المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: هذا هو اللقاء التاسع والأربعون، وهو اللقاء الحادي عشر من هذه المجموعة الرابعة من هذه السلسلة، بعونٍ من الله وتوفيقه.
وما زلنا في موضوع "الانفعالات"، وكنا قد بدأنا في انفعال القلق، ونُكمل -إن شاء الله تعالى- اليوم هذا الموضوع.
وغالبًا سيكون اللقاء القادم استكمالًا لما يتعلق بالقلق والهموم، ثم سيكون اللقاء الذي بعده -وهو اللقاء الختامي في هذا الفصل- عبارةً عن الإجابة عن الأسئلة التي جاءت فيما مضى وسبق.
ولعل إخواننا الحضور يُجهزون بعض الأسئلة المتعلقة بما سبق التحدث عنه في هذا الفصل، والذي خصصناه لموضوع الانفعالات في كل هذه اللقاءات التي بدأنا بها في المجموعة الرابعة، وهذه السلسلة: "التطبيقات التربوية والنفسية من الكتاب والسنة"، وهذا -كما قلنا- هو الدرس التاسع والأربعون -بحمد الله - من هذه السلسلة.
وقد تكلمنا عن تعريف القلق في اللقاء الماضي، ثم عن مجموعةٍ من الإجراءات أو الأساليب التي من خلالها يستطيع الإنسان أن يتحاشى القلق، ويُقلل حِدَّته من خلال بعض النقاط، منها:
- الإيمان والعمل الصالح.
- الإحسان إلى الخلق.
- الاشتغال بعلمٍ أو عملٍ نافعٍ.
- الاهتمام بالشيء الحاضر، دون الانشغال بما مضى، أو بما سيأتي.
- ذكر الله ودوره في تخفيف القلق.
ثم كان بعد ذلك الحديث عن استحضار نِعَم الله الظاهرة والباطنة، والنظر إلى مَن هو أسفل منك في قضايا الدنيا؛ حتى تهدأ نفوسنا، فالله قد أعطانا الشيء الكثير، فلا حاجةَ لأن نقلق على حياتنا المستقبلية، وعلى الموارد المالية في هذه الحياة، فالأمر مكتوبٌ عند الله .
وتكلمنا أيضًا عن أهمية التخلية وإزالة الأسباب التي تُحدث الهموم والقلق، والعناية بهذه القضية، ثم ما ورد في السنة من الدعاء بصلاح الدين والدنيا والآخرة، والطمأنينة في هذا الجانب.
ثم ختمنا بما يتعلق بافتراض أسوأ الاحتمالات، وأن هذه القضية لها أثرٌ كبيرٌ جدًّا على التعامل مع القلق، فينبغي على الإنسان أن يفترض أسوأ الاحتمالات فيما يُلاقيه في هذه الحياة من أمورٍ يُهيئ ويُوطن نفسه عليها، فإن حصلت وقدَّرها الله فقد هيَّأ نفسه لها، فلا حاجةَ إلى أن يقلق، ويحمل الهمَّ الذي يُقعده عن العمل، ويُصاب بالاضطراب النفسي.
فأخذنا تسع نقاطٍ في هذا الموضوع المهم، ونُكمل اليوم -إن شاء الله- النقاط المُتبقية:
النقطة العاشرة: سدّ باب الخيالات والأفكار السيئة
لا بد من سدِّ باب الخيالات والأفكار السيئة، وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- أن الخواطر السلبية إذا استمر الإنسان فيها فإنها تنتقل إلى أفكارٍ سلبيةٍ، ثم إلى إرادةٍ لهذا العمل السلبي، ثم يُصبح عملًا سيئًا، ثم تُصبح لديه عادةٌ سيئةٌ، وبهذه الصورة تتكون عند الإنسان عاداتٌ سيئةٌ، والبداية كانت فكرةً أو خاطرةً، وهذه تحتاج إلى دفعٍ في البداية.
وفي بعض الأحيان تكون الفكرة غير قابلةٍ للتطبيق، أو ليست واقعيةً، وإنما هي عبارةٌ عن خيالاتٍ وأوهامٍ؛ فيتوهم أشياء معينةً ويقلق، فإذا شعر بألمٍ في جسده قال: ربما أكون مثل فلان، أو يكون فيَّ المرض الفلاني. طيب، لماذا تتوهم؟! أو لماذا تجعل التوهم حقيقةً؟!
ويوجد مرضٌ نفسيٌّ يُسمونه: مرض توهم المرض، يعني: طبيعة تركيبته أنه يتوهم الأمراض، وأذكر أنني التقيتُ بأحد القراء الذين يقرؤون على الناس الرقية من مس الجن والسحر -أعاذنا الله وإياكم من الشرور- فقال لي: 95% من الحالات التي تأتيني كلها أوهام، وذكر لي قصةً واحدةً أتمنى أن تنتبهوا لها؛ لتعرفوا كيف أن التوهم له أثرٌ نفسيٌّ وعضويٌّ، ولو كان لحظيًّا.
يقول: أتى شخصٌ على أنه مصابٌ بالمس، وحُمل من السيارة حملًا، بمعنى: أنه لا يتحرك، مثل: المشلول، يقول: فلما قرأتُ عليه لم أجد أي مؤشرٍ يدل على أنه مصابٌ بمسِّ عينٍ أو مسِّ سحرٍ، أو شيءٍ من هذا القبيل أبدًا، بل القضية توهمٌ فقط؛ وذلك بسبب أنه استمع إلى شريطٍ فيه حديثٌ بين أحد الجن الذين دخلوا في إنسيٍّ مع شخصٍ آخر، فبدأ يتوهم أن الجني دخل فيه! وأثَّر ذلك فيه إلى درجة أنه يُشعر نفسه بأنه مشلولٌ! يعني: حتى هذا له تفسيره النفسي، يعني: هو ما فيه شيءٌ أصلًا، لكن هذا التوهم والتفاعل النفسي أوجد شيئًا من الشعور لديه بأنه لا يستطيع أن يقوم على قدمه، وبعد ذلك انطلق ونشط كما تنشط الإبل من عِقالها.
فلا بد أن نستبعد الخيالات والأوهام، وهذا يُبعدنا عن الخوف من الأمراض والمستقبل والموت، وما يتعلق بذلك.
والإنسان يعمل وينطلق في هذه الحياة، وما يُقدره الله سيكون، فلا يجعل الأفكار والخيالات السيئة والرسائل السلبية تتحكم في تفكيره، وإنما يُحاذر من هذه الأشياء؛ لأنها قد تُقعده، وقلنا: إنها ستُعيقه نفسيًّا، وربما تُسبب له أيضًا مرضًا عضويًّا ولو للحظةٍ، يعني: يحصل عنده شللٌ وقتيٌّ، وهو ليس فيه شيءٌ أصلًا، فقط هكذا يشعر، كشخصٍ يظن أنه لا يستطيع أن يفعل شيئًا، فأصبح كذلك.
وبعض الناس من خلال بعض الأشياء يُصاب بهستيريا حركية، وتنشل عنده بعض الأعضاء الحركية، وهي في الحقيقة ليس لها وجودٌ، وإنما هي أمورٌ نفسيةٌ تجعله يظن نفسه أنه لا يسمع؛ فلا يسمع فعلًا، ويُصاب بهستيريا سمعية: صمم سمعي، فلا يسمع، لكن في حقيقة الأمر ليس في أجهزة السمع عنده أي مشكلةٍ، لكن الجانب النفسي أوجد عنده مثل هذا التوهم، ثم بعد ذلك يعود تلقائيًّا لوضعه الطبيعي.
وهذا كله من مشاكل الأوهام والخيالات، والأصل فيها: فليستعذ بالله ولينته[1]أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134).، يقول: أعوذ بالله، وينتهي، ولا يستمرئ في الخيالات، ويعيش هذه الأمور.
وبعض الناس يجيدون السباحة والتحليق في عالم الأوهام والخيالات، فيجب أن نتنبه لمثل هذه القضايا.
والطفل لديه قدرةٌ كبيرةٌ جدًّا على التَّخيل؛ ولهذا حينما يُعطى قصةً خياليةً يعيش شيئًا من الخيال، ... إلى آخره، وربما يشعر ويتألم ويتفاعل، فالقضية لها أثرها؛ ولذلك حتى نُبعد القلق بالنسبة لما يأتي في المستقبل لا حاجة إلى أن نعيش مع الأوهام والخيالات التي تتعلق بما سيكون في المستقبل، فالمستقبل بيد الله .
والإنسان يستعد ويعمل الذي عليه، وما يُقدره الله سيكون، وعندئذٍ سيرتاح، وسيعتمد هذا القلب على الله ، ويتوكل عليه، ويثق به، ويطمع في فضل الله وإحسانه .
أما الذي يستسلم للأوهام فإنه يعيش في إطارٍ من التوهمات التي تُلزمه إلزاماتٍ، ويظن أنه ستحدث له بعض الأمور التي ليس لها احتمالٌ في المستقبل، وإنما هي مجرد جانبٍ من المرض بسبب التوهم والخيالات.
وكم من أناسٍ أمرضتهم الأوهام، وأثَّرت على قلوبهم، حتى إنهم يمكن أن يُصابوا بشيءٍ من الحمق في التصرفات والجنون، والله يقول: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3]، فنتوكل على الله ، ولا نجعل مثل هذه الأمور والتَّخرصات أو الأوهام أو الخيالات تقودنا إلى الأمراض والآلام، وتُوجد لنا الخوف والتعسير والقلق والهم، والنفس ضعيفةٌ، فنحتاج إلى قويٍّ نعتمد عليه، فإذا كانت النفس تتقوى بالأوهام والخيالات، فأصل الأوهام والخيالات أنها ضعيفةٌ، وليست موجودةً، يعني: الضعيف من الموجود أقوى من الخيالات والأوهام؛ ولذلك الإنسان بضعفه يحتاج أن يتقوى بالقوي الكبير المتعال، وهو الله : وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ.
النقطة الحادية عشرة: النظر للجوانب الإيجابية، وعدم الاعتماد على القضايا السلبية
كما في المنهج النبوي الذي ذكره عليه الصلاة والسلام في الحديث المشهور الذي جاء عند مسلم: لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنةً، إن كره منها خُلُقًا رضي منها آخر[2]أخرجه مسلم (1469).، فهذا منهجٌ مهمٌّ جدًّا في دفع القلق وعلاجه، والنظر للجوانب الإيجابية، وعدم الاعتماد على القضايا السلبية.
وهذه القضية -كما قال بعض شُرَّاح هذا الحديث- تصدق حتى في تعامل الإنسان مع غير الزوج، فلا ينظر الإنسان إلى الجانب السلبي عند الإنسان المعين، وإنما ينظر إلى الجوانب الأخرى الإيجابية، وهذا سيجعله يطمئن ويرتاح ابتداءً في قضية التعامل التي ذكرناها قبل قليلٍ، وهذا حقٌّ للطرف الآخر، وخاصةً الزوجة، وهكذا الزوجة بالنسبة للزوج؛ عليها أن تحفظ الحقوق من خلال معرفة الجوانب الإيجابية في مقابل الجوانب السلبية، وغالبًا نجد أن الجوانب الإيجابية أكثر من الجوانب السلبية، وعندئذٍ تهدأ النفوس.
القضية الثانية: أن هذا سيُزيل الهمَّ والقلق، فالقلق والهم سيذهبان؛ لماذا سيذهب القلق والهم؟
لأن الذي يُركز على الجوانب السلبية -حتى لو كانت واقعيةً- سيحسب حساب المستقبل، ويحسب حساب وضع زوجته، وكيف سيلتقي مع زوجته؟ وماذا ستقول زوجته؟ وكيف سيحصل منها هذا الموقف؟
وهكذا الشخص الآخر الذي عنده معاناةٌ في قضيةٍ معينةٍ، فهذا الأمر الذي استفرغ ذهنه فيه، وأشغل باله فيه، سيُؤثر عليه، ويقلق ويهتم؛ لأنه ينظر فقط للجانب السوداوي والسلبي؛ لذلك ينبغي أن نجعل هذا الأمر في مكانه الصحيح، ولا نُضخمه، وننظر للجوانب الإيجابية التي تُعطينا راحةً نفسيةً تُؤثر في التعامل معه في المستقبل، ونراعي الحقوق والواجبات، وعندئذٍ لا يكون هناك مصدرٌ للقلق: لا بالنسبة للزوج من زوجته، ولا بالنسبة للزوجة من زوجها، ولا الآباء من أبنائهم، ولا الأبناء من آبائهم، ولا الصديق من صديقه، ... إلى آخره، فالقضايا هنا ستكون فيها مراعاةٌ وحفظٌ للحقوق والواجبات.
لكن الذي ينظر إلى أخطاء ابنه وصديقه ومسؤوله فقط، وقد تأخذ نسبة 10% أو 20% من حيزها وثقلها، بينما عنده 90%، أو 95%، أو 80% جوانب إيجابية، فهذا سيُصبح عنده شيءٌ من التحفز الإيجابي لو نظر هذه النظرة الإيجابية، وسيكون عنده التحفز السلبي لو ضخَّم الجوانب السلبية عند زوجته، وتصبح القضية عنده وكأنه لا توجد إلا السلبيات؛ ولذلك يقول النبي : لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنةً، طيب، ما الحل؟
الحل أنه إذا سخط منها -أي: رأى منها- عملًا سيئًا، رضي منها عملًا آخر، وهذا التوازن والعدل مطلوبٌ؛ حتى ترتاح النفوس.
النقطة الثانية عشرة: أن يعيش الإنسان حياةً سعيدةً
فالإنسان حريصٌ على أن يعيش حياةً ممتعةً وسعيدةً، خاصةً مَن تعلق قلبه بالآخرة، فهو يريد أن يعيش هذه الحياة يوم القيامة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من السعداء في الآخرة.
وهذا الذي يشعر بالقلق لا بد أن يُحدث نفسه: ألا يجعل من الأكدار والتفكير السلبي وما يتعلق بذلك سببًا في تكدير اللذات المباحة في هذه الحياة، والسعادة التي ينبغي أن يشعر بها، فالقلق والتفكير في المستقبل بصورةٍ ليست إيجابيةً ومضطربة تجعل الإنسان لا يرتاح في صلاته، ولا في علاقته بأهله، وعلاقته بخلَّانه وأصدقائه، وتتكدر حياته، فينبغي أن نُحافظ على رأس المال الذي نريد أن نسعى لنُحققه، وهو قضية الحياة السعيدة والمطمئنة.
فالوقوف مع هذه القضايا والتفكير فيها، وهي لم تحصل بعد، وهي بيد الله ؛ سيُوجد من الكدر والضيق ما يجعل حياة الإنسان غير سعيدةٍ وغير مطمئنةٍ، خاصةً أن وقت الإنسان في هذه الدنيا قصيرٌ، فلا ينبغي للإنسان أن يزيد همًّا على همومه، وقلقًا، واضطرابًا، وعليه أن يشغل نفسه بعملٍ صالحٍ: وَقُلِ اعْمَلُوا [التوبة:105]، أو بعلمٍ نافعٍ؛ حتى يستغلَّ وقته الحاضر في شيءٍ نافعٍ، وحينما يتقدم به العمر يكون قد قام بما يستطيعه من عملٍ نافعٍ، وحينها يستطيع أن يعيش حياته بطريقةٍ سليمةٍ، لكن الآخر سيُنكد على نفسه.
لذلك ينبغي ألا نقصر حياتنا على الاسترسال بالأكدار والتفكير فيها، ولا نُكدر حياتنا التي نريد أن تكون سعيدةً بمثل هذه الأشياء.
وهذا يا جماعة الذي هو في وعيه الطبيعي ووضعه العادي قادرٌ على أن يضغط على نفسه ويُحقق مثل هذا الشيء، والبعض يستسلم، وهذه قضيةٌ خطيرةٌ جدًّا؛ لأنه خلاف ما أعطى الله للنفس البشرية من الإرادة الذاتية، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]، وقال: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، فالإنسان يجتهد في دفع هذه الأمور.
وهناك أناسٌ يصل بهم مستوى الاضطراب النفسي إلى أن الواحد منهم لا يستطيع أن يُقاوم ما يُعانيه، وتصبح الإرادة عنده ضعيفةً، مع أنه يعرف أن هذا خطأٌ، ونفسه هي التي تقوده.
وهؤلاء الذين وصلوا لمستوى الاضطراب النفسي الشديد يحتاجون في الغالب -بعد توفيق الله- إلى تدخلٍ دوائيٍّ، فلماذا نُوصل أنفسنا إلى هذا المستوى الذي يحتاج إلى العنصر الكيميائي من خلال الدواء؟! وما من دواءٍ -ومنها الأدوية النفسية- إلا وله أثرٌ سلبيٌّ، شئنا أم أبينا.
وأيضًا ليس من الصواب أن نستسلم ونظن أننا في النهاية سنأكل حبةً أو حبتين أو ثلاثًا أو شيئًا من هذا القبيل ثم نرتاح، الجدارة أن نُمارس حياتنا بطريقةٍ صحيحةٍ، وندفع القلق والأوهام والتفكير السلبي والتوتر والتفكير غير الإيجابي في المستقبل، ونُقنع أنفسنا بأننا قادرون على أن نُعالج أنفسنا بأنفسنا.
النقطة الثالثة عشرة: تذكر النِّعَم التي أنعم الله بها علينا
فالذي أقلق من أجله ويُسبب لي اضطرابٌ في الغالب شيءٌ سلبيٌّ، فالانفعال السلبي هو الذي يجعل الإنسان ليس في وضعه الطبيعي.
طيب، هذا الشيء السلبي لو قمنا بالمقارنة بينه وبين ما أنعم الله به علينا، ووضعنا هذا في كفَّةٍ وهذا في كفَّةٍ، سنجد أن نِعم الله الدنيوية والدينية كثيرةٌ، فلماذا أنسى هذه النِّعم الكثيرة بسبب قلقٍ على شيءٍ أشغل بالي وذهني، وجعل مزاجي مع أسرتي وأبنائي وزوجتي مزاجًا غير سَوِيٍّ.
فهذا أيضًا خطابٌ نفسيٌّ عقلانيٌّ بين الإنسان ونفسه.
فيا مَن تشعر بالقلق حتى تُخفف على نفسك القلق فكِّر بالنِّعَم التي أنعم الله بها عليك، والتي هي مصدر السعادة والإيجابية والطمأنينة، فكِّر في نِعَم الدنيا والدين ستجد أن الذي تُفكر فيه من مكروهٍ مُحتملٍ لا يُساوي شيئًا عند هذه النِّعَم.
وهذا يُقال حتى في الابتلاء ببعض الأمور، فتلك النعم أعظم بكثيرٍ مما ابتُليت به، فهذا مما تنبغي العناية به، وعقد المقارنات بين هذه الأمور لتطمئن النفس.
وأيضًا كيف أقلق على شيءٍ في المستقبل وهو لم يحصل بعد؟!
طيب، حين أُفكر سأجد أن هناك احتماليةً لحصوله، واحتماليةً لعدم حصوله، يمكن أن يحصل، ويمكن ألا يحصل، ولهذا الاحتمال نسبةٌ، ولهذا نسبةٌ؛ لذلك حين أقوم أيضًا بمقارنةٍ بين احتمالية الحصول واحتمالية عدم الحصول، وأُفكر في ذلك بهدوءٍ وعقلٍ وقلبٍ حيٍّ؛ ربما أجد أن نسبة عدم حصوله أكبر من نسبة حصوله، فلا بد من مجاهدةٍ في دفع هذا الأمر.
أما الاستسلام للأفكار السلبية والأوهام فهو أصل المشكلة في هذه القضايا وأمثالها، فنعقد المقارنة، ثم نفرض احتمال أنه ما يحصل.
قد يقول الإنسان: أخشى أن يكون هذا الأمر قد جاء. طيب، يا أخي، ماذا ستُفيدك خشيتك الآن؟! فأنت تخشى مثلًا أن يُصاب ابنك بمرضٍ، فهل هناك احتمالٌ ألا يُصاب؟ نعم، هناك احتمالٌ ألا يُصاب، وهو احتمالٌ كبيرٌ؛ لأن وضعه طبيعيٌّ.
فهؤلاء القلقون يتوهمون، وبعضهم يصل التوهم عنده إلى مستوى الوسواس، يعني: كأنه يرى الحقيقة أمامه، وهو مجرد وسواسٍ، ويعرف أنه خطأٌ، خاصةً إذا كان شيئًا حاليًّا، لكن نحن نتكلم عن قلقٍ مستقبليٍّ كمثالٍ؛ لذلك عقد المقارنات من الأشياء التي تُناسب؛ لتفكيك مستوى القلق الذي يُعاني منه الإنسان.
النقطة الرابعة عشرة: أن نعلم أن الأمور بيد الله تعالى
اعلم أن الأمور بيد الله تعالى، وأن مَن تتوهم أنهم سيُؤذونك أو يقفون حجر عثرةٍ في مستقبلك هم في الحقيقة يضرون أنفسهم، هذا إذا كنا فعلًا ركنَّا إلى ركنٍ شديدٍ، وهو الله، وأن ما قدَّره الله هو الذي سيكون.
أما الذي يجعل قضية مشاعره مشغولةً بهذا الشخص المسؤول الذي من المحتمل أن يحرمني من هذه الوظيفة، وأبدأ في التفكير في هذه القضية، وتتحكم بي، فهذا لو فعل بك ما توهمته فهو في الحقيقة سيضر نفسه، ولو قلقتَ ستُؤذي نفسك، فأيهما أفضل: أن يُؤذي هو نفسه، وتُؤذي أنت نفسك، أو أن يُؤذي هو نفسه، ولا تُؤذي أنت نفسك؟
لا شك أن الأفضل أن تسلم أنت من الإيذاء، وتُسلِّم أمرك لله تعالى، وفي النهاية الأمر لله: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [الروم:4]، وعلى نفسها جَنَت بَراقِش، فهو الذي سيتحمل المسؤولية، وهو الذي عليه الإثم، وأسأل الله أن يهديه، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ... إلى آخره.
فهذه الخطابات الرائعة نحتاجها مع النفس التي لها إرادةٌ، وتستطيع أن تُمارس مثل هذه القضايا.
النقطة الخامسة عشرة: ترجم أفكارك إلى أعمال
اجعل الأفكار الإيجابية التي تُفكر فيها مُترجمةً إلى أعمالٍ، وحياتك تبعًا لأفكارك، لما يعود عليك من نفعٍ في الدنيا والآخرة، فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا؛ لأن الذي يسبح في عالم الأفكار، والتطبيق عنده قليلٌ؛ غالبًا يسبح في عالم التفكير اللامحدود، فيكون أكثر احتماليةً للقلق، أما الشخص المُتعود فإنه يُمارس حياته من خلال: هذه الفكرة رقم واحدٍ، ثم الفكرة رقم اثنين، ثم رقم ثلاثةٍ، وإذا تعلَّم شيئًا يُطبقه، وهو حريصٌ على التنفيذ، فهذا ما عنده وقتٌ كي يُفكر في المستقبل، وليس من طبيعة شخصيته أن يسبح مع الأفكار ولا يُطبق منها شيئًا؛ لذلك ما يُسمَّى عند أهل التربية بـ"التطابق التربوي" مهمٌّ جدًّا، وقبل ذلك قول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف:2، 3]، فهذا أشد ما يبغضه الله ويكرهه؛ وهو أن يكون عندنا انفصامٌ بين الواقع وحياتنا التطبيقية، وبين الأفكار والأشياء التي تعلمناها والمبادئ والعقائد والمعلومات، فلا بد أن يكون هناك ترابطٌ بين الأمرين، وهذا يُساعد في تخفيف القلق بشكلٍ كبيرٍ وواضحٍ.
النقطة السادسة عشرة: لا تنتظر من أحدٍ أن يُكافئك ويشكرك
لا تنتظر ذلك؛ لأن الذي ينتظر ذلك سيتعب، ويُسيء الظنون بالناس، ويقول: فلانٌ والله ما قال لي: شكرًا، لماذا؟ ماذا فيه؟ وإنما يُعوِّد الإنسان نفسه على أن يبتغي الشكر من الله، كما قال تعالى: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان:9].
فهذا الذي يعيش بمثل هذا التوجيه لا يشغل باله ويقلق من المستقبل، ويحزن على مواقف سابقةٍ؛ لأنه لا يهمه، فلا يقول: أنا سأفعل هذا الفعل، لكن فلان هذا سيشكرني أو لا؟ فقد سبق أنه لم يشكرني، إذن أنا لن أفعله! وإنما يفعل الإنسان لله، ويزيد رصيده عند الله، وليقلّ هذا الرصيد عند البشر، لا إشكال، فما عند الله خيرٌ وأبقى.
النقطة السابعة عشرة: لتكن عندك قائمةٌ بالأمور
لا بد من قائمةٍ، وليس شرطًا أن تكون مكتوبةً، يعني: تتفكر فيها، وتُحضِّر لها، وتهتم بالأمور النافعة، ولا شك أن هناك في الطرف الآخر قائمةً بالأمور الضارة، فأشغل نفسك بتحقيق الأمور النافعة، وكان كلامنا الأول عن الإشغال عمومًا، وهنا حاول أن تُكوِّن لنفسك قاعدة بياناتٍ للأمور النافعة.
وجزءٌ من الإشكالية التي عندنا أننا لا ندري عن أبواب الخير والنفع لأنفسنا ولغيرنا، ولا ندرك أبواب الطاعات المختلفة في بعض الأحيان، كما قال النبي : وخير الناس أنفعهم للناس[3]أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (5787)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3289).، فهل أُعطيه زكاة مالٍ؟ فهذا وجهٌ من الأوجه، وهناك أشياء كثيرةٌ، فحاول أن تتعلم، وتتأمل، وتجمع مشاريع وأعمالًا وعباداتٍ نافعةً، وتحاول أن تُحققها، وتبتعد عن الأشياء الضارة التي تُؤدي للقلق.
وتذكرون قصة النبي لما تلاحى اثنان: واحدٌ من الأنصار، وواحدٌ من المهاجرين، وحصل خلافٌ، فماذا فعل النبي -بأبي هو وأمي- عليه الصلاة والسلام؟
جعلهم يمشون في عزِّ الشمس، ولم يتكلم، ولم يُعلِّق -بأبي هو وأمي- عليه الصلاة والسلام، فلما وصلوا إلى مكانٍ معينٍ، وقد أعياهم الطريق؛ ناموا، وقاموا وكأن شيئًا لم يحصل.
فهذا استفراغ الطاقة في الجهد والعمل، وهو من أساليب التربية التي ذكرها بعض المُربين، كصاحب كتاب "منهج التربية الإسلامية"، فهذه من الأشياء التي نحتاج إليها.
فالبعض لا يدري ماذا يفعل؟ عنده وقتٌ في الليل طويلٌ، وتجد أناسًا بارك الله في أعمالهم التي يقومون بها من الأعمال الطيبة، وأناسًا في دهاليز الأعمال الضارة -نسأل الله العافية والسلامة-، وأناسًا لا يدرون ماذا يفعلون؟ يجلس الواحد منهم هكذا بلا عملٍ؛ لذلك تجد هؤلاء يشق عليهم ليل الشتاء؛ لأنهم مثلًا ما تعوَّدوا على النوم مبكرًا، فيجلس أحدهم يحسب: بقيت ساعتان، بقيت ثلاث ساعاتٍ، بقي كذا! وصاحب الأعمال الضَّارة يقوم بأعماله الضَّارة التي هي وبالٌ عليه، وصاحب الأعمال النافعة يُنجز الأعمال النافعة.
فلا بد من تعويد النفس على مثل هذه الأشياء، وألا يبقى الإنسان كما قال ابن مسعودٍ -كما ذكرنا سابقًا- سَبَهْلَلًا، أي: فارغًا، لا هو في عمل دنيا، ولا في عمل آخرةٍ.
ويُعجبني الذي يستخدم وسائل التقنية الحديثة مثل (انستجرام) في عملية تسويق بضاعةٍ والمتاجرة فيها، ويضع صورًا للمأكولات التي يصنعها في البيت، وتأتيه التعليقات والردود ... إلى آخره، فهذا يفتح مجالًا للرزق الحلال، ويُمضي الساعة والساعتين في هذا.
يا أخي، هذا أحسن من الفراغ القاتل، وقد أصبحنا اليوم نحتاج إلى مثل هذه الأشياء، صحيحٌ أنها ليست رقم واحدٍ في القضايا التي تُمثل معالي الأمور، لكن أيضًا من المهم كسب الرزق الحلال، وأحوال الناس اليوم تختلف، وبعض الشباب يريد أن يتزوج، وليس عنده مالٌ يتزوج به، فنقول له: عندك فرصٌ في الإعلام الجديد كي تشتغل وتحصل على مالٍ من غير وظيفةٍ رسميةٍ، أو ما شابه ذلك.
وأعرف ناسًا كسبوا مبالغ طيبةً، وهذا جانبٌ نفعيٌّ دنيويٌّ، فما بالك بالجوانب النفعية الأخرى المتعلقة بالأمور الشرعية أو الدينية؟!
النقطة الثامنة عشرة: لا تُؤجل عمل اليوم إلى غدٍ
لا أُؤجل عمل اليوم إلى غدٍ، يعني: أُنجز المهمة التي عندي اليوم، حتى لو كنتُ أتصور أنني قادرٌ على إنجازها غدًا، فعوِّد نفسك على الإنجاز، وهذا مما يُساعد على ذهاب القلق، ويجعل احتمالية القلق أقلّ؛ لأن الأمر قد أُنجز، لكن إذا أُجِّلَ يُفكر فيه، فحسم الأمور النافعة في اللحظة الحاضرة يُريحك جدًّا، والتأجيل والتراكمات سيكون لها أثرٌ في نسبة القلق، وتكون مُسببةً ومُعينةً على القلق الذي نريد أن نهرب منه.
النقطة التاسعة عشرة: أن تفعل ما تميل إليه
حينما أفعل هذه الأعمال النافعة فهذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا، ومن المهم أن أفعل الشيء الذي تميل إليه نفسي، ورغبتي تشتد إليه أكثر، وأيضًا أدرسه جيدًا، وأستخير الله، وأستشير؛ حتى يكون إنتاجي جيدًا، وأُنجز الأعمال: الأهم فالأهم.
والأهم بالنسبة لي لا يلزم أن يكون مهمًّا بالنسبة لك؛ لأن ميولي ورغباتي تختلف عنك؛ لذلك من المهم جدًّا أن يعرف الإنسان نفسه: واحدٌ يُحب أن يقرأ في السيرة، وآخر يُحب أن يقرأ في الأدب، لكن كلاهما يقرأ، وهو عملٌ نافعٌ إذا كانت المضامين نافعةً: هذا يقرأ في السيرة، والثاني يقرأ في الأدب؛ في الشعر، والأول لا يُحب الشعر، والثاني يُحب الشعر، فلا إشكالَ في ذلك، فهذا أيضًا مما يُعين على إنجاز المهمة الحاضرة والنافعة.
وأيضًا من الأشياء التي تُساعد على دفع القلق وعلاجه: قضية الاستزادة من العلم، وما قرأه مُحدثكم في هذا اللقاء مثلًا في بعض المراجع هو بالنسبة لي زيادةٌ من العلم فيما يتعلق بالقلق، وهو كذلك بالنسبة لكم، فمن المفترض أن يكون زيادةً لكم -إن شاء الله تعالى- من العلم، وكلما كسبنا علمًا كان هذا عونًا لنا على تحقيق مدى أوسع من الثقافة.
وعمومًا صاحب العلم بلا شكٍّ يكون أشرح صدرًا، وأما صاحب الجهل فإنه يكون أكثر احتماليةً للقلق؛ لأنه لا يدري ماذا يفعل؟ وأما صاحب العلم فهو يعرف أن الموضوع سيكون غالبًا بالصورة الفلانية؛ لأن عنده خبراتٍ وقراءةً في هذا الجانب: استفاد من دورةٍ مثلًا، واستبصر في أمور حياته المستقبلية، فيكون أقل نسبة من الجاهل فيما يتعلق بحصول القلق؛ لذلك العلم النافع أهله أشرح الناس صدرًا كما قال ابن القيم، وأوسعهم قلوبًا، وأحسنهم أخلاقًا، وأطيبهم عيشًا[4]"زاد المعاد في هدي خير العباد" (2/ 23)..
النقطة العشرون: التربية على الشجاعة، والابتعاد عن مواطن الجبن والخوف
أيضًا من النقاط التي تساعد على دفع القلق وعلاجه: التربية على الشجاعة، والابتعاد عن مواطن الجبن والخوف، فالشجاع يعرف ماذا يُقبل عليه؟ فيكون تخوفه من المستقبل ضعيفًا؛ لأن عنده شجاعةً.
والمقصود الشجاعة الإيجابية، وليست السلبية، بينما الخائف الجبان تجده يحسب حسابًا لاحتمالية ما سيلقاه بعد قليلٍ، حتى لو نام في الليل، وقام آخر الليل واحتاج إلى ماءٍ، والأضواء مُغلقة؛ يعيش في قلقٍ.
ولذلك من تفسيرات التبول اللاإرادي: القلق والخوف، وفي بعض الأحيان يمتد التبول اللاإرادي من الأطفال إلى المراهقين، وتجده مُرتبطًا بالقلق والتفكير في المستقبل، فتجد أن الخوف وعدم الشجاعة تجعله ربما يُمارس حياته بطريقةٍ غير سليمةٍ.
النقطة الحادية والعشرون: ترك فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة والأكل والنوم
يقول ابن القيم: "فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة والأكل والنوم تستحيل آلامًا"، يعني: تتحول إلى آلامٍ وغمومٍ وهمومٍ في القلب: تحصره، وتحبسه، وتُضيقه، ويتعذب بها[5]"زاد المعاد في هدي خير العباد" (2/ 26)..
فهذه لفتةٌ رائعةٌ من هذا الجهبذ التربوي الذي أحسن في دراسة النفس البشرية في كتبه، وما يتعلق بالسلوك، فهو الآن لا يتكلم عن الحرام: كإطلاق النظر للحرام؛ لأن هذا واضحٌ، وإنما يتكلم عن الفضول؛ لأنك إذا فتحت على نفسك باب فضول ما تنظر إليه، وما تتكلم به، وما تسمعه وتخالطه، ... إلى آخره؛ فهذا سيجعل احتمالية القلق أكبر، فتبدأ عندك أشياء تنضاف إلى فكرك ومشاعرك، وهذه لا شك أن لها ضريبةً متعلقةً بقضية المستقبل وما يتعلق به، فإذا لم تُفلتر هذه القضايا، وتأخذ منها ما تحتاج إليه، وتترك ما لا تحتاج إليه؛ فإنك ستُصاب بالقلق.
مثلًا: تفكر في أشياء في المستقبل مما نظرتَ إليه، فهذا يجعلك تقول: سيحدث الكلام الذي قاله لي فلان، أو سيحدث بسبب هذا الكلام كذا. فيزيد من هذا الفضول الذي لا داعي له، ويغرس في نفسه همومًا وغمومًا، وهو بأمس الحاجة إلى الابتعاد عنها.
أخيرًا أختم هذا اللقاء بكلامٍ جميلٍ لابن القيم المُربي العظيم، تلميذ الجهبذ المربي ابن تيمية -رحمهما الله رحمةً واسعةً- حيث يقول في "زاد المعاد" عن أسباب السعادة وانشراح الصدر: "ومن أعظم أسباب ضيق الصدر: الإعراض عن الله تعالى، وتعلق القلب بغيره، والغفلة عن ذكره، ومحبة سواه، فإن مَن أحبَّ شيئًا غير الله عُذِّب به"[6]"زاد المعاد في هدي خير العباد" (2/ 24).، واربطوا هذا الكلام بالقلق؛ فإنه يتعذب به لأنه متعلقٌ بغير الله.
"فإن مَن أحبَّ شيئًا غير الله عُذِّب به، وسجن قلبه في محبة ذلك الغير، فما في القلب أشقى منه، ولا أكسف بالًا، ولا أنكد عيشًا، ولا أتعب قلبًا، فهما محبتان: محبةٌ هي جنة الدنيا، وسرور النفس، ولذَّة القلب، ونعيم الروح، وغذاؤها، ودواؤها، بل حياتها وقُرَّة عينها"[7]"زاد المعاد في هدي خير العباد" (2/ 24).، أسأل الله أن يرزقنا وإياكم هذه المحبة.
يقول: "وهي محبة الله وحده بكل القلب، وانجذاب قوى الميل والإرادة والمحبة كلها إليه"[8]"زاد المعاد في هدي خير العباد" (2/ 24).، فهذه المحبة الأولى.
أما المحبة الثانية فيقول عنها: "ومحبةٌ هي عذاب الروح، وغمّ النفس، وسجن القلب، وضيق الصدر، وهي سبب الألم والنكد والعناء، وهي محبة ما سواه سبحانه"[9]"زاد المعاد في هدي خير العباد" (2/ 24)..
أسأل الله أن يرزقنا وإياكم محبته، وأن يجعلنا وإياكم من السعداء في الدنيا والآخرة، وأهلينا، وذرارينا، ومَن له حقٌّ علينا.
هذا، والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.
سيكون لقاؤنا القادم -إن شاء الله- هو اللقاء قبل الأخير في هذا الفصل، وسنذكر تتميماتٍ نهائيةً في هذا الموضوع: القلق والهموم -إن شاء الله تعالى-، وهذا الموضوع نحتاج إليه؛ لأنه مرض العصر كما تعرفون بالتصنيف النفسي اليوم.
ثم يكون لقاؤنا بعد ذلك -إن شاء الله تعالى- في الإجابة عن أسئلة الانفعالات وغير الانفعالات.
وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
↑1 | أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134). |
---|---|
↑2 | أخرجه مسلم (1469). |
↑3 | أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (5787)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3289). |
↑4 | "زاد المعاد في هدي خير العباد" (2/ 23). |
↑5 | "زاد المعاد في هدي خير العباد" (2/ 26). |
↑6 | "زاد المعاد في هدي خير العباد" (2/ 24). |
↑7 | "زاد المعاد في هدي خير العباد" (2/ 24). |
↑8 | "زاد المعاد في هدي خير العباد" (2/ 24). |
↑9 | "زاد المعاد في هدي خير العباد" (2/ 24). |