الحمد لله ربِّ العالمين، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
أسعدكم الله أعزائي المشاهدين والمشاهدات، لقاؤنا اليوم في برنامجكم "أُسس التربية" مع سعادة الدكتور خالد بن أحمد السعدي الضيف الدائم على هذا البرنامج.
وما زال الحديث معكم حول "محكات التعامل مع المُراهقين".
أهلًا وسهلًا بكم سعادة الدكتور خالد.
أعزائي المشاهدين والمشاهدات، تحدثنا في اللقاءات الماضية عن المحك العبادي، ثم أخذنا بعد ذلك المحك الأمني، ثم كان حديثنا في اللقاء الماضي عن محك الرُّفقة، وكان حديثًا شَيِّقًا ومُفيدًا.
واليوم سنتكلم عن محكٍّ آخر وجديدٍ، وهو محك الزواج، وقد تباينت الآراء حول موضوع الزواج: التَّبكير والتَّأخير، وأهمية الزواج بالنسبة للمُراهق، وهناك مُشاركاتٌ متنوعةٌ وردت إلينا في هذا الباب.
فمن المُشاركات التي وردت إلينا: هل الزواج المُبكر في مرحلة المُراهقة يُساعد في تجاوز المرحلة بنجاحٍ؟
ومن المشاركات الجميلة التي وردت إلينا أيضًا: نعم، تُستحب المُسارعة بالزواج للذكر والأنثى على السواء، فهذا وقايةٌ للنفس من الوقوع في براثن المعصية، وخاصةً في زمنٍ أصبحت فيه المُغريات والفتن لا حصرَ لها ولا عَدَّ.
وقال آخر: لا يُستحسن الزواج المبكر؛ لأن في سنِّ المُراهقة تكون المرأة غير جاهزةٍ لتحمل مسؤولية بيتٍ وأسرةٍ فيما بعد، وهي أصعب فترةٍ تمر بها الفتاة.
وقال آخر: أظن أن الزواج المبكر خاطئٌ، وذلك بالنسبة لمعايير ومقاييس هذا الزمن، فهذا الزمن فيه من التعقيدات والطلبات الشيء الكثير.
وآخر يُؤيد الزواج ويقول: يحتاج إلى خبرةٍ، والتعامل بينهما يكون مع الوقت، وخبرة الوالدين تدعم زواج المُراهقين وتُؤيده وتُساعده على النجاح.
وآخر يقول: نعم، ولكن ينبغي أن يكونوا مُؤهلين، وتجب التوعية الشديدة، وتحمل مسؤولية الأسرة.
أهلًا وسهلًا بك دكتور خالد بن أحمد السعدي في هذا اللقاء الذي يتجدد معكم حول محكات التعامل مع المُراهقين.
الضيف: حيَّاك الله أستاذ أنور، وبارك الله في الجميع.
المحاور: حديثنا اليوم يتواصل حول التعامل مع المُراهقين، ولعلك سعادة الدكتور سمعتَ آراء بعض الإخوة حول السؤال: هل الزواج المبكر في مرحلة المُراهقة يُساعد على تجاوز المرحلة بنجاحٍ؟
وقد تفاوتت الإجابات بين مُؤيدٍ ومُعارضٍ، فالمُؤيد أكَّد على أنها مسألةٌ ستُعين على النجاح، وذكروا ضوابط، منها: لا بد أن تكون هناك توعيةٌ ودعمٌ من الوالدين؛ لكي يتأقلم المُراهق مع مُتطلبات الزواج وواجباته وحقوقه.
وبعضهم رفض ذلك؛ لعدم التأهل، خاصةً بالنسبة للفتاة في هذا العمر للقيام بواجبات الأسرة.
وبعضهم لا يُؤيد؛ لأن الزمن اختلف، ومتطلبات الحياة اليوم أصبحت صعبةً.
لعلك يا دكتور في بداية الحديث عن محك الزواج نسمع منك توجيهًا وتعليقًا في بداية هذه الحلقة حول هذا الموضوع.
الضيف:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وأُصلي وأُسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: حياكم الله أيها الإخوة والأخوات، ونحن في الحلقة الثالثة حول المحكات الخاصة في التعامل مع المُراهقين.
وبين أيدينا محكٌّ يمكن أن نُعنونه بمحك الزواج، أو محك العفَّة.
ولعل مصطلح "محك العفة" قد يكون أكثر ظهورًا ووضوحًا، والزواج جزءٌ منه على أية حالٍ.
وإذا تأذن لي أستاذ أنور أن نُؤخر الأسئلة إلى المُداخلة التي سيُداخلنا بها أحد الفضلاء المُهتمين بهذا الموضوع، ثم نُعلق عليها.
وأتمنى إذا كان الأمر مُتيسرًا لكم أن تذكروا لنا نسبة الذين قالوا: نعم، ونسبة الذين قالوا: لا، فإن تيسر هذا إلى وقت المُداخلة يكون شيئًا طيبًا، حتى يتم التعليق عليها، فيكون الكلام أكثر نُضْجًا.
المحتوى
مفهوم المُراهق
كما قلنا: إن أصل الكلمة "رَهَقَ" أي: بلغ وشارف على البلوغ، وأصبح رجلًا بسبب نمو الهرمونات الجنسية لهذه المرحلة، وعندئذٍ يظهر شيءٌ جديدٌ في هذه المرحلة يرتبط بقضية الغريزة وضرورة إشباع هذا الجانب المُرتبط بالهرمونات الجنسية، وهذا أمرٌ فطريٌّ فطره الله عليه، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا يجب أن نأخذها بعين الاعتبار.
المحاور: نعم.
الضيف: وهذا الجانب بالذات فيه أمران:
الأول: إشباعٌ جسديٌّ عضويٌّ.
الثاني: إشباعٌ نفسيٌّ عاطفيٌّ.
ويشترك هذان الإشباعان في قضية العفة والزواج والاستعفاف بالدرجة الأولى، وما يرتبط بنمو الهرمونات الجنسية؛ ولذلك ينبغي أن ندرك هذه المرحلة فيما يتعلق بهذا الجانب.
والسؤال الذي أَثَرْتُموه -كما قلنا- سنُؤجل التعليق عليه إلى الأخير؛ حتى يكون أكثر نُضْجًا، وهو سؤالٌ في محله، وهو محل جدالٍ كبيرٍ، لكن دعونا الآن قبل أن نُعلق على نتيجة السؤال، وعلى السؤال التفاعلي المهم نسمع المُداخلة الكريمة ممن ربما يتبنى خلاف ما يتبناه الكثير من الأُسر والمجتمعات حول هذا الموضوع، وهو: كيف نستطيع فعلًا أن نتعامل عمومًا مع العفة والاستعفاف والزواج؟
وأول قضيةٍ -أخي أنور- نضعها في بالنا وأذهاننا، ولا بد ألا تغيب عنا هي: أن الله وجَّهنا إلى العفة والاستعفاف إذا لم نستطع أن نتزوج.
المحاور: نعم.
الضيف: فقال تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا [النور:33]، فالإنسان إذا لم يستطع أن يجد نكاحًا -ذكرًا أو أنثى- فلا بد من طلب العفة.
ولاحظ العبارة القرآنية: وَلْيَسْتَعْفِفِ أي: يسعى إلى العفة، ويقوم بالمُجاهدة في العفة، فيُجاهد نفسه، ويحاول أن يُثبت الجدارة في هذه القضية، ومطلوبٌ منه ذلك، فإذا جاهد نفسه سلك المسلك الآمن في الدنيا والآخرة، وإن لم يُجاهد نفسه وقع، وإن وقع عليه أن يعود ويتوب إلى الله ، ويُجاهد نفسه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، هذا هو منهج العفة والاستعفاف، وهو منهجٌ يجب ألا يُغادرنا ذكورًا أو إناثًا.
المحاور: إذن يا دكتور موضوع العفة موضوعٌ كبيرٌ، والزواج جزءٌ منه، أليس كذلك؟
الضيف: نعم؛ ولذلك أنا قلتُ: لا بد أن نُسمي هذا المحك: محك العفة.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: لكن الزواج هو المفتاح الكبير لموضوع العفة والاستعفاف.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: ولذلك دعنا نُسميه: محك العفة؛ لأن الزواج جزءٌ من العفة.
وأنا -أستاذي الكريم- قبل أن أُناقش السؤال الذي أَثَرْتُموه في هذه الحلقة أريد أن أُناقش المنهجية؛ لأنها مهمةٌ لنا جميعًا: للأُسر، والآباء، والأمهات، والمُراهقين، والمُراهقات.
وهذا أمرٌ قد ابتلانا الله جميعًا به، ولا شكَّ أن هناك فروقًا فرديةً، وهذه قضيةٌ مهمةٌ جدًّا.
ولا نتصور أن كل المُراهقين على وتيرةٍ واحدةٍ، وهذا بسبب درجة الغريزة والهرمونات التي تنمو لديه، والكل عنده هذه الهرمونات، لكنها تختلف من شخصٍ إلى آخر، لكن في الآخر الجميع عنده هذه الغريزة، والشخص الطبيعي هو الذي لديه هذا البروز الجديد للهرمونات الجنسية، والحاجة لإشباع هذه الهرمونات، لكن تختلف قوةً وضعفًا من شخصٍ لآخر، وهذه أيضًا مُرتبطةٌ بابتلاء الله للأشخاص.
وأما الشخص الآخر الذي ليس عنده هذا الأمر -وهذا أمرٌ نادرٌ- فهذا ليس حكمه كحكم الشخص الطبيعي، وهذا لا نقاشَ فيه، لكن نقاشنا في الشخص الطبيعي في مرحلة المُراهقة التي يبرز فيها هذا النمو المُتعلق بجانب الهرمونات الجنسية، وعندئذٍ يحتاج إلى إشباعها، وكما قلنا: تظهر فيها قضيتان.
المحاور: نعم.
الضيف: الإشباع العضوي الجسدي، وهذا أمرٌ فطريٌّ.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: والإشباع النفسي، وهو نتيجةٌ لهذا الإشباع؛ ولذلك ينبغي أن نعرف منهج العفة والاستعفاف، فالله حثَّنا على أن نسلك هذا المنهج، ومطلوبٌ منا أن نسأل سؤالًا كبيرًا هو: ما منهج العفة والاستعفاف؟ وكيف نستطيع أن نصل إليه؟ وكيف نُعلِّم ونُربي أبناءنا على هذا الأمر؟
فالله يقول: وَلْيَسْتَعْفِفِ إذن نحن مطلوبٌ منا أمرٌ هو: أن نقوم بطلب العفة، وكما أن الإنسان يطلب رزقه فلا بد أن يطلب كذلك عفَّته، ولا بد أن يُجاهد نفسه.
المحاور: يعني: أن النمو الجنسي عند المُراهق والمُراهقة يشمل الجانب الجسدي والنفسي.
الضيف: نعم.
المحاور: السؤال الذي كان يدور في بالي هو: كنتُ أتوقع أنها مسألة ميل الرجل للمرأة الميل الجسدي فقط، لكن الجانب النفسي أيضًا مطلوبٌ، فهل هو الذي يُشْبَع -مثلًا- بالكلام العاطفي وغيره؟
الضيف: أولًا: الميل بين الجنسين هذا أمرٌ طبيعيٌّ.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: لكن هناك ميلٌ وإشباعٌ جسديٌّ مُنحرفٌ، وهناك إشباعٌ نفسيٌّ مُنحرفٌ، وهناك إشباعٌ جسديٌّ يُؤْجَر عليه الإنسان، بل يكون عند بعضهم واجبًا، وهناك إشباعٌ نفسيٌّ يُؤْجَر عليه الإنسان، بل يكون واجبًا عليه، فهذا الأمر طبيعيٌّ جدًّا.
يعني: الجانب الجسدي هو ما يرتبط بإفراغ هذه الطاقة بشكلٍ عضويٍّ فيما يتعلق بالعلاقة الخاصة بين الزوجين، والجانب النفسي هو الأثر المُترتب على هذا الإشباع من الطمأنينة والراحة والاستقرار النفسي، وكذلك إشباع الجانب العاطفي الذي يكون أكثر نموًّا في هذه المرحلة بسبب الهرمونات الجنسية.
وانظر لقضية الزواج عندما يقول الله : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21]، لاحظ اللفظ: لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا فهي سكنٌ.
المحاور: نعم.
الضيف: هذا السكن أثرٌ عظيمٌ للإشباع النفسي والمعنوي والعاطفي، ولا شكَّ أن إفراغ الحب فيما أحلَّه الله بين الطرفين هذا هو الذي سيُساعد على هذا الأمر.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: ولذلك فعلًا أكبر بابٍ في الدخول إلى العفة والاستعفاف هو باب الزواج.
المحاور: الله أكبر.
الضيف: ولذلك تأتي النقطة الثانية وهي: الزواج المبكر، وأنا سأُرجئ هذه النقطة أيضًا إلى حين التعليق على السؤال، وإلى أن تأتي المُداخلة، بإذن الله .
المحاور: نعم.
التخلية قبل التحلية
الضيف: دعني أنتقل لنقطةٍ أخرى، وهي: المنهجية المهمة في التعامل فيما يتعلق بهذا المحك عند المُراهقين، حيث ينبغي عليهم أن ينظروا في أنفسهم في هذا الموضوع، ولمَن يتعامل كذلك مع المُراهقين، فلا بد من استعمال التخلية ثم التحلية، فمثلًا: لو أتيتك بكأسٍ فارغٍ.
المحاور: نعم.
الضيف: وتريد أن تشرب فيه ماءً، ولكنه مُتَّسخٌ، ولديك ماءٌ عذبٌ زُلالٌ، لو سكبتَ هذا الماء في هذا الكأس الفارغ هل ستشرب منه؟
المحاور: لا طبعًا.
الضيف: لماذا؟
المحاور: لأنه مُتَّسخٌ، وفيه قاذوراتٌ.
الضيف: إذن الماء العذب الزُّلال سيتَّسخ؟
المحاور: صحيحٌ.
الضيف: والطبيعي أني سأُنظف هذا الكأس.
المحاور: صحيحٌ.
الضيف: ثم أسكب الماء، ثم أشرب منه.
المحاور: صحيحٌ.
الضيف: هذه العملية تُسمى بالتَّخلية والتَّحلية، وهذا منهجٌ مهمٌّ جدًّا.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: والتخلية قبل التحلية، فأين التخلية في مثالنا؟
المحاور: نعم.
الضيف: التخلية هي: إبعاد ما يضرُّ، وهي الأوساخ.
المحاور: صحيحٌ.
الضيف: ومن ثَمَّ فإن التحلية هي: وضع ما ينفع، ولن ينفع إلا بعد أن نُبعد ما يضرُّ.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: ولذلك هذه قاعدةٌ مهمةٌ جدًّا، والعلماء يذكرونها حتى في الفقه والعقيدة، والله تعالى يقول: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ [البقرة:256]، فقال: يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ قبل أن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ، فالتخلية هي: الكفر بالطاغوت، والتحلية هي: الإيمان بالله.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: فلا يصلح الإيمان بالله إذا لم يكن هناك كفرٌ بالطاغوت، ونفس الشيء في موضوعنا.
الزواج المبكر يُساهم في حلِّ مشاكل الحياة
المحاور: معنا الآن الأستاذ: هاني بن علي العبدالقادر، مستشارٌ تربويٌّ، ومُهتمٌّ بالجوانب التربوية؛ ليُشاركنا في هذه اللحظات.
أستاذ هاني، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: أهلًا وسهلًا أستاذ هاني بن علي العبدالقادر المستشار التربوي في برنامج "أسس التربية"، واليوم حلقتنا عن محكاتٍ في التعامل مع المُراهقين، وموضوعنا اليوم هو المحك الثالث، وهو: الزواج أو العفة.
فأهلًا وسهلًا بك أستاذ هاني، ومعنا الدكتور خالد بن أحمد السعدي أيضًا.
المتصل: حيَّاكم الله جميعًا، وأهلًا وسهلًا بمُتابعي قناة "زاد" والقائمين عليها.
المحاور: حيَّاكم الله.
المتصل: ولك أستاذ أنور.
المحاور: الله يُسعدك.
المتصل: وتحيةٌ خاصةٌ لأستاذي في الجامعة الدكتور خالد السعدي، وتحيةٌ خاصةٌ أخرى لأخيه الأستاذ عبدالحكيم مُعلمي في المرحلة المتوسطة.
المحاور: ما شاء الله.
المتصل: هذه الأسرة الكريمة لها فضلٌ كبيرٌ عليَّ بعد الله.
المحاور: الله يجزيك خيرًا، ويُبارك فيك.
الضيف: جزاك الله خيرًا، والفضل لله، ثم لكم أستاذنا.
المتصل: يا مرحبًا.
المحاور: أستاذ هاني -الله يحفظك- نحن طبعًا قدمنا سؤالًا، ونُشِرَ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت هناك ردودٌ مُتفاوتةٌ، والسؤال هو: هل الزواج المبكر سيُساعد فعلًا في تخطي المُراهق هذه المرحلة بنجاحٍ؟
فكانت نسبة الإجابة بنعم: 54,95%، ونسبة الإجابة بلا: 23,1%، ونسبة المُحايد "لا أعلم": 21,95%.
ما تعليقكم أستاذ هاني على هذا السؤال وهذه الإجابات؟
المتصل: طيب، جزاك الله خيرًا.
إذا كان المقصود أن الزواج المُبكر يُقلل مشاكل المُراهقة مثلًا.
المحاور: إي نعم.
المتصل: فهذا ليس صحيحًا، ودعني أتكلم بشكلٍ أدقّ، فالزواج عند البلوغ لا يُساهم في حلِّ مشاكل المُراهقة، بل يُساهم في حلِّ مشاكل الحياة.
المحاور: جميلٌ، يعني: المفهوم أوسع.
المتصل: نعم، أوسع بكثيرٍ.
المحاور: إذن أنت مُؤيدٌ أستاذ هاني.
المتصل: بل أدعو بقوةٍ للزواج عند البلوغ.
المحاور: مُداخلتك أستاذ هاني بالبداية خوَّفتني قليلًا.
الضيف: أستاذ هاني من دُعاة الزواج المبكر بلا شكٍّ.
المحاور: طيب، أستاذ هاني، تفضل، حفظك الله.
المتصل: كثيرٌ من المُتابعين أيضًا سيُؤيدونني -إن شاء الله- حينما يتأملون في وظيفة المُراهق والمُراهقة، فنحن أحيانًا ننشغل بمُعالجة المشاكل والأعراض، يعني: ننشغل بالعَرَض عن المرض، وتفوتنا الوظيفة.
ما وظيفة المُراهَقَة؟
وظيفة المُراهَقَة هي: توفير المناخ الذهبي المُؤقت للزواج، وهذا المناخ مُؤقتٌ لا يُعوض، ومع هذا يتم هدره لخللٍ إيمانيٍّ ينقل عبودية القلب من عبودية الله إلى عبودية المال، وينتقل توكل القلب من توكله على الرزاق إلى توكله على الرزق، ويترتب على هذه المادية: تأخير الزواج عن البلوغ إلى الوظيفة أكثر من خمس عشرة سنةً -مثلًا-، بغَضِّ النظر عن خُلق الشاب ودينه، والنبي يقول: إذا خطب إليكم مَن ترضون دينه وخُلُقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريضٌ[1]أخرجه الترمذي (1084)، وحسنه الألباني في "مشكاة المصابيح" (3090)..
ودعنا نتأمل: إذا كانوا يرضون دينه وخُلُقه، فما الذي يردُّهم إذن عن تزويجه؟
المحاور: الجانب الاقتصادي مهمٌّ جدًّا في الحياة، فهم سيعيشون الشَّقاء بهذه الطريقة.
المتصل: صحيحٌ، أستأذنك، من فضلك دعني أسترسل قليلًا.
المحاور: تفضل.
المتصل: لا شك أن العامل الاقتصادي عاملٌ مُخيفٌ، وهذه الاستراتيجية هي الاستراتيجية الشيطانية التي دخل منها الشيطان على الإنسان: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268]، حتى لا تكون أولويتنا الدنيا.
فأسأل الله لي ولكم العمر والسلامة.
المحاور: جميلٌ.
المتصل: إذن الذي يمنعهم من التزويج رغم رضاهم عن دينه وخُلُقه هو المال، ويترتب على هذا انفصالٌ طويلٌ بين الزواج والبلوغ حتى يحصل على الوظيفة، ويحصل خلال هذا الانفصال الطويل الفساد العريض الذي نحتاج أن نتأمله قليلًا، وجزءٌ بسيطٌ من هذا الفساد العريض مُشكلات المُراهقة.
وهناك تفصيلٌ أكثر لهذا الفساد العريض ولبعض مشكلات المُراهقة في محاضرةٍ بعنوان: "سلسلة الفساد" على (اليوتيوب)، أدعو الجميع لمُتابعتها.
المحاور: ما عنوان المحاضرة؟
المتصل: محاضرة "سلسلة الفساد".
المحاور: سلسلة الفساد؟
المتصل: نعم، على (اليوتيوب)، ويتَّضح من هذه المحاضرة كيف يقوم الزواج عند البلوغ بالمُساهمة في منع هذا الفساد العريض، بإذن الله؟
المحاور: جميلٌ.
المتصل: لكن يمتنع الوالدان عن تزويج حديثي البلوغ من الجنسين، ويُفوتان أمورًا كثيرةً.
وأنا سآخذ هذين الوالدين معي في زيارةٍ إلى السجن المركزي، وأريد منهما أن ينظرا في قضايا القتلة الذين يُؤخَّرون إلى أن يبلغ ابن القتيل سنَّ التكليف، فإذا بلغ سنَّ التكليف يُحكِّمه الله في أن يطلب بالقصاص، أو يعفو، أو يقبل الدية.
والسؤال: أيُحكِّمه الله في حياة إنسانٍ: هلاكه أو بقائه، ولا يُحكِّم هذين الوالدين في زواجه وسعادته وعفافه؟!
المحاور: جميلٌ، هذا ملحظٌ جيدٌ يا شيخ.
المتصل: فالله يقول: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ [النساء:6].
الآن سأدخل في الهواجس الموجودة عند الوالدين.
المحاور: جميلٌ.
المتصل: يقول تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ، فأجمع العلماء على أن البلوغ هو الاحتلام أو النكاح.
إذن هم بلغوا النكاح الآن وتزوجوا، فما الذي يكون بعد الزواج؟
قال: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا [النساء:6].
والسؤال أيها الآباء: الرُّشد قبل الزواج أو بعد الزواج؟
بناءً على هذه الآية نفهم أن الرشد ليس شرطًا للزواج، وإنما هو شرطٌ للمسؤولية المالية، وهذه قضيةٌ أخرى، ولها تفسيرٌ وشرحٌ، بل الزواج هو سببٌ يُؤدي للرُّشد.
وأيضًا ندخل في شيءٍ آخر يفوت الآباء ولا يُدركونه: أحيانًا يكون رُشد الزوجين عاملًا مُعيقًا دون بلوغ الزواج أعلى درجات القوة في هذه المرحلة، وفي هذا أيضًا تفصيلٌ آخر في محاضراتٍ أخرى في قناة الزواج على (اليوتيوب).
أما بقايا الطفولة فكنزٌ عظيمٌ موجودٌ في حديثي البلوغ من الجنسين، وهذه البقايا كنزٌ عظيمٌ وميزةٌ لا تُعوض للزوجين حديثي البلوغ، فهي تُعطي هذه الصلة الزوجية بينهما ما لا يُعطيه الرقم الموجود في الرصيد البنكي، أو رقم المرتبة في السلم الوظيفي، فيتردد الآباء لعدم تحمل المسؤولية عند حديثي البلوغ، والحقيقة أن مسؤولية حديثي البلوغ في الزواج مختلفةٌ جذريًّا عن تصورنا السائد لتحمل المسؤولية الزوجية.
أولًا: هذه الأسرة الناشئة ستكون في حضانة الأسرة الأصلية، وهذا هو الوضع الطبيعي: أن تكون في حضانة الأسرة الأصلية، وهذا وحده مفتاح العودة للأسرة المُمتدة، والتَّخلص من خطر الأسرة النووية، والمسؤولية المالية في هذه المرحلة هي مسؤولية الأسرة الحاضنة، وليست مسؤولية الزوجين، وفي خطاب الله تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى [النور:32]، الخطاب مُوجَّهٌ للآباء، وليس للأبناء.
المحاور: جميلٌ.
المتصل: فمسؤولية الزوجين حديثي البلوغ هي توثيق صِلتهما ببعضهما فقط، والمطلوب في هذه المرحلة فقط أن يُوثقا صِلتهما ببعضهما، فحديثو البلوغ هم أقدر أناسٍ في هذا المناخ الذهبي المُؤقت على توثيق الصِّلة بينهم من أي سنٍّ آخر، بسبب ما آتاهم الله من ميزاتٍ وسماتٍ.
المحاور: جميلٌ.
المتصل: وأدعو الإخوة الكرام المتابعين ليكونوا أكثر ثقةً في تدبير الله تعالى لهم.
المحاور: لا إله إلا الله.
المتصل: وتوكلًا عليه، وتأملًا في آيات كتابه، وأن يحرصوا على أداء أمانتهم في أولادهم وبناتهم.
كما أدعوهم أيضًا لمُتابعة حساب "الزواج عند البلوغ" على (تويتر)، وقناة "الزواج عند البلوغ" على (اليوتيوب)، وأرجو أن ينفع الله بهما، وأشكر لكم جميعًا.
المحاور: شكرًا لك أستاذ هاني، وجزاك الله خيرًا على هذه المُداخلة القصيرة، وقد أَثَرْتَ مسائل كثيرةً تحتاج إلى نقاشٍ في حلقةٍ أخرى، ولعل الدكتور خالد السعدي يكون له تعليقٌ.
شكرًا أستاذ هاني بن علي العبدالقادر، مستشارٌ تربويٌّ، وصاحب موقع "الزواج عند البلوغ" على المُشاركة الجميلة.
دكتور خالد، لعلك تلغي إغلاق الصوت من عندك، هل تسمعنا؟
طيب، إلى أن يرجع لنا الدكتور خالد، فإن الأستاذ هاني بن علي العبدالقادر المستشار التربوي أثار في حديثه نقاطًا مُقلقةً بالنسبة لي.
الضيف: أي نعم.
التعليق على المُداخلة
المحاور: أهلًا يا دكتور، ما تعليقك على مُداخلة الأستاذ هاني بن علي العبدالقادر؟
الضيف: فيما يخص الزواج عند البلوغ؟
المحاور: نعم.
الضيف: الأستاذ الكريم هاني شكرًا له على مُداخلته، والحقيقة أنه يتبنى هذا الموضوع بشكلٍ قويٍّ جدًّا، ويطرح القضايا بشكلٍ فيه استدلالاتٌ مع ما يُواجهه من استدراكاتٍ، وما شابه ذلك، وهذا لا يضير الفكرة حين تُطرح، وتكون لها أدلتها بغَضِّ النظر عن الآراء هنا وهناك.
وأنا سأذكر لك -أستاذي أنور- وقائع ربما تدعم ما يتعلق بقضية كلام حبيبنا الأستاذ هاني، فقد حدَّثني أحد أساتذتنا (بروفيسور) في علم النفس، وهو شخصٌ مشهورٌ في هذا المجال التخصصي، فيقول: حضرتُ زواجًا لابن زميلٍ لي، فتفاجأتُ أن هذا الابن عمره خمس عشرة سنةً! ويقول: حضرتُ العام الذي بعده زواج ابنه الثاني، وإذا به في عمر خمس عشرة سنةً!
المحاور: ما شاء الله!
الضيف: ودكتورنا هذا من دُعاة الزواج المبكر أيضًا، ويُؤكد عليه، وأصل تخصصه في علم النفس والنمو، و(بروفيسور) في هذا المجال.
ولاحظ مثلما قال الأخ: إذا كان التكليف حصل، فالزواج من باب أولى.
وأشار إلى قضية تحمل المسؤولية، وهذه قضيةٌ ستأتي معنا في المحك الخامس بعد هذا المحك، وهو مُناسبٌ جدًّا لمحك العفة والزواج، ألا وهو محك تحمل المسؤولية في هذه المرحلة.
ولا شكَّ أنه إذا وُجِدَ النُّضج في الابن، ورُبِّي منذ نعومة أظفاره على ذلك، وتحمل المسؤولية، وهو أصلًا دخل سنَّ التكليف؛ ستكون هناك قابليةٌ لمثل هذه القضية، ناهيك عما يرتبط بالجانب المالي الذي هو مسؤولية الأسرة ومسؤولية الأب؛ حتى يتحقق هذا الأمان، ويتحقق الإشباع العضوي والنفسي.
المحاور: تفضل سعادة الدكتور.
الضيف: حيَّاك الله أستاذ أنور، حقيقةً حدَّثني أحد الفضلاء من الأساتذة الناجحين في المرحلة الثانوية: أن طالبًا كانت سُمْعَتُه سيئةً، فلا يترك شاذَّةً ولا واردةً إلا وقد ولج فيها!
يقول: وجدتُ الكلام عنه كثيرًا، فقلتُ: لماذا لا أتحدث معه وأنظر ما يمكن أن نفعل معه.
يقول: فجلستُ مع هذا الطالب، فوجدتُ أن قضيته مُرتبطةٌ بمشكلة العفة والغريزة، وقلتُ له: سُمْعَتُك بلغتْ ما بلغتْ! قال: أنا أعرف ذلك، وأسأل الله أن يتوب عليَّ، فماذا أفعل؟ فقلتُ له: ليس لك يا بني إلا الزواج. قال: نعم! الزواج! أنا طالبٌ في ثاني ثانوي، كيف أتزوج؟! هذا مستحيلٌ! قال: قلتُ له: يا بني، الزواج، الزواج، افتح الموضوع مع والدك.
يقول: فذهب مُستهترًا يظن أن الأمر بعيد المنال.
يقول: فأتى إليَّ هذا الطالب بعد أسبوعين، فقال لي: يا أستاذ عبدالله، أنت أشغلتَ بالي ولم أَنَمْ تلك الليلة، وحصل ما حصل. قلتُ: ماذا حصل؟ قال: أنا راكبٌ مع والدي في السيارة، فبدأتْ مشاعري تَنْتابُني، وأُفكر بنقطتك، وأريد أن أتحدث مع الوالد، وخشيتُ أن يصفعني كفًّا.
المحاور: نعم.
الضيف: وأن يرفض مني هذا الطلب.
يقول: والله دقات قلبي ازدادت، ولكن كلامك أن هذا هو الحل فعلًا أنا مُقتنعٌ به، فقلتُ: يا أبتي. فقال: ما عندك يا ولدي؟ قال: أريد أن أتزوج. قال: وأنعم رجل.
المحاور: أبرك ساعة.
الضيف: تستاهل، يقول: فسبحان الله العظيم! أُبشرك يا أستاذ، الآن والدي رضي ووافق، بل أُبشرك أننا قد خطبنا البنت.
المحاور: ما شاء الله! هذا في أسبوعٍ!
الضيف: وتزوج في أسبوعين.
المحاور: ما شاء الله!
الضيف: وتزوج هذا الطالب بعد ذلك بفضل الله ، فلما تنظر إلى الأب وتقول: لن يُزوج ابنه. وتنظر للابن وتقول: لن يتزوج. لكن أتى هذا المعلم الناجح فعلًا وقال: لا حلَّ لك إلا هذا، وهذا هو عين الحقيقة، وهو في محكٍّ شديدٍ، ولا بد أن يُشبع هذا المحك، والزواج هو أكبر منافذ الإشباع فيما يتعلق بموضوع العفة.
المحاور: لعلنا يا دكتور نرى رأي الأستاذة نورة بنت عياد المطيري، تربويةٌ ومديرة مشاريع في مركز "رُوَّاد الإبداع" ومركز "مرافئ الفتيات" في الخفجي.
أستاذة نورة بنت عياد المطيري، أهلًا وسهلًا بكِ في برنامج "أسس التربية".
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أستاذة نورة، هل الصوت واضحٌ؟
طيب، إذا صلح الاتصال نرجع للأستاذة ونسمع رأيها في هذا الموضوع.
إذن يا دكتور كان لدينا فعلًا شاهدان من الواقع على نجاح الزواج المبكر للشباب، وكان له أثرٌ في استصلاح وضع الشابين الآن.
الضيف: لاحظ: ليس استصلاحًا، فالنموذج الأول بناء، وليست هناك مشكلةٌ حاصلةٌ عندهم.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: إنما تزوجوا، فهذا بناءٌ، وهذه خطةٌ موجودةٌ داخل الأسرة، والنموذج الثاني فعلًا علاجيٌّ.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: فالزواج هو جانبٌ نمائيٌّ ووقائيٌّ وعلاجيٌّ أستاذ أنور.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: نعم، تريد أن نُكمل موضوع التخلية والتحلية؟
المحاور: نعم، نرجع إلى هذا: أساس التخلية والتحلية في العفة.
الضيف: فالتخلية: إبعاد أي شيءٍ ضارٍّ، فأي شيءٍ ضارٍّ -أخي الكريم- في الجانب المُرتبط بقضية النمو الجنسي لا بد من الابتعاد عنه؛ ولذلك جاء التوجيه من الله للمؤمنين بقوله: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30].
المحاور: الله أكبر!
الضيف: هذا الجانب مُرتبطٌ بالتخلية؛ لأنه حتى لو كان مُتزوجًا ولكنه ينظر إلى ما حرَّم الله؛ سيقع في فَخِّ الإشكاليات المُرتبطة بقضية إشباع الجانب الجنسي حتى ولو كان مُتزوجًا.
المحاور: جميلٌ.
الضيف: ولذلك التحلية لا تصفو إلا بعد التخلية، ومن التخلية مثلما قلنا: غَضُّ البصر، وأي شيءٍ أو بيئةٍ أو رابطٍ أو وسيلة اتصالٍ أو موقعٍ أو صديقٍ أو علاقةٍ فيها إشكالٌ يبتعد عنها.
المحاور: دكتور.
الضيف: نعم.
المحاور: الله يُسعدك، لدي وجهة نظرٍ قد تُصححها لي -جزاك الله خيرًا- ونحن تلاميذك في هذا الباب، لكن لا أعتقد أن في مثل موضوع الزواج نحتاج إلى التخلية التامَّة لدى الشابِّ، وإنما قد يكون الإشباع سببًا لإزاحة المشاكل أو التَّرسُّبات السيئة الموجودة، فيكون عندنا كأسلوبٍ علاجيٍّ أو بنائيٍّ أو وقائيٍّ أن نُشبع هذا الأمر، وبهذا الإشباع تتم الإزاحة، بهذه التنقية والتنظيف بأسلوب الإزاحة.
فلا أدري هل تُؤيد هذا أو لا؟
الضيف: هو على أية حالٍ إذا كان المقصود منها -يعني كما يُقال- التَّخفيف ... إلى آخره، فهذا الكلام صحيحٌ، لكن نحن لما نتحدث عن قضية التوجيه الشرعي المُرتبط بالحلال والحرام، وأيضًا نتكلم عن قضية الشعور بالسكن والودِّ والرحمة، والشعور بحقيقة المتعة المتعلقة بذلك.
المحاور: نعم.
الضيف: بأي شيءٍ مُرتبطٍ بقضية التحلية، فنقول: لا يمكن أن يحصل هذا الكلام إلا بعد التخلية، لكن ليس معنى كلامنا المنع من الزواج، فمثلًا: شخصٌ لا يصلح له الزواج لأمرٍ معينٍ يُؤثر في هذا الجانب، فنقول: لا تتزوج حتى تنتهي من هذه القضية.
المحاور: نعم، جميلٌ.
الضيف: نحن نتكلم عن الصورة التي يجب أن نكون عليها، والمُقصر يُراجع نفسه فيها.
المحاور: نعم، صحيحٌ.
الضيف: الشيء الثاني: أن أي أمرٍ إيجابيٍّ يمكن أن يُغَذِّي هذه القضية، أو يحرق الطاقة المتعلقة بهذه القضية يمكن أن نفعله.
وأُعطيك مثالًا: الرياضة من التَّحلية، يعني: عندما يُمارس الشابُّ الرياضة، ويحرق طاقته، ويشغل نفسه، ويملأ أوقات الفراغ بالقراءة يا أخي الكريم -مثلًا- والاستمتاع بالحلال، فكل هذه الأشياء من جوانب التحلية.
وخُذْ مثالًا يرتبط بقضية الصوم: ألم يقل النبي : مَن استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجاء[2]أخرجه البخاري (1905)، ومسلم (1400).؟
فهذا الصوم تحليةٌ.
طيب، شابٌّ يصوم، تقول: لماذا تصوم؟ قال: أريد أن أعفَّ نفسي، وأنا لا أستطيع الزواج.
هذا الشاب نُقبل رأسه، وتلك البنت التي تصوم من أجل أن تعفَّ نفسها يُقال لها: ما شاء الله عليك! تبارك الله.
فهذا منهجٌ مهمٌّ جدًّا.
المحاور: نعم.
الضيف: أن نسعى لتكثير جوانب التحلية، ونبتعد عن القضايا المتعلقة بالمُؤثرات السلبية، ألا وهو تحقيق جانب التخلية.
المحاور: نعم.
الضيف: لذلك القاعدة العامة: أن أي مُثيرٍ سلبيٍّ يجب سَدُّه، كما قال النبي : فليستعذ بالله وليَنْتَهِ[3]أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134).، وكما قال أيضًا: وَيْلَك! لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تَلِجْه[4]أخرجه أحمد (17634)، والحاكم (245)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3887).، أي: لا تفتح باب الشر والشيطان والحرام، وإذا دخلتَ هذا الباب سَتَلِجْه.
والجانب الآخر: التحلية حتى تُشبع هذا الجانب، أو على أقل تقديرٍ تَقِي نفسك، أو تحرق الطاقة المتعلقة بهذا الجانب -كما قلنا- بالرياضة، وإشغال أوقات الفراغ، والصيام، والزواج بلا شكٍّ أنفس معاني التحلية المتعلقة بمحك العفة والزواج.
المحاور: نعم، من خلال هذا النقاش يا دكتور نرى أن هناك توجُّهًا إيجابيًّا نحو دعم الزواج المُبكر، وجعله أعظم بابٍ للحصول على العفة والاستعفاف.
الضيف: والنسبة الأكثر تدل على ذلك.
المحاور: صحيحٌ.
الضيف: وهذا مُؤشرٌ جيدٌ.
المحاور: لا شكَّ أنه يا دكتور مبدأٌ جميلٌ، لكن أنا بالنسبة لي سأعود -إن شاء الله- بعد الحلقة إلى سماع كلام الأستاذ هاني بن علي العبدالقادر؛ لأنه أثار عندي بعض التَّساؤلات، وأحتاج إلى أن أسمعه كاملًا، ولعله يكون لنا لقاءٌ آخر.
وأنصح إخواني المستمعين والمستمعات بالسماع له، لعلنا تحصل عندنا بعض الأفكار التي توارثناها من التَّناقل العام والاحتكاك العام بالمجتمع، وصارت عندنا بعض القناعات التي قد تكون خاطئةً، ونحتاج إلى تحسينها، أو أننا نُناقشها بالمنطق العقلاني والإيماني.
الأسلوب العقلاني الانفعالي وعلاقته بالعفة
لعلك يا دكتور تدخل إلى باب الجانب العقلاني في موضوع الزواج والعفة إذا كان عندك شيءٌ في هذا الباب.
الضيف: أنا أريد أن أقول في هذا المضمار الذي يمكن أن نُسميه بالأسلوب العقلاني الانفعالي، ونستلهم هذا الأسلوب أستاذي أنور من النبي ، وأتذكر قصةً مشهورةً، وهي قصة الشاب الذي استأذن النبي في الزنا.
وأنا لن أتكلم على القصة وحيثياتها، فهي قصةٌ مشهورةٌ، لكن سأتحدث عن قوله: ادْنُه، فماذا فعل النبي بأبي هو عليه الصلاة والسلام؟
أخذه وحاوره بهذا الأسلوب الذي يمكن أن نُسميه: أسلوبًا عقلانيًّا انفعاليًّا، وهي نظريةٌ مشهورةٌ في العلاج النفسي: أتُحبه لأمك؟ قال الشاب: لا والله، جعلني الله فِداءك. قال: ولا الناس يُحبونه لأمهاتهم[5]أخرجه أحمد (22211)، والطبراني في "المعجم الكبير" (7679)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (370)..
لما قال النبي : أتُحبه لأمك؟ ماذا جاء عند الشاب؟
صورةٌ في ذهنه، ما الصورة؟
المحاور: هذا الجانب العقلاني.
الضيف: أن أُمه يُزْنَى بها، والعياذ بالله.
المحاور: نعم.
الضيف: هذا الجانب العقلاني أثَّر في الجانب الانفعالي، فقال: "لا والله، جعلني الله فِداءك".
المحاور: اللهم صلِّ وسلم عليه.
الضيف: فرفض هذا الشيء، وقال: أنه لا يمكن أن يقبل هذا الأمر.
المحاور: صحيحٌ.
الضيف: ولا الناس يُحبونه لأمهاتهم، ثم قال: أتُحبه لأختك؟ ورد نفس الرد، ثم أتُحبه لعمتك؟ ورد نفس الرد، ثم أتُحبه لخالتك؟ ورد نفس الرد.
فلاحظ أن هذا الجانب مهمٌّ جدًّا في موضوع العفة، والذي يقع في فخِّ المُؤثرات السلبية عليه أن يتذكر هذا الموقف بين النبي وهذا الشاب، فهل ترضى هذا الأمر لأمك؟ فيما يتعلق بانتهاك العِرْض أيًّا كان هذا الأمر من الفاحشة، أو من مُقدماتها، هل ترضاه لأمك؟ وهل ترضاه لأختك؟ وهل ترضاه لعمتك أو لخالتك؟
فإذا كان عاقلًا -وهو كذلك- سيتأمل هذه القضية، ونفسه ترفض هذا الأمر: "لا والله، جعلني الله فداءك"، ولا الناس يُحبونه لبناتهم.
وقد جربتُ هذا، وأذكر قصتين إذا سمحتَ لي.
المحاور: باختصارٍ إذا تكرمتَ، الله يحفظك ويرعاك؛ لأن الوقت يُداهمنا.
الضيف: كم بقي من الوقت؟
المحاور: دقيقتان للأسف.
الضيف: وجدتُ شخصين يتعرَّضان إلى بنات الناس، فقلتُ لهما: السلام عليكما، لو كُنَّ هؤلاء أخواتكما ماذا تفعلان؟! وغادرتُ، ثم لحقوني، قالوا: والله هذه الكلمة ما قالها لنا أحدٌ! قلتُ: هذا كلام النبي . فقالا: نُعاهدك ألا نعود إليها بعد ذلك؛ لأنهما تذكرا أخواتهما.
وطالبٌ في الجامعة أتى وقال لي: كل شيءٍ أكاد أكون فعلتُه إلا الزنا -والعياذ بالله-؛ لأني لا أقبله، أتذكر أختي. فقلتُ له: هل ترضى لأختك أن يخرج معها شابٌّ؟ قال: لا. قلتُ: كما فعلتَ في موضوع الزنا فافعل في موضوع العلاقات؛ حتى تمتنع عن ذلك.
هذا أسلوبٌ يُسمى: الأسلوب العقلاني الانفعالي، وهو ناجحٌ في الابتعاد عن المُثيرات السلبية المُرتبطة بالإشباع الجنسي، والله أعلم.
المحاور: أحسنتَ، بارك الله فيك يا دكتور، ونفع الله بعلمك.
والحقيقة أن الموضوع أخذ حيزًا كبيرًا، فلم أكن أتوقع أن يأخذ الحلقة كاملةً، لكن أجد أننا قصَّرنا نوعًا ما في إشباع هذا الموضوع، خاصةً بعد إثارة بعض النقاط التي قلبتْ عندنا الموازين التي قد تكون موازين منكوسةً، وليست صحيحةً، لكن أسأل الله أن يرزقنا وإخواننا وأخواتنا الهدى، والتُّقى، والعفاف، والغِنَى.
الضيف: آمين.
المحاور: مبدأ العفة مبدأٌ عظيمٌ جدًّا، يُربي عليه الإنسان نفسه، والحقيقة أنه ليس بالأمر السهل والهين، وإنما يحتاج إلى المُجاهدة، والله وعد بالإعانة: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69].
ونذكر في جانب المُحافظة على أعراض المسلمين والمسلمات: "ولو زِدْتُ لزاد السَّقا"[6]يُشير إلى قصةٍ مشهورةٍ، وهي: أن جواهرجيًّا صالحًا دعاه أحد الأمراء ليشتري منه بعض الأحجار الكريمة، فوقع بصره … Continue reading.
كلمةٌ أخيرةٌ نختم بها مع الدكتور خالد السعدي في عشرين ثانيةً.
الضيف: أسأل الله أن يُبارك، وأن يرزقنا العفة وذُرياتنا، وأن تهتم الأُسر بالنظر في هذا الموضوع بجديةٍ، وله علاقةٌ بالمحك القادم، ألا وهو: محك تحمل المسؤولية.
المحاور: نفع الله بكم يا دكتور، وما زلنا مع محكات التعامل مع المُراهقين، وانتظرونا في الحلقة القادمة، وسنتكلم عن موضوعٍ آخر من مواضيعها القوية بعنوان: تحمل المسؤولية لدى المُراهقين والمُراهقات.
شكرًا لكم أعزائي المشاهدين والمشاهدات، ونأمل منكم المُشاركة والمُتابعة عبر قنوات التواصل الاجتماعي.
سدَّدكم الله، ووفَّقكم، ونفع بكم أجمعين أينما كنتم.
الضيف: آمين.
المحاور: هذا ما تيسر، وشكرًا لسعادة الدكتور، وشكرًا للذين داخلونا.
الضيف: شكرًا لكم.
المحاور: والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
↑1 | أخرجه الترمذي (1084)، وحسنه الألباني في "مشكاة المصابيح" (3090). |
---|---|
↑2 | أخرجه البخاري (1905)، ومسلم (1400). |
↑3 | أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134). |
↑4 | أخرجه أحمد (17634)، والحاكم (245)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3887). |
↑5 | أخرجه أحمد (22211)، والطبراني في "المعجم الكبير" (7679)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (370). |
↑6 | يُشير إلى قصةٍ مشهورةٍ، وهي: أن جواهرجيًّا صالحًا دعاه أحد الأمراء ليشتري منه بعض الأحجار الكريمة، فوقع بصره على امرأة الرجل، وكانت حسناء، فوسوس إليه الشيطان بالفحشاء، ثم أفاق من سَكْرَته، فاستغفر ربه، وغَضَّ بصره، فلما أن عاد إلى البيت وجد امرأته في انتظاره، وكأنها تريد أن تقول شيئًا؛ فاستنطقها، فقالت: قُلْ أنت أولًا. فقال: حدث اليوم معي شيءٌ لم أعتدهُ من قبل. قالت له: ماذا حدث؟ قال: حدث معي كذا وكذا. فأطرقتْ مَلِيًّا، ثم قالت: حدث معي نفس الشيء بعدما انصرفتَ. قال: كيف؟ قالت: جاء السَّقا كالمعتاد، ففتحتُ له الباب، فرأيتُه يُحَمْلِق فيَّ كغير العادة، فطردتُه وأغلقتُ الباب في وجهه، فلما أن حكيتَ ما حكيتَ لم أتعجب مما رأيتُ. فقال قولة حقٍّ أصبحتْ مثلًا، وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها: "نقرةٌ بنقرةٍ، ولو زِدْتُ لزاد السَّقا". "موسوعة الرقائق والأدب" لياسر الحمداني (ص6507). |