السؤال
أعاني معاناة شديدة في تربية المراهقين، صاروا متصلين بالعالم بوسائل التواصل ولا أقدر أن أصل لإقناعهم، وأحيانا أستعمل الضرب مع علمي أنه غلط، لكنهم صاروا منفتحين جدًّا على العالم وعندهم قناعاتهم في رؤوسهم، في نفس الوقت أريد مراعاة الحدود الشرعية وألا يتعدوا عليها، والمشكلة بعضهم تجاوز من العمر سبعة وعشرين عامًا ولديهم نفس تصرفات المراهقة!
الجواب
الحقيقة من الأهمية بمكان أن نجمع أيها الإخوة والأخوات بين الود والحزم، نوجد العلاقة الحميمية مع أبنائنا وبالذات المراهقين، وكذلك أن نكون حازمين مع وجود نظام.
ودٌ بلا حزم: سيجعل الأمور منفلتة، لا نظام، وتنفلت الأمور، وهذا هو ما يتعلق بأسلوب تربية الدلال والرعاية الزائدة، وتحقيق الطلبات، يعني ما يطلبه المشاهدون والمستمعون كما يقولون.
والحزم من غير ود: يحدث الشدة والغلظة، مثل ما أشارت الأخت الكريمة بالضرب، وأنا أقول: ابتعدوا عن هذا الأسلوب، أختي الكريمة، هذا سينفر.
كما أن الجانب الأول أيضًا سيجعل هناك مجالًا للتمرد، وقد دلّت بعض الدراسات على أن منتج التدليل والحماية الزائدة هو نفس منتج القسوة والشدة في بعض الأمور، مثل ما يتعلق بالتمرد وعدم الاستمرار في التلقي من المصادر التربوية مثل الأب والأم.
لذلك مهم جدًّا أن تمسكوا العصا من الوسط، يعني الأب والأم كلاهما، وذلك أن بعضهم يمارس دورًا غريبًا في مثل هذا الجانب فيجعل الحزم عند الأب ينقلب إلى شدة، ويجعل الود عند الأم ينقلب إلى تدليل، والمفترض أن الجميع يمسك العصا من الوسط.
المراهقون عندهم متغيرات كثيرة جدًّا تحتاج أن نراعيها، وليس معنى هذه المراعاة أن نتخلى عن القضايا المتعلقة بالشرع، أو حتى العقل السليم والعرف السليم، والشرع جاء بالتحذير من كل ما يخالف العقل السليم والعرف السليم، لا شك أن الشرع ضمّن في خطابه العام مثل هذه القضايا وما يتعلق بها.
والنصيحة والتوجيه والتأثير وبقاء التواصل معهم قضية مهمة جدًّا، يعني عدم إيجاد العوائق بيننا وبينهم، هذه قضية نحتاج حقيقةً إلى أن نتنبه لها، يعني إذا أوجدنا ما يسبّب الحواجز بيننا لن يتلقوا منا، حتى لو كنا مؤثرين جدًّا.
فأقول لكم أختي الكريمة: لو طبقتم ما فعله النبي ﷺ مع الشاب الذي جاء للنبي ﷺ يستأذنه في الزنا!
ولاحظوا النبي ﷺ يأتيه الشاب، يعني الشاب لم يفكر بأحد إلا بالنبي ﷺ، ومع وجود صحابة معه، وفي قضية خطيرة ألا وهي الزنا، ويتوقع بفكرة غير سليمة وبفكرة لا عقلانية أن النبي ﷺ سيأذن له في الزنا، ومع ذلك يأتي ويضع نفسه بين يدي النبي ﷺ ويقول له: ائذن لي بالزنا يا رسول الله!
الصحابة نهروه، لكن النبي ﷺ أمرهم أن يتركوه ثم قال: «ادن» فدنا فجلس بين يدي النبي ﷺ وحصل حوار رائع ما بينه وبين هذا الشاب: أترضاه لأمك؟ قال: لا، فداك أبي وأمي، قال: وهكذا الناس لا يرضونه لأمهاتهم، ثم قال: أختك، ثم قال: عمتك، ثم قال: خالتك، ثم وضع عليه الصلاة والسلام يده الشريفة -بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام- على صدره فدعا له: اللهم طهر قلبه، وحصن فرجه إلى آخر الحديث، فذهب ليس في نفسه الحاجة التي أتى بها.
نحن يدهشنا ما الذي جعل هذا الشاب يأتي للنبي ﷺ؟ هو الأمن النفسي، هو الشعور بالراحة والطمأنينة، هو الشعور بأن هذا هو الذي سيساعده.
فنحن نحتاج إلى أننا نراجع أنفسنا: هل نحن مع مراهقينا مأوى نفسي أم منفّرون لهم؟ وهذا له علاقة بالتعامل؛ مهما أغدقنا عليهم بالأموال وغيرها، هذا له علاقة بالتعامل؛ لأن الإنسان يحب الآخر حينما يحسن إليه ويتعامل معه بالحسنى، فكيف إذا كان هذا هو الأب أو الأم؟ عندئذ إذا أحسنّا التعامل سيكون النظام الذي هو الحزم مقبولًا لدى الأبناء.
فالمشكلة تقع لما نفوّت مرحلة الطفولة، وسنواتها اثنتا عشرة سنة تقريبا، ونتعامل ربما بقسوة، أو عكس القسوة التدليل، ولا يوجد نظام، ثم نأتي مع بداية مرحلة المراهقة القوية الشديدة في الدراسة المتوسطة، وهي مرحلة المراهقة المبكرة، ونبدأ نعاني من انحرافات معينة لديهم وتمرد... إلى آخره، ولا نحسن طريقة التعامل معهم، فهذه إشكالية كبيرة جدًّا.
على أية حال كان هذا باختصار شديد.. وأدعوكم إلى قراءة كتاب الأستاذ الدكتور: عبد العزيز النغيمشي، وهو كتاب قديم لكنه حديث؛ فهو كتاب عظيم جدًّا فيما يتعلق بالمراهقة "المراهقون رؤية نفسية إسلامية"، مهم جدًّا أن يُقرأ هذا الكتاب حتى نتعرف على حاجات المراهقين، وقد ذكر فيه أمهات الحاجات الثقافية والاجتماعية والنفسية.
فلا بد أن نعرف المراهقين من خلال هذه الحاجات؛ لأنا إذا أشبعنا هذه الحاجات من خلال البيئة التربوية أشعرناهم بالأمن النفسي وعندئذ يتلقون منا بإذن الله .[1]المصدر: 1- مقدمة حول أصول التربية
↑1 | المصدر: 1- مقدمة حول أصول التربية |
---|