنه كائنٌ غير واعٍ وغير مُدرِكٍ، وهذا مهمٌّ في الحديث عن القدوة الصالحة في المنزل.
المحاور: وهو غير واعٍ وغير مُدركٍ بنسبةٍ وتناسُبٍ، حتى لا يُفهم الإطلاق فهمًا خاطئًا، يعني: مُقارنةً بالمراحل التي بعدها، فالطفولة المُبكرة تُقارن بالطفولة المتوسطة والمُتأخرة، وتُقارن بالمُراهقة، هذا قصدكم؟
الضيف: نعم، ولكن الطفل يُخزِّن في ذاكرته الكثير من المعلومات والمُشاهدات في المنزل، لكن قد لا يعي المعنى الحقيقي لهذا التصرف أو لهذا الفعل، لكن حين يتقدم في السن يبدأ في ترجمة وفهم هذه الأمور والإشارات التي تخزَّنت في ذاكرته، فالطفل ولو كان صغيرًا ورأى مقطعًا سيئًا فإنه قد لا يفهمه في تلك اللحظة، لكنه مُخزَّنٌ في ذاكرته، فإذا كَبُر استوعب واسترجع هذه المعلومات والذكريات، فلا بد من استثمار القدوة الصالحة في المنزل من قِبَل الأبوين والإخوة الأكبر سنًّا؛ لأن الطفل من طبيعته أيضًا التقليد.
الأمر الثاني: استثمار وجود قدوةٍ من أبناء جيل الطفل، سواء كانوا على وسائل التواصل الاجتماعي؛ بتعريف الطفل بأشخاصٍ وأطفالٍ استفادوا من هذه التكنولوجيا ومواقع التواصل في أشياء مفيدةٍ.
المحاور: وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، ربما أيضًا أستاذة أسماء أشارت إلى قضية الوسائل والطُّرق، وأشارت إلى القدوة.
أنتم الآن أكَّدتم في القدوة على معلومةٍ مهمةٍ جدًّا، وهي: الاستفادة ممن نجحوا في استثمار هذه الوسائل حتى نُعوِّدهم على ذلك، وهذا الجزء قد أشارت إليه الأستاذة نورة، وفي الأخير لا نُمكِّنهم من الأجهزة، ولكن يمكن أن نُدْخِلهم فيها بحيث يستثمرون بعض الأشياء: كالتعلم أو شيءٍ من هذا القبيل.
مُعوِّقات الرقابة الذاتية
أستاذة أسماء، لو ركزنا في كلامنا؛ لأنه لم يبقَ معنا من الوقت سوى ست دقائق أو أقلّ، وهناك مُعوِّقاتٌ ينبغي أن نتغلب عليها.
الضيف: نعم، هناك فراغٌ كبيرٌ في حياة الطفل لا بد من استثماره في الأنشطة العائلية والألعاب الحركية والنوادي والسباحة وتعليم الطفل الأشياء التي تُنَمِّي مهاراته الفكرية، وتُنَمِّي التواصل الاجتماعي مع الآخرين.
المحاور: لكن قد يقول أحد المتابعين أو إحدى المُتابعات: ما علاقة هذا الكلام بالرقابة الذاتية في عصر التقنية؟
الضيف: حين نترك الطفل في وقت فراغٍ طويلٍ لا بد أنه في النهاية يُريد استثمار هذا الوقت في شيءٍ، فيبحث ويبحث، فيُهْمِل الجانب الجسدي والروحي، وبالتالي تحصُل هناك فجوةٌ في ناحية الرقابة، فيحصل الطفل على أوقات فراغٍ غير جيدةٍ يستثمرها في أمورٍ قد لا تكون صحيةً، أو لا تكون مفيدةً لحياة الطفل.
بينما حين يكون الوقت مُمتلئًا بالنشاطات، وهناك روتينٌ يوميٌّ في حياة الطفل؛ يعرف حين يستيقظ ماذا سيفعل؟ وماذا سيُنتج هذا اليوم؟ وما المهام المطلوبة منه؟ لن يحصل هناك انفلاتٌ -كما يُقال- في حياة الطفل، بحيث لا يستطيع أن يستثمر وقته أو يستفيد من هذا الوقت.
وفي أثناء قضاء الوقت مع الطفل في الحديث معه عن الأشخاص الصالحين والسيئين، وفي الحديث عن قصص الصحابة مثلًا وقصص الأمم السابقة؛ نُشْبِع في الطفل رغبته في التواصل، ورغبته في الانتماء والحوار والاستماع والحُب، وبالتالي لا يبحث عن هذا الشيء في خارج المنزل، أو في أجهزةٍ، أو غير ذلك.
المحاور: طيب، ذكرتم من المُعوِّقات: الفراغ، فهل هناك شيءٌ آخر؟
الضيف: من المهم جدًّا: استخدام برامج الفلترة والمتابعة، بحيث نضع تقييد المحتوى على الأجهزة، ونضع أيضًا حسابًا مُشتركًا على هذا.
المحاور: قصدكم أن هذه طريقةٌ للتغلب على الجانب المُتعلِّق بكثرة البرامج والانفتاح وما يرتبط بذلك؟
الضيف: نعم، هناك انفتاحٌ كبيرٌ، فلا بد أن نُقيِّد المحتوى، فالتكنولوجيا بحرٌ، وأُريد أن أستثمر هذا البحر بتقييد الفوائد في الإبحار نحو جهةٍ أخرى إلى ضفةٍ آمنةٍ، واستخراج الحُلِي والأشياء الجميلة والجيدة من هذا البحر، فأُعطي الطفل السفينة المناسبة لذلك، وأجعل الطفل يعرف الأدوات المناسبة: أدوات البحث، وكيف يبحث عن معلومةٍ؟ وكيف يستفيد من هذا البحر في أشياء مفيدةٍ، بدل أن يضيع في هذا التفكير؟
المحاور: وقد ناقشنا الأستاذة نورة في هذه القضية، وكذلك ذكرنا رأي كثيرٍ من المُربين: أنه سيغوص في هذا إذا نحن أدخلناه وهو لم يحتج إلى أن يدخل.
هذه القضية نحتاج أن نُحرِّرها يا أستاذة أسماء جدًّا، وأنا أعرف الواقع الموجود واستسلام الناس للتعامل مع التقنية، وهذا ما تقصدونه أنتم في مقابل هذا الاستسلام أيضًا، لكن كذلك لا بد أن نُعطي للناس توجيهًا ونُبرز النجاحات، ولا يلزم أنْ نُمكِّن الأبناء من هذه التقنية في وقتٍ مُبكرٍ، وليسوا بحاجةٍ إلى ذلك، وإن كانوا بحاجةٍ إلى أشياء نُحمِّلها في (الآيباد)، ولا يرتبط مباشرةً بـ(الإنترنت)، وأن أُدخله في قضيةٍ كبيرةٍ، وأنا أفعل ذلك بنفسي وبأصبعي، وهو لا يرى؛ لأنه مُقلِّدٌ كما قلنا.
الضيف: والأهالي يُعانون كثيرًا من الابتزاز العاطفي الذي يُمارسه الأطفال: لماذا لا يوجد لدي جهازٌ؟ ولماذا فلانٌ عنده جهازٌ؟
المحاور: ونحن ناقشنا هذه النقطة مع الأستاذة نورة، وحررناها فيما يتعلَّق بتعديل السلوك والإغفال عن هذه القضية، وذكرنا قصةً، وربما لم تكونوا معنا في هذه القضية، وهي ما يتعلق بـ"لِيَبْكي قبل أن يُبْكَى عليه"، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
طيب، بقيت معنا دقيقةٌ أو دقيقةٌ ونصف.
الضيف: لا بد أن يُقدَّم للطفل كتاب تعليماتٍ، وقد كتبتُ بعض النصائح للأهل في كيفية استثمار هذه الأجهزة.
المحاور: كُتيبٌ مطبوعٌ؟
الضيف: لا، هو مجرد تعليماتٍ تُعطى للأبوين.
المحاور: كيف الوصول لها لو سألوا؟
الضيف: موجودةٌ على صفحتي في (الفيس بوك) باسم: أسماء الجراد.
المحاور: فقط في (الفيس بوك)؟
الضيف: نعم، هناك بعض الشروط كتبتها إحدى الأمهات لابنها لما سلَّمته الهاتف، واستفادت منها طبعًا في بناء الثقة مع هذا الطفل وبناء علاقةٍ جيدةٍ.
المحاور: يعني: هناك مَن جَرَّب هذه التوجيهات وطبَّقها الحمد لله؟
الضيف: نعم، وأنا أُطبِّق هذا الأمر في المنزل، ولا أشعر بوجود أي فجوةٍ بيننا وبين الأطفال.
المحاور: ولذلك نحن ندعو الإخوة والأخوات الذين يُتابعوننا إلى الاستفادة من حساب (الفيس بوك) للأستاذة: أسماء الجراد؛ للاستفادة من هذه التوجيهات، وكنا نتمنى أن يكون عندنا علمٌ بها قبل ذلك، وربما ذكرت شيئًا منها قبل قليلٍ.
آخر نصف دقيقةٍ أيتها الأستاذة الكريمة، الله يحفظكم، تفضلوا.
الضيف: نقول: علينا أن نحمي الطفل من نفسه ومن الآخر:
من نفسه: بتنمية الضمير والوازع الديني الذي قد يضعف، ولا بد له من مُساندةٍ ومتابعةٍ من الأهل.
وحماية الطفل من الآخرين، وألَّا يكون عُرْضَةً للاستغلال والابتزاز، فنقول له: عليك أن تعيش على الواقع وتستخدم التكنولوجيا ووسائل التواصل، لا أن تعيش في التكنولوجيا وتُهْمِل الواقع.
المحاور: جزاكم الله خيرًا، خاتمةٌ مباركةٌ، شكرًا لكم أستاذة أسماء، هذه كلماتٌ في النهاية تُعتبر خُلاصةً طيبةً لهذا الموضوع المهم: الرقابة الذاتية في عصر التقنية.
شكرًا لكم أستاذة أسماء، والشكر موصولٌ كذلك للأستاذة نورة القرني.
كنا مع التقنية وما يتعلق بأهمية التعزيز وغرس الرقابة الذاتية للأجيال في مرحلة الطفولة.
أسأل الله أن يحفظ أبناءنا وأبناءكم، وأن يُوفِّقنا وإياكم للقيام بالواجب، وإلى لقاءٍ قادمٍ بإذن الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | أخرجه الترمذي برقم (2516)، وصححه الألباني. |
---|---|
↑2 | أخرجه البخاري برقم (5376)، ومسلم برقم (2022). |
↑3 | أخرجه الترمذي برقم (2516)، وصححه الألباني. |
↑4 | أخرجه البخاري برقم (1358)، ومسلم برقم (2658). |
↑5 | أخرجه البخاري برقم (1968). |
↑6 | بنحوه في "معرفة الصحابة" لأبي نعيم (1/ 441)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" ط. الهند (1/ 170). |
↑7 | أخرجه البخاري برقم (893)، ومسلم برقم (1829). |