المحتوى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: نحن معكم في اللقاء الختامي لهذه السلسلة، وهو اللقاء الثاني عشر، والذي نسأل الله أن يجعل تلكم اللقاءات حُجَّةً لنا لا علينا، وأن ينفعنا وإياكم، وأن ينفع بنا وبكم، ويجعلنا وأهلينا وذرارينا والمسلمين ممن وُفِّق للسعادة في الدنيا والآخرة.
سينقسم هذا اللقاء -إن شاء الله تعالى- إلى قسمين:
القسم الأول سيكون حسبما وعدناكم، سنأخذ قصةً نبويةً -على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم-، وسنُطبق من خلال هذه القصة الوقفات التربوية والنفسية من خلال المعالم الأربعة التي أخذناها عبر اللقاءات السابقة المتعلقة بالإخلاص، والإيمان، والنية، والقدوة، والعمل، والإنسان مَن هو؟ وماذا نريد منه؟ أي: المنتج الإنساني، والدوافع والحوافز وأثرها على السلوك الإنساني.
هذه القصة مشهورةٌ ورائعةٌ وتحتاج إلى وقفاتٍ كثيرةٍ جدًّا، وقد اخترتها لأن فيها وقفاتٍ تستحق، وسنُطبق على المعالم التي أخذناها في تلك اللقاءات؛ حتى يكون مجال التطبيق أكثر، لعلها تكون فرصةً لاستحضار ما سبق، وكذلك محاولة التطبيق المباشر في مجال الأسرة ومجال المجتمع والتعليم وغيره، بإذن الله .
هذه القصة أخرجها أبو يعلى في "مسنده" والحاكم، وهو حديثٌ صحيحٌ ذكره الشيخ الألباني رحمه الله في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" عن أبي موسى قال: أتى النبي أعرابيًّا ...
هذا الجزء الأول، ونحن قلنا لكم أن هناك جزأين: الجزء الأول سنقف فيه مع القصة ونُطبق، والجزء الثاني سيكون للإجابة عن الأسئلة المُتبقية لدينا -إن شاء الله-، وعندها ننتهي من هذه السلسلة في هذا العام الدراسي.
ونسأل الله أن يُسهل لنا ولكم وقتًا آخر بعد ذلك نجتمع فيه وإياكم على خيرٍ، بإذن الله .
الأعرابي يطلب ناقةً وأعنُزًا
عن أبي موسى قال: "أتى النبي أعرابيًّا فأكرمه"، مَن الذي أتى الثاني؟
النبي هو الذي أتى الأعرابي، هو الذي زار الأعرابي، فأكرمه، أي: الأعرابي أكرم النبي عليه الصلاة والسلام، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: ائتنا، فأتاه، يعني: الرسول يقول للأعرابي: تعالَ عندنا في بيتنا، في مكاننا. فالأعرابي أتى النبي .
وفي روايةٍ: "نزل الرسول بأعرابيٍّ، فأكرمهم، فقال له الرسول : تعاهدنا، ائتنا، فأتاه الأعرابي، فقال له الرسول : سَلْ حاجتك، الرسول يقول للأعرابي: سَلْ حاجتك، اطلب ما بدا لك.
تصوروا إخواني وأخواتي واحدًا منا في هذا الموقف بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام -بأبي هو وأمي- ويقول له النبي : سَلْ حاجتك، ماذا ستكون إجابتنا؟
فقال الأعرابي: ناقةً برَحْلها وأعنُزًا يحلبها أهلي. يعني: أريد الناقة والعنز، حلالٌ أم حرامٌ؟ حلالٌ، لكن وراء ذلك سرٌّ كبيرٌ سيأتينا بعد قليلٍ.
فقال رسول الله : أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟ يعني: الآن الأعرابي موجودٌ وبعض الصحابة، وها نحن نقرأ هذا الحديث، وواصلنا هذا الخطاب وهذا الحوار، وكما قيل للأعرابي وقيل للصحابة، نحن أيضًا يُقال لنا: أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟!.
العهد والميثاق
أول ما يلفت النظر: ماذا سيكون الرد من الحاضرين؟
السؤال عن عجوز بني إسرائيل، فقال أصحابُه -أي: أصحاب النبي -: يا رسول الله، وما عجوز بني إسرائيل؟
قال: إن موسى لما سار ببني إسرائيل من مصر يعني: موسى عليه السلام الذي أُرسل إلى بني إسرائيل أراد الخروج من مصر: إن موسى لما سار من بني إسرائيل من مصر ضلُّوا الطريق، فقال: ما هذا؟ يعني: موسى عليه الصلاة والسلام يقول: ما هذا؟ فقال عُلماؤهم يعني: علماء بني إسرائيل: نحن نُحدِّثك: إن يوسف أيضًا يوسف عليه الصلاة والسلام أُرسل إلى بني إسرائيل: إن يوسف لما حضره الموتُ أخذ علينا موثقًا من الله ألا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا.
إذن هنا بدأ سرُّ الموضوع يتكشَّف، وهو ميثاقٌ وعهدٌ بين مَن؟
بين النبي يوسف عليه الصلاة والسلام وبني إسرائيل: ما تخرجون يا بني إسرائيل من مصر حتى تنقلوا جسدي معكم. والعظام هنا يُراد بها الجسد؛ لأن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء كما قال العلماء، فالعظام هنا مرادٌ بها الجسد، والحديث في ذلك واضحٌ.
إذن ضلَّ موسى ومَن معه الطريق لأن هناك عهدًا وميثاقًا نسوه.
فقال موسى بعدما سمع من العلماء كلامهم حول العهد والميثاق الذي كان مع يوسف: قال: فمَن يعلم موضع قبره؟ قالوا: ما ندري أين قبر يوسف؟ إلا عجوزٌ من بني إسرائيل، نحن ما نعرف، لكن هناك عجوزٌ تعرف أين قبر يوسف؟ إلا عجوزٌ من بني إسرائيل، فبعث إليها فأتته، فقال موسى: دليني على قبر يوسف. قالت: لا والله لا أفعل.
تصور هذا الموقف: الآن موسى في التِّيه مع قومه، وقد عرفوا السرَّ، لكن لن يستطيع أن يحلَّ هذا السر إلا هذه العجوز، فهي التي تعرف أين قبر يوسف؟ ومع ذلك رفضت وحلفت: لا والله لا أفعل حتى تُعطيني حكمي يعني: حتى تُعطيني شرطي، قال: وما حكمكِ؟ يعني: وما شرطكِ؟ قالت: حتى أكون معك في الجنة. فكره أن يُعطيها ذلك لماذا؟ لأنه لا يملك ذلك عليه الصلاة والسلام.
فأوحى الله إليه: أن أعطها حكمها يعني: قل لها: أنت معي في الجنة. انتهى، سبقك بها عكاشة، حازت على السَّبق: فأوحى الله إليه: أن أعطها حكمها. فانطلقت بهم إلى بحيرةٍ موضع مُستنقع ماءٍ لا يلتفت إليه أحدٌ، ولا ينتبه إليه أحدٌ، بل الكل يهرب منه ويبتعد عنه، فقالت: انضبوا هذا الماء أي: جَفِّفوه، فجَفَّفوا الماء، قالت: احفروا، واستخرجوا عظام يوسف، وبالفعل حفروا فوجدوا عظام يوسف وجسده في هذا المكان تحت المُستنقع.
يقول النبي : فلما أقلُّوها إلى الأرض أي: رفعوها إلى الأرض وإذا الطريق مثل ضوء النهار[1]أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (723)، وصححه الألباني لغيره في "التعليقات الحسان" (721).، فاستطاع موسى وقومه أن يعرفوا الطريق، وخرجوا من مصر بعد هذا التيه والضَّلال.
هذه القصة تُسمّى: قصة عجوز بني إسرائيل.
وقفاتٌ تربويةٌ مع هذه القصة
أريد أن أقف وقفاتٍ بناءً على المعالم التي أخذناها في اللقاءات السابقة كاملةً.
النية الطيبة
هل تذكرون أول معلمٍ أخذناه ما هو؟
هذا اختبارٌ نختبر به الذاكرة.
أول معلمٍ: النية والإخلاص في الإيمان، ولو طبَّقناه على هذا الموقف وهذه القصة سنجد القضية واضحةً جدًّا في موقف العجوز.
فالإيمان عندها حاضرٌ بقوةٍ، وهو قضيةٌ رئيسةٌ، رقم واحدٍ، قالت: أكون معك في الجنة، ولا يمكن أن يكون هذا الأمر إلا لأن الإيمان والنية الطيبة هي التي تتحكم في قلبها، وقد تربَّت على ذلك.
أيضًا المواقف الإيجابية كلها تُعطي دلالةً على قضية النية الطيبة، يعني: موقف النبي وما فعله في زيارة الأعرابي، ثم إكرام الأعرابي، ثم توجيه الناس: أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟! وموقف موسى ، وموقف العلماء، كل هذا يدل على أن هناك نيةً طيبةً في القلوب تريد الخير للناس، والنية هي: إرادة الخير للنفس، وإرادة الخير للآخرين، وأن يفعل هذا الأمر لله .
هذه باختصارٍ مواقف يمكن أن نستدل بها على قضية الإخلاص والنية والإيمان، أنا أذكرها باختصارٍ لأننا سبق أن تكلمنا عن هذه القضايا، ولا نريد أن نُكرر موضوع النية والإخلاص والإيمان مرةً أخرى.
المعلم الثاني: القدوة
طيب، لو سألتكم الآن: أين مواطن القدوة في هذه القصة؟
العجوز نفسها، فهذا الموقف رقم واحدٍ في القدوة؛ لأن النبي قال: أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟! فقد ضيَّع الأعرابي على نفسه فرصةً؛ فكان بإمكانه أن يقول للرسول : أكون معك في الجنة. فربما نزل إليه الوحي فيقول: قل له: إنك معي في الجنة. وتنتهي القضية.
فهنا الرسول يريد أن يقول: كونوا قدواتٍ أيها الصحابة وكل مَن يسمعنا، كونوا مثل العجوز: أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟! فهذا من أروع الأمثلة في قضية القدوة.
أيضًا زيارة النبي للأعرابي، وكرم النبي وردّ الجميل للأعرابي، ودور العلماء مع بني إسرائيل، هذا كله يدل على مواطن القدوة، ونحن بأمس الحاجة إلى ذلك، ولاحظوا أن القدوة عملٌ، وسبق أن قلنا: إن النية لا تكفي.
بعض الناس يقول: الحمد لله أنا نيتي طيبةٌ. لكن تجد سلوكه مُخالفًا، فهل يصلح هذا؟!
ألا وإنَّ في الجسد مُضْغَةً هذه النية التي يتحدث عنها أناسٌ كثيرون، صحيحٌ، لكن قال النبي : إذا صلحتْ صلح الجسد كلُّه، وإذا فسدتْ فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب[2]أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599)..
موسى الآن نبيٌّ مبعوثٌ ومُؤيَّدٌ من رب العالمين، وقد قام بالواجب الذي عليه، وهو لا يعرف العهد والميثاق الذي حصل من بني إسرائيل ليوسف عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك ضلَّ الطريق، وهذا إن دلَّ فإنما يدل على أن النية لا تكفي لتحقيق المراد، فالله ابتلى موسى وبني إسرائيل بأنهم ضلُّوا الطريق، ولا شك أن نيتهم طيبةٌ، نية النبي موسى ومَن معه طيبةٌ، لكنها لا تكفي؛ لأن هناك عهدًا وميثاقًا نسوه، كما ينسى البشر أشياء عديدةً، وهذا يدل على حاجة النية إلى العمل، وهي بمثابة القدوة: مطابقة القول للعمل الذي ذكرناه في القدوة.
طيب، هذا هو المعلم الثاني باختصارٍ، مع أننا نتمنى أن نختصر حتى ندخل في الأسئلة، ونحاول أن نقف عند الوقت المحدد لنا، بإذن الله .
الإنسان المُنتج
المعلم الثالث حول الإنسان المُنتج، فمَن هو هذا الإنسان؟ مَن هو الإنسان المُنتج الذي نُريده في الأسرة وفي المجتمع وفي التعليم وفي المدرسة؟
ذكرنا مُواصفاته، ذكرنا تقريبًا خمس عشرة صفةً وسمةً للإنسان الذي نُريده، سأقف عند بعضها، وسنأخذ الشواهد من قصة عجوز بني إسرائيل التي ذكرناها قبل قليلٍ.
وقد ذكرنا من النقاط: أن الإنسان مفطورٌ على التوحيد، وأن المطلوب في المنتج الإنساني أن نُوجد شخصًا عابدًا لله، فلا يصلح أن يُوجد إنسانٌ، كائنًا مَن كان، مهندسًا مثلًا، أو غير ذلك، وهو ليس عابدًا لله، هذا خلاف منهج الله ، وخلاف بناء الإنسان والنفس البشرية والتربية.
فأين هذه القضية: أن يكون عابدًا لله ؟
هي قضية الفطرة التي تمثلت في العجوز، في مقابل تأثر الفطرة التي أثرت سلبًا في الأعرابي، فالأعرابي أثرت فيه البيئة التي يعيش فيها، فهو يعيش مع النوق والأعنز والماشية، هذا همُّه الأكبر.
هل تذكرون حين تحدثنا عن مركز "رؤية للدراسات الاجتماعية"، وذكرنا دراسة "الشباب: الأولويات والاهتمامات"، وقلنا لكم: إن الدراسة أظهرت أن رقم واحدٍ في الأولويات والاهتمامات كان هو الاهتمام بالجانب المادي، والاهتمام بالجانب الوظيفي؟
وحين تكون هذه هي الأولويات والاهتمامات فهذه مشكلةٌ كبيرةٌ، يعني: هذا رقم واحدٍ عندنا، وهو أهم ما يهتم به شبابنا، وقد كانت الدراسة من سن ست عشرة سنة إلى سن أربعةٍ وعشرين تقريبًا، وعلقنا على هذه القضية، وكون هذا واقعًا تفرضه الظروف المادية، ما نقول: ننساه، لكن من الصعب أن يكون هو الخيار رقم واحدٍ، والاهتمام رقم واحدٍ، والهم رقم واحدٍ؛ لذلك عندما يكون هذا الاهتمام رقم واحدٍ سننسى الهم الذي يأتي بعد ذلك، ويكون رقم واحدٍ هو الإيمان والجنة والآخرة.
فالأعرابي مع أنه سأل أمرًا حلالًا إلا أنه نسي الآخرة، نسي الجنة، وفاتته الفرصة التي كان بإمكانه أن يحوزها، والرسول وجَّهه واستنكر الأمر فقال: أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟!.
إذن هذا الإنسان هو الإنسان العابد الذي نريده.
إذا الطريق مثل ضوء النهار ما دلالة هذا؟
أن الاضطراب النفسي موجودٌ، وحين تكلمنا عن آخر إحصائيةٍ في نوفمبر 2011، والتي نُشرت عن المجتمع السعودي بخصوص عدد المُرتادين للعيادات النفسية، جاء فيها أن عددهم خمسمئة ألفٍ، نصف مليون، وهذا رقمٌ لم نصل إليه من قبل.
ونحن يا إخواني نُدرك أن هذا الرقم كبيرٌ، وهذا مُسجلٌ، اترك الجالس في بيته يُعاني منذ سنوات ولا يذهب إلى طبيبٍ نفسيٍّ، فأنتم تعرفون الموقف من الطب النفسي والأخصائيين النفسيين، هل هم محبوبون أم مذمومون؟ سؤالٌ لا يحتاج إلى إجابةٍ، فإجابته معروفةٌ.
ومع ذلك ذهب إلى العيادات النفسية نصف مليون في نوفمبر 2011، يعني: أقل من 12 شهرًا، يعني: حصيلة عشرة أشهر ونصف تقريبًا كانت نصف مليون!
هذا الاضطراب من أين جاء؟
جاء من هذا الإنسان الذي خالف العقيدة الصحيحة والمنهج الحق الذي يُريده الله والقيم السليمة؛ فحصل له اضطرابٌ.
هؤلاء كما قلنا -موسى وقومه- ضلُّوا الطريق لأنهم نسوا العهد والميثاق، فكيف بمَن ينسى عهد الله وميثاقه؟! وكيف بمَن ينسى صلاته؟! وكيف بمَن يغوص في هذه الحياة في خُزعبلاتٍ فكريةٍ أو سلوكيةٍ لا يرضاها الله ؟!
لذلك تزداد نسبة الاضطرابات النفسية شئنا أم أبينا، وقد قال أحد الأوروبيين: إن أوروبا لما تركت إلهها القديم واتَّجهت إلى إلهها الجديد بدأ الأوروبيون يعيشون في قلقٍ دائمٍ.
يقصد بالإله القديم الربّ عندهم على عقيدتهم المُنحرفة، وإلههم الجديد هو العلم الإلحادي النظري الذي أتى بعد الثورة الصناعية الفرنسية، والذي أنشأه ديكارد، والمتعلق بأن العلم لا علاقةَ له بالدين، وهي النظرة الإلحادية العلمانية.
أيضًا قلنا: إن الإنسان المُنتج الذي نُريده له إرادةٌ، وهذا واضحٌ جدًّا في القصة؛ فالرسول قال: أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟! يعني: لماذا تعوَّذ الرسول من العجز والكسل؟ لأنها عقبات الإرادة: العجز والكسل: أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟! ماذا تكونون مثلًا؟
فإرادة العجوز -وهي امرأةٌ ضعيفةٌ كبيرةٌ في السن- أقوى من إرادة الأعرابي، فالإنسان له إرادةٌ يستطيع من خلالها أن يُصحح الخطأ، والإرادة التي حصلت من موسى وبحثه وتقصيه من موقف العلماء جعلهم ينتقلون من مشكلتهم التي هم فيها إلى حلِّ هذه المشكلة فيخرجوا من التيه أو ضلال الطريق الذي كانوا فيه.
ومن الأشياء التي ذكرناها: أن هذا الإنسان مُكرَّمٌ، فكيف ينزل الرسول إلى الأعرابي؟! القائد الأول ينزل للأعرابي!
فيشعر الأعرابي بقيمته، والعجوز لا نعرف اسمها، ومع ذلك يُسطِّر التاريخ من خلال سنة النبي سيرتها، والرسول يقول: أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟! فالإنسان له كرامةٌ، له قدرٌ، له مكانةٌ، وينبغي أن تُعزز هذه القضية في بيوتنا وفي غيرها.
التواضع
قلنا أيضًا: إن الإنسان المنتج مُتواضعٌ، هذا أين ظهر؟ أين ظهر التواضع؟
ظهر في نزول الرسول على الأعرابي، وكلما قرأتُ هذه القصة في بعض المُنتديات ووصلت إلى هذا النص: "أتى النبي أعرابيًّا" أقول: مَن الذي جاء إلى الثاني؟ ماذا يقولون؟ الأعرابي جاء للنبي ، مع أنه خطأٌ لغةً: "أتى النبي أعرابيًّا" فاعل ومفعول به؛ لأنهم وضعوا في بالهم أن الأصل أن الأعرابي هو الذي يجيء إلى النبي ، لا أن النبي هو الذي ذهب إلى الأعرابي.
انظروا إلى قيمة التواضع، ونحن بأمس الحاجة إليه، هل تربينا وربينا أبناءنا والمجتمع على العطف وحبِّ الخير؟
المُنتج شخصٌ اجتماعيٌّ
هذا واضحٌ من نُصح النبي وتوجيهه حتى ينتقلوا من الاهتمامات التي كان عليها الأعرابي إلى الاهتمامات التي كانت عليها العجوز، والبعض يقول: ما لي دخلٌ بمثل هؤلاء!
فالشخص المنتج هو الذي يهتم بأن يرعى أبناءه والمجتمع؛ حتى الذي لا يعرفه يُوصِل له النَّصيحة ويُرشده ويبثّ له الخير؛ لأنه يشعر بالعطف تجاهه وحبِّ الخير له، كما كان النبي يشعر بكيانه، كما قلنا قبل قليلٍ: العالِم كان له دورٌ؛ ولذلك هم الذين حلوا المشكلة، فهم الذين ذكروا العهد والميثاق، والعجوز هي التي أصبحت النموذج الرائع، والرسول قال: أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟! فالإنسان المنتج هو شخصٌ اجتماعيٌّ، وهذا واضحٌ جدًّا.
الرسول في زيارته للأعرابي قال له: تعالَ عندنا، والرسول عيشته مع الصحابة، وموسى مع بني إسرائيل، ومع العلماء، كل هذه قضايا اجتماعيةٌ، فالإنسان الذي ينعزل هو شخصٌ غير سَويٍّ، ليس شخصًا سويًّا، ليس شخصًا مُستقرًّا بحالٍ من الأحوال.
المُنتج شخصٌ إيجابيٌّ
النقطة الأخيرة في هذا المعلم الثالث: أن الشخص المُنتج الذي نُريده لا بد أن يكون شخصًا إيجابيًّا، وهذا واضحٌ جدًّا من فعل الرسول في كل ما حصل: إيجابيته في ذهابه إلى الأعرابي، وطلبه منه أن يسأل حاجته حتى يُكافئه ، وإيجابيته في توجيه الأعرابي، مع أنه سأل حلالًا.
ونحن -للأسف الشديد- قد نجد من أبنائنا ومن قومنا ومن طلابنا ومن أصدقائنا مَن يفعل الحرام، ومع ذلك نسكت، ما لي دخلٌ! أو أخاف أن يزعل! ... إلى آخره، أما الرسول فهو شخصٌ إيجابيٌّ.
والعلماء ما سكتوا، تكلَّموا: قالوا: نحن نُحدِّثك، هذه إيجابيةٌ، فالشخص الإيجابي هو الذي يستطيع أن يكون له دورٌ مع نفسه، ودورٌ مع الآخرين: دورٌ مع زوجته، والزوجة لها دورٌ مع زوجها، ودور الآباء مع أبنائهم، ودورٌ في الأسرة، ودورٌ في المجتمع، وفي الحي، وفي المسجد، وفي الجامع، وفي المدرسة، وفي العمل، وفي الوظيفة، هذا الشخص الإيجابي.
المعلم الأخير: الحوافز والدوافع للسلوك
فالإنسان يعمل عملًا -وذكرنا هذا في اللقاءين الماضيين- من خلال دافعٍ يدفعه، والدوافع أنواع:
أولًا: الدافع العضوي المُرتبط بالجانب الفسيولوجي للإنسان، الذي هو الطعام، والشراب، والنوم، والراحة ... إلى آخره.
الجانب الثاني: الدنيوي، وينقسم إلى: ماديٍّ، ومعنويٍّ، إما شيءٌ ماديٌّ محسوسٌ، وإما شيءٌ معنويٌّ ليس محسوسًا، وإنما من خلال الاستطلاع والاستكشاف والكلام المعنوي، وما شابه ذلك.
ثالثًا: الدافع الأُخروي.
أين هذه الدوافع في قصة عجوز بني إسرائيل؟
موقف النبي لما قال للأعرابي: سَلْ حاجتك، هذا دافعٌ، لكن كم حافزٌ فيه؟ يحتمل حافزين، هما: الدنيوي، والأُخروي.
الأعرابي ماذا طلب؟
بسبب الوضع الذي هو فيه سأل الحافز الدنيوي، وترك الأُخروي، وكان بإمكانه أن يسأل الأُخروي.
هذا مثالٌ للدافعين، والنبي أعطاه الناقة والعنز جزمًا، وإن كانت القصة لم تذكر ذلك لقلة أهميته، فالموقف لا يستدعي الوقوف عند ذلك، ولكن جزمًا وقع ذلك لما قال الرسول له: سل حاجتك، وسأل حلالًا، فبالتأكيد أعطاه الرسول ما طلب، لكن القصة لم تذكر ذلك.
هذا نوعٌ من الدافع، أين الدافع الآخر؟ أين الشاهد؟
العجوز، أي دافعٍ عندها؟
الدافع الأُخروي، هذا الذي عندها، لا دافع عضويٌّ، ولا دافع دُنيويٌّ.
القضية رقم واحدٍ أنها ما قالت: أريد طعامًا، أو أريد مالًا، أو أريد أعنزًا، أو أريد ثناءً ومدحًا، لا، لا، أريد أن أكون معك في الجنة.
ثم لاحظ ماذا قالت العجوز؟ قالت عجبًا والله: لا والله لا أفعل حتى تُعطيني حُكمي يعني: أنها قدَّمت بالرفض مع القسم: حتى تُعطيني حكمي، فكيف جزمت؟! هذا شيءٌ عظيمٌ وكبيرٌ، فهذه وفَّقها الله إلى ذلك رحمها الله.
بهذه الصورة نكون قد انتهينا بتوفيق الله من تطبيقاتٍ سريعةٍ جدًّا على هذه القصة على المعالم.
الإجابة عن الأسئلة
بقيت عندنا مجموعةٌ من الأسئلة أريد أن أُجيب عنها كاملةً، والوقت المُتبقي معنا تقريبًا سبع عشرة دقيقة، أو ثماني عشرة دقيقة -إن شاء الله تعالى- ولعله يكفينا، بإذن الله .
كيف نُلبي الحاجات الأُخروية؟
يقول السائل: كيف نُلبي الحاجات الأُخروية؟ هل من وسائل؟
أولًا: أشكر الأخ السائل لكونه مُهتمًّا بالحاجات الأُخروية، وهذا يجب أن يكون رقم واحدٍ في اهتماماتنا، وينبغي أن نسأل أنفسنا هذا السؤال.
والحاجات وسائلها كثيرةٌ، ولكن أي مُثيرٍ إيجابيٍّ يربط الإنسان بالآخرة يدخل في الجواب عن هذا السؤال، فأي مثيرٍ يكون وسيلةً لربط الإنسان بالآخرة -يربط الزوج والزوجة والأسرة والأبناء والمجتمع- فهو يدخل في تلبية الحاجات.
أين نحن من الارتباط بكتاب الله ؟ سؤالٌ كبيرٌ، أين نحن من كتاب الله ؟ وكذا الارتباط بسنة النبي ، فهذه وسيلةٌ من الوسائل، يعني: نحتاج إلى قسطٍ في الأسرة وفي المجتمع؛ لأننا نخوض -بحمد الله- هذه الوقفات في سلسلةٍ عُنونت بـ"وقفاتٍ تربويةٍ ولمحاتٍ نفسيةٍ من الكتاب والسنة"، فنحن إذا ما أخذنا من الكتاب والسنة فلن نسعد، شئنا أم أبينا.
فمن وسائل تلبية الحاجات الأخروية: ربط الأجيال، وربط الأسرة، وربط الأفراد، وربط المجتمع بالقرآن، بالوحي، بالكتاب والسنة، بالسيرة، بالتراجم، بالقراءة عن الذين تعلَّقت قلوبهم بالآخرة، الذين ضحُّوا بدنياهم وملذَّاتهم في سبيل ما عند رب العالمين، هذا مهمٌّ جدًّا، والقصص في ذلك كثيرةٌ.
وعندما تقرأ في كتب السير تجد شيئًا مليئًا جدًّا، تقرأ في التراجم في "سير أعلام النبلاء"، وفي "صفة الصفوة"، وغيرها، فتجد شيئًا كثيرًا جدًّا، و"صور من حياة الصحابة"، و"صور من حياة التابعين" ستجد شيئًا كثيرًا نحن بأمس الحاجة إليه.
وللقدوة دورٌ مهمٌّ أيضًا، فعندما أربط نفسي وجيلي بشخصياتٍ تربويةٍ، حتى في الإعلام عندما تكون هناك شخصياتٌ كلامها رباني، نوراني، مربوطٌ بالآخرة، وأحرص على أن يُشاهد الأبناء والزوجة مثل هذه البرامج، فهذا أيضًا ربطٌ للجيل وللأبناء وللمجتمع بالقدوة، ولا شك أن هذا مهمٌّ جدًّا.
وللصُّحبة دورٌ مهمٌّ، فالطيور على أشكالها تقع، والإنسان كلما كان في بيئةٍ عندها عنايةٌ بالجانب الأخروي كان ذلك أفضل، فإذا كانت الصحبة كبيرةً: صحبة النساء بعضهنَّ مع بعضٍ، وصحبة الشباب، وصحبة الأطفال، سيكون عند هؤلاء عنايةٌ بالجانب الأخروي، وجزءٌ من اهتماماتهم، هذا لا شكَّ.
وعندنا اليوم تقنيةٌ وفَّرت أشياء كثيرةً جدًّا، تستطيع من خلالها أن تُذكر الناس بالآخرة، فتُذكرهم بالجنة والنار، وتُذكرهم بالخيرات والأجور العظيمة بعد التحقق مما جاء عن النبي ، كل هذه من الأشياء التي تُساعد في تلبية الحاجات الأخروية.
ولا بد من إشغال وقت الفراغ، واستثمار التقنية كما قلنا، والتركيز على فضائل الأمور وأجورها، وقراءة الفضائل: فضائل الصَّدقة، وفضائل صلة الرحم، وبر الوالدين، وإكرام الضيف، وربط النفس بالأجور، هذا مما يُلبي الحاجات الأخروية، والقراءة في الرقائق في "صحيح البخاري" وغيره من كتب السنة، ففيها أحاديث رائعةٌ جدًّا وواضحةٌ وبينةٌ، وعندما يكون للأسرة قسطٌ من الاطلاع على ذلك، وللشخص قسطٌ من الاطلاع، ويتعلم الناس هذه الرقائق، فلا شكَّ أن هذا مهمٌّ جدًّا.
أيضًا عبادة السر والخفاء مهمةٌ جدًّا، فعندما لا يعلم أحدٌ في هذا العالم عنك إلا رب العالمين: بركعاتٍ تقوم بها في الليل أو في النهار، أو صومٍ، أو صدقةٍ، أو عمل برٍّ، أو إحسانٍ إلى مسكينٍ، ما أحد يدري عنك، والقصص في ذلك عظيمةٌ جدًّا، فهناك رجالاتٌ من السابقين ومن اللاحقين.
يذكرون عن عمر بن الخطاب قصته مع المرأة وذهابه إلى المساكين، وكذلك أبو بكر الصديق ، والمساكين لا يعرفون مَن هؤلاء، وهم خلفاء!
وكذلك كان علماؤنا ممن توفاهم الله من المشايخ الكبار: كابن جبرين، فعندما يموتون تنكشف أشياء وتظهر أمورٌ، ولا تدري أن هذا العالم هو الذي كان يتجول على الأُسَر، وفقدته تلك الأُسَر بعد موته، ما درى عنه أحدٌ، فعبادة الخفاء والسر تُساعد على هذا الجانب.
كيف يُحافظ الإنسان على إيمانه؟
هنا سؤالٌ قريبٌ من السؤال السابق: كيف يُحافظ الإنسان على إيمانه؟ وذكر كلامًا بعد ذلك، يعني: يكفي هذا السؤال، وهذا العنوان.
والإجابة هي نفس الإجابة السابقة، لكن أُضيف عليها هنا في هذا السؤال؛ لأنه يبدو أن هناك شيئًا من العقبات، فما فهمتُ سؤاله الثاني، وقد قرأتُه أكثر من مرةٍ، لكن عمومًا هذا العنوان يكفي: شخصٌ يريد أن يُحافظ على إيمانه، والإجابة ما ذكرناه سابقًا، ونؤكد على: ألا وإن في الجسد مُضْغَةً إذا صلحت صلح الجسدُ كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله[3]أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599).، فلا بد من العناية بالقلوب وأعمال القلوب.
ومما نأسف له مثلًا: أن يكون تعامُلنا مع كتاب الله على أنه شيءٌ ظاهريٌّ شكليٌّ، لكنه ليس بمثابة تعظيم القلب، فنحتاج أن نُربي أنفسنا وأجيالنا وأُسَرنا على: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32] يعني: هذه المُضغة والعناية بها من أعمال القلوب.
النقطة الثانية: التخلية والتحلية: وقد أشرنا إلى ذلك سابقًا، فلا بد أن تُبعد نفسك عن أي شيءٍ يُؤثر في الإيمان سلبًا، وأي مُثيرٍ يُقوي الإيمان إيجابًا تأتي به، وتحاول فيه.
النقطة الأخيرة: إن الإيمان ليَخْلَق كما يَخْلَق الثوب[4]أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (84)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1590).، يبلى كما يبلى الثوب، كما قال النبي ، إذن لا بد من تجديد الإيمان، لا تكتفِ بالرتابة التي أنت عليها، تقول: الحمد لله أُصلي الصلوات الخمس. يا أخي، زِدْ، الله يُعطيك العافية، ما أقول: زِدْ في الفرائض، ولكن زِدْ في قضية التَّبكير للصلاة، زِدْ في السنن الرواتب، زِدْ في أعمال البر والخير؛ ولذلك قال الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا [النساء:136].
الابتعاث إلى الخارج
طيب، سؤالٌ ثالثٌ: أحد أبنائي يضغط عليَّ من أجل الابتعاث إلى الخارج، فما التَّصرف السَّليم؟
هذا السؤال وجدتُه عند كثيرٍ من الأُسَر، وبدأت تزداد الحاجةُ إلى النظر فيه والتوجيه بشكلٍ كبيرٍ جدًّا، وقد أصبح الابتعاث اليوم عند البعض (موضة)، ونحن من قبل كنا نقول مثلًا: واحدٌ عنده شغَّالةٌ، وأسرةٌ ثانيةٌ تأتي بشغَّالتين من أجل أن تكون أحسن، وصار هذا من الأشياء التي تتنافس فيها بعض الأُسَر، فيقول أحدهم: الحمد لله ولدي مُبتعثٌ إلى أمريكا، أو كندا، أو بريطانيا، أو استراليا، ... إلى آخره!
ووجود هذا الشعور خطيرٌ، وقد صار عند البعض (موضة) وغايةً، فلا بد من ضبط القضية فكريًّا وسلوكيًّا وأخلاقيًّا وأكاديميًّا وتربويًّا، لا بد من ضبطها، وأهم مَن يضبطها هي الأُسَر التي تتحمل المسؤولية أمام الله .
وسأذكر في هذا الموضوع قضيتين رئيستين:
الموضوع الشرعي، ولستُ أنا صاحبه، لكن أنقل من كلام العلماء.
والموضوع التربوي والنفسي والاجتماعي.
الجانب الشرعي
أما الموضوع الشرعي فالعلماء تكلَّموا -منهم الشيخ ابن عثيمين وغيره- عن الشروط الثلاثة التي يجوز معها الابتعاث إلى الخارج، وخاصةً إلى بلاد الكفر، أو البلاد التي يظهر فيها الفجور والفسق، حتى لو لم تكن بلاد كفرٍ:
- أن يكون لديه العلمُ الذي يدفع الشبهات.
- أن يكون لديه الإيمان الذي يدفع الشبهات.
- أن يكون في تخصصٍ تحتاج إليه البلد، وليس مُتوفرًا في البلد.
هذه الشروط الثلاثة التي ذكرها الشيخ ابن عثيمين -رحمة الله عليه- وغيره، فلا بد أن نُراعي هذه الشروط في قضية الابتعاث المتعلق بأبنائنا، هذا الجانب الشرعي.
تقول: الشبهات! أقول لك: نعم، أنا سألتُ أحد الأقارب المُبتعثين إلى بريطانيا، قلتُ له: هل تعرضتم إلى جانبٍ متعلقٍ بالعقائد؟ قال: في المعهد الذي نحن فيه يُوزع الإنجيل، وفي الشارع أحد كبار السن أعطاني الكتاب المُقدس.
وسألتُ واحدًا آخر أعرفه في أمريكا، فقال: ضرب علينا أحد المُنصرين الباب، فأعطانا مجلةً، تبين أنها مجلةٌ نصرانيةٌ، وقال لنا: متى ما انتهيتم منها سلِّموها لزملائكم الآخرين.
إذن هناك تعرُّضٌ لهذه القضايا وأمثالها من الناحية الفكرية والعقدية.
طيب، من الممكن أن يكون ولدي وولدك في حمايةٍ لزامًا، ألم نقل: إن الرسول حذَّر من ذلك قائلًا: أمُتَهَوِّكون كما تهوَّكت اليهود والنصارى؟![5]أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (175)، وحسنه الألباني في "مشكاة المصابيح" (177).، قال ذلك لعمر بن الخطاب لما قال له: إنا نقرأ أحاديث تُعجبنا في التوراة، أفلا نكتبها يا رسول الله؟ فقال: أمُتَهَوِّكون كما تهوَّكت اليهود والنصارى؟! هذه الشبهات.
أما الشهوات فحدِّث ولا حرج، وتلك البلاد مُنفتحةٌ في هذا الجانب بلا شكٍّ ولا ريبٍ.
وأما التخصص فأذكر أحد الطلاب الذين عملت لهم إجراءات في أحد الجوانب في مُقابلاتٍ معينةٍ، وفي الميول وما يتعلق بها، ... إلى آخره، وهو رجلٌ متميزٌ، وقُبِلَ في إحدى الجامعات المرموقة عندنا في المملكة في الدفعة الأولى، والدرجة عنده مرتفعةٌ والحمد لله، ثم تفاجأتُ بعد شهرٍ أنه حُذِفَ، يعني: سحب ملفَّه وذهب إلى إحدى الجامعات الأوروبية، لماذا هذا الأمر؟
أنا أقول له: لماذا تفعل هذا الفعل؟ وأقول لأسرته: لماذا تُوافقون على مثل هذا الأمر؟
هذه الأمثلة التي ذكرتها قبل قليلٍ توظيفٌ للجوانب الشرعية التي ذكرها بعض العلماء.
الجانب التربوي والنفسي والاجتماعي
لا شك في أثر ذلك على الجانب التربوي، وعلى الجانب النفسي، وعلى الاجتماعي أيضًا، شئنا أم أبينا، كما أن له أثرًا على الجانب العقدي، والجانب الأخلاقي، والجانب الشرعي الذي ذكرناه قبل قليلٍ.
يعني أنا أقول: يُضبط هذا الأمر من خلال ثلاثة ضوابط:
- يُبتعث بعد (البكالوريوس).
- يُبتعث بعد الزواج.
- يُبتعث الذكر، ولا نُضحِّي بالأنثى.
هذا الذي أراه في الجوانب التربوية والنفسية والاجتماعية بعد الضوابط الشرعية التي ذكرناها قبل قليلٍ لأهل العلم، أنا ناقلٌ لكلام أهل العلم.
أما ما يتعلق بالابتعاث بعد الثانوية فهذا خطيرٌ جدًّا.
أعرف أحد الأشخاص ولده ابتُعث بعد الثانوية، فسألته قريبًا وقلتُ: بشِّر عنه. قال: له أربع سنواتٍ مُبتعثٌ. قال: والله كنتُ أظنه في السنة الثالثة في (البكالوريوس)، والآن علمتُ أنه فقط انتهى قريبًا من اللغة الإنجليزية، يعني: الذي كان يريد أن ينتهي منه في سنةٍ على الأكثر -وهو المُفترض- استغرق أربع سنواتٍ، وأبوه ما يدري! فقلتُ له: كم مرَّ عليه ولم يأتِ عندكم هنا؟ قال: سنتان. قلت: الحق عليه! الحق عليه! مُصيبةٌ يا أخي.
وقد كلمتُ قبل أيامٍ أحد الزملاء المُبتعثين من الكلية إلى أمريكا، فقال: والله طلاب المرحلة الثانوية أوضاعهم سيئةٌ جدًّا في عدم الانضباط في الدراسة، وفي اللهو، وفي العبث.
هناك مشكلةٌ يا جماعة، هل تدرون لماذا؟
الذي يُدرك هذه المرحلة من الناحية النفسية ومن ناحية الحاجات يعلم هذه القضية.
لا بد أن ننتبه، فهل نُساوي خريج الثانوية بخريج (البكالوريوس)؟! وهل نُساوي بين طالبٍ عازبٍ وطالبٍ مُتزوجٍ؟! وهل نُساوي بين الذكر والأنثى؟! يعني: أنا كربِّ أسرةٍ يمكن أن أقول للبنت: اذهبي، لكن هذا ليس صحيحًا.
أحد الأشخاص يذكر عن شبابٍ في المرحلة الثانوية عاش معهم، ورأى منهم في السكن الشيء الذي لا أستطيع أن أقوله في هذا اللقاء، وهم جاءوا لدراسة تخصصٍ في جامعةٍ مرموقةٍ عالميًّا، وهو تخصصٌ نادرٌ، وأسلوب الجامعة أسلوبٌ عالميٌّ، خاصةً في هذا التخصص؛ ولذلك 50% من الذين درسوا فيها من زملائه تسربوا من الدراسة ورجعوا.
أنا أعرف أننا لو ضبطنا هذه المعايير الأسرية للابتعاث: شرعية، وتربوية، ونفسية، واجتماعية؛ سنفتخر بأناسٍ يُبتعثون فيحملون رسالةً شريفةً، ليس فقط هنا، حتى وهم هناك يحملون الرسالة الشريفة، وبهذه الصورة تكون القضية أفضل، أما أن تكون القضية بتلك الصورة فأُنبه الأُسَر إلى مثل هذا الأمر، فبعد (البكالوريوس) يكون مُتزوجًا، وليس الذكر كالأنثى.
لا بد أن نُراجع أنفسنا
لماذا لا تُؤثر هذه الدورات النظرية على الإنسان في تطبيق ما يسمع في الواقع الاجتماعي؟
أنا أقول: هناك خللٌ فينا يا إخواني، كما قال الشاعر:
نعيب زماننا والعيب فينا | وما لزماننا عيبٌ سوانا[6]"عيون الأخبار" لابن قتيبة (2/ 284). |
والله قال: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165].
فلا بد أن نسمع كثيرًا من الخُطَب، ومن اللقاءات، وأنا واحدٌ منكم وأقول: علينا أن نُراجع أنفسنا: لماذا لا نُطبق الكلام الذي ذكرناه في موضوع التطبيق والمنهج التربوي؟ كل ما تعلمناه ماذا نفعل به؟ هل نُطبقه؟
هل تذكرون ما قلناه في قضية القدوة وأهميتها؟ فقد قلنا: لا بد أن نُطبق ما نأخذه ولو كان قليلًا، يقول أبو عبدالرحمن السلمي : "إن كنا لا نتجاوز العشر آياتٍ حتى نتعلم ما فيها، فتعلمنا العلم والعمل"[7]"سير أعلام النبلاء" للذهبي (5/ 154)..
لماذا لا تكون هناك دوراتٌ تربويةٌ، خاصةً للشباب بمُختلف مراحلهم العُمرية؟ توجد، ولكنها قليلةٌ، والشباب يحتاجون إلى محاضن تحتوي دوراتٍ.
نحن ننتظر من مراكز الأحياء، ومن الجهات التعليمية، ومن القطاع الخاص، ومن القطاع الحكومي، ومن القطاع الأهلي الخيري أن يفتحوا مجالاتٍ للشباب تشمل المجالات الثقافية، والاجتماعية، والترفيهية، والرياضية؛ حتى تأويهم في ظل منظومةٍ توجيهيةٍ مُنضبطةٍ، كم هم بحاجةٍ إلى ذلك، فالحاجة كبيرةٌ إلى أن يأخذوا تربيةً شموليةً تكامُليةً مُتوازنةً كما ذكرنا سابقًا.
والدورات ليست غايةً، الدورات وسيلةٌ، وليست القضية أن نأخذ دوراتٍ وانتهينا، لا، الدورات وسيلةٌ من ضمن وسائل أخرى.
الرقابة الذاتية
هل الرقابة الذاتية موجودةٌ؟ وإن لم تكن موجودةً فكيف نُوجدها؟
هذا السؤال أنا أسأله لنفسي، واسأله أنت لنفسك أخي الكريم صاحب هذا السؤال: هل الرقابة الذاتية موجودةٌ عندي وعندك؟ وكل واحدٍ أدرى بنفسه، هل يُراقب اللهَ أم لا؟
لذلك لا بد من قضية الحس الإيماني، والخوف من الله، ومحبة الله، ورجاء ما عند الله ، والقراءة في سِيَر السلف الذين كان لديهم هذا الحس، واختبار النفس في هذا الجانب في محكَّات ميل النفس للهوى والمعصية، ولا أحد ينظر في الخلوات، هذا مما يُثبت هل المُراقبة موجودةٌ، أو ليست موجودةً؟ والوقوف عند الوعد والوعيد مع الله ، ما وعد به الناس من خيراتٍ وأجورٍ، وما توعد من عذابٍ ووعيدٍ، والوقوف عند هذا ممن يلتزم أو ممن يُخالف.
كيف نتغلب على الشهوات؟
السؤال قبل الأخير: كيف نتغلب على الشهوات؟
سؤالٌ كبيرٌ وضخمٌ ومهمٌّ، وفيه مُعاناةٌ سابقةٌ، واليوم لما قربت وسائل الشهوات وانتشرت أصبح السؤال عن هذا مهمًّا جدًّا: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2]، لا بد أن نضع هذه القضية في أذهاننا، فهي قاعدةٌ لنا ولأُسَرنا ولأبنائنا: الذي يتقي الله يجعل الله له مخرجًا، فهو يريد أن يتخلص من الشهوات، لكن نفسه تميل إليها، فيتقي الله ، ويلحق هذه النفس بالثقة، فالله يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، فلا بد من المُجاهدة: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم [الرعد:11]، لا بد من قضية تغيير النفس أولًا، وكما قال الشاعر:
ابدأ بنفسك فانهها عن غيِّها | فإذا انتهت عنه فأنت حكيم[8]"البيان والتبيين" للجاحظ (1/ 173). |
يا إخواني، لذَّة الشهوات غير لذَّة الطاعات، لذة الشهوات تكون آنيَّةً، في وقت الشهوة، ثم يعقبها الضيق والحسرة: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:124]، وقد تكلمنا عن هذا سابقًا، ولذَّة الطاعات فيها ثِقَلٌ ومُجاهدةٌ في البداية، لكن بعد ذلك السعادة: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].
وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:168]، فالمعصية أخي الكريم تُنادي أختها، يعني أنت تقول: والله معصيةٌ، شهوةٌ. وقد ترى أنها بسيطةٌ، والله يغفرها، لكنها تجر أخواتها، تُنادي المعاصي.
ولا بد أن تذكر الموت الذي قد يأتي فجأةً، كما قال الشاعر:
الموت يأتي بغتةً | والقبر صندوق العمل[9]"صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال" للقاضي حسين المهدي (1/ 191). |
فقد يأتي في لحظةٍ أنت فيها على معصيةٍ.
وتذكر أجر الصابر عن المعصية مع حبِّه لها، فهو أجرٌ عظيمٌ جدًّا: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [الحجرات:3]، كما قال عمر: يُؤجرون أكثر من الذي يترك المعصية لكن نفسه لا تميل إليها[10]انظر: "الفوائد" لابن القيم (ص110)..
ويحسُن بالفرد المسلم والأسرة المسلمة أن يقرأوا عن آثار المعصية في كتب ابن القيم، مثل: كتاب "الجواب الكافي لمَن سأل عن الدواء الشافي"، وكتاب "إغاثة اللهفان"، وغيرهما، فهي كتبٌ رائعةٌ جدًّا من الناحية التربوية والسلوكية، وتحمي من المعصية.
وقصة كتاب "الجواب الكافي لمَن سأل عن الدواء الشافي" أن ابن القيم رحمه الله سُئل سؤالًا من شخصٍ مُبتلًى بمعصيةٍ، فأجاب عنه بهذا الكتاب الفذِّ العظيم، ونحن بأمس الحاجة لمثل ذلك.
الاشتغال بالطاعات والابتعاد عن المُثيرات
من الأمور التي تُعين على الابتعاد عن المعاصي: أن يشغل الواحد منا نفسه بالطاعات والوظائف المُباحة في أمور الدنيا، والتي تجعله لا يذكر الشهوات، وهذا مهمٌّ جدًّا.
ولا بد من الابتعاد عن المُثيرات ومواطن الاختلاط في العمل، والسوق، وغير ذلك، وكل واحدٍ منا أدرى بنفسه، ويعرف كيف يكون الابتعاد عن أماكن الإثارة في الإعلام، وكذا أصدقاء السُّوء، وعند الجلوس وحيدًا؟
كل واحدٍ منا أدرى بنفسه: هل يضبط نفسه أم لا؟ هل يستطيع أن يغضَّ البصر أم لا؟ فلا بد أن نكون صُرحاء مع أنفسنا.
والبيئة الصالحة لها أثرها بلا شكٍّ، فكلما كانت البيئة صالحةً كلما كانت بعيدةً عن الشهوات.
ولا بد أيضًا من تعديل الفكرة الخاطئة التي تقول: أُذنب وأتوب، وأُذنب وأتوب، فقد تُذنب وتموت ولا تتوب، صحيحٌ أن الواحد يُذنب ويتوب، لكن مَن الذي يضمن؟!
وينبغي تحريك المشاعر في الاتجاه الصحيح: مَن ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه[11]أخرجه السخاوي في "المقاصد الحسنة" برقم (1093)، ورواه أحمد عن بعض الصحابة مرفوعًا بلفظ: إنك لن تدع شيئًا اتِّقاء … Continue reading، فتترك الشيء لله، ويكون دافعك في غضِّ البصر وترك الربا والأسهم الربوية هو اتِّقاء الله ، فهنا الله سيُعوِّضك خيرًا من ذلك، سيُعوِّضك نورًا في قلبك حينما تترك المعصية من أجله، وسيجعلك تشعر بالسعادة.
وعلى الإنسان أن يضبط ذلك السلوك؛ فلا يذهب إلى أماكن فيها مشاكل، ولا إلى أصدقاء السوء، ولا إلى أشياء مُعينةٍ، فلا بد أن يضبط سلوكه في هذه القضايا.
كيف نُجيب عن أسئلة الطفل الغريبة؟
السؤال الأخير -وهو سؤالٌ لطيفٌ-: يسألني ابني ذو الأربع سنوات أسئلةً عن الله ، مثلًا: هل الله يأكل ويشرب؟ هل له شعرٌ؟ ومثل هذه الأسئلة، سبحان الله وتعالى عن كل نقيصةٍ، فكيف أُجيبه؟ كيف أتصرف معه؟ وجزاكم الله خيرًا.
أولًا: أريد أن أقول للسائل أو السائلة: إن هذا سؤالٌ طبيعيٌّ، ويحصل، فالطفل في مثل هذه المراحل العمرية ينمو الخيال عنده، ولا حدَّ لخياله، فإدراكه لا حدودَ له في قضية الذات الإلهية، وما شابه ذلك، فمن الطبيعي أن ترد مثل هذه الأسئلة على ذهنه، هذه النقطة الأولى.
لكن ما النقطة النهائية؟
ألا نقف عند هذا الكلام، هناك كلامٌ بعده، كما يقول الشاعر:
ولا تكُ فيها مُفرطًا أو مُفرطًا | كلا طرفي قصد الأمور ذميم[12]"خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب" للبغدادي (2/ 123). |
يعني: عندنا الآن طرفان ووسطٌ، ما الطرفان في هذه النقطة؟
أن تأتيه بجوابٍ تُخالف فيه الحق، وهذا ما يجوز، مثلًا: تقول شيئًا خاطئًا في حقِّ الله، أو تُعطيه معلومةً خاطئةً تريد أن تصرفه عنها، حتى لا ينطق بها في حقِّ الله، فالمقصود الإجابة بغير حقٍّ، هذا طرفٌ.
الطرف الثاني: السكوت، وهو يسأل، طيب، ما الحل؟
الحل أن تُجيبه بطريقةٍ ذكيةٍ، تُجيب بحقٍّ، وبتدرجٍ، مع حفظ قدر الله ، فتُجيب بإجاباتٍ مُعينةٍ، فالله عظيمٌ، وتصرف ذهنَه لشيءٍ آخر.
وأيضًا الشيء الذي لا يجوز لله تقول له: الله ما يجوز عليه هذا يا ولدي، فالله خلقنا كلنا، وهو أعظم منا جميعًا. وهكذا ... إلى آخره.
فتُثبت لله ما أثبته لنفسه، وما أثبته له الرسول ، وتنفي ما نفاه عن نفسه، ونفاه عنه الرسول ، فتُعطي الحقَّ بتدرجٍ، مع حفظ قدر الله .
وإذا كنتَ لا تعرف الصواب في هذا الموضوع، أو لا تريد أن تدخل في قضيةٍ معينةٍ، فاصرفه عن القضية، والطفل في عمر أربع سنوات من أسهل ما يكون أن تصرفه.
يعني: لو قلتَ له: انظر إلى هذه اللمبة، يا سلام! ماذا يعمل الطفل؟ هل سيقول: لا تتهرب مني، تعالَ جاوبني عن السؤال؟ نادرًا ما يقول هذا، ستجده ينظر إلى فوق، إي والله، وتجعله ينشغل عن هذه القضية.
أو يمكن أن تُعطيه شيئًا يُحبه مثلًا، فينصرف عن السؤال، فتنتهي القضية، لكن لو رأيته رجع فمعنى ذلك أن القضية عنده تحتاج إلى إجابةٍ.
النقطة الأخيرة: لا بد من حفظه من المُثيرات الإعلامية؛ لأن الطفل قد يقول هذا الكلام أو مثله وهو ما يدري عنه، وليس عنده إدراكٌ له، لكنه سمعه من الإعلام، أو رآه في الرسوم المُتحركة، وربما من الشارع، ... إلى آخره.
فيجب أن يُنتبه لضبط هذه القضية، وكم من أفكارٍ وسلوكياتٍ تلوَّثت -للأسف الشديد- من خلال تقديم هذه الطبخات غير السوية لأبنائنا! فيجب أن نحفظهم من ذلك بكفِّهم عن مثل هذه الأشياء التي لا يرضاها الله .
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعلنا وإياكم من السُّعداء في الدنيا والآخرة، وأن يجعل أُسرنا وأهلينا وأزواجنا وذُرياتنا من السُّعداء، وأن يُوفقنا وإياكم والمسلمين جميعًا لكل خيرٍ، وأن يجعل هذه الوقفات وهذه اللَّمحات في ميزان حسنات الجميع، وأن يجعل هذه السلسلة المُباركة نافعةً لنا ولكم، وأن ينفع بنا وبكم.
كما أسأل الله أن ينصر دينه، ويُعلي كلمته، وأن يُعين إخواننا في سوريا وفي كل مكانٍ، وأن يُوفقنا وإياكم لكل خيرٍ، وأن يُعيننا وإياكم على العلم النافع والعمل الصالح.
وصلى الله وسلم على محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.
↑1 | أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (723)، وصححه الألباني لغيره في "التعليقات الحسان" (721). |
---|---|
↑2 | أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599). |
↑3 | أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599). |
↑4 | أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (84)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1590). |
↑5 | أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (175)، وحسنه الألباني في "مشكاة المصابيح" (177). |
↑6 | "عيون الأخبار" لابن قتيبة (2/ 284). |
↑7 | "سير أعلام النبلاء" للذهبي (5/ 154). |
↑8 | "البيان والتبيين" للجاحظ (1/ 173). |
↑9 | "صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال" للقاضي حسين المهدي (1/ 191). |
↑10 | انظر: "الفوائد" لابن القيم (ص110). |
↑11 | أخرجه السخاوي في "المقاصد الحسنة" برقم (1093)، ورواه أحمد عن بعض الصحابة مرفوعًا بلفظ: إنك لن تدع شيئًا اتِّقاء الله إلا أعطاك الله خيرًا منه، برقم (20739)، وقال مُحقق "المسند": إسناده صحيحٌ. |
↑12 | "خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب" للبغدادي (2/ 123). |