المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ، أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلَى أن يُعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا.
كما نسأله أن يُعين إخواننا في غزة، وأن ينصرهم، ويُرينا عجائب قُدرته في اليهود، وأن يُعين إخواننا في سوريا وبورما، وأن يُذلَّ أعداءهم، وأن يُعيننا وإياكم على الواجب تجاه إخواننا المسلمين، اللهم آمين.
نحن في الحلقة السادسة من المجموعة الثانية من هذه السلسلة في "التطبيقات التربوية والنفسية من الكتاب والسُّنة"، وقد بدأنا الحديث عن تربية وإرشاد الشباب في حلقتين ماضيتين، وقد تكلمنا فيهما عن الأهداف، وعن معرفة الشباب أنفسهم، وذكرنا بعض النقاط، ونستكمل -إن شاء الله تعالى- حول هذه النقاط المتعلقة بمعرفة الشاب الذي أمامك كمرحلةٍ وكشخصٍ، ففرقٌ بينه وبين الشاب الآخر.
ومَن أراد أن يُراجع السابق يجده في موقع "البث الإسلامي" (لايف إسلام) على الأرشيف، إن شاء الله تعالى.
وجود القابلية
إذا أردنا أن نُوجه الشباب والمُراهقين ونُرشدهم ونُربيهم لا بد من وجود استعدادٍ لديهم لذلك، وهو ما يُسمَّى بالقابلية، وهي قضيةٌ مهمةٌ، فنريد أن نقف مع هذا الموضوع الحسَّاس جدًّا؛ لأنه إذا لم تُوجد القابلية لن يتقبل.
وتصور طبيبًا يُعطي دواءً لمريضٍ وهو غير مُقتنعٍ به، فهل يتقبل منه؟
يمكن أن يهزَّ رأسه ويقول: طيب. ثم يذهب ولا يُقيم لكلام الطبيب أي اعتبارٍ.
فالقضية هنا مُشابهةٌ تمامًا، بل هنا أشدّ؛ لأن القضية متعلقةٌ ببناء الشخصية والجانب النفسي والتربوي؛ ولذلك من الأهمية بمكانٍ أن نُدرك أهمية الاستعداد للشباب حينما نريد أن نُربيهم ونُرشدهم: هل عندهم قابلية لذلك أم لا؟
وهنا قضيةٌ في هذا الموضوع نحتاج أن ننتبه لها، وهي: أن الدراسات أثبتت أن الشباب والمُراهقين في المراحل الأولى -يعني: في المرحلة المتوسطة- يبدؤون في الانتماء بقوةٍ إلى أصدقائهم، ويضعف شيئًا فشيئًا الأخذ من الكبار، وربما نلحظ هذا في المرحلة المتوسطة، فالذي عنده أبناء وطلابٌ يلحظ هذا، فهذا ليس غريبًا.
وليس معنى هذا أن نتركهم، وسنأتي إلى الموقف التربوي من مثل هذه الأشياء، لكننا لا نستغرب كثيرًا، وكثيرٌ من الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات يُعانون من المرحلة المتوسطة خاصةً.
وأثبتت الدراسات في مقابل ذلك أن هذه القضية تَخِفُّ في المرحلة الجامعية، يعني: في أواخر مرحلة المُراهقة يبدأ الشباب في الرجوع إلى الأخذ من الكبار.
وربما الجانب الفسيولوجي والهرمونات والبلوغ مُؤثرٌ في هذا الجانب، والذي يُسميه البعض: مرحلة الاضطراب والانفعال الشديد الذي يكون في أوائل مرحلة الشباب والمُراهقة.
وفي تركيا عُملت دراسةٌ على ثلاثة آلاف مُراهقٍ، وكان من بين الأسئلة: هل تظن أن الكبار يفهمونك على حقيقتك؟ فكانت النتيجة: أن معظم المُراهقين الذين تزيد أعمارهم على 14 سنة أجابوا بالنفي، أي: أن الكبار لا يفهموننا؛ ولذلك هذه القضية مُرتبطةٌ بشيءٍ تصوريٍّ عند المُراهق: أن الذي يفهمني هو صديقي أكثر من أبويَّ والمعلم ... إلى آخره.
طيب، كيف يمكن أن نُقنعه بأن والده أو أمه، أو المعلم والمعلمة، أو أي فردٍ كبيرٍ يتعامل مع الشباب والمُراهقين يفهمه؟
وفي دراسةٍ قام بها الدكتور: عبدالعزيز النغيمشي في الرياض على (1560) طالبًا وطالبةً من مدارس الثانوية، وكانت أعمار الطلاب ستّ عشرة سنةً، وسبع عشرة، وثماني عشرة تقريبًا، وهم مجموعةٌ من الأعمار، فوجد أن هؤلاء الشباب في هذه الأعمار هم أقلّ توجُّهًا للكبار والأساتذة، بينما مَن هم في عمر العشرين والواحد والعشرين والاثنتين والعشرين وما فوق أكثر توجُّهًا إلى الكبار، وأخذ الإرشاد والتربية منهم.
وفي دراسةٍ لـ(كرتز) قام بها على (9056) مُراهقًا، استنتج أن الإعجاب والإقبال على آراء الكبار يضعف في سِنِيِّ المُراهقة الأولى كما قلنا، كما أن الإعجاب بآراء الأصدقاء أو الزملاء يكون محدودًا في نهاية المُراهقة، بخلاف الحال في السنة الأولى من المُراهقة، ومن هذه النتيجة لا بد أن نُدرك في أي مرحلةٍ يَقْبَل المُراهق من الكبار أو لا يَقْبَل منهم؟
وهذه القضية تحتاج أن نقف عندها، خاصةً في مرحلة المُراهقة المُبكرة؛ لأنها مُرتبطةٌ بشعوره أن الذي يفهمه هم أصدقاؤه وزملاؤه فقط، ثم تضعف هذه القضية في مرحلة المُراهقة المُتأخرة في الجامعة.
طيب، ما دورنا هنا؟ هل نتركه ونقول: دَعْهُ؟
هذه من أخطر القضايا: أن نأتي إلى مرحلة الشباب والمُراهقة ونقول كما يقول البعض: فيها طَيشٌ، فيُترك على طَيشه مثلًا، وإن كانت مرحلة المُراهقة لا تعني الطيش، لكن قد تكون فيها دواعي الحماسة وما شابه ذلك، فهو سيتَّجه إلى أصدقائه وزملائه، فما دورك أنت أيها الأب وأيتها الأم، ويا أيها المعلم والمعلمة؟
تحتاج أن تعرف السبب، وهو الذي قلناه قبل قليلٍ، وهو شعوره بأن الكبير لا يفهمه، وأن الذي يفهمه فقط هو صديقه؛ إذن قم بممارساتٍ تربويةٍ عمليةٍ حتى تستطيع أن تُشعره بأنك تفهمه، وكيف يكون هذا؟
هذا لا يمكن أن يكون إلا من خلال بناء صداقةٍ وأُخوَّةٍ بين المُربي والمُتربي، وبناء صداقةٍ وأُخوَّةٍ بين الأستاذ وطلابه، وبين الأب وأبنائه في مثل هذه المرحلة الشبابية، فإذا وُجدت هذه العلاقة الأخوية أصبح كأنه أخٌ لك، وكأنه صديقٌ لك، فأصبح بمثابة الصديق، ولك قيمة الأستاذية، وقيمة الأب والأبوة، عندئذٍ تقلّ الإشكالية التي ذكرناها قبل قليلٍ.
ولذلك جاء في الحكمة: "لاعب ولدك سبعًا، وأدِّبه سبعًا، واستصحبه سبعًا"[1]من قول عبدالملك بن مروان كما في "غرر الخصائص الواضحة" (ص114).، فالمُصاحبة بعد سنِّ أربعة عشر، وقريبٌ من هذه المرحلة فما فوق يحتاج إلى مُصاحبةٍ.
ومَن منا أيها الإخوة والأخوات يُمارس المُصاحبة والمُعايشة عمليًّا؟
سؤالٌ كبيرٌ، كل واحدٍ منا يسأل نفسه.
وأذكر شخصًا فاضلًا، وقد تُوفي -رحمه الله-، وهو أستاذٌ وشيخٌ فاضلٌ، وحججتُ معه، وكان أبناؤه موجودين، ووجدتُ فعلًا مصداق هذا الكلام، فهو يتعامل مع أبنائه، وهم الآن لا يَنْسَون هذا الأب البتة، بل يُحاولون أن يتمثلوا صفاته؛ لأنه كان قريبًا منهم، ويتعامل معهم، ويُلاطفهم، وحضرتُ معهم في البيت أكثر من مرةٍ، وتناولتُ معهم الوجبات أكثر من مرةٍ، وحججتُ معه ومعهم، فوجدتُ فعلًا أن المُعاشرة والمُصاحبة واتِّخاذ الابن أخًا وصديقًا تُزيل جميع الإشكالات التي ذُكرت في هذه الدراسات؛ فلذلك لا بد أن نفهم هذه القضية، وهي من القضايا المهمة جدًّا جدًّا، خاصةً في مراحل المُراهقة أو الشباب المُبكرة في المتوسطة، وقريبًا منها.
معرفة حاجات المُراهق
وأيضًا من الأمور المهمة لمعرفة الشاب: لا بد أن نعرف مطالب النمو بالنسبة له، وحاجاته، وماذا يريد؟ فهذا الموضوع من الموضوعات المُتناثرة جدًّا في الكتب، وخاصةً كتب علم نفس النمو، وبعض (الدكاترة)، ومنهم الدكتور: عبدالعزيز النغيمشي -وفَّقه الله- كونه أصَّل تأصيلًا إسلاميًّا في كتابه الجميل "المُراهقون"، وهو من أروع مَن تكلم في حاجات المُراهقين والشباب في هذا الكتاب.
وأنا أرى أن هذا الكتاب جديرٌ بالقراءة والعناية مرةً ومرتين وثلاثًا، وقد اتَّفقنا في اللقاء الماضي على أنه بعد معرفة الأهداف لا بد أن تعرف مَن الذي أمامك؟ وكيف أعرف مَن الذي أمامي؟ وأعرف ما حاجاته؟ وأعرف ماذا يريد؟
ولا نعني بالحاجات: الحاجات المادية من المال والأكل وغيرها، الحاجات التي يشترك فيها هو وغيره، وإنما حاجاته الخاصة، فهذه تعتمد على الفروق الفردية بينه وبين غيره، لكن عندنا مطالب لنموِّه حتى يَشبّ شابًّا سعيدًا مُستقرًّا نفسيًّا، فهناك مجموعةٌ من المطالب والحاجات، ومنها:
- حاجته إلى الأمن النفسي.
- حاجته إلى الرفقة والانتماء، وعندئذٍ لا بد أن نُساعده في اختيار أصدقائه.
- حاجته إلى التقدير.
- حاجته للنجاح والإنجاز.
- حاجته للمكانة الاجتماعية بأن يكون له دورٌ اجتماعيٌّ.
فهذه كلها من الحاجات التي ينبغي أن ننتبه لها.
وعددٌ من الآباء لا يعرفون أصدقاء أبنائهم، والمُفترض أن يكون هناك دورٌ توجيهيٌّ وإرشاديٌّ وتربويٌّ؛ لأن أبناءنا يحتاجون إلى أن يُساعَدوا في معرفة صفات الصديق الصالح؛ ولهذا وضعوا معيارًا تربويًّا رائعًا، فقالوا: "صَدِيقُكَ مَن صَدَقَك، لَا مَن صَدَّقَك"[2]"مقامات الحريري" (ص528)، و"الكشكول" (1/ 79)، و"مجاني الأدب في حدائق العرب" (4/ 140).، يعني: النفوس إذا جُردت من المعيارية القِيَمِيَّة السليمة والإسلامية صارت على هواها، فالشاب إذا وجد له شخصًا يُوافقه على كل ما يريد قال: هذا صديقي، لا يردُّ لي طلبًا، ... إلى آخره، لا، صديقك مَن صدقك، الذي يَصْدُقك ويُعزز فيك الجانب الإيجابي، ويُقوِّمك عند الجانب السلبي.
فإذا مَنَّ الله على أبنائنا الشباب والمُراهقين بمثل هذه الصُّحبة فقد قطعنا شوطًا كبيرًا، فأين الدور التربوي الأُسري؟ وأين الدور التربوي التعليمي؟ وأين الدور التربوي الأحيائي المجتمعي من مثل هذه القضايا المتعلقة بإيجاد البيئات الصالحة؟
الحمد لله هناك أناسٌ نجحوا، لكن نحتاج أن تكون هذه القضية هَمًّا عند الجميع.
وهكذا بالنسبة للجانب الأُنثوي، فهذه قضيةٌ من أخطر القضايا أيضًا: مَن صديقات المُراهقة والشَّابة؟ هذا سؤالٌ مهمٌّ جدًّا.
فالشاب يُحب التقدير، وأن نُشعره أن له قيمةً، ويُشْكَر ويُثْنَى عليه، ويُحب الإنجاز، لا تتصور أن الشاب أو المُراهق الساكت ...، فالشاب حيويةٌ ونشاطٌ؛ ولذلك إذا شعر أنه قد أنجز داخل الأسرة أو المجتمع أو المدرسة، ... إلى آخره؛ شعر فعلًا بقيمته، وهذه من مطالب النمو في هذه المرحلة في الحقيقة.
المكانة الاجتماعية: بأن يكون له قدرٌ وقيمةٌ، وأن يكون له دورٌ وظيفيٌّ يشعر معه أنه مسؤولٌ في هذا المسجد، أو مسؤولٌ في الأسرة، وعنده وظيفةٌ في المدرسة غير أنه طالبٌ فقط، هو مسؤولٌ عن قضيةٍ، أو مسؤولٌ عن مفاتيح مستودعٍ مثلًا، فيشعر أن له قيمةً وقدرًا ومكانةً اجتماعيةً.
وهذه القضية تُربي فيهم تحمل المسؤولية، فهذه قضيةٌ أيضًا من القضايا المهمة التي نحتاج أن نُراعيها في شبابنا.
والمنهج الإسلامي أتى بمطالب، وألحَّ عليها وأكَّدها، ولم تأتِ في المنهج الغربي، فما ذكرناه قبل قليلٍ من النجاح والإنجاز والتقدير والمكانة الاجتماعية والأمن والرُّفقة يذكره حتى الغربيون، ولا شكَّ أنه يوجد اختلافٌ كبيرٌ بين نظرتنا ونظرتهم، لكن يذكرون هذه الألفاظ والحاجات، فهي قضيةٌ مُشتركةٌ، لكن هناك قضايا ما ذكرها الغربيون، وهي مهمةٌ لمطالب النمو في مرحلة الشباب والمُراهقة كحاجاتٍ مهمةٍ جدًّا، وهي الحاجة إلى الهداية، فتبحث عمَّن قال في النظريات الغربية بالهداية فلا تجد، مع أن الدراسات عندهم قد أثبتت أن مرحلة المُراهقة والشباب هي من أقوى المراحل التي يتَّجه فيها الشاب إلى التدين، هذه مُثبَتةٌ.
وقد يسَّر الله لي جمع عددٍ منها في رسالة (الماجستير) في بحث: التدين وعلاقته بإشباع الحاجات النفسية، فهي موجودةٌ، لكنهم أصلًا يستبعدون قضايا الدين والتدين؛ لأن فكرهم قائمٌ على قضية الإلحاد والمادية، وإبعاد كل القضايا المتعلقة بالجانب الروحي والإيماني والديني، والحياة عندهم مجرد استمتاعٍ.
وسأذكر قصةً، ونقف مع هذه القصة، وربما أشرتُ إليها في لقاءٍ سابقٍ، وهي: أن قريبًا لي قد توفي -رحمه الله-، وكنتُ أزوره باستمرارٍ، وكانت لي علاقةٌ طيبةٌ به -بحمدٍ من الله -، وذات مرةٍ دخل حفيده -ابن ابنه- فرأيتُ منه تَمَعُّرًا، فقلتُ: خيرًا يا خال؟ فقال لي: هذا الشاب -وهو في المرحلة المتوسطة أو أواخر المتوسطة أو أوائل الثانوية تقريبًا- مُتشدد. فقلتُ له: خيرًا، لماذا؟ قال: والله صار -ما شاء الله- عنده حرصٌ على الصلاة! فقلتُ له: الشباب فيهم حماسٌ، ونحتاج أن نصبر عليهم، وهذه المرحلة مرحلةٌ يتوجهون فيها إلى الخير، فبالعكس لا بد أن نُشجعهم ونُرشدهم إذا كانت هناك ملحوظاتٌ عليهم، لكن إذا نفَّرناهم ماذا ستكون النتيجة؟ سيتجهون إلى الطرف الآخر وهو: الانحراف.
ونحن ذكرنا الأسبوع الماضي أن من خصائص هذه المرحلة: رِقَّة العواطف، والاتجاه الشديد إلى التدين، والقابلية لذلك، وكذلك الاتجاه إلى الانحراف، فكلا الأمرين موجودان، والبيئة التربوية والتعامل التربوي هو الذي يجعله يسلك مسلك التدين، أو يسلك مسلك الانحراف.
والله يا إخوة حضرتُ جنازة هذا الرجل الكبير السن -رحمه الله- وبحثتُ عن هذا الشاب الذي كان يتمعَّر من تشدده، ويُعطيه من الكلام القاسي، فإذا به شابٌّ آخر تمامًا، تغير إلى شيءٍ آخر، فبعد أن كان على طريق التدين والخير أصبح غير ذلك، فسألتُ أستاذًا له وقلتُ: ما الذي حصل؟ فذكر لي أن الشدة والقسوة جعلته ينفر من التدين؛ لأنه وجد عنده خيارين: خيار أن يبقى في التدين، وهذا يستهزئ به، وأبوه يقول له: لا تظن نفسك مُطوَّعًا! وهذا يقول له: لا تتشدد علينا، وكل شيءٍ تُحرمه!
فأنا أقول لهذا الكبير السن: حتى لو فعل هذا الفعل اصبروا عليه، ووجِّهوه، ولا تُنَفِّروه؛ لأن هذه المرحلة من المراحل التي يشعر فيها بحاجته للتدين والعبادة والهداية، فلا بد أن نُدرك هذه القضية، فإذا كانت الحماسة موجودةً في اتِّجاهٍ إيجابيٍّ ربما يحصل شيءٌ من الغلو، وفي اتِّجاهٍ سلبيٍّ يحصل الانحراف.
فماذا نفعل؟ نتركهم أو نقبل الانحراف؟
بينما إذا اتَّجه إلى الجانب الإيجابي جلسنا نقول: نحن سبب فعله -والعياذ بالله-، فقد نكون صددناه عن الخير.
وقد كنتُ في حيٍّ من الأحياء في الدمام، فكان أبناء إحدى الأُسر -هداها الله- يأتون إلى المسجد ويُؤذون الناس، ثم انقطعوا بعد أن أصبحوا شبابًا، وأصبحت حالتهم يُرْثَى لها، فلما بحثنا أو سألنا وجدنا السبب هو تعامل الأب، فقد كان يقول: لماذا أذهب به إلى المسجد وبعد ذلك يرجع لي مُطوَّعًا، ويقص أسلاك (التليفزيون) ويُحرمه؟!
فانظر كيف لعب الشيطان بالإنسان؟
أنا سأفترض أن هذا الشاب جاء وصلَّى وصار مُطوَّعًا، وجاء وبحث عن المقص وقص أسلاك جهاز (التليفزيون) ... إلى آخره، دعنا نفترض هذا الافتراض، فماذا نفعل فيه؟ نذبحه ونقتله؟!
الرسول ماذا فعل بالشاب الذي جاء يستأذنه في الزنا؟ تقبَّله أو ما تقبَّله؟ حاوره أو ما حاوره؟ فأبناؤنا يحتاجون إلى مثل هذا الجانب.
فإذا لم يذهب إلى المسجد أين سيذهب؟ سيذهب إلى طريقٍ آخر.
وكانت فاتورة هاتف البيت الخاص بهم آلاف الريالات، وذلك بعد وفاة الأب -رحمة الله عليه، وعفا الله عنه-، وكلها مكالماتٌ من الابن مع النساء عبر القنوات الفاضحة في البرامج السيئة الخبيثة، وهو الذي كان يُؤذن عندنا في المسجد ... إلى آخره، وكان سبب طرده مع حاجته للهداية والتدين أباه وأسرته!
فلا بد أن نُعين ونصبر على بعض الأشياء، فإذا جاء وقال لك كلمةً، فعلِّمه كيف يتكلم؟ وعلِّمه كيف يحترم الأب؟ وقبل ذلك رب العالمين، فإذا ذهب إلى اتِّجاه الخير فلماذا تمنعه؟! وإذا أخطأ أو صار عنده شيءٌ من التَّشدد في بعض الجوانب بَصِّره وعلِّمه، أما أن تُعطيه من القساوة التي لا تظهر إلا عند هذه القضية فهذا أمرٌ خطيرٌ جدًّا، وخاصةً مع مصطلحات وعبارات الإرهاب ... إلى آخره، فأصبح بعض الآباء والأمهات يتلفظ بها -للأسف الشديد-، وهذه قضيةٌ خطيرةٌ يا جماعة، لا نفترض شيئًا ليس موجودًا، ولا أحصر القضية في كونه: إما أن ينمو في الغلو مثلًا على افتراضي، وإما أن يكون مُنحرفًا، فكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
فدعه يا أخي يعرف طريق الهداية، ويستمر بالهداية بأسلوبٍ جميلٍ ورائعٍ وطيبٍ، وإلا فإنك بعد ذلك ستبحث عنه في المسجد فلا تجده، وتريد منه أن يسمع كلامك فلا تجد ذلك، وهكذا.
فنحتاج أن ننتبه إلى مثل هذه القضايا، فالتدين حاجةٌ فطريةٌ للشباب، والدراسات دلَّت على ذلك بقوةٍ، وربما بعض الذين تعاملوا مع هذه المرحلة عبر بعض البرامج الدعوية والخيرية ... إلى آخره عرفوا ذلك.
وأنا أذكر في أحد البرامج التي كانت تُقيمها قافلة الخير، كان الشباب يأتون إلى البرامج المخيمة كمثالٍ، فكنا نظن أن هؤلاء الشباب يأتون من أجل الترفيه، فعملنا استبانةً، فتفاجأنا بالنتائج: أن النسبة الأكبر لهؤلاء الشباب يأتون إلى هذا المُخيّم ليس من أجل الألعاب والترفيه، وإنما من أجل الخُطبة والمُحاضرة، جاء ليسمع شيئًا يُبصِّره بحقيقة حياته، ويُذكِّره بالله ؛ لحاجةٍ فطريةٍ: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30]، فلماذا نحرف هذه الفطرة بأسلوبٍ أو بآخر؟
فلا بد أن نقف مع هذه الحاجة، وهي الحاجة للهداية، والحاجة إلى السكن النفسي المُرتبط بالزواج المُبكر، وهذه من الحاجات المهمة جدًّا التي نحتاج أن ننتبه لها في هذه المرحلة كذلك.
وأذكر أحد (الدكاترة) الفُضلاء من أساتذتنا، وهو في الرياض يُحدثني مباشرةً، وأظنكم ستتفاجؤون بهذا الكلام، لكن تحمَّلوه؛ لأنه من عالم الخيال.
يقول: حضرتُ زواجًا لابن صديقي، وعمره خمس عشرة سنةً، وفي العام التالي حضرتُ زواج الابن الثاني، وعمره خمس عشرة سنةً، هل يفعل هذا الشيء أحدٌ الآن؟!
الأولون -أظن- كان هذا في عهدهم موجودًا، فما المشكلة؟! لكن الآن دخلت بعض الظروف التي قد يكون بعضها صحيحًا، وبعضها ليس كذلك.
وأنا أرى أن هذه القضية مُرتبطةٌ بالنُّضج، ويمكن أن يكون الإنسان في بداية الشباب وعنده نُضجٌ، ويستحق أن يُزوَّج، خاصةً أن قضية الحاجة موجودةٌ عند الذكور والإناث، وإن كان الكلام في الذكور؛ لأن الإناث يمكن أن يتزوجن مُبكرات، لكن الزواج صار يتأخر حتى عند الإناث، حتى وصلت نسبة العانسات في المجتمع السعودي -فوق الثلاثين- إلى أكثر من مليون وخمسمئة ألف، وهذه الإحصائية قبل عشر سنوات، وسمعتُ قبل أيامٍ أنها وصلت إلى المليونين تقريبًا، يعني: عددًا ضخمًا وكبيرًا.
والشباب لديهم رغبةٌ، والهرمونات الجنسية عندهم مرتفعةٌ، وهذه فطرةٌ فُطِرَ عليها الشباب والمُراهقون، فماذا يفعلون؟!
فليس لنا إلا منهج الزواج أو منهج التَّعفف: وَلْيَسْتَعْفِفِ [النور:33]، فالزواج هو من العفَّة، فإذا لم يحصل يكون منهج العفَّة الصيام، وحرق الطاقة بالرياضة، وغض البصر، وعدم الذهاب إلى الأماكن التي فيها الإشكالات.
ومنها: العبادة، وتكثير العبادة، وهي الحاجة التي ذكرناها قبل قليلٍ: الحاجة للهداية، فأنت أيضًا تُنشئ ابنك على طاعة الله والخوف منه، وتُساعده على اجتياز المرحلة المتعلقة بقضية حاجته لتلبية الغريزة الجنسية: ذكرًا أو أنثى، فحين يكون صاحب هدايةٍ وتديُّنٍ على أقل تقديرٍ تكون القضية عنده أخفَّ؛ لأن هناك رقابةً منه لله ، فهذه أيضًا من محاسن تلبية مثل هذه الحاجات.
واليوم القضية خطيرةٌ جدًّا، نحتاج أن ننتبه لها، حتى سمَّاها أحد استشاري الطب النفسي -وكنتُ قد سمعتُ منه مُباشرةً هذا اللفظ- قال: نحن اليوم في عصر تَفجُّر الشهوة.
فهذه القضية من القضايا التي تحتاج إلى وقفاتٍ كبيرةٍ، حتى ننظر لهذه الحاجة التي قال الله عنها: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21]، السكن النفسي والمودة والرحمة هو نتاج الزواج السليم، مع الحاجة إلى الهداية والعبادة نستطيع أن نجعلهم يمرون من هذه المرحلة بطريقةٍ مستقلةٍ، أو بأقلّ قدرٍ من المشاكل.
والله يا جماعة تأتينا استشاراتٌ وأسئلةٌ من بعض الشباب، وبعضهم من أهل التدين من الذكور والإناث، وإن كان هذا بالنسبة للذكور أكثر؛ لأن الإناث قد يَخْجَلْنَ -وهذا جيدٌ- ولا يُفصحن بهذا للرجال، ويكون بينهن وبين النساء.
وأنا مرَّ عليَّ في الفصل الماضي في كليتنا طالبٌ جيدٌ ومُصلٍّ، وفيه خيرٌ ومُؤدبٌ، ودراسته جيدةٌ، فجاءني في مركز التوجيه والإرشاد النفسي لأن عنده حالةً من الإرهاق المُستمر والأَرَق في الليل، وكلما ذهب إلى الجامعة يأخذ إبرة (جلوكوز) مُنشطة، وكلما طلع من الجامعة يأخذ إبرةً مُنشطةً من شدة الحالة، تصور أنه يفعل ذلك يوميًّا! ووجهٌ أصفر، فأحلته إلى أحد المُختصين الجيدين في هذه الحالة، وجلس معه مجموعةً من الجلسات، وخفَّ عنه هذا كثيرًا وارتاح -والحمد لله-، لكن بعد شهورٍ من هذه الحالة أتى إليَّ في المكتب وقال لي: أنا لم أُفصح لك عن أمرٍ لما أتيتُك في المركز. قلتُ له: خيرًا إن شاء الله؛ لأنه ما زال يُعاني، لكنه خفَّ في جوانب معينةٍ من خلال جلسات الإرشاد التي تلقَّاها من أحد المُختصين، جزاه الله خيرًا.
وباختصارٍ قال: أنا لي ست سنوات أو ثماني سنوات أتعاطى العادة السرية -والعياذ بالله-، وسبع مراتٍ يوميًّا!
وتصور الجسد الذي يتعاطى العادة السرية يوميًّا، ولمدة فوق خمس سنوات أو كذا!
وبدأتُ أُفسر الاصفرار الذي في وجهه والإرهاق الشديد، فهناك مشكلةٌ كبيرةٌ، وهو لا شكَّ يُعرض نفسه للفتن وللرؤية ... إلى آخره.
وقد أخذتُ وأعطيتُ معه، ولمستُ شيئًا من هذا القبيل في مُمارساته، لكن لمستُ صدقه في محاولة حلِّ هذه القضية، ووضع له برنامجًا وما زال، وأسأل الله أن يُعينه على أن يتخلص من مثل هذه القضية.
فالحاجة للسكن النفسي وتلبية الغريزة في هذه المرحلة المُتأججة قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، ولا يحلُّها إلا الزواج: يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم البَاءَة فليتزوَّج، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصوم؛ فإنَّه له وِجَاءٌ[3]أخرجه البخاري (5065)، ومسلم (1400).، إذا خطب إليكم مَن ترضون دينه وخُلُقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريضٌ[4]أخرجه الترمذي (1084)، وحسنه الألباني..
والحاجة إلى التوبة من الخطايا والذنوب أيضًا هذه حاجةٌ مهمةٌ كذلك؛ لأن الشاب مظنَّة الخطأ أكثر من غيره، فالطفل طفلٌ أصلًا، والكبير بدأ يعقل، والخطأ موجودٌ عند الكبير، لكن عند الشباب والمُراهقين أكثر؛ ولذلك لا بد أن يُفتح له باب التوبة؛ ولذلك تجد الشباب إذا وجدوا الشخص الذي يَدُلُّهم ويُعينهم ويفتح لهم باب التوبة المفتوح الذي فتحه ربُّ العالمين للمُذنبين تجده يتقبَّل هذه القضية بنفسيةٍ كبيرةٍ جدًّا، والله يقول: مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا [الإسراء:15]، وهذا يرجع إلى قضية الحاجة إلى الهداية، ويقول الله : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا [الروم:21]، كما قلنا في الزواج، ويقول الله : وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ [الشورى:25].
الأسئلة
فهذا تقريبًا الجزء الذي كنا نريد أن نتحدث فيه اليوم، وبقيت معنا تقريبًا عشر دقائق نُجيب فيها على الأسئلة التي بين أيدينا، ونُكمل -إن شاء الله تعالى- أيضًا في تربية وإرشاد الشباب في الأسابيع القادمة، بإذن الله .
يقول السائل: أحيانًا يطغى العملُ على الاهتمام بتربية الأبناء، وخاصةً أن الأب لا يستطيع الانفصال عن التفكير في العمل حتى في البيت، فما الحل؟
الجواب:
أولًا: لا يجوز في البناء التربوي نَقْل عَناء العمل إلى البيت، لا بد من قضية الفصل، وهذه الجدارة الشخصية حقيقةٌ، فقد يقول الواحد: ما أقدر. بل تقدر، فجاهد نفسك.
وأنا أقول لهذا الذي يقول: "ما أقدر وصعب": هل تنقل عناء البيت إلى العمل؟ تجد كثيرًا من الناس يضبط نفسه في العمل، لكنه في الثانية يتساهل؛ لأنه غالبًا تكون الضحية هي الأسرة -للأسف الشديد-، فهذا الفصل مهمٌّ جدًّا، وإعطاء وقتٍ للأسرة، والالتزام بهذه القضية مهمٌّ جدًّا أيها الأخ والأب.
فعلى هذا الأخ صاحب السؤال وأمثاله أن يُعطي من نفسه وقتًا للأسرة تُمارس هذا الدور بطريقةٍ جميلةٍ جدًّا، ويُلزم نفسه به.
فالأكل والفطور مع بعضٍ ممتازٌ، وأنا أعرف أسرةً تُفطر يوميًّا مع بعضٍ، الأب والأم والصغار والكبار يقومون في وقت الدراسة ويجلسون في سفرةٍ واحدةٍ، مع أن الأب دوامه مُتأخرٌ من الساعة الثامنة، لكنه يقوم مع أبنائه، حتى الصغار الذين هم ما عندهم مدارس.
فهذا لا شكَّ أنه يُعطي صورةً رائعةً جدًّا في قضية التماسك والشعور بالاهتمام، فالأبناء يحتاجون إلى شيءٍ يُبين لهم أن آباءنا وأمهاتنا يُقدِّروننا ويهتمون بنا، ويُشعرونهم بهذه القضية.
وأنا أذكر إحدى الأسر تقول: منذ اثنتي عشرة سنة ولنا برنامجٌ أسبوعيٌّ ثابتٌ نجتمع فيه. وأعرف طبيبًا مشغولًا جدًّا، لكن عنده برنامجٌ مع أسرته ووالديه وإخوانه وأخواته وعياله من بعد صلاة الجمعة إلى صلاة العشاء، ومنذ سبع سنوات وهم على هذا البرنامج.
فسبحان الله! الناس يقدرون على أعمالٍ عظيمةٍ لو صدقت النوايا، وقد وصلوا إلى تفسير الشيخ ابن السعدي في سورة الأحزاب -إن لم تَخُنِّي الذاكرة-، وقرؤوا كل كتب الشيخ عمر سليمان الأشقر، رحمة الله عليه وعليهم جميعًا.
فهذه القضايا مهمةٌ جدًّا، فألزم نفسك بوقتٍ للأسرة، كما أنت مُلزمٌ بوقتٍ للوظيفة، واجعله ميثاقًا لك ولأسرتك، ولا بد من مُراجعة الاهتمامات والأولويات، واستشعار المسؤولية، فلا يجوز شرعًا وعقلًا وعُرفًا أن يكون العمل الوظيفي أولى من الأبناء والأسرة، والله ربط الأسرة والأبناء مع النفس في قضية البناء فقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ [الطور:21]، وفي قضية الوقاية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6].
فلذلك نحتاج أن نُراجع أولوياتنا واهتماماتنا، صحيحٌ أن الجانب المادي مُؤثرٌ، ولا نُنكر هذا، لكن ليس على حساب قِيَمنا وتربيتنا لأبنائنا، فالعمل ربحٌ، ولكن رأس المال هو الأسرة، بل الأسرة هي رأس المال والربح حقيقةً، لكن إذا أردنا أن نُفرق يمكن أن نُفرق بهذه الطريقة.
سؤالٌ يقول: ما طريقة معرفة ميول الأبناء والطلاب؟
الجواب:
نحن ذكرنا في اللقاء الماضي شيئًا من هذا القبيل وما يتعلق بهذا الأمر، فهناك بعض الاختبارات في الشخصية، وبعض برامج الموهوبين للأطفال، وما يُسمَّى بالميول المهنية.
فهناك برامج موجودةٌ، لكن تحتاج إلى رعايةٍ من جهاتٍ مُختصةٍ بهذا الجانب؛ لأن معرفة الميول والتَّخصصات والقُدرات مهمةٌ جدًّا للأجيال، ولعل الله يُسهل في منطقتنا أن يكون فيها شيءٌ من هذا القبيل في فترةٍ قريبةٍ، بإذن الله .
وهناك بعض الأشياء موجودةٌ على مستوى المجتمع، وتكون واضحةً تحتاج إلى كُلفةٍ من البناء المُؤسسي، فنسأل الله أن يُيسره قريبًا عاجلًا غير آجلٍ، وهو من القضايا المهمة جدًّا.
وذكرتُ في اللقاء الماضي أنه يمكن أن يُستفاد من مركز الموهوبين وإدارة الموهوبين في إدارة التعليم، وبعض الإخوة المُختصين بهذا الجانب، وبعض الاختبارات الموجودة.
وهناك أشياء موجودة في (الإنترنت) في بعض الجهات، فيمكن أن يُستفاد من هذه الجهات ذات الصفة التخصصية، وتكون مُؤشرات؛ لأن عددًا من هذه الاختبارات -للأسف الشديد- ليست مُقننةً على البيئة السعودية، ولا توجد لها إجراءاتٌ معينةٌ يعرفها أهل الاختصاص تُناسب البيئة السعودية، وإنما أُخذت كما هي عليه في الغرب وطُبِّقت، وهذه إشكاليةٌ موجودةٌ في الاختبارات الحالية يذكرها أهل الاختصاص.
فموضوع الميول مهمٌّ، وقد قلنا في الأسبوع الماضي: أنها يمكن أن تُعرف بالمُقابلة والمُلاحظة، فحاول قدر المُستطاع أن يكون عندك تركيزٌ في الملاحظة مع ابنك، فتستطيع أن تعرف بالضبط ما الذي يتَّجه إليه؟ وحاول أن تُعْمِل حواسك بشكلٍ جيدٍ من خلال تحقيق هدف الميول، واختبر نفسك إذا وجدتَ فرصةً في اختبارات الميول وما شابه ذلك، فلا شكَّ أن هذه ستكون فرصةً مُواتيةً.
ونحن -إن شاء الله- ساعون في هذا الموضوع، خاصةً المتعلق باختبار الميول والشخصية، بإذن الله .
السؤال الأخير: كيف نتعامل مع شخصٍ مُتزوجٍ ولديه أبناء، وقد تخرج في كلية الشريعة، ولديه جلساتٌ يوميًّا خارج البيت، ولا يُصلي في المسجد، وخاصةً صلاة الفجر، وهو بارٌّ بوالديه؟
الجواب:
أما الجوانب الإيجابية فنقول: الله يُوفقه ويُبارك له فيما أعطاه من برِّه لوالديه، وما شابه ذلك.
وأما القضايا الثانية فهي تُحزن، فحق الله وحق الأسرة لا شكَّ أنهما حقَّان عظيمان، وللأسف رجلٌ يحمل الشريعة مثلًا وتكون هذه حالته!
وإن كنا لا نعذر حتى غير حملة الشريعة في هذه الجوانب، فحق الله وحق الأسرة وحق الوالدين هذه حقوقٌ محفوظةٌ، فهذه قضيةٌ مهمةٌ، وهذه صورةٌ من صور ضعف الإيمان.
ولذلك إذا أردتَ أن تعرف كيف تتعامل مع هذه القضية؟ فإنك تحتاج إلى ذكاءٍ في إعطاء الجرعات الإيمانية بالطريقة المباشرة أو غير المباشرة، وغير المباشرة أفضل، خاصةً في المراحل الأولى، فهذا مهمٌّ جدًّا؛ لأنه لا يُحرك السلوك إلا الدوافع، والدوافع إن لم تكن دوافع داخليةً قويةً فلن يتحرك، ولن يأتي السلوك الذي نريده؛ فلذلك تنبغي العناية بالتأثير القلبي الإيماني، فهذه قضيةٌ ضعها في بالك أخي الكريم.
والقضية الأخرى: الدين النَّصيحة[5]أخرجه مسلم (55).، فالباب مفتوحٌ، فانصح يا أخي أنت وغيرك بطريقةٍ معروفةٍ أو غير معروفةٍ، يعني: أنا يُعجبني الشخص الذي يكتب رسالةً بلطافةٍ ويضعها لصديقه ليُؤثر فيه، وعندنا التقنية تُسهل لك الإرسال، ولا تُعْرَف شخصيتك، فأحسن في النَّصيحة.
وكذلك هذا الأخ يحتاج إلى مُراجعة الأصدقاء قدر المُستطاع، فمن الصوارف الكثيرة -حتى عند كبار السن اليوم- عن الالتزام الصداقات؛ ولذلك ينبغي أن نُؤسس هذا الموضوع من وقتٍ مبكرٍ.
ثم قضيةٌ أخيرةٌ: كل شخصٍ -في الغالب- له مفتاحٌ، فابحث عن مفتاح هذا الشخص، فما الشيء الذي يُحبه؟ والأشياء الإيجابية في برِّه لوالديه، فاجعل النَّصيحة تكون من قِبَل الوالدين طالما أن الله قد فتح عليه بالجانب الإيجابي مع الوالدين، فاستثمر هذه القضية من خلال الوالدين.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يُوفقنا وإياكم لكل خيرٍ، ويُسعدنا وإياكم في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين.