المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فهذا بحمد من الله وتوفيقه هو اللقاء السابع من المجموعة العاشرة من سلسلة تطبيقات نفسية وتربوية من الكتاب والسنة، وما زلنا مع وقفات تربوية ونفسية من رسالة: "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة" للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله، كيف نطرد الهموم والغموم والكدر والقلق والتوتر والحزن والاكتئاب؟ هذا هو مدار هذه الرسالة.
وفي اللقاءات الماضية ذكرنا بحمد الله ثمان وسائل، والأخوة الذين معنا بدون النظر للكتاب نختبرهم كذا اختبار قبل الاختبار النهائي، فيُذكِّرونا ببعض هذه الوسائل؟ لكن بدون نظر للكتاب، تفضل.
الإيمان، والعمل الصالح، يكفي جزاك الله خيرًا، أحسنت، غيره؟!
الاشتغال بالوقت الحاضر وعدم الاشتغال بالماضي والمستقبل، وإنما الإنجاز في الوقت الحاضر وما يناسبه، غيره؟! تفضل يا شيخ! جزاك الله خيرًا!
ذكر الله، والتحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة، وعندئذ سنجد أن مقابل ذلك المصائب وأنها لا تساوي شيئًا عند نعم الله والبلايا، جزاكم الله خيرًا جميعًا!
إشغال النفس بالعلوم النافعة والأعمال الصالحة، وعدم الاسترسال والجلوس في الفراغ، وإنما أشغل نفسك ستجد نفسك بعيدًا عن التفكير في قضايا الهموم والغموم، وما شابه ذلك.
والسعي لإزالة أسباب الهموم، والسعي لجلب أسباب السرور، جزاك الله خيرًا!
فهذه ذكرناها من ضمن الوسائل، لكن نريد الوسائل الأمهات بقي شيء؟!
النظر إلى من هو دونك وليس لمن هو أعلى منك حتى لا تزدري نعمة الله .
هذه ثمان تقريبًا، وإن نسينا شيئًا لا إشكال فهو من باب التسخين كما يقال، وبقي عندنا ثلاثة عشر وسيلة بإذن الله سنبدأ بها بإذن الله في اللقاءات القادمة مع هذا اللقاء، ونريد أن نستغل الوقت لنضع فرصة للأسئلة والأجوبة والنقاشات حتى لا تكون من طرف واحد، فلعلنا نثري اللقاء بمثل ذلك.
هل أحد يعرف مثالًا واقعيًّا لوسيلة ساعدت على تخيف وطأة الهموم والغموم والضيق والشعور بذلك؟ وأيضًا حصل مقابل استخدام هذه الوسيلة الشعور بالسعادة هل أحد يعرف مثالًا واقعيًّا؟! لا أريد افتراضيًّا، مثال واقعي حصل يفيدنا به وينطبق عليه أحد الوسائل الثمانية، لا بد يكون، سنسأله إذا أعطانا مثالًا واقعيًّا نقول له: أي وسيلة في هذا المثال الواقعي؟! من يستحضر شيئًا؟ تفضل أخي!
أُريد مثالًا واقعيًّا، قصة واقعية تعرفها، لا أُريد افتراضًا أُريد قصة واقعية تعرفها عن أحد أشخاص لا تقول لي: اسمه أو من هو، حتى لو كان أنت لا تقول لي: أنا، قل: قصة حصلت تعرفها من جار لك أو غيره تنطبق عليه هذه التي ناقشناها في إحدى هذه الوسائل، وتظهر القضية، جزاك الله خيرًا، تفضل يا شيخ!
يشعر بفراغ وسبب له همومًا وغمومًا فلما انشغل خفّت القضية؟! هذا مثال ممتاز.
هذا المثال واضح أشغل نفسه بالدراسة، فوقع عنده مجال للمذاكرة والمراجعة والاهتمام والعناية، هذا كل الوقت الذي أمضاه، هذا الوقت الذي أمضاه الشخص بالأشياء هذه صارت مزاحمة للهموم والغموم، فالهموم والغموم تأخذ وقتًا، وأنا أشعر بفراغ فجاءت الدراسة وأشغلت نفسي، فقطعًا ستطرد الهموم والغموم، وهذا الهدف من إشغال أوقات الفراغ بعلم نافع أو عمل صالح.
وهذا يقول: واحد كان عنده عدة خيارات للزواج فصارت التي تزوجها بينه وبينها مشاكل فهو بدأ يرجع إلى الماضي يقول: يا ليتني أخذت الثانية! يا ليتني أخذت الثالثة! يا ليتني أخذت كذا! فالآن الذي بين يديه زوجته أم عياله هذه الزوجة، واللاتي جالس يفكر فيهن لسن بين يديه فبعضهن تزوجت وانتهى الموضوع، فهو جالس يعيش همومًا يا ليتني ويا ليتني أخذت تلك أو الأخرىن ولو كنت أخذت تلك ما حصل لي المشاكل الآن، فهو الآن يعيش الماضي، والماضي انتهى، فبدأ يركز على زوجته في الوقت الحاضر ويحاول قدر المستطاع أن يتقرب إليها ويتودّد إليها ولا يشغل نفسه بالماضي نجح أو لا؟
يقول الأخ بأنه يعرف القصة وأنه نجح، طبيعي ينجح لكن يحتاج مجاهدة: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت: 69]، هذا مثال جميل، جزاكم الله عنا خيرًا.
وهذا شعر بسبب النقل التعسفي أنه مظلوم، وأنه..، والمكان الذي نُقل إليه قرب من مكة، فبدأ يذهب للعمرة ويؤدي العمرة ويذكر الله ، يعني باستطاعتنا حتى لو كنا مظلومين ومهضومين الحقوق أن نُنجز في هذه الحياة ونخفف من وتيرة القلق والتوتر والضيق، لكن لو جلسنا نسترجع الماضي بقيت عندنا القضية مثلما قال الأخ قبل قليل في قضية الذكر، وما شابه ذلك.
وأسأل سؤالًا صريحًا لكن لا أُريد أن ندخل -كما يُقال- في خصوصيات بيننا وبين الله، أو بيننا وبين الآخرين كالوالدين وما أشبه ذلك، إذا كان فيه خصوصيات، أسأل سؤالًا واحتسب الأجر في ذكرها لله إن كنت ترى ذلك وإلا فأنت معفي عن عدم الذكر إذا كنت لا تريد أن تذكر من استفاد من الثمان النقاط الماضية خلال الفترة الماضية وطبق شيئًا منها ووجد أثرها؟!
أعرف أنه إن شاء الله كلكم أو معظمكم استفاد، لكن إذا كان فيه شيء يريد أن يذكره بدون أي إحراج في الخصوصيات إما بعلاقتك بالله، وإما مع الآخرين.
الأخ انشغل ذهنيًّا بينه وبين شخص علاقة معينة سلبية، المقصود أمسك ورقة وفرّغ الذي في نفسه وارتاح بعد ذلك، هذا مجربة، إشغال في الوقت الحاضر بدل ما تجلس في همومك ويا ليتني فعلت كذا، أو الله يعين بكرة إذا رأيته! ماذا سيفعل؟ فأعيش في قلق المستقبل مع هذا الإنسان، أو في حزن للماضي الذي انتهى، فأشغل نفسي بالحاضر.
فأنزل المكبوس هذا في الورقة، فرغ هذه الشحنات في الورقة؛ تجد نفسك ترتاح، تخلى عن أسباب الهموم من خلال هذا التفريغ، ومنها إشغال الوقت الحاضر بعلم نافع أو عمل صالح، وكذلك الاهتمام بالوقت الحاضر، يعني في ثلاث وسائل ممكن تجتمع في وسيلة واحدة.
نعود للرسالة صفحة 18، والله الموفق والمعين.
أثر الدعاء في صلاح المستقبل
يقول الشيخ رحمه الله:
"9- ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور: سنتكلم عن المستقبل، وهذه قضية مرتبطة بالمستقبل بدرجة كبيرة؛ لأنها ستظهر من عبارات أدعية النبي عليه الصلاة والسلام.
استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي يدعو به: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر [1]أخرجه مسلم (2720).، [رواه مسلم].
فالنبي محمد أُوتي جوامع الكلام، فلم يُبِق شيئًا بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، وأن الإنسان يطلب من الله ويدعو الله الإصلاح في كل حاله، دنياه ودينه وآخرته، وأن هذه الحياة زيادة في كل خير، وإذا مات راحة له من كل شر، هذا عين السعادة وعين الرضا، رزقنا الله وإياكم ذلك، فاللجوء إلى الله كما كان النبي يفعل من خلال الدعاء والإكثار من هذه الدعوات مهم جدًّا في طرد الهموم والغموم؛ لأن الذي سيصلح حالي وحالك في المستقبل هو الله ، فلا بد من اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، وبالذات -كما قال الشيخ رحمة الله عليه- اختيار هذه الأدعية المرتبطة بطرد الهموم والغموم المستقبلية المتعلقة بالقلق والتوتر، خلاص.. الأمر وضعته لله؛ فاطمئن.
يقول الشيخ: وكذلك قوله: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت [2]أخرجه أبو داود (5090)، وأحمد في المسند (20430)، وقال محققوه: "إسناده حسن في المتابعات والشواهد"، وحسنه الألباني في … Continue reading.
الشاهد قوله: وأصلح لي شأني كله، أصلح شأني كله وقبل ذلك: رحمتك أرجو، ولا شك الذي تأتيه رحمة الله فسيعيش سعادة وراحة وطمأنينة.
يقول الشيخ رحمه الله: فإذا لهج العبد بهذا الدعاء الذي فيه صلاح مستقبله الديني والدنيوي بقلب حاضر، ونية صادقة، مع اجتهاده فيما يحقق ذلك؛ حقق الله له ما دعاه ورجاه وعمل له، وانقلب همه فرحًا وسرورًا.
اللهم اقلب همومنًا فرحًا وسرورًا، (فإذا لهج العبد): هنا فيه إظهار استمرار الدعاء والإلحاح في الدعاء والوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى، والنبي عليه الصلاة والسلام كان كذلك بل كان النبي عليه الصلاة والسلام يقلق قلقًا إيجابيًا، وكان يكثر من دعاء الله : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك [3]أخرجه الترمذي (2140)، وقال: "وهذا حديث حسن"، وأحمد في المسند (12107)، وقال محققوه: "إسناده قوي على شرط مسلم"، وصححه … Continue reading)، فهذا خوف محمد أَلّا يثبته على دين الله فماذا نقول نحن؟!
لذلك أنت تكل أمرك لله هذا من أسعد ما يكون بالنسبة للإنسان حينما يستجيب الله لك فتستحضر هذه القضية بنية صادقة وإلحاح في الدعاء واجتهاد فالله سيحقق لك ما تريد.
وهنا وقفة فيما يتعلق بقضية العلاقات مع الناس وحل المشكلات، وفي العلاقات في الأسرة، وما شابه ذلك، وأذكر أحد المربين وفقه الله وكنت ممن أستفيد منه كثيرًا بل الواحد منا كما كان يفعل شيخ الإسلام ابن القيم[4]انظر: شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر (ص: 246). رحمه الله، كان يقول: "كان إذا ادلهمت بنا الخطوب يعني ضاقت بنا الأمور كانوا يلجؤون بعد الله إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وهو في سجنه فيسمعون منه ما يسلّيهم"، ويبعد ما تضيق به نفوسهم، وهذا من اتخاذ الأسباب، فإبعاد الأسباب الجالبة للهموم والإتيان بالأسباب الجالبة للسرور ،مع أن ابن القيم رحمه الله رمز في التربية الشرعية ورمز في الشخصية المؤثرة، لكنه كان تلميذًا لهذا الجهبذ، وهكذا تكون العلاقة بين المربي والمتربي، كان يقول لي هذا الشخص كنت أذهب إليه حقيقة وأستشيره في بعض الأمور نظرًا لخبرته ولما آتاه الله سبحانه وتعالى من علم وإلى آخره، فنتبادل أطراف الحديث في بعض المشكلات، الأبناء وبعض القضايا الأسرية، وشيء من هذا القبيل، فقال لي كلمة لا أنساها حتى إني لا أنسى المكان الذي كان هو جالس فيه، والمكان الذي أنا جالس فيه، من وقع هذه الكلمة علي وأهميتها مع أنها سهلة جدًّا، لكن من وفق إليها هو الموفَّق يقول: والله تنسد بي الأمور، وأتخذ ما أستطيعه من المهارات والوسائل والأسباب لكن تنغلق الأمور فلم أجد في حياتي مثل عندما تضع أمرك بين يدي الله وترضخ عند ملك الملوك: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62]، يقول: والله تنكشف القضايا، وتنكشف الأسارير، وتنكشف المشكلات وتنحل حينما يصدق الإنسان مع الله ، كان يقول وهو يتحدث من قلب وممارس، يعني تأتيك أساليب أحيانًا في التربية ذكرناها ونحن نتكلم عن مهارات ووسائل السعادة، فقد تطبق هذه ولا تنجح، وتطبق هذه ولا تنجح، مع أنها مفيدة ونافعة لكن الله ابتلاك بأنك لا تجد ثمرتها، فأين أتجه؟
اختصر الطريق واتجه إلى الله سبحانه: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ[النمل:62] ولذلك ينبغي لأهل التوجيه والإرشاد، والمستشارين الأسريين والنفسيين حينما يأتيهم الناس ويسألونهم، وكذلك الشرعيون حينما يستفتيهم الناس في أحوالهم الاجتماعية ويُذْكِّر المستفتي ويُذْكِّر السائل، ويُذْكِّر المستشير، باللجأِ إلى الله، أنت أتيت لبشر مثلك، أتيت لإنسان مثلك، صحيح أنه قد يكون عنده علم أو خبرة أو اختصاص أو ما شابه ذلك، لكن نحن وأنت كلنا نحتاج إلى الله ، هذه لا تحتاج إلى مزيد تخصص، ولا تحتاج إلى مزيد خبرة، ولا تحتاج إلى مزيد مهارات، هذه تحتاج إلى قلب حي يقف بين يدي الله فيدعو مثل هذه الدعوات فيضع أمره بين يدي الله .
فأتمنى أن ننتبه لمثل هذه الأمور لشدة الحاجة لها، فلها علاقة بالإيمان الوسيلة الأولى، ولها علاقة بالذكر من وجه آخر، لكن هنا تخصيص اللُّجأِ إلى الله بالدعاء، والنبي كان يرفع يديه في الدعاء ومرة دعاء الله حتى سقط الرداء عن كتفيه فرده أبو بكر الصديق وقال: "يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك"[5]أخرجه مسلم (1763)..
فالنبي لجأ إلى الله؛ لأنه في أمس الحاجة لعون الله وقت شدة وكرب وانتظار لحرب بينه وبين الأعداء، فلا ملجأ لنا من الله إلا إليه، فنحتاج أن أبناءنا يرون هذه القدوات بين أيديهم، أبناؤنا قد يرون تذمرنا، قد يرون تأففنا، قد يرون حرصنا على اللقاء بفلان وفلان، يعني قد يرون، قد يكون بعض تصرفاتنا من أسباب المادية والأسباب الدنيوية المشروعة، شرعًا قد يكون بعضها ليس كذلك، لكنهم يحتاجون أن يلاحظوا مدى دعائنا لله ، واللجوء إليه سبحانه، فادع الله وأوكل أمرك إلى الله وستجد ما تجني، وهذه تحتاج إلى محرك داخلي إيماني قوي يجعل الإنسان لا يعتمد إلا على توفيق الله له.
أسوأ الاحتمالات وأثره في زوال القلق والهموم
ثم يقول الشيخ رحمه الله: ومن أنفع -يعني: في تقدير أسوأ الاحتمالات، وهذه وسيلة مهمة جدًّا ونفسية رائعة نحن في أمس الحاجة إليها فيما يتعلق بالتعامل مع مجالات الاضطراب النفسي من قلق وتوتر وهم وغم وحزن وخوف- ومن أنفع الأسباب لزوال القلق والهموم إذا حصل على العبد شيء من النكبات: أن يسعى في تخفيفها بأن يُقدّر أسوأ الاحتمالات التي ينتهي إليها الأمر، تشاؤم هذا؟!
قد توحي بأنها تشاؤم لو أنه جلس يعطي هذا الاحتمال فقط، لكن المقصد منها أمران:
الأول: يقول الشيخ: ويوطّن على ذلك نفسه، يعني يعمل حسابه أنه لو حصل هذا الأمر مستعد له، توطين لأن أصل الاحتمالات محتملة، كمثال الزواج: بحث عن زوجة وذهب الأهل ولم يأت خبر الموافقة، وهذا الأخذ والعطاء المفترض الشاب يضع عند نفسه أسوأ الاحتمالات: الرفض؛ لأنه لو جاء الرفض وهو واضع أسوأ الاحتمالات ستكون الصدمة غير شديدة عليه؛ لأنه وضع أسوأ الاحتمالات، وهذا توطين النفس، وهو المقصود، لكن عندما يكون واضعًا أسوأ الاحتمالات ومتشوفًا للموافقة وتأتيه الأخبار من أمه أو من أقاربه: إن شاء الله يوافقون، والرجل كل يوم ينتظر بالجوال اتصالًا من ولي البنت، ثم تأتي له الصدمة: مع السلامة! ولا هيأ نفسه لذلك، هذه ستكون شديدة عليه، لذلك وضع احتمالية وضع أسوأ الاحتمالات فائدتها توطين النفس لو حصل أسوأ الاحتمالات، هذا رقم واحد.
ثم قال رحمه الله: فإذا فعل ذلك فليسع إلى تخفيف ما يمكن تخفيفه بحسب الإمكان، يعني عندما أضع أسوأ الاحتمالات الذي هو احتمال لا يوافقون: ما أفعل؟
أسعى جهدي أن يوافقوا، هذا ابتداء حتى لا يكون الرفض، وأيضًا أضع في بالي خيارات أخرى: أضع في بالي الاحتياط.
تصور الشخص الذي يتعامل بهذه الطريقة، والشخص الآخر الذي ما عنده إلا هذه البنت وأصبحت نسبة الموافقة عنده 99% ولم يضع أسوأ الاحتمالات: الرفض، ولا خفف من هذا الاحتمال السيئ الذي ممكن يصل إليه، ثم جاءته الصاعقة بالرفض فما يكون حاله؟! بينما الثاني كيف يكون حاله؟
هذا موطِّن نفسه ويخفف على نفسه الوطأة بل ممكن يقول: إذا قدر الله، بإذن الله، الحمد لله، وإلا فيه غيرها، هذه قضية مهمة، وكذلك الوظيفة، وكذا التخصص، والممارسة في الحياة، والاهتمامات، والبرامج والأنشطة، مهم جدًّا أن تفترض أسوأ الاحتمالات ليس لأجل أن تفكر فيه وتستغرق التفكير فيه وتنشغل به؛ لأنه لو صار هذا الكلام الآن الذي قلناه آنفًا أني أفكر فيه وأستغرق التفكير فيه، ماذا سيحصل بناءً على ما ذكرناه سابقًا؟!
سيحصل له الخوف، إذن هو سيكون مشغولًا بالحاضر أو شيء آخر بالمستقبل؟
شغله في المستقبل، وهذا الكلام مرفوض، لا تشغل نفسك بالمستقبل ولا بالماضي، أشغل نفسك بالحاضر، والمقصود هنا: تهيئة النفس حتى توطن نفسك لو أصابك صدمة تكون أخف عليك، وفي نفس الوقت انتبه، وفعلًا سمعت أنا كلامك صحيح سمعت احتمال أن القبيلة الفلانية ما يوافقون عليها فأبدأ أحتاط بالموضوع هذا، فأبدأ أخاف من هذه، تأتي معلومات ستجعل هناك احتمالية الرفض قائمة وعندئذ ممكن أنني أتقبلها بصدر رحب وأحاول أخفف منها، أو أني أبين لهم: اسمعوا نحن من القبيلة الفلانية من المكان الفلاني، فيتنبه قبل أن يرفضوا، المقصود سيساعدك فرض أسوأ الاحتمالات إلى توطين النفس لو حصل هذا الاحتمال السيئ، وأيضًا قبل أن يحصل إلى تخفيف من أن يحصل، تخفيف قبل أن يحصل لو أنه ما حصل حتى لا يحصل، أو إذا حصل يحصل بشكل أخف وأخف، هذان هما الفائدتان من قضية احتمال أسوأ الاحتمالات.
وكل ما ذكرناه سنذكره بعد قليل في التوكل على الله سبحانه وتعالى، وما ذكرناه في الوسيلة الأولى (الإيمان) باق لا يتعارض مع هذا الكلام، فهذه القضية محتملة أن الإنسان أنه يحصل عنده هذا الشيء، ليس هناك كما قلت جالس وعندئذ أساء الظن بالله ووقف ولم يفعل شيئًا، أو قنط، عندئذ نقول هنا: ووقع في الفخ، وقع في الخطأ؟ لا، هو بالعكس سيكون عنده مزيد من العمل، ومزيد من التخفيف، ومزيد من اتخاذ الأسباب، وأيضًا مزيد من الاحتياط النفسي فيما لو حصلت الصدمة.
فلا يتعارض هذا الكلام أبدًا؛ فهو متوكل على الله، لكن عنده يقين مع توكله على الله، والإنسان عندما يتوكل على الله يضع في ذهنه أنه لاجئ إلى الله، فهل لزامًا أن دعواه ستتنفذ؟
هذا الاحتمال الذي عندك أنه لا يتحقق الذي تريد، هل معنى هذا إساءة ظن بالله ؟
لا، عندنا احتمالات أخرى: أن الله يدفع عنك شرًا، أن الله مدخر لك هذه الدعوة في الآخرة.
إذن هذه عدة احتمالات مع بقاء إحسان الظن بالله بلا شك، فهي ليست إلا مجرد احتياط لأمر ممكن وقوعه، هذا المقصود كما قلت: لتوطين النفس وللسعي لتخفيف هذه القضية لو أنها ربما أنها تحصل فلعلها لا تحصل، أو إذا حصلت يكون وقعها أخف.
يقول الشيخ: فبهذا التوطين، وبهذا السعي النافع تزول همومه وغمومه ويكون بدل ذلك السعي في جلب المنافع وفي دفع المضار الميسورة للعبد.
فهنا سيكون عنده مزيد من السعي؛ لأن عنده احتياطًا، أعطيكم مثالًا: عندنا قبل أيام فوق الخمسين في كلية الشريعة الجديدة في جامعة الدمام تقدموا من إخواننا خريجي الكليات الشرعيين بين معيدين ومحاضرين مثلًا، ولا يريدون إلا خمسة أو قريبًا من ذلك، يعني سيعتذر لأكثرهم، فإذا كان مثلًا خمسة وتقدم خمسون النسبة ستكون خمسة إلى خمسين 10%، و90% سيعتذر لهم، فلو وضعت هذا الاحتمال وهو أن الاختبار التحريري كشخص متقدم للإعادة أو متقدم للمحاضر معيد أو ماجستير بأنني قد لا أُقبل هل لهذا الاحتمال فائدة عملية بالنسبة لي أو لا؟ وما هي؟!
فهو الآن قدم اختبارًا تحريريًّا قد ينجح وقد لا ينجح، فاحتمالية أنهم يقولون له: لم تقبل نعتذر، فالاحتمالات الآن عند هذا الشخص: الرفض وعدم قبوله، فهل عندما يضع هو أسوأ الاحتمالات أفضل أو لا؟
لو وضع أسوأ الاحتمالات قبل الاختبار التحريري وصار هاجسًا عليه وخوفًا وقلقًا وسبب له مشكلة في أثناء الاختبار هل هذا هو المطلوب؟
لا، دخلنا في المشكلة التي قلنا عليها، ليس هذا مقصود الشيخ هنا، مقصود الشيخ أنك تحقق أحد أمرين: توطن نفسك لو جئت وراجعتهم قالوا: والله ما كتب الله لك القبول؛ تكون نفسك مستعدة لقبول هذه المفاجأة، لا تقول: والله أنا كنت وتوقعت، وكذا، فضع احتمال أنك لا تقبل حتى تهدأ نفسك حينما لا تقبل.
الأمر الثاني: خفف من الوسائل، فإذا كان أمر عدم قبولك ممكنًا استعد للاختبار التحريري، صح أو لا، خاصة إذا كان المتقدمون ما شاء الله عندنا خمسة من خمسة في الدراسات الجامعية ومعدلاتهم مرتفعة جدًّا، إذن ادخل بالتحدي فهذا يجعله يستعد للاختبار قبل حتى يخفف من احتمال نسبة أسوأ الاحتمالات وهو الرفض، لكن لو قال: خلنا ندخل، هنا نقول: ما تعامل مع أسوأ الاحتمالات بطريقة سليمة، وقد يكون شخصًا غير مبالٍ، اتركه، لكن أنا أتكلم عن الشخص المهتم هنا؛ لأنه قد يقلق سلبيًّا، وقد يحزن حزنًا ليس إيجابيًّا عندما تأتي النتيجة بالاعتذار.
تلق المكاره بنفس مطمئنة
يقول: فإذا حلّت به أسباب الخوف، وأسباب الأسقام، أي: الأمراض، وأسباب الفقر والعدم لما يحبه من المحبوبات المتنوعة، فليتلق ذلك بطمأنينة وتوطين للنفس عليها.
الحمد لله، الله أكبر، ما أعظم أن يُبتلى الإنسان بمثل هذه الأشياء فيحمد الله خاصة إذا كان في نعيم ثم سُلب هذا النعيم؛ لأنه بعض الأحيان يكون مضطرًا ما له إلا هذا، هو هكذا، كان لنا جار اسمه ماجد شاب، رحمة الله عليه، وفي شريط قديم للشيخ عبدالعزيز السويدان وفقه الله ذكر قصته كاملةً، فهذا الشاب كان معاقًا وكان دون العشرينات أشهد أنه على إعاقته ومشيه بالعربة أنه كان قدوة لنا، وكان يسبقنا إلى الصلاة وآخر من يخرج من المسجد رحمة الله عليه، فكنت أقول له دائمًا: كيف أخبارك يا ماجد؟
كلمة عنده لا تنتهي: الحمد لله، وابتسامة براقة، ومات عليها رحمه الله كما ذكر إخوانه حينما توفاه الله ، تلك اللحظة كان بحالة من الرضا، صحيح أنه قد يقال: هو ما له إلا كذلك، قلنا: أنا أذكر لك أمثلة أخرى لأناس يشعرون بالحزن والاكتئاب: حدثني شخص قريب عن شخص يعرفه حصل الانكسار له في التجارة، وأنا أسمع عنه لكن لا أعرفه شخصيًّا يقول: الآن في بيته مغلق على نفسه البيت مصاب بالاكتئاب؛ لأنه ما توقع أنه يحصل له الذي حصل بعد أن كان في نعيم وترف، ثم يصبح شخصًا مطلوبًا أو ما هو قادر يحصّل فلوسه، فما تعامل مع الابتلاء بطريقة سليمة لقضية الفقر، أو على أقل تقدير ولو كان فقرًا حكميًّا.
فبعض الأحيان يكون عندك خير لكن ما تقدر تملك المال؛ لأنه عندك ناس لا يردون لك الحقوق كمثال، فما استطاع فاستسلم لهذه الهموم وأصبح مكتئبًا، فهذا الاكتئاب أتى له نتيجة هو نفسه أصبح بعد أن كان يخالط الناس أصبح منعزلًا لا يكاد يتعامل مع ذاته بطريقة سليمة.
الشيء الثاني الذي كان يسعده من قبل ويمارسه هو الآن بأمس الحاجة إليه؛ أن يكمل مشواره في التجارة حتى يستطيع أن يعدل الوضع، فأخلى هذا وأخلى ذاك فأصبح الإنسان مهمومًا، مشكلة كبيرة هذه، هذا تعامل سلبي مع الذات.
وينبغي للإنسان أن يحتمل أسوأ الاحتمالات، والناس الذين يصابون بفاجعة الموت فجأة، موت الفجاءة كمثالِ لعزيز على الفراش وتوفي في حادث، اختاره الله، حريق حصل بسبب الأجهزة الذكية، وكم نسمع من قصص: نشيط وحي يرزق وفي لحظة أصبح جثة هامدة، وهو أخوك، أو أبوك، أو قريبك عزيز عليك، كيف ستتلقى هذه الأمر؟
إذا لم نفترض أسوأ الاحتمالات سنعيش معه بصورة ليست شرعية، ولا منضبطة نفسيًّا، لذلك البعض ما هيأ نفسه ووطنها لقضية الموت مثلًا، يعني مع ضرب المثال: هو يخاف من الموت خوفًا مرضيًّا، أقصد اترك لي أنه يخاف من الموت كما جاء في الحديث، وأينا لا يكره الموت؟! كلنا نكره الموت؛ لأن في فطرة الإنسان أنه يحب البقاء، لكنه الخوف المرضي الذي يقعد الإنسان، ويبدأ يخاف إذا شعر بألم، هنا يقول: قد يكون سرطانًا، ويدخل في عالم المخاوف والخوف المرضي مثلًا، وكذلك لا يريد أن يأتيه خبر بالجوال أو سماع أنه توفي والده أو توفيت والدته أو توفي ولده أو توفي أحد أقاربه، فكيف سيعيش هذا الإنسان إذا كان بهذه الصورة؟ لا يمكن أن يعيش، سيعاق إعاقة نفسية في هذه الحياة.
يقول الشيخ: فإذا حلت به أسباب الخوف، وأسباب الأسقام، وأسباب الفقر والعدم لما يحبه من المحبوبات المتنوعة؛ فليتلق ذلك بطمأنينة وتوطين للنفس عليها، بل على أشد ما يمكن منها، فإن توطين النفس على احتمال المكاره يهوّنها ويزيل شدّتها.
لأنك احتملتها فخفّت باحتمالك لها، لكن عندما تكون مفاجأة يقول: والله ما حسبت لها حسابًا، كيف كنت غافلًا عنها؟! واضح الفرق، وخصوصًا إذا أشغل نفسه بمدافعتها، هذه قضية ثانية كما قلنا: اتخاذ الأسباب لمدافعتها والتخفيف منها، هذه بحد ذاتها حتى لو صار أسوأ الاحتمالات ستكون خفيفة على نفسك ولن تتفاجأ بها، وخصوصًا إذا أشغل نفسه بمدافعتها بحسب مقدوره، فيجتمع في حقه توطين النفس مع السعي النافع الذي يشغل عن الاهتمام بالمصائب، فالتوطين والسعي لن يترك لك مجالًا تفكر بالمصائب فأنت مشغول بعمل، ويجاهد نفسه على تجديد قوة المقاومة للمكاره كما قلنا دفع المكاره مع اعتماده في ذلك على الله وحسن الثقة به .
يقول الشيخ في آخر كلامه هنا: ولا ريب أن لهذه الأمور فائدتها العظمى في حصول السرور وانشراح الصدور، مع ما يؤمله العبد من الثواب العاجل والآجل.
يعني ليست القضية فقط السرور، حتى الثواب في الدنيا وفي الآخرة
يقول الشيخ: وهذا مشاهد مجرَّب، ووقائعه ممن جربه كثيرة جدًّا.
فعلًا فيه أناس حصيفون يستطيعون حل المشكلات بخطوات حل المشكلة، يقول لك: الفروض، فروض حل المشكلات، الفكرة، فأنت تحدد المشكلة؛ إذًا المشكلة موجودة، تحددها صح، تفترض فروضًا لحل المشكلة، الفروض في عدة احتمالات، وقد يكون من احتمالاتها: ماذا أسوأ الاحتمالات؟ قد يكون مشكلة وتنحل، فهذا هو الفروض، ستساعدك عندما تمشي في المشكلة، إذا ما نجحت الخطوة التي أنت فعلتها أو العلاج الذي أنت وضعته وستذهب إلى أسلوب آخر، وهكذا، لكن إذا ما وضعت هذه الفروض ستنصدم، حاولت وقف الطرق، طيب أنت في أول الطريق ما نجحت في الطريق في الأول اتخذ الطريق الثاني، ما نجحت في الأسلوب الأول اتخذ الأسلوب الثاني، فإذا فرضت هذه الفرضيات تستطيع أن تستخدم عدة أساليب؛ لأنك احتملت أنه لا ينجح هذا الأسلوب أو لا تنجح هذه القضية.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد.
↑1 | أخرجه مسلم (2720). |
---|---|
↑2 | أخرجه أبو داود (5090)، وأحمد في المسند (20430)، وقال محققوه: "إسناده حسن في المتابعات والشواهد"، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3388). |
↑3 | أخرجه الترمذي (2140)، وقال: "وهذا حديث حسن"، وأحمد في المسند (12107)، وقال محققوه: "إسناده قوي على شرط مسلم"، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7987). |
↑4 | انظر: شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر (ص: 246). |
↑5 | أخرجه مسلم (1763). |