المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فهذا -بعونٍ من الله وتوفيقه- هو اللقاء السادس من المجموعة التاسعة من: "التطبيقات التربوية والنفسية من الكتاب والسنة"، وهي الحلقة الثامنة حول ما يتعلق بأسلوب القصة من الهدي النبوي، وقفات مع القصص النبوي، على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وقبل أن نُكمل تلك القصص التي ذكرناها في الحلقات السبع الماضية، وهذه الثامنة منها.
أمٌّ تشكو عقوق ابنها
هذه قصةٌ حدثني بها أحد الفضلاء قبل يومين: أن أحد القُضاة -وفَّقه الله - في إحدى القرى وردت له مشكلةٌ، وهو تظلمٌ مرفوعٌ من قِبَل إحدى الجهات المُختصة عن شكوى أمٍّ ضد ابنها.
الأم تشتكي أن ابنها يُسيء إليها -والعياذ بالله-، والقضية فيها جانبٌ من الضرب والإساءة وما شابه ذلك، فطلب القاضي أن يحضر هذا المُدَّعى عليه، وهو الابن، وهو شخصٌ ستيني، بينما الأم في الثمانينيات، ومع ذلك انظروا لهذه القسوة ولهذا العقوق مع الأم!
فقد أنكر كل ما جاء في الدعوى، وكان هذا القاضي ذكيًّا وحاذقًا، فقال له: إذن تأتي المرة القادمة وتُحضر معك أمك، فقال: كيف أُحضر معي خصمي؟ فأنطق الله لسانه بهذه العبارة؛ وهو أن يُسمي والدته خصمًا، يقول: فأدركت القضية تمامًا. فأتت الأم مع الابن، وأقرَّ بعد ذلك بالذي رُفع عليه.
ويقول القاضي -وهو ليس من أهل هذه القرية-: سمعت أن عددًا في هذه القرية من الرجال يفعلون مثل فعل هذا الرجل، وأن موضوع عقوق الوالدين موجودٌ بصورةٍ واضحةٍ.
فوفَّقه الله لحكمٍ تعزيريٍّ كان صائبًا، وهذه أهمية العقوبة حينما تكون في مكانها الصحيح، فحكم عليه بالسجن لأيامٍ معدودةٍ، والأمر المهم أنه حكم عليه بجلدٍ بعد صلاة الجمعة في جامع القرية أمام الملأ.
فأُتِيَ به بعد صلاة الجمعة، ونُودي عليه باسمه، وماذا فعل؟ وقُرئ البيان أمام الحاضرين، وكل الحاضرين يعرفونه، وهو واحدٌ من أهل القرية.
فقلت له: ماذا حصل بعد ذلك؟
القاضي ترك المكان، ثم عاد إليه بعد أشهرٍ قريبةٍ جدًّا يسأل، يزور تلك المنطقة: ماذا حصل لهذا الرجل؟ ما أخباره؟
فكانت النتيجة سارَّةً جدًّا، بعد أن كانت فيها المرارة الشديدة، فأصبح هذا الرجل مُلازمًا لأمه تمامًا، فنفع هذا الحكم هذا الرجل، فرجع إلى رُشده، وتاب إلى الله ، وأصبح بارًّا بأمه، مُلازمًا لها.
وهكذا جزمًا الذين أدركوا هذه القصة، وفي نفوسهم مثل الذي كان في نفس هذا الرجل، لا بد أنهم سيكفُّون عما في نفوسهم، وما يعملونه مع أمهاتهم.
هذه وقفةٌ بسيطةٌ جدًّا، تُعطي دلالةً على أننا بحاجةٍ إلى أن نستفيد من القصص والمواقف في هذه الحياة، وكيف حافظ هذا الدِّين على الحقوق؟ وأن الحكم الشرعي الذي يأتي به القاضي الشرعي من خلال الحدود أو التعزيرات باجتهاده، والنظر في الأدلة، فيه خيرٌ عظيمٌ.
فهذه الأمة -أمة محمدٍ - تنتمي إلى مَعِينٍ لا يَنْضَب، تنتمي إلى وحيٍ، تنتمي إلى كلام الله وكلام النبي ، هذا الذي حُرِمَتْ منه حضاراتٌ وأممٌ كثيرةٌ، بينما نحن -ولله الحمد- نعيش خيرات هذا الوحي، لكن بقي علينا نحن المسلمين: هل نقوم بهذا الواجب الذي علينا أم لا؟
صورة هذا الرجل الستيني قبل الحكم وقبل التعزير وبعده، صورتان مختلفتان تمامًا لشخصٍ واحدٍ: كان عاقًّا، وأصبح بارًّا، وهذا إن دلَّ فإنما يدل على أن كل سلوكٍ قابلٌ للتعديل، ولا يتصور مهما كان عمر الإنسان أن يتغير سلوكه، وهكذا ينبغي أن نستفيد من هذا في حياتنا الدنيوية.
امرأةٌ تُعزِّي القاسم بن محمد في وفاة زوجته
ننتقل إلى قصةٍ رواها الإمام مالك في "الموطأ" عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد أنه قال: "هلكت امرأةٌ لي، فأتاني محمد بن كعب القرظي يُعزيني بها، فقال: إنه كان في بني إسرائيل رجلٌ فقيهٌ، عالمٌ، عابدٌ، مجتهدٌ، وكانت له امرأةٌ، وكان بها مُعجبًا، ولها مُحبًّا، فماتت، فوجد عليها وَجْدًا شديدًا" أي: حزن عليها حزنًا شديدًا، "ولقي عليها أسفًا، حتى خلا في بيتٍ، وغلَّق على نفسه، واحتجب من الناس" أي: امتنع عن الناس، "فلم يكن يدخل عليه أحدٌ".
هذا الرجل هو القاسم بن محمد، زوجته توفيت، فجاء محمد بن كعب القرظي يُعزيه، فذكر له قصة هذا الرجل من بني إسرائيل يُسليه.
هذا الرجل كان فقيهًا من بني إسرائيل، وعالمًا، وعابدًا، ومجتهدًا، وكانت له امرأةٌ يُحبها، فتُوفيت، وحزن عليها حزنًا شديدًا حتى اعتزل الناس!
يقول محمد بن كعب يُكمل قصة هذا الرجل من بني إسرائيل، وهو يحكيها للقاسم بن محمد وهو يُعزيه في فقد زوجته: "وإن امرأةً سمعت به" سمعت بهذا الرجل الذي هو العالم الذي من بني إسرائيل "فجاءته".
فهذه المرأة ذكيةٌ، ونحن في أمس الحاجة إلى مثلها: المرأة التي تعرف دورها في الحياة.
"وإن امرأةً سمعت به، فجاءته، فقالت: إن لي إليه حاجةً أستفتيه فيها، ليس يجزيني فيها إلا مُشافهته"، يعني: جاءت ووجدت الباب مُغلقًا، فوجدت واحدًا يقف بجانب الباب، فقالت: لي حاجةٌ، عندي فتوى، أريده، لكن لا أستطيع أن أتكلم إلا معه مباشرةً.
"فذهب الناس" الذين كانوا موجودين، "ولَزِمَتْ بابه" وقفت عند بابه، "وقالت: ما لي منه بُدٌّ" يعني: لا بد أن ألتقي به، هذا أمرٌ ضروريٌّ، لا بد أن أستفتيه.
فقال لهذا الرجل العابد، الفقيه، العالم الذي أغلق على نفسه الباب بعدما حزن جدًّا على زوجته التي توفيت: "فقال له قائلٌ: إن هاهنا امرأةً أرادت أن تستفتيك، وقالت: إن أردتُ إلا مُشافهته، وقد ذهب الناس، وهي لا تُفارق الباب" يعني: بقيت على ما هي عليه، وتُصرّ على أن تلتقي معك.
"فقال: ائذنوا لها. فدخلت عليه، فقالت: إني جئتُك أستفتيك في أمرٍ. قال: وما هو؟ قالت: إني استعرتُ من جارةٍ لي حُلِيًّا، فكنت ألبسه وأُعيره زمانًا، ثم إنهم أرسلوا إليَّ فيه، أَفَأُؤَدِّيه إليهم؟" يعني: أنا استعرتُ حُليًّا، وكنت ألبسه وأُعيره، ثم طلبوا مني الحُلي الذي لهم.
"فقال: نعم والله، هذا حقٌّ لهم. فقالت: إنه قد مكث عندي زمانًا" يعني: بقيت عندي هذه المجوهرات فترةً من الزمن، "فقال: ذلك أحق لردِّك إياه إليهم حين أعاروكِه زمانًا" يعني: أنتِ استفدتِ منه زمانًا، وأنت اقترضتيه منهم، الآن أرجعيه.
"فقالت: أي يرحمك الله! أفتأسف على ما أعارك الله ثم أخذه منك، وهو أحقُّ به منك؟!" هي أرادت أن تُربيه، أرادت أن تُؤثر فيه، أرادت أن تجعله يُراجع نفسه، كونه يُغلق الباب وهو عالمٌ ومجتهدٌ وفقيهٌ! فكل الناس ستموت، الله المستعان.
فهي أرادت بهذا المثل أن يُراجع نفسه، وهذه المرأة ذكيةٌ، فإذا كنت تقول للمجوهرات التي أخذتها واستفدت منها زمانًا: لا بد أن أُرجعها إلى أصحابها، وهذه مجوهرات وحُلي، فـ"يرحمك الله! أفتأسف على ما أعارك الله؟!" فالله أعارك امرأتك، أعارك زوجتك، ثم أخذها منك، وهو أحق بها منك، مثل أولئك فهم أحق بالمجوهرات مني.
"فأبصر ما كان فيه" أي: راجع نفسه وأدرك، "ونفعه الله بقولها"[1]أخرجه مالك في "الموطأ" برواية أبي مصعب الزهري (998)..
هذه القصة فيها مجموعةٌ من الفوائد والدروس التربوية والنفسية نقف معها:
الذكاء الاجتماعي
فهذا الذكاء الاجتماعي، والقدرة على حلِّ المشكلات، والتأثير عند هذه المرأة؛ شيءٌ نحن في أمس الحاجة إليه.
فكم نحن في حاجةٍ إلى هذا الإنسان الإيجابي الذي يكون مُؤثرًا ونافعًا لغيره؟ والأجمل أن يكون الزوج نافعًا لزوجته، والزوجة نافعةً لزوجها، والآباء نافعين لأبنائهم، والأبناء نافعين لآبائهم، والمعلم للطلاب، والطلاب للمعلمين، والأصدقاء بعضهم مع بعضٍ، والجار لجاره، وهكذا.
فحينما يكون عندنا مثل هذا الحس وهذا الشعور الذي كان عند هذه المرأة، فهذه المرأة ما كانت عندها فتوى، هي فقط سمعت بهذا العالم، الفقيه، المجتهد، الورع، العابد، وما حصل له، فاستغربت، وفكرت بذكاءٍ وحكمةٍ: كيف تستطيع أن تُؤثر فيه؟
وهكذا الشخص حينما يكون مُؤثرًا تأثيرًا إيجابيًّا في الآخرين، كان بإمكانها أن تقول: أنا لا دخلَ لي! ولا علاقةَ لي بالأمر، يجلس الرجل على ما هو عليه ويتحمل مسؤوليته، والله يغفر لزوجته ويُعينه، ... إلى آخره.
لكنها استطاعت بالتفكير الجميل الرائع وتوفيق الله قبل ذلك وبعده أن تُؤثر في هذا العالِم وتفكّ أزمته، مع أنها ليست عالمةً، ولا مجتهدةً، ولا فقيهةً بمستوى هذا العالِم، ومع ذلك أثَّرت فيه.
وهذا يُعطي دلالةً على أن موضوع التأثير والتوجيه لا يلزم أن يكون من الكبير للصغير، ومن القوي للضعيف، ومن الغني للفقير، ومن العالِم للجاهل، ... إلى آخره، لا يلزم أبدًا.
والإمام أحمد رحمه الله في فتنة خلق القرآن، حينما سُجن وأُوذي رحمه الله كان يجلد، وكان جسمه بسيطًا ورقيقًا، ولم يتعود على مثل هذا الإيذاء، فكان يُغشى عليه ويقع رضي الله عنه وأرضاه.
كان معه واحدٌ قاطع طريقٍ مسجونٌ معه، وقطع الطريق كبيرةٌ من كبائر الذنوب، وفيها حَدٌّ ووعيدٌ.
هذا الرجل عندما رأى الإمام وهو على هذه الصورة، وهو معه مسجونٌ، أعلم رجلٍ في زمانه مسجونٌ مع قاطع طريقٍ! فقال له: يا إمام، أنت على الحقِّ ولا تصبر، ونحن على الباطل ونصبر! إنما هو السوط والسوطان. يقول الإمام أحمد: فثبتني الله به.
فقاطع الطريق أثَّر في الإمام أحمد رحمه الله؛ ولذلك ينبغي أن نُدرك هذا الهامش الواسع في موضوع التأثير، ومن الخطأ الكبير ألا نتصور أن ابني يمكن أن يُؤثر فيَّ، وألا نتصور ممن هو أصغر مني وأجهل مني أن يُؤثر فيَّ، والخطأ الأكبر عندما تُصبح هذه ثقافةً في المجتمع، وإنما يستطيع الإنسان أن يُؤثر، مثلما أثَّرت هذه المرأة الذكية التي كانت قادرةً على أن تُغير هذا الرجل وتجعله يُراجع نفسه: فعلًا الله أعارني زوجتي، ورجعت العاريةُ لمَن يملكها، وهو الله ، مع أنه عالمٌ، وفقيهٌ، ويُدرك الآيات والأحاديث، ويُدرك ما يتعلق بذلك، وحقيقة الموت، لكنه غفل كغفلة كل البشر، قد يغفلون مع ما عندهم من علمٍ، وما عندهم من إدراكٍ، هذه حقيقةٌ ينبغي أن نُدركها ونتنبه لها.
دَاءُ الغفلة
النقطة الأخرى: أن الإنسان قد يغفل، فالإنسان مهما أُوتي من علمٍ عن شيءٍ يُعلّمه الناس فإنه قد يغفل، وهذا واضحٌ جدًّا في هذه القصة، وهذا من طبيعة البشر، وهذا تفسيرٌ لا تبرير، بمعنى: أنه كيف حصل منه هذا الأمر؟
غفل عن إدراك واستحضار معاني الآيات المتعلقة بالصبر، والمتعلقة باحتساب الأجر، وبالإيمان بالقضاء والقدر، ... إلى آخره.
هو مُعلِّمٌ، لكن الإنسان ضعيفٌ، قد يحصل أنه ينسى ويغفل، فالحل أننا نُذكره كما ذكَّرت هذه المرأة هذا العالِم، فالعالِم واردٌ منه أن يغفل، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
وأيضًا قضيةٌ تحصل في الأسرة مثلًا، ويقع خطأٌ، فيتكلم الإخوة مع بعضٍ، فيقول: بالتأكيد أبي يدري، بالتأكيد أبي يعرف، بالتأكيد أمي تدري، بالتأكيد أمي تعرف. لا يلزم، قد يكونا غافلين، قد يكونا غير مُنتبهين، قد يكونا يعرفان لكن نسيا، كل هذا واردٌ.
لذلك ينبغي ألَّا نكون عونًا على استمرار الخطأ، وإنما نُذَكِّر حتى مَن هم أعلى منا، حتى مَن نتصور أن المفترض أنه يعرف، هو يعرف ويعلم، لكن نسي كما ينسى كل واحدٍ منا، وهذا من طبيعة الإنسان، فالإنسان سُمِّي إنسانًا لنسيانه، وهذا مما ذُكِرَ في معاني الإنسان.
ولذلك من رجاحة عقل الواحد منا: التذكير والتبصير للغافل، فما أجمل أن تُصبح هذه الصورة مثالًا وسجيَّةً! يعني: حين نُصلي قد نجد مَن يُصلي بجوارنا جواله يعمل بالنغمات، ويخرج من الصلاة، ولا يتكلم أحدٌ معه، وخاصةً المجاورين.
ماذا يضير الواحد منا أن يتحدث معه، ويُذكِّره بالله ؟! فقد تكون قضيته غفلةً، ويحتاج لتنبيهٍ، وقد لا يعرف كيفية ضبط الجوَّال فيُساعد، وبعض الناس قد يرى أنه لا مشكلةَ في ذلك، مجرد إزعاج فقط، وكم لاحظنا ناسًا.
واليوم مثلًا في (تويتر) دخلت إحدى الفتيات، وهي طالبةٌ في الجامعة، وكان عندي لقاءٌ عبر الدائرة التليفزيونية لمُتدربات كلية التربية في القسم النسائي اللاتي يُطبقن، فكان عندي لقاءٌ عن المعلم والتفاعل التربوي.
وبعد اللقاء قامت هذه الطالبة بعملية المتابعة في (تويتر)، والصورة الموجودة في صفحتها صورةٌ لا تُمثل هُويتنا أبدًا، وهي ليست صورتها جزمًا، لكنها صورةٌ مُخزيةٌ، صورةٌ كل علماء المذاهب الأربعة حرَّموها بلا نقاشٍ، ولا يمكن أن تجد من الأولين والآخرين مَن يُجيز ذلك.
فأرسلت لها: سلامٌ عليكم، يا ابنتي، أرجو أن تُغيري هذه الصورة حتى تُرضي الله ؛ فإنها مُحرَّمةٌ بإجماع علماء المذاهب الأربعة.
والحمد لله رب العالمين، دقائق وشكرت، ثم غيَّرت.
قد يقول شخصٌ حين يسمع مثل هذه القصة: النساء بهذه الطريقة كثيرات!
نعم، كثيرات، لكن ما العمل؟ هل نسكت؟
هذا الكثير بدأ قليلًا، وحين سكت الناصحون صار كثيرًا، سكت الأب، وسكتت الأم، وسكتت الصديقة، وسكت الناس، وسكتنا، وهكذا القضية تنتشر.
كما جاء في حديث السفينة التي ذكرها النبي : مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا على سفينةٍ، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرُّوا على مَن فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نُؤذِ مَن فوقنا يعني: بدل أن نُؤذي مَن فوقنا نخرق خرقًا في السفينة ونشرب الماء ولا نُؤذيهم، فيقول النبي : فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا[2]أخرجه البخاري (2493).، وهذه القضية هي بهذه الصورة.
فهناك ناسٌ عندهم غفلةٌ، ومثل هذا موضوع (تويتر) الذي سبق الكلام عنه، وعددٌ من الذين مررتُ عليهم -نسبتهم 80-90%- ممن يضعون هذه الصورة، وليست صورهم، يرون أنها ليس بها شيءٌ من الناحية الشرعية، ما دامت ليست صورتي!
وقد ناقشتهم فوجدتُ أنهم يرون أنها لا شيء فيها من الناحية الشرعية، جهلٌ! يحتاجون أن يعلموا الصواب والحقَّ.
فلذلك ينبغي أن يكون عندنا هذا النفس، وإلا سينتشر الشر حتى عند أهل الخير، وسينتشر السوء حتى عند أهل المحافظة.
يكفي الشر الذي عند أهل الشر، فكيف إذا جاء الشر عند أهل الخير؟! هذه مشكلةٌ كبيرةٌ والله.
لذلك لا بد من رجاحة العقل، ورجاحة عقل الأب تتمثل في أن يكون شرطيَّ مرورٍ، شرطيًّا في بيته، وليس جسرًا يُعبر عليه في بيته، يعبر عليه مُلَّاك القنوات الفضائية الفاضحة، يعبرون على وليِّ أمر البيت وكأنه جسرٌ، فهم يمرون عليه ويعبرون من محطاتهم إلى غُرف نوم صاحب البيت، إلى أبنائه وأسرته.
فنحتاج إلى التذكير والتبصير للغافل، وما أكثر غفلة المسلمين اليوم إلا مَن رحم الله!
وأنا أعجب أشد العجب من غفلة أهل الخير -وأنا واحدٌ منكم-، وعجبي أشد من غفلة الذين يُصلون ويُحافظون على الصلوات.
فكيف تحصل الغفلة من هؤلاء القريبين من الله ؟!
أما البعيد عن الله فقد تقول: هذا غافلٌ، لم يأوِ إلى ركنٍ شديدٍ.
فالغفلة تحصل، إلا مَن كان حريصًا على الصلاة فإنه أبعد ما يكون عنها.
وهنا نموذجٌ في الصلاة على النبي ، وفي الذكر والطاعة والسنة، وحين يرجع إلى البيت ترى نموذجًا آخر! أشياء من الغرائب فيما يُبثّ عبر شاشة التلفاز عنده، وأشياء من الغرائب في أهل بيته وزوجته وبناته: في الحجاب واللِّباس، وضياع أبنائه يمنةً ويسرةً، وما شابه ذلك، شيءٌ عجيبٌ جدًّا!
فهذه صورٌ موجودةٌ في بيوتنا، وتحتاج إلى وقفةٍ حقيقيةٍ.
حاجة المجتمع إلى المرأة الفقيهة العالِمة
ديننا أعطى مُشتركًا بين الذكور والإناث في الفقه والعلم، فهذه قضيةٌ ليست مربوطةً بالرجال فقط، بل حتى النساء.
وما أجمل أن تكون المرأة صاحبة علمٍ وورعٍ وتُقًى، فتكون قادرةً على أن تُؤثر في بنات جنسها، وتُؤثر في محارمها، وتُؤثر على مَن حولها تأثيرًا من خلال نور الله الذي جاءها، من العلم بالله ، وإدراك العلوم الشرعية.
ونحن في أمس الحاجة إلى أخواتٍ فاضلاتٍ يُوجهن النساء مباشرةً، وإن كنَّ سيحتجن إلى الرجال بلا شكٍّ، خاصةً في قضايا الفُتيا والاستشارات النفسية والتربوية، ... إلى آخره، ونحن نعاني، فأغلب الذين يستشيروننا عبر الاتصالات نساءٌ.
فالمجتمع بحاجةٍ إلى نساءٍ واعياتٍ مُتخصصاتٍ، عندهن العلم، حتى يكنَّ مثل هذه المرأة التي استطاعت أن تُؤثر وتُغير في تفكير هذا العالِم الورع.
وهكذا ينبغي أن يكون لدى المجتمع نساءٌ مُهتماتٌ بمثل هذه القضايا، حتى قال بعض أهل العلم: لا حرج في أن تسعى المرأة إلى تفقيه الناس وبثِّ الخير بينهم إذا أمنت الفتنة.
وهذا يُعطي دلالةً كبيرةً جدًّا على أن الإسلام أتاح الدور الإيجابي للمرأة بشرط أن تأمن الفتنة.
وهنا نداءٌ عن دور المرأة اليوم في ظل أوضاع الارتخاء التربوي البعيد عن الهوية الإسلامية، فتعجب من امرأةٍ نشأت على مناهج دينيةٍ وبيئاتٍ محافظةٍ ترضى أن تُصبح سكرتيرةً لرجلٍ في شركةٍ -للأسف الشديد-، هذه حتى لو كانت مُنتقبةً، فكيف لو كانت كاشفة الوجه؟! وكيف لو كانت مُتحررةً من الحجاب؟!
ويزداد عجبك من الأب والأم والأسرة التي ترضى ذلك لبناتها من أجل لقمة العيش والمال، ترضى أن تكون بين أيدي الرجال في نظراتهم، ورغباتهم، وعلاقاتهم، وهي سلعةٌ بين أيديهم يوميًّا ثماني ساعات!
وتستغرب: أين هذه العقول؟! أين غيرة أصحاب المسؤوليات في الجهات والشركات؟! أين غيرة هؤلاء؟! أيرضى هذا لابنته؟! أيرضى هذا لزوجته؟!
وأنا مستعدٌّ أن آتي بأناسٍ غير مسلمين، كفار، لا يرضى الواحد منهم أن يصير حال بنته مثل حال بعض بناتنا.
يحدثني اليوم واحدٌ ذاهبٌ إلى إحدى الشركات هنا في الدمام، ويدخل على مديرٍ، وإذا بسكرتيرةٍ سعوديةٍ من بناتنا شعرها كله مكشوفٌ، وصدرٌ من أعلى مكشوفٌ، ... إلى آخره.
أي صورةٍ نصل إليها؟! وأي حالٍ نقبله، ويقبله صاحب الشركة، أو المسؤول، أو الموظف، أو الأب، أو الأم، أو هي؟! بماذا تنفع الشهادة: شهادة محاسبة، سكرتارية تنفيذية، إدارة مالية، ... إلى آخره، ثم تُصبح بمثل هذه المثابة؟! هل هذا الدور النسائي الذي يُريده الإسلام؟! ونقول: إنها مُنتجةٌ! ونقول: إنها أكثر انضباطًا!
ومرةً أتيت إلى أحد الأشخاص الفضلاء، وهو حمامة المسجد، يعني: في مسجده يُصلي دائمًا خلف الإمام، يُشهد له بذلك، وأنعم وأكرم بأخلاقه، وقبل صلاة الفجر هو في المسجد كما حدثني أهل المسجد.
وكنت مُتواعدًا معه، ولأول مرةٍ آتي لشركته، فدُهشتُ حين أقبلت على مكتبه، وإذا بهذه الفتاة تعرض عليه المعاملات وهي واقفةٌ، وقد كشفت جزءًا من جسدها، فاستغربت! فانسحبت وخرجت، واتصلت بزميلي مؤذن المسجد الذي يُصلي فيه، فقال: هل تُصدِّق أن صاحبنا هذا له عشر سنوات على هذا الحال؟!
ويقول: عنده هذه السكرتيرة إلى الآن، سكرتيرته الخاصة! هذا القوَّام، الصوَّام، حمامة المسجد، وهذه الفتاة موجودةٌ عنده! والنبي يقول: ما تركتُ فتنةً هي أضرُّ على الرجال من النساء[3]أخرجه البخاري (5096)، ومسلم (2740).، فعلًا فتنة الأمة في النساء.
ويقول النبي : إن الدنيا حلوةٌ خضرةٌ، وإن الله مُستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون؟ فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء[4]أخرجه مسلم (2742).، ومع ذلك ما مُبرره؟
يقول: مُبرره أن الشباب ما نفعونا! الشباب غير مُنضبطين، أما هذه فمُنضبطةٌ، مُنتجةٌ، ... إلى آخره.
هذه نظرةٌ دنيويةٌ، لكن عندي نظرةٌ شرعيةٌ هي أعلى من النظرة الدنيوية، يعني: يمكن بسهولةٍ ونحن في المسجد معنا أخواتٌ الآن يحضرن معنا، ويستفدن منا الآن، لكن عندنا ضوابط وقواعد شرعية، عندنا أسسٌ، لماذا نتخلى عنها؟! لماذا نشك أن هذا قد يُعيق حركتنا ونهضتنا، ويُعيق إنتاجنا، ويُعيق تقدمنا؟! لماذا؟!
وانظر إلى ويلات الغربيين، بماذا يتكلمون في هذا الموضوع؟
معاناة أهل الغرب في قضية الحرية
الغربيون المُنتجون حضاريًّا يُعانون من هذه القضية في مدارسهم.
يُحدثني أحد الإخوان من المُوفَدين من زملائنا إلى إسبانيا فيقول: المدارس التي عندنا نحن السعوديين مع ما فيها من الجوانب السلبية، إلا أن كثيرًا من الجنسيات -ومنهم الكفار- يضعون أبناءهم عندنا، لماذا؟
يقول: في مدارسهم المُرشدة الطلابية أو المُرشد الطلابي ماذا يفعلان؟
المُرشدة تُوزع على الطالبات يوم السبت الواقي؛ لأن يوم الأحد إجازةٌ، وستكون هناك علاقاتٌ، فحتى لا يحصل حملٌ في علاقتها مع صديقها تُعطيهن الواقي!
هذه الثقافة عندهم: ثقافة الحرية، ونحن نُغالط أنفسنا حينما تلعب المرأة في مجتمعنا دورًا يُخالف أمر الله ، وشرع الله ، وهي جوهرةٌ مكنونةٌ؛ ولذلك ينبغي أن تكون لنا غيرةٌ، وأن يكون لنا دورٌ.
سنُسأل أمام الله عمَّن حولنا: هل راعينا هذه المرأة وعِفَّتها وكرامتها، أم أصبحت قضية الدنيا فوق قِيَمنا، للأسف الشديد؟ ونُبرر لمثل هذا الأمر!
وحدثني أحد الأشخاص في أحد المستشفيات في منطقةٍ من مناطق المملكة يقول: هذا شخصٌ كان مديرًا طبيًّا في نفس هذا المستشفى، وحالات التحرش يوميًّا! هذا المسجل الذي يعرفه المسؤولون في المستشفى، ويُوضع في الدرج، أو ما شابه ذلك، أو يتعامل معه بطريقةٍ خاصةٍ، هذا المخفي الذي أبلغ عنه، وغير المخفي الله تعالى أعلم به، أقصد الذي لم يبلغ عنه، وما خفي أكثر، والله تعالى أعلم به.
هذا شيءٌ طبيعيٌّ جدًّا، فمَن الرجل الذي يتعامل مع النساء ويكون أقوى من محمدٍ ؟ ويكون أقوى من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؟ مَن هو هذا الرجل؟ نُغالط أنفسنا تمامًا.
ولي نقاشاتٌ مع عددٍ من هؤلاء الرجال أو الشباب، ولا يعترفون أبدًا أنهم يُغالطون أنفسهم، يقول: والله هذه مهنة العمل، أنا جالسٌ أتكلم معها عن العمل. ثم بعد ذلك تأخذ وتُعطي معك، فخلف الكواليس أشياء أخرى بدأ يتكلم بها، ويعترف بها.
وهذا طبيعيٌّ حينما نضع البنزين في النار، ماذا سيفعل البنزين في النار؟!
ولذلك عندنا بنزينٌ عبر الشاشة يجعل بناتنا يألفن هذا النموذج الغربي الموجود في الشاشة، حتى لو كان ذلك باسم نورة وفاطمة، وكذا.
وفي بعض القنوات السيئة التي صدّرت فكر التغريب وفكر التحرر، وتجاوز القيم عند بناتنا، وتجرؤوا بمثل هذه القضية، وأصبح الأمر عند بعض الآباء عاديًّا جدًّا، وما شابه ذلك، ... إلى آخره.
فلذلك ينبغي أن نُدرك دور المرأة، مثلما كان دور المرأة هنا في هذه القصة، مع أن في وقت بني إسرائيل ما كان هناك حجابٌ، ولم يكن هناك حكمٌ شرعيٌّ مُتعلقٌ بالحجاب، ... إلى آخره، ومع ذلك كيف كان لهذه المرأة دورٌ إيجابيٌّ مُؤثرٌ جدًّا؟
ضرب الأمثال من طرائق التعليم والتأثير
ومن الدروس والفوائد هنا: من طرائق التعليم والتأثير: ضرب الأمثال، فمحمد بن كعب القرظي ضرب مثلًا عندما جاء يُعزي القاسم بن محمد حين ماتت زوجته، جلس يذكر مثالًا بعالمٍ من بني إسرائيل ماتت زوجته، فقصَّ القصة حتى يُسلِّي القاسم بن محمد بهذه التعزية، وهكذا دور الأمثلة.
أيضًا هذه المرأة عندما أرادت أن تُؤثر في العالِم الذي انعزل عن الناس ذكرت له مثالًا افتراضيًّا، ذكرت له الصورة الافتراضية، فصورة المثل رائعةٌ جدًّا.
تتكلم عن الصيام -مثلٌ رائعٌ جدًّا- تقول: تفضلوا، مَن صائمٌ الآن صيامًا واجبًا؟ يستطيع أن يشرب قارورة الماء هذه، وله مليون ريالٍ، أو خمسة ملايين، أو عشرة ملايين، أو عشرون، هل يقدر أحدٌ على ذلك وهو صائمٌ صيام رمضان؟
لا أحد.
هذه الأموال حلالٌ أم حرامٌ؟
حلالٌ، وامتنعنا عنها، وبقينا على مبدئنا؛ لأن الله حرَّم أن نأكل الحلال في نهار رمضان.
أليست عندنا قدرةٌ أن نمتنع عن الحرام؟
عندنا قدرةٌ أن نمتنع عن الحلال، حلالٌ ونحن نحتاجه، نمتنع عن الماء، أليست عندنا قدرةٌ أن نمتنع؟
فضرب الأمثلة بهذه الصورة يُحرك مكامن النفس والتفكير، كما تحركت مكامن القاسم بن محمد عندما جاء محمد بن كعب القرظي يذكر له هذه القصة، فتسلَّى بها، وعزَّاه بها، كما تحرك عقل العالِم الذي كان من بني إسرائيل عندما بدأت تقول له هذه المرأة بشأن الحُلي، وسألته: هل تُرجعه أم لا؟ وهذا مثلٌ، وهو فهم أنها قصةٌ وأنها تستفتيه، لكن هي أرادت أن تقول له: زوجتك هي عاريتك من رب العالمين، فأرجعها واقبلها، كما طلبت مني أن أُرجع حُلي الناس إلى أصحابه.
وهكذا يكون التأثير من خلال ضرب الأمثال.
مهارات حل المشكلات
نختم بهذه القصة الجميلة اللطيفة بأهمية التدرب والتعلم على ما يُسمّى بمهارات حل المشكلات.
هذه قضيةٌ في مجال تخصصنا النفسي والتربوي أساسيةٌ ومهمةٌ جدًّا، وهي فعلًا يحتاج الناس إليها اليوم حاجةً كبيرةً جدًّا، كيف يحل المشكلة لو صارت عند ابنه؟ وكيف يحل المشكلة لو صارت عند بنته؟ وكيف يحل المشكلة لو صارت عند زوجته؟ وعند قريبه؟ وعند جاره؟ وعند طالبه؟ وعند صديقه؟ كيف يحل المشكلة؟
لأن النجاح في حل المشكلات ليس معناه بقاءها كما هي، فإذا بقيت كما هي فهذا يعني أننا ما عندنا مهارة حل المشكلات، فكيف لو كنت أنا سببًا في تصعيد المشكلة وزيادة حِدَّتها؟ ماذا سيكون؟ هل الوضع مناسبٌ؟
هذا أشد سُوءًا من الأول الذي ليس له تأثيرٌ، عكس هذه المرأة التي كان لها تأثيرٌ على هذا العالِم، فخفَّت المشكلة عنده.
فهناك أناسٌ يُجيدون حل المشكلات، فتخفّ المشكلات التي يقومون بحلِّها، لكن يوجد ناسٌ ما لهم دورٌ، ولا يفعلون شيئًا، هؤلاء ما لهم قيمةٌ، ما لهم أثرٌ، ما لهم دورٌ، هذا يأكل ويشرب مع الأبناء، وليس له دورٌ، وهناك ناسٌ بالعكس؛ يُساعدون على بقاء المشكلة، وربما زيادتها.
فلا يُقبل في الإسلام مَن لا دورَ له، ولا مَن يكون سببًا في بقاء المشكلة، فليس صحيحًا أن نكون مُتفرجين عند حدوث المشكلات والانحرافات عند الأبناء، ومَن نعول خاصةً، ومن باب أولى ليس من الجدير أبدًا، أو ليس من المقبول أبدًا أن تزيد المشكلة ونكون سببًا في ذلك.
وفي بعض الأحيان تحدث عند الابن مشكلةٌ معينةٌ سلوكيةٌ: بدأ في التدخين، أو أساء في الكلام، فيقوم الأب بالتعامل معه بصورةٍ قاسيةٍ تجعل الابن يستمر ويزداد في العناد!
وكم تأتينا من استشاراتٍ هذا سَمْتُها: عِنادٌ وردٌّ على طريقة التعامل؛ لذلك لا بد أن نفقه أساليب النبي في حل المشكلات.
وإن شاء الله تعالى يكون لنا نصيبٌ في المستقبل في الوقوف مع هذا الكتاب الرائع، كتاب فضيلة الشيخ محمد المنجد -وفَّقه الله-: "أساليب نبوية في التعامل مع أخطاء الناس".
وهذا الكتاب ثمينٌ جدًّا، وفي لقاء اليوم مع بناتنا الطالبات المُتدربات ذكرتُ هذا الكتاب، وبحكم تخصصي: هذا الكتاب لم أرَ مثله في الفائدة، حتى كتب التخصص العلمي.
وأتمنى أن يُقرر هذا الكتاب في الجامعات وأمثالها، وهو موجودٌ في الإنترنت بصيغة (pdf)[5]على الرابط التالي: https://cutt.us/5jASO..
يعني: كيف كان النبي عليه الصلاة والسلام يتعامل مع أخطاء الناس؟ وكيف كان أسلوبه؟ وقد ذكر الشيخ عشرات الأساليب.
وللأسف مثلما جاءت اليوم إحدى المُتدربات ودخلت في اللقاء عبر الدائرة التليفزيونية، فقالت: إن المعلمة الأساسية في الفصل الذي أُطبق فيه تقول لي: لا ينفع التأديب مع الطالبات في المرحلة الابتدائية إلا بالصراخ والعقاب! وأظنها في مرحلة روضة الأطفال، كانت مجموعةٌ منهن فيها، ومجموعةٌ منهن في المرحلة الابتدائية، حسب التخصص، فعندنا تخصص روضة أطفال، وعندنا تخصص دراسات قرآنية، تقول لي المعلمة: لا يصلح، ما تقدري على تأديبهم إلا بالصراخ والعقاب!
أنا ابن جلا وطَلَّاع الثَّنايا | متى أضع العمامة تعرفوني[6]انظر: "الأصمعيات" (ص17)، و"عيون الأخبار" (2/ 265)، و"العقد الفريد" (4/ 208)، و"التذكرة الحمدونية" (1/ 446)، وغيرها. |
هذا شغلنا؛ نرى أن الأسلوب الصحيح: أعطيها العين الحمراء، اصرخي عليها، عاقبيها.
دائرة الصراخ، واللوم، والعِتاب، والضرب، وكذا، يذكر أهل التخصص أن هذا آخر مربعٍ في العلاج، وقبله مهاراتٌ كثيرةٌ.
وللأسف ما ننتبه لهذا، نُركز فقط على أسلوب العقاب، حتى الذي داخل نفوسنا نرتاح فيه ونقول: فعلنا شيئًا.
ويسكت الابن، ويسكت الطالب، ونظن أن المشكلة انتهت، وهي لم تنتهِ، فقط أراد أن يتخلص منك ومن أسلوب العقاب، لكن في داخله لا، سيعود إلى السلوك مرةً أخرى.
وهذه مشكلة العقاب كما قال أهل التخصص، هذه مشكلة العقاب: أنه لا يُبعد السلوك غير السَّوي من داخل الإنسان إلا إذا جاء في مكانه الصحيح، مثل: قصتنا الأولى التي بدأنا بها: القاضي مع الرجل وأمه، هذا نفع فيه التعزير، وجعله يتأدب ويُصبح بارًّا بوالدته.
وأنا أنصح بقراءة مثل هذا الكتاب، ففيه عشرات الأساليب للنبي تُبين كيف استطاع حل المشكلات؟
وجزءٌ من إشكاليتنا أننا ما عندنا الفقه الذي عند هذه المرأة التي استطاعت أن تحل مشكلة هذا العالِم بهذا الذكاء، فنحتاج إلى ذكاء هذه المرأة؛ لنستطيع أن نُؤثر في أبنائنا وأجيالنا مثلما أثَّرت هذه المرأة في العالِم.
أسأل الله أن يُوفقنا وإياكم، وأن يُعلمنا وإياكم ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا.
هذا، والله تعالى أعلم.
والحمد لله رب العالمين.
↑1 | أخرجه مالك في "الموطأ" برواية أبي مصعب الزهري (998). |
---|---|
↑2 | أخرجه البخاري (2493). |
↑3 | أخرجه البخاري (5096)، ومسلم (2740). |
↑4 | أخرجه مسلم (2742). |
↑5 | على الرابط التالي: https://cutt.us/5jASO. |
↑6 | انظر: "الأصمعيات" (ص17)، و"عيون الأخبار" (2/ 265)، و"العقد الفريد" (4/ 208)، و"التذكرة الحمدونية" (1/ 446)، وغيرها. |