المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ، حياكم الله أيها الإخوة والأخوات مع حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم الأسبوعي "أُسس التربية" من قناتكم قناة "زاد العلمية".
عنوان حلقتنا اليوم "تربية الفتاة"، وهو الجزء الثالث والأخير.
وكنا قد تحدثنا في الحلقة الثانية حول الجانب الاجتماعي والأخلاقي، وحلقنا معكم -حفظكم الله- عن دور الأب في تربية الفتاة، وعلاقة الفتاة بإخوانها الذكور، وكذلك حول صراع الأجيال، والفروق الفردية، وتعزيز الرقابة الذاتية، ومهارات الحوار البَنَّاء، وإدارة الحوار بفعاليةٍ.
موضوع حلقة اليوم
أيها الإخوة، حلقة هذا اليوم عن تربية الفتاة من الناحية الثقافية والعلمية، وسنُحلق معكم حول الجانب المعرفي والثقافي والعلمي الذي يلزمنا أن نأخذه بعين الاعتبار حينما نقوم بتربية الفتاة.
وهناك مُداخلاتٌ عديدةٌ، وأولها مُداخلةٌ للدكتور: عبدالعزيز المُقبل -خبير ومُستشار أُسري- حول أهمية القراءة والثقافة المعرفية الواعية للفتاة، وكيف نُعزز ذلك عند الفتيات؟
تفضل دكتور عبدالعزيز.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: حيَّاكم الله دكتور خالد، مُوفَّقين ومُسددين، ومثل هذه الموضوعات موضوعاتٌ يحتاج لها الناس كثيرًا جدًّا، ومفيدةٌ ونافعةٌ، ثم تتأكد فائدتها في هذا الوقت، فأسأل الله أن يُعينكم ويأجركم.
المحاور: اللهم آمين.
المتصل: وبالنسبة لسؤالك حول أهمية القراءة وما يتَّصل بها، فأنا أستطيع القول مبدئيًّا: إن الإنسان لا يستطيع أن يعبد الله العبادة الصحيحة إلا بعلمٍ صحيحٍ، ولا يمكن أن يستقيم له دينه إلا بالعلم والمعرفة.
المحاور: صحيحٌ.
المتصل: وإذا تجاوزنا هذا الأمر المهم، فإن القراءة لها فوائد يصعب حصرها: فهي تُساعد على التربية الذاتية للابن أو البنت، أو الطفل أو الطفلة، ثم هي تمنح الخبرة الغيرية مُتجاوزةً بها الخبرة الذاتية المحدودة، ثم إنها تُوسع المعجم اللغوي للشاب أو الطفل مما يجعل هذا الطفل أو الشاب قادرًا على التعبير عن مشاعره براحةٍ تامَّةٍ، وهذا يُؤدي به إلى النُّضج النفسي والراحة النفسية، ومن ثَمَّ جمال العلاقة مع الأهل.
المحاور: جميلٌ، يا سلام!
المتصل: ولها أثرٌ في تنمية الجانب العقلي، وهو مهمٌّ، واتِّخاذ القرار، وجملةٌ كبيرةٌ من المهارات الحياتية.
المحاور: بلا شكٍّ.
المتصل: ولا أريد أن أُطيل في هذا، ففوائد القراءة لا يمكن حصرها في وقتٍ وجيزٍ كما ذكرت، لكن لو انتقلنا إلى الفرع الآخر المهم في هذا الموضوع.
المحاور: وهو التَّعزيز.
المتصل: وهو: كيف نزرع عادة القراءة؟
أنا أظن أن أول نقطةٍ مهمةٍ جدًّا في موضوع زرع عادة القراءة عند الأبناء هي القدوة، فكون الأب والأم يقرآن ويراهما الأبناء وهما يُطالعان ويُخصصان أوقاتًا للقراءة، ويتحدثان عن قراءتهما، ويُشيران إلى أنهما طالعا فائدةً هنا أو هناك، أو قرآ موقفًا هنا أو هناك، وعندهما كتبٌ وركنٌ مُخصصٌ في البيت يُطلقان عليه: مكتبةً، فهذا أنا أظن أنه أساس موضوع زرع عادة القراءة.
ومن الأشياء التي يُخطئ فيها بعض الناس الذين يحرصون على أن يزرعوا عادة القراءة عند أبنائهم: قضية الاختيار، يعني: بعض الناس يختار الكتاب المُفيد من وجهة نظره هو، وهو حريصٌ على أن يكون لدى أولاده معلوماتٌ، سواء دينية أو علمية غزيرة وقوية، لكن قد يكون هذا الاجتهاد يُغلق باب القراءة على الأبناء، لكن في البدايات مهمٌّ جدًّا أن نختار كتبًا مناسبةً لمستوى وعمر أبنائنا.
ثم من المهم أيضًا أن يكون هناك قدرٌ من الإقناع بفائدة القراءة، وليست المسألة مسألة ضغطٍ أو إكراهٍ ولو بطريقةٍ غير مباشرةٍ، لا، نحن نستطيع -وأعتقد أن ذلك ليس صعبًا، خاصةً مع وجود القدوات- أن نتكلم من خلال ما نراه ونستحضره من فوائد القراءة، وما ترجع به على القارئ.
ثم تأتي قضية التَّحفيز، فعندما يُخبرنا أبناؤنا ببعض المعلومات، أو نجعل لنا جلسةً كل واحدٍ يُعطينا شيئًا مما قرأ، أو مما استطاع أن يُحصله، حتى لو كانت كلمات لغوية، أو تعبيرات جميلة، أو أحداث، أو أي شيءٍ، فهذا له أثره، والتَّحفيز اللفظي من قِبَل الوالدين، وربما تجاوز ذلك إلى إقامة (مارثون) قرائي.
المحاور: جميلٌ.
المتصل: يعني: مَن يقرأ أكثر وعلى حسب المستوى العمري كما ذكرتُ.
أما إذا أردنا أن نختم بقضية: ماذا نقرأ؟ فأنا غالبًا لا أتحدث عن كتبٍ بعينها؛ لأنه قد توجد كتبٌ في موضوع هذه الكتب أفضل مما ذكرتُه ومما استحضرته وقتها، أو مما لم أطلع عليه أصلًا.
ثم إنه في بعض الأحيان قد لا تتوافر الكتب التي أذكرها، فالمهم أن تكون عندنا رغبةٌ حقيقيةٌ في القراءة، وحينها يسهل العثور على الكتب.
لكن هنا أؤكد على قضيةٍ أراها مهمةً جدًّا وهي: زرع الحس النَّقدي لما يقرؤه الأبناء بمختلف الطرق، فنحاول أن نزرع هذا الأمر حتى نتأكد من تواجده عندهم؛ لأننا لا نحتاج إلى أن نقف معهم عند كل كتابٍ نُعطيهم إياه؛ لأن الكتب كثيرةٌ، وقد تكون فيها فائدةٌ كبيرةٌ، لكن فيها مُلاحظاتٌ صغيرةٌ، فإذا أَسْرَجْنا الحسّ النَّقدي عند أبنائنا تأكدنا أنهم سيتجاوزون مثل هذه الأشياء.
ثم إن أبناءنا عندما يعتادون القراءة لن يقفوا لينتظروا منا أن ننصحهم ببعض الكتب، بل قد يستعيرون من المكتبة، أو يستعيرون من أصدقائهم، أو يشترون هم بأنفسهم، فإذا كنا قد زرعنا عندهم الحس النَّقدي أصبحنا في نوعٍ من الراحة النفسية؛ لأننا بدل أن نكون نحن مَن يُفلتر لأبنائنا أصبح أبناؤنا يمتلكون أدوات فلترة ذاتية.
في النهاية أشكرك أخي الكريم، وأسأل الله لكم السعادة والتوفيق، وأن ينفع بما تطرحون.
المحاور: آمين، آمين، شكرًا دكتور عبدالعزيز المقبل، الخبير والمستشار الأُسري على هذه الإضافة الرائعة، وقد تحدث عن أهمية القراءة، ووسائل زرع محبة القراءة، وتحدث عن القدوة والاختيار والإقناع والتحفيز، ثم ختم بقضية ماذا نقرأ؟ وأسند الأمر إلى أهمية التربية على الحس النَّقدي، فشكر الله له على هذه الإطلالة الجيدة.
البناء العلمي والفكري للفتاة: الأهمية والوسائل
معنا مُداخلةٌ جديدةٌ مع الدكتورة: وفاء بنت أحمد الشبانة، دكتوراه في الثقافة الإسلامية، والمُهتمة بقضايا المرأة خاصة، والفكر الإسلامي عامةً.
وستتحدث الدكتورة وفاء عن البناء العلمي والفكري للفتاة: الأهمية والوسائل.
مرحبًا بكم دكتورة وفاء.
المتصلة: حيَّاكم الله، وجزاكم الله خيرًا، وأشكركم على هذا البرنامج، وخاصةً على هذا المحور المهم في تربية الفتاة.
المحاور: جزاكم الله خيرًا.
المتصلة: لأن هذا المحور -وهو البناء الفكري والعلمي للفتاة- مهمٌّ جدًّا، وتظهر أهميته في ظل الهجمات الفكرية والعقدية التي تُواجهها الفتاة في هذا العصر.
المحاور: صحيحٌ.
المتصلة: من خلال (الدراما) وما تحوي من أفكارٍ ومسلسلاتٍ، وكذلك شبكة المعلومات التي تبثّ على مدار لا أقول: اليوم، وإنما أقول: على مدار الساعة، وتحمل أفكارًا من ضمنها شُبهاتٌ وشهواتٌ، فإذا لم نُحصن الفتاة تحصينًا علميًّا عقديًّا لن تستطيع الثَّبات.
وأول شيءٍ: عدم انجرافها في هذه الدعوات التي نشاهدها في الواقع في بعض فتياتنا، ولا نقول: ظاهرة، وإنما حالات -بإذن الله-؛ وذلك لضعف الفتاة الفكري والعلمي، تجدها تتبع ما يُبَثّ في قنوات التواصل الاجتماعي من أفكارٍ وشبهاتٍ فيها تشكيكٌ في التوحيد، مما يُؤدي إلى أن تدخل في شبهاتٍ إلحاديةٍ، وإن كنا لا نجزم أنها وقعت في الإلحاد، إن شاء الله.
المحاور: إذن دكتورة وفاء الأهمية تبرز في ظل هذه القرية الواحدة، ووسائل التواصل الاجتماعي التي تَضُخُّ أفكارًا وأمورًا تُخالف المنهج الإسلامي، وتظهر هنا أهمية البناء العلمي والشرعي والفكري والإسلامي للفتاة، أليس كذلك؟
المتصلة: بلى، صحيحٌ.
وكذلك أيضًا معرفتها بالبناء، وطريقة ردّها على الأفكار بعد البناء العلمي بالحُجة الشرعية والمنطق الفكري، فإذا استشعرنا أهمية بناء الفتاة بناءً فكريًّا عقديًّا فإننا قادرون على أن نبني مُجتمعًا أساسه الفتاة، وليس فقط على أن نبني فردًا واحدًا.
والرسول قال: والمرأة راعيةٌ على بيت بَعْلِها وولده، وهي مسؤولةٌ عنهم[1]أخرجه البخاري (2554)، ومسلم (1829).، فالمسؤولية في هذا العصر -عصر الأفكار- أن تكون الفتاة منذ شبابها واعيةً علميًّا وفكريًّا.
وأيضًا من أهمية البناء العلمي: أنه أصبح الآن تُضخُّ وتنتشر لدينا مصطلحاتٌ ظاهرها رحمةٌ، ولكن باطنها عذابٌ.
المحاور: مثل؟
المتصلة: مثل: الحرية، واستغلال المرأة، وتمكينها في جميع الأعمال التي لا تصلح، والمُساواة التي تُخالف العدل وتُخالف الفكر الإسلامي، فإذا استطاعت الأسرة والمدرسة بناء الفتاة علميًّا وفكريًّا فهذا الذي تكمن فيه الأهمية.
ولكن ما هي الوسائل؟
الوسائل كثيرةٌ، ولكن اختصرتها تقريبًا في أربعٍ.
المحاور: ممتاز.
المتصلة: تظهر من خلال ما أجده الآن في المدارس والجامعات أهمية الحوار في الأسرة والمدرسة، وكيف تتشكل هذه الأهمية؟
كثيراتٌ من فتياتنا الآن لديها أسئلةٌ عن الشهوات والشبهات، وأكثرها عن الشبهات، ولا تجد صاحب الرأي الذي يُجيب عن هذه الأسئلة، فأين تتجه؟ إلى قنوات التواصل الاجتماعي التي ليس لديها تأصيلٌ شرعيٌّ وفكريٌّ؛ فتغرق في هذه الشبهات.
المحاور: وتجد بيئة الحوار من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
المتصلة: نعم، صحيحٌ.
بينما في البيئة الصحيحة والسليمة وأصحاب الرأي المُؤصلين شرعيًّا وتربويًّا تجدهم إما أن يُعرضوا عنها ويقولوا لها: إن هذه الأسئلة لا ينبغي أن تسألينها، أو لقد تجاوزتِ الناحية الشرعية في السؤال. مع أنها تتعلم في بدايتها، ولا تثبت هذه الشهوات والشبهات، لكنها تريد أن تعرف، ولكن تجد مُعلمتها في المدرسة، أو أمها في البيت تصدّها عن هذه الأسئلة؛ خوفًا عليها من أن تتمادى، ولكن لدينا قنواتٌ كثيرةٌ يمكن أن تنجرف إليها.
المحاور: عفوًا، أنتم تتحدثون عن قضية الحوار، وأتذكر موقف النبي مع الشاب الذي جاء يستأذنه في الزنا، وكيف صبر النبي عليه وحاوره.
وموقف النبي مع عتبة بن ربيعة، وقد جاء أيضًا يُحاوره، مع أنه كافرٌ، ليس بمسلمٍ، ويُفاوضه على النبوة، والنبي يستمع إليه ويقول: أفرغتَ يا أبا الوليد؟[2]"البداية والنهاية" ط. هجر (4/ 159)..
فهذه القضية مهمةٌ جدًّا، ونحن مُقصرون مع أبنائنا وفتياتنا فيها، ولا شكَّ أن هذا المَعْلَم من المعالم المهمة التي تُظهر ما في نفوس بناتنا.
المتصلة: صحيحٌ يا دكتور، وأجد هذا في المدارس والجامعات، وهي مشكلةٌ، فالفتاة تقول: مشكلتي أنني لا أجد مَن يُجاوبني على أسئلتي، أنا لا أؤمن بهذه الأسئلة، ولا أؤمن بهذه الشبهات، ولكن أريد إجابةً على هذه الأسئلة.
المحاور: النقطة الثانية؟
المتصلة: النقطة الثانية: التحاق الفتاة بدور القرآن عن تجربةٍ وقربٍ، فكثيراتٌ ممن أُدخلن في دور القرآن والمراكز النسائية التي تهتم بحفظ القرآن وتفسيره تكون مُؤصلةً شرعيًّا وفكريًّا، ومهما أتاها من شبهاتٍ وشهواتٍ أجد لديها تحصينًا كاملًا بسبب حفظها للقرآن والتفسير.
وأيضًا أهمية الوسيلة التي تطرق لها الدكتور عبدالعزيز، وهي المنهجية في القراءة، فأنا أجد في مجتمعنا كثيرًا من فتياتنا -وهذه ظاهرةٌ جميلةٌ وحسنةٌ- أصبحن يقرأن.
المحاور: صحيحٌ.
المتصلة: ولكن الظاهرة السلبية -للأسف- أنه ليست هناك منهجيةٌ.
المحاور: ماذا يقرأن؟
المتصلة: نعم، ماذا يقرأن؟ ليست هناك منهجيةٌ في قراءتهن، فتجد الفتاة تتخبط بين رواياتٍ وكتبٍ فكريةٍ، فلا بد من منهجيةٍ، وأن تبدأ بالقراءة العقدية، ثم الشرعية، ثم الفكرية.
أخيرًا: لا بد أن تعرف الفتاة -سواء من ناحية الأسرة أو المدرسة- أن الضرر السلبي في مُتابعتها لقنوات التواصل الاجتماعي لا يقع فقط في حاضرها، بل وفي مُستقبلها أيضًا.
وأخيرًا: أشكركم، وجزاكم الله خيرًا على هذا البرنامج.
المحاور: شكرًا دكتورة وفاء شبانة، الباحثة والمُهتمة بقضايا المرأة والفكر الإسلامي، وقد تحدثت مشكورةً عن الأهمية والوسائل المتعلقة بالبناء العلمي والفكري للفتاة، وناقشت ما يرتبط بوسائل التواصل الاجتماعي، وإبراز أهمية البناء العلمي بسبب هذا المجال المفتوح الذي تُبَثُّ من خلاله الشبهات.
ثم أيضًا تحدثت حول المصطلحات وأهمية تحديدها في ظلِّ إغراء هذه المصطلحات بجمال عباراتها، بينما في حقيقة مضمونها تحمل أمورًا تُخالف العقيدة والشريعة، وما شابه ذلك.
ثم تحدثت عن مجموعةٍ من الوسائل، وأكَّدت مشكورةً على الحوار، وكذلك المُشاركة في دور القرآن، وحول المنهجية في القراءة، وغير ذلك من الأمور، فشكرًا للدكتورة وفاء.
الثقافة النفسية للفتاة وسبل تطوير الذات
الثقافة النفسية قضيةٌ مهمةٌ جدًّا في البناء العلمي والفكري للفتاة ولمَن يتعامل مع الفتاة، وللفتاة نفسها حتى تُدرك حقيقة هذا الجانب المُتعلق بالقضية النفسية، فلا بد من هذه الثقافة، وسُبل تطوير الذات.
معنا حول هذا الموضوع مُداخلةٌ مع الأستاذة: أريج الطباع، المستشارة النفسية والتربوية.
فمرحبًا أستاذة أريج.
المتصلة: أهلًا وسهلًا، حيَّاكم الله.
المحاور: الله يُحييكم، تفضلوا، حفظكم الله.
المتصلة: طبعًا أنا سأبدأ من حيث انتهت الأخت وفاء -الله يجزيها الخير-، وقد ركَّزت على مصادر الوعي التي يحتاجها الناس، وكيفية انتشارها الآن.
ونلاحظ في الفترة الأخيرة انتشار فكرة تطوير الذات بدرجةٍ كبيرةٍ جدًّا، وهذه الكتب مُنوعةٌ بين كتبٍ تتناول المُراهقين أنفسهم، وكتبٍ مُوجهة للأهالي.
فموضوع تنمية النفس أو تطوير الذات موضوعٌ مهمٌّ ولا شكَّ، ولكن الدخول له يحتاج إلى حذرٍ كبيرٍ.
ورد في القرآن الكريم كثيرٌ من الآيات التي تدعو إلى التفكر في أنفسنا، وكذلك اهتمَّ العلماء المسلمون بذلك، لكني أردتُ التنويه لنقطةٍ مهمةٍ قبل بداية هذا الموضوع وهي: أن هذا المدخل هو مدخلٌ شائكٌ نوعًا ما.
المحاور: مدخل ماذا أستاذة؟
المتصلة: مدخل تطوير الذات والوعي بالنفس، سواء كان بناحية التربية أم للفتيات أنفسهن؛ ولذلك يجب على المُربي أن يكون حريصًا عليه من بداية التنشئة، فيحتاج الأهالي إلى أن يكون لديهم وعيٌ بالنفس البشرية، وطبيعة تعاملهم معها، وأن يكون ذلك من مصادر صحيحةٍ، وقد اختلطت المصادر في ذلك، فيوجد الآن الكثير من المصادر التي تصلنا، وأغلبها مستوردٌ، للأسف!
المحاور: صحيحٌ.
المتصلة: يعني: بدايةً أُنبه على الحرص على المصدر الصحيح، وكيف نعرف أن هذا المصدر صحيحٌ؟
أن يكون من ثقافتنا نحن، ونجد أن معظم الدراسات النفسية هي دراساتٌ مُترجمةٌ، فإن كان لا بد من الأخذ من الدراسات الغربية فلنأخذ ما يُوافقنا منها، كما نرى ذلك في مراحل النمو عند الأطفال، وأظن أنكم تناولتم هذا الجانب من قبل.
المحاور: صحيحٌ.
المتصلة: فيجب أن ننتبه إلى أن الدراسات الغربية مُقصرةٌ في ناحية النمو الروحي والإيماني، وتوجد الآن -والحمد لله- كتبٌ كثيرةٌ غطَّت هذا الجانب، ولكن لا زال لدينا ضعفٌ في هذه الناحية.
المحاور: هناك -مثلًا- كتاب الدكتور النغيمشي "المُراهقون" تحدث عن هذه المرحلة وخصائصها، وأشار إلى ما ذكرتم، وكذلك الأستاذ الدكتور عمر المفدى في "علم نفس المراحل العمرية" أكَّد على هذه القضية من ناحية النظرة الإسلامية، وهم أساتذةٌ في علم نفس النمو، مشكورين، مأجورين.
المتصلة: تمام، جزاكم الله خيرًا.
المحاور: وإياكم.
المتصلة: تمام، هذا جيدٌ، فنحتاج إلى معرفة المصادر، وتنبيهكم للمصادر أمرٌ مهمٌّ جدًّا.
ومعرفة الأهالي لمراحل النمو مهمةٌ، سواء كانت لتربية الفتاة أو الفتى، لكن الفتاة تحتاج إلى تركيزٍ على بعض النواحي، فتحتاج أن تعرف الفتاة مَن هي؟ فتعتزّ بهويتها، وتعرف ما يُميزها كأنثى، وما نقاط القوة التي نحتاج الارتكاز عليها، خاصةً في عصرٍ ركَّز كثيرًا على المُساواة، وركَّز على بعض المفاهيم التي تُسيء لتنمية الأنثى حسب الشرع.
فحينما نُربي الفتاة منذ طفولتها على الاعتزاز بهويتها، وتُربى على فهم ذاتها، وعلى وعيها بنفسها، وبالتالي على وعيها بأنها مُلتزمةٌ بشرع الله ، وأن لها دورًا لا أحدَ سواها يستطيع أن يقوم به، فكل ذلك سيُساعد الفتاة في أن تكون مُؤثرةً في المجتمع.
فأنصح الأهالي أن يهتموا بتوعية الفتيات في أنفسهن منذ عمرٍ مُبكرٍ بالتركيز على الإجابة على الأسئلة التي تشغل بال الصغار.
المحاور: كيف؟
المتصلة: تسأل الفتاة الكثير من الأسئلة، كالسؤال عن الفروق بين الذكر والأنثى، ولماذا أنا خُلقتُ فتاةً؟ ولماذا يجب عليَّ أن أكون في البيت وأخي يخرج خارج البيت أكثر مني؟ وهل هذا صحيحٌ أم خاطئٌ؟ والكثير من النقاط التي تُثار حولهم.
المحاور: فالمطلوب من الوالدين ما هو؟
المتصلة: أن يكون لديهم الوعي الكافي: لماذا يقومون بهذه الأفعال؟ هل هم يقومون بذلك بناءً على ثقافةٍ جاهليةٍ فقط أن الفتاة يُخشى عليها، والفتى لا، أم أن لديهم مُرتكزاتٍ تربويةً على ما يقومون به؟
المحاور: صحيحٌ.
المتصلة: فوعي الأهل بالنفس البشرية ضروريٌّ جدًّا؛ لينتقل هذا الوعي للأولاد، فنظرة الأهل للفتاة وللفتى تنتقل بشكلٍ تلقائيٍّ إلى أولادهم.
المحاور: فإدراك حقيقة معنى قول الله : وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى [آل عمران:36]، فهناك فروقٌ، وهي لا تنقص من قدر جنسٍ مقابل جنسٍ آخر، وإنما لكل جنسٍ وظيفته، ولكل جنسٍ مهامه، ينبغي أن نَعِي هذه الأمور واختلافها.
المتصلة: صحيحٌ، والفتاة حينما تجد أن والدتها واثقةٌ من نفسها، وتثق أنها جزءٌ مُكملٌ في المجتمع، ولا تسعى للمُفاضلة أو إثبات أيّنا أفضل، فذلك ينتقل أيضًا للفتاة.
بدايةً نحتاج أولًا التركيز على الاعتزاز بالهوية، وعلى صفات الفتاة، وأن يكون هناك حوارٌ مباشرٌ بين الأم والفتاة، والأب بنظرته لابنته، وقراءتهم من السيرة وقصص الصحابيات، فكل ذلك يُعزز لدى الفتاة وعيها بذاتها أكثر.
وبعد ذلك من المهم جدًّا أن تتم إجابة الفتاة على أسئلتها، والوعي بمشاعرها، ولا يتم تجاهل المشاعر؛ لأن المشاعر أمرٌ طبيعيٌّ يمر به جميع البشر.
المحاور: وهناك كتابٌ جيدٌ حول مُراعاة مشاعر المرأة، وفيه رصدٌ رائعٌ جدًّا حول هذا الموضوع من خلال التراث الإسلامي، فيُمكن الرجوع إليه، فهو كتابٌ رائعٌ ونفيسٌ.
المتصلة: رائعٌ، ما اسم الكتاب؟
المحاور: "مراعاة مشاعر المرأة"، وهو عبارةٌ عن جمعٍ للأحاديث الواردة عن النبي فيما يتعلق بمراعاة المشاعر الخاصة بالمرأة، والكتاب لإحدى الباحثات، ومطبوعٌ.
لعلنا نختم أستاذة أريج.
المتصلة: نعم، لكن فقط للتَّنبيه: المرحلة الأساسية في بناء شخصية الفتاة تكون هي المرحلة التي تسبق مرحلة البلوغ.
ومن الأخطاء الشائعة: أننا نعتبر فتاة المُراهقة أنها ما بعد البلوغ، لكن الصواب أنها تكون ابتداءً من تسع سنواتٍ تقريبًا، والتي هي المرحلة التي تسبق البلوغ، وتكون مشاعر الفتاة بها حساسةً جدًّا، وتتأثر كثيرًا.
ويُميز هذه المرحلة أيضًا: أنها مرحلة بناء القيم والتدين؛ ولذلك الاهتمام بتوجيه الفتاة لتطوير ذاتها بطريقةٍ صحيحةٍ من هذه المرحلة أمرٌ ضروريٌّ جدًّا.
ومن ناحية الثقافة النفسية لا بد أن نهتمَّ بثلاثة جوانب.
المحاور: سريعًا.
المتصلة: وعي الفتاة بذاتها، واعتزازها بهويتها، ووعيها بطرق التعامل مع الآخرين، وهو أمرٌ مهمٌّ جدًّا، وأقصد به طرق التواصل.
والأمر الثالث هو ما افتتحتُ به وهو: التَّنبيه على المصادر الصحيحة التي يجب على الفتاة أن تلجأ لها لتُطور نفسها، وخاصةً في مرحلة البلوغ.
المحاور: شكرًا أستاذة أريج على هذه المُداخلة الطيبة حول الثقافة النفسية وأهميتها.
أيها الإخوة والأخوات، فاصلٌ ونواصل -بإذن الله-، فكونوا معنا.
الفاصل:
الأسرة الفائزة
شجرةٌ وارفة الظلال، طيبة الثِّمار، مُبهجةٌ للعيون والقلوب، إنها شجرة الأسرة؛ ولكي تبقى هذه الشجرة يانعةً مُثمرةً فلا بد أن نُحافظ على جميع أفرادها من الوالدين والأولاد والإخوة والأرحام؛ وذلك بأن تستقيم الأسرة كبارًا وصِغارًا على منهج الله؛ لتسعد في الدنيا والآخرة، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً[النحل:97]، قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما في تفسير الحياة الطيبة: "السعادة"[3]"تفسير الطبري = جامع البيان" ت: شاكر (17/ 291)..
وعلى كل فردٍ في الأسرة أن يُؤدي حقوق الآخرين عليه وافيةً غير منقوصةٍ، قال سلمان لأبي الدَّرداء رضي الله عنهما: "إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حقٍّ حقَّه"، فقال النبي : صدق سلمان[4]أخرجه البخاري (1968)..
وعلى الوالدين المسؤولية الكبرى في لَمِّ شَمْل الأسرة والمُحافظة عليها، قال النبي : ألا كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤولٌ عنهم، والمرأة راعيةٌ على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولةٌ عنهم[5]أخرجه البخاري (2554)، ومسلم (1829)..
وعلى الآباء تربية الأبناء وتعليمهم العقيدة الصحيحة منذ الطفولة، قال النبي لابن عباسٍ رضي الله عنهما: يا غلام، إني أُعلمك كلماتٍ: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تُجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله[6]أخرجه الترمذي (2516)، وصححه الألباني..
ولا بد أن نوفر وقتًا لجلوس أفراد الأسرة معًا، وتبادل المُحاورات والمُلاطفات في ظِلالٍ من الحب والمودة والاحترام، وأن نستمع لشكاوى الأولاد ومشاكلهم بآذانٍ مُصغيةٍ، ونحاول أن نحلَّها قدر المُستطاع؛ حتى لا يبحث الأولاد خارج البيت عمَّن يشكون إليه من المُفسدين.
ولنحرص على أن تجتمع الأسرة في الدنيا على طاعة الله؛ لتجتمع في الآخرة في جنات النعيم، قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21].
الدكتور خالد: حيَّاكم الله أيها الإخوة والأخوات، وعودًا حميدًا مع "تربية الفتاة" في الحلقة الثالثة والأخيرة، وكانت معنا الأستاذة أريج حول الثقافة النفسية، وختمتها بأهمية النقاط التالية التي هي: وعي الفتاة بنفسها، ووعيها بهويتها، ووعيها في التعامل مع الآخرين، والتأكيد على المصادر الأصيلة، وحلَّقت في أمورٍ مهمةٍ كثيرةٍ، نسأل الله أن ينفع بها.
موقف الفتاة المسلمة من التحديات الفكرية المعاصرة
أيها الإخوة الأكارم الفُضلاء، في ظلِّ ما تحدثنا عنه قبل قليلٍ وهو: ما يرتبط بالانفتاح ووسائل التواصل الاجتماعي والعولمة، ومواقع التواصل المختلفة المُتعددة، لا شكَّ أن هناك فرصًا ومخاطر، ولا بد للفتاة المسلمة أن يكون لها موقفٌ.
وحول هذا الموضوع معنا مُداخلةٌ مع الأستاذة: نسيبة فطاني، (بكالوريوس) شريعة، ومُعدة لبرامج وأنشطةٍ للفتيات في عدة مراكز نسائيةٍ بمكة، والمُهتمة بالعمل التطوعي النسائي.
مرحبًا أستاذة نسيبة.
المتصلة: الله يُحييكم، وشكرًا لكم على إتاحة هذه الفرصة، وأسأل الله أن ينفع بما سيُقال في هذه الدقائق.
المحاور: آمين.
المتصلة: طبعًا لا شكَّ أننا في ظلِّ التقنية ومواقع التواصل والعولمة نطلع على أدقِّ التفاصيل في حياة الشعوب الأخرى، ونحن في بيوتنا تصلنا جميع الأفكار وما يتعلق باهتمامات الشعوب والبلدان الأخرى، وفي ظلِّ هذه الأمور كلها نحن أمام مزيجٍ من العادات والثقافات والأفكار المختلفة، فيها القبيح والحسن، وفيها الغَثُّ والسَّمين، فكان لا بد للفتاة المسلمة أن يكون لها موقفٌ مُعتدلٌ أمام كل هذه الأفكار التي تُقابلها.
وبدايةً قد نتحدث عن الفرص التي تكمن في اطلاعنا على الثقافات والأفكار الأخرى من خلال وسائل التواصل التي مكَّنتنا من أمورٍ كثيرةٍ، من ضمنها: تعلم اللغات، فنرى كثيرًا من الفتيات قد اتَّجهن إلى تعلم اللغات من خلال مواقع التواصل، يعني: بغض النظر عن المحتوى الذي يتعلمن منه، لكن كانت مواقع التواصل فرصةً كبيرةً لتعلم اللغات، بالإضافة إلى نشر الدعوة بأبسط المواهب والقُدرات التي تمتلكها الفتاة، بالإضافة أيضًا إلى التعرف على الثقافات الأخرى، والاستفادة من التجارب، وما إلى ذلك.
ولعل الحديث سيكون بصورةٍ أكبر عن المخاطر بحكم أنها متنوعةٌ، وتقع في جوانب مختلفةٍ.
المحاور: مع أهمية -أستاذة نسيبة- التركيز على الفرص، وإبرازها للأجيال والفتيات عمومًا، ولمَن يتعامل مع الفتيات، فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، فقد يكون في بعض الأحيان عدم إدراكنا لهذه الفرص هو جزءٌ من إشكاليتنا في الدخول في المخاطر؛ فلذلك نحتاج أن نتنبه.
أنتم أشرتم إشاراتٍ سريعةً إلى أربع إشاراتٍ مهمةٍ في الفرص، ومهمٌّ جدًّا أن يُرجع إليها ويُؤكد عليها من خلال التربية الأسرية والتربية المجتمعية عمومًا مع الفتاة.
المتصلة: صحيحٌ، والنظرة المُتوازنة هي النظرة المطلوبة تجاه هذه الوسائل، فلا ننظر إليها نظرةً سوداويةً، ونقع فقط على المخاطر، ولا نرى الفرص بنظرةٍ مُعتدلةٍ ومُتوازنةٍ.
أما فيما يتعلق بالمخاطر: فلعل أبرزها القيم والمبادئ والأفكار المُخالفة للشريعة الإسلامية، فربما تتأثر الفتاة بهذه المبادئ والقيم المُخالفة، وتكمن الخطورة في أن وسائل التواصل الآن أصبحت بيد الجميع، ولو كان اعتمادنا على وسائل الإعلام القديمة فقط -مثل: قنوات التلفاز والإذاعة- لربما كان المحتوى الذي سيصلنا مُفلترًا بعض الشيء، أما الآن فمواقع التواصل في يد كل شخصٍ، والمحتوى لا يمكن بأي حالٍ تصفيته أو فلترته.
المحاور: وأيضًا هو صادرٌ من كل فردٍ، ومن كل أحدٍ، وليست القضية -مثلًا- من دولةٍ معينةٍ، أو جهةٍ معينةٍ، أو مؤسسةٍ تبثّ الإذاعة أو القناة، فالفرد الواحد أو المرأة الواحدة عبر (سناب شات) من غرفتها أو من بيتها يمكن أن تُؤثر في هذا الاتجاه للفتيات بشكلٍ كبيرٍ.
المتصلة: نعم، وأيضًا من الأمور المُؤثرة: أن بعض الأفكار الهدَّامة -للأسف- يتبناها بعض أبناء الإسلام، فسقط حاجزٌ أمام الفتاة، وهو: أن الشخص -مثلًا- الذي يُروج للفكرة غير مسلمٍ، فقد تتأثر كثيرًا إذا كان المُتحدث من بني الإسلام، لكن -للأسف- يتبنى بعض الأفكار والعقائد المُخالفة للشريعة الإسلامية.
ومن المخاطر كذلك: تشوه بعض المفاهيم، ولعل أبرزها حاليًّا المفاهيم حول الحرية، القوامة والولاية، وما يتعلق مُجملًا بقضايا المرأة، وكون هذه الأمور الآن تُطرح في الساحة، ويتحدث فيها كل أحدٍ، وكثيرٌ من البرامج ذات التوجهات السيئة لها مُشاركاتٌ في هذا الأمر، فهذا ينتج عنه تشوه هذه المفاهيم، وأن تتبنى الفتاة تصوراتٍ مختلفةً عن التصور الإسلامي حولها.
المحاور: صحيحٌ.
المتصلة: وكذلك أيضًا اختلاف المعايير الأخلاقية.
المحاور: اختلاف المعايير؟
المتصلة: الأخلاقية.
المحاور: كيف؟
المتصلة: فقد تتبنى الفتاة شخصياتٍ كقُدواتٍ، مع أن مستوى الأخلاق ليس بالمستوى الذي يجب أن يتوفر في القُدوة، نرى ذلك -مثلًا- في جعلها بعض المُمثلين أو المُغنين أو دُعاة الفسوق قدوةً لها.
المحاور: ما يُسمى اليوم بالمشاهير.
المتصلة: نعم.
المحاور: جميلٌ، لا شكَّ؛ ولأن القضية المهمة هنا -ولها ارتباطٌ بالثقافة النفسية- هي القُدوة، فالفتاة تحتاج إلى مَن تقتدي به، فإذا لم يوجد ستبحث عن القُدوة الأخرى، وستتأثر بتلك القدوات السيئة بلا شكٍّ؛ ولذلك فيما يتعلق بقضية الجانب المُرتبط بقضية النموذج والاقتداء والتعلم الاجتماعي هي حاجةٌ نفسيةٌ.
المتصلة: صحيحٌ؛ فلذلك كان لا بد للفتاة أن يكون لها موقفٌ واعٍ تجاه هذه الفرص، وهذه المخاطر.
ونحن نرفض أن تكون الفتاة مُنكفئةً على نفسها، ومُنغلقةً على ذاتها، فترفض كل جديدٍ، ونرفض بالتالي أن تنفتح على كل هذه الثقافات والأفكار، وتقبلها بدون ...
المحاور: لعلنا نختم أستاذة نسيبة -حفظكم الله- بالموقف المطلوب، فالوقت أَزِفَ.
المتصلة: الموقف المطلوب من الفتاة المسلمة هو: أن يكون انفتاحها انفتاحًا مُنضبطًا واعيًا عن طريق ماذا؟
تقبل النافع وما لا يُخالف العقيدة والشريعة، فالأمور الجديدة والوافدة لا بد أن تعرضها على الكتاب والسنة، فإذا لم يكن لديها العلم الكافي تسأل مَن حولها من والديها ومُعلماتها والمُربين، سواء كانوا الوالدين أو المؤسسات التربوية فلها دورٌ كبيرٌ.
وكذلك في البناء العلمي والمعرفي تجاه هذه القضايا المعاصرة والوافدة إلينا يكون موقفها موقفًا مُنضبطًا وواعيًا، فتقبل ما لا يضرّها وما لا يضرّ دينها.
المحاور: جزاكم الله خيرًا، شكرًا لكم أستاذة نسيبة على هذه المُداخلة الطيبة حول هذا الموضوع المهم المُتعلق بالفرص والمخاطر وموقف الفتاة المسلمة منها، وأهمية إدراك مَن يتعامل مع الفتاة وتربية الفتيات لهذه القضية الخطيرة.
تدريب الفتاة على حلِّ المشكلات
معنا أيضًا مُداخلةٌ حول ما يرتبط بتدريب الفتاة على حلِّ المشكلات، والفكر الواعي المُستقلّ، هذه القضية التي نحن بأمس الحاجة إليها أيضًا.
وقد أُشيرَ إليها فيما يتعلق بالحس النَّقدي من كلام الدكتور عبدالعزيز المقبل -وفَّقه الله- حينما تريد الفتاة أن تقرأ شيئًا، وما يتعلق بهذا الموضوع.
فهذه الأمور وما يتعلق بها هي منظومةٌ شموليةٌ لتربية الفتاة، وكون اللقاء اليوم حول الجانب الثقافي والمعرفي مُرتبطًا بقضية القُدرات العقلية، فنحن نحتاج إلى أن نقف مع هذه القضية، ومع الأستاذة: كوثر محمد الطيب، الباحثة التربوية والمُستشارة الأُسرية.
مرحبًا أستاذة كوثر.
المتصلة: السلام عليكم ورحمة الله.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضلوا حول موضوع أهمية تدريب الفتاة على حلِّ المشكلات والتفكير الواعي والمُستقلّ والنَّاقد ورفض التقليد، وما شابه ذلك إذا كان بالإمكان وفي دقائق معدودةٍ، بارك الله فيكم.
المتصلة: أحسنتم.
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد، أولًا: أشكر قناة "زاد" على هذه الجهود المُباركة، وأشكر لهم إتاحة هذه الفرصة للحديث عن الفتاة، وأُحيي كل فتاةٍ تُتابع هذا البرنامج وتسعى للرُّقي، وأقول:
حيِّ جيلًا بالمَكْرُمات تسامى | أَثْلَجَ الصدر صَحْوه إثلاجًا |
حيِّهم مؤمنين ومؤمنات | حيِّ فيهم للصالحات انتهاجًا |
حيِّ جيلًا صحا فقَرَّت عيونٌ | وانتشى الدين فرحةً وابتهاجًا[7]من الأبيات المُنتشرة على الشبكة العنكبوتية، ولم اهتدِ لقائلها. |
أقف في البداية مع قصةٍ من قصص القرآن لأتناول من خلالها محورًا من محاور صناعة الإنسان وبنائه مُمثلةً في شخصية الفتاة المسلمة في قصة موسى لما خرج من مصر خائفًا، فتوجه تلقاء مدين، فلما وصل إلى البئر الذي يسقي منه أهل مدين مواشيهم رأى الرعاة يتزاحمون على هذا الماء، ووجد هناك بعيدًا امرأتين تحبسان أغنامهما من الوصول إلى البئر، وتنتظران بعيدًا عن هذا الزحام، قال الله : وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ [القصص:23]، ماذا فعل موسى ؟
توجه موسى نحو المرأتين سائلًا عن حالهما، ولماذا يُطيلان الوقوف هكذا؟ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا [القصص:23] ليأتي الجواب من المرأتين مُبينًا أن هذا الأمر عادةٌ لهما في كونهما لا تُزاحمان الرعاة على الماء، بل تنتظران بعيدًا حتى ينتهي الرعاة من السقي؛ لئلا تختلطا بالرجال وتتدافعا معهم: قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ [القصص:23].
ثم استنبطتا ما الذي يتعجب منه موسى ؟ وهو: أنه لا يوجد معهما مَن يسقي لهما من الرجال، فأفصحتا عن السبب مُباشرةً وقالتا: وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ [القصص:23]، فهو لا يستطيع القيام بهذا العمل لهَرَمه.
فسقى موسى لهما، ورجعت الفتاتان لوالديهما، أما موسى فقال الله عنه: فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص:24]، قال تعالى: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ [القصص:25]، جاءت بتكليفٍ من أبيها تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ مشيةً فيها حياءٌ، وقالت بثقةٍ كلامًا مُختصرًا وواضحًا: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا [القصص:25].
وصل موسى إلى الرجل الصالح، وذكر له ما كان من أمره، وما جرى له، والسبب الذي أخرجه من بلده، فـقَالَ لَا تَخَفْ وطِبْ نفسًا نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص:25].
هنا ينتقل بنا القرآن إلى مشهدٍ يجمع بين الرجل الصالح وإحدى الفتاتين، ماذا قالت؟
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ [القصص:26]، فهي تُشير على أبيها باستئجاره؛ ليكفيهما مؤونة العمل والاحتكاك والتَّبذل.
ثم بيَّنت السبب فقالت: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص:26]، فهو قويٌّ على العمل، وأمينٌ على المال والعِرْض، فهي تتكلم مع والدها بثقةٍ في بيان السبب.
وفي القصة نُلاحظ أن الفتاتين كانتا عندهما فِطنةً، وحُسن تصرفٍ، ورجاحةً في الرأي، مع قوةٍ في الشخصية، والشجاعة الأدبية التي نلحظها في بداية القصة في جوابهما لموسى ، ثم استدعائه ليأخذ أجره، وتعبيرهما عن رأيهما مع أبيهما.
المحاور: يعني: تقصدون أستاذة كوثر أنهن لو لم يكن واعياتٍ لما كان هذا الأمر منهن، ولربما انْجَرَرْنَ إلى ما لا تُحمد عُقباه، أليس كذلك؟
المتصلة: بلى، صحيحٌ.
طيب، هذا كان وضع الفتاة.
المحاور: سريعًا -حفظكم الله- الوقت أَزِفَ.
المتصلة: هذا كان وضع الفتاة الذي ذكره القرآن، ووضع الفتاة اليوم يحتاج إلى مراجعةٍ جذريةٍ عميقةٍ نُحدد من خلالها العلل، ونَصِف العلاج من أجل الوصول إلى إيجاد فتاةٍ مثقفةٍ في أكمل ملامحها الإسلامية التي تُحسن التوافق بين الأصالة والمعاصرة، وتعمل جاهدةً على تحقيق المجتمع الإسلامي الأمثل.
الفتاة المسلمة المُثقفة مُطالبةٌ بالمُشاركة الإيجابية الفعَّالة في النهضة الإسلامية المعاصرة، وبناء جيلٍ إسلاميٍّ واعٍ مُثقفٍ؛ لتحمل المسؤولية العظيمة، وإعادة بناء صَرْح هذه الأمة.
فهل الفتيات في الواقع تصلحن للقيام بهذه المهمة المرجوة صدقًا؟
أقول: إن دور الفتاة ما زال هامشيًّا وقاصرًا، ولم يصل إلى المستوى المطلوب من الفاعلية على الرغم من أنها ...
المحاور: ما السبب؟
المتصلة: هي حصلت على أعلى الشهادات، واقتحمت معظم الميادين، إلا أنها ما زالت تعيش حالةً من التبعية.
المحاور: إذن رجعنا إلى قضية التبعية والتقليد المُخالفة لراجحة العقل والفطرة.
المتصلة: ونحن نريد أن تعيش الفتاة حالةً من الفاعلية، بحيث تكون قادرةً على التفكير الواعي والمُستقلّ.
المحاور: بارك الله فيكم أستاذة كوثر، هل بقي شيءٌ على أساس الوقت؛ لأننا معنا مُداخلةٌ أخيرةٌ، والوقت انتهى؟
المتصلة: نعم، في دقائق: كيف نصل إلى تحقيق ذلك الأمر؟ ومن أين نبدأ؟
الحل في الإسلام، إذن الحل الأمثل لكل مُشكلاتنا يعود إلى أن نرفع راية العمل بالإسلام، وأُلخصها في محاور:
أولًا: بناء الشخصية المُتكاملة، فكيف تبني الفتاة شخصيتها المُتكاملة بحيث تقف مع نفسها وقفةً جادةً في النقد الذاتي الذي تستطيع من خلاله معرفة أوجه النَّقص في شخصيتها فتُكملها؟
المحاور: واضحٌ، الثانية.
المتصلة: ومواطن القوة فتُنميها، هذا يكون بسلامة العقيدة، وصحة التصور، والعمل الجاد، هذا الأمر الأول.
الخطوة الثانية: مراجعة العادات والتقاليد: فعلى الفتاة أن ترصد العادات والتقاليد التي تحكم حياتها: قبليةً أو عربيةً.
المحاور: ليس لها علاقةٌ بالدين.
المتصلة: ليس لها علاقةٌ بالدين، فهي يجب أن تنظر إلى هذه العادات نظرةً جادةً، فتترك ما يُخالف الدين منها، وتسير بشخصيتها المُستقلة.
المحاور: وكذلك لا تُحسب على الدين.
المتصلة: نعم؟
المحاور: وكذلك لا تُحسب على الدين.
المتصلة: نعم لا تُحسب على الدين.
المحاور: طيب، النقطة الثالثة؟
المتصلة: الخطوة الثالثة: مُواجهة التغريب، وعدم الانسياق وراء الدعايات والخرافات في هذا العصر الذي أُطلق عليه: عصر القلق؛ لما يَعُجّ به من نظرياتٍ علميةٍ، وتياراتٍ فكريةٍ، واتجاهاتٍ عقليةٍ تفرض نفسها على الإنسان، وتفتح عليه حياته، وتُطلّ عليه من كل مكانٍ.
المحاور: واضحٌ جدًّا، إذا بقي شيءٌ آخر في ثوانٍ ممكنٌ.
المتصلة: الثواني الأخيرة: القضاء على هذا كله بتطبيب النفوس، وحماية العقول، وهذا لا يكفي فقط بقراءة التاريخ والأمجاد، بل يجب أن نصنع نحن التاريخ والأمجاد، فتصنع فتياتنا تاريخًا وأمجادًا يُعتزُّ بها بوجود القدوة الصالحة.
وفي الختام أقول: هذا الطريق يحتاج منا إلى صبرٍ طويلٍ، لكن لا بد من المُضي فيه؛ لأن الأمانة التي حمَّلك الله إياها هو سائلك عنها لا محالة.
فأسأل الله لي ولكم المغفرة والسداد والرشاد والثبات.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحاور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
شكرًا أستاذة كوثر على هذه الإطلالة المتعلقة بأهمية التربية على استقلالية التفكير والوعي، وعدم التقليد والتبعية، فهذه قضيةٌ من القضايا المهمة جدًّا، ونحتاجها فيما يتعلق بقضية التربية على ما يُسمى: بالقدرات العقلية العامَّة.
أسباب ضعف الاستمرارية التربوية في تربية الفتاة
لعلنا أيها الإخوة والأخوات ونحن في نهاية هذه الحلقة نختم مع مُداخلة المستشارة الأُسرية في الجانب الأُسري والزواجي الأستاذة: نورة بنت علي النملة، ولعلها تختم لنا في دقائق قليلةٍ جدًّا -نظرًا لأن الحلقة انتهت- حول أسباب ضعف الاستمرارية التربوية في تربية الفتاة.
مرحبًا بكم، حياكم الله أستاذة نورة.
المتصلة: حيَّاكم الله، وبارك فيكم، بالنسبة لنظرتنا إلى الأسباب التي أضعفت الاستمرارية التربوية عند الوالدين فهي عدة أسبابٍ، فأهمها باختصارٍ: غياب الرؤية المُحفزة، يعني: الآباء افتقدوا أو غُيِّبوا عن الرؤية المُحفزة لنتائج التربية، والصبر عليها.
المحاور: الرؤية المُحفزة، ماذا تقصدون من هذا؟
المتصلة: رؤية الوالد لفائدة تربية أبنائه، فعدم رؤيته أنهم سيكونون أبناء صالحين ونافعين، وعدم رؤية الأجر الذي يترتب على ذلك أضعفت الكفاءة الوالدية في استمرار التربية، فتجدنا نستمر في نَسَقٍ معينٍ أو أسلوبٍ تربويٍّ معينٍ: إما أن ننتظر سرعة النتائج حالًا، أو أننا مُغيَّبون عن احتساب الأجر في النتائج.
المحاور: إذن هنا لا بد من تحديد الأهداف واستحضارها، ومعرفة أهمية التربية؛ حتى لا نترك القضية إلى مَن هَبَّ ودَبَّ، لا شكَّ أن هذه نقطةٌ مهمةٌ، وأنتم سمّيتموها بمصطلحٍ جديدٍ: الرؤية المُحفزة، وهي فعلًا رؤيةٌ لا بد أن تكون مُحفزةً، نعم، الثاني؟
المتصلة: الثاني: من منصتي الإرشادية وجدتُ ضعف الوعي عند الوالدين بإبعاد بعض الأساليب التربوية الحالية الآن، فأصبحنا نأخذ الأسلوب التربوي الحالي دون النظر إلى أبعاده، ودون النظر إلى أنه مُؤصَّلٌ أو غير مُؤصَّلٍ، له ضررٌ، أو لا يوجد له ضررٌ.
فبدأت رؤيتنا الوالدية تُملأ بأساليب تربويةٍ ناتجةٍ عن فلسفاتٍ ونزعةٍ فرديةٍ، فلا يوجد أسلوبٌ تربويٌّ منصوصٌ عليه أو مُؤصَّلٌ نقوم به.
وعندما نتحدث في جلساتنا مع الأمهات نجد أن أساليبهن أشبه بفُقاعات الصابون، يعني: مجرد أسلوبٍ تربويٍّ تجني ثماره في وقتٍ ووضعٍ معينٍ، ثم ينتهي هذا الأسلوب، ولا يوجد له أثرٌ عند الفتيات، وليس له أثرٌ مستقبليٌّ.
المحاور: جزاكم الله خيرًا، يعني: أنتم تُؤكدون على قضية المصدرية فيما يتعلق بقضايا التربية، ولا شكَّ أن هذا هو الصراع الحقيقي بين المنهج الإسلامي التربوي والمنهج غير الإسلامي، جميلٌ.
النقطة الثالثة؟
المتصلة: النقطة الثالثة -والتي وجدتُها كذلك-: لاحظتُ كثيرًا أن الوالدين يفتقدان المعلومات المرحلية، يعني: قِلة المعلومات للفترة المرحلية للأبناء، فليست عندنا المعلومات الكافية والتَّامة والتأصيلية المتعلقة بأهمية مرحلة الطفولة.
المحاور: يعني: ما يتعلق بخصائص مراحل النمو.
المتصلة: خصائص مراحل النمو عامَّة لكل البشر، لكن خصائص النمو بثقافتنا وعاداتنا تختلف، فلا بد أن يكون لدينا العلم بأن ما يُزرع في مرحلة الطفولة الأولى سيستمر، بإذن الله.
المحاور: واضحٌ جدًّا، النقطة الرابعة من الأسباب؟
المتصلة: كذلك من الأمور التي وجدتُها: أن الأم بعدما دخلت علينا الأساليب التربوية والثقافات الغربية لا يوجد لديها فصلٌ بين الحب الحقيقي الوقائي والحب المُزيف الذي شبَّهتُه بفُقاعة الصابون.
ليست عندها قُدرةٌ على الفصل بين الحب الحقيقي الذي من خلاله تحرص الأم على فتاتها وأبنائها، وأصبح حبنا لأبنائنا حبًّا مُزيفًا يلتصق بأي معلومةٍ جديدةٍ، أو مُحدثةٍ، أو مُجربةٍ، ولا تتصل بالحب الحقيقي الذي ينمو من خلال المعرفة.
المحاور: تقصدون بالحب الحقيقي: الذي يُنجي الفتاة؟
المتصلة: أحسنتَ، نعم، صحيحٌ.
المحاور: والنقطة الأخرى؟
المتصلة: نحن نحاول أن نُربي على أنساقٍ تربويةٍ، لكننا نتغافل ونُهمل تغذية هذا المقوم التربوي أو النَّسق التربوي، ربَّيناهم مرةً واحدةً وانتهى الأمر، بنتي أثق بها، وأنا ربَّيتها على الأُسس، وأنا عملتُ فيها وقوَّمتها وفهمتها، وأعطيتها الأسس والاستراتيجية التي تمشي عليها في تقويم ذاتها والحفاظ على الوعي الإدراكي، لكن هل نحن استمررنا في تغذية هذا المُقوي التربوي؟ لم نستمر.
المحاور: واضحٌ، إذن القضية هنا ليست قضيةً مرحليةً، وإنما هي استمرارية للتربية نحتاجها إلى آخر لحظةٍ في حياتنا.
شكرًا لكم أستاذة نورة على هذه المُداخلة الطيبة، وأسأل الله أن ينفع بكم ويُبارك فيكم.
كانت معنا الأستاذة نورة النملة المُستشارة الأُسرية حول ما يُسبب ضعف الاستمرارية في التربية، وقد أكَّدت على الاستمرارية في التربية، وأكَّدت تأكيداتٍ كبيرةً على ضعف الرؤية المُحفزة وضعف الوعي فيما يتعلق بقضية الأساليب التربوية، وما يرتبط بقضية المراحل العُمرية بتأصيلها من خلال ثقافتنا وهُويتنا.
أيها الإخوة والأخوات، وصلنا إلى نهاية الحلقة الثالثة -بحمد الله - من هذه السلسلة حول "تربية الفتاة"، والشكر لله ، ثم لكم جميعًا، ثم لقناة "زاد"، ولبرنامج "أُسس التربية" وفريق العمل الرائع.
وأيضًا لا ننسى أن نشكر الأستاذة أسماء الجراد المُنسقة لهذه الحلقات الثلاث، وهي المُستشارة الأُسرية، فشكر الله لها، وهي صاحبة قناة (تليجرام) "منارة نور"، وتظهر أمامكم على الشاشة، وهي قناةٌ مفيدةٌ ونافعةٌ.
أسأل الله أن ينفع بالجميع، وتحياتي لكم أيها الإخوة والأخوات.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.