المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فهذا -بعون الله وتوفيقه- الدرس السادس والأربعون من هذه السلسلة حول "التطبيقات النفسية والتربوية من الكتاب والسنة".
وكنا قد بدأنا في اللقاء الماضي في سلسلة "الانفعالات" حول ما يتعلق بالحزن والاكتئاب، وهذا اللقاء -إن شاء الله تعالى- سيكون فيما يتعلق بالعلاج، وفيما يرتبط بحالات الحزن والاكتئاب التي قد تنتاب العديد من الأشخاص بين مستوى من المستويات الدنيا، والمستويات التي قد تصل إلى مستويات الاكتئاب الشديد.
وذكرنا مقدماتٍ، وربطنا ذلك بآيات الله وسنة النبي فيما يتعلق بهذه القضية، وبيَّنا هذا الانفعال.
والحزن والاكتئاب يرد عند الإنسان، خاصةً ما يتعلق بالمستوى الأدنى، وهو الحزن غير الشديد، وقد تصل القضية للمستوى المرضي، وهو ما يرتبط بالحزن الشديد، وهو الاكتئاب.
وذكرنا بعض الأنواع، وما يرتبط بالقضايا المتعلقة بالحزن تجاه القضايا الدنيوية، في مقابل الحزن تجاه القضايا التي يرضاها الله ، أو التي يريدها الإنسان لوجه الله ؛ حينما يحصل شيءٌ يُغضب الله، أو يحصل شيءٌ يحزن الإنسان عليه؛ لأن فيه فوات مصلحةٍ للمسلمين، أو أمرٍ يُحبه الله .
وتناقشنا في العديد من الأمور في ذلك الدرس، واليوم نتطرق لمجموعةٍ من العلاجات، وهذه العلاجات يجمع بينها العلاج الشرعي الواضح، وهذا الذي لا يكاد يوجد في النظريات والمعطيات الغربية، والعيادات النفسية التي لا تنطلق من الكتاب والسنة، وهناك علاجاتٌ أخرى نشترك فيها نحن -المسلمين- مع غيرنا من غير المسلمين كما سيأتي معنا: كالعلاج الدوائي، أو العلاج المعرفي، أو العلاج بالتيار الكهربائي، وما شابه ذلك.
فنأخذ شيئًا من هذه العلاجات، خاصةً وأن الجميع يتعرضون لمثل هذا الانفعال فيما يرتبط بالذات في المستوى الطبيعي، أو المستوى الأدنى، وقد يكون الأمر أكثر من ذلك، وهو قضية الحزن، فكل واحدٍ منا مُعرَّضٌ لأن يُسلب منه شيءٌ يُحبه، أو يقع عليه شيءٌ يكرهه؛ فيتولد من ذلك الحزن، ويتولد من ذلك -ربما- ما هو أشد من الحزن، وهو الاكتئاب.
أولًا: الإيمان بالقضاء والقدر
أولى هذه القضايا ما يتعلق بالإيمان بالقضاء والقدر، وهذه من أعظم الأمور المتعلقة بعلاج الحزن والاكتئاب، وهذه القضية لا تجدها في أبجديات النظريات النفسية الغربية بحالٍ من الأحوال.
فعندما يقول الله : مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد:22، 23].
هذه آيةٌ واضحة الدلالة والمعنى في موضوع: أثر الإيمان بالقضاء والقدر على تخفيف المصيبة، فإن المصيبة مكتوبةٌ سلفًا، والله يحذر: لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ، واتفقنا على أن الحزن والاكتئاب مرتبطٌ باسترجاع شيءٍ سابقٍ، فيبدأ الإنسان في استرجاع شيءٍ سابقٍ قد انتهى، الله قدَّره، وذكرنا أن هذا هو الفرق بينه وبين القلق والخوف الذي يكون من شيءٍ سيأتي في المستقبل، وناقشنا الحزن والاكتئاب الذي يكون على شيءٍ سابقٍ.
فالله يقول: لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ، ليست هناك حاجةٌ إلى أن تأسى على ما فاتك، انتهى هذا الموضوع.
وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ لأن الفرح غير الطبيعي بما أعطاك الله إياه قد يُولد الفخر والخيلاء والكِبر، وحينما يُسلب هذا الأمر المحبوب للنفس، وقد تعلَّقت به النفس، وأحبته كثيرًا؛ فإن ذلك يُسبب الحزن والاكتئاب.
فمن الطبيعي أن يُحب الإنسان الأمر حبًّا طبيعيًّا، خاصةً ما يتعلق بأمور الدنيا -لعاعة الدنيا- فإنها لا تستحق التعلق بها.
لذلك فإن هذه القضية واضحةٌ جدًّا فيما يتعلق بقضية الإيمان بالقضاء والقدر، فلو أنه خسر مالًا في تجارةٍ، أو زوجةٌ توفيت، أو ولدٌ له، أو وظيفةٌ ومكانةٌ خسرها؛ لا يجزع، هذا الأمر مكتوبٌ، أمرٌ مكتوبٌ.
فلو تصورنا أنه لا علاقة له بهذا الأمر، وإذا كان له سببٌ في هذا فليُراجع نفسه؛ حتى يستفيد من مثل هذا الحدث للمستقبل، ولن يستطيع أن يُرجع الوقت الماضي، فالوقت الماضي مضى وانتهى: لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ، فهذا أمرٌ قد قدَّره الله وقضاه، سواءٌ كان هناك تقصيرٌ منك أو لم يكن، فكلا الأمرين مُقدَّرٌ من الله ، فقد قدَّر أنه سيكون، وقد كان، وانتهى.
وفي هذه النقطة يقول الرسول -بأبي هو وأمي- في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك[1]أخرجه الترمذي (2516)، وقال: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ"، وأحمد في "المسند" (2763)، وقال مُحققوه: "حديثٌ صحيحٌ"، وصححه … Continue reading.
وفي روايةٍ: واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليُصيبك، وما أصابك لم يكن ليُخطئك[2]أخرجه أبو داود (4699)، و(4700)، وابن ماجه (77)، وأحمد في "المسند" (21589)، والحاكم في "المستدرك" (6304)، والطبراني في "الكبير" … Continue reading.
فالقضية مُقدَّرةٌ بعلم الله ، وهذا نحتاج أن نتربى عليه، ونُربي الأجيال عليه: قضية الإيمان بالقضاء والقدر.
فلو قرأت الأسرة كتاب الشيخ العلامة الدكتور عمر سليمان الأشقر -رحمه الله- الذي هو بعنوان: "الإيمان بالقضاء والقدر"، وهو ضمن سلسلة "الإيمانيات": العقيدة في الله، وعالم الملائكة الأبرار، وعالم الجن والشياطين، وغير ذلك، وهي سلسلةٌ رائعةٌ جدًّا، ومنها ما يتعلق بالإيمان بالقضاء والقدر، أو غيره من الكتب، مع الوقوف عند الآيات المتعلقة بهذا، وقراءة تفسيرها، فهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
وهذا الأمر لله من قبل ومن بعد، فعلينا أن نُسلي أنفسنا بهذا حينما يزيد إيماننا بقضاء الله وقدره، وهو ركنٌ من أركان الإيمان الستة، فمنها: الإيمان بالقدر: خيره وشره.
ونتحدث عن الجانب الآخر؛ لأن الخير سيفرح الإنسان له، أما الجانب المتعلق بالحزن، الذي هو الشر، أو الذي لا يُحبه ...، هذه النقطة الأولى.
ثانيًا: الإيمان باليوم الآخر
النقطة الثانية: الإيمان باليوم الآخر: وهذه تُعطي الإنسان تعلقًا بأن هناك يومًا أعظم من الدنيا التي يحزن فيها، أو يحزن من أجلها، حتى لو فقد محبوبًا -مهما كان هذا المحبوب- فإن الموعد الآخرة، الموعد الجنة، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهل الجنة.
فلو فقد محبوبًا عزيزًا: ولدًا، أبًا، زوجةً، ... إلى آخره، فإن الله سيجمع هؤلاء في الجنة يوم القيامة، هذا اليوم الآخر: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:64]، يعني: اعلموا، انتبهوا، أدركوا أن الحياة الأبدية هي حياة الآخرة.
ولذلك كما قلنا في القضاء والقدر نقول هنا في الإيمان بالآخرة: أنه من المهم جدًّا أن تُربى القلوب -قلوبنا، وقلوب مَن تحتنا، ومَن معنا، وفي أُسرنا، وفي غيرها- على التعلق باليوم الآخر، فمَن كان همه همًّا واحدًا؛ هم الآخرة، يقول النبي : مَن جعل الهموم همًّا واحدًا كفاه الله همَّ دنياه[3]أخرجه ابن ماجه (257)، والحاكم في "المستدرك" (3658)، وقال: "هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يُخرجاه"، وصححه الألباني في … Continue reading.
فهذا التعلق بالشيء الأعظم سيُساعد في تخفيف الوطأة؛ لذلك: لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضةٍ ما سقى كافرًا منها شربة ماءٍ[4]أخرجه الترمذي (2320)، والحاكم في "المستدرك" (7847)، وقال: "هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه"، وصححه الألباني في … Continue reading.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام حينما حزن على وفاة ابنه إبراهيم: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يُسخط الرب، ولولا أنه وعدٌ صادقٌ، وموعودٌ جامعٌ، وأن الآخر منا يتبع الأول؛ لوجدنا عليك يا إبراهيم أفضل مما وجدنا، وإنا بك لمحزو نون [5]أخرجه ابن ماجه (1589)، والطبراني في "المعجم الكبير" (433)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (2932).، يعني: لحزنا عليك يا إبراهيم حزنًا شديدًا، لكننا سنلتقي بك -بإذن الله- يوم القيامة.
وهذا يدل على أن دمع العين وحزن القلب أمرٌ طبيعيٌّ، لكن ما بعد ذلك ليس هذا مكانه، والنبي يُسلِّي نفسه، ويُسلِّي أمته بأن مما يُخفف مُصاب الإنسان في هذه الدنيا تذكر يوم القيامة.
ثالثًا: الإيمان بأسماء الله وصفاته
النقطة الثالثة: الإيمان بأسماء الله وصفاته: وهي من القضايا التي تميزت بها الشريعة في كتاب الله وسنة النبي ، وهذه لا تجدها عند المعالجين والأطباء النفسيين غير المسلمين، أو الذين -للأسف- لا ينتبهون لهذه القضايا من المسلمين: الإيمان بأسماء الله وصفاته.
فالأول: الإيمان بالقضاء والقدر: خيره وشره.
والثاني: الإيمان باليوم الآخر.
وهذا الثالث: فالله له أسماء وصفات، ومن المهم جدًّا أن نقف عندها، فالواحد منا يؤمن بأن الله هو الملك، يملك كل شيءٍ؛ ولذلك من المفترض أنه حينما يؤمن بأنه الملك فإن له الحق في المنع والعطاء، فلا يعترض عليه؛ ولذلك أيضًا من المهم جدًّا تعزيز هذه المعاني والتربية عليها من خلال أشياء عديدةٍ: قراءاتٍ، نقاشاتٍ، حواراتٍ، قدوةٍ، ... إلى آخره، وإلا فكثيرٌ من المسلمين يُظهرون إيمانهم، وعندهم الناحية النظرية، مثلًا: اليوم الآخر، والقضاء والقدر، ومثل هذه الأسماء والصفات، ويجيب عنها في أسئلة الاختبار، ويذكر حقيقتها، لكن لا يُعايشها!
لذلك من الأهمية بمكانٍ أن نجعل أمور العقيدة التي هي أعظم شيءٍ في هذا الوجود في مكانها الصحيح، فالعقيدة أولًا لو كانوا يعلمون.
وأول ما جاء به الأنبياء هو تعزيز العقيدة والتربية على التوحيد، وألا تكون قضايا نظريةً ومجرد معلوماتٍ، إنما يكون لها أثرها على السلوك، ولها أثرها على الحياة، وفيها تأثر ومُعايشة، وهذا مهمٌّ جدًّا، فلا بد أن نقف معها.
فمن أسماء الله: الحكيم، وهذا يتضمن صفة الحكمة، فالله لا يُقدر شيئًا إلا وله حكمةٌ، لكن المشكلة أننا قد نُدرك الحكمة، وقد لا نُدركها، قد نطلع على الحكمة، وقد لا نطلع عليها، والعقل عندنا قاصرٌ عند أمر الله ؛ ولذلك ما يُقدر الله شرًّا محضًا، لا بد أن يكون فيه خيرٌ، وهذا إذا علمه الإنسان يهدأ.
وقصة الخضر مع موسى عليهما السلام دليلٌ على ذلك، وقد استفاد موسى من الخضر، مع كونه موسى كليم الله، لكن استفاد من الخضر.
فعندما قتل الخضرُ الغلامَ تعجب موسى عليه الصلاة والسلام: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا [الكهف:74]، ثم بيَّن له الخضر بعد ذلك حِكَمًا لم تكن عنده عليه الصلاة والسلام، وقد اطلع عليها الخضر وعلمها: وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا [الكهف:80، 81]، هذا ما ظهر لموسى عليه الصلاة والسلام.
نحن كذلك قد لا تظهر لنا الحِكَم من الابتلاءات، وقد لا نُدرك هذه القضايا؛ ولذلك نُسلم أمرنا لله ، فالله لا يُقدر شرًّا محضًا.
فالوقوف عند هذه القضايا وهذه المعاني مهمٌّ جدًّا، وهي إشاراتٌ سريعةٌ؛ لأننا لا نريد أن نُطيل، فاللبيب بالإشارة يفهم.
رابعًا: النظرة الشرعية للمصائب والأحزان
النقطة الرابعة: الموقف من المصائب والأحزان: النظرة الشرعية لهذه القضية، وهذا مفهومٌ عند المسلمين، ولا يوجد عند غير المسلمين، بسبب أنه في ظلال كتاب الله وسنة النبي .
فعندما يقول النبي : إن الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم[6]أخرجه الترمذي (2396)، وقال: "هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه"، وابن ماجه (4031)، وأحمد في "المسند" (23623)، وقال … Continue reading، إذن قد تكون المصائب علامة محبة الله للعبد، وكما في الحديث الآخر: أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل[7]أخرجه الترمذي (2398)، وأحمد في "المسند" (1481)، وقال مُحققوه: "إسناده حسنٌ من أجل عاصم بن أبي النجود، وباقي رجاله … Continue reading.
فضع في بالك أن هذا الذي قدَّره الله عليك قد يُسبب الحزن، وقد يتمادى ليصل إلى الاكتئاب، وهذه القضية قد تكون خيرًا لك؛ لأن هذه علامةٌ من علامات محبة الله لك أيها المُبتلى، لكن بشرط أن تتعامل معها بطريقةٍ صحيحةٍ.
أيضًا من المعاني المتعلقة بالمصائب: أن صاحبها مأجورٌ مهما حصل، سواءٌ فقد مالًا، أو فقد عزيزًا، أو فقد منصبًا، أو وظيفةً، فهو مأجورٌ: ما يُصيب المسلم من نَصَبٍ، ولا وَصَبٍ، ولا هَمٍّ، ولا حزنٍ، ولا أذًى، ولا غمٍّ، حتى الشوكة يُشاكها؛ إلا كفَّر الله بها من خطاياه[8]أخرجه البخاري (5641)، ومسلم (2573)..
فاحتسب الأجر عند الله ، وأنه سيُعطيك من الأجر على قدر المصيبة، فكيف لو حصل الصبر؟ وكيف لو حصل الرضا؟ وكيف لو حصل الشكر لله ؟ والله يقول: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]، فاصبر وتحمل فأنت مأجورٌ، وقد يدل البلاء على محبة الله لك.
ثم قال: يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ فتصور شخصًا فتح لك رصيدًا مفتوحًا، وقال لك: كم تريد؟ هذا: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ، نسأل الله من فضله.
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في "صحيح مسلم": عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له[9]أخرجه مسلم (2999)..
الخنساء بين الجاهلية والإسلام
عندما نقف مع موقف الخنساء -وقد سبقت الإشارة إليه، لكن لعلنا نقف معه هنا لأهميته- فهي امرأةٌ كبيرةٌ، وليست رجلًا، وظهر الجزع والحزن والاكتئاب عليها عندما كانت في الجاهلية، ولم تكن أسلمت، وجاءها خبر وفاة أخيها صخر، فقالت مقولتها المشهورة:
يذكرني طلوع الشمس صخرًا | وأبكيه لكل غروب شمس |
ولولا كثرة الباكين حولي | على إخوانهم لقتلت نفسي[10]انظر: "الكامل في اللغة والأدب" (1/ 16)، و"نهاية الأرب في فنون الأدب" (5/ 179)، و"حماسة القرشي" (ص167).. |
فالاكتئاب قد يجعل الإنسان يقتل نفسه، وقد أوردنا مجموعةً من القضايا المتعلقة بالانتحار وما يرتبط بهذا الجانب في مجلسٍ سابقٍ، وذكرنا أنه في الاكتئاب الذهاني قد يفعل البعض هذا الفعل ويكون خارج التغطية، فلا يُدرك ماذا يفعل؟
المقصود أن هذه المرأة نفسها، وهي امرأةٌ، وليست رجلًا، وأصبح العمر يمتد بها، لما أتاها خبر وفاة أربعةٍ من أبنائها في الجهاد قالت: الحمد لله الذي شرَّفني بقتلهم جميعًا، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.
المرأة نفس المرأة، والشكل نفس الشكل، والنَّسب نفس النسب، والتركيبة العضوية والفسيولوجية هي هي: تركيبتها، وأعضاؤها، ... إلى آخره، لكن تغير المُوجه هنا، والضابط، والدافع، والباعث بين ما كانت عليه قبل الإسلام، وما أصبحت عليه بعد الإسلام.
وكما يقال: امرأةٌ، وكبيرةٌ في السن، فهي أدعى إلى الحزن، يعني: حينما تفقد بعد سنين طويلةٍ أربعةً من أبنائها، وهي كبيرةٌ، وتفكر في الموت، وهي امرأةٌ، يعني: الجزع أقرب إليها، والحزن أقرب إليها، ومع ذلك تجلدت رضي الله عنها وأرضاها، والعلاقة بالأبناء أشد من علاقتها بأخيها، ومع ذلك كان حزنها على أخيها أشد في الموقف الأول، وفي الثاني حمدت الله .
فلا تفسير لذلك إلا بقضية الإيمان، العقيدة والإيمان، هذا الذي وُجِدَ، فقد أدركت أنها مأجورةٌ على ما تفعل، والصبر له ما بعده من الخيرات العظام في الدنيا والآخرة.
كلام ابن الجوزي عن تأخر استجابة الدعاء
لابن الجوزي -رحمه الله- كلامٌ لا أستطيع أن أقرأه، لكن في نفس الوقت يمكن أن نأخذ بعض المعاني منه، فهو يتكلم عن تأخر الإجابة في البلاء، فالإنسان يدعو الله فتتأخر الإجابة، فيأتيه الشيطان ويُنازعه ويُوسوس له، كأنه يقول: أدركت كيف؟!
فأخذ ابن الجوزي -رحمه الله- يُنازع الشيطان ويقول له: اخسأ يا لعين. ثم ذكر مجموعةً من القضايا اللطيفة، وكان الحوار النفسي بين ابن الجوزي ونفسه حوارًا لطيفًا، لكننا لا نستطيع أن نقرأه كاملًا، لكن فيه معانٍ:
المعنى الأول: يقول: "قد ثبت في البرهان أن الله مالكٌ، وللمالك التصرف في المنع والعطاء"[11]"صيد الخاطر" (ص82).، وهذا ما ذكرناه قبل قليلٍ، وبدأ يُحدث نفسه في قضية أسماء الله وصفاته، فأقنع نفسه بأنه حتى لو ما حصلت استجابةٌ، فإن الاستجابة لا يملكها الإنسان، وإنما يملكها الله ، فهو المالك، وهو المُعطي، وهو المانع، إذن سمعنا وأطعنا.
وربما رأيت الشيء مصلحةً، والحق أن الحكمة لا تقتضيه، وكان يقول لنفسه: أنتِ قد تكوني رأيتِ أيتها النفس -يُحدِّث نفسه- أن المصلحة أن يُستجاب لكِ الآن، ويُرفع عنكِ البلاء، لكن قد تكون الحكمة لكِ أن تبقين على ما أنت عليه.
هذا حديثٌ للنفس ثانٍ، وأثَّر في نفسي بهذه الطريقة.
الثالث: أيضًا يقول: التأخير مصلحةٌ، والاستعجال مضرَّةٌ. فيقول: ربما هناك مصلحةٌ من قضية التأخير.
الأمر الرابع: قد يكون السبب مرضًا في هذه النفس، أو شبهةً في الأكل، فالله لم يتقبل الدعاء، كما جاء في الحديث: يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرامٌ، وملبسه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يُستجاب له[12]أخرجه مسلم (1015)..
بدأ يقول: من المحتمل أن تكوني أنتِ السبب أيتها النفس، انتبهي.
خامسًا: تأمُّل الحكمة في تأخر إجابة الدعاء
النقطة الخامسة: لو استجاب الله، يقول: "فربما كان في حصوله زيادة إثمٍ، أو تأخيرٌ عن مرتبة خيرٍ، فكان المنع أصلح"[13]"صيد الخاطر" (ص83).، إذن فلعل الخير ألا تحصل استجابةٌ.
وأيضًا "قد يكون" يُخاطب نفسه "ما تفقدينه سببًا للوقوف على الباب واللجوء إلى الله"، يعني: قد يقول: إن هذا مرادٌ.
وقد ذكر هذا أيضًا ابن القيم -رحمه الله- في كلامه عن الابتلاء: أن من حِكَم الابتلاء: أن الله يُحب أن يرى من عبده لُجأه إليه، ويُحب أن يرى فقر العبد[14]انظر: "الجواب الكافي= الداء والدواء" (ص67)، و"حادي الأرواح" (ص91)..
فهنا ابن الجوزي يقول: قد يكون الخير إن تأخر حتى يزيد الإنسان قُربةً إلى الله، وبلا شكٍّ هذه القضية تحتاج إلى نفسٍ مجاهدةٍ، وهذا من الأشياء والمعاني المهمة جدًّا.
فاستطاع ابن الجوزي هنا أن يتخاطب ذهنيًّا، ويُعالج نفسه فكريًّا وذهنيًّا ومعرفيًّا، وعندنا في التخصص يُسمى: العلاج المعرفي، والعلاج الذهني، ويُقنعها حتى يُفسر: لِمَ يدعو أن يرفع الله عنه البلاء ولم يُرفع؟ فعليه أن يصبر عليه، ويتحمل هذا البلاء.
لذلك يحصل عند الغربيين وغيرهم الانتحار، ومن أكثر معدلات الانتحار في العالم: اليابان، فإذا فقد أحدهم وظيفةً لا يستطيع أن يخلص للأنس بهذه النفس إلا أن يتخلص منها، فهو شبه عابدٍ للوظيفة؛ لذلك نسبة الانتحار عندهم كبيرةٌ.
وإذا قلنا: السويد أعلى معدل دخلٍ في الاقتصاد اليومي للفرد في العالم، فمع ذلك يقول البعض: هم أكثر الناس انتحارًا.
وكذا غيرهم من البلدان، فالواحدة عندهم العجوز إذا ماتت قِطتها انتحرت، وذاك إذا ذهب كلبه انتحر.
فقارن بين هذه الصور والانتحارات وبين قصة الخنساء، أو كلام ابن الجوزي الذي سبق قبل قليلٍ، وقارن بينه وبين أولئك، فلا شكَّ أن فيه معنًى عظيمًا جدًّا ومؤثرًا في بناء الشخصية، ومؤثرًا في هذه النفس البشرية في التعامل مع هذه المصائب، والتعامل مع الأحزان، والتعامل مع الابتلاءات.
سادسًا: ممارسة التقوى والعمل الصالح
هناك دخلنا في قضايا مبادئ واعتقادات، وذكرنا الأشياء الأربعة السابقة، وهنا يظهر قول الله : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، هذه السعادة التي نسأل الله أن يرزقنا وإياكم إياها في الدنيا كما قال العلماء: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] أي: في الآخرة.
فهذا كان هو سبب العمل الصالح والإيمان بالعمل الصالح، فولَّد سعادةً في الدنيا، وسعادةً في الآخرة.
يقول إبراهيم بن أدهم -رحمه الله-: "والله إننا لفي نعمةٍ لو يعلم بها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف"[15]"البداية والنهاية" ط. الفكر (10/ 138)..
الملوك وأبناء الملوك هم أعظم حظًّا في الدنيا من غيرهم، فعلى أي أساسٍ يقول: "لجالدونا عليها بالسيوف"؟
لأن فيه مغزًى معنويًّا مرتبطًا بالراحة والطمأنينة والسعادة التي تتأتى من خلال معطيات التقوى والعمل الصالح.
وصدق الشاعر إذ يقول:
لعمرك ما السعادة جمع مالٍ | ولكن التقي هو السعيد[16]انظر: "أمالي القالي" (2/ 202)، و"التذكرة الحمدونية" (1/ 156)، و"الحماسة البصرية" (2/ 67). |
وقد جلست مع أحد كبار رجال الأعمال، ولا أنسى كلامه، ولا أنسى موقفه، كان يقول لي: لا نكاد نشعر بارتياحٍ في حياتنا، من همٍّ إلى همٍّ، ومن غمٍّ إلى غمٍّ، حتى أهلنا وأبناءنا.
يتكلم عن واقعه، وقد يكون واقع غيره مختلفًا، يعني: نِعْم المال الصالح في يد الرجل الصالح، وفَّقه الله إلى غير ذلك من الأمور، لكن أنا أتكلم عن نموذجٍ يسبح على ملايين، لكنه يشعر بعدم الارتياح والطمأنينة، بل إن الناس الأقربين إليه هم أكثر الناس تأذيًا من هذا الذي هو عليه، فكيف بنفسه التي بين جنبيه؟!
سابعًا: العبادات
ما يتعلق بقضية الأعمال والعبادات وممارستها، مثل: الصلاة، وتسبيح الله، والدعاء.
لو أخذنا الصلاة مثلًا، قال الله : وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ [الحجر:97]، يعني: من الكفار، والمُخاطب هنا هو النبي ، فيضيق صدر النبي مما يقول الكفار، يقول الله له: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:98، 99]، فالتسلية لذهاب الضيق، وذهاب الحزن، طريقها العبادة من: تسبيحٍ لله، وصلاةٍ، وعبادةٍ لله .
وذا النون يونس عليه السلام عندما حصل له الكرب كان يدعو ويقول: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87].
والدعاء لله فيما يتعلق بالحزن والاكتئاب فيه دعاءٌ وقائيٌّ، وفيه دعاءٌ علاجيٌّ، وفيه دعاءٌ ممكنٌ، نقول: هو دعاءٌ حتى لا يقع ولا يحصل الحزن للإنسان.
فكان من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه أحمد والشيخان عن أنسٍ : اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجُبن، وضِلَع الدين وغلبة الرجال[17]أخرجه البخاري (2823)، ومسلم (2706)..
فالشاهد قوله: والحزن، فاستعاذ النبي منه، وهذا أسلوبٌ علاجيٌّ مهمٌّ جدًّا.
فادعُ الله أن يَقِيك هذه الأشياء، وأن يُبعد عنك الهم، فادعُ بهذا الدعاء وأكثر منه: اللهم إني أعوذ بك من الهم، والهم متعلقٌ بالقلق من الشيء المستقبلي، والحزن، والعجز، والكسل إلى آخر هذه المُعيقات.
فهذا دعاءٌ وقائيٌّ؛ حتى لا تقع هذه الأشياء للإنسان، فيحميه الله ، وكلما اقتربنا من الله استجاب لنا.
وهناك دعاءٌ علاجيٌّ لشخصٍ وقع في الحزن، والنبي يقول في الحديث الصحيح الذي رواه عبدالله بن مسعود : ما أصاب عبدًا من همٍّ، ولا حزنٍ، فقال: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسمٍ هو لك، سميتَ به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علَّمته أحدًا من خلقك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همِّي؛ إلا أذهب الله همَّه وحزنه، وأبدله مكانه فرجًا[18]أخرجه أحمد في "المسند" (3712)، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيق "المسند"، والحاكم في "المستدرك" (1877)، وقال: "هذا حديثٌ … Continue reading.
إذن هذه العبادات: الصلاة: وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ [الحجر:98]، والتسبيح: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87]، وفَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [الحجر:98]، وذكرنا الدعاء، وقلنا: منه الدعاء الوقائي الذي يكون قبل وقوع الشيء، والدعاء العلاجي.
ثامنًا: تقدير أسوأ الاحتمالات
مهمٌّ جدًّا للإنسان حينما يقع في الحزن أو الاكتئاب أن يُقدر أسوأ الاحتمالات، وينظر إلى مَن هو واقعٌ بشيءٍ أسوأ منه.
والنبي أدرك هذه الحقيقة، وهذه قاعدةٌ نفسيةٌ تُذكر اليوم في أدبيات العلاج النفسي، لكنها في حديث خباب بن الأرت حين جاء إلى النبي وهو مُتوسدٌ في بردةٍ في ظل الكعبة، فقال: ألا تستنصر لنا؟! ألا تدعو لنا؟! فقال النبي : قد كان مَن قبلكم يُؤخذ الرجل فيُحفر له في الأرض فيُجعل فيها، ثم يُؤتى بالمنشار فيُوضع على رأسه، فيُجعل نصفين، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليُتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون[19]أخرجه البخاري (3612)، (6943)..
هذا درسٌ لخباب ومَن معه ولنا، فهذه الشدة التي كان خباب يشعر بها من شدة تعذيب قريش للمسلمين والصحابة في ذلك الوقت، فأعطاه الرسول صورةً لمَن عانوا أشد مما عانى منه خباب وغيره.
وهذه من القضايا التي تُهدئ النفس، انظر إلى غيرك؛ فيمكن أن يكون قد ابتُلي بمصيبةٍ مثلك أو أشد منك، هذه ستُسليك، فهناك من الناس مَن أُصيبوا بمصيبةٍ أكثر منك.
ولذلك فإن القاعدة في التعامل مع الدنيا هي قول النبي كما في البخاري ومسلم: انظروا إلى مَن هو أسفل منكم أي: في أمور الدنيا، ولا تنظروا إلى مَن هو فوقكم؛ فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم[20]أخرجه مسلم (2963)، والترمذي (2513)، وأحمد في "المسند" (10246)، وقال محققوه: "إسناده صحيحٌ على شرط الشيخين"، وصححه … Continue reading.
فأنت ما أعطاك الله المال، فهذا لو يتمعن فيه الإنسان ويتفكر كثيرًا قد يكون سببًا للحزن والاكتئاب، فالرسول يقول لك على القاعدة التي ذكرناها: أرح نفسك، ولا تنظر إلى مَن هو أعلى منك، وانظر لمَن هو دونك لترتاح، فأنت أحسن من غيرك، فتطمئن نفسك؛ فلا تزدري نعمة الله عليك.
فهذا أسلوبٌ، والعقل إذا وُجد، والنفس صاحبة الإرادة بعد توفيق الله يمكن أن يتخطى الإنسان هذه القضايا المتعلقة بالحزن والاكتئاب من خلال هذه القضية المتعلقة بتقدير أسوأ الاحتمالات، أو النظر إلى مَن أُصيبوا بمصيبةٍ أعظم من مصيبته.
ولذلك في الجانب العلاجي والجوانب النفسية يوجد شيءٌ يُسمونه في العلاج: العلاج الجماعي، يعني مثلًا: مجموعةٌ عندهم خجلٌ اجتماعيٌّ، أو رهابٌ اجتماعيٌّ، فيجمع هذه المجموعة: خمسة عشر شخصًا، أو قريبًا من ذلك، ويبدأ العلاج معهم، وفكرتها أن كل فردٍ يرى في غيره نفس ما هو مُصابٌ به؛ فتهون عليه المصيبة، بل سيرى في بعض الأحيان أن غيره أسوأ منه في هذه المشكلة، فيقول: الحمد لله، أنا أخفّ. وهذه من فوائد العلاج الجماعي.
ومن فوائد العلاج الجماعي أيضًا: أن له بعض المُعطيات، وبعض التنبيهات، لكنه مفيدٌ وناجحٌ في هذا الاعتبار، ويُخفف مثل هذه الإشكالية.
وجاءت وقفةٌ عظيمةٌ جدًّا في كتاب الله كما في قوله : إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [آل عمران:153]، هذه حالة غزوة أحد، وحينما حصلت المعصية من بعض الصحابة وقعت الهزيمة، وقُتل عددٌ من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وكان هذا الغم الأول.
وجاءهم الغم الثاني، وهو: إشاعة أن النبي قد مات، فخفف الغم الثاني الغم الأول، وحينما انكشف لهم الأمر بأن النبي لم يمت، وأنه موجودٌ؛ ارتاحت نفوسهم، ولم يحصل هذا الذي حصل.
فهذا الغم: فَأَثَابَكُمْ، وانظروا إلى اللفظ القرآني: فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ يعني: كأنه علاجٌ من رب العالمين -وهو كذلك- وتخفيفٌ من رب العالمين عليهم: فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ حتى يُخفف الغمَّ الأول الغمُّ الآخر، ثم ينكشف الغم الآخر، ويتبين أنه ليس كذلك: لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ، انتهى الموضوع، استفيدوا فقط من الذي حصل: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]، هذا أهم شيءٍ؛ خذ الدرس أنه من عندك، حتى قال ابن مسعودٍ : "ما كنا نتوقع أن منا مَن يريد الدنيا إلا لما نزلت هذه الآية"[21]أخرجه أحمد في "المسند" (4414)، وقال محققوه: "حسنٌ لغيره، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ لانقطاعه"، وقال الشيخ أحمد شاكر في … Continue reading، يعني: قوله تعالى: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ [آل عمران:152]، فنزلت هذه الآية فكشفت بعض ما في نفوس الصحابة : أن منهم مَن يريد الدنيا، فراجعوا أنفسهم: أن القضية فيها إرادة الدنيا، وقد قُدِّمت على الآخرة، فحصلت المعصية، ثم حصلت الهزيمة: لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ، الحمد لله على ما قدَّر وشاء سبحانه.
ثم أيضًا من الإجراءات المهمة في هذه النقطة: أنه يحتمل أسوأ الاحتمالات، يضع أسوأ الاحتمالات، ويُهيئ نفسه لئلا ينصدم، فالمشكلة عند هؤلاء أن أحدهم يضع طموحًا ويفترض أسوأ الاحتمالات، ثم لا يحصل طموحه فيصير عنده إحباطٌ، ويحصل عنده الاكتئاب والحزن؛ لذلك افترض أسوأ الاحتمالات، ثم انظر لغيرك ممن هو مُصابٌ بمثل ما أصابك أو أشد منك.
الثالث في هذه النقطة: تذكر مصيبة الأمة بمحمدٍ ، يقول -بأبي هو وأمي- عليه الصلاة والسلام: أيها الناس، أيما أحدٍ من الناس -أو من المؤمنين- أُصيب بمصيبةٍ فليتعزَّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تُصيبه بغيري، فإن أحدًا من أمتي لن يُصاب بمصيبةٍ بعدي أشد عليه من مصيبتي[22]أخرجه ابن ماجه (1599)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7879)..
وهذا تخفيف المصيبة التي عليه بمصيبةٍ أعظم من ذلك، فهؤلاء الذين يصلون لهذه المنزلة: أنه يتذكر مصيبة النبي ووفاة النبي عند وفاة أحد الناس العزيزين عليه؛ لا شك أن هذا مُوفَّقٌ، وقلبه محبٌّ للنبي ، ومتعلقٌ بمحبة النبي ، وهي من القضايا التي فيها التسلية وتخفيف وطأة المصيبة، ثم تقدير المشكلة على حقيقتها.
الآن هؤلاء أشاعوا أن النبي قد مات، لكن ظهر كذب هذه الإشاعة، فلا بد أن تضع في بالك أنه من المحتمل أن يكون غمك وحزنك على شيءٍ غير واقعيٍّ، فلماذا أنت مهمومٌ؟ قال: والله سمعت.
طيب، اذهب وتأكد يا أخي، اعرف الذي حصل، قد تجد القضية أدنى مما تتوقعه.
تاسعًا: تفكير الإنسان تفكيرًا صحيحًا وواقعيًّا
يعني: يبتعد عن القضية، ويُفكر بطريقةٍ صحيحةٍ؛ أن يكون الإنسان واقعيًّا في تفكيره، ولا يكون شخصًا مُبالغًا في تفكيره، أو غير واقعيٍّ.
يعني: يأتي ويتصور ويقول: الناس ينظرون إليَّ نظرةً سوداويةً! وأنني لا خيرَ فيَّ! أنا ما عندي شيءٌ أقدر أن أنفع فيه!
فكلها رسائل سلبيةٌ تجاه هذه النفس وغير واقعيةٍ.
وقد لقيت عددًا من هؤلاء الناس في بعض اللقاءات الإرشادية، فمن المهم جدًّا أن نكون واقعيين، وأن نكون بعيدين عن الجوانب الخيالية والأشياء المثالية التي قد لا نستطيع أن نصل إليها.
فلا يمكن بحالٍ من الأحوال أن يكون الإنسان سعيدًا في كل وقتٍ، فتفترض أنت أن تسعد في كل وقتٍ وإلا فإنك تقول: والله شعرت بالحزن، إذن أنا لست سعيدًا!
يا أخي، كل واحدٍ منا مُعرَّضٌ لذلك، والرسول قال الله عنه: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ [الكهف:6]، فالرسول اهتمَّ واغتمَّ، وذهب بعد أن أُوذي عليه الصلاة والسلام ولم يُدرك نفسه إلا في قرن الثعالب، فأتاه ملك الجبال، فقال: أُطبق عليهم الأخشبين؟ قال: لا، لعل الله أن يُخرج من أصلابهم مَن يعبد الله[23]أخرجه الفاكهي في "أخبار مكة" (2624).، وهذه رحمة النبي على شدة ما لاقى من قومه عليه الصلاة والسلام.
فالحزن يحصل، لا إشكالَ في ذلك، لكن كن واقعيًّا وتعامل معه بطريقةٍ سليمةٍ، فالآن العلاقة بين الزوجين يقول فيها النبي : لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً، إذا كره منها خلقًا رضي منها آخر[24]أخرجه مسلم (1469)..
لماذا تشطب على الزوجة، وتُنهي موضوع الزوجة، وأنها أخطأت؟! فعندها أشياء إيجابيةٌ، وعندها أمورٌ طيبةٌ، فعليك ألا تنظر فقط إلى الجانب السلبي، انظر أيضًا إلى الجانب الإيجابي، فلا تكن مثاليًّا، كن واقعيًّا، وكن شاملًا، لا تأخذ القضية من جزئيةٍ بسيطةٍ، وإنما اجعل نظرتك شموليةً.
هذه النقطة مهمةٌ جدًّا في التعامل مع مثل هذه القضايا؛ ولذلك يقول الشيخ ابن سعدي -رحمه الله- في كتاب "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة": "وبهذا الإغضاء عن المساوئ"، يُعلِّق على حديث: لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً، "وبهذا الإغضاء عن المساوئ وملاحظة المحاسن تدوم الصحبة والاتصال، وتتم الراحة وتحصل لك"[25]"الوسائل المفيدة للحياة السعيدة" (ص28)..
القضية مجرد عدلٍ فقط، اضبط المعادلة، وقف من النظرة السلبية، قد تكون الزوجة أخطأت، لكن عندها جوانب إيجابيةٌ كثيرةٌ، جزاها الله خيرًا، تفعل، وفعلت، وحياة، وتعبت، هذه كلها تجعلك ترتاح، وتدوم الصحبة، وتحصل الراحة.
وبعض النفسيين تكلموا عن هذه التفكيرات الخاطئة، مثلًا: حذَّروا من التوقعات الكبيرة جدًّا، فلا تجعل نفسك تتوقع شيئًا كبيرًا جدًّا، كن واقعيًّا في نظرتك.
أيضًا حذَّروا من النظرة الجزئية للأمور، فخلِّ نظرتك شموليةً.
أيضًا انتبه ولا تُعمم الخطأ، واجعله في حيزه: أخطأت الزوجة، أخطأ الولد، أخطأ الطالب، الصديق، هذا مجاله، لكن هناك أشياء أخرى لا علاقةَ لها بالخطأ، بالعكس عندها وعنده أشياء إيجابيةٌ كثيرةٌ كما قلنا.
النظرة السلبية للأمور
انتبه ولا تنظر نظرةً سلبيةً للأمور: لا خيرَ فيَّ، ما فيها خيرٌ، ما فيه خيرٌ. وإلا فإنه من المستحيل أن يحصل هذا الأمر، يعني: يُعطي رسالةً أنه يفصل القضية تمامًا بينه وبين نفسه، أو بينه وبين الآخرين.
عاشرًا: تقديم حُسن الظن على إساءة الظن
أحسن الظن بالناس، وهذه لعل لها علاقةً بالرسائل السلبية والرسائل الإيجابية كما أشرنا إليها قبل قليلٍ، يقول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12].
لذلك تجد الذين عندهم حزنٌ واكتئابٌ في نظرتهم للناس غالبًا إساءة الظن بهم، يعني: هم الذين جعلوا الحزن يأتيهم: أكيد قصده كذا. يا أخي، ما قصده.
وحصل لي موقفٌ لا أنساه مع أحد الفضلاء، فقد دخل الشيطان في نفسي، ولعب الشيطان لعبته في نفسي، وعندئذٍ أخذ الحزن موطنه: كيف فلان كذا؟! لم أبادر، والصحيح أن أبادر، لكن الشيطان من لعبته على هذه النفس الضعيفة أنني أخَّرت، ثم جاء في بالي: لِمَ لا أذهب إليه وأتكلم معه؟ فذهبت إليه، وتكلمت معه، وظهر أن الكلام الذي في ذهني كله غير مقصودٍ، ولا يقصده، ولا يقصدني، وعشت أيامًا وأنا على إساءة الظن به، نسأل الله أن يعفو عنا وعنكم.
لذلك فإن إحسان الظن مطلوبٌ، وافترض أنك أحسنت الظن بشخصٍ، وظهر بعد ذلك أنه يظن بك ظن السوء، لا مشكلة في هذا، لكن هذا أفضل من أنك تُسيء الظن به ويظهر بعد ذلك أنه لم يقصدك، ولم يُرد هذا الظن الذي قصدته.
حادي عشر: تسلية النفس بأن مَن يؤذيها مُحسنٌ إليها!
عندما يحصل أذًى من شخصٍ يؤذيك ويشتمك تحزن، لا بد أن تُريح نفسك وتُسليها بأن هذا الشخص مُحسنٌ إليك، يقول النبي : أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا مَن لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاةٍ، وصيامٍ، وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، هذه الأشياء تُسبب الحزن، لكن الرسول يُسلي: وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار رواه مسلم[26]أخرجه مسلم (2581)..
نسأل الله العافية والسلامة، لا نفرح، لكن هذا هو الواقع.
بمعنى آخر: الشخص الذي يسيء إليك، ويقضي عليك، هو يُحسن إليك؛ لأنه يتصدق عليك بحسناته، فلا حاجة إلى أن تشغل بالك بأذى الناس، فهذا أفضل تصرفٍ نفسيٍّ في اتجاه مَن يُخطئ في حقك، فاحتسب الأجر، واعلم أنه يُحسن إليك.
وذُكر أن رجلًا جاء إلى عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فقال لها: إن ناسًا يتناولون أصحابَ النبي ، حتى أبا بكر وعمر. فقالت: وما تعجبون من هذا؟ انقطع عنهم العملُ، فأحبَّ الله ألا يقطع عنهم الأجر[27]"جامع الأصول" لابن الأثير (8/ 554)..
يعني: إلى الآن الأجور تمشي لأبي بكر وعمر من كثرة اللعن من هؤلاء الخبثاء الذين لا يرقبون في صحابة النبي إلًّا ولا ذمَّةً.
لذلك الله قال: قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ [آل عمران:119]، فلا حاجة إلى أن تموت بغيظك، فأنت قد أُوذيت، فإذا صبرت فإن الطرف الآخر -الذي كان سببًا في الإيذاء- هو الذي سيموت بغيظه.
ثاني عشر: الأمل والفأل
الأمل والفأل مهمٌّ جدًّا: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5، 6]، "لن يغلب عسرٌ يُسرين" كما قال أحد السلف[28]ذكره البخاري مُعلقًا في "صحيحه" (6/ 172)، والحاكم في "المستدرك" (3176) وقال: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم … Continue reading.
قال: العسر، واليُسر، لم يُعرفها، قال: "لن يغلب عسرٌ يُسرين"، فالإنسان أقرب إلى اليُسر من العسر؛ فلذلك اليسر سيأتيك بعد العسر: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق:7]، هذا من باب الأمل، ومن باب الفأل.
يقول النبي : واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يُسرًا[29]أخرجه أحمد في "المسند" (2803)، وقال محققوه: "حديثٌ صحيحٌ"، والحاكم في "المستدرك" (6304)، وصححه الألباني في "صحيح … Continue reading.
ولابن الجوزي -رحمه الله- كلامٌ جميلٌ في "صيد الخاطر"، لكن لا أستطيع أن أقرأه كاملًا، لكنه قال حينما نزلت به بليةٌ: "ولتلمح سرعة زوالها، فإنها لولا كرب الشدة ما رُجيت ساعات الراحة"[30]"صيد الخاطر" (ص84)..
يقول: "ولتلمح سرعة زوالها" يعني: يتفاءل أنها ستزول بسرعةٍ؛ لأن مع التفاؤل سيزول الكرب، وعندئذٍ تحصل الراحة.
العلاج بالأدوية الأخرى
أخيرًا: هناك علاجاتٌ مرتبطةٌ بالجانب الدوائي، ومرتبطةٌ بجانب العلاج بالكهرباء، يعني: هذه تُستخدم، ولا شك أنها من الوسائل التي نفعت، ويعرفها أهل الاختصاص، خاصةً الأطباء النفسيون، فهذه تُستخدم مع مَن احتاج إليها، خاصةً الذين وصلوا إلى مستوى الاكتئاب الشديد، وأصبح الواحد منهم يمارس حياته بصورةٍ صعبةٍ جدًّا، وأثَّر ذلك على حياته تمامًا، وربما أقعده ذلك عن أمورٍ عديدةٍ جدًّا، وأصبح مستوى اكتئاب الذهن شديدًا، بحيث إنه لا يكاد يكون في وعيه، وقد يكون معذورًا شرعًا في أداء بعض التكاليف ... إلى آخره، فهذا مهمٌّ جدًّا.
فينبغي أن نُبكر بالعلاجات، وأتكلم هنا عن جزئيةٍ مع الأطباء النفسيين، لكن في العلاجات التي ذكرتها قبل قليلٍ، والتي يمارسها الأخصائيون النفسيون، أو الذين عندهم من المهارات في هذه القضايا، ... إلى آخره، لكن لا يلزم أن تكون القضية دوائيةً، وإن احتيج للدواء، وكان من أهل الاختصاص؛ فلا مانع من ذلك، فهذه من قبيل الأشياء والوسائل التي نفع الله بها، وعلماؤنا تكلموا في هذه القضية، وكونها نفعت، ونفع الله بها، فهي من قبيل الوسائل المباحة التي فيها نفعٌ، فتكون مما يجوز استخدامه.
كذلك ثبت في الاكتئاب خاصةً العلاج بالكهرباء، وهناك دراسةٌ علميةٌ في هذا المجال (دكتوراة) عملت في قضية أثر العلاج بالكهرباء على تخفيف الاكتئاب، ويُمارسه بعض الأطباء النفسيين.
وهاتان النقطتان: الدواء والعلاج بالكهرباء من اختصاص أهل الطب النفسي.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يحفظنا وإياكم بحفظه، وأن يكلأنا وإياكم برعايته، وأن يجعلنا وإياكم من السعداء في هذه الدنيا وفي الآخرة، وأن يقينا وإياكم الهموم والغموم، وأن يجعل أيامنا أفراحًا دنيا وآخرة، وأن يُعيننا على تجاوز حالات الانفعالات التي قد تؤثر في نفسياتنا وفي علاقاتنا بالله ، ومع أهلينا، ومع المجتمع.
هذا، والله تعالى أعلم، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
↑1 | أخرجه الترمذي (2516)، وقال: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ"، وأحمد في "المسند" (2763)، وقال مُحققوه: "حديثٌ صحيحٌ"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7957). |
---|---|
↑2 | أخرجه أبو داود (4699)، و(4700)، وابن ماجه (77)، وأحمد في "المسند" (21589)، والحاكم في "المستدرك" (6304)، والطبراني في "الكبير" (11243)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5244). |
↑3 | أخرجه ابن ماجه (257)، والحاكم في "المستدرك" (3658)، وقال: "هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يُخرجاه"، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (263)، وقال: "حسنٌ لغيره" كما في "صحيح الترغيب والترهيب" (3170). |
↑4 | أخرجه الترمذي (2320)، والحاكم في "المستدرك" (7847)، وقال: "هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5292). |
↑5 | أخرجه ابن ماجه (1589)، والطبراني في "المعجم الكبير" (433)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (2932). |
↑6 | أخرجه الترمذي (2396)، وقال: "هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه"، وابن ماجه (4031)، وأحمد في "المسند" (23623)، وقال مُحققوه: "إسناده جيدٌ"، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (2110). |
↑7 | أخرجه الترمذي (2398)، وأحمد في "المسند" (1481)، وقال مُحققوه: "إسناده حسنٌ من أجل عاصم بن أبي النجود، وباقي رجاله ثقاتٌ رجال الشيخين"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (992). |
↑8 | أخرجه البخاري (5641)، ومسلم (2573). |
↑9 | أخرجه مسلم (2999). |
↑10 | انظر: "الكامل في اللغة والأدب" (1/ 16)، و"نهاية الأرب في فنون الأدب" (5/ 179)، و"حماسة القرشي" (ص167). |
↑11 | "صيد الخاطر" (ص82). |
↑12 | أخرجه مسلم (1015). |
↑13 | "صيد الخاطر" (ص83). |
↑14 | انظر: "الجواب الكافي= الداء والدواء" (ص67)، و"حادي الأرواح" (ص91). |
↑15 | "البداية والنهاية" ط. الفكر (10/ 138). |
↑16 | انظر: "أمالي القالي" (2/ 202)، و"التذكرة الحمدونية" (1/ 156)، و"الحماسة البصرية" (2/ 67). |
↑17 | أخرجه البخاري (2823)، ومسلم (2706). |
↑18 | أخرجه أحمد في "المسند" (3712)، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيق "المسند"، والحاكم في "المستدرك" (1877)، وقال: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ إن سلم من إرسال عبدالرحمن بن عبدالله، عن أبيه، فإنه مُختلفٌ في سماعه عن أبيه"، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1822). |
↑19 | أخرجه البخاري (3612)، (6943). |
↑20 | أخرجه مسلم (2963)، والترمذي (2513)، وأحمد في "المسند" (10246)، وقال محققوه: "إسناده صحيحٌ على شرط الشيخين"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1507). |
↑21 | أخرجه أحمد في "المسند" (4414)، وقال محققوه: "حسنٌ لغيره، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ لانقطاعه"، وقال الشيخ أحمد شاكر في تحقيق "المسند": "إسناده صحيحٌ"، وابن أبي شيبة في "مسنده" (1/ 284)، (430)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (1399). |
↑22 | أخرجه ابن ماجه (1599)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7879). |
↑23 | أخرجه الفاكهي في "أخبار مكة" (2624). |
↑24 | أخرجه مسلم (1469). |
↑25 | "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة" (ص28). |
↑26 | أخرجه مسلم (2581). |
↑27 | "جامع الأصول" لابن الأثير (8/ 554). |
↑28 | ذكره البخاري مُعلقًا في "صحيحه" (6/ 172)، والحاكم في "المستدرك" (3176) وقال: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يُخرجاه"، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4784). |
↑29 | أخرجه أحمد في "المسند" (2803)، وقال محققوه: "حديثٌ صحيحٌ"، والحاكم في "المستدرك" (6304)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6806). |
↑30 | "صيد الخاطر" (ص84). |