السؤال
كيف نجعل أبناءنا يلتزمون بالدين والصلاة وهم مُراهقون ومشغولون بالتقنية؟
الجواب
الإنسان يشرُف ويعتزّ حينما يجد من الآباء والأمهات الحرص على أبنائهم، ومحاولة وقايتهم من الشرور، وبنائهم البناء الإيجابي. وهنا قضية مهمة جدًّا: لو اعتنينا في التربية بالجانب البنائي: مشروع الأسرة البنائي، فإننا لا ننتظر المشكلة حتى تقع، وعندئذٍ نبحث عن علاجٍ لها.
ولذلك في مثل هذا السؤال نقول: كيف بنينا الجانب المتعلق بالالتزام بالدين والصلاة والحرص عليه؟ وكيف وقيناهم أيضًا من عكس ذلك؟ كيف بنيناهم إيجابيًّا فيما يتعلق بقضية التعامل مع التقنية بطريقةٍ سليمةٍ؟ وكيف نقيهم التعامل بطريقةٍ خاطئةٍ قبل أن يحصل علاجٌ؟ وكلما كانت الطريقة بهذا الأسلوب -أسلوب البناء وأسلوب الوقاية- ستُصبح بعد ذلك نسبة الوقوع في الخطأ أقلّ بلا شكٍّ.
فالذي نُعاني منه في مجتمعاتنا: أننا قد لا ننتبه إلا حينما تقع المشكلات، وعندئذٍ تتراكم علينا المشكلات بشكلٍ كبيرٍ جدًّا.
دعونا في مثل هذا السؤال نقف بعض الوقفات المهمة المتعلقة بالتعامل فيما يرتبط بالجانب التقني، وما يرد على هذا الجانب من تأثير فيما يرتبط بالالتزام بالدين وبالصلاة وهم في مثل هذه المرحلة العمرية: المراهقة، وهم مشغولون بهذه التقنية.
تريد هذه الأم ويريد هذا الأب أن يكون المراهق مُلتزمًا بالدين وبالصلاة، والمراهق أدعى لقضية الانشغال والإغواء، ودواعي النفس التي قد تأتي للجانب السلبي، والانشغال بهذه التقنية التي قد تُعيقه عن الارتقاء في الجانب الإيماني.
ولا يمكن أن نُجيب إجابةً واحدةً وتنتهي القضية في مثل هذه الجوانب، فمن المهم جدًّا في قضايانا عمومًا أن نُشخّص بطريقةٍ سليمةٍ، وعندئذٍ نُقدّم توجيهات بطريقةٍ سليمةٍ.
والنظرة الشمولية قضيةٌ مهمةٌ في قضايا التربية، يعني: عندما نأتي لمثل هذا الموضوع نحتاج إلى مجموعةٍ من التوصيات:
أولى هذه التوصيات بعد توفيق الله وعونه: دعاء الله لأبنائنا بالرعاية والاهتمام
والدعاء قضية عظيمة جدًّا، يعني: أنا أقول: سبحان الواحد الأحد! أحيانًا الواحد منا يلجأ إلى الله، ويكون مُضطرًّا: خوفًا من مرضٍ يقع عليه، أو على أبنائه وأهله وزوجته، أو حينما يُبتلى أحد أفراد العائلة بالمرض، فتجد أنه يكون مُضطرًّا لله بالدعاء، وهذا أمرٌ طيبٌ: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62].
لكن مَن منا يُمارس هذه القضية المتعلقة بدعاء الله كي يكون هو المعين لنا في قضية تربيتنا لأبنائنا على مثل هذه القضايا المتعلقة بجانب الدين والصلاة وهم في مثل هذه المرحلة الخطيرة، وكذلك مشغولون، وهم جيل التقنية؟ هذه قضية.
الثانية: الود والحزم
لا بد من علاقةٍ حميميةٍ بيننا وبين أبنائنا، هذا ودٌّ، ولا بد أن يكون أيضًا عندنا حزمٌ، فودٌّ بلا حزمٍ تكون الأمور معه مُنفلتةً، وحزمٌ بلا ودٍّ تكون القضية معه مرتبطةً بالقسوة والشدة؛ لذلك لا بد من ودٍّ يُلازمه الحزم، ومن حزمٍ يُلازمه الود.
وهذا الذي كان عليه النبي ، فمثلًا: حين يتعامل مع ابنته فاطمة، تدخل عليه فيقوم لها، ويُقبّل بين عينيها، ويأخذ بيدها، ويُرحِّب بها، ويُجلسها مكانه[1]أخرجه أبو داود (5217)، والترمذي (3872)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (4689).، وهو نفسه الذي يقول: لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعت يدها[2]أخرجه البخاري (3475)، و(6787)، ومسلم (1688)..
فالحزم نظامٌ منضبطٌ يُوجِد الهيبة والاحترام، والود علاقةٌ تُوجِد المحبة، وعندئذٍ تحصل الطاعة.
فهذه قضية مهمة جدًّا؛ لأننا نحتاجها في تعاملنا مع المراهقين، بل حتى قبل موضوع المراهقة في مرحلة الطفولة، ونحتاجها أيضًا فيما يتعلق بالتقنية؛ لتضبط التعامل مع التقنية بطريقةٍ سليمةٍ.
الثالثة: التربية الإيمانية
هذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، وهي هنا ترتبط بالتعامل مع التقنية في مثل هذه المرحلة، حتى يكون الإنسان قدوته في ذلك يوسف عليه السلام: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23]، مَعَاذَ اللَّهِ يعني: حينما يجعل الوقاية بينه وبين الحرام: ويلك لا تفتحه، إنك إن تفتحه تلجه[3]أخرجه أحمد في "المسند" (17634)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3887).، لا تفتح باب الحرام، فإنك إن فتحته تلج هذا الباب، وربما يصعب عليك أن تخرج بعدئذٍ.
لذلك لا بد من التربية الإيمانية التي يقول فيها الإنسان: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ، إني أخاف الله كما جاء في حديث السبعة الذين يُظلهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلّه[4]أخرجه البخاري (660)، و(1423)، ومسلم (1031)..
فوجود نظامٍ قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، وللدكتور خالد المنيف مقالةٌ جميلةٌ تجدونها عبر الشبكة العنكبوتية بعنوان: "في بيتنا قانون"، فنحن نسير في حياتنا المدنية بقوانين وأنظمة تضبط الحياة المدنية والاجتماعية، وغير ذلك من أمورٍ، والشركات والأجهزة الحكومية تسير بأنظمةٍ، هذا الأصل؛ لتتحقق الأهداف، وتحصل النتائج، كذلك البيوت في أمسِّ الحاجة إلى قضية النظام، وهذا له علاقة بقضية الحزم.
شغل أوقات المراهقين وتحميلهم المسؤولية
إن شغل أوقات المراهقين بما ينفعهم قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، فلا ينبغي أن تكون القضية عبارةً عن إمضاء أوقات الفراغ مع التقنية، بل لا بد أن يجد المراهق وقته مشغولًا بأشياء عديدةٍ متعلقةٍ بأمور الدين والدنيا، ووظائف في الأسرة، وأشياء أخرى هو مُكلَّفٌ بها، وخدمات اجتماعية.. إلى آخره، فكلما اتسعت دائرة الإشغال ضاقت دائرة الفراغ، وهذه قضيةٌ من القضايا المهمة.
ومن القضايا المُعينة للمراهق: تحميله المسؤولية؛ بحيث يشعر بقيمته ودوره، ويكون كذلك مُنتجًا، لا يكون فارغًا لا يشعر بدوره، وعندئذٍ يتحمل مسؤولية التعامل مع التقنية.
وتعليمه كيف يستثمر التقنية قضيةٌ مهمةٌ جدًّا، وأبناؤنا وأجيالنا يحتاجون إلى مثل هذا الأمر؛ فهم يحتاجونه من أهل الاختصاص من جهةٍ، وهؤلاء لهم دورٌ كبيرٌ وأهميةٌ بالغةٌ في أن تكون لديهم منتجاتٌ إيجابيةٌ.
وكذلك بعض الثقافات التي يمكن أن يُحصّلها الوالدان أو المربون من أجل أن يضعوا بين أيدي المراهقين كيفية التعامل مع التقنية واستثمارها بطريقةٍ جيدةٍ في أمورٍ علميةٍ، وفي أمورٍ تجاريةٍ، وفي أمورٍ شرعيةٍ، وفي أمورٍ خدميةٍ، وفي أمورٍ إيجابيةٍ، أيًّا كانت هذه القضية الإيجابية.
ولذلك لا بد من مراعاة هذه القضية في مرحلة المراهقة، وقبل مرحلة المراهقة، مع أهمية التعزيز، وأهمية الحرمان أيضًا في التعامل مع التقنية -خاصة في مرحلة الطفولة- حتى تنضبط القضية وتسير بطريقةٍ إيجابيةٍ وببيئةٍ إيجابيةٍ[5]8- لقاء مفتوح للرد على الاستشارات..