المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فهذا هو اللقاء العاشر -بعونٍ من الله وتوفيقه-، وسيبقى معنا لقاءان: الحادي عشر، والثاني عشر، ثم نتوقف -بإذن الله - قبل الاختبارات.
وأود التَّنبيه إلى أن هذه اللقاءات موجودةٌ، وتُبَثُّ على الهواء مباشرةً، وموجودةٌ في أرشيف موقع "البث الإسلامي".
فاللقاءات السابقة قد يكون فيها لقاءٌ أو أكثر ما نزل على الموقع، ولكن الأصل أنها كلها موجودةٌ في أرشيف موقع "البث الإسلامي" على (الإنترنت).
وكنا قد بدأنا معكم في معلم النية، ثم معلم القدوة، ثم الإنسان، وأخذنا بعض التطبيقات التربوية والنفسية على هذه المعالم.
الحوافز والدوافع للسلوك الإنساني
نبدأ معكم في هذا اليوم -بإذن الله - حول معلمٍ جديدٍ، وهو: معلم الحوافز والدوافع للسلوك الإنساني، يعني: حينما يفعل الإنسان فعلًا مُعينًا، ما دافعه؟ ما الحافز لهذا السلوك؟
وكل واحدٍ منا عنده سلوكٌ مُعينٌ، يعني: يُفكر ويتفاعل ويتأثر، هذا سلوكٌ يُمارس، فالسلوك: إما أن يكون معرفيًّا، وإما أن يكون وجدانيًّا، وإما أن يكون مهاريًّا.
هذا السلوك لي ولك، ولابني ولابنك، ولزوجي ولزوجك، وللفرد وللمجتمع؛ له دوافع، يعني: هناك دافعٌ لهذا السلوك، والقضايا التربوية والنفسية تُناقش هذه القضايا، ومن أفضل مَن ناقش هذا الموضوع: الدكتور عبدالعزيز المحيميد في رسالة (الدكتوراة) عن "الحوافز في التربية الإسلامية"، وإن كانت -للأسف- لم تُطبع، لكنها من أنفس الرسائل في موضوع الحوافز.
وهناك رسالةٌ أو بحثٌ للدكتور عبدالعزيز النغيمشي في كتابه الشهير "علم النفس الدعوي" في فصلٍ كاملٍ عن الدوافع، وهو من أفضل ما كُتب في هذا المجال، وهذا الموضوع بالغ الأهمية.
أنا لا أريد أن أدخل في قضايا تخصصيةٍ تربويةٍ ونفسيةٍ من حيث الجانب التَّنظيري، ولكن أريد أن أدخل في الجانب العملي مُباشرةً؛ حتى نستفيد، وهذا المقصود من هذه اللقاءات وهذه المعالم التربوية والنفسية: أن نأخذ التطبيقات التربوية والنفسية مباشرةً من خلال تعامل الإنسان مع نفسه، وتعامله مع أسرته، ومع المجتمع، وكذلك بالنسبة للمعلمين مع الطلاب.
قد يتحمس الإنسان للعمل في جانبٍ علميٍّ، في جانبٍ سلوكيٍّ، وقد يعمل عملًا إيجابيًّا كي يُحافظ عليه؛ فيزداد من عمله الإيجابي، كل هذا يُفسر موضوع الدوافع.
فالدافع هو طاقةٌ مُحرِّكةٌ، وقودٌ للإنسان حتى يتحصل على السلوك الإيجابي، وقودٌ للإنسان حتى يُحافظ على السلوك الإيجابي، وقودٌ للإنسان حتى يزداد من السلوك الإيجابي.
مثلًا: الأب الحريص على تربية أبنائه يريد أن يكون أبناؤه وزوجته على مستوى من الجانب الإيماني، أليس كذلك؟
هذا الأمر قد يجد فيه نقصًا عند أبنائه، والنقص موجودٌ، لكن قد يجد ولده مُقصرًا في أداء الصلاة، فيحتاج إلى جانب الدافع والحافز.
هذا الأب المُربي يجعل ابنه حريصًا على الصلاة، فحرص الابن على الصلاة أصبح موجودًا من خلال الدافع والحافز.
طيب، الابن لا يُصلي، وأنا أريده مُحافظًا على الصلاة، فالدافع والحافز يُساعد على محافظة الإنسان على السلوك الإيجابي، مثل: قضية الصلاة، فأنا أريده أن يزداد في الجانب الإيماني: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا [النساء:136]، فالدافع والحافز يجعل الإنسان يزداد، فإذا كان يُؤدي الصلوات الخمس في البيت أجعله يُؤديها في المسجد، بل أجعله يحرص على السنن الرواتب، ويزداد في الإيمان؛ حتى يكون من الحريصين على قيام الليل، وما شابه ذلك.
ففكرة الدافع والحافز أنه وقودٌ، محطةٌ للمُربين والمُتربين؛ ليسلكوا المسلك الإيجابي.
هذا الكلام لجميع المراحل العمرية: للطفولة، والمُراهقة، والكبار، للذكور والإناث، للفقير والغني، لكن الأطفال خاصةً هم بأمس الحاجة لهذا الأمر، فأنا أريد من خلال هذا الدافع أن يحصل سلوكٌ إيجابيٌّ عند الطفل، سواء كان طالبًا، أو ابنًا، ... إلى آخره، فإذا نجحتُ أنا من وقت الطفولة في أن أُعزز قِيَمًا إيجابيةً أو سلوكًا إيجابيًّا في الأطفال، ومن خلال الحوافز، ومن خلال الدوافع، ومن خلال تلبية الحاجات، ومن خلال الأشياء التي سأذكرها في هذا اللقاء وفي غيره -إن شاء الله تعالى-؛ فإن الطفل يتشبث ويتمسك بهذا السلوك، ويُصبح من الصعوبة بمكانٍ أن ينفكَّ عنه في مرحلة المُراهقة وما بعدها؛ لأنه تربَّى من وقت الصِّغر على السلوك الإيجابي، وعلى الشيء الطيب، وعلى الأخلاق الحسنة، وعلى الصلاة، وعلى برِّ الوالدين، وعلى احترام الكبير، ... إلى آخره، والذي جعله كذلك هو: التعزيز والتحفيز، فعند الطفل دافعٌ منذ الصِّغر يدفع لهذا السلوك الإيجابي.
هذه فكرة الدوافع والحوافز والسلوك الإنساني.
هذا الذي نتناوله في هذا اللقاء واللقاء القادم -بإذن الله تعالى-، فإذا انتهينا في اللقاء القادم من الدوافع يُصبح عندنا اللقاء الأخير -بعد القادم- الذي سنأخذ فيه -بإذن الله- موقفًا نبويًّا عظيمًا للنبي ، ونُطبق عليه ما سبق من المعالم في النية، والقدوة، والإنسان، والدوافع، والحوافز، ونُجيب عن الأسئلة المُتبقية، بإذن الله .
انظروا أيها الإخوة إلى المنهج الإسلامي، فنحن بأمس الحاجة إليه، خاصةً في القضايا التربوية والنفسية.
تنبيهٌ
في الأسبوع الماضي ذكرتُ في موضوع الإشباع العاطفي أن هناك دراسةً على المجتمع تقول أن 50% ليس لديهم إشباعٌ عاطفيٌّ.
وقد اختلط عليَّ الأمر، ونبَّهتُ الإخوان حتى يحذفوه، وأرجو أن يكونوا قد حذفوه، فنسبة الـ 50% مُرتبطةٌ بدراسةٍ عُملت على المجتمع السعودي في قضية أنهم لم يستفيدوا من المناهج التعليمية في الحوار وأدبيات الحوار.
اختلط عليَّ هذا الموضوع، وليس مُرتبطًا بالإشباع العاطفي، فقط أردتُ أن أُنبه.
مُرتكزات المنهج الإسلامي في قضية الدوافع
أعود إلى موضوع الدوافع فأقول: المنهج الإسلامي له مُرتكزاتٌ في قضية الدوافع: ما الذي يدفعني إلى أن أُلقي هذه الدروس؟ وما الذي يدفعكم إلى حضور هذه الدروس؟ وما الذي يدفعنا إلى حضور الصلوات في المسجد؟ إلى آخر تلك الأعمال في هذه الحياة.
هذا مبنيٌّ على مُرتكزين أساسيين:
المُرتكز الأول: أن الإنسان مخلوقٌ ومُكوَّنٌ من عنصرين: جسدي، وروحي.
سنفهم لماذا هذه القضية؟
يقول الله : إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [ص:71- 72].
إذن الإنسان -أيًّا كان هذا الإنسان- مُتكوِّنٌ من جسدٍ وروحٍ، فالدوافع التي نُناقشها مُرتبطةٌ بهذا المُرتكز، فسنجد دوافع مُرتبطةً بالجسد، ومُرتبطةً بالروح.
المُرتكز الثاني: أن الإنسان له امتدادٌ في حياته، ويجمع في ذلك بين حياتين: حياة الدنيا، وحياة الآخرة، يقول الله : وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77].
فالإنسان مُرتبطٌ بحياتين: الدنيا، والآخرة، وهو كذلك مُرتبطٌ بمُكوِّنين: الجسد، والروح.
هذان المُرتكزان تولَّدت منهما قضية الدوافع في المنهج الإسلامي.
والدوافع في غير المنهج الإسلامي موجودةٌ، لكن هناك فرقٌ كبيرٌ جدًّا بينها وبين المنهج الإسلامي، وليس هذا مجال نقاش هذا الأمر.
ميزات الدوافع في المنهج الإسلامي
تتميز الدوافع في المنهج الإسلامي بالميزات الآتية:
أولًا: الشمولية
تتميز الدوافع في المنهج الإسلامي بالشمولية: أنها تجمع أمور الدين والدنيا، تجمع ما يتعلق بقضية الجسد والروح، تجمع ما يتعلق بالدنيا والآخرة.
ثانيًا: أنها مُتداخلةٌ بعضها مع بعضٍ
يعني: الدوافع الدنيوية تُؤثر على الدوافع الأخروية، والدوافع الأخروية تُؤثر على الدوافع الدنيوية، والدوافع المُرتبطة بالجسد تُؤثر على الدوافع المُرتبطة بالروح، والدوافع المُرتبطة بالروح تُؤثر على الدوافع المُرتبطة بالجسد.
فالواحد منا إذا صلَّى وهو جائعٌ، فهل يستطيع أن يُصلي؟ هل يستطيع أن يُحقق روح الصلاة في الخشوع؟
مع أن الدافع هنا دافعٌ دنيويٌّ، وهو دافع الجوع، يريد أن يأكل، لكن ما تحقق الهدف الأُخروي أو الروحي من الصلاة؛ بسبب عدم وجود الدافع الجسدي العضوي الذي هو قضية الطعام.
فالتَّداخل والتَّمازج هو الميزة الثانية.
الميزة الثالثة: السمو والارتقاء
فالإنسان يرتقي ويسمو من خلال هذه الدوافع بتطلعاته، فليست قضيته الدنيا فقط، لا، عنده قضيةٌ في الآخرة.
فالإنسان يرتقي -كما سيأتي معنا- في مُستويات الدوافع: مستوى عُضوي، ومستوى دنيوي، ومستوى أُخروي، فيرتقي من مستوًى إلى مستوًى، ليس همُّه فقط الدنيا وإشباع رغبات نفسه؛ إن جاع فهو مُستعدٌّ للأكل فقط وتلبية هذا الدافع، لكن أين إشباع القيم؟ ليس هذا موجودًا عنده.
فالإنسان يسمو في المنهج الإسلامي، فالمنهج الإسلامي يقول للإنسان: لا تقف فقط عند الجانب العضوي، لا تقف فقط عند الجانب الدنيوي، لا تقفي أيتها المرأة عند الهندام والشكل فقط، لا تقفي عند هذا الأمر فقط، ولكن فكِّري أيضًا في الأمور المُتعلقة بالأخلاق، وجمال الأخلاق، وجمال القِيَم، وجمال العقيدة، وما شابه ذلك.
الميزة الرابعة: هيمنة الدوافع الأُخروية
النقطة الرابعة في ميزات الدوافع في المنهج الإسلامي: أن الدوافع في المنهج الإسلامي تُهيمن عليها الدوافع الأُخروية، يعني: دافع الجوع يدفع الإنسان إلى الطعام ولو كان حرامًا، فما الذي يجعله لا يأكل حرامًا؟ ما الذي يمنعه من أكل الحرام حتى يُشبع نهمته؟ أنه يُراقب الله .
ما الذي يجعله لا يُلبي غريزته الجنسية بالحرام؟ إنه الخوف من الله .
فالمُهيمن هو الجانب الأُخروي، الدوافع الأُخروية، وهذا غير موجودٍ في المناهج الغربية البتة، فعندهم ما يُسمى بإسعاد الإنسان، والحرية المُطلقة، فالإنسان يُحقق ما يُريد، ويُشبع نهمته، وقد قامت نظرياتٌ ضخمةٌ في هذا الجانب.
ولذلك انظروا إلى قول الرسول : مَن كانت الدنيا همَّه فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأتِه من الدنيا إلا ما كُتِبَ له، ومَن كانت الآخرة نيَّته جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمةٌ[1]أخرجه أحمد في "مسنده" (21590)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6505)..
وكذلك يقول النبي : مَن جعل الهمومَ همًّا واحدًا، همُّ المعاد أي: الآخرة كفاه الله همومَ دنياه، ومَن تشعَّبت به الهمومُ في أحوال الدنيا يعني: أنه مُنهمكٌ في الدنيا لم يُبالِ الله في أي أوديته هلك[2]أخرجه ابن ماجه في "سننه" (4106)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (263)..
هذا يُعطيك أن المُهيمن هنا الدوافع الأُخروية، وإذا صار المُهيمن عندنا في الأسرة الدوافع الدنيوية تغيَّرت المعادلة.
وأنا أُفسر مشكلة التربية في الأُسَر والمجتمعات وضعفها على حسب ما يُريده الله من خلال هذه المُعادلة: أن الدوافع الأخروية ليست المُهيمنة في أُسرنا، وليست المُهيمنة عندنا في علاقات المعلمين بالطلاب، وليست المُهيمنة عندنا في الشوارع، لا أقول: ليست موجودةً، لكن الدوافع الدنيوية -كما سيأتي معنا- هي التي عليها الكلام.
فالعناية بالأكل والشرب مُرتكزٌ أساسيٌّ، ما قلنا: لا، لكنها ليست على حساب الدوافع الأُخروية، أو لا تُقدم على الدوافع الأُخروية، فالمُهيمن هي الدوافع الأُخروية، فلماذا يأكل الناسُ الحرامَ؟ لأن الدافع الأُخروي غير مُهيمنٍ، ولماذا يتكلم الناس بالباطل؟ لأن الدوافع الأُخروية ليست مُهيمنةً، ولماذا لا تلتزم بعض النساء بالحجاب؟ لأن الدوافع الأُخروية ليست مُهيمنةً، ولماذا تكون الأخلاق ضعيفةً عند البعض؟ لأن الدوافع الأُخروية ليست مُهيمنةً، ولماذا يحصل اختلاطٌ بين الجنسين وهم يعرفون أنه مُحرَّمٌ؟ لأن الدوافع الأُخروية ليست مُهيمنةً، ولماذا ينظر الإنسان في القنوات إلى ما لا يرضاه الله وهو يعلم؟ إذا قلت له: ما حكم هذا؟ قال: لا يجوز. فهو درس أن الغناء مُحرَّمٌ، وأن النظر إلى المرأة الأجنبية حرامٌ، ولكن الدوافع الأُخروية ليست مُهيمنةً.
هذا تفسير السلوك، بغض النظر عن واقعنا، وبغض النظر عن تقصيرنا، وبغض النظر عن أمزجتنا، ورغباتنا، وواقع أُسرنا، وواقعنا نحن، ليست القضية هنا بهذه الصورة، القضية: أن نُفسر السلوك من خلال المنهج الإسلامي؛ حتى نُدرك السلوك.
وسنتناول موضوع الدوافع من خلال ثلاثة مستويات: المستوى العُضوي، والمستوى الدنيوي، والمستوى الأُخروي.
وهذه الدوافع الثلاثة هي التي ذكرنا أن فيها الشمولية، وفيها التَّمازج والتَّداخل، وفيها الرُّقي في الإنسان، وفيها هيمنة المستوى الأُخروي. أربع ميزاتٍ.
المستوى العُضوي
نبدأ -بتوفيق الله - مع المستوى الأول، ألا وهو: المستوى العُضوي، ما المقصود بالمستوى العضوي؟
أسرةٌ اجتمعت على الغداء، ما دافعها؟
إشباع الحاجة للطعام، دافعٌ عضويٌّ، وكل البشر يحتاجون إلى الأكل والشرب، ويحتاجون إلى إخراج الفضلات -أكرمكم الله-، ويحتاجون إلى النوم، ويحتاجون إلى أن يُذهبوا عن أنفسهم الألم، فالمريض يحتاج إلى العلاج، هل هناك أحدٌ من البشر لا يحتاج إلى ذلك؟
هذا شيءٌ عُضويٌّ فُطِرَ الإنسان عليه، والجسد يُلزم الإنسان أن يُحقق له هذه الحاجات، وأن يُحقق هذا الأمر الذي يحتاجه.
يقول الله : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا [الأعراف:31] يعني: الله أمر بالأكل والشرب، لكن قال: وَلَا تُسْرِفُوا هذا ضابطٌ، فلك أن تُحقق هذا المستوى من الحاجة، ومن الدافع، ومن رغبة الإنسان في الأكل والشرب، لكن لا تُسرف، فإذا أسرفتَ سيخرج الأمر عن نطاق الحدود المعقولة لتلبية هذه الحاجات، يقول الرسول : مَن أصبح مُعافًى في جسده، آمنًا في سِرْبه، عنده قوت يومه؛ فكأنما حِيزت له الدنيا[3]أخرجه الترمذي في "سننه" (2346)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (6039)..
تصور، هذا الشخص الفائز، يعني: حِيزت له الدنيا، يقول الواحد: والله أنا أتمنى أن أملك هذه الدنيا، أتمنى أن أسعد، وأن يكون عندي كذا وكذا. تُريدها بسهولةٍ؟! خُذْ بهذه الدوافع والحاجات العُضوية التي أكَّد عليها الإسلام.
الله هو أعلم بمَن خلق: مَن أصبح مُعافًى في جسده، عندئذٍ يدفع الإنسان المرض، فالذي لا يدفع المرض شخصٌ غير طبيعيٍّ، مريضٌ، والذي يُقصِّر مع أبنائه في دفع المرض هذا إنسانٌ مُقصِّرٌ في التربية والتعامل مع النفس البشرية، والمعلم الذي لا يُراعي الطالب المريض معلمٌ غير ناجحٍ.
مُعافًى في جسده، آمنًا في سِرْبِه يشعر بالأمن والراحة النفسية، عنده قوت يومه يكفيه قوت يومه، وهذه حاجته من الدنيا؛ فيأكل ويشرب، فكأنما حِيزت له الدنيا.
لذلك انظروا إلى قول النبي : لا صلاةَ بحضرة الطعام، ولا هو يُدافعه الأخبثان[4]أخرجه مسلم (560).، هذا فيه تقدير أن الحاجة للطعام مهمةٌ، وأن الإنسان يُلبي هذا المستوى العضوي، والإسلام راعى هذا الجانب، فلا إشكالَ في ذلك، بل إنه يُقدِّم العَشاء على العِشاء، لماذا؟ حتى يتحقق الهدف من الوقوف بين يدي الله ، فإذا صلَّى وهو جائعٌ لا يستطيع أن يخشع، سيُفكِّر؛ فلذلك: لا صلاةَ بحضرة الطعام، ولا هو يُدافعه الأخبثان هذا مُتعلقٌ -أكرمكم الله- بالإخراج، وهي حاجة الإنسان، وقد راعاها الإسلام بهذه الدِّقة، كما سيأتي معنا في بعض الأمور في الجانب التربوي، وكيف نستطيع أن نُطبق في الجوانب التربوية؟
انظروا إلى قول النبي في حديث أنسٍ في قصة زينب: ليُصلِّ أحدُكم نشاطَه، فإذا فتر فليقعد[5]أخرجه البخاري (1150)..
فزينب رضي الله عنها كانت تقوم الليل، ووضعت حبلًا بين ساريتين، لماذا؟
حتى إذا جاءها النوم اتَّكأت على الحبل، فالنبي لم يُوافقها على هذا الفعل، فأمر بحلِّ هذا الحبل، وقال: ليُصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليرقد.
فليس المقصود أن أُصلي فقط، المقصود أن أُصلي وأُحقق هدف الصلاة، فراعى النبي التعب وحاجة الإنسان إلى الراحة والنوم، وهذا من تحقيق حاجات النفس البشرية، وما أجمله!
أيضًا انظروا إلى ما قاله النبي في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص لما كان يصوم يومًا ويُفطر يومًا، قال له في نهاية الحديث بعد أن حاوره النبي : وإن لنفسك حقًّا، ولأهلك حقًّا، فصُمْ وأفطر، وقُمْ ونَمْ[6]أخرجه البخاري (1153).، فانظروا كيف تتم تلبية الحاجة العضوية، وهي: الأكل، وكذلك النوم؟
وهذا ظهر أيضًا في قصة سلمان الفارسي مع أبي الدَّرداء: "فأَعْطِ كل ذي حقٍّ حقَّه"[7]أخرجه البخاري (1968)..
وقصة الثلاثة الذين تقالُّوا عبادة النبي ، فقال النبي : وإني لأصوم وأُفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء[8]أخرجه البخاري (5063)، ومسلم (1401).، كل هذا مراعاة للحاجات العُضوية، للمستوى العضوي من الدوافع والحاجات التي أكَّدها الإسلام.
مُتطلبات المستوى العضوي
أخيرًا في هذا الموضوع في المستوى العضوي: هناك ثلاثة مُتطلبات لا بد أن ننتبه لها عند تحقيق هذه الحاجات وهذه الدوافع في الجانب العضوي:
توفير الحاجات
أول قضيةٍ: المُربي -أبًا كان أو مُعلمًا- عليه أن يُوفر هذه الحاجات، وأن يسعى إليها بالحد الجيد والمُناسب، غير المُبالغ فيه، فإذا كان المُتربي جائعًا أُعطيه فرصةً ليذهب ويأكل، لا إشكالَ في ذلك، وبعض المُعلمين يتحرَّج.
فلا بد أن نُفرِّق بين السلوك السلبي المُعتاد عند الطالب: كأن يريد أن يخرج دائمًا، وبين ما إذا كان يحتاج إلى دورة المياه لقضاء حاجته -أكرمكم الله-، فلو قال المعلم للطالب: لا تذهب، ماذا سيحصل؟ مشكلةٌ كبيرةٌ، خاصةً عند الأطفال.
فهناك مُعلمون يتحسسون من هذه القضايا، والأصل أن نُراعي هذه الدوافع وهذه الحاجات، وأن نتعامل معها -خاصةً في بداياتها- بطريقةٍ طبيعيةٍ جدًّا، يا أخي، دعه يخرج، فإن تأخَّر أو تكرر الأمر عندئذٍ تستطيع أنت أيها المُربي أن تُراعي هذه القضية.
وهكذا -كما قلنا- بالنسبة للأب: عليه مُراعاة الوجبات الغذائية الطيبة الصحية، ومُراعاة المرض، والعناية بصحة الأبناء، وما شابه ذلك، ... إلى آخره.
هذه النقطة الأولى، وتوفيرها مهمٌّ بالقدر الجيد المُناسب، لا بالمُبالغات.
عدم الصدام مع الحاجات العضوية
الأمر الثاني: ألا نصطدم نحن المُربون أو المُربيات بهذه الحاجات، في أي موقعٍ كان المُربي: في المجتمع، أو في الأسرة، أو في التعليم، ... إلى آخره، لا بد ألا نصطدم بهذه الحاجات؛ لأن اصطدامنا بها سيُسبب ضعف دافعية العمل، مثلًا: الطالب جائعٌ يُريد أن يأكل، فقلت له: لا؛ لن يفهم الدرس. أو الولد متعبٌ، يريد أن ينام، والأب يريده أن يُنتج شيئًا مُعينًا للأسرة، لن يخدمك؛ لأنه مُتعبٌ، فدعه يرتاح.
والرسول حلَّ حبل زينب رضي الله عنها وأرضاها؛ لأن الإنسان لا بد له أن يرقد إذا فتر، وهي صلاةٌ، فمن باب أولى إذا لم تكن القضية صلاةً أن نُراعيها.
فالإنسان لا يصطدم بهذه الحاجات، وهذه الدوافع، بل يُلبيها كما قلنا في النقطة الأولى في المستوى، لكن أيضًا لا يصطدم معها إذا حصلت الحاجة إليها، فيمنعها، لا بد أن يكون هناك توازنٌ في هذا الجانب.
لا يُكلَّف المُتربي فوق طاقته
النقطة الثالثة والأخيرة في هذا الموضوع: لا يُكلِّف المُربي المُتربي فوق طاقته، فيُتعبه ويُنهكه، يعني: الأب مثلًا يُعطي ابنه مسؤولياتٍ فوق مستوى طاقته؛ فيتعب، وينهك، ويؤثر على الجانب العضوي، والجانب الجسدي، فنومه قليلٌ، ويحمل أشياء ربما لا يستطيع أن يحملها بالمستوى المطلوب، فلا بد أن نُراعي هذه القضية.
والمعلم يُعطي الطلاب واجباتٍ غير منطقيةٍ وكثيرةٍ، فيجلس الطالب فيها ساعةً وساعتين وثلاثًا، وما انتهى من الواجبات، فهذا يُكلِّف التلميذ فوق الطاقة، ويُسبب تقليل النوم، وما شابه ذلك.
يدخل في هذا الجانب: المناخ، يعني: أذكر أننا صلينا في هذا المسجد في رمضان في سنةٍ من السنوات الماضية، وما استطعتُ أن أُصلي بسبب البرد الشديد، فهناك جانبٌ عضويٌّ لا بد أن يُراعى ويحدث توازنٌ فيه؛ تتوازن البرودة والحرارة عند الإنسان، فلا بد أن يُراعى هذا الجانب، أما أن يقول أحدهم: ارفع برودة المُكيِّفات. ويقول الثاني: اخفض البرودة ... إلى آخره، والطبيعة في النفس البشرية هي الاعتدال، فلا تضعها في مكانٍ حارٍّ وتطلب منها إنتاجًا، أو في مكانٍ باردٍ وتطلب منها إنتاجًا.
هذا باختصارٍ ما يتعلق بالدوافع العضوية.
المستوى الدنيوي
ننتقل للمستوى الثاني: المستوى الدنيوي، والمستوى العضوي يتعلق ببنية الإنسان الفسيولوجية والعضوية، أما المستوى الدنيوي فيرتبط بالحافز والتَّشجيع المادي والمعنوي، يعني مثلًا: المال، فعندما تقول للولد: إذا حفظتَ يا ولدي جزء "عم" سأُعطيك خمسمئة ريالٍ، وإذا حفظتَ الآن أربع سورٍ أو خمسًا سأُعطيك خمسة ريالات أو عشرة، فالحافز المادي مُؤثرٌ، خاصةً عند الأطفال، فارتباط الأطفال بالحافز المادي أقوى من ارتباطهم بالحافز الآخر، وهذا سيأتي معنا في التفريق بين الجانب المادي والمعنوي والجانب الأُخروي.
كذلك بالنسبة للكبار على أية حالٍ، فالكبار يحتاجون أيضًا للجانب المادي، فلا أظن أن أحدًا من الموجودين إذا حُفِّز وشُجِّع لا يتحفز، هذا أمرٌ طبيعيٌّ: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ ماذا قال الله ؟ لَشَدِيدٌ [العاديات:8] يعني: النفس البشرية مفطورةٌ على حبِّ المال، هذا حافزٌ؛ لذلك -كما قال العلماء- يجعلون جعلًا، فالطالب المُتفوق يجعلون له نصيبًا من المال يُكافئونه به، كما جاء عن بعض العلماء.
الهدايا العينية
ومن أنواع الحوافز المادية: الهدايا العينية، والرسول يقول: تهادوا تحابُّوا[9]أخرجه مالك في "الموطأ" (3368)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3004).، فالهدية مُؤثرةٌ.
وكما يقول الله في حقِّ بلقيس: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ [النمل:35]، قال ابن كثير في التفسير عند هذه الآية: فعلمتْ أثر الهدية على الأعداء، فكيف بالأخلاء؟
أرادت بلقيس أن تُرسل هديةً لعدوها، وهو سليمان عليه الصلاة والسلام، فأرادت أن تُؤثر فيه، وهو عدوها، يقول ابن كثير: إذا كانت هذه الهدية للأعداء، وأدركت أثر الهدية بالأعداء، فكيف بالأخلاء؟
كيف بهدية الأب لابنه؟ وكيف بهدية الزوج لزوجته؟ وكيف بهدية الزوجة لزوجها؟ وكيف بهدية الأخ لأخيه؟ وكيف بهدية المعلم للطالب؟ ولن أقول: هدية الطالب للمعلم؛ لأننا سندخل في الحرج الشرعي، فالطلاب جاهزون في هذه القضية، ما يحتاجون إلى توجيهٍ، فهم مُستعدون أن يُغدُّوا المعلمين ويُعشُّوهم، ويوصلوهم إلى بيوتهم.
طيب، هذا الحافز بالهدايا.
الحافز الآخر هو الحافز اللفظي، والتشجيع اللفظي: كلماتٌ مُشجِّعةٌ، ثناءٌ، مدحٌ، لكن بدون مبالغةٍ، انظر ماذا يقول النبي : مَن صُنِعَ إليه معروفٌ فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ في الثناء[10]أخرجه الترمذي في "سننه" (2035)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (3024)..
فكلمة "جزاك الله خيرًا" كلمةٌ بسيطةٌ، لكن لها أثرٌ، يقولها الأب لابنه، ويقولها المعلمُ للطالب، ويقولها إنسانٌ لإنسانٍ آخر: "جزاك الله خيرًا"، فهل "جزاكم الله خيرًا" مثل: صُمٌّ، بُكمٌ؟! مثلها بالضبط؟!
واحدٌ عمل لك عملًا، أو أنتج إنتاجًا، فهل السكوت وعدم التعليق، مثل قول: "جزاك الله خيرًا"؟
الأمر يختلف، ففيها ثناءٌ، وفيها مدحٌ للنفس البشرية، فهذه أسرارٌ علمها الله: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، سبحان الله! يعلم ماذا يحتاج الإنسان؟ فالإنسان يحتاج إلى المدح، وإلى الثناء بقدره؛ لذلك هذا من الحوافز والدوافع المعنوية.
الكتابة في رسالة جوالٍ، أو عبر الوسائط المتعددة، أو الكتابة بالدفتر، أو الكتابة على جدران البيت، أو وضع نجومٍ، ... إلى آخره، كل هذه القضايا من الحوافز التي تُشجِّع الأبناء، وتُشجِّع الطلاب لسلوكٍ مُعينٍ، فيقول المُربي للمُتربي: والله -إن شاء الله- إذا ضبطتَ هذا السلوك وأدَّيتَ الواجب الذي عليك في المدرسة، فهذه نجمةٌ، وإذا صليتَ في المسجد فهذه نجمةٌ، وإذا تركتَ المُشاغبة وضرب إخوانك سأُعطيك تقدير: ممتاز، أحسنتَ يا أحمد، هذا السلوك الذي فعلتَه مُؤثرٌ.
انظروا إلى المعلم الذي يُعطي أوراقًا للطلاب دون أن يُعلِّق، وانظروا إلى المعلم الذي يُعطي أوراقًا وهو يُعلِّق على الطلاب: أحسنت، بارك الله فيك. فهذه توجيهاتٌ مُؤثرةٌ.
قصةٌ واقعيةٌ
أتى شخصٌ كبير السن إلى طبيب الأسنان، واستغرق العلاج عدة جلسات -وأنتم تعرفون أن طبَّ الأسنان فيه رزقٌ طيبٌ ما شاء الله- وبعدما انتهى كبير السن من جلسات العلاج أراد أن يُحاسب هذا الطبيب، فقال الطبيب: لا آخذ منك شيئًا. فقال: لماذا؟ قال: ألستَ أنت فلان الفلاني المدرس في المدرسة الفلانية؟ قال: بلى. قال: أنا أحد طلابك.
طيب، كل واحدٍ عنده طلابٌ، فكثيرٌ من الناس عندهم طلابٌ، لكن هذا الطالب وضع فيه المعلمُ بصمةً مُعينةً، يقول: أنت السبب بعد الله في أن أُصبح طبيب أسنانٍ. قال: كيف؟ قال: علَّقْتَ عليَّ تعليقًا قلتَ فيه: أحسنتَ، بارك الله فيك يا طبيب المستقبل. يبدو أن هناك إنشاءً، أو تعبيرًا، أو شيئًا من هذا القبيل، فثبتت في رأسه.
وهذه القصة حصلت هنا في الدمام، في المنطقة الشرقية.
فيا ليتنا نُعطي رسائل إيجابيةً لمستقبل الأبناء: ذكورًا وإناثًا، المستقبل الإيجابي، وليس المستقبل المُعوج، المستقبل الذي يسعدون به في الدنيا والآخرة من خلال هذه التعليقات، فهذه البصمات مُؤثرةٌ جدًّا، البصمات اللَّفظية والكتابية مُؤثرةٌ.
الدعم المعنوي
أيضًا من أنواع الحوافز في الجانب الدنيوي -المادي أو المعنوي- شهادة التقدير، والدعم المعنوي، والمُساندة الاجتماعية، وما شابه ذلك، ويكون الأب مع أبنائه مُساندًا لهم، كأن يحضر الأب والمعلم مناسبةً ما، مثل: حضور حفل تفوقٍ، أو حفل ختام برنامجٍ مُعينٍ، فتجد الآباء يحضرون لأبنائهم، فهذا تعزيزٌ معنويٌّ، وتشجيعٌ، وحافزٌ، ودافعٌ للابن على الاستمرار في التفوق، وحضور حلقات تحفيظ القرآن.
وهناك آباءٌ آخرون ما يحضرون، لماذا؟!
نحن نقول: مشغولون، فمجالس الآباء بعضها خاويةٌ على عروشها!
وليس شرطًا أن تأتي لك المدرسة بشيءٍ جديدٍ، فقد تكون المدرسة مُقصِّرةً، ومجالس الآباء بعضها روتينيةٌ قاتلةٌ، لا مشكلة، عليك ألا تُفكر في المدرسة، ولا تُفكر في نفسك، فكِّر في ابنك عندما يعرف أنك ذاهبٌ، فأنت عزَّزتَ قيمته وقدره عند غيره في المدرسة.
الحافز الميداني
النوع الأخير من الحوافز: الحافز الميداني: كالخروج للرحلات الترفيهية، والاستطلاعات، والاستكشافات، يقول الله : قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الأنعام:63]، ثم يقول بعد ذلك: قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ [الأنعام:64].
هذه أسئلةٌ استفهاميةٌ، وفيها إثباتٌ لتوحيد الربوبية، وهذا استطلاعٌ جعل الذهن يُفكر: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ [البقرة:189]، وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ [الإسراء:85].
هذا جانبٌ يحتاجه الإنسان، فحين يأتي الحافز الاستطلاعي: انظر يا ولد، ابحث: ما يحصل هناك؟ أريدكم أن تكتشفوا شيئًا يا أولادي، انظروا شيئًا هنا في هذا المكان الذي نحن فيه.
هذا حفزٌ وتشجيعٌ؛ لأن طبيعة النفس البشرية تُحب أن تستطلع وتكتشف؛ ولذلك نحتاج هذا المستوى من البيئات الاستطلاعية، من الرحلات الخلوية والترفيهية في الأُسَر، وفي التربية، وفي التعليم، وما شابه ذلك.
طيب، في التحفيز اللَّفظي نذكر هنا حديث البخاري: نِعم الرجل عبدالله لو كان يُصلي من الليل[11]أخرجه البخاري (1121)، ومسلم (2479).، فهذا التحفيز والثناء والمدح لعبدالله بن عمر بن الخطاب أثَّر فيه؛ فما كان ينام بعدها من الليل إلا قليلًا، أثَّر فيه هذا التحفيز.
طيب، لعلنا نختم ونترك المستوى الأخروي -إن شاء الله- إلى الأسبوع القادم؛ حتى نُجيب عن بعض الأسئلة.
ضوابط الحافز الدنيوي
لعلنا نختم بثلاثة أمورٍ لا بد أن نُراعيها في الحافز الدنيوي، وفي الدوافع الدنيوية التي ذكرناها: المادية والمعنوية: المال، والهدايا، والحافز والثناء المعنوي والميداني، والمدح اللَّفظي والكتابي.
1. لا بد أن تكون هذه الأمور مُرتبةً، غير عشوائيةٍ، فبعض الناس يقول لك: سأُعطي ولدي مكافأةً، كلما فعل سلوكًا أُعطيه مُكافأةً! هذه مشكلةٌ، ستنتهي أموالي!
فالحل: أن تجعل لك نظامًا في القدر والكم، ونظامًا في الوقت، لا تُعطه كل مرةٍ، بل لا بد من القدر والكم، تقول: كلما عمل أول مرةٍ أُعطيه، ثم كلما عمل خمس مراتٍ أُعطيه، وكلما عمل عشر مراتٍ أُعطيه. فتبدأ في التباعد حتى يُصبح السلوك مُتأصلًا فيه، ثم تُبعد عنه الحافز، ويستمر، وتُصبح عنده عادةٌ، هذا هو الأسلوب السليم.
سأُعطي في كل مرةٍ بالكم والقدر، ما أُعطيه الشيء الكبير، بل أُعطيه شيئًا بسيطًا، يقول البعض: إذا استقبل الضيف أُعطيه خمسمئة ريالٍ! فإذا فعل شيئًا أكبر من استقبال الضيف، كم ستُعطيه؟! ألف ريالٍ؟! لذلك لا بد أن تجعل الحافز والمُكافأة مُتناسبةً مع السلوك الذي يفعله.
2. يقول النفسيون: لا بد أن يعرف الطالب والابن وأي شخصٍ: لماذا كُوفئ؟ لو قال محمدٌ أمام الطلاب: إبراهيم يستحق جائزةً قدرها مئة ريالٍ.
طيب، الطلاب ما يدرون لماذا؟ ولا يدري هو لماذا؟ فلا بد أن يفهم: إما بالمُباشرة، أو بالسياق، إما لأنه متفوقٌ، أو هو -ما شاء الله- قائد مجموعةٍ، أو رجلٌ خلوقٌ، أو أي قيمةٍ إيجابيةٍ، فيُبين السبب الذي استحقَّ به أن يأخذ هذه المُكافأة؛ حتى يعرف لماذا كُوفئ؟ فيستمر على ذلك، وحتى يعرف الآخرون لماذا لم يُكافؤوا؛ فيصيرون مثله.
إذن لا بد أن يعرف لماذا يُكافأ؟ ولماذا لا يُكافأ؟ لماذا ما أعطيتني يا أبي؟ فلو أنك أعطيتَ أخاه ولم تُعطه، ولم تُبين له السبب؛ سيحصل الإشكال، وربما يقول الطفل: أبي يُحابي أخي عليَّ؟! لكن لو عرف الابنُ لماذا كُوفئ أخوه ولم يُكافأ هو؟ وعرفت البنتُ لماذا كافأت الأمُّ أختها ولم تُكافئها؟ لن تحدث مشكلةٌ.
إذن النقطة الثانية: أن تعرف لماذا حصلت المُكافأة؟ ولماذا لم تحصل المُكافأة؟
3. النقطة الأخيرة -وهي مهمةٌ جدًّا- أن تتنوع هذه الحوافز الدنيوية: المادية والمعنوية.
بمعنًى آخر: الأطفال كل فترةٍ أُعطيهم شوكولاتة، مع أن موضوع الشوكولاتة من الناحية الصحية مشكلةٌ، لكن دعنا نفترضها، أو كل فترةٍ أُعطيهم سياراتٍ لعبة، فامتلأ البيت بالسيارات، وأصبح لدى الابن عددٌ من السيارات، هل ستُؤثر فيه يا جماعة؟ ما لها قيمةٌ.
مثل: ولد لرجلٍ غنيٍّ، ويُعطيه أبوه يوميًّا مصروفًا قدره عشرة ريالات، أو خمسة عشر ريالًا، وجاء واحدٌ يُكافئه فقال: أُعطيك ريالين. فإن ذلك لا يُساوي شيئًا عنده.
لا بد أن نعرف قدر الشخص الذي أمامنا، ما الذي يُناسبه؟ وأيضًا نُنوع الحوافز: فمرةً أُعطيه الجانب المالي، ومرةً أُعطيه جانب الهدايا العينية، ومرةً أُعطيه التحفيز اللفظي، ومرةً أُعطيه رحلةً استطلاعيةً، ومرةً أُعطيه شهادة تقديرٍ، ومرةً أُعطيه الكتابة والتعبير.
فهذا التنوع مهمٌّ؛ لأنه إذا حصل الملل سيُؤثر ذلك في السلوك الإيجابي الذي أُكافئه عليه، فلو استمررنا في إعطائه نفس المُكافأة، وملَّ هو من هذه المُكافأة؛ سيتوقف عن هذا السلوك الإيجابي، وأنا أريده أن يستمر؛ لأن الهدف من الدوافع والحوافز أن يستمر السلوك الإيجابي ويزداد، فلماذا توقف؟ لأنك تُكافئه بمُكافأةٍ لا اعتبارَ لها عنده، ولا يوجد لها أثرٌ في نفسه؛ لذلك لا بد أن تُنوع وتُغير.
طيب، في الدقائق الخمس المُتبقية نُجيب عن الأسئلة السابقة، والأسئلة التي جاءت اليوم سنُؤجلها للأسابيع القادمة، أو اللقاءين القادمين، إن شاء الله تعالى.
مفهوم العاطفة
هنا سؤالٌ: يقول السائل: ما مفهوم العاطفة؟
أهل الاختصاص تكلَّموا في هذا الموضوع باختصارٍ، ولا أريد أن أدخل في التفصيلات الفلسفية -كما يقال-، لكن أُعطيها بشكلٍ مُختصرٍ جدًّا.
عندنا شيءٌ اسمه: مشاعر، وعندنا شيءٌ اسمه: انفعالات الجانب الوجداني، وعندنا جانبٌ عقليٌّ: التفكير والمعرفة، وعندنا جانبٌ حركيٌّ مهاريٌّ، وعندنا جانب المشاعر الذي فيه الحب، والكُره، والغضب، والرغبات، والحزن، والاكتئاب، والفرح، وهذه يُسمونها: انفعالًا.
والانفعال طرفٌ منه قليلٌ يُسمَّى: مشاعر، يعني: مستوى من الحالة الوجدانية، لكنه طفيفٌ، هذا يُسمونه: مشاعر، يعني: هو مستوى طفيف من الانفعالات -التي هي المشاعر- لا يستمر، ويحصل في مواقف محدودةٍ.
والمستوى القوي من الانفعال يُسمَّى: عاطفةً، والعاطفة: هي حالةٌ وجدانيةٌ انفعاليةٌ قويةٌ، مثلًا: عنده عاطفة الحب، فتجد الآخر يغرق في الحب أيًّا كان، حتى لو كان حب الله ، ويمكن أن يتمادى وتصير عنده حالةٌ من حالات التصوف في العلاقة بالله ، كما هو الحال عند بعض الاتجاهات المُنحرفة في قضية حبِّ الله، ووصل الأمر لقضية العشق، وما شابه ذلك.
فالعاطفة: حالةٌ قويةٌ من الانفعال، وهذه كلها فيها توسطٌ، وفيها إفراطٌ، وفيها تفريطٌ، والطبيعي أن نكون في التوسط، فإذا كانت عندي عاطفةٌ، فهذه العاطفة لا يمنعني أحدٌ منها إذا كانت إيجابيةً، لكن ينبغي ألا تكون سلبيةً حينما تكون طاغيةً ومُفرطةً وزائدةً عن حدِّها، مثل: عاطفة الكُره والبُغض، فيضرب الإنسان مَن يكرهه، ويعتدي عليه، وربما يقتله، هذا إفراطٌ.
وعندي أيضًا تفريطٌ سلبيٌّ، الذي هو تبلد الإحساس، لا تحصل عنده مشاعر، لا تحصل عنده عاطفةٌ، يحصل عنده تبلد إحساسٍ، مثل: القلب الميت.
فلا نريد الإفراط، ولا التفريط، ولكن نريد التوسط الذي هو المستوى المطلوب في الجانب الانفعالي، الذي منه الجانب القوي، الذي هو العواطف، فالتوسط هو المستوى المطلوب في النفس البشرية.
كيف نُحافظ على إيماننا؟
يقول السائل: كيف نُحافظ على إيماننا؟
نُحافظ عليه من خلال الأمور الآتية:
1. العمل المُباشر الذي تكلمنا عنه في موضوع "القدوة": أن الإنسان يُطبق مباشرةً ما يتعلم وما يسمع، مثل هذا الكلام، أنا وأنتم نقرأ، ونسمع آياتٍ وتوجيهاتٍ في الخطبة ... إلى آخره، فعلينا أن نُطبق مباشرةً، هذا أفضل أسلوبٍ، طبِّق الجانب الإيماني، خُذْه، مارسه مباشرةً يا أخي، قُم فتوضأ وصلِّ ركعتين: سنة الوضوء، وصُم ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر، وصم يومي الاثنين والخميس، طبِّق مباشرةً، هذا أفضل شيءٍ يُحافظ على الإيمان.
2. القدوة: ابحث لك عن قدواتٍ قويةٍ في الجانب الإيماني؛ حتى تتشبث بهم، وتحافظ على إيمانك، أما إذا كان مَن تقتدي بهم أناسًا ضعافًا فإنك ستضعف، وسيضمر الجانب الإيماني لديك، نسأل الله الثبات، فإذا كان النبي يُكثر من قول: اللهم يا مُقلب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك[12]أخرجه الترمذي في "سننه" (2140)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (102).، فنحن أوْلى بذلك؛ فعلى الإنسان الذي يريد أن يُحافظ على إيمانه أن يُكثر من الدعاء.
3. الزيادة: فالله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا [النساء:136]، لا تكتفي بمستوى الإيمان الذي عندك، مستويات الإيمان ما تنتهي، فزد من إيمانك، فأنت تُوتر بركعةٍ، أوتر بعد ذلك بثلاث ركعاتٍ، وإذا صار عندك نشاطٌ تلك الليلة أوتر بإحدى عشرة ركعة، وكلما كانت عندك فرصةٌ في الزيادة فزد: تصدق يا أخي، ألزم نفسك بإجراءاتٍ وتطبيقاتٍ إيجابيةٍ في الجانب الإيماني.
4. الصحبة: مَن هؤلاء الذين تُصاحبهم؟ هذا مُؤثرٌ جدًّا.
5. أخيرًا: إشغال وقت الفراغ: فالفراغ يقتل، وحين يشغل الإنسانُ وقت الفراغ -خاصةً في الأعمال الخيرية الحسنة- يُصبح عندئذٍ مجال المُحافظة على الإيمان كبيرًا، أما إذا صارت عنده أوقات فراغٍ فإنه ربما تضعف نفسه، وتذهب يمنةً ويسرةً.
كيف نتخلص من الشك بالرِّياء؟
السؤال الأخير: كيف نتخلص من الشك بالرِّياء؟
يعني: شخصٌ يشك في نفسه أنه مُراءٍ.
فإليكم أربع نقاطٍ أرجو أن تكون نافعةً ومفيدةً من الناحية التربوية والنفسية، وهي مُنطلقةٌ من أدبيات الشريعة.
1. هناك قاعدةٌ شرعيةٌ مهمةٌ جدًّا يذكرها دائمًا الشيخ ابن عثيمين -رحمة الله عليه-، تقول القاعدة:
والشك بعد الفعل لا يُؤثر | وهكذا الشكوك إذا تكثرُ[13]كتاب "القواعد والأصول" للشيخ ابن عثيمين (1/ 84). |
يعني: الشك بعد الفعل الذي سوَّيته لا تلتفت إليه، وهكذا الشكوك إذا كثرت، أفضل أسلوبٍ في التعامل مع الشكوك أن تطرحها وتُقصيها وتُبعدها، لا تلتفت لها، فإنها لا قيمةَ لها، هذا أفضل طريقٍ:
والشك بعد الفعل لا يُؤثر | وهكذا الشكوك إذا تكثرُ[14]كتاب "القواعد والأصول" للشيخ ابن عثيمين (1/ 84). |
أما إذا دخل الوسواس فوسوس لنا، وشككنا في صلاتنا، وشككنا في إيماننا، وشككنا في أشياء، وتعبنا، فهذا الذي يُسبب الوسواس القهري.
أحد المتصلين قريبًا -وهو مسؤولٌ في الأحساء وزميلٌ لي- حدثني عن إنسانٍ وجيهٍ، لم يقل لي اسمه، قال: مُعاناته شديدةٌ؛ فدبِّر لنا أيَّ طبيبٍ نفسيٍّ يُساعده، لماذا؟ عنده وسواسٌ قهريٌّ شديدٌ.
وحين تسأل هؤلاء -وقد سألتُ عددًا من المصابين بالوسواس القهري- تجد أنهم في بدايات الوسواس تساهلوا، فيستحي الواحد منهم أن يتكلم مع أحدٍ، فما لجأ إلى الله، وما لجأ إلى شخصٍ مُختصٍّ؛ فأصبح عنده وسواسٌ قهريٌّ، فهو يفعل فعلًا يعرف أنه من الخطأ أن يفعله.
هذا رقم واحدٍ: لا تلتفت إلى الشك.
2. لا بد أن نخاف من الرياء: من الإيمان أن نخاف من الرياء، وهذا بيَّنه النبي ؛ بيَّن أن الإنسان لا بد أن يخشى على نفسه من الرياء: اللهم إني أعوذ بك أن أُشرك بك شيئًا وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم[15]أخرجه الموصلي في "مسنده" (58)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3731).، هذا أمرٌ مطلوبٌ، ولا ينبغي أن نقول: حتى لا أشك أقول: والله أنا مخلصٌ. لا؛ خف على نفسك من الرياء، لكن ضمن هذه الضَّوابط.
3. الاستمرار في العمل، وقطع الوارد: استمر في عملك، صلِّ، إن جاءك الشيطان أكمل صلاتك، والله أنا أُصلي. لا ليس بمُصلٍّ؛ لأنه يمكن أن يقول لي هذا الشخص: إني مُراءٍ! أعوذ بالله! وكما يقول أحد السلف: زدها إطالةً، اقمع الشيطان بزيادتها.
4. النقطة الأخيرة في هذا الموضوع: الحرص على العبادات السرية:
احرص على العبادات السرية التي بينك وبين الله، فالصدقة ما يطلع عليها أحدٌ إلا الله، وصلاة الليل ما يراك فيها أحدٌ إلا الله، والصيام كما في الحديث: الصوم لي، وأنا أجزي به[16]أخرجه البخاري (7492)، ومسلم (1151).، ما يدري عنه أحدٌ.
إذا فعلتَ هذه العبادات الخاصَّة السرية التي لا يطلع عليها إلا الله فأنت تسلك مسلك الإخلاص، وإن شاء الله أنت بعيدٌ عن الرياء، لكن الذي يفعل هذه الأعمال ويقول لزُملائه وأصحابه: الحمد لله، الله وفَّقني أمس وصليتُ في آخر الليل. لماذا تقول هذا الكلام؟! ليس لك الحق في أن تقول هذا الكلام، أنت تفتح على نفسك بابًا من الرياء، حتى لو لم تكن مُرائيًا تمامًا في البداية، سيكون هذا الباب سببًا في دخولك في هذا الدِّهليز.
أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المُخلصين، وأن يُوفِّقنا وإياكم لكل خيرٍ.
ونُصلي ونُسلم على محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
والحمد لله رب العالمين.
↑1 | أخرجه أحمد في "مسنده" (21590)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6505). |
---|---|
↑2 | أخرجه ابن ماجه في "سننه" (4106)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (263). |
↑3 | أخرجه الترمذي في "سننه" (2346)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (6039). |
↑4 | أخرجه مسلم (560). |
↑5 | أخرجه البخاري (1150). |
↑6 | أخرجه البخاري (1153). |
↑7 | أخرجه البخاري (1968). |
↑8 | أخرجه البخاري (5063)، ومسلم (1401). |
↑9 | أخرجه مالك في "الموطأ" (3368)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3004). |
↑10 | أخرجه الترمذي في "سننه" (2035)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (3024). |
↑11 | أخرجه البخاري (1121)، ومسلم (2479). |
↑12 | أخرجه الترمذي في "سننه" (2140)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (102). |
↑13 | كتاب "القواعد والأصول" للشيخ ابن عثيمين (1/ 84). |
↑14 | كتاب "القواعد والأصول" للشيخ ابن عثيمين (1/ 84). |
↑15 | أخرجه الموصلي في "مسنده" (58)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3731). |
↑16 | أخرجه البخاري (7492)، ومسلم (1151). |