المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
حياكم الله أيها الإخوة والأخوات مع حلقةٍ جديدةٍ وخاصةٍ في برنامج "أسس التربية" حول هذه الأزمة العظيمة (كورونا).
عنوان الحلقة وسبب اختياره
عنوان لقاء حلقة هذا الأسبوع هو "الأسرة المُطمئنة في الأزمات"، ومعنا في هذه الحلقة الشيخ: عبدالله بن سفر الأحمدي، إمام وخطيب جامع الدوحة الكبير بالظهران.
حيَّاكم الله شيخ عبدالله.
الضيف: بارك الله فيكم وفي هذه القناة المُباركة، وشكر الله لكم.
المحاور: الله يحفظك ويُبارك فيك، حقيقةً العالم كله اليوم يتَّجه إلى هذه الأزمة، ونحن في هذه الحلقة -حفظك الله- نتَّجه إلى قضية الأسرة المُطمئنة، فكيف تكون الأسرة مُطمئنةً في الأزمات؟ ولماذا هذا العنوان؟ وماذا تقول في مُقدمة هذا اللقاء، حفظكم الله؟
الضيف: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله.
طبعًا لم يأتِ شيءٌ جديدٌ بالنسبة للدنيا، فهذه هي الدنيا:
طُبِعَتْ على كَدَرٍ وأنت تُريدها | صَفْوًا من الأقذار والأكدار[1]"طُبِعَتْ على كَدَرٍ وأنت تُريدها *** صَفْوًا من الأقذاء والأكدار" "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" … Continue reading |
الله خلق دُورًا ثلاثًا: دارًا طيبةً وهي الجنة، وهي التي ليس فيها همومٌ، ولا غمومٌ، ولا أحزانٌ، وإنما نعيمٌ وأُنسٌ ولذَّةٌ على الدوام، وجمع الله الغموم والهموم في الدنيا، وهي من طبيعة الدنيا، ألم يقل الله : لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2]، إذن هي في الدنيا: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ [البقرة:155].
إذن من طبيعة الدنيا وجود هذه الأقدار والأزمات، كدرها في الأزمات التي تمرُّ على الناس، ومن جملة الأزمات: الأمراض والأوبئة التي تمرُّ على الناس، بل هي طبيعةٌ في الدنيا ومن نقائصها، فما من مخلوقٍ إلا وهو مُعرَّضٌ لهذه الأوبئة.
المحاور: إذن هو أمرٌ لا بد منه، وطبيعيٌّ أن يكون، وعندئذٍ لا بد أن تتهيأ النفوس لمثل هذا، فقد تكون أحيانًا شديدةً وقويةً، كما نعيش اليوم.
حقيقةً لا أذكر في حياتي أننا مررنا بمثل هذا، وربما إذا استوعب الواحد منا التاريخ كذلك سيجد أن هذه الفترة نادرةٌ حقيقةً؛ ولذلك يتأكد يا شيخ عبدالله الحديث حول: كيف تكون الأسرة فعلًا مُطمئنةً؟ وكيف يمكن أن تُدير الأزمات بشكلٍ مُريحٍ حتى تتحقق السكينة في أوساط هذه الأسرة؟
إذن ماذا تعني لك الأزمات وقضية السكينة والطمأنينة؟
الضيف: الأزمات هي المخاوف التي تعصف بالقلوب، فإذا اضطربت القلوب وشعر الناس فيها بضيقٍ فهذا الأمر أمرٌ فطريٌّ في بني آدم، الله ذكره صفةً كقضيةٍ لازمةٍ للناس، بل حتى الصحابة وقعوا في مثل هذا الضيق في غزوة حنين، وذكره الله في غزوة الأحزاب فقال: وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [الأحزاب:10، 11]، هل اهتزَّت الأرض في المدينة؟
الجواب: لا، أين كانت الزلزلة؟ في القلوب: وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا.
المحاور: إذن حصل اضطرابٌ.
الضيف: اضطرابٌ نفسيٌّ، نعم، هذا هو المقصود؛ لذلك نقول: رياحٌ هادئةٌ، أو رياحٌ ساكنةٌ، ماءٌ دائمٌ، ماءٌ ساكنٌ غير مُضطربٍ، فكذلك النفوس إذا اضطربتْ لم تكن ساكنةً ولا مُطمئنةً، فهذا أمرٌ فطريٌّ يحصل في الإنسان ولا ينفك عنه، سواءٌ كان مسلمًا أو كافرًا، ولكن أهل الإيمان يتعايشون مباشرةً، وكأن الإيمان يُحْدِث لهم إعادة تهيئةٍ، كما يُسمى في علوم الحاسب (formatting)، فيتعايش مُباشرةً بالنظرة؛ لأن عين البصيرة تُبصر عند المؤمنين ما لا تُبصره أعين كثيرٍ من الناس.
فالجدير بالأسرة المسلمة أن ينظروا إلى هذه الأزمات بعين البصيرة، والتي هي عينٌ ثالثةٌ تُفتح في قلوب المؤمنين.
المحاور: غير عيني الرأس؟
الضيف: غير عيني الرأس، هذه خاصةٌ بأهل الإيمان، فأهل الإيمان ينظرون بعين البصيرة إلى حقائق الأمور، أليست الأمراض والأدواء والأوبئة خلقٌ من خلق الله؟
ولا تتحرك ولا تُصيب إلا مَن قضى الله عليه بذلك، فهي خلقٌ من خلق الله، ومن رحمة الله أنه يخلق الداء ويُعطينا الدواء، من رحمة الله.
ومن رحمة الله تعالى أنه يُقدِّر الألم، ويُبصِّرنا بما يُعالج به الألم من علاجاتٍ إيمانيةٍ تطمئن بها الأسرة.
وإذا قلت: "تطمئن" فلا يعني أن المرض أو الوباء يرتفع عن الناس في لحظةٍ، لا، إنما ينظرون إليه بمنظارٍ آخر يشعرون فيه بحلاوة الإيمان بالقرب من الله ، وبالتعرف على آلاء الله، وعلى خلق الله، وهكذا، بل إن هذه السياط تُعيد بعض خلق الله إليه.
المحاور: حفظك الله، وبارك الله فيك، حقيقةً كلامٌ جميلٌ، ولا شك أن هذه بيئةٌ خصبةٌ جدًّا لتربية هذه النفوس، وتتربى هذه الأسرة من خلال ما ذكرت حينما نقف عند قضية حقائق الأمور.
السكينة والأسرة المُطمئنة في الأزمات
لعلنا نستأذنك شيخ عبدالله، عندنا مجموعةٌ من المُداخلات أيها الإخوة والأخوات، ونحظى بالمُداخلة الأولى مع الأخ الشيخ الداعية: ناصر بن حميد الحميد.
حياكم الله يا شيخ ناصر.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: يا أهلًا وسهلًا بكم.
المحاور: أهلًا بكم، سعداء بكم، الله يحفظك.
المتصل: الله يحفظك يا دكتور خالد، أُحيِّك، وأُحيِّ ضيفك الكريم الدكتور عبدالله، وأُحيِّ المشاهدين والمشاهدات جميعًا.
المحاور: أهلًا بك، وسعداء حقيقةً بمُشاركتك، ولعلك تُحلِّق بنا -حفظكم الله- شيخ ناصر حول السكينة والأسرة المُطمئنة في الأزمات، تفضل، الله يحفظك.
المتصل: أولًا: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد، حقيقةً من رحمة الله بعبده أن يبقى القلب ساكنًا مُطمئنًّا غير مُضطربٍ، ومن توفيق الله تعالى للمرأة أن يكون قلبها مُتعلقًا بالله -جلَّ وعلا-، حائمًا حول عرش الله، تبارك وتعالى.
ومن مزيد الخير في قلب العبد: أنه كلما ادلَهَمَّت عليه الأزمات وأحاطت به الخُطوب زاد إقباله على الله -تبارك وتعالى-، ولجأ إلى ربه في كل لحظات عمره.
ولذلك الصادقون مع الله -جلَّ وعلا- كلما اجتمع عليهم الكرب كلما زاد فقرهم وانكسارهم لربهم -جلَّ وعلا-، فأتاهم الله من لدنه فضلًا واسعًا سبحانه وبحمده: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا [آل عمران:173].
فتأمل كيف أن الكُرَب زادتهم إيمانًا وإقبالًا على الله؟ قال الله -جلَّ وعلا- ذاكرًا فضله عليهم: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ [آل عمران:174].
المرء -سبحان الله العظيم!- دائمًا وأبدًا، وهذا على مستوى الأُسر يجب أن يرسخ هذا المفهوم، وأن يكون القلب دائمًا وأبدًا مُتعلقًا بالله -جلَّ وعلا-، وألا يظن بالله إلا خيرًا، ولا يُؤمِّل من الله -جلَّ وعلا- إلا بِرًّا، والعبد كلما أحسن الظن بالله -جلَّ وعلا- آتاه الله -تبارك وتعالى- فوق ظنِّه.
ولذلك تأمل -سبحان الله العظيم!- حينما اجتمعت قريش على رسول الله وهو في بطن الجبل، وتُحيطه قريش من كل نواحي الغار ، حتى إن أبا بكر يهمس في أذن صاحبه ويقول لرسول الله: "لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا"، فالمخاوف قد أحاطت برسول الله من كل الجهات، فإذا برسول الله يهمس في أذن أبي بكرٍ بالإيمان والسكينة والاستقرار وحُسن الظن بالله -جلَّ وعلا- فقال له: ما ظنُّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟[2]أخرجه البخاري (3653)..
سبحان الله العظيم! كلما زاد ظنك الحسن بالله كلما أتاك الله -تبارك وتعالى- فوق ظنك وسؤالك؛ ولذلك أنزل الله على رسوله سكينةً ملأت الدنيا، ولم تملأ الجبل والغار وقلب رسول الله فحسب.
الإنسان -يا دكتور خالد، ودكتور عبدالله، والضيوف، والمشاهدين الكرام- والله الذي لا إله غيره إذا استقرَّ في قلبه أن كل ما كان من الله هو خيرٌ زادت طُمأنينة قلبه، واستقرار فؤاده؛ ولذلك يقول الله -جلَّ وعلا-: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11]، قال ابن مسعودٍ: "هو الرجل تُصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويُسلِّم"[3]"تفسير ابن كثير" ط. دار الكتب العلمية (8/ 161)..
المحاور: أحسنت.
المتصل: جاء جبريل إلى رسول الله ليُعلِّم النبي ، وكان هذا في آخر عمر رسول الله ، ويُعلِّم أبا بكر وعمر وعثمان وسادات الإسلام، يُعلِّمهم معانٍ نتعلمها اليوم في أوائل سنيننا الدراسية.
قال: يا رسول الله، أخبرني عن الإيمان، قال: أن تُؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله.
انظر إلى الركيزة الأم في قلب العبد: وأن تُؤمن بالقدر: خيره وشرِّه[4]أخرجه مسلمٌ (8).، ما كان من الله فهو خيرٌ، والله -تبارك وتعالى- لطيفٌ بعباده.
كيف نكسب الاستقرار والسكينة؟ كيف نكون مُستقرين؟
الأمر الأول: أن يكون حال المؤمن دائمًا وأبدًا في لجوءٍ لله، جلَّ وعلا.
أصحاب موسى ماذا قالوا لموسى وهم يرون فرعون وجنده وقوته وعُدَّته وعتاده؟ قالوا: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61]، ماذا قال موسى؟ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62].
في الأزمات حينما تقول لأزمتك: معي ربي، فسيُؤتيك الله -تبارك وتعالى- تلك السكينة التي تَنْبُت في فؤادك في كل لحظات عمرك، وحينما تقول لمخاوفك: معي الله، سيُؤتيك الله -تبارك وتعالى- تلك الطمأنينة التي تَشِعُّ في داخل فؤادك، وحينما تقول لآلامك: معي الله، فإن الله سيكون معك بحفظه، وتأييده، وفضله، ورحمته، ولُطفه -تبارك وتعالى-؛ ولذلك قال: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ.
تأمل: غيَّر الله سُنَّةً كونيةً، فضرب موسى بعصاه البحر فكان طريقًا يَبَسًا، سبحان الله العظيم!
المحاور: إذن النقطة الأولى يا شيخ ناصر: لا بد من اللجوء إلى الله .
المتصل: هذا هو دكتور خالد، هذا هو الأمر: أن يكون الإنسان مُلتجئًا لله.
يا شيخ خالد، يقول ابن تيمية -رحمه الله-: "الرب سبحانه أكرم ما تكون عليه أحوج ما تكون إليه"[5]"مجموع الفتاوى" (1/ 39).، كلما كنت مُحتاجًا إلى الله كلما كنت كريمًا عند الله.
النقطة الثانية: أن يُكثر الإنسان من ذكر الله -جلَّ وعلا- سبحان الله! الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].
يكفيك أنك إذا ذكرتَ الله ذكرك الله، وإذا ذكرتَ ربك -تبارك وتعالى- فإنه معك؛ ولذلك يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا طيب، كيف نثبت؟ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأنفال:45].
فالإنسان -سبحان الله العظيم!- إذا احتدَّت عليه تلك الساعات، واجتمعت عليه لحظات العسرة، أكثر من ذكر الله؛ فوجد في قلبه طُمأنينةً لا يجدها بدون ذكر الله، ولا يمكن أن تجتمع له تلك الطمأنينة بدون أن يَلْهَج لسانه بالثناء على الله وحمده، وتهليله، وتسبيحه، وإجلاله، تبارك وتعالى.
الجانب الثالث: أن يبحث الإنسان دائمًا وأبدًا عن زوايا الفأل في حياته، بمعنى: أن الأسرة -مثلًا- لا تجتمع على تكرار تلك الأخبار التي تَبُثّ فيها المواجع، وتنشر فيها الآلام، لا، الواجب على الإنسان دائمًا وأبدًا أن ينظر إلى تلك الأخبار التي تزيده فألًا وأملًا، وكان هذا من هدي رسول الله : أن يتفاءل بكل شيءٍ يحوطه .
يعني تخيل: في صُلح الحُديبية كانت نسبة انتصار رسول الله كبيرةً، وكانت موازين الحدث حقيقةً القوة فيها والغلبة في الظاهر له، وإن كانت في الباطن لقريش، حتى إنهم منعوا رسول الله أن يدخل مكة مُحرمًا -تخيل!-، وأن يرجع إلى المدينة ويأتي في السنة القادمة، وإذا برسول الله يتفاءل باسم رجلٍ كان مندوبًا لقريشٍ يُسمَّى: سُهيلًا، فقال: سهَّل الله أمرَكم[6]"صحيح الأدب المُفرد" للشيخ الألباني (ص340) (915/ 707) وقال: حسنٌ لغيره..
فالإنسان أيها الأحبة دائمًا وأبدًا إذا نظر إلى تلك الجوانب التي تحوطه، واستعملها في جانب الفأل، وأيضًا استخدمها في سُبُل الخير؛ فإن الله سينشر تلك السكينة والاستقرار في قلبه.
حقيقةً الحديث معكم لا يُمَلّ.
المحاور: الله يحفظك.
المتصل: وذو شجونٍ، لكن هذا حديثٌ مُسْهَبٌ، وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يقبله عنده يا ذا الجلال والإكرام.
المحاور: وسماعكم لا يُمَلُّ يا شيخ ناصر.
شكر الله لكم يا شيخ ناصر، وبارك الله فيكم.
المتصل: شكرًا يا دكتور، وشكرًا لكم جميعًا.
المحاور: كان معنا الشيخ ناصر بن حمد الحميد حول السكينة ووسائلها، ولعل الشيخ حقيقةً بدأ معنا بقضية السؤال الكبير -إذا كان بقي عندكم شيءٌ في المقدمات-، وكان عندنا سؤالٌ كبيرٌ شيخ عبدالله وهو: كيف نحصل على السكينة: الأفراد، والأسرة، والمجتمع؟ وهو ربما أشار إليها، فإذا أردتَ أن نشرع في هذا.
الضيف: أنا أريد أن أُشير إلى مسألةٍ شعرنا بها من كلامه.
المحاور: تفضل.
الضيف: عندما ارتبطنا بكلام الله وتوجيهات السنة النبوية وجدنا أنها تَبُثّ الطمأنينة والسكينة.
طبعًا الطمأنينة شيءٌ، والسكينة ثمرة الطمأنينة، لكن في كلامنا اليوم سنقول: السكينة والطمأنينة كأنهما مُترادفتان.
نفهم من ذلك أن الراحة والسكون والثبات والطمأنينة: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] هذا الاتِّزان النفسي لا يحصل إلا بإيمان الثلاثة الذين خُلِّفوا وضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة:118]، هم تابوا إلى الله ، إذن هذا الحلُّ: أن يعود الإنسان لله ، ويُراجع حساباته مع الله .
هذه المنزلة -منزلة الطمأنينة والسكينة- التي نتحدث عنها هي منزلةٌ يهبها الله لمَن يشاء، مثل والدٍ قال لأحد أبنائه: اذهب إلى الدراسة، وهذا مبلغٌ من المال اصرف منه على نفسك -ولله المثل الأعلى- ثم فقده، أو سُرق منه، فاتَّصل على والده فقال له: فقدتُ المال، أو سُرق مني المال. قال: لا بأس، اطمئن، واشتغل فيما ذهبتَ من أجله، وبعثتك من أجله، وإذا عُدْتَ لك أضعاف ذلك.
فالله يريد أن يتعبدنا مرةً بالصبر، ومرةً بالشكر، ومرةً بالرضا، وهي أوجهٌ الغرض منها أن يتعبدنا الله كيف نفعل في مثل هذه الأوجه؟
المحاور: مقاماتٌ للعبودية.
الضيف: نُحسن الظنَّ بالله تعالى، وأنه يريد بأهل الإيمان الرفعة، يعني: هذه السكينة الإيمانية هي التي لا يستطيع أحدٌ أن يسلبها من المؤمن، من الممكن أن تُرفع بعض الأشياء: الحوافز المادية الدنيوية، لكن كرجلٍ اختصم مع زوجته قديمًا، وكأنه شقَّ عليها، وأراد أن يُضيق عليها، وهي صاحبة إيمانٍ، فكلما دخل وجدها ساكنةً مُطمئنةً في بيتها تذكر الله، وقائمةً بشؤون بيتها، فقطع عنها المصروف، ثم جاءها يومًا من الأيام غاضبًا فقال: أما أشقيتك؟! أما أزعجتك؟! قالت: لا يا مسكين، أنا سعادتي في إيماني، وإيماني في قلبي، وقلبي لا يملكه إلا الله.
مهارات تُساعد في تجاوز الأزمات
المحاور: معنا مداخلةٌ كريمةٌ أيضًا، معنا سعادة الدكتور: خالد بن حمد الجابر، استشاري طب الأسرة والعلاج النفسي.
مرحبًا بك يا دكتور خالد.
المتصل: أهلًا، حيَّاك الله، أهلًا، أهلًا، مرحبًا، حيَّاك الله أنت وضيفك الكريم، والإخوة والأخوات المشاهدين والمشاهدات، حفظكم الله جميعًا.
المحاور: الله يحفظك، وجزاك الله خيرًا.
الأطباء النفسيون والمُعالجون النفسيون أيضًا هذا جزءٌ من دورهم الحقيقي، ونحن نتحدث -حفظك الله- عن "الأسرة المُطمئنة في الأزمات"، كيف نستطيع أن نجعلها مُطمئنةً ونُخفف من التوتر والقلق الذي قد يشعر به بعض أفرادها؟
تفضل، حفظك الله.
المتصل: طيب، بسم الله الرحمن الرحيم.
أولًا: نبدأ بالدعاء أن يرفع الله هذا البلاء والوباء عن المسلمين وعن الناس عامةً، وأن يكشف هذا البلاء، فهو الذي يكشف وحده .
من الناحية النفسية فإن الأزمات عمومًا -سواءً كانت أزماتٍ عامةً أو أزماتٍ خاصةً- هي أحد المصادر الأساسية لحدوث المشكلات النفسية من القلق، والاكتئاب، والتوتر، والضغط، وأحيانًا قد تنتج مشاكل اجتماعية ناشئة بسبب الأزمات؛ ولذلك يحسُن بالإنسان أن يتعلم في وقت الأزمات بعض المهارات التي قد تُساعده في تجاوز هذه الأزمة.
المحاور: جميلٌ، جميلٌ.
المتصل: سأذكر ثلاثة أشياء، وأنا عادةً أبدأ بالجانب الإيماني، وأرى أنه لا يمكن إطلاقًا فصل الجانب الإيماني عن الجانب النفسي، وأن قوتنا النفسية ليست مُستقلةً عن الله ، فنحن نستمد قوتنا من الله: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127].
إذن الإيمان مهمٌّ جدًّا، ومحاولة فصل الإيمان عن الجانب النفسي من الأخطاء -للأسف- التي شاعت في علم النفس، ونحن يجب أن نُصححه.
ماذا نقصد بالإيمان؟
هو أن تعرف أن لك ربًّا هو المُتحكم المُتصرف في هذا الكون، وتعرف أن الله يُدبر هذا الكون بطريقةٍ معينةٍ؛ فتفهم الحكمة من الأحداث، وتجد الإجابة على تساؤلاتٍ كثيرةٍ، والتي ربما تُطرح في وقت الأزمات: لماذا حصلت الأزمة؟ ولماذا حصل الوباء؟ وهذه من الأسئلة التي تُسمَّى: الأسئلة الوجودية.
إيمانك بالله يُساعدك في تجاوز هذا كله، فأنت محتاجٌ ألا تعتمد على نفسك فقط، ولكن أيضًا تعتمد على الله.
هذا ما يتعلق بالجانب الإيماني، وتدخل فيه أشياء وتفاصيل كثيرةٌ، ولكن أنا قد أختصر؛ لأنها مُداخلةٌ، وليست محاضرةً.
الجانب الثاني هو الجانب النفسي: وأول وصيةٍ أو مُقترحٍ أو توصيةٍ في الجانب النفسي هي: الهدوء والسكينة والصبر وضبط الانفعالات، أن يتعلم الناس ضبط الانفعالات؛ لأنه في أوقات الأزمات يكثر القيل والقال والأسئلة، والتَّشوف للمعلومات والأخبار، وتتبع هذا أصبح عادةً سيئةً عند الناس، فإنهم يتتبعون الأخبار دقيقةً بدقيقةٍ، وهذا غير مفيدٍ.
ما الذي يفرق في معرفتك للمعلومة ساعةً بساعةٍ، أو معرفتك لها كل يومٍ، أو كل يومين؟ مجرد إضافةٍ للقلق، فلا داعٍ لتتبع الأخبار، بل الهدوء والسكينة، وفي الهدوء والسكينة وكيف يُحققها الإنسان؟ كلامٌ كثيرٌ.
أيضًا من الأشياء: الأمل، والتفاؤل، والروح المُتفائلة، وحُسن الظن بالله، وربطه بالله مرةً أخرى؛ لأننا لو تأملنا التاريخ كله من بداية ما نعرف من التاريخ المُقيد والمُدون إلى يومنا هذا سنجد أن الأوبئة أمرٌ طبيعيٌّ في هذا الكون، يحدث كل ستين أو سبعين أو مئة أو مئتي سنةٍ، فهذه الأوبئة الجائحة تمرُّ على الناس، ثم يقضي الله ما يشاء من قضائه وقدره، ثم تذهب وتزول هذه الأزمة.
فلذلك مهمٌّ جدًّا للإنسان ...، وسبحان الله! ظهر اليوم صدر خبرٌ عن اكتشاف مجموعةٍ من الحالات عندنا في السعودية، فأنا كنت أتتبع كتابات الناس؛ أريد أن أعرف ماذا يقول الناس؟
فبعضهم يُفكر بطريقةٍ جيدةٍ، يقول: الحمد لله، والأمور سهلةٌ -إن شاء الله-، ونحن أحسن من غيرنا، وتنفرج الأزمة.
والبعض يتكلم بخوفٍ وقلقٍ وتوترٍ: لماذا هذا؟
الحدث واحدٌ، والمناسبة واحدةٌ، لكن كل واحدٍ له طريقةٌ في التفكير، والأمل والروح المُتفائلة مهمةٌ جدًّا.
أيضًا من الأشياء النفسية: التخلص من الجزع، والتَّسخط، والتَّشكي، والتَّذمر في وقت الأزمات، وهذا لاحظناه من بعض الناس: أنه يُكثر من التَّسخط والتَّشكي من الإجراءات والاحتياطات.
هذا التَّسخط والتَّشكي والتَّذمر من الصفات التي تجلب المشاكل النفسية، يعني -مثلًا- في الاكتئاب من أحد أعمدة وأركان وأسباب الاكتئاب: هذا النوع من الناس الذي يُكثر التَّشكي، ولا يُعجبه شيءٌ، ولا يرضى بشيءٍ، وكثير التَّسخط.
هذا باختصارٍ شديدٍ جدًّا ما يتعلق بالجانب النفسي.
في الجانب الثالث وهو: الجانب الحياتي.
المحاور: عفوًا دكتور خالد، حفظك الله.
يعني: أنت -مثلًا- أشرتَ إشارةً عمليةً مهمةً جدًّا إلى قضية التقليل من الأخبار وما يرتبط بها، والإنسان ليس مُلزمًا بقضية التتبع وما شابه ذلك، فهل يمكن من خلال ما أشرتَ إليه أن تُلخص بعض الجوانب العملية في نقطة الجانب النفسي؛ لأنه قد يقول الواحد: أنا فعلًا أريد أن أتخلص من هذه القضية المتعلقة بمشكلة التَّشكك، ولا مشكلة والله، فأنا أريد أن أكون هادئًا في لحظتها، أو ... إلى آخره؟
المتصل: الناس دائمًا يسألون هذا السؤال: أريد خطواتٍ عمليةً سريعةً.
في الحقيقة أنا جوابي دائمًا على هذا السؤال: أن التغيير النفسي ليس وصفةً من حبةِ دواءٍ يأخذها الإنسان فيتغير مباشرةً، فالنفس تحتاج إلى مُجاهدةٍ، وتربيةٍ، وتعديلٍ، ولكن أنا أقصد أن هناك أشياء سريعةً جدًّا، ونحن نُقسِّم الناس إلى قسمين:
قسم لديه قلقٌ سابقٌ: جاءني أمس في العيادة مريضٌ عنده قلقٌ، فسألته عن موضوع (كورونا): هل أضاف لك؟
قال: (كورونا) عادي، ولا مشكلة فيه. مع أن عنده قلقًا شديدًا! وهذا يُبيّن ماذا؟ يُبيّن أن استجابة الناس للأزمات تتفاوت.
المحاور: جدًّا.
المتصل: وتختلف، مع أن الأزمة واحدةٌ، وهذا هو الذي نقوله: الهدوء والسكينة والتفاؤل.
المحاور: جميلٌ، النقطة الثالثة -حفظك الله- دكتور خالد.
المتصل: الجانب الثالث: ما يُسمَّى ببذل الأسباب، أو حلّ المشكلات، أو حُسن التَّصرف.
فمهمٌّ جدًّا للإنسان في مثل هذه الأزمات أن يتحلى بالسكينة في اتخاذ الإجراءات، ولا يكون مُتوترًا وخائفًا وعلى أعصابه فيما يتعلق بحظر التجول الذي حصل، والآن أضافوا إغلاق المدن، وهناك مدنٌ كثيرةٌ لا يستطيع الإنسان أن يخرج منها أو يدخل.
هذه كلها إجراءاتٌ هي جزءٌ من بذل السبب، وليس المقصود منها إثارة الخوف أو الرعب بين الناس، لا، بالعكس، هي حمايةٌ للناس.
المحاور: جانبٌ وقائيٌّ.
المتصل: جانبٌ وقائيٌّ، نعم.
النقطة الأخيرة: هناك كتابٌ اسمه (Epidemiological Psychology) طُبِعَ تقريبًا قبل سنتين أو ثلاث سنوات، أي: قبل الوباء (Epidemiological Psychology) يعني: علم نفس الأوبئة، علم النفس في وقت الأوبئة، وتكلم عن أشياء كثيرةٍ، لكن الذي أريد أن أُشير إليه هي جزئيةٌ فيما يتعلق بالسلوكيات الغريبة لبعض الناس في وقت الأزمات.
المحاور: كيف يا دكتور؟
المتصل: السلوكيات الغريبة لبعض الناس في وقت الأزمات، يعني: الأزمات عند بعض الناس تُظهر أحسن ما لديهم من الأخلاق، وحُسن الخلق، وحُسن التَّصرف، وعند بعض الناس تُظهر أسوأ ما لديهم.
يعني: نحن في العيادة في المستشفى أمس وقبل أمس وقبله جاء أناسٌ مُصابون، وهم يعرفون أنهم مُصابون، وجاءوا إلى العيادة وأخفوا بعض الأعراض، فأنت تتعجب من هذا السلوك.
وكثرت تقارير الناس والمُشاهدات المُصورة عن بعض الناس الذين يتعمدون إيذاء الآخرين.
يعني: مثل هذه السلوكيات تُظهر بعض النفوس الخبيثة السيئة التي في وقت الأوبئة والأزمات -سبحان الله!- ينكشف غِطاؤها.
نحن نقول للناس: الخلاصة في هذا الكلام كله والمُداخلة السريعة أنه -بإذن الله تعالى- ستنكشف الأمور، وستزول الأزمة -بإذن الله-، فعليكم بالهدوء والسكينة، وعدم الاستعجال، وعدم الخوف.
نسأل الله أن يحفظ الجميع بحفظه.
المحاور: آمين، آمين.
المتصل: وجزاكم الله خيرًا.
المحاور: شكرًا دكتور خالد، وجزاك الله خيرًا، وبارك الله فيك على هذه الإضافة الطيبة.
كان معنا الدكتور خالد بن حمد الجابر، استشاري طب الأسرة والعلاج النفسي.
تفضل يا شيخ عبدالله.
الضيف: أقول: كما ذكر الدكتور ستكون مثل هذه الأخبار في الذكريات، والفترة الزمنية التي قدَّر الله أن نكون من شهودها، كم قتلى (الأنفلونزا) الإسبانية؟ كان العدد تقريبًا سبعين مليونًا، والطَّواعين التي مرَّت بالملايين الذين ماتوا، وهذه العدوى والوباء سنتجاوزه -بإذن الله -، وكلما ضاقت على الناس ستنفرج قريبًا، فنحن نُحسن الظنَّ بالله تعالى.
سألتني: كيف نحصل على السكينة: فردًا، وأسرةً، ومجتمعًا؟
المحاور: نعم.
الضيف: السكينة تحصل بالتوكل على الله تعالى، والشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- يقول: "التوكل هو صدق الاعتماد على الله بأنَّ الله هو النافعُ الضارُّ"، ثم ذكر: "مع فعل الأسباب"، فمَن ترك التوكل قدح في توحيده، ومَن ترك الأسباب قدح في عقله.
المحاور: ما مُؤشر التوكل؟
الضيف: حُسن الاعتماد على الله بأنه النافع الضَّار.
المحاور: إذن القضية قلبيةٌ.
الضيف: قضيةٌ قلبيةٌ، لكن هنا شرطٌ هو: أن التوكل شرطٌ للإيمان: فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23]، فصار التوكل شرطًا للإيمان، لكن التوكل لا ينفك عن بذل الأسباب، فالرسول لبس الدرع في الحرب، والدرعين، أي: ظاهر بين درعين، ولبس الخوذة، وأخذ زادًا في السفر، وتداوى ، وأخذ دليلًا مُشركًا في طريقه، ما خرج هكذا، وهو رسول الله ، يُعلمنا السنة، فبذل الأسباب نعرفه من السنة، والقرآن يُعلمنا التوكل، وكيف نعتمد على الله ؟ وأنه النافع.
المحاور: جميلٌ، إذن التوكل على الله مع بذل الأسباب.
الضيف: نحن الآن في وباء، والنبي علمنا قال: إذا سمعتم به بأرضٍ فلا تَقْدَموا عليه، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه[7]أخرجه البخاري (5730).، وهذا ما نُسميه الآن بالحجر الصحي.
إذن هذه من الأسباب التي يجب أن يعتني بها الناس، فالتوجيهات التي تُسمع من وزارة الصحة ومن الجهات المسؤولة في هذا الجانب تُؤخذ بعين الاعتبار، فهذا من بذل الأسباب، ثم تطمئن القلوب بعد ذلك بأن الله هو النافع الضَّار.
هل يمكن أن يبتلي الله أحدًا وهو قد بذل الأسباب؟
الجواب: نعم، تذكر الذين قالوا: لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا [آل عمران:168]، قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران:154].
إذن المسألة هي: أن الله إذا قضى القدر سيحصل هذا القدر سواء احتاط الإنسان لذلك أو لم يحتط له، فالإنسان مع التوكل على الله سيجد أربع فوائد:
أول هذه الفوائد في التوكل على الله: أن الله سيكفيه: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3]، وعلمنا النبي أن مَن قال: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلتُ وهو ربُّ العرش العظيم سبع مراتٍ كفاه الله ما أهمَّه [8]أخرجه أبو داود (5081)، وجوّد إسناده موقوفًا العلّامة ابن باز في مجموع الفتاوى (26/65)..
ويلتزم الإنسان بهذا في أذكار الصباح والمساء، وكأنه يُجدد العقد بينه وبين الله ، ويُذكر نفسه بأن الله كافيه، وأن الله هو النافع الضَّار.
الأمر الثاني: مسألة حفظ النفس والولد والأهل، فبعض الأُسر أبناؤها مُشتتون؛ لأن من نعمة الله على بعض الناس أن أبناءه كلهم في نفس المدينة شهودًا: وَبَنِينَ شُهُودًا [المدثر:13] يُشاهدهم، وبعض الناس ابنه مُبْتَعَثٌ يدرس، أو في مدينةٍ ثانيةٍ، فقلب الأب والأم يتقطع ويشعر بالتوتر والقلق، لكن يعقوب عليه الصلاة والسلام أعطانا درسًا في هذا: وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ [يوسف:67]، إذن هذا من بذل الأسباب، وفي آخر الآية: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ [يوسف:67].
المحاور: جميلٌ.
الضيف: فهذه قضيةٌ مهمةٌ: أن مَن أحسن التوكل على الله وبذل حفظ الله أهله وأولاده.
المحاور: ثالثًا.
الضيف: الراحة النفسية: فلو تنبه الأطباء النفسيون -كما أشار الآن الدكتور خالد بارك الله فيه وكثَّر من أمثاله- لأهمية التوكل لجعلوه من أهم علاجاتهم، فيعتمد الإنسان عليه؛ لأن الإنسان بلا توكلٍ ولا جوانب إيمانيةٍ يُبصر بها أحداث الحياة كالريشة في مَهَبِّ الريح، إن مالت به الريح هكذا مال مع الريح حيث مالت.
المحاور: الشاهد منها؟
الضيف: الراحة النفسية، يطمئن الإنسان؛ لأن الله معه، والله سنده، كما ذكر الشيخ ناصر: قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62]، والنبي سكَّن قلب صاحبه بقوله : لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، إن الله سندٌ له، فما يكون مُشتتًا تائهًا، إنما هو يسير بقدر الله ، وإنما هو عبدٌ يفعل ما يُؤمر به، والباقي على الله .
المحاور: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97].
الضيف: وهذه الحياة الطيبة هي السكينة التي تكون في القلوب، ولا يُؤثر عليها تقلب الدنيا من سعةٍ أو ضيقٍ، وإنما يتعايش معها الإنسان.
المحاور: الرابع؟
الضيف: حُسن الظن بالله : أنا عند ظنِّ عبدي بي، فليظنَّ بي عبدي ما يشاء كما قال النبي [9]أخرجه البخاري (7505)..
فنحن نظن بالله أنه سيرفع البلاء، ويحفظ الناس والأمة والأُسر، ونعود إلى ما كنا عليه وأفضل، ونريد أن نستفيد من هذه الحادثة بتقربنا إلى الله أكثر.
المحاور: لا شكَّ أنها فرصةٌ ثمينةٌ جدًّا لتربية النفوس، وتربية الأُسر، وتربية المجتمعات يا شيخ عبدالله.
معالم الاستثمار الأُسري في الأزمات
معنا الدكتور مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي، رئيس مكتب الدعوة بحلي في القنفذة، ومُدرب في التنمية الشخصية.
حياكم الله دكتور مشعل.
المتصل: أهلًا وسهلًا بكم، مرحبًا.
المحاور: يا مرحبًا، حقيقةً -جزاك الله خيرًا- قرأتُ لك تغريدةً وكنت تتحدث عن: ماذا بعد انتهاء الأزمة؟ ومَن الذي سيكون فعلًا حقق نجاحًا من خلال إنجازاته؟
فلو حدثتنا: كيف يمكن للأسرة أن تُحقق نجاحاتٍ؟ بارك الله فيك في غضون دقائق معدودةٍ، وجزاك الله خيرًا، تفضل.
المتصل:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمدٍ وآله وصحبه وسلم أجمعين.
لعلي أتحدث في هذه العُجالة عن معالم الاستثمار الأُسري في الأزمات.
هذه الأزمة التي تُواجه العالم بأسره اليوم كبيرةٌ وضخمةٌ، وخلَّفت آثارًا كبيرةً على الفرد والجماعة، وهي ما زالت في بدايتها، غير أن المُتأمل في أقدار الله تعالى بجلاءٍ يجد أن ثمَّت فرصًا كبيرةً وضخمةً في المقابل ينبغي ألا تفوت على أعين المُستثمرين.
لقد راهنت العولمة بكل ما تملك على فكِّ الارتباط الاجتماعي من خلال وسائلها التقنية، وحققت من ذلك شيئًا، واليوم من فواتح الأمل والفأل في هذه الأزمة أنها أعادت البناء الأُسري في صورةٍ لم يكن يتوقعها إنسانٌ عاش هذه الثورة التكنولوجية في الواقع، فمَن كان يتخيل أن أزمةً ما ستُوفر هذا العدد الهائل من الساعات للأسرة الواحدة؟ فضلًا عن أزمةٍ تُعيد كل لحظةٍ في يوم الإنسان وليلته لصالح أُسرته.
المحاور: جميلٌ.
المتصل: لقد باتت الأسرة اليوم في ظلِّ هذه الأزمة تملك أربعًا وعشرين ساعةً بتمامها، والسؤال الضخم: ما دور الأسرة في هذه الوفرة من الوقت غير الطبيعي لصالح أبنائها؟
إنني أُساهم في هذه العُجالة بجملةٍ من الأفكار والآراء التي أعتبرها قواعد للاستثمار الأمثل، وأدع التنفيذ والتطبيق لمَن يمكن أن يُشارك في هذا الباب.
أول قضيةٍ وأهمها، وهي أصل ما بعدها في هذا الجانب الكبير: العناية بإحياء روابط الحب بين الأسرة دون استثناء.
المحاور: جميلٌ.
المتصل: لقد جاءت هذه الأزمة على أُسَرٍ وبيوتٍ مختلفةٍ ومُتنازعةٍ، وفيها شِقاقٌ كبيرٌ، وهجرٌ، وخلافٌ طويلٌ ألقى بظلاله على الأسرة ككلٍّ، ومن الفقه والوعي أن نعتني بإعادة هذه العلاقة، وتمكين العلاقة الأسرية قبل كل شيءٍ.
يجب أن نتنازل عن كل خلافٍ بيننا، وأن نترابط قدر وسعنا، وأن يقبل بعضنا البعض، فنحن أمام أزمةٍ ضخمةٍ وحدثٍ كبيرٍ يحتاج للاستثمار، هذه هي القاعدة الصلبة لكل المشاريع التي يُراد لها الحياة، ولكل أسرةٍ ومجتمعٍ في قادم الأيام.
ثانيًا: ليس المهم كثرةَ البرامج والمشاريع التي تُقدمها في أسرتك بقدر أهمية التركيز على برنامجٍ واحدٍ أو اثنين، وتنطلق من قاعدةٍ صلبةٍ متنوعة الطرح، إنما ما يُخشى منه أن تكون هذه الحملات عن أهمية الاستثمار تُلقي بظلالها على بعض الأُسر فتريد كل شيءٍ، فيضيع منها في النهاية كل شيءٍ.
المحاور: صحيحٌ.
المتصل: وعلينا أن نتزاحم على هذا المعنى، علينا أن نتزاحم بكل ما يمكن على تطبيق القاعدة النبوية: أَدْوَمُه وإنْ قَلَّ[10]عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله سُئل: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: أَدْوَمُه وإنْ قَلَّ. أخرجه مسلمٌ … Continue reading.
ثالثًا: يجب أن يكون هناك تنوعٌ في البرامج والمشاريع، بمعنى: أن تكون هناك برامج ومشاريع تنطلق من داخل الأسرة، وأخرى يقوم بها الحي عن بُعْدٍ، أو الجهات الخيرية؛ حتى يحدث التنوع البنائي للأسرة؛ لأن تفاعل الفرد في مراتٍ يكون من داخل الأسرة، وفي مراتٍ أكثر وأعمّ يكون تفاعل الأسرة مع البرامج القادمة من الخارج أكبر وأكثر أثرًا؛ لشعورها أن هذه البرامج الخارجية غير مفروضةٍ عليها، فتتسلل إلى قلبها، وتأخذ حظَّها من واقعها دون مللٍ.
رابعًا: يجب أن نُركز على البرامج الصلبة التي تُمثل قاعدةً لغيرها من البرامج والمشاريع: كبرامج تدبر كتاب الله تعالى، والتَّأملات في السنة النبوية، وأسماء الله تعالى وصفاته، وسُنن الله تعالى الكونية، وتكون قضايا الحفظ من القضايا التي تعتني بها بعض الأُسر، وهي مهمةٌ، وفضائل الأعمال، ونحوها من البرامج بعد بناء تلك القاعدة الصلبة من تعظيم الله تعالى وإجلاله في نفوس الأبناء.
وأخيرًا: شعورنا أننا في أزمةٍ، وأزمةٌ ضخمةٌ، والفرصة كبيرةٌ، وإدراكنا للمِنَح التي خلَّفتها هذه الأزمة في واقعنا كذلك فرصةٌ، وإحياء مشاعر الحب بين الزوجين والأبناء هي القاعدة الصلبة لبناء كل شيءٍ.
المحاور: يا سلام!
المتصل: والتركيز على البرامج التي تُمثل قاعدة التغيير هو نوعٌ من الوعي.
فدعني في الختام أقول لكل أبٍ وزوجٍ وأمٍّ: دعونا في هذه الأزمة نتخلى قليلًا عن فرض الوصاية على مَن حولنا، تخلوا عن دور الحُكَّام في كل قضيةٍ، افتحوا قلوبكم قليلًا، وتجمَّلوا بالصبر، افتحوا قلوبكم بالحب، ودعوا الأبناء يأخذون حقَّهم في الحياة داخل البيوت، ثم استثمروا كل حدثٍ في البناء، وفي رسم معالم البهجة.
المحاور: يا سلام!
المتصل: والأدب والجمال في مستوى أبنائكم.
المحاور: بارك الله فيك، وهذه كلها فرصٌ، وأنت فرصةٌ أن تكون معنا يا دكتور مشعل، جزاك الله خيرًا، أحسنتَ في تحليقك، والحقيقة -وأنت معنا- هناك مُبادراتٌ كثيرةٌ أطلقها العديد من المُهتمين في القضايا الثقافية والعلمية، وفي القضايا الأُسرية والتربوية.
وأنا أقول للناس: ابحثوا عنها حقيقةً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وستجدون ما يُفيدكم وينفعكم -بإذن الله-، ولعله يكون للقناة دورٌ في هذا الجانب.
شكرًا لك دكتور مشعل.
المتصل: ولكم.
المحاور: الله يحفظك.
كان معنا الدكتور مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي -وفَّقه الله- حول البناء التربوي للأسرة، جزاه الله خيرًا.
شيخ عبدالله، ما ذكره حقيقةً مهمٌّ جدًّا -يعني- في استثمار الوقت في هذه الأربع والعشرين ساعةً التي أصبحت من قبل.
الضيف: كانت بعض الأُسر مُشتتةً.
المحاور: بالضبط.
الضيف: وقدَّر الله هذا الخير للأسرة بأن تجتمع وتُعيد الترتيب، ويتعرف أفرادها على بعضهم.
المحاور: الله لا يُقدر شرًّا محضًا .
نُكمل -الله يحفظك- حول الوسائل.
الضيف: من الوسائل: أذكار الصباح والمساء.
المحاور: يا سلام!
الضيف: وتعليمها لأبنائنا، ما دامت الأُسر الآن مجتمعةً فإن مُتابعة الأبناء في تحفيزهم وحثِّهم حتى تكون عندهم دافعيةٌ ورغبةٌ ذاتيةٌ في المُحافظة على مثل هذه الأذكار: بسم الله الذي لا يضرُّ مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، قال: لم يضرَّه شيءٌ[11]أخرجه أحمد في "مسنده" ط. الرسالة (446)، وقال مُحققوه: "إسناده حسنٌ"..
المحاور: وهذه في صميم الحدث.
الضيف: تعلم مثل هذه الأذكار وتعليمها للأبناء وآثارها عليهم يجعلهم يتمسكون بها ويُعايشونها، وهذا مهمٌّ جدًّا؛ لأن المُعايشة التربوية مناسبةٌ في هذه الأيام، فهي تضع بصمةً على الأبناء والبنات لا تُنسى، وهي أعمق وأدوم، بإذن الله تعالى.
المحاور: نظرًا لفرصة القُرب.
الضيف: نظرًا لفرصة الحدث والظروف.
فهذه من أبرز الأمور، وهي: العناية بما ورد من أذكار الصباح والمساء، وأذكار الخروج من البيت: بسم الله، توكلتُ على الله وما ورد في ذلك من الأثر[12]عن أم سلمة: أنَّ النبي كان إذا خرج من بيته قال: بسم الله، توكلتُ على الله، اللهم إنا نعوذ بك من أنْ نَزِلَّ، … Continue reading.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: ومنها: أن الهموم والغموم لها نهايةٌ، ويتعلم الأبناء والبنات أن حياتهم لا زالت ...
نحن نتكلم الآن عن الأسرة، والأسرة تُكون المجتمع، وتنطلق من فردٍ؛ لأن الطمأنينة إذا كانت في فردٍ فإنها تنتقل إلى الأسرة، كما يُقال في علم النفس: إن السلوك مُتعلَّمٌ، فالتوتر مُتعلَّمٌ، والمُتوتر يُؤثر على مَن حوله.
المحاور: بالتأكيد.
الضيف: وكذلك الساكن المُطمئن يُؤثر على مَن حوله.
المحاور: بلا شكٍّ.
الضيف: والدليل موقف النبي ، وهنيئًا لأبي بكر عندما كان مع النبي وقال له: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا، فتعلم أبو بكرٍ من هذا الحدث؟
الجواب: نعم.
وفي صُلح الحُديبية جاء عمر بن الخطاب قلقًا يقول: ألسنا بالمسلمين؟ قال أبو بكر: بلى. قال: أليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. فقال: فكيف نُعْطِي الدَّنية في ديننا؟! فبدأ يُطمئنه ويقول: إنه رسول الله، فالزم غَرْزَه[13]قال عمر بن الخطاب : "فأتيتُ أبا بكرٍ فقلتُ: يا أبا بكر، أليس هذا نبي الله حقًّا؟ قال: بلى. قلتُ: ألسنا على … Continue reading. أشهد أنه رسول الله. يقول أبو بكر: وأنا أشهد أنه رسول الله.
فالسلوك مُتعلَّمٌ، وكذلك بثّ الطمأنينة في الأُسر، ومعرفة أن الهموم والغموم لها نهايةٌ.
المحاور: إذن هنا دور القدوة الذي ينبغي أن يكون عند الأب والأم وكبار الأبناء للبقية، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا حتى يحصل جانب التعلم هذا.
الضيف: حتى في نظرتهم للأحداث والكرب، فالله سمَّى شهرًا كاملًا وهو غزوة العُسرة -غزوة تبوك- سمَّاها: ساعةً، سَاعَةِ الْعُسْرَةِ [التوبة:117].
المحاور: لعلنا نعتذر منك شيخ عبدالله، أكثرنا عليك، ولكن الحلقة.
الضيف: أنا استفدتُ من الاتصالات.
المحاور: الله يجزيك خيرًا، الحقيقة معنا الأستاذة المُستشارة منى بنت سعيد آل نعمة، باحثةٌ في مجال علم النفس بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل بالدمام.
دور المرأة في إدارة الأزمات
حيَّاكم الله أستاذة منى.
المتصلة: أهلًا بكم دكتور، سعداء بمُشاركتكم في هذا اللقاء سعادة الدكتور وضيفك الكريم.
المحاور: لا شك أنه في ظل تقارب الأسرة وبقائها في مكانها والتحامها هناك دورٌ للمرأة، ودورٌ للأم خاصةً، فما الدور المطلوب في ظل إدارة الأزمات؟
تفضلي.
المتصلة: بدايةً أرى يا دكتور أن هذه الأزمة أيقظت الوعي لدى جميع أفراد المجتمع، وعلى الصعيد الأُسري تحديدًا، أيقن الجميع بأن الأساس والسكن والمأمن هي الأسرة.
وأرى هنا أن جودة الإدارة الوالدية لهذه الأزمة هي المَحَك هنا في ظلِّ هذه الظروف، ولأن ما يحدث لأفراد الأسرة -كبارًا أو صغارًا- ما هو إلا انعكاساتٌ لخوف وقلق الوالدين، وتحديدًا الأم.
ودور الأم هنا يتجلى في أمرين:
أولهما: الدعم النفسي والوقائي لأفراد أسرتها، ويتمثل ذلك في بثِّ روح الطمأنينة والأمن النفسي، والابتعاد كل البُعد عن الشائعات أو المعلومات المغلوطة التي تُروج لها بعض مواقع التواصل الاجتماعي من إحصائياتٍ أو طرق وقايةٍ، أو حتى طرق علاجٍ غير صحيحةٍ.
فمن هنا يجب على الجميع الحصول على المعلومات الصحيحة من مصادرها الموثوقة كما نصَّت وزارة الصحة الرسمية على (تويتر)، ومُتابعة المُستجدات من خلالها.
المحاور: وحتى هذه المعلومات الصحيحة كذلك ينبغي أن تكون طريقة عرضها على الأسرة وعلى الأبناء بالطريقة الصحيحة كذلك، وفيها الهدوء والسكينة.
المتصلة: أُؤكد أيضًا على ضرورة الاهتمام بالطفل في ظل هذه الأزمة، فغالبًا قد تسوء حالة الطفل النفسية؛ لعدم إدراك ذويهم ما يُعانيه، فالأغلب أن يُعامَل الطفل كفردٍ عاديٍّ، ولكن في الحقيقة يجب أن يُعامَل بشكلٍ صحيحٍ وأكثر أهميةً من الآخرين؛ لأنه بطبيعته يستمد الشعور بالأمن النفسي ممن هم أكبر منه.
ويجب التَّنبه في حالة ظهور أعراض انعكاساتٍ نفسيةٍ واجتماعيةٍ لدى الطفل في القلق النفسي، فمثلًا: زيادةٌ مستمرةٌ في الحركة، أو نَهَمٌ شديدٌ للأكل أو الابتعاد عنه، أو صعوبةٌ في النوم، أو عدم الاستغراق فيه، أو عدم القُدرة على التركيز، أو الأحلام والكوابيس؛ فجميعها مُؤشراتٌ لعدم جودة الإدارة الوالدية لهذه الأزمة.
المحاور: جيدٌ.
المتصلة: الدور الثاني للأم هو: التخطيط واستثمار آليات التكيف خلال فترة الحجر المنزلي من حيث التَّحفيز على الأنشطة الثقافية المناسبة لجميع الفئات العمرية لأفراد الأسرة، بالإضافة لعملية التعلم المُستمرة خلال هذه الفترة، والمُشاركة في تنمية المهارات الحياتية المختلفة، والتَّحفيز لممارسة الهوايات من حفظ أجزاءٍ من القرآن، أو تعليم لغةٍ، أو حضور دوراتٍ، أو قراءة كتبٍ.
المحاور: تقصدون التعلم المُستمر، وتقصدون ما يرتبط بقضية التعليم في المدارس.
المتصلة: نعم.
المحاور: نعم.
المتصلة: أيضًا قراءة كتبٍ في مجالاتٍ متعددةٍ.
وأخيرًا أُؤكد على ضرورة التَّقيد باتِّباع الإجراءات الوقائية من جميع أفراد الأسرة، وبخاصةٍ الوالدين.
وأشكركم يا دكتور على إتاحة هذه الفرصة لنا.
المحاور: شكرًا يا أستاذة.
المتصلة: وحمى الله وطننا الغالي وبلاد المسلمين من كل مكروهٍ.
المحاور: حيَّاكم الله، اللهم آمين.
شكرًا أستاذة منى على هذه الإضافة المتعلقة بدور الأم في إدارة الأزمات، وشكرًا على هذه المشاركة.
نعم شيخ عبدالله.
الضيف: ذكرنا أن للهموم والغموم نهايةً ولو طالت، حتى ولو بالموت، نقول: حتى ولو بالموت، فالنبي دعا: وإذا أردتَ بعبادك فتنةً فاقبضني إليك غير مفتونٍ[14]أخرجه الترمذي في "سننه" ت: شاكر (3233)، وصححه الألباني.، لكن موت المؤمن على دينٍ وإيمانٍ ليس كموت غيره: إذا مات المؤمن وأُخِذَتْ روحه إلى الأرواح بدأوا يسألونه: ماذا فعل فلانٌ مع فلانٍ؟ -كما جاء في الحديث- فيقول بعضهم لبعضٍ: دَعُوهُ؛ فإنه كان في غَمِّ الدنيا[15]عن أبي هريرة : أن النبي قال: إذا حُضِرَ المؤمن أتته ملائكةُ الرحمة بحريرةٍ بيضاء، فيقولون: اخرُجي راضيةً … Continue reading.
إذن الدنيا للمؤمن كالغَمِّ.
من العلاجات الشرعية -كما ذكر الدكتور خالد-: نشر الطمأنينة في النفوس وبثّها.
ومن العلاجات: النظر في إيجابيات المكروه: لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ [النور:11].
المحاور: الله!
الضيف: جاء في "البخاري" من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: أنها سألت النبي عن الطاعون، فأجابها النبي ، تقول: "فأخبرني أنه عذابٌ يبعثه الله على مَن يشاء، وأنَّ الله جعله رحمةً للمؤمنين".
المحاور: يا سلام! هذه قضيةٌ مهمةٌ.
الضيف: الآن هي صورةٌ، الآن الحادثة واحدةٌ.
المحاور: الحادثة واحدةٌ، المُصيبة واحدةٌ.
الضيف: قالت: "فأخبرني أنَّه عذابٌ يبعثه الله على مَن يشاء، وأن الله جعله رحمةً للمؤمنين، ليس من أحدٍ يقع الطاعون فيَمْكُث في بلده صابرًا مُحتسبًا، يعلم أنه لا يُصيبه إِلا ما كَتَبَ الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد"[16]أخرجه البخاري (3474)..
المحاور: الله أكبر!
الضيف: والحديث صحيحٌ.
المحاور: إذن يمكن أن يكون للبعض عقوبةً، وللبعض رحمةً.
الضيف: والحادثة واحدةٌ، وهذا يُظهر لنا عناية الله بهذه الأمة، وكيف أنه جعل العذاب على الآخرين رحمةً بهم.
فنتعلم من النظر في الجوانب الإيجابية في الأحداث أن المؤمن يُؤجَر: ما أصاب المؤمن من غَمٍّ ولا هَمٍّ ولا حَزَنٍ ...[17]قال رسول الله : ما يُصيب المسلم من نَصَبٍ، ولا وَصَبٍ، ولا هَمٍّ، ولا حُزْنٍ، ولا أذًى، ولا غَمٍّ، حتى … Continue reading، ما يُكدر النفس من الماضي والحاضر والمستقبل، واحتسب الإنسان؛ فإنه يُؤجر عليه.
المحاور: إذن هناك فرقٌ بين الذي يجزع، وبين الذي يقول: الحمد لله على كل حالٍ، هذا أمرٌ قدَّره الله بلا شكٍّ.
الضيف: إذن نحن نتعلم هذا من سيرة النبي ، ومن سنة النبي وتوجيهاته: أن يحتسب الإنسان ما يحصل له، فالنبي قال في الحديث -فيما معناه-: إن الله ليَكْتُب الدرجةَ للعبد في الجنة لا يبلغها بعمله، يُسَلِّط عليه بلاءً في نفسه، أو ولده، أو ماله، ثُم يُصَبِّره حتى يُبَلِّغَه الدرجةَ التي كتبها له[18]قال رسول الله : إن العبد إذا سبقتْ له من الله منزلةٌ لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده، أو في ماله، أو في … Continue reading.
إذن لا تحسبوه شرًّا لكم، فلولا مصائب الدنيا لوردنا الآخرة مفاليس كما ذكر أحد السلف.
إذن هذا جانب تأملٍ، يحتسب الإنسان حتى جلوسه في البيت وقت الحجر؛ فإن النبي يقول في الحديث: فيمكث في بلده صابرًا مُحتسبًا.
إذن الجلوس يحتاج إلى شيءٍ من الاحتساب حتى يرفع الله الغُمَّة عن الناس، وعن البلاد والعباد.
المحاور: اللهم ارفع الغُمَّة، اللهم آمين.
الأمر الآخر أيضًا من الوسائل، حفظك الله.
الضيف: من الوسائل والمُعالجات الشرعية، أنا أقول: النظر في إيجابيات الجانب الاجتماعي وإعادة ترتيب حياتنا الاجتماعية.
وتكلم الدكتور مشعل في هذا الجانب، ومن الإيجابيات في الجانب الفكري: أن فيروسًا واحدًا أسقط رُكامًا من الضَّلالات، فجلوس الأسرة وتأملها في مثل هذه المعاني يُشعر بأن الله لا يقضي شرًّا مَحْضًا، وإذا جاء مكروهٌ في الأمر ففي جوانحه الخير؛ فالمُلحدون آمنوا بما لم يروا، والعلمانيون تضرَّعوا ونادوا بالصلاة، وقالوا: هذا أمرٌ متروكٌ للسماء. والذين كانوا يتذمَّرون من الوِصاية مُستسلمون الآن جدًّا للتوجيهات حذو القُذَّة بالقُذَّة.
وكان باب سدِّ الذرائع -هذا الباب الفقهي في القواعد الفقهية والذي شُنَّت عليه حملاتٌ- يُغلق أحكامًا يُريدون هم فتحها، مثل: اختلاط المرأة، والسفر، وأحكامٍ شرعيةٍ كثيرةٍ إنما هي من باب سدِّ الذرائع، ومن باب الوقاية، فالآن هم مُنغمسون في سدِّ الذرائع انغماسًا.
وإذا بالله بهذه الحادثة يُعطينا نموذجًا للتقوى؛ أليست التقوى هي التَّباعد في قوله: أنْ تجعل بينك وبين عذاب الله وقايةً.
المحاور: يا سلام!
الضيف: التقوى للأبدان بأن تتباعد عن كل ما يضرُّ بدنك، والتقوى في دين الإنسان أن يتباعد عن كل ما يضرُّ دينه ويُورده النار.
المحاور: إذن القاعدة مُطردةٌ في أمور الدين والدنيا.
الضيف: نعم.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: لا نستطيع أن نفصلها: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]، فالإسلام دينٌ يصنع الحياة.
المحاور: جميلٌ، لو نُكمل -مع أننا ستكون معنا مُداخلةٌ في نهاية الحلقة يا شيخ عبدالله- من جميل ما تذكر كذلك.
الضيف: من الإيجابيات في هذه الحادثة، ولو تحدثت الأُسر عن بعض الإيجابيات: ككسر غرور البشر، (فيروسٌ) أظهر عجز البشر بأطبائهم، واختباراتهم، وعلاجاتهم، وقواتهم، وجيوشهم، وتقنياتهم، وما استطاعوا أن يُواجهوا (فيروسًا) لا يُرى بالعين: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [المدثر:31].
(ستيفن بينكر) في كتابه "التنوير الآن" في نهايته يقول: "إن العقل والعلم والإنسانية والتَّقدم" ليس هناك مجالٌ أبدًا للدين! وكأنه ليس هناك دينٌ! يقول: "نعيش الآن أفضل حالةٍ بشريةٍ، فقد استطعنا التَّغلب على كل الأمراض". انتهى.
فيُقدِّر الله هذا (الفيروس) ليُعجز خلقه بأصغر خلقه؛ ليُبين لهم حقيقتهم وحجمهم عند أنفسهم: حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا أتاها أمر الله : لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ [يونس:24].
هذه الطواعين والأوبئة تُورد الآن أسئلةً وجوديةً عن الحياة والدين عند المُلحدين، وما ينبغي على الإنسان أن يفعله، فيقول بعضهم: إنهم لا يجدون تفسيرًا، إنما يسيرون ويسيرون ثم يقفون عاجزين، مثلًا: في (الجيولوجيا) وعلم المُختبرات، وفي الطب، وفي الأحياء، وفي علم الفلك.
(بروفيسور وين متشجن) يقول: "نحن نتكلم عن قوةٍ رهيبةٍ وبلا حدودٍ نحن لا نعلم عنها شيئًا على الإطلاق"، لكن نحن -المسلمين- نعلم عنها.
المحاور: لعلنا نختم.
الضيف: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة.
المحاور: وهذا الذي تفضَّل الله به علينا: أن رزقنا هذا المنهج الإيماني الرباني، في مقابل الذين أبعدوا هذا المنهج، فشتان بين النور والظلماء.
لعلنا نعود إليك في نهاية الحلقة.
آيات السكينة في القرآن
نحن معنا آخر مُداخلةٍ، معنا الشيخ خالد بن محمد الرياعي الشهري، المُشرف العام على المجمع القرآني في جامع الشبلان بأبها.
مرحبًا بك شيخ خالد.
المتصل: سلَّمكم الله وأسعدكم ورضي عنكم.
المحاور: حيَّاك الله، وما أجمل أن نختم حلقتنا بكتاب الله ! ومع آيات السكينة يا شيخ خالد، والتي تحدث عنها العلماء.
فلو حلَّقتَ بنا في دقائق معدودةٍ ونحن في ختام الحلقة وأسمعتنا منها، جزاك الله خيرًا.
المتصل: يرفع الله مقامك يا دكتور خالد وضيفك الكريم، إن ربي على كل شيءٍ قديرٌ، ونسأل الله أن يكشف الغُمَّة عن هذه الأمة.
المحاور: اللهم آمين.
المتصل: نسأل الله الذي لا إله غيره، الذي بيده مفاتيح الفرج أن يُفرج عنا وعنكم وعن المسلمين جميعًا.
المحاور: اللهم آمين، جزاك الله خيرًا.
المتصل: أيها الحبيب المبارك، أيها المُستمع المبارك، حبيبي، هذه الآيات المباركة إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا ألهمه في المواقف العصيبة أن يتوجه إلى ربه وأن يسأله أن يربط على قلبه، بل وأن يُنزل عليه السكينة والطمأنينة.
وهذه الآيات الستّ في كتاب الله ، والله إنها تُسَكِّن جيف القلوب، ولا عجبَ فهو كلام الله، ولا سيما أيها الأحبة أن هذه الأحداث الأليمة حينما تنزل فهي تنزل في القلب، حيث عاصمة الجسد والروح معًا، فتُضعفه، وتُوهنه، وتُزلزله، وتُفرقه، وتُشتته، بل يُصبح فريسةً للأفكار والوساوس والأوهام، فتأتي هذه الآيات المُباركة لتُسكّن هذه القلوب وتُطمئنها، ولنعلم يقينًا أن الله بيده كل شيءٍ، ولا يخفى عليه شيءٌ، فتأملوا في هذه الآيات، ونسأل الله الذي لا إله غيره أن يُسكّن بها قلوبنا.
المحاور: اللهم آمين، تفضل، حفظك الله.
المتصل: الآية الأولى في سورة البقرة، يقول الله -جلَّ جلاله-: وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:248]، ويقول الله في آيتين في سورة التوبة، وثلاث آياتٍ في سورة الفتح، وكلها عن السكينة وعن آيات السكينة، يقول الله : ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ [التوبة:26].
وقال الله : إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40].
وقال في الآية الرابعة: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [الفتح:4].
وقال الله : لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح:18].
وآخر آيةٍ من هذه الآيات المُباركات: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الفتح:26].
نسأل الله أن يجعل لنا من هذه الآيات أوفر الحظِّ والنَّصيب.
المحاور: آمين، بارك الله فيك يا شيخ خالد، وفتح الله عليك، وما أجمل أن نسمع كلام الله ! بيَّض الله وجهك، وشكر الله لك.
المتصل: شكر الله لك، ونسأل الله الذي لا إله غيره أن يُفرحنا بما نُحب وزيادة.
المحاور: آمين.
كان معنا الشيخ خالد الرياعي -بارك الله فيه- حول آيات السكينة.
ولعلنا نختم بك شيخ عبدالله.
الضيف: تنزل السكينة مع آيات السكينة.
المحاور: بلا شكٍّ.
الضيف: لاحظ الآيات: ستُّ آياتٍ ذكرها وقرأها الشيخ خالد، خمسٌ منها ذكر الله: فأنزل، ثم أنزل، ليُنزل، هي من الله، من باب المواهب، الله يهبها لمَن امتثلوا أمره، ولمَن صبروا.
المحاور: هي بيد الله.
الضيف: هي بيد الله يُعطيها مَن؟
المحاور: يشاء.
الضيف: مَن يُقيم شرعه في نفسه، فيهبها الله له.
المحاور: الله يجعلنا وإياكم منهم.
الضيف: اللهم آمين، والمُستمعين الكرام كذلك.
المحاور: آمين.
الضيف: نحن ذكرنا.
المحاور: بقيت معنا دقيقةٌ.
الضيف: لا بأس، الرجوع إلى المُعالجات الشرعية: الصلاة، فالصلاة مُريحةٌ: أرحنا بها يا بلال[19]أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6215)، وأخرجه أبو داود (4985) بلفظ: يا بلال، أقم الصلاة، أرحنا بها، وصححه … Continue reading، وكان إذا كربه أمرٌ -في لفظٍ- فَزِعَ إلى الصلاة[20]أخرجه بهذا اللفظ الطبري في "تفسيره" (1/ 12) (849) من حديث حذيفة ، وأخرجه أبو داود (1319) بلفظ: "كان النبي إذا حزبه … Continue reading، حتى إذا مات الميت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قال الله : اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ [البقرة:153]، فالصلاة تُسكِّن الإنسان.
ولما ذكر الله قال: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ [الحجر:97، 98].
ورسول الله دخل بيته يتزَمّل، فقال: دَثِّرُوني [21]أخرجه البخاري (4922)، ومسلم (161).، زَمِّلُوني[22]أخرجه البخاري (3)، ومسلم (160).، قال الله: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل:1، 2]، إذن الصلاة تُسكّن.
إقامة الصلاة هي فرصةٌ للبيوت الآن، فإذا اجتمعتم فليُتابع الوالد الكريم والوالدة أبناءهم والبنات، ويُتابعون أنفسهم في إقامة الصلاة بخشوعٍ، وتعظيم قدر الصلاة، والتَّبكير لها، والتَّجمل لها، وتطييب المكان، والاعتناء بالسنن الرواتب، والتَّواصي بقيام الليل والوتر، ومُتابعة الأبناء في هذا، وستنشرح الصدور مع قراءة القرآن أيضًا.
المحاور: جزاك الله خيرًا، هل بقي شيءٌ يا شيخ؟
الضيف: نعم في حديث النبي .
المحاور: نختم به، الله يحفظك.
الضيف: الرجل الذي ذكره أنسٌ: أن من الصحابة مَن كان يقرأ في سورة الكهف، فجَالَت الفرس في بيته، فذكر ذلك للنبي ، فقال: اقرأْ فلانُ، فإنها السكينة نزلتْ للقرآن، أو تنزَّلتْ للقرآن[23]أخرجه البخاري (3614)، ومسلم (795).، فالقرآن إذا تُلي في البيوت وقُرئ، وصار للإنسان وردٌ، ورُفعت الأصوات به وجُمِّلت؛ ستنزل السكينة.
المحاور: وهذه فرصةٌ ثمينةٌ الآن، ونحن في البيوت والله.
الضيف: أنا أختم بأن هذا العصر الذي كثُرت فيه الآلام والأحزان نحن في حاجةٍ إلى إيمانٍ سريع المفعول، والذي يبثّ الطمأنينة، وهو -بإذن الله تعالى- ليس ظنّي التأثير، إنما هو قطعي التأثير.
فالمؤمن يقلق ويفرح، ويسعد ويُخطئ، ويحزن، ولكن إيمانه يجعله يتوافق مع هذه الظروف عاجلًا بالتوبة والإنابة، والصبر، والرضا، وهكذا يعود الإنسان إلى الله : مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11]، فالسكينة هي الرضا.
المحاور: بارك الله فيك، شكرًا شيخ عبدالله، جزاك الله خيرًا، سعدنا حقيقةً بما تفضلتَ به علينا، وتفضّل به الإخوان.
أيها الإخوة الأكارم، أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وبما تحدث به الإخوان الفضلاء: الضيف، والأساتذة المُداخلون، شكرًا لهم جميعًا، وشكرًا لكم.
أسأل الله أن يرفع عن الأمة هذه الغُمَّة، وأن يُعيننا وإياكم على أن نكون على خير حالٍ يرضاه الله ، وجزاكم الله خيرًا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | "طُبِعَتْ على كَدَرٍ وأنت تُريدها *** صَفْوًا من الأقذاء والأكدار" "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" لابن خلكان (3/ 380)، وهو من شعر الشاعر التهامي. |
---|---|
↑2 | أخرجه البخاري (3653). |
↑3 | "تفسير ابن كثير" ط. دار الكتب العلمية (8/ 161). |
↑4 | أخرجه مسلمٌ (8). |
↑5 | "مجموع الفتاوى" (1/ 39). |
↑6 | "صحيح الأدب المُفرد" للشيخ الألباني (ص340) (915/ 707) وقال: حسنٌ لغيره. |
↑7 | أخرجه البخاري (5730). |
↑8 | أخرجه أبو داود (5081)، وجوّد إسناده موقوفًا العلّامة ابن باز في مجموع الفتاوى (26/65). |
↑9 | أخرجه البخاري (7505). |
↑10 | عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله سُئل: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: أَدْوَمُه وإنْ قَلَّ. أخرجه مسلمٌ (782). |
↑11 | أخرجه أحمد في "مسنده" ط. الرسالة (446)، وقال مُحققوه: "إسناده حسنٌ". |
↑12 | عن أم سلمة: أنَّ النبي كان إذا خرج من بيته قال: بسم الله، توكلتُ على الله، اللهم إنا نعوذ بك من أنْ نَزِلَّ، أو نَضِلَّ، أو نَظْلِمَ، أو نُظْلَمَ، أو نَجْهَلَ، أو يُجْهَلَ علينا، أخرجه الترمذي (3427) وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وصححه الألباني. |
↑13 | قال عمر بن الخطاب : "فأتيتُ أبا بكرٍ فقلتُ: يا أبا بكر، أليس هذا نبي الله حقًّا؟ قال: بلى. قلتُ: ألسنا على الحقِّ وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلتُ: فلِمَ نُعطي الدَّنية في ديننا إذن؟! قال: أيها الرجل، إنه لرسول الله ، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغَرْزِه، فوالله إنه على الحق". أخرجه البخاري (2731). |
↑14 | أخرجه الترمذي في "سننه" ت: شاكر (3233)، وصححه الألباني. |
↑15 | عن أبي هريرة : أن النبي قال: إذا حُضِرَ المؤمن أتته ملائكةُ الرحمة بحريرةٍ بيضاء، فيقولون: اخرُجي راضيةً مرضيًّا عنكِ إلى روح الله ورَيحانٍ، وربٍّ غير غضبان. فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى إنه ليُناوله بعضهم بعضًا حتى يأتون به بابَ السماء فيقولون: ما أطيبَ هذه الريح التي جاءتكم من الأرض! فيأتون به أرواح المؤمنين، فلَهُم أشدُّ فرحًا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه، فيسألونه: ماذا فعل فلانٌ؟ ماذا فعل فلانٌ؟ فيقولون: دَعوهُ؛ فإنه كان في غمِّ الدنيا، أخرجه النسائي في "السنن الصغرى" (1833)، وصححه الألباني. |
↑16 | أخرجه البخاري (3474). |
↑17 | قال رسول الله : ما يُصيب المسلم من نَصَبٍ، ولا وَصَبٍ، ولا هَمٍّ، ولا حُزْنٍ، ولا أذًى، ولا غَمٍّ، حتى الشَّوكة يُشَاكُها إلا كفَّر الله بها من خطاياه. أخرجه البخاري (5641). |
↑18 | قال رسول الله : إن العبد إذا سبقتْ له من الله منزلةٌ لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده، أو في ماله، أو في ولده، ثم صبَّره على ذلك حتى يُبلغه المنزلة التي سبقتْ له من الله تعالى. أخرجه أبو داود (3090)، وصححه الألباني. |
↑19 | أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6215)، وأخرجه أبو داود (4985) بلفظ: يا بلال، أقم الصلاة، أرحنا بها، وصححه الألباني |
↑20 | أخرجه بهذا اللفظ الطبري في "تفسيره" (1/ 12) (849) من حديث حذيفة ، وأخرجه أبو داود (1319) بلفظ: "كان النبي إذا حزبه أمرٌ صلَّى"، وحسنه الألباني. |
↑21 | أخرجه البخاري (4922)، ومسلم (161). |
↑22 | أخرجه البخاري (3)، ومسلم (160). |
↑23 | أخرجه البخاري (3614)، ومسلم (795). |