المحتوى
مقدمة
هذا اللقاء الثالث في فنون التعامل، وضمن سلسلة: "تطبيقات تربوية ونفسية من الكتاب والسنة"..
فبعد أن أخذنا سبعة فنون: الأسلوب غير المباشر في النقد والتوجيه، فالناس يحبون هذا، والناس يحبون عدم التركيز على السلبيات وإظهار الإيجابيات، ويحبون من ينسى الزلات، ويحبون من يعاملهم بتواضع، ويحبون من لا يتسرع في العتاب والتأنيب، ويحبون من لا يتمادى في الخطأ رغم وضوحه، ويحبون من لا ينسب الفضل لنفسه، وسنكمل ما تبقى من هذه القضايا والفنون، ثم نعرج على بقية الأسئلة إن شاء الله، ونسأل الله العون والتوفيق.
ثامناً (من فنون التعامل): أن الناس يحبون من يهتم بهم
وهذه قضية في التأثير ما بين الزوجين، والآباء والأبناء، وكذلك المعلمين والطلاب وأي شخص تجاه الآخر ما دمت تبرز اهتمامًا فيهم ما دمت تهتم، بهذا الشخص المقابل فأنت تكسبه وتهتم به، فالناس يحرصون على من يفكر فيهم، ويحرص عليهم، ويشغل بالهم، وهذه من الوسائل التي تؤثر في هؤلاء الناس، لما يأتي النبي ﷺ ويقول: تهادوا تحابوا[1]أخرجه البخاري في الأدب المفرد (594)، والطبراني في الأوسط (7240)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3004). [رواه البخاري في الأدب المفرد]، فقضية الهدية هي موطن اهتمام فعندما يهدي الزوج لزوجته، والزوجة تهدي لزوجها، والأب يهدي لابنه إلى آخره، فلا شك أن هذه القضية فيها جانب من الشعور بالاهتمام والعناية، والرعاية.
فالناس يحبون من يهتم بهم، بماذا يفكرون؟ ما الذي يشغل بالهم؟ عندما يأتي شخص مثلًا وتقول له: كأني أراك مشغولًا ما الذي يشغل بالك؟ كأني أراك مهمومًا، المعلم يقول للطالب: كأنك لست الأول عسى خير؟!
ويقول الزوج لزوجته مثل هذه القضية، والابن لأبيه، والأب لابنه، لا شك أن هذا الحرص في إبراز الاهتمام هي فنية عظيمة جدًا في كسب القلوب، والتأثير فيهم، يقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد - يعني مسجد المدينة- شهرًا ...[2]أخرجه الطبراني في الكبير (13646)، والأوسط (6026)، والصغير (861)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (176).، [رواه الطبراني].
هذه مظاهر من مظاهر الاهتمام بالآخرين والعناية بهم، وتفقد أحوالهم، لا شك أن فيه تأثيرًا كبيرًا فيهم، وحينما تجد شخصًا من بلاد الشام من سوريا مثلًا، وتبرز اهتمامك بقضية سوريا، وتبرز عنايتك بهذه القضية، وغيرها من بلاد المسلمين لا شك أن الشخص المقابل يشعر بعناية واهتمام، يختلف عمن يجلس مع سوري في ظل هذه الأوضاع ويتكلم في قضايا الدنيا ويشرق ويغرب ويلتقي معه عدة مرات دون أن يسأله عن قضية ما يدور في سوريا، لا شك أن هذا فرق بين الأول وفرق بين الثاني، فلذلك نحتاج أن نهتم بهذه القضية.
أثر استحضار الموظف النية في قضاء حوائج الناس
الموظفون الذين يعملون تحت دائرة معينة حينما يدركون بأن قضاء حوائج الآخرين ومعاملاتهم هي من قضاء حوائج الناس التي قال فيها النبي ﷺ: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس[3]أخرجه الطبراني في الأوسط (6026)، والكبير (861)، والقضاعي في مسنده (129)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3289). [رواه الطبراني في الأوسط، والكبير، والقضاعي في مسنده].
يحدثني أحد المسؤولين في إحدى الجهات الرسمية وهو مسؤول دائرة[4]دائرته فيه احتكاك بالناس وحاجات الناس، ويتعرض الموظفون عنده لإحراجات الناس.، وهو رجل لطيف، ولأول مرة ألتقي به، سحرني بأسلوبه، فهو مجيد لفنون التعامل، فاستفدت منه أكثر من أن أقرأ وأقدم، فهنيئًا له ذلك، فكان مما قال: أنا أجمع الموظفين، فأقول لهم: ألا يكفيكم حينما يأتيكم الشخص من بعيد، ومن سفر، وهو متعب أنكم تبشون في وجهه، وتقضون حاجته، ثم يدعو لكم، ويقول لكم: جزاكم الله خيرًا وبيض الله وجوهكم، وأسعدكم في الدنيا والآخرة.
هذا شعور إنسان يقضي حوائج الناس، ويهتم بهم ويبش في وجوههم، لو تركنا القضية إلى ذواتنا نحن ما خلصنا من حاجات الناس كل واحد سيتمحور حول ذاته، الأب سيتمحور حول ذاته، والزوجة حول ذاتها، المعلم حول ذاته، كل واحد يريد إسعاد نفسه فقط ولا يهتم بالآخرين، وإذا نظرنا إلى النبي عليه الصلاة والسلام إلى مستوى أنه يتعامل مع الطفل الصغير فيُرّضيه، ويهتم به عليه الصلاة والسلام، فيقول لهذا الطفل الذي معه الطير وقد مات والطفل يقلبه وهو حزين: يا أبا عمير ما فعل النغير، أخرجه [5]البخاري (6129)، و(6203)، ومسلم (2150).. [رواه البخاري ومسلم]، فهذه صورة من صور الاهتمام والعناية من النبي عليه الصلاة والسلام بمثل هؤلاء الناس.
وفي تجربة ودراسة فرنسية في فترة من الفترات احتل العمال المصانع، ولكن بعض العمال ما أضربوا عن العمل وجدوا في الدراسة أن العمال الذين أضربوا وقاموا بهذا الإجراء هم الذين كان تعامل الرؤساء معهم وتواصلهم سيئًا، بينما الذين لم يضربوا هم الذين كان تواصل وتعامل الرؤساء معهم بطريقة إيجابية وفيها اهتمام وعناية ورعاية؛ فلذلك ينتبه لهذه القضية.
يسأل البعض ابني يتمرد، ابنتي تتمرد، ويسأل المعلم الطالب يتمرد، ابحث عن أسلوب تعاملك، وهذا دائمًا إذا جاءتني استشارة في هذه القضية بالذات أول سؤال أسأله كيف طريق تعاملك مع الطرف الآخر؟ وهذه قضية مهمة جدًا لنسأل أنفسنا لكن ربما سنجد الإجابة على خلاف هدي النبي ﷺ، فنحتاج أن ندرك هل نحن ممن يظهر اهتمامه بأبنائه؟ عندئذ ربما سنجد أن أبناءنا مثل هؤلاء العمال الذين سيضربون سيتمردون بسبب لم يتعامل معهم بالطريقة الصحيحة.
تاسعًا: الناس يتأثرون ويحبون الذي يستمع إلى حديثهم
فالنبي ﷺ لما أتى إليه أبو الوليد وأخذ يتكلم معه فيما لا يرضاه الله حتى قضى ما في نفسه، ثم الرسول ﷺ قال: أفرغت يا أبا الوليد[6]أخرجه الحاكم في المستدرك (3002)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، وأبو يعلى في مسنده (1818)، وذكره … Continue reading فاسمع مني، وقرأ عليه الآيات في فصلت عليه الصلاة والسلام، [رواه الحاكم في المستدرك، وأبو يعلى في مسنده].
فهذا الاستماع من النبي ﷺ جعل هذا الرجل وهو كافر يتأثر به ﷺ ويرجع إلى قومه بغير الوجه الذي ذهب به، فكم نحن بحاجة إلى هذا الاستماع والإنصات!، ففيه أناس مستوى الكلام منهم إلى غيرهم يفوق مستوى استماعهم إلى غيرهم، يريد فقط يتكلم، تكلم بما يحق لك أن تتكلم به أيضًا لا بد أن تستمع، وكما يقال: بأن النجاح في مستوى استماع الإنسان أكثر من حديثه فهو يستمع أكثر ويتكلم أقل، ولعل النبي ﷺ كان جزلًا في ألفاظه كثيرًا في استماعه، فالإنسان حتى هذا يسمى بالشخص المتحدث اللبق، فهو متحدث لكنه لبق؛ لكثرة استماعه.
ودلت الدراسات على أن من يستمع لصاحب الحاجة، ويعطيهم من نفسه، والمعلم الذي يعطي الساعات المكتبية والموظف يعطي الساعات المكتبية للعمال والموظفين ويلتقي بهم ويستمع إلى أسئلتهم وإلى مشاكلهم هو أكثر تأثيرًا في الطرف الآخر، ونحن بأمس الحاجة إلى رعاية مثل هذه القضية والانتباه لها.
عاشرًا: الناس يحبون من يبتعد عن الجدال
والمناقشة والحوار أمر مطلوب ومهم، وقد حاور النبي ﷺ الشاب في قضية الزنا، وحاور النبي ﷺ الأعرابي، وحاور النبي ﷺ أمته، بل حاور الكفار عليه الصلاة والسلام لكن الجدال كما قال النبي ﷺ: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا ...[7]أخرجه أبو داود (4800)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1464).كما يجادل الزوج زوجته والابن أباه جدال عقيم، كمن يجادل يريد إفحام الخصم فقط، لا يريد إحقاق الحق، يعني لما يأتي الابن ويتناقش مع أبيه، أو العكس، أو بين الزوجين، أو بين المعلم وتلاميذه إلى آخره ويريدون أن يصلوا للصواب هذا قضية مهمة طيبة حوار ونقاش ممتاز مطلوب لكن لما يصل لقضية الجدال يجب أن نبتعد عن هذه القضية تمامًا.
يذكر البعض أساليب جميلة جدًا للابتعاد عن مثل هذه الأشياء وتستخرج الكوامن الطيبة في الشخص المقابل، تقول: أنا أعرف أنك لو تبين لك الحق في المسألة، أو تبين لكِ الحق في المسألة فلن تتركيه الآن هذه صورة إيجابية صفة إيجابية الذي يتصور الحق ولم يتركه إيجابية، فأنت تعطيه المقابل حتى لا يدخل في الجدال، وهذه من أساليب فك الجدال عند الأطراف، أو عند الطرف الآخر أنك تستخرج الكوامن الطيبة عنده حتى تهدأ نفسه.
حادي عشر: الناس يحبون من يقدّرهم ويحترمهم في التعامل معهم
لما يقول الله : وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ... [الإسراء: 70]، فالله كرّم بني آدم حتى الكافر مكرم، ولا بد من رعاية هذه الكرامة في الإنسان، فالذي يقدر ويحترم هو الذي يرعى الكرامة، أما الذي يُهين ويُسيئ فتكون الإساءة من طرف تجاه طرف، مربي ومتربي، زوج وزوجته، والعكس، أب وأبناءه، ومعلم وطلابه.
وقد التقيت بأحد الطلاب قريبًا وهو يتكلم عن أسلوب تعامل فج من الأستاذ، ولو وضعوا الأستاذ نفسه في مكان هذا الطالب لما قبل هذا الأسلوب في الإهانة، وفي الإساءة إليه، وفي تحقيره، هذه قضية مهمة تضبط التعامل في نفس الوقت وتؤثر في الطرف الآخر إيجابيًا إذا ضبطنا هذه القضية، فالإنسان يُقدر ويُحترم، يحترم الطالب، يحترم الابن، يحترم الرأي حتى ولو كان الرأي فيه خطأ لا المشكلة أن يكون الرأي خطأ، هو ليس الآن البت بأنني سأتخذ قرارًا، أو سيكون الرأي الخطأ هو القرار السليم، ولم يقل هذا أحد، فقط استمع واحترم هذا الرأي وقدره ولا يلزم أنك تلتزم به إذا كان ليس صوابًا، فأبرز التقدير تعال يا ولدي اجلس لأسمع منك، هات ما عندك وخذ راحتك هذا التقدير والاحترام، دخلت فاطمة بنت محمد ﷺ ورضي عنها على أبيها عليه الصلاة والسلام، فقام لها وقبلها[8]أخرجه البخاري (6285)، ومسلم (2450)، ولفظهما: «فلما رآها رحب قال: مرحبا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه»، وأبو داود (5217)، … Continue reading تقديرًا واحترامًا وليس فيه إهانة أو انقاص من مكانته، فهل يفعل الناس هذا مع أبنائهم وبناتهم؟!
فهذه صورة من صورة الاحترام والتقدير، وهذا الفعل يفعله البعض للكبار احترامًا وتقديرًا، ويستحيل أن يتمرد الابن أو البنت على أبيه الذي يفعل معه هذا الفعل، والبنت يستحيل أن تبحث على من يشبع عواطفها، وهل سيتمرد الطالب على معلمه؟ هل سيتمرد المرؤوس على رئيسه؟
أبدًا، لا يفعل ذلك من يقوم بمثل هذه الممارسات الجميلة، يقول الله : وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ... [آل عمران: 159]، شاورهم احترمهم قدر رأيهم اسمع آراءهم هذا من التقدير والاحترام، ولذلك هذا يبني الثقة في الآخر، ويبني الشخصية،
ومن الخطأ أن يقال: إن مثل هذه الأشياء ربما تكسبه الغرور، هذا تقدير نفسي واحترام وليس معناه منحه تذكرة ومنحه شهادة في كل صفاته وشخصيته أنه قد أجاد وأصاب، هذا جانب وجداني معنوي يؤثر في جاذبية هذا الإنسان للطرف الآخر، فنحتاج إلى أن نقف عند هذه القضية.
يقول أحد الكتاب: يرفض الإنسان الذل، ولكنه لا يكره الخدمة والعمل، بل يجد فيهما إرضاء لغريزة الإخلاص فيه شريطة أن يكون متأكدًا من احترام رئيسه وتقديره له وثقته به ومعاملته كإنسان، فكل إنسان مكرم ولا يحب أن يهينه أحد، وكذلك فلا تهن غيرك، وغيرك لا يحب أن يُهان منك أو من غيرك.
يقال: يرفض الإنسان الذل، ولكنه لا يكره الخدمة والعمل هو يتمنى يخدم ويعمل لكن إذا حصل الذل والإهانة فإنه لا ينتج، وهذا ما يسمى بالرضا الوظيفي، الإنسان ينتج حينما يكون في بيئة يرتاح فيها وظيفيًا، يجيء مبكرًا، ويطلع متأخرًا ليس عنده إشكالية، ويعطي وقتًا إضافيًا ما عنده إشكالية مرتاح، بل ربما يجد سعادته حينما يذهب إلى المدرسة التي فيها هذا الأستاذ الذي يجد القبول فيه؛ لأنه لا يجدها في البيت، ويذهب إلى الوظيفة التي يجد فيها هذا الاحترام والتقدير الذي لا يجده في البيت، وذلك المنظومة التربوية ينبغي أن تهتم بهذه القضية حتى لا يحصل أن بدائل تجذب أبناءنا، وتجذب أجيالنا عنا، فيتجهون إلينا بسبب التقدير والاحترام الذي يُرى، فإذا كان الذي يقدر ويحترم صاحب فكر منحرف، والذي يقدر ويحترم صاحب شهوات ومخدرات وبلاوي ماذا سيفعل إذن بالأجيال إذا هي نكصت، إذا هي عزفت عن المحاضن التربوية السليمة التي لا تجد منها التقدير والاحترام لا شك أن هذه معادلة خطيرة جدًا.
ثاني عشر: الناس يحبون من يفتح لهم المجال لتحقيق ذواتهم
يعني: يشعر بقيمته، يشعر بقدره، يشعر بأنه في المكان الصحيح، يشعر بأنه وُظف بشكل سليم، يشعر بأن صفاته الإيجابية مستثمرة طاقاته يشعر بأنه فعلًا مستثمر، الأب جالس يستغله في الجوانب الإيجابية التي هو يتميز فيها، وليس مكبوت ما فيك خير، أو ناسي وغافل عنه، وهو عنده طاقة كبيرة جدًا، فحينما يتحقق ذاته في الأسرة يطمئن ويشعر بالأمن النفسي داخل الأسرة، وحينما يتحقق ذاته في الفصل يشعر بالأمن النفسي في داخل الفصل، وهكذا في المجتمع.
فيجب أن نفتش ما هي مزايا الأفراد الأبناء الطلاب الأصدقاء، المرؤوسين الفرد في المجتمع حتى نستثمر هذا الفرد كل واحد منا عنده ميزة يتميز بها، فلو استغلت هذه الميزة حقق ذاته بطريقة سليمة، النبي ﷺ حقق ذوات الصحابة، أيضًا في منظومة العمل لله ليس فيه تحقيق الذوات بمفهوم ماسلو في الهرم أن تشبع ذاتك بأي طريقة، هؤلاء الغربيون يقولون الكلام هذا، لكن نحن في المنهج الإسلامي نقول: يحقق ذاته ويستثمر ما لديه لإرضاء الله ، ونفع نفسه ونفع الآخرين، هذا هو الاستثمار العظيم، فيقول النبي ﷺ: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان بن عفان...[9]أخرجه الترمذي (3790)، وأحمد في المسند (13990)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (895). [رواه الترمذي، وأحمد في المسند].
وقال النبي ﷺ مشجعًا لأبي سفيان بن حرب قبل أن يسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن[10]أخرجه مسلم (1780). [رواه مسلم].
وعيَّن النبي ﷺ أسامة بن زيد وهو صغير السن على جيش فيه كبار الصحابة كالصديق وعمر رضي الله عنهما، ولما ولي أبو بكر الخلافة يأتي إليه أبو بكر، ويستأذنه في أن يأخذ عمر الذي هو تحت إمرة أسامة، وعمره سبع عشرة سنة هل فعلًا شعر بقيمته؟
لو وضعنا أنفسنا في مكانه، لو تعاملنا مع أبنائنا مع أجيالنا بهذه الصورة، وتُعومل معنا نحن كأفراد أيضًا بهذه الصورة.
ومصعب بن عمير وهو شاب وقد كان معطرًا يعرفه نسوة مكة حينما يخرج بعطره، وتعرض للفتن، ثم أصبح أول سفير للإسلام، أرسله النبي ﷺ إلى الأوس والخزرج في المدينة يعلمهم دين الإسلام.
وحذيفة يكون هو كاتم سر النبي ﷺ، بل أنس الخادم الغلام يكتم النبي ﷺ بعض الأسرار ويقول: لا تخبر أحدًا [11]أخرجه أحمد في المسند (12784)، وقال محققوه: "حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف". ولا يخبر به حتى أمه، بل هي تقول له: لا تخبر به أحدًا ما دام محمدًا قال لك: لا تخبر به أحدًا، [رواه أحمد في المسند].
هذه الصورة يشعر الإنسان بقيمة الطفل، وغلام، وكبير، وصغير، وعالم، هذه من القضايا الجميلة جدًا في التعامل مع الناس، والتأثير فيهم من خلال تحقيق ذواتهم في الجوانب التي هم يتميزون بها.
ثالث عشر: الناس يحبون الشكر والتشجيع
في الحديث: من لا يشكر الناس لا يشكر الله[12]أخرجه الترمذي (1954)، وقال: "هذا حديث صحيح"، وأبو داود بلفظ: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس»، (4811)، وصححه الألباني … Continue reading[رواه أبو داود، والترمذي]، فلو قلت مثلًا جملة من هذه الجُمل: الله يوفقك، جزاك الله خيرًا، الله يكرمك، بارك الله فيك، أحسنت، ممتاز، تتلفظ بها أو كتابة، فكم من الوقت ستأخذ؟ ثانيتين، لكنها عند البعض ثقيلة كالجبال فوق الرأس، وربما يتكلم بكلام كثير في العتاب والتوبيخ والشتم، وإذا جاء يقول: جزاك الله خيرًا، شكرًا لك، للطرف الآخر كالابن، أو من كان، تجد أنها ثقيلة بالنسبة إليه، وإنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم[13]أخرجه الطبراني في الأوسط (2663)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (903)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2328). [رواه الطبراني في الأوسط].
فينبغي أن نشجع الآخرين، نشكرهم على إيجابياتهم، نحن الواحد منا لو قيل له: جزاك الله خيرًا، الرسول ﷺ يقول: من صُنع إليه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا فقد أبلغ في الثناء[14]أخرجه الترمذي (2035)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6368). [رواه الترمذي]، يعني: هذا منتهى البلاغ في الثناء أن الله هو الذي يجزيك الخير، فالحمد لله اللفظة هذه جزاك الله خيرًا في الثقافة بدأت تزداد في المجتمع بصورة جيدة، ولو تكون خارجة من القلب، وأيضًا تنوع بعض الألفاظ الجيدة الأخرى التي قد تكون هي أقرب عند بعض الأجيال كالأطفال، وما شابه ذلك ومؤثرة.
فالمقصود أن نشجع، ونشكر، فالرسول ﷺ قال: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فأكرم الأنصار والمهاجرة[15]أخرجه البخاري (2961)، ومسلم (1805). [رواه البخاري، ومسلم]، قال هذه في غزوة الخندق القدوة في ذاك الوقت والصحابة موجودين من الأوس والخزرج ومن المهاجرين، يقول هذا الكلام تشجيعًا، الرسول يدعو: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، ثم يتذكرهم فأكرم يا الله الأنصار والمهاجرة، وهم يسمعون فعندما تدعو لمن حولك تدعو للذي أمامك لا شك أنت في تكسبه، وهي قضية من فنيات التعامل الجميلة والرائعة، ونحن بأمس الحاجة إليها وهي لا تكلف إلا قليلًا.
قضية البعض وإن كانت ليست مشكلة عند كثير المدح، يقول: أخشى أن أمدحه ويصير المدح ليس في محله، وإلى آخره، الشكر في الشيء الذي هو في محله ويستحقه، ولا يخشى على الطرف الآخر من الغرور والزهو من خلال القرائن، فهذا أمر محمود شرعًا، أما إذا مدحنا في غير محل المدح فهذا لا يجوز، أو مدحنا من ربما من خلال القرائن دلت على أنه قد يغتر دون وسوسة، أو دون سوء الظن، فأيضًا هذه مشكلة؛ ولذلك النبي ﷺ قال: إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في وجوههم التراب[16]أخرجه مسلم (3002). [رواه مسلم]، وقال: إياكم والتمادح[17]أخرجه ابن ماجه (3743)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2674). [رواه ابن ماجه]، فهذا ليس محمولًا على المدح عمومًا والثناء عمومًا، والتشجيع، فالرسول ﷺ كما سبق أثنى ومدح لكنه في محله، وفيما يشجع على العمل الصالح، والعمل الإيجابي، فإذا كان في محله وفيما يشجع على العمل الصالح، فليكن هذا المدح هو الذي كان عليه النبي ﷺ كما في قوله: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان بن عفان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح[18]أخرجه الترمذي (3790)، وأحمد في المسند (13990)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (895).[رواه الترمذي، وأحمد في المسند].
وفي رواية أخرى ذكر فيها علي[19]أخرجه ابن ماجه (154)، وأبو داود الطيالسي (2210)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (775). [رواه ابن ماجه، وأبو داود الطيالسي]، فالمقصود هذا يتصور كل صحابي يسمع الميزة التي فيها هذا ثناء وأمام الأمة، وهذا يتناقل لكنه في محله ويقود إلى العمل الصالح.
رابع عشر: الناس يحبون الذي يصحح أخطاءهم دون جرح مشاعرهم
صحح خطأ ابنك، خطأ الطالب، خطأ صديقك، خطأ من لا تعرف في المجتمع، خطأ مرؤوسك بل خطأ رئيسك لكن دون جرح المشاعر، فالشاب الذي جاء للنبي ﷺ يستأذنه في الزنا[20]أخرجه أحمد في المسند (22211)، وقال محققوه: "إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح"، وصححه الألباني في السلسلة … Continue reading، [رواه أحمد في المسند]، صحح النبي ﷺ خطأه وتركه يذهب وليس في نفسه حاجة في الزنا، والأعرابي الذي بال في المسجد فصحح رسول الله ﷺ خطأه[21]أخرجه البخاري (6128)، ومسلم (285)..
والرسول ﷺ حين قال: نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل[22]أخرجه البخاري (1122)، ومسلم (2479).. [رواه البخاري، ومسلم]، فصحح النبي ﷺ خطأ عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بأسلوب لطيف واحتواء.
فقال للشاب الذي يستأذن في الزنا: ادنه، فدنا منه قريبًا ...، وقال للأعرابي: دعوه لا تزرموه[23]أخرجه البخاري (6025)، ومسلم (285).. [رواه البخاري، ومسلم]، وقال في الذي شرب الخمر وأُتي به مرارًا: لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله[24]أخرجه البخاري (6780): عن عمر بن الخطاب، أن رجلًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب … Continue reading[رواه البخاري].
وهنا يقول: نعم الرجل عبدالله، أساليب جاذبة؛ لتعديل السلوك لا شك أن هذه من مراعاة المشاعر.
وعندما يصحح الخطأ يسيء للمشاعر، فهذا لن يكسب الناس بحال من الأحوال، ولن يكسب الطرف الآخر، قدم رجل محاضرة، وكانت المحاضرة قوية جدًا لكنها لا تناسب الناس، فذهب هذا إلى زوجته فسألها وقد سمعت المحاضرة فقال لها: ما رأيك في المحاضرة؟
فقالت: هذا الموضوع يصلح مقالة رصينة في مجلة علمية متخصصة، فصححت الخطأ، لكن بأسلوب جميل بأسلوب رائع، أثنت عليه، ومثل الذي قدمته مقالة رصينة رائعة، فلم تقل له مثلًا: والله المحاضرة ما أحد فهمها، الله يهديك، أسلوبك صعب جدًا، هذا الأمر لم تقله، ولذلك أنت ممكن تقول للشخص: أنت لا تصلح لكذا، وممكن تقول أيضًا: أنت تصلح لغير ذلك، فكلاهما نفس النتيجة، لكن الثاني ألبق أنت تصلح لغير ذلك، تصلح تقول له مثلًا: أنت تصلح لكذا، وأنت هو جالس الآن في إطار المجال الذي هو فيه فيفهم الرسالة، ويعرف أنك توجه لشيء أفضل من ذلك، وأنه ربما ما كان على ما يرام، لكن يظهر الفرق بين الجوابين، ولذلك الأسلوب المباشر الذي سبق أن تكلمنا عنه أيضًا، والناس لا يحبون الأسلوب المباشر ينتبه لهذا لكن نحن فينا عجلة، نريد نتخلص بسرعة مع الابن، مع الزوجة، مع الطلاب، بسرعة، بسرعة، مع أن صاحب الفنون والتعامل هو الذي يتأنى، ويأخذ القضية بجانب استراتيجي، يصبر ويتحمل حتى يستطيع أن يؤثر بطريقة سليمة.
ذكر الإيجابيات في هذه النقطة، يعني يقال مثلًا: شخص تكلم بكلام وعليه ملاحظات، فنصحح الخطأ دون جرح مشاعره: نشكر حرصك على الموضوع وهذا الموضوع ممتاز، والنقاط التي تكلمت عليها رائعة مثل كذا وكذا، لكن ما ذكرته عن كذا أو النقطة كذا لا أوافقك عليها، فتبدأ بذكر الإيجابيات ثم السلبيات، أو تبدأ بالنقاط المتفق عليها.
وقد يتكلم ولدك أمامك أو زوجتك بكلام عليه ملحوظات، فصحح الخطأ دون جرح المشاعر، تبدأ بالإيجابيات ثم تصحح الخطأ بأسلوب رائع، أما أن تقول مثلًا: أسلوبك وكلامك ما له قيمة، ولا فيه فائدة، وخاصة النقطة هذه، فهذا جرح للمشاعر، ونسف وتحطيم لنفسيته أو نفسيتها.
خامس عشر: الناس يحبون من يناديهم بأحب أسمائهم
وهكذا كان النبي ﷺ إلى مستوى الأطفال كما سبق: يا أبا عمير ما فعل النغير، وكان يحب أن ينادي الناس بأسمائهم، وهكذا أهل الجنة ينادون بأحب الأسماء إليهم في الدنيا، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة، وقد ثبت في التجارب والدراسات أن المربي والمسؤول، والقائد الذي يتعامل مع من معه، والأب مع أبنائه، بذكر الأسماء أثره أكبر من الشخص الذي ينسى الأسماء أو لا يذكر الأسماء.
لكن أحيانًا قد ينسى الإنسان الاسم أو لا يعرف الشخص فقد يُنادى بــ: الطيّب، أو يا أستاذ، وهذا حسن وجيد، وفي بعض الأماكن قد ينادى من لا يعرف اسمه بمحمد، فيقال: يا محمد، واسمه خالد أو عبد الرحمن مثلًا، فهذا شيء لا يعجبه، والأحسن من ذلك كله أن تسأله عن اسمه، وحين تسأله عن اسمه يدل على اهتمامك به، فالشخص الذي يسأل عن الاسم معناه أنه محل عناية الطرف الآخر.
فبهذه الطريقة نكسب الناس ونتألفهم في دينهم وهم مسلمين، ويحبوننا، وينجذبون إلى أخلاقنا، وإذا كان ليس مسلمًا يصبح مسلمًا، وهكذا.
فهذه خمسة عشر نقطة في فنون التعامل مهم جدًا أن نتدرب عليها، قد سمعت الأذن ووعي العقل تفاعل الوجدان والمشاعر، وأدرك الجانب القلبي هذا الأمر، وبقي التطبيق، لكن قد يوجد بعض الأشخاص في جوانب الإدراك عنده إشكالية، وكذا في التفاعل والحب عنده إشكالية لهذه الأشياء وهو غير مستعد يدخل في القضايا هذه، لذا يجب علينا أن نربي ذواتنا جميعًا على هذه القضايا، وما أعظم أن تكون قدوة لنفسك وقدوة للمجتمع، وأنت تستقرئ من القدوات، ولأجيالك حتى تعينهم على ذلك.
وهناك كتيب صغير استفدت منه جدًا في فنون التعامل للدكتور الكريم رحمة الله عليه استشاري الطب النفسي الدكتور/ عبدالله الخاطر بعنوان: "فن التعامل مع الناس"، طباعة المنتدى الإسلامي، ومجلة البيان، ففيه فائدة كبيرة.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم.
الأسئلة
نأتي إلى الأسئلة، ونسأل الله العون والتوفيق والسداد
يقول بعد المقدمة: لقد حث ديننا الكريم على مكارم الأخلاق، ومنها: إماطة الأذى عن الطريق، هل إزالة بيوت السحرة من بين بيوت المسلمين فيه حسنة؟ وهل الستر عليهم لا يحاسبنا الله عليه إذا سترهم؟
هذا لا شك أن السحر من أكبر الأذى، وتبليغ الجهات المختصة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندها قسم خاص على مستوى المملكة، وفيه قسم هنا فرع موجود في الدمام في حي الاتصالات أو قريب من ذلك خاص بالسحر فيبلغ عن هؤلاء، ولا شك أن هذا واجب.
يقول: ما هي الطرق العملية لتعزيز الأخلاق التي يجب أن يتمثلها المسلمون؟ وخاصة أن أغلب ثقافتنا أصبحت من المجتمع الغربي وخاصة أن هناك حملات شرسة من الكفار لنزع المسلمين من أخلاقهم؟
لا شك أن هناك حملات، لكنني قد أختلف مع السائل في الوصف أن ثقافتنا أصبحت مجتمع غربي، يعني أنا ليس بودي ندخل في قضايا التعميم؛ لأن هذه القضايا كما يقول أهل الاختصاص، وقبل ذلك العدل الرباني الذي أمرنا به أننا لا نغلب ونعمم إلا من خلال دراسة واقعية حقيقية، فأنا أتحفظ على هذا التغريب، لا شك أن فيه تأثير كبير مع التقنية الحديثة، وعصر الثورة الاتصالية فتحت القضية للأسف الشديد، وأثرت على أجيالنا كثيرًا، لكن الحمد لله ما زال فيه خير كبير، ونحتاج أن نعيد مثل هذه الجوانب في التربية، والجوانب النفسية حتى نستطيع أن نقدم لأجيالنا صورًا طيبة.
وكنت في لقاء مع طلاب ثانوية وقد عملنا لهم دراسة حول قيمة المسؤولية في استبانة معينة، وكان اللقاء حواري بناء على نتائج هذه الاستبانة لفت نظري في بند متعلق باستثمار التقنية أن نسبة الذين قالوا: استثمارهم يعود عليهم وعلى غيرهم بالنفع كانت الحقيقة مؤشرات مرتفعة جدًا نازلة، المؤشرات المتوسطة فما دون ملفتة للنظر، يا ليت أن نعيد هذه القضية في وضع أجيالنا، ولن يحل هذا الأمر إلا إرادة تطبيق المنهج الإسلامي في بيوتنا، وفي ذواتنا شئنا أم أبينا، البضاعة الأخرى موجودة أعني بضاعة المنهج الغربي.
ماهي الطريقة في تعزيز الأخلاق؟
الطريق رقم واحد القدوة، لا يحتاج دروس كثيرة، وللأجيال كلام كثير مطلوب، لكن الأمر المهم القدوة، لذلك ما أجمل العلاج الرباني: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد: 11]، ربط الله تغيير المجتمع بتغيير الذوات؛ لأننا إذا غيرنا أنفسنا فعلًا غيرنا المعادلة، أما نطلب شيء سحري وكأننا نطلب كبسولات من الصيدلية نأخذها ونتناولها وتغير أبناءنا نحن نغير أنفسنا أولًا.
ومن خلال حوارات مع الآباء والأمهات عبر الاستشارة بالهاتف وغيرها تبين لي أن هناك إشكالية ضخمة في الأسرة في قضية القدوات، وبالذات من الوالدين فلننبته لهذه القضية.
النقطة الثانية: التخلية والتحلية لابد من برنامج إبعاد الجوانب السيئة من الأخلاق السيئة والتنفير منها، وإحلال محلها الأخلاق الجيدة من خلال مثيرات ومعايشة حقيقية، الأصدقاء إذا كانوا أصدقاء هؤلاء الأجيال الذين يعينون على الأخلاق السيئة ماذا تريد أن تفعل؟ يعني: هي محاضرة كتاب تعطيهم توجيهات، وخطب لن ينفعه إلا أن يشاء الله ، إذا كان الرسول ﷺ يقول: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل[25]أخرجه أبو داود (4833)، والترمذي (2378)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3545). [رواه أبو داود، والترمذي]، والدراسة التي في الشرقية عملت في انحراف الأحداث دلت على أن أكبر مصيبة في انحراف الأحداث هم بسبب الأصدقاء.
ثم النقطة الأخيرة: الفراغ؛ ولذلك من الأشياء المفيدة إشغال وقت فراغه بالقيم الأخلاقية الجميلة؛ حتى يستطيع أنه لا ينحرف بالقيم السالبة.
كثير من مناشط المكتبات الطلابية تفتقد للمناهج التربويةن فما رأيك وتوجيهك لهم؟
أنا لا أوافق السائل أيضًا بالإطلاقات: كثير، وتفتقد، أنا لا أوافقه أبدًا، وأنا أعرف العديد من هذه المناشط الخيرية، لكن يحتاج لتقويم، يحتاج إلى تطوير، لا أحد يقول غير هذا الكلام فيه نقص في كل شيء يحتاج إليه، لذلك أنا أنصح بالتقويم حتى نطور أنفسنا، وأنصح بالاستفادة من أهل الخبرة والتخصص الذين يمارسون تربية الأجيال، والشِراكة في بناء المناهج مع الجهات ذات الاختصاص، في عندنا أصبح جهات ذات اختصاص، وإن كانت قليلة مقارنة بالمجتمعات الأخرى، لكنها في نمو لا بأس به، لما تأتي لمؤسسة المربي في الرياض، ومؤسسة مركز حلول الاستشارات النفسية أيضًا في الرياض، تأتي إلى مركز رؤية في القصيم للدراسات الاجتماعية، ومؤسسة تكوين للتدريب الطلابي، ومركز الخبرات الذكية، وغيرها، هذه أصحاب الآن تخصصات وفيهم خبرات، فهذه الجهات التي تعنى بالطلاب إذا استفادت من أصحاب الخبرة ستطور وضعها بإذن الله .
يقول: أنا أحد المعلمين الجدد في منطقة القطيف بما تنصحني به، هل بإعطائهم حقوقهم أم بالتساهل والتلطف؟
إعطاؤهم حقوقهم وهذا لا نقاش فيه؛ لأن هذا مقتضى العدل، والله يقول: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا...[الأنعام: 152]، ويقول في آية أخرى: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى... [المائدة: 8]، هذه قضية مهمة جدًا لا يجوز أن نسأل عنها؛ لأنها معلومة من الدين بالضرورة، فينبغي أن ننتبه للقضايا هذه، لا يجوز أن يكون هناك ظلم لكائن من كان.
الأمر الآخر: التساهل الذي يصير إليه إذا كان المقصود بالتساهل التنازل عن المبادئ فلا، أما إذا كان المقصود التلطف فهو منهج دعوي، والله يقول: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه: 44]، أمر الله موسى وهارون أن يقولا ذلك لفرعون الطاغية، فإذا كان المقصود هنا الملاينة والملاطفة هذه لا بد منها؛ لأن الخلق الحسن يؤثر في الآخرين.
ثم لا بد من مراعاة المراحل العمرية فرق بين الأطفال وبين من هم مراهقون، وإدراك الخصائص في هذا الجانب وعدم التصادم المباشر، هذا ليس من المصلحة، وإثارة الجوانب السلبية بالتصادم، وإنما بيان حقائق الدين والحق والعقيدة الصحيحة حتى يحصل عند الطرف الآخر النظر، وربما التشكيك فيما هو فيه، والسؤال، وقد فتح الله على عدد من هم بالهداية، والأمر إذا وجد من هو مؤثر لا شك أنه سيكون له أثر كبير، وكثير، نسأل الله الهداية للجميع.
ابني عمره خمس سنوات وأحاول استعمل الأسلوب الطيب قدر المستطاع والحلم لكنه عنيد، وأحيانًا أضطر للضرب غير المبرح إذا لم يسمع الكلام؟
باختصار حاول أخي أن تستخدم أسلوب التطنيش والإهمال والإغفال من أجود الأساليب عمليًا لمثل هذه الحالات التي في وضعها الغالب الطبيعي العناد، اضبط نفسك؛ لأن بعض الناس إذا رأى ولده يصيح يصيح يرجع له ما تريد يا ولدي، اسكت جزاك الله خير، لا، اتركه، هذا الجزء من القضية وقارن ما بين وضعه قبل الإهمال والإغفال والتطنيش وبعد فترة إن وجدت ستجد فرقًا فاستمر على هذه الحال، والغالب أنها تطفو خاصة مع الطفولة، ثم نصيحتي ابتعد عن الضرب، وابتعد عن الطيبة الزائدة، فكلا الأمرين طرفي قصد الأمور ذميم، ابتعد عن الضرب والقسوة، وابتعد عن الحماية الزائدة، والطيبة الزائدة، فكلاهما ينتجان تمرد وعناد، واستخدم الحوافز إذا أحسن، وإذا لم ينفع الحوافز استخدم الحرمان المعقول إذا استمر في عناده.
كيفية التعامل مع ضعيف الثقة بالنفس؟
أكسبه نقيض هذا الأمر، لا تستسلم أنت لضعف ثقته بنفسه، وحمله المسؤولية، وأنا أرى والله تعالى أعلم من أقوى أساليب إكساب الثقة بالنفس هو تحميل المسؤولية مع فنون التعامل التي ذكرناها في الشكر والتقدير والتحفيز وما شابه ذلك، حملّه المسؤولية، أشغله بعمل يحبه، ويجد نفسه فيه شجعه كافئه بالتدرج، بهذه الصورة تستطيع أما أنك تقول: أنا أريد حل كذا عمياني ما في شيء إلا وفيه تعب: إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ [الانشقاق: 6]، إذا ما كدح المربي فمن سيكدح؟!.
هناك ذنب يزعجني ويؤرقني فكيف أتوب منه؟ أرجو الدعاء
أسأل الله أن يعفو عني وعنك، وأن يعينك على ما أنت فيه ويخلصك من هذا الذنب والمسلمين جميعًا، الله يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا... [العنكبوت: 69]، لا تنتظر دعاء شخص وآخر، فأنت الذي تستطيع أن تتخلص من هذا الذنب، والله سيحاسبك: وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [مريم: 95]، ليس بيننا وبين الله ترجمان، لن يقول لك: والله فلان ما سوى لي ما أعانني ما دمت مكلفًا وأدركت التكليف فانتهى الموضوع، ولذلك لا بد أن تجاهد نفسك، هذا الشعور الذي في السؤال إيجابي، ولا بد تستمر عليه، وهو الشعور بالندم، تذكر الموت قد يأخذك الله وأنت على هذا الذنب أخي الكريم أختي الكريمة، فحاول أن تجعل قضية الموت رهن ذهنك، أو عند تفكيرك حتى الله يجعلك تتحمس وتترك تعزيز القيم الإيمانية، وأكثر من الصلوات، أكثر من الخلوات، أكثر من قراءة القرآن، تصدق، افعل من الأعمال الصالحة ما كنت تفعلها من قبل، أشغل وقتك مع الأخيار بالذات حتى تستطيع تنصرف عن الذنوب وبالذات إذا كانت الذنوب هذه خلوات بينك وبين الله ما أحد يدري عنها فحاول ألا تنفرد بها، ولا تكن معرضا نفسك للمثيرات وما أكثر هذه المثيرات اليوم، نسأل الله أن يحفظنا وإياكم بحفظه.
ما هي حدود الإيجابية وكيف نحميها من تحولها إلى صورة من صور الضعف كما يتخيلها الطرف الآخر؟
قد يتخيل أنه إيجابي لكن الطرف الآخر يفهم أن هذه الإيجابية مني هي ضعف في شخصيتي، فما عليك، لا تبال بما يقول الناس، فإذا كانت إيجابية يرضاها الله والعقل السليم يقبلها والعرف السليم يقبلها فمالك من أحد، وإذا نظرت إلى الناس فإنك ستتعب، لكن انتبه فإذا كنت مودود من غير حزم ستقع في الفخ، وإذا كنت حازم من غير ود فستقع في الفخ، فالمربي الناجح هو الذي يجمع بين الود والحزم، فالنبي ﷺ قام لفاطمة وقبل جبينها هو الذي كان يقول ﷺ: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت قطعت يدها [26]أخرجه البخاري (3475)، ومسلم (1688). هذا مبدأ ودين، وكذا من لم يستيقظ من النوم لصلاة الفجر ما فيه خله مسكين جاء آخر الليل وهو شاب مكلف لم توقظه لصلاة الفجر، تعبان وبعده وظيفة والوظيفة إذا كانت آخر الليل يستيقظ لها، لماذا الوظيفة يوقظ لها وصلاة الفجر نتخذ مثل هذه المعاذير؟، هذا الذين يقومون يصلون أما الذين لم يقوموا نسأل الله العافية والسلامة، فالود والحزم هو الحل في ذلك، والعمل والجد مع المحافظة على المبادئ قضية رئيسية جدًا.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يستعملني وإياكم في طاعته، وأن يعنني وإياكم على التعامل الحسن مع الآخرين، وأن نكتسب هذه المهارات والفنون في التعامل مع أبنائنا وأزواجنا وأهلينا، ومن نتعامل معهم في هذه الحياة، ومع المسلمين والكفار حتى نكون أصحاب رسالة.
والحمد لله رب العالمين.
↑1 | أخرجه البخاري في الأدب المفرد (594)، والطبراني في الأوسط (7240)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3004). |
---|---|
↑2 | أخرجه الطبراني في الكبير (13646)، والأوسط (6026)، والصغير (861)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (176). |
↑3 | أخرجه الطبراني في الأوسط (6026)، والكبير (861)، والقضاعي في مسنده (129)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3289). |
↑4 | دائرته فيه احتكاك بالناس وحاجات الناس، ويتعرض الموظفون عنده لإحراجات الناس. |
↑5 | البخاري (6129)، و(6203)، ومسلم (2150). |
↑6 | أخرجه الحاكم في المستدرك (3002)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، وأبو يعلى في مسنده (1818)، وذكره الألباني في صحيح السيرة النبوية (ص: 160). |
↑7 | أخرجه أبو داود (4800)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1464). |
↑8 | أخرجه البخاري (6285)، ومسلم (2450)، ولفظهما: «فلما رآها رحب قال: مرحبا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه»، وأبو داود (5217)، بلفظ: «إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها، وقبلها، وأجلسها في مجلسه»، وبهذا اللفظ أخرجه الترمذي (3872)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (4689).، |
↑9 | أخرجه الترمذي (3790)، وأحمد في المسند (13990)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (895). |
↑10 | أخرجه مسلم (1780). [رواه مسلم] |
↑11 | أخرجه أحمد في المسند (12784)، وقال محققوه: "حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف". |
↑12 | أخرجه الترمذي (1954)، وقال: "هذا حديث صحيح"، وأبو داود بلفظ: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس»، (4811)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7719). |
↑13 | أخرجه الطبراني في الأوسط (2663)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (903)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2328). |
↑14 | أخرجه الترمذي (2035)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6368). |
↑15 | أخرجه البخاري (2961)، ومسلم (1805). |
↑16 | أخرجه مسلم (3002). |
↑17 | أخرجه ابن ماجه (3743)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2674). |
↑18 | أخرجه الترمذي (3790)، وأحمد في المسند (13990)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (895). |
↑19 | أخرجه ابن ماجه (154)، وأبو داود الطيالسي (2210)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (775). |
↑20 | أخرجه أحمد في المسند (22211)، وقال محققوه: "إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (370). |
↑21 | أخرجه البخاري (6128)، ومسلم (285). |
↑22 | أخرجه البخاري (1122)، ومسلم (2479). |
↑23 | أخرجه البخاري (6025)، ومسلم (285). |
↑24 | أخرجه البخاري (6780): عن عمر بن الخطاب، أن رجلًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارًا، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوما فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله». |
↑25 | أخرجه أبو داود (4833)، والترمذي (2378)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3545). |
↑26 | أخرجه البخاري (3475)، ومسلم (1688). |