المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فبعون الله هذا هو اللقاء السابع من المجموعة الثامنة من: التطبيقات التربوية والنفسية من الكتاب والسنة.
أسأل الله أن ينفع، وأن يبارك.
سبق الحديث في اللقاءات الثلاثة الأخيرة عن: "التربية على قوة الإرادة"، وهذا هو اللقاء الرابع، وسنختم -بإذن الله - ما يتعلق بهذا الموضوع، وستكون معنا موضوعاتٌ أخرى في لقاءاتٍ قادمةٍ، بعون الله .
وسنختم اليوم -إن شاء الله تعالى- بالحديث عن الأمور التي تُضعف الإرادة عند الأفراد.
ضعف تحميل المسؤولية
من هذه الأمور: ما يتعلق بقضية الاعتمادية، وضعف تحميل المسؤولية، وهذه قضيةٌ نحتاج أن نتنبه لها مع أجيالنا منذ نُعومة الأظفار، يعني: نحن نتساهل كثيرًا بمرحلة الطفولة، وكأننا نتصور أن هذه المرحلة خارج التغطية، بينما هي أُسّ البناء، فهي مهمةٌ جدًّا، من مراحل دخول المدرسة.
سأُعطيكم مثالًا: كثيرٌ منا تجده إذا سقط شيءٌ من يد الطفل على الأرض -وخاصةً من العنصر النسائي- يأخذه بدلًا منه، وهذا بحد ذاته خطأٌ، وإننا نفعل هذا رحمةً وشفقةً على الطفل، والطفل لم يُسقط الشيء بسبب ثقله، وإذا كان الأمر مُتعلقًا بكونه حملًا ثقيلًا عليه فهذا شيءٌ آخر، لكن هو سقط كما يسقط أي شيءٍ آخر، فنعطف عليه ونحمل عنه.
لكن لو قلنا له: خذ هذا يا ولدي، الله يُوفقك ويُبارك فيك. وأُساعده إذا كان يحتاج إلى مساعدةٍ.
فهذا الإجراء البسيط يُعوِّده على تحمل المسؤولية منذ نعومة أظفاره، وقد لا يفهم المقصود، لكنه يُمارسه عمليًّا.
نحن لا يهمنا أن يفهم ويُجاوب في الاختبارات ويأخذ عشرةً من عشرةٍ، أو امتيازًا، هذا العلم الذي يقتصر على هذا الجانب ما نفعنا كثيرًا؛ إذ هو عبارةٌ عن حفظٍ، وليست هناك ممارسةٌ.
لذلك نستطيع أن نُعوِّدهم على تحمل المسؤولية منذ نعومة أظفارهم، وبأمورٍ بسيطةٍ جدًّا، كما فعل النبي مع أنس بن مالك ، فقد حمَّله مسؤولياتٍ معينةً، وخاصةً، وهو طفلٌ صغيرٌ يلعب مع الصبيان[1]أخرجه مسلم (2309-2310)، وأبو داود (4774)..
لذلك نحتاج أن نضع هذه القضية في الذهن، فالطفل يشعر أنه كبيرٌ ورجلٌ إذا شعر أنه يتحمل مسؤولية الكبار، فإذا أصبح كبيرًا ومُراهقًا وشابًّا لا شك أن هذه القضية ستكون أولى بالشعور من مرحلة الطفولة.
فنحتاج ألا نستصغر التربية والتدريب على تحمل المسؤولية، ونصبر على أبنائنا، وبعضنا يقول: ما الذي يضمن لي أن ابني يقوم بهذا الدور؟!
المشكلة أن هذا الكلام ليس مع الأطفال، بل يكون مع الكبار، يكون الأب حارًّا، والأم حارَّةً، ويُريدون إنجازًا سريعًا جدًّا، قد يتعثر الابن أو البنت في الإنجاز، فلا يُعطى الثقة، ولا يُحمّل مسؤوليةً، ونقوم بالدور بعدئذٍ.
فينبغي الانتباه لهذه القضايا؛ لأن هذا الموضوع يجعل الإرادة بالنسبة لأجيالنا ضعيفةً، وأصحاب قوة الإرادة في الغالب تحملوا مسؤولياتٍ في حياتهم، كدُّوا في حياتهم، عندهم إرادةٌ، ولم ينشأ الواحد منهم في بيئة دلالٍ ودلعٍ وحمايةٍ زائدةٍ، وإنما نشأ في بيئةٍ تُحمّله المسؤولية.
والمسؤوليات لا يلزم أن تكون مسؤولياتٍ كبيرةً، أو فيها خطورةٌ، بحيث إنه إذا لم ينجح ترتب على الابن، أو الطالب، أو الفرد في المجتمع مشاكل على نفسه وعلى غيره، لا، ليس هذا المقصود هنا؛ لأن القضايا تأتي بالتدريج، لكن لو كلّف أحد الأبناء بمفتاحٍ: أنت المسؤول عن هذا المفتاح، أنت المسؤول عن هذه الورقة وتعليقها، ثم إذا انتهى اليوم عليك أن تُزيلها.
هذه مسؤولياتٌ، ومع اختلاف هذه المسؤوليات يشعر أنه يُمارس دورًا؛ ولذلك ينبغي أن نسعى إلى تربية أبنائنا على تحمّل المسؤولية.
أما إذا أصبحوا يعتمدون على غيرهم فهم ينتظرون من غيرهم أن يقوم بالدور، ويُريدون أن تكون الأمور كلها جاهزةً، يعني: حتى في الأمور الحياتية، فالشَّغَّالة تُجهز كل شيءٍ، فهي التي تُرتب الفراش بعدما يقوم الجميع من النوم -بغض النظر عن الضوابط الشرعية-، فيقوم الابن من النوم وتقوم البنت ولا يفعلانِ شيئًا، مع أنه ينبغي أن يُعوَّد على ترتيب الفراش، فترتيب الفراش بحد ذاته مهمةٌ، مع أنه لا يقال: هذه مهمة الشَّغَّالة!
فالشَّغَّالة يمكن أن تقوم بهذا الدور، لكن عندنا مهمةٌ أخرى، وهي تربية الأجيال على تحمل المسؤولية في هذه القضية المعينة، أما إذا صرنا نعتمد على الآخرين في كل شيءٍ فعندئذ تتزوج البنت وهي في عمر الزواج ولا تُحسن أن تطبخ طبخةً بسيطةً لزوجها!
وأعرف بعض الحالات التي حصلت فيها مشكلاتٌ أُسريةٌ بسبب هذه القضية وأمثالها؛ لأنها اعتماديةٌ، فقد رُبِّيت هذه البنت على أن كل شيءٍ جاهزٌ، كل شيءٍ موجودٌ، وبعض الأُسَر تُعاني من كون الابن إذا أتى بشيءٍ من البقالة يشعر أنه حِمْلٌ ثقيلٌ عليه؛ لأنه ما تعوَّد على ذلك.
أنا أقول: ليكن مثلًا في حاجةٍ إلى السائق، فيكون السائق موجودًا، وهناك أُسَرٌ ناجحةٌ استطاعت أن تُسير أمورها من دون حاجةٍ للسائق، وهناك عددٌ أقلّ منهم استطاعوا أن يُسيروا أمورهم من غير خادمٍ وشغَّالةٍ.
وأنا لا أتكلم عنها من ناحية الحاجة، ومن ناحية ما يلزم في هذا الجانب، لكن أتكلم عن أننا حتى مع وجودهم نستطيع أن نُبقي صلاحياتٍ ومهامَّ لأبنائنا حتى يتربوا على تحمل المسؤولية.
نقول: هذا ليس من شغلك أيها السائق الكريم، ليس من شُغلك أيتها الشَّغالة الفاضلة، ليس لك علاقةٌ بهذا الأمر؛ لأننا نُربي عيالنا.
وأعجبني أحد الزملاء عنده سائقٌ، لكنه كل صباحٍ يذهب بأبنائه ويُوصلهم إلى المدارس بنفسه.
يقول: أنا لا أحتاج إلى السائق في هذا المكان؛ لأنني أريد أن أستثمر لقائي مع أبنائي، وأنا أحتاج إلى مثل هذا اللقاء، وهي فرصتي الجميلة مع الأبناء مع هذا الصباح الباكر: أن أذهب معهم وآتي، أذهب معهم ونتكلم ونضحك، ويدخلون المدرسة وهم في نفسياتٍ طيبةٍ، وأنا قادرٌ وعندي وظيفةٌ، فأنا أوصلهم ثم أتجه لوظيفتي.
أنا أعتبر هذا تصرفًا ذكيًّا، بينما تجد البعض يقول: يا أخي، لماذا تشغل نفسك؟! أرح نفسك، لا تقم قبل دوامك. فهذا هو الذي يُفكر بالقضايا المادية البحتة، وقضايا الراحة، لكن الذي عنده مغزًى تربويٌّ عنده شيءٌ إضافيٌّ غير الجانب المادي الدنيوي البحت، فهو يستطيع أن يُكلِّف نفسه من أجل أن يستثمر هذه الفرص، حتى لو جلس السائق في غرفته ونام.
هذه من القضايا التي نحتاجها فقط لتبيين موضوع الاعتمادية وضعف تحمل المسؤولية، هذه من أسباب ضعف قوة الإرادة، أو مما يُضعف الإرادة فلا تُصبح قويةً، فكلما أعناهم على تحمل المسؤولية كلما كانوا أقرب إلى الإرادات القوية التي تنطلق من ذواتهم -بإذن الله -؛ لأنهم مارسوا الحياة، كدُّوا وتعبوا، ونجد هذا في أنفسنا، حيث نتفاوت مع أقراننا، ونجد هذا في أبنائنا بتفاوتٍ، وطلابنا يتفاوتون وهم في مرحلةٍ واحدةٍ:
فحسبكم هذا التفاوت بيننا | وكل إناءٍ بالذي فيه ينضح[2]انظر: "وفيات الأعيان" (2/ 365)، و"الدر الفريد وبيت القصيد" (7/ 477). |
فالبيئة التربوية التي نشأوا فيها اختلفت من بيئةٍ جادَّةٍ تحمل المسؤولية إلى بيئةٍ ليست جادةً تُربي على الاعتمادية، ففرقٌ بين البيئتين، وسيكون أثر ذلك فرقًا في المُنتجات: فأصحاب الاعتمادية قليلو الإرادة، وأصحاب تحمل المسؤولية قويُّو الإرادة.
الأصدقاء السلبيون وضعف الإرادة
النقطة الثانية من أسباب ضعف الإرادة: ما يتعلق بالأصدقاء، أعني: الأصدقاء السلبيين، أما الأصدقاء الإيجابيون فلا شك أنهم أعمدةٌ من أعمدة تقوية الإرادة، لكن عندما يكون الشباب الذين يُؤنسون ولدي -وهكذا الفتيات بالنسبة للبنت- هم أنفسهم ضعيفي الإرادة، فالطيور على أشكالها تقع، قل لي: مَن تُصادق؟ أقُل لك: مَن أنت؟ فلذلك احتجنا أن نزرع في أبنائنا الرغبة في تكوين علاقاتٍ مع أصدقاء أصحاب إنجازاتٍ إيجابيةٍ في هذه الحياة.
فلذلك قال الرسول : المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم مَن يُخالل[3]أخرجه أبو داود (4833)، والترمذي (2378)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3545).، هذا في قضية الدين، فما بالكم بمثل قضية الإرادة؟!
هو يعيش مع شبابٍ ضعيفي الإرادة فيما يتعلق بأعمال الخير، فسيكون مثلهم: مثل الجليس الصالح والجليس السوء[4]أخرجه البخاري (2101 و5534)، ومسلم (2628).، وإذا كان يُجالس طلابًا من زملائه لا يُقدِّرون الدراسة حقَّ قدرها، ويهزؤون، ويستهزئون بالذين يُذاكرون ويجدُّون في المذاكرة؛ سيكون مثلهم.
يعني: أنا أعطيكم مثالًا حصل لي مع أحد الطلاب في السنة الرابعة في الكلية، وقد تخرج -الله يستر علينا وعليه-: كنت أُدرس له، فلاحظتُ في يومٍ من الأيام أنه قصَّ شعره بشكلٍ غير مناسبٍ، فأخذته على جانبٍ بعد انتهاء المحاضرة وقلتُ له: يا ولدي، اتفقنا على أن في الكلية ضوابط معينةً فيما يتعلق باللباس والشعر؛ حتى تخفَّ بعض هذه العادات السلوكية الحاصلة. وهم في المستقبل سيكونون أساتذةً، وإلا فهم في الوقت الراهن طلاب كلية التربية.
فقال لي: أمهلني -إن شاء الله تعالى- إلى الفصل القادم. قلت: لِمَ أُمهلك إلى الفصل القادم؟! لماذا الفصل القادم؟! قال: في الفصل القادم سأتخرج، وعندي التطبيق، وهو آخر فصلٍ دراسيٍّ. قلت: وإذا كان الأمر كذلك، فأنت الآن مخالفٌ، وتوجد اتفاقيةٌ بيننا على هذه القضايا، والقضية واضحةٌ!
وقد استغربتُ من هذا الرجل، كأنه يتكلم بلسان غيره، وكأنه يتكلم بشيءٍ لا يملكه، مثل الشخص الذي يقول: أنا أودّ، بل قال لي بعد ذلك: أنا مُقتنعٌ بهذا الكلام، لكني لا أستطيع.
فقوله: لا أستطيع، هذه كلمة ضعف الإرادة.
فقلت: لماذا؟ قال: بكل صراحةٍ لو أني قصصتُ شعري وضبطته سيستهزئ بي زملائي، ويسخرون مني ويضحكون! طيب، وإن وافقناه على هذا الكلام سيكون ذلك منهجًا عنده في الحياة، وسنُعزز فيه الاستجابة للأصدقاء فيما يفعلونه.
فبدأتُ أناقشه ضد اتجاهه، يعني كما يُقال: إقناعه بالفكرة المُضادة، وطرد الفكرة اللاعقلانية، وهذا موجودٌ في التخصص في الجانب النفسي، وهو ما يُسمَّى بإيقاف الأفكار اللاعقلانية، وإحلال الفكرة العقلانية محلها.
فعنده فكرة أن الشباب سيسخرون منه، مع أنه مُقتنعٌ أن هذه القصَّة ليست مناسبةً، فالحل من وجهة نظره أن يبقى على ما هو عليه حتى لا يتعرض للاستهزاء؛ استجابةً لهم إلى أن يتخرج، ثم كل واحدٍ سيذهب بعد ذلك إلى مكانه، وإلى بلده، وإلى منطقته، وما شابه ذلك.
فقلت له: ممتاز. وهو طالبٌ مستواه جيدٌ في الدراسة، وليس ضعيفًا، فقلت له: الآن زملاؤك هؤلاء لو قالوا لك: لا تُذاكر، وإذا ذاكرتَ تُعتبر شاذًّا عندنا. وبدأوا يسخرون منك، ويستهزئون بك، ويُريدونك أن تكون مثلهم، إذا كان منهم الضِّعاف، أتقبل بهذا؟ قال: لا، لا أقبل بهذا. قلت: طيب، هناك ما هو أكبر منها، لو أن بعض هؤلاء الشباب -هداهم الله- عندهم تقصيرٌ في الصلاة، ورأوك محافظًا على الصلاة، وتذهب للمسجد، فبدأوا يسخرون منك، ويُلقون كلماتٍ، هل ستستجيب لهم؟ قال: لا. قلت: طيب، أنت قلت هنا: لا، وفي الثانية: لا، ولا تستطيع أن تقول في الأولى: لا، في موضوعنا الأصلي: قصة الشعر؟!
فهذه قوة الإرادة، أن تقول: لا، لمَن يُريدك أن تقول: نعم، ومحلها أن تقول: لا.
هذا يُسمونه في الجانب النفسي: تأكيد الذات، السلوك التوكيدي، يعني: أن يكون تأكيده لذاته قويًّا.
ناسٌ عندهم سلوكٌ توكيديٌّ ضعيفٌ، أو كذا، فهو يودُّ أن يقول: لا، لكن لا يقدر، ويودُّ أن يقول: نعم، لكن لا يقدر بسبب أشياء عديدةٍ جدًّا، منها قضية الأصدقاء كمثالٍ.
فلذلك الأصدقاء يُضعفون الإرادة إذا كانوا كذلك، إذا لم يكونوا أصحاب إراداتٍ قويةٍ، لكن حين يكون مع الابن شبابٌ، ومع البنت فتياتُ -ما شاء الله، تبارك الله- من حفظة كتاب الله، وفي حلقات القرآن، ويحرصون على الحضور للمسجد، وعندهم برامج وأنشطةٌ، والابن معهم، وهكذا البنت مع البنات، وما شابه ذلك، وعندهم اهتماماتٌ جيدةٌ وإيجابيةٌ؛ سيتربى على قضية قوة الإرادة.
الإحباط وأثره على الإرادة
النقطة الثالثة: الإحباط يُضعف الإرادة بلا شكٍّ؛ ولذلك ينبغي أن نبتعد عن مواطن الإحباط مع الأجيال، فهناك أساليب لتعديل السلوك بدل كلمة: فاشل، أو: ما فيك خيرٌ، وهكذا أنت من أول ما عرفناك، مع أنها ألفاظٌ عامَّةٌ لا تُصدَّق، يعني: هل هو فاشلٌ طول الحياة؟! ما عنده إيجابيةٌ في حياته؟!
ولو راجع الإنسان نفسه سيجد أن عنده أشياء نجح فيها، والذي يقول هذا الكلام في بعض الأحيان تأتي ردَّة فعلٍ انفعاليةٌ، فيقول الأب: هذا الأمر ردَّة فعلٍ ليس إلا، وإلا فحقيقة الأمر أن عنده إنجازاتٍ.
ما أعظم أن نكون على منهج النبي : نِعْم الرجلُ عبدالله لو كان يقوم من الليل[5]أخرجه البخاري (1122)، ومسلم (2479).! فأراد أن يُعدِّل سلوك عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما في قيام الليل، فأثنى عليه، ثم ذكر الجانب الذي ينبغي أن يُعدِّله.
فنحن في أمس الحاجة إلى هذا الأسلوب الاعتدالي في التأثير، أما الإحباط فحتى لو كانت عنده قوةٌ وإرادةٌ كامنةٌ هل سيفعلها؟
أبدًا، لن يُشارك، مُحبطٌ، لماذا؟
قال: والله لو أشارك سأكون الأول، لكن أعرف أنني لن أشارك، والدي سوف يتكلم عليَّ، وسيحتقرني، والأستاذ سيُثبطني ويُحبطني، فأنا لا أريد مشاكل.
فهو مُحبطٌ، يشعر بالإحباط، وعندئذٍ لن يتقدم، مع أن عنده قُدرةً على التقدم والتميز؛ ولذلك ينبغي الانتباه والابتعاد عن مواطن الإحباط، فالإحباط من وسائل إضعاف الإرادة عند الأجيال.
فلا بد أن يكون النقد نافعًا كما فعل النبي في الاعتدال في قضية النقد، بل هو مهمٌّ؛ لأنه ليس من الصواب أن نقتصر على السلبيات، وليس من الصواب أن نقتصر على الإيجابيات، حتى في التعزيز والثناء، هكذا يقول أهل الاختصاص، ويستدل بعضهم -من الاتجاه الإسلامي- بمثل كلام النبي مع عبدالله بن عمر بن الخطاب، وهو أنك لا تُثني ثناءً مطلقًا، وإنما تُعضد الثناء وتُذيل الثناء بشيءٍ من الحاجة للتعديل، فما قال: نِعْم الرجل عبدالله وسكت، بل قال: لو كان يُصلي من الليل، أحسنتَ، لكن نطلب منك المزيد، بارك الله فيك، أبدعتَ، لكن لو انتبهتَ للكلمات اللغوية وعدَّلتها. حتى يتعود الإنسان على أنه حتى في موطن الثناء والمدح يوجد عنده قصورٌ، ويحتاج إلى أن يستفيد من هذه الملحوظات.
ضعف الميول المهنية
النقطة الرابعة من أسباب ضعف الإرادة: ضعف الميول المهنية، وهي باختصارٍ: أن يكون الإنسان في المكان غير المناسب له، يعني: يتخصص في غير التخصص المناسب لشخصيته، أو يعمل في وظيفةٍ لا تتناسب مع شخصيته، أو يتزوج امرأةً لا تتناسب مع شخصيته، ومَن يفعل ذلك كيف سيكون حاله؟ هل ستكون لديه إرادةٌ قويةٌ؟
أبدًا، ستضعف هذه الإرادة، ولن تخرج حتى ولو كان الإنسان مُبدعًا؛ لأنه ليس في مكانه الصحيح لن يكون مُبدعًا.
لذلك من المهم جدًّا أن نُفتش عن التخصصات المناسبة للأبناء، وأن نُفتش عن الوظائف المناسبة لنا وللأجيال، وأن نُفتش عن الناس الذين نتشارك معهم حياتنا: زوجة، أو غيرها، من أجل أن نتجانس معهم؛ لِنُنتج، فإن كانت البيئة مُتجانسةً وإيجابيةً ستكون النتائج قويةً، وإلا فالعكس، فضعف الميول المهنية -يعني: وضع الإنسان في المهن غير المناسبة لميوله- سيُسبب ضعفًا في الإرادة.
الرسائل السلبية
الخامسة والأخيرة: الرسائل السلبية، مما يُضعف الإرادة أن يقول الإنسان لنفسه: أنا ما عندي استطاعةٌ، أنا يستحيل أن أفعل هذا الشيء، أنا غير قادرٍ. فيعيش -كما يُسمونه- إيحاءً نفسيًّا سلبيًّا، والإيحاء النفسي السلبي -الذي هو حديث الذات (self-talk) حديث النفس- يُؤثر في النفس، فهو يطبع هذه الذات على اتجاهٍ سالبٍ: لماذا لا تترك الدخان؟ لا أستطيع، طيب، لماذا لا تتحسن في دراستك؟ أنا هذا وضعي، ولا يمكن أن أتحسن، طيب، لماذا أنت دائمًا في مشاكل مع الزوجة، ومع أسرتك، ومع عيالك؟ يقول: هكذا أُسرتنا، دائمًا في مشاكل.
هذه كلها إشاراتٌ ورسائل سلبيةٌ، قد تحكي الواقع من حيث وجود مشاكل، ومن حيث إن هناك كذا، لكنها لا تحكي الأمور على الدوام: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا [الرعد:11]، يعني: هل هناك إمكانيةٌ للتغيير أم لا؟
هناك إمكانيةٌ أن نُعدِّل، وإنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم[6]أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2663)، وفي "مسند الشاميين" (2103)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (2328).، أما أن نستسلم، لا، علينا أن نُعدِّل، فبدلًا من أن نعيش ويعيش أبناؤنا الإيحاء النفسي السلبي، علينا أن نجعلهم يعيشون الإيحاء النفسي الإيجابي: بإذن الله أنا قادرٌ. وهو لم يُجرب الممارسة والمسابقة والدخول فيها.
ولدي ما بك مُتردِّدٌ؟
قال: لا أظن أني سأنجح يا أبي، ولا أظن أني سأُحقق المستوى المطلوب.
يا ولدي، بالعكس، قل: إن شاء الله سأنجح، بإذن الله سأتفوق.
إذا دخل الإنسان وفي باله أنه لن ينجح ولن يتفوق، هل سينجح؟ هل طاقته ستشتغل على أنه سينجح، أو ستكون ضعيفةً؟
ستكون ضعيفةً.
وأنا دائمًا أضرب مثالًا في هذا الموضوع: لو دخل اثنان للصلاة مع قارئٍ للقرآن مُتقنٍ مُرَتِّلٍ مُؤثرٍ في قراءته، فالأول: أحمد وضع في باله أنه سيخشع مع هذا الإمام -بإذن الله -؛ لأنها فرصةٌ ثمينةٌ أن يسمع القرآن من هذا الرجل.
والثاني: إبراهيم قال: يا أخي، أنا صليتُ خلف السديس، وخلف سعود الشريم، وخلف فلان، وفلان، ولم أتأثر بشيءٍ.
هذا رسالته سلبيةٌ، والأول إيجابيةٌ.
بالله عليكم، أي الشخصين سيكون قابلًا للخشوع: الأول أو الثاني؟
الأول بلا شكٍّ، فالجانب النفسي سيُؤثر على الاستقبال والتأثر، أما الثاني فقد وضع حواجز وهميةً، لكنها مُؤثرةٌ.
هذه قضية الإيحاء السلبي، وهي مُرتبطةُ بأشياء عديدةٍ جدًّا في الصلاة، ومرتبطةٌ بالقراءة: أنا لا أعرف أن أقرأ، ولو قرأت فإني أقرأ صفحةً وأقف. وبالفعل لو قرأ يقرأ صفحةً ويقف، وكل الذين قرأوا كانوا في البداية يقرأون صفحاتٍ قليلةً، وبالممارسة زادت الصفحات، والناس يختلفون.
وتقول لآخر: قم واخطب. فيقول: لا، لو خطبتُ ستنتفض رجلي وأسقط، ويُغشى عليَّ!
طيب، جرِّب، ولا تخطب أمام ناسٍ كثيرين، أو افعل مثلما يفعل بعض الشباب: يخطب ويتعوَّد على الخطابة في مساجد غير العرب، يعني: العجم، فهم لا يفهمون الخطبة، وهذا جيدٌ.
وأنا حضرتُ لبعض هؤلاء المُتدربين من الشباب في المرحلة الثانوية، وقد كانوا يتدربون بهذه الطريقة، وهذا أسلوبٌ جيدٌ لكسر حاجز الخوف الذي عندهم، وما شابه ذلك.
وسمعتُ خطبةً لأحد شباب الثانوية، وكان عنده شيءٌ من التردد في الكلام، وربما في بعض الأحيان لا يُوفَّق في استقامة اللسان لأمرٍ ابتلاه الله به، لكن -ما شاء الله، تبارك الله- انطلق في الخطبة من أولها إلى آخرها، وكانت خطبةً قصيرةً لكنها مُتقنةٌ، فقد أجاد في الإلقاء، وأجاد في اللغة، وكنت أبحث عن خطأ لغويٍّ ولم أستطع أن أجد خطأً، ما شاء الله، تبارك الله.
فنحتاج للرسائل الإيجابية، وأجزم بعد توفيق الله له ولأمثاله أنه دخل إلى هذه المسابقة ومعه رسائل إيجابيةٌ، ولو كانت معه رسائل سلبيةٌ ربما ما اعتلى المنبر بحالٍ من الأحوال إلا أن يكون مدفوعًا، مغصوبًا.
لذلك ينبغي أن تعيش أجيالنا مع الرسائل الإيجابية، وكذلك نعيش نحن أنفسنا مع الرسائل الإيجابية؛ حتى نستطيع أن نُنتج لأنفسنا، وتُنتج الأجيال لأنفسها ولمجتمعاتها.
هذه نقاطٌ مهمةٌ في موضوع: كيف تكون إرادتنا قويةً؟
أهمية الضبط الذاتي لتحقيق قوة الإرادة
سبق أن تكلمنا عن الضبط الذاتي في حلقاتٍ سابقةٍ، فنذكر بعض الأشياء المتعلقة بهذا الموضوع لربطه بموضوع قوة الإرادة.
كنا تكلمنا عنها في مواطن عندما تحدثنا عن سلسلة العادات، وتكلمنا عن قضية الانفعالات وضبط الانفعالات، وتكلمنا عن هذه القضية التي سأُشير إليها إشارةً سريعةً.
الإنسان عنده دوافع في الحياة، ويحتاج أن يُشبعها، وقد يُشبعها بما لا يرضاه الله ، وبما يعود عليه بالضرر، فمَن الذي سيُساعده بعد الله؟
قوة الإرادة، أو الضبط الذاتي (self-control)، يضبط نفسه، وكذلك إذا كان المجتمع يُساعده على الضبط يُسمونه: الضبط المجتمعي، فكلما اجتمع الضبط الذاتي بقوته والضبط المُجتمعي كلما اتجه الشخص اتجاهًا إيجابيًّا.
فالإنسان يحتاج إلى هذا الضبط الذاتي الذي يُساعده على تحقيق الدافع، أيًّا كان الدافع: كدافع الجوع، فيأكل لكن بشَرَهٍ ونَهَمٍ، اضبط نفسك حتى لا يُسبب ذلك عندك أمراضًا صحيةً.
عنده الدافع الجنسي، ما قلنا: لا، كل واحدٍ عنده دافعٌ جنسيٌّ، ما دام الواحد قد بلغ، فيذهب البعض وينظر للحرام، وحين يُقال له: لِمَ تفعل ذلك؟ يقول: تلبيةً للدافع الجنسي. لا، اضبط نفسك، وغُضَّ البصر، واحفظ جوارحك مما حرَّم الله ، وهكذا.
الدافع حبّ الاستطلاع، فهو يُحب أن يقرأ، ويُحب أن يكتشف، فيكتشف حتى الحرام، ويقرأ في كتب السحر والشَّعوذة، ويقرأ في الأديان، ويقرأ في الإلحاد.
وأعرف بعض الشباب الذين قرأوا في هذه الاتجاهات، وانتكست فِطَرهم، وتغيَّرت أفكارهم؛ لأنهم دخلوا في دهاليز لا يقوون عليها.
والرسول منع عمر بن الخطاب فقال: أَمُتَهَوِّكُونَ كما تَهَوَّكَتِ اليهودُ والنصارى؟! لقد تركتُكم على المَحَجَّة البيضاء[7]أخرجه أحمد في "المسند" (15156)، وحسنه الألباني في "تحقيق مشكاة المصابيح" (177).، يعني: اتركها يا عمر، والنداء لعمر ولكل أبناء الأمة بعد عمر: كُن يا عمر مع المنبع الصافي، لا تُشوش منبعك الصافي بالأخذ من تلك الأشياء.
ما الذي يجعل الإنسان يُحب القراءة، فيقرأ هذا ولا يقرأ هذا؟
الضبط الذاتي وقوة الإرادة: حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11]، ما الذي يجعل الإنسان إذا جاءته خاطرةٌ سيئةٌ يقول: أعوذ بالله؟ فليتعوَّذ بالله ولينتهِ[8]أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134).، إنها قوة الإرادة والضبط الذاتي، وهذا من أجمل ما يكون.
ما الذي يجعل الإنسان يضبط انفعاله عندما يغضب؟
يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، سهلةٌ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، نُجيب عليها في الاختبار: ماذا يقول الإنسان؟
المشروع للإنسان حينما يغضب أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. سهلٌ جدًّا أن نُجيب عليه ونأخذ درجةً كاملةً، لكن الكلام ليس في هذا، الكلام عندما نقف موقف انفعالٍ وغضبٍ هل نقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو لا؟ هذا الكلام، هذا الضبط الذاتي.
هناك أناسٌ ينجحون، وأناسٌ لا ينجحون حتى لو كانوا يعلمون، حتى لو كانوا يعرفون، والسبب أن الذين ينجحون هم أصحاب قوة الإرادة -جعلنا الله وإياكم منهم-، أصحاب الضبط الذاتي (self-control)، هذه مهمةٌ.
ولذلك الاعتماديون عندهم الإرادة ضعيفةٌ، وعندهم الضبط الذاتي ضعيفٌ؛ لأنه اعتماديٌّ ينتظر غيره أن يُساعده، وغيره هو الذي يُوجهه، وغيره هو الذي يُعينه، وغيره هو المُؤثِّر فيه، فهذا هو الضبط الخارجي، لكن صاحب الضبط الذاتي ضبطه داخليٌّ من ذاته.
وأدبيات الشريعة وسُنن الله واضحةٌ في أن التغيير يبدأ من الداخل، من النفس: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]، فالقضية ليست ما ترونه من مشكلاتٍ، فراجع نفسك وحاسبها، وهكذا علينا أن نُراجع أنفسنا ونُحاسبها، فلذلك ينبغي أن نتنبه.
فعلينا أن نُساعد ذواتنا على الضبط الذاتي، ونساعد أجيالنا؛ حتى نستطيع أن نقول للشيء الذي ينبغي أن يقال له: نعم، نقول له: نعم، وللشيء الذي ينبغي أن يُقال له: لا، نقول له: لا، ويفعل الواحد منا الشيء الذي فيه خلاف هواه، ولا يفعل الشيء الآخر حتى لو كان يُحبه.
هذا من أصعب الأشياء: عندما يكون هناك صراعٌ بين ما تُحبه النفس وما يُريده الله ، فهو يُحبّ أن يسمع الأغاني، لكنه يعرف أن الله حرَّمها، فلا يُحبها، ويُحبّ أن ينظر للنساء في الحرام، لكن يعرف أن الله لا يرضى ذلك، فهذا الأمر لن يُقيمه إلا الضبط الذاتي بعد توفيق الله .
لا يُحتاج لها إلا أن تغضَّ بصرك، ولا تُشغل الأغاني، وبدل تشغيل الأغاني شغِّل إذاعة القرآن الكريم، فما هي إلا مجرد ضغطة زرٍّ، لكن هناك ضغطة زرٍّ يُحبها الله، وضغطة زرٍّ لا يُحبها الله، أتت من الضبط الذاتي.
وكلما فعلنا هذا الأمر كلما كان هذا أفضل لأنفسنا ولأجيالنا، وهم قادرون، ونحن قادرون؛ لأنه ما دام الله ابتلانا، وسيُحاسبنا، إذن عندنا قدرةٌ، أما الشخص الذي ما عنده قدرةٌ فهو معذورٌ، لكن لا يمكن أن يقول: أنا لا أقدر أن أُغمض عيني!
أذكر مرةً أني رأيتُ واحدًا يُعاكس فتاةً في الحيِّ، فأمسكته ونصحته، قال: انصحها. قلت: أنا سأذهب وأنصحها، لكن أنا أنصحك الآن. قال: طيب، هي كاشفةٌ. قلت: نعم، هي كاشفةٌ ومُخطئةٌ، وتحتاج مَن ينصحها، لكن أنت أخطأتَ لأنك أطلقتَ بصرك، والله يقول: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، فأنت ما غضضتَ البصر، ويُوجد مثلك وفي عمرك ويغضّ البصر، هناك واحدٌ مثلك تمامًا، ودافع الشهوة موجودٌ عند الجميع، فلماذا ضبط نفسه وأنت لم تضبط؟!
فهنا لا بد من التربية على الضبط الذاتي المُتعلق بضبط الإرادة وضبط الانفعالات وضبط الدوافع؛ حتى لا تضطرب الأمور وتضيع، حتى الأوقات لماذا تضيع؟ يجلس مع أصدقائه وقتًا طويلًا، ... إلى آخره، لكن لو كان عنده ضبطٌ ذاتيٌّ لرجع إلى البيت مُبكرًا، ويتعوَّد على هذا، فعنده نظامٌ نفسيٌّ، وعنده نظامٌ مجتمعيٌّ في أسرته، فيعود إلى البيت الساعة الفلانية.
لكن المشكلة إذا كان النظام لا وجودَ له في الأسرة، وليس عنده نظامٌ ذاتيٌّ، وإننا لا نحتاج إلى نظام أسرةٍ إذا كان النظام الذاتي الإيجابي موجودًا، لكن المشكلة إذا لم يكن هناك نظامٌ ذاتيٌّ، ونظام الأسرة فيه اضطرابٌ، والأشد من ذلك عندما لا يوجد نظام أسرةٍ، ولا نظامٌ ذاتيٌّ، هنا تقع الطامَّة الكبرى في التعامل مع مثل هذه القضية.
وهكذا في اكتساب العادات الإيجابية نحتاج إلى قوة إرادةٍ، واحدٌ يريد أن يكتسب العادة الإيجابية: يحتاج أن يُحافظ على الصلاة باستمرارٍ، فيحتاج إلى مُجاهدةٍ، ويحتاج لها كما قالوا في النقاط التي يذكرها أهل الاختصاص: النقطة الثالثة: تنفيذ ما يريد أن يفعله ببدايةٍ قويةٍ، يعني: يبدأ بقوةٍ، هذه قوة الإرادة: أودّ أن أُحافظ على الصلوات، لكنه ما حافظ على الصلوات، فهذه رَسَبَ فيها، فأين قوة الإرادة هنا؟
اضغط على نفسك، حتى لو كنت تشعر أن عندك إرادةً ضعيفةً، فالمهم أن إرادتك موجودةٌ؛ لأنها مُفَعَّلةٌ في أمورٍ دنيويةٍ أنت تُحبها، فأعمِلها في أمور الابتلاءات التي أراد الله أن يختبرك فيها.
كذلك التخلص من العادات السيئة، مثل: التدخين، ومثل: النظر لما حرَّم الله ، ومثل: الكسل، هذا يحتاج -كما يقولون- إلى الخطوة الثانية بعد القناعة: إرادةٌ قويةٌ وعزيمةٌ.
إذا قال: نعم، التدخين سيِّئٌ. فهذا جيدٌ أنه يعرف.
وأنا ما رأيتُ مُدخنًا وتكلمتُ معه إلا قال: سيئٌ، إلا مرةً واحدةً فقط في حياتي لم يُجب واحدٌ هذه الإجابة، حيث قال: التدخين حق الرجال! وأنا أشك في إجابته، يبدو أنها كانت ردة فعلٍ نفسيةً معينةً، وإلا فمكتوبٌ على علبة السجائر تحذيرٌ من التدخين، وأن فيه مضرَّةً، ... إلى آخره.
طيب، عرفنا أنها مُضرةٌ، واقتنع أنها مُضرةٌ، بعد ذلك تأتي الخطوة الثانية، وهي: قوة الإرادة والعزيمة.
قال واحدٌ لمُدخِّن: هناك جمعيةٌ اسمها: "جمعية مكافحة التدخين"، موجودةٌ في مكان كذا، يفعلون لك جلسات، وإن شاء الله يُعينوك؛ لأنه يحتاج إلى مَن يُساعده، فهو يشرب في اليوم ثلاثين سيجارةً أو أربعين، ولو كانت عنده قوة إرادةٍ لاستطاع تدريجيًّا مع نفسه أن يتوقف.
مرَّ أسبوعٌ فسأله: هل ذهبت يا فلان؟ قال: لا والله، المكان بعيدٌ.
فالإرادة عنده ضعيفةٌ، وتجده يُشغّل السيارة ويذهب إلى (الهاف مون)، أو الكورنيش، أو السوق، أو مباراة كرة القدم، أو الوظيفة، لكن هذه ما ذهب لها!
فلا يكفي هذا، لا بد من الإرادة القوية؛ حتى نُنجز التخلص من العادات السيئة، ونكتسب العادات الحسنة.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وما كان من صوابٍ فمن الله، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان.
وبهذا نكون قد انتهينا من التربية على قوة الإرادة في أربع حلقاتٍ، ولله الحمد والمِنَّة، ونبدأ في موضوعٍ جديدٍ في الأسبوع القادم.
والحمد لله رب العالمين.
↑1 | أخرجه مسلم (2309-2310)، وأبو داود (4774). |
---|---|
↑2 | انظر: "وفيات الأعيان" (2/ 365)، و"الدر الفريد وبيت القصيد" (7/ 477). |
↑3 | أخرجه أبو داود (4833)، والترمذي (2378)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3545). |
↑4 | أخرجه البخاري (2101 و5534)، ومسلم (2628). |
↑5 | أخرجه البخاري (1122)، ومسلم (2479). |
↑6 | أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2663)، وفي "مسند الشاميين" (2103)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (2328). |
↑7 | أخرجه أحمد في "المسند" (15156)، وحسنه الألباني في "تحقيق مشكاة المصابيح" (177). |
↑8 | أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134). |